( 3754 ) يخاطب الكافر عليّاً بقوله : “ هؤلاء العارفون - على اختلاف درجاتهم - متجهون إليك ، وقد تعلقت أبصارهم وآذانهم بصنيعك ، لما تجلى فيه من جمال الكشف الروحي . فهذا الصفح قد أظهر أمامهم مثلًا رائعاً من الحلم وضبط النفس . وهم - في الوقت ذاته - منصرفون عنّي ، لم تلفت أنظارهم شناعة عملي ، لأن مبعثه الحقد والبغضاء والميل مع الهوى ، وهؤلاء لا صلة لقلوبهم بهذه الأحاسيس “ .
( 3760 - 3762 ) المرشد يشرق نور هدايته - الذي يتجلى في سلوكه وأفعاله - فيهدي السالكين . ولكنه إذا تكلم كان أكثر هداية لهم ، وكانت أقواله تزيد أفعاله وضوحاً ، فيسهل على مريديه الاقتداء به . وقد قدم ابن العربي لحديثه عن الأولياء المرشدين بقوله :ومن عجب أني أحنّ إليهمو * وأسأل عنهم من أرى وهمو معي
وترصدهم عيني وهم في سوادها * ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي( الفتوحات المكيّة ، ج 1 ، ص 178 ) .
( 3763 ) في هذا البيت إشارة إلى الحديث الذي ينسب إلى الرسول أنه قال : “ أنا مدينة العلم وعليّ بابها “ .
( 3764 ) قوله : “ حتى يتحقق بك وصول القشور إلى اللباب “ ، معناه “ حتى تكون هادياً لمن أسارى عالم الحس الظاهر إلى عالم الروح ، وهو الهدف الأسمى لوجود الإنسان في هذا العالم .
( 3767 ) ليس للقلب سبيل إلى الانطلاق من عالم الحس إلى عالم المعنى ما لم يفتح له الباب مرشده وراعيه .
( 3768 ) لو انفتح أمام القلب باب يشاهد منه العالم الروحي ، لبهره جمال ما يشهد ، وكان هذا الجمال مثيراً لخياله ، باعثاً له على الانطلاق محلقّاً بأجنحة شداد في عوالم من التأمل الروحي العميق .
( 3769 - 3770 ) المرشد الروحي بما يكون عليه من التواضع والزهد
“ 621 “
والتقشف يبدو للسالك مظهراً لا خير وراء . والسالك قد يقصده فيجد عنده كنوز المعرفة على غير توقع منه ، كما قد يجد بعض الناس كنزاً في الأرض الخراب . وإذ ذاك ينجذب السالك إلى كل مرشد روحي ، كما يندفع مكتشف الكنز نحو كل أرض خراب . ولو لم يجد السالك ما يسعده من جواهر الحكمة عند أحد المرشدين الروحيين ، لما قاده ذلك إلى أن يطلب صحبة رجال التصوف ، وينشد الارتباط بهم .
( 3771 - 3772 ) الإنسان المعتدّ بنفسه ، المبتعد عن رجال الحقيقة ، يعيش أسير ظنونه ، ولا سبيل له إلى إدراك اليقين . فالمعتدّ بنفسه لا يستطيع أن يفيد معرفة من غيره ، كمن شمخ بأنفه فلم يعد يبصر شيئاً سواها .
( 3775 ) كان من المعروف أن الشمس هي التي تبث الروح الحيواني في الأحياء .
( 3784 ) قوله “ الباز الذي يصيد العنقاء “ معناه “ يا من أنت قادر على الظفر بأعمق حقائق العرفان التي تستعصي على الآخرين “ .
( 3794 ) الرياح العاصفة “ هنا رمز للأهواء والشهوات التي تذهب بثبات الرجال وتعصف بهم .
( 3797 ) الشطر الثاني من البيت يمكن أن يقرأ على النحو التالي :
“ ورشوم چون كاه بادم ياد اوست “ .
ومعناه : “ ولو صرت كالقشة فلا ريح تحركني إلا ذكره “ . والقراءتان - في نظرنا - مقبولتان .
( 3806 ) قوله “ فما هو إلا عيان ومشاهدة “ يعنى أن اليقين يحل بالقلب النقي فيكون صاحبه صادراً في عمله عن يقين تكشّف له ، وليس دافعه حينذاك التقليد ، ولا الظن والخيال .
( 3810 ) يتحدّث الشاعر هنا حديثاً مباشراً فيقول إنه لا يجوز أن تُكشف الأسرار الروحية لعامة الخلق إلا بمقدار ، فعقولهم لا تتسع لها ،
“ 622 “
كما أن مجرى النهر لا يتسع لماء البحر .
( 3818 ) إن الذي يتبع الشهوات لا يستطيع الخلاص من سيطرتها عليه . فكأنما هو قد ألقى بنفسه في بئر عميقة القرار . والشاعر يؤكد هنا إيمانه بمسئولية الإنسان عن أفعاله فليس ارتكاب الذنوب جبراً إليهاً ، بل هو خطيئة إنسانية .
( 3819 ) البئر التي لا رسن يوازي عمقها “ كناية عن الخطايا والشهوات التي يصعب الخلاص منها على من أصبح أسيراً لها .
( 3821 ) إن الأكباد التي لا تتأثر ، بمثل هذا النداء الروحي ، وبهذا التحذير من الحسّ وشهواته ، لم يكن فعلها هذا ناشئاً عن صلابتها وقدرتها على الصمود أمام روعة هذا النداء ، وإنما كان بسبب غفلتها وحيرتها وانصرافها عن سبيل الحق . فهي لا تسمعه ، ولهذا لا تتأثر به .
( 3822 ) قوله : “ فلتدْمَ في وقت لا يكون فيه دمك مردوداً “ .
معناه : “ فلتبادر إلى الإصغاء لنداء الحق والعمل به قبل أن يأتي وقت لا ينفعك فيه الندم ، ولا يفيدك إدراك الحقيقة بعد فوات الأوان “ .
( 3824 ) إن الرسول قد أرسل شاهداً على الخلق . وإنه لأعظم الناس أهلية لهذه الشهادة ، لأنه قد تحرر من استعباد المادة تحرراً كاملًا . وعبد المادة والشهوة - كما ذكر الشاعر - أمعن في العبودية من العبد الرقيق . ( انظر 3815 ، 3816 ) .
( 3825 ) عاد الشاعر هنا إلى إجراء الحديث على لسان عليّ .
( 3826 ) في البيت إشارة إلى حديث قدسي نصّه : “ إن رحمتي غلبت على غضبي “ .
( 3830 ) إن المعصية التي ارتكبها خصم عليّ كانت سبباً في اهتداء هذا الخصم . ذلك لأنها كشفت حلم عليّ وتجرده من الغرض أمام هذا الخصم ،
“ 623 “
فتجلى له اليقين ، وحمله الإيمان إلى أعلى سماواته .
( 3832 ) كان عمر بن الخطاب قاصداً قتل الرسول ، فلقيه على الطريق من نهاه عن ذلك ، ونبهه إلى الالتفات إلى أهل بيته حيث أن أخته فاطمة وزوجها سعيد بن زيد بن عمرو قد أسلما . فذهب قاصداً أخته وزوجها ليؤاخذهما على اتباع دين محمد . وكانت معهما صحيفة من سورة طه ، قرأها عمر فاهتدى إلى الإسلام ، وذهب إلى الرسول ثم أعلن إسلامه .
( انظر القصة برواياتها المختلفة في سيرة ابن هشام ، ج 1 ، ص 366 - 375 ، طبعة الحلبي . القاهرة ، 1936 ) .
( 3836 ) إن انبثاق الطاعات من المعاصي على هذا النحو الذي وصفه الشاعر يدل على أن باب الأمل مفتوح على مصراعيه أمام الناس . إن اللَّه قد ضرب عنق اليأس ، وأراد لعباده أن يتحرروا منه .
( 3837 ) يشير الشاعر هنا إلى قوله تعالى :” إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً ، فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ ، وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً “. ( 25 : 70 ) .
والتوبة هنا هي البداية الجديدة لحياة من الإيمان وصالح الأعمال تجبّ ما قلبها من حياة العصيان . وفي القرآن آيات كثيرة ذكرت التوبة وبينت أنها وسيلة لغفران الذنوب . ومن هذه الآيات قوله تعالى :” إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً “. ( 19 : 60 ) .
وقوله :” وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ “. ( 7 : 153 ) . وللتوبة الحق شروط لا مجال لذكرها هنا .
أما قول الشاعر “ على الرغم من الوشاة “ فمعناه أن اللَّه يقبل التوبة ممن يصح عزمه على الصلاح وترك العصيان ، وذلك على الرغم من قول المتشائمين ، الذين يذهبون إلى استحالة قبول التوبة من العاصي ، ويغلقون بذلك باب الأمل المفتوح أمام الناس .
( 3841 - 3843 ) يقدم الشاعر في هذه الأبيات تصويراً لمحاولة الشيطان إغراء الناس وإيقاعهم في الخايا ، وتربية الإثم في نفوسهم .
“ 624 “
( 3844 ) عاد الشاعر هنا إلى إجراء الحديث على لسان عليّ . وقد ذكر في الأبيات التالية قصة عن علي خلاصتها أن الرسول كان قد أخبر خادم علي أن هلاك سيده يكون على يديه ، وأن علياً برغم علمه بذلك لم يقرب خادمه بسوء . وفي القصة عناصر لا يُعرف لها أصل ، وفيها عناصر يمكن أن تُرد إلى أصولها .
فأما وصف عبد الرحمن بن ملجم بأنه كان خادم علي ، فهذا ما لم أعثر عليه في أي من المصادر التاريخية التي رجعت إليها . لكن هناك ما يشير في المصادر إلى أن علياً كان يعرف قاتله ، وكذلك أن الرسول تنبأ سلفاً بمقتل علي . ومما ذُكر من ذلك “ أن علياً كان يخطب مرة ويذكر أصحابه ، وابن ملجم تلقاء المنبر فسُمع وهو يقول : واللَّه لأريحنهم منك . فلما انصرف علي إلي بيته أُتي به ملبباً ، فأشرف عليهم فقال : ما تريدون ؟ فخبروه بما سمعوا . فقال : ما قتلني بعد ، فخوا عنه “ . ( الكامل للمبرد ، ج 3 ، ص 198 ، مطبعة نهضة مصر ، القاهرة ) .
وخوطب علي في شأن ان ملجم فقيل له : “ كأنك قد عرفته ، وعرفت ما يريد بك ، أفلا تقتله ؟ فقال : كيف أقتل قاتلي ؟ “ ( المصدر السابق ) .
وفيما رواه ابن طباطبا ما يشبه ما ورد في كتاب الكامل . ولكنه يضيف إليه قوله : “ وهذا يدل على أن رسول اللَّه أعمله بذلك في جملة ما أعمله به “ .
(تاريخ الدول الاسلامية المعروف بالفخري ، ص 99 ، بيروت ، 1960 ) .
( 3853 - 3854 ) القاتل ليس إلا أداة من الأدوات التي يستخدمها الحق في إماتة الناس . فهو وحده الذي يجيي ويميت . ولكن إذا كان هذا القتل من فعل اللَّه ، فلماذا يكون القصاص ؟ ويجيب الشاعر على ذلك بأن هذا القصاص من الأسرار الإلهية ، ولكنه مع ذلك لا يخرج من كونه صورة من الصور التي يتجلى فيها التضاد الظاهري فيما ينبثق عن الصفات الإلهية التي استوعبت الكون بكل مظاهره .
( 3855 ) إن ما قد يظهر في الكون من قهر إلهي ، يعقبه لطف يمحو آثار هذا القمر ، ويشيع في مكانه الرحمة والرضى .
“ 625 “
( 3860 ) كل شريعة أنزلها اللَّه كانت أكمل مما سبقها . ولهذا فإن الخالق ما حطم شيئاً إلا صنع ما هو خير منه .
( 3861 ) مظهر القهر قد يستر وراءه خيراً ولطفاً ، كاليل يحجب نور النهار بظلامه ، ويلف الخلق جميعاً بسكونه ، ومع ذلك ، ففي هذا الظلام والسكون ما يمكنّ العقول من التأمل والتفكر فتشرق عليها أنوار المعرفة .
( 3863 ) قوله “ أليس ماء الحياة داخل الظلمات ؟ “ يعني أن الشدة قد تنطوي على الخير ، كما يحيط الظلام بماء الحياة . ( انظر البيت 574 والتعليق عليه ) .
( 3865 ) إن الشر في هذه الدنيا بظهر الخير ، والآلام تظهر المسرات .
وكل ضد يظهر ضد في الوجود . وليس للنور الدائم مقر إلا سويداء القلب .
( 3774 ) إن موت الإنسان بداية لحياة جديدة أعظم من حياته على الأرض .
وقد يكون قطع الخلق هنا رمزاً لإماتة الشهوات الحسية ، مما يجعل الروح قادرة على الانطلاق من إسار الجسد إلى عالمها الرحب .
( 3875 ) “ الحلق الثالث “ هنا رمز لقدرة على التذوق من نوع آخر ، وتلك هي الذوق الصوفي . والصوفية بهذا الذوق ، “ يحتسون النور ، وينهلون شراب الحق “ كما يقولون .
( 3876 ) إن من قُتلت فيه شهوات الحس ونزواته ، يولد له ذوق روحي ، فيكون فناء الحس سبيله لتحقيق البقاء ، ويكون نفي الذات طريقه إلى الخلود .
( 3877 ) قوله : “ إلى متى تكون بالخبر حياة روحك ؟ “ معناه “ إلى متى تعتبر طعام الحس سر حياتك ، وتحسب أن هذه الحياة ارتكزت على متاع الدنيا وملاذها ؟ “ .
( 3878 ) إنك أرقت ماء وجهك للحصول على المتع الحسية ،
“ 626 “
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin