خطأ ، لأنّه يدل على إحساسه بوجود ذاتيّ له ، إلى جانب وجود الخالق ، مع أنّ الأولى هو أن تكون ذاته فانية في ذات الخالق ، فلا يبقى هناك عابد ومعبود ، بل محبّ فني في ذات المحبوب .
( 519 ) يعزو الشاعر جمود العالم الماديّ إلى غفلته عن الخالق . ولو أنّه أبصر الخالق وعرفه لما بقي له وجود منفصل عنه .
( 525 ) العالم الماديّ سجن الروح . أما العالم الروحيّ فهو عالم رحب لا يقاس به هذا العالم الماديّ مهما بدا لنا كبيراً فسيح الجنبات .
( 527 - 529 ) يذكر الشاعر هنا معجزات الأنبياء كدليل على قدرة اللَّه ، تلك التي لا تقارن بها قدرة إنسان مهما عظم . فقدرة اللَّه جعلت عصا واحدة بيد موسى تتغلّب على كل رماح فرعون . وجعلت نَفَسَ المسيح يبرئ ما يعجز عنه طبّ جالينوس . وجعلت محمداً يعجز العرب بالقرآن الذي أنزل عليه مع أنهم كانوا أهل الفصاحة وأساطين البيان .
( 537 ) يتحدّث الشاعر هنا عن الصراع بين الروح والجسم . الروح تميل إلى الصعود والتسامي على حين أنّ الجسم يميل إلى الهبوط إلى عالم المادة ، عالم الماء والطين ، وما يرتبط به من متع حسيّة .
( 538 ) إنّ من انطوى كيانه على تلك الروح - ومع ذلك غفل عنها ، ومال إلى ما هو دونها من المادة - قد هبط بنفسه من مقامه العالي ، مقامه الروحي الذي هو فوق وهم العقول إلي مقام ماديّ متواضع ، فإنّه بذلك قد مسخ نفسه .
( 541 ) آدم الذي خلقه اللَّه على صورته ، وعلمّه الأسماء كلها ، وأمر الملائكة بالسجود له لا ينبغي أنْ يكون أبناؤه على هذا المستوى من الحطّة فيما يتلعق بمقام الروح .
( 542 - 543 ) يسخر الشاعر من غرور الإنسان وتجبّره وطغيانه .
فهذا طاغية يتولاه الكبر والغرور ، فتسول له نفسه أنّه قادر على
“ 486 “
امتلاك الدنيا وبسط سلطانه عليها . وإنّ لفتة واحدة من الخالق تقضي على كل هذا السلطان ، وما ارتبط به من طغيان .
ومهما ساد هذا الطغيان ، وملأ الدنيا ، فليس يعدو أن يكون كالثلج الذي يغطيّها في فصل الشتاء ، فتجيء الشمس ، وبلفحة واحدة منها تبدّده وتقضي عليه ، وعلى كل ما اقترن به من برد واكتئاب .
( 547 ) عندما حطمّ إبراهيم الأصنام ، ألقي في النار بأمر النمرود ، ولكنّ اللَّه حفظه وجعل النار عليه برداً وسلاماً . قال تعالى :” قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ . قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ “( 21 : 68 ، 69 ) .
( 548 ) الصوفيّ لا يرى في الوجود فاعلًا سوى اللَّه . أما الأسباب والوسائل التي تقترن بحدوث الأشياء فهي ما تطلبه عقول الناس في هذه الدنيا . فإذا ما انعدمت الأسباب ، وحدثت الأمور من غير أنْ تكون مقترنة بها ، فإنّ العقل تتولاه الحيرة ، وإذ ذاك يمعن في الخيال ، باحثاً عن الأسباب ، ملتمساً الدواعي والمبررات فترد عليه ألوان مختلفة من التفسيرات ، كلها متضاربة غير مقنعة ، ويصل الإنسان - من جراء ذلك - إلى موقف يشبه موقف السوفسطائية ، الذين عُرفوا بأنّهم لم يكونوا يتحققون من شيء .
( 566 ) لا تستسلموا إلى حواسكم الدنيوية وملذاتها . تخلّصوا من هذه الأحاسيس ، التي تصرفكم عن التأمل الباطني ، وتشكلّ حجاباً كثيفاً أمام أرواحكم .
( 569 ) ما دمتَ غارقاً في أمور هذه الدنيا ، مشغولًا بخطوبها ، فكيف يتسنّى لك أنْ تلمّ بلمحة من عالم الروح ، ذلك الذي لا ينكشف إلا لمن نام عن هذه الدنيا ، وصرف حواسه وقلبه عن التعلق بها .
( 571 ) من المعجزات المنسوبة إلى المسيح أنّه مشى على الماء .
“ 487 “
( 572 - 573 ) يذكر جلال الدين البحر في مواضع كثيرة من شعره ويتخذ منه رمزاً لعالم الروح . فالبحر عنده مظهر للوحدة الصورية واللونية ، يظهر للعين متشابهاً ، لا أول له ولا آخر . وغموضه شبيه بالغموض الذي يكتنف عالم الروح ، على حين أن اليابسة تمتاز بتعدد الألوان والأشكال ، فيها السهل والجبلّ ، والصحراء ، والخضرة والجفاف . فهي عالم الصور المتعدّدة ، والمظاهر الماديّة المتنوعة . وهي على عكس عالم الروح الذي تسوده البساطة ، النابعة من الوحدة .
( 574 ) ماء الحياة ، هو الماء الأسطوري الذي قيل إنّ الإنسان لو شرب منه لتحقّق له الخلود . وقد اقترن ذكره بالخضر ، الذي يقال إنّه شرب من ماء الحياة فتحقّق له الخلود . وهذا الماء قد اقترن بالقصص الأسطورية التي نُسجت حول شخصية الإسكندر المقدوني . فقد ذكر في هذه القصص أن الإسكندر هلك وهو يبحث عن ماء الحياة .
وقد ذكر ماء الحياة كثيراً في الشعر الفارسي الصوفيّ . يقول سعدي :زكار بسته مينديش ودل شكسته مدار * كه آب چشمهء حيوان دورن تاريكست .( لا تفكر في الأمر العصيّ ولا تكن كسير القلب ، فإنّ ماء نبع الحياة في داخل الظلمات ) . ( الگلستان ، القصة 17 من الباب الأول . ص 32 ، طبعة نفيسي ، طهران ، 1341 ) .
فالوزير هنا يقول لأتباعه : إنّ من قضى عمره متعلّقاً بهذه الأرض ، مفتتناً بها ، لا يتسنى له أنْ يجد السبيل إلى ماء الحياة . فلا بدّ لذلك من السعي والبذل والعناء .
[ شرح من بيت 600 إلى 750 ]
( 603 ) بيّن نيكولسون في تعليقه على هذا البيت كيف أنّ جلال الدين كان يرى هذا النوع من الأعلام في الإمارة السلجوقية التي كان يعيش فيها . فالأمير غياث الدين بن علاء الدين السلجوقى ( 634 - 634645 - 634645 - 645 هـ )
حينما تزوج بابنة ملك جورجيا ، ضرب نقوداً فضية
“ 488 “
تحمل صورة أسد تعلوه الشمس . وقد نقل نيكولسون أيضاً نصوصاً تاريخية تثبت أنّ أعلام هذا الأمير كانت تحمل صورة الأسد . ( انظر الجزء الأول من تعليقاته على المثنوي ، ص 56 ) .
( 606 ) اللَّه هو الموجود الحقيقي الأوحد . ولقد خلق كل شيء من العدم . العدم غدا ملتذاً بالوجود بعد أن أصبح عاشقاً للخالق الموجد . ويرتبط بهذا فكرة الصوفية عن المحبة الإلهية . فالإنسان الذي تحقق له الوجود البشري ، يُفني هذا الوجود في ذات الخالق ليتحقّق له الخلود . إن العدم ينقلب إلى وجود بقوة الخالق . والفناء في الخالق هو سبيل الخلود . وكل شيء منه وإليه .
( 610 - 611 ) إنّ لطف اللَّه هو الذي جاء بالخلق من عالم الإمكان إلى عالم الوجود . فليس للإنسان اختيار في وجوده ، وإنما لطف اللَّه هو الذي يهب هذا الوجود . والإنسان يتلقى وجوده على الوجه الذي يريده الخالق ، ولا حيلة للإنسان في ذلك ، فهو كالصورة بين يدي المصور ، أو كالطفل في الرحم .
( 616 - 625 ) يعود الشاعر هنا إلى حديث الجبر والاختيار . وهو يؤمن بالموقف الوسط بين الجبر والاختيار . ويُعتبر أبو الحسن الأشعري أول من نادى بهذا الرأي . كان هذا في أوائل القرن الرابع الهجري بعد أنْ طال الخلاف بين المعتزلة وأهل السنة . يقول المعتزلة بأنّ الإنسان خالق أفعاله وموجدها .
أما أهل السنة فيقولون إنّ اللَّه وحده هو خالق كل شيء ولا يد لإنسان في إيجاد عمل من الأعمال .
ويقف الأشعريّ موقفه الوسط بأن يقول إن اللَّه يخلق الأعمال ويوجدها حين يريدها الإنسان .
فالإرادة الإنسانية الحرة يقترن بها خلق اللَّه للأفعال وإيجادها
. ويسوق جلال الدين الأدلة على ذلك .
ففي غروة بدر كان اللَّه هو الذي رمى الكفار وليس الرسول والمؤمنون .
وذلّ الإنسان وخضوعه لرّبه هو دليل الجبر ، ولكنّ الخجل من الآثام هو دليل الاختيار . ومن أدلة الاختيار زجر الأساتذة
“ 489 “
للتلاميذ ، وذلك ليحسن اختيارهم لأعمالهم ، وكذلك انصراف خاطر الإنسان عن رأي يكون قد عقد العزم عليه . وإذا مرض الإنسان استيقظ ضميره ، فيتجلىّ له قبح الإثم ويزمع العودة إلى الطريق السويّ .
( 635 - 636 ) هنا يسخر الشاعر من نفاق البشر . فالمرء إذا عمل عملًا يعجبه ويعتزّ به باهى بمقدرته ، وفاخر بما اقتدر على إنجازه .
لكنّه إذا أتى أمراً نكرا نسب ذلك إلى ربه ، واعتذر عن إتيانه بأنّ هذا هو ما أراده له اللَّه .
( 637 ) الأنبياء بزهدهم في هذه الدنيا وانصرافهم عنها ، كأنهّم مجبرون على الإقامة فيها ، هكذا أراد لهم ربهم ، لأداء رسالتهم .
أما الكفار فمجبرون فيما يتعلق بأمور الآخرة . فاختيارهم إنما هو للدنيا ومتاعها ، أما الآخرة وحسابها فمفروضة عليهم ، ولو تركوا واختيارهم لا ختاروا الخلود في الدنيا .
( 674 - 675 ) “ من نظر إلى جوهر الرسالات السماوية وجد أنّها واحدة ، فليس من موجب للتفريق بين رسل اللَّه ، فهم حملة رسالة جوهرها واحد ، وإرادتهم هي إرادة اللَّه . وعلى هذا الأساس يرى الصوفية ألا موجب للتفريق بين اللَّه وبين الرسل . فالرسل بإرادتهم قد فنوا في الخالق وتلاشى وجودهم في وجوده . فمن فرق بين اللَّه ورسله يكون قد جرى على مقتضى الصورة الظاهرة ، لا على مقتضى الحقيقة ، فهو من أتباع الشكل لا الجوهر .
فلا جلاال في أن الرسول يختلف عن الخالق من حيث الصورة ، فالفاني ليس كالأزلي ، لكن رسالة الرسول هي بذاتها رسالة إلهية ، وهي باقية باللَّه “ .
ويستند الصوفية في ذلك إلى آيات ، منها :” إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ “.
( 48 : 10 ) ،” وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى “. ( 8 : 17 ) ،” مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ “. ( 4 : 80 ) .
( 676 - 681 ) قدم الشاعر صوراً توضيحية لوحدة الرسل . فالإنسان
“ 490 “
يبصر بنور العينين . ولكن نور كل عين لا يتميز عن نور الأخرى ساعة الإبصار . والمكان قد يضاء بعشرة مصابيح تختلف في صورها الظاهرية .
لكنه لا يمكن تمييز النور المنبعث من كل من هذه المصابيح . وثمار السفرجل إذا عصرت تحولت كلها إلى طبيعة واحدة متشابهة ، بعد أن كانت ثماراً تختلف في صورها . وفي هذا التوحد والانسجام لا يمكن أن يتميز ماء ثمرة عن ماء الأخرى .
( 682 - 683 ) يشير الشاعر في هذين البيتين إلى تشبث أكثر الناس بما يقع تحت حسهم ، وعجز أكثرهم عن التجريد ، والنظر إلى ما وراء الصور الظاهرة .
( 686 - 687 ) لعل في هذين البيتين إشارة إلى نظرية الفيض المعروفة عند الصوفية . فقبل أن تفيض الكثرة عن الواحد ، كان الناس في عالم الروح متحدين ، ولم تكن الأرواح قد حلّت في الأجساد ، واتخذت تلك الصور البشرية . كان الناس جوهراً واحداً كالشمس ، وكانوا متجانسين في صفاء كالماء . وقد ذكر جلال الدين في موضع آخر من المثنوي أنّ روح المؤمنين واحد ، وأنه في إشراقه على الأبدان كالشمس إذ تشرق على المنازل . ففي كل منزل قدر من ضوء الشمس ولكن إذا هُدمت الجدران التي تقصلها فإنّ أضواء هذه المنازل تتحد معاً . وهكذا الأجساد البشرية ، فهي حينما تتحطم ، تصبح أرواح المؤمنين روحاً واحداً “ 1 “ .
أما تشبيه عالم الروح بالماء أو بالبحر فكثير الورود في المثنوي وذلك لما في الماء من تجانس واتحاد في المظهر ، ولما في البحر من اتساع وعمق وغموض .
( 690 ) لا يريد الشاعر أن يفيض في شرح آرائه الصوفية ويطيل الحديث عن عالم الروح خشية أن يستمع إلى ذلك من لا يكون ذا مقدرة على فهمه ، فتكون النتيجة على غير ما يُراد . وهذا اتجاه يكاد يكون عاماً عند مفكري الصوفية .
...............................................................
( 1 ) المثنوي ، ج 4 ، 415 - 418 .
“ 491 “
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin