منهما اهتدى ، وأما الآخر فضلّ السبيل . ويتحدث الجيلي عن ذات اللَّه الجامعة للأضداد فيقول : “ ظهر في كل ذات بكل خلق ، واتصف بكل معنى في كل خلق وحق ، جمع بذاته شمل الأضداد ، وشمل بوحدانيته جميع الأعداد “ .
( الإنسان الكامل ، ج 1 ، ص 2 ، 3) .
( 2447 ) قول الشاعر : إن فرعون كان يقصد الحقيقة ، لكنه ضلّ السبيل - تعبير عن مذهب الصوفية ، بأن كل متعبد يقصد وجه اللَّه ، حتى ولو كان ظاهر تعبده أنه لغير اللَّه . يقول ابن الفارض :وإن عبد النار المجوس وما انطقت * كما جاء بالأخبار في ألف حجة
فما قصدوا غيري وإن كان قصدهم * سواي وإن لم يظهروا عقد نيةويقول ابن العربي : “ فالناس على قسمين : من الناس من يمشي على طريق يعرفها ويعرف غايتها فهي في حقه صراط مستقيم . ومن الناس من يمشى على طريق يجهلها ولا يعرف غايتها ، وهي عين الطريق التي عرفها الصنف الآخر “ .
(فصوص الحكم ، ص 108 ) .
( 2449 ) يقول فرعون : “ يا رب ، لولا أن الكفر مقدّر علي منذ الأزل ، لما كان هناك على يطوقني ، ويصرفني عن الإيمان ، وأكون أمام الناس ما أنا عليه الآن “ .
( 2425 ) إن القمر - وهو أعظم من النجوم - يعتريه الخسوف ، فما حيلتي إذا أصاب الخسوف نجمي ؟ “ ( 2461 ) “ إنني حين أكون وحدي ، فأنا في وفاق مع اللَّه ، لأني أحد مظاهر إرادته ، ومشيئته ، ولكني حين أواجه موسى أشعر أنني على خلاف ذلك . فموسى ضدي ، وهو يظهرني على صورتي المضادة لصورته ، وإن كنت في الحقيقة لا أعدو أنْ أكون منفذاً لإرادة اللَّه التي صدرت عنها الأضداد ، وكل مظاهر هذا الوجود “ .
( 2462 ) إن ظهور الحق في الدنيا على أيدي الرسل قد كشف ما كان يسودها من زيف . وهكذا الذهب الزائف لو تُرك وشأنه لظن ذهباً ، ولكنه إذا وضع
“ 561 “
في النار تكشفت حقيقته . وفرعون - لو لم يظهر موسى - لبقي له رواء ملكه ومظهره الخادع .
( 2467 ) حينما تحوّل الخلق من عالم الوحدة الروحية ، إلى عالم الدنيا ، عالم التعدد والتعين ، وقع الصدام بينهم . فالخق جميعاً يرجعون إلى حقيقة واحدة ، ويجمعهم لون متجانس ، ولكن حلول الأرواح في الأجساد جعلها تبدو مختلفة متباينة .
( 2468 ) حينما يخلص الناس من عالم المادة ، وما فيه من ألوان متعددة ، يسود الوفاق بينهم جيمعاً ، ولا يكون هناك أثر لهذا التضاد الذي يتجلى في ضدين متباعدين مثل موسى وفرعون .
( 2470 ) هذا التعدد اللونيّ في العالم المادي ، صادر عن لون واحد متجانس هو العالم الروحي . وهذا اللون المتجانس ( أو اللالون ، كما يحلو للشاعر أن يصفه ، تشبيها له بالماء ) هو الأصل في جميع الألوان التي يزخر بها العالم المادي ، فكيف يمكن تفسير صراع المادة مع الروح ؟
( 2474 ) مظاهر الصراع بين المادة والروح ، أو بين العالم المادي والروحي ، قد تكون مصدراً لحيرة الإنسان . وهذه الحيرة شبيهة بخربة ، ولكن هذه الأرض الخربة قد تكون منطوية على كنز . هذا الكنز هو العرفان الصوفي الذي يجب أن يهتدى به في إدراك اليقين حول مثل هذه الأمور .
( 2475 ) هذا البحث العقلي ، الذي تركز حول المظاهر الخارجية قد استولى على اهتمامك ، فظننت أنه جوهر المعرفة . ولكن هذا الذي توهمته جوهر المعرفة ، صرفك عن المعرفة الحقيقة ، وأضاعها منك .
( 2476 ) الإصرار على الأوهام والآراء لا يتفق مع نفي الذات ، وهو المقدمة التي يجب أن تتحقق لطالب المعرفة الروحية ، قبل أن يتقدم في سبيلها خطوة واحدة . أما من تمسك بمثل هذه الآراء ، والأوهام ، فهو كمن تمسك بالمادة وطلب الروح ، أو كمن بحث عن كنز دفين في منطقة آهلة بالسكان .
“ 562 “
( 2477 ) “ المناطق العامرة “ تعبير عن الدنيا وضجيجها وصخبها الذي يطغى على الروح . وحياة هذه الدنيا لون من الوجود ، ولكن الفناء الصوفي لا يرى هذا وجوداً يُعتد به ، فهذا الفناء الصوفي خير منه لأنه سبيل البقاء ومفتاح الخلود .
( 2478 ) ليس المتعلق بالوجود المادي هو الذي يعرض عن الصوفي الذي ينشد الفناء ، بل إن الصوفي هو الذي يعرض عنه ، فالتصوف ينطوي على التحرر من سلطان المادة ، والمتعلقين بها .
( 2479 ) لا تقل إنني هارب من مثل هذا الفناء عن الدنيا ، فهذا الفناء هو الذي يهرب منك ، لأنك لم تُؤت من الهبات الروحية ما يجعلك تسلك سبيله وتسعى إليه “ .
( 2490 ) بدفع هذا العالم الدنيوي والعالم الروحي لأهل الظلم ، بقي هؤلاء محرومين من كلا العالمين .
( 2492 ) إن لديهم قوة روحية أفاضها عليهم الخالق . فلو أنهم أظهروا تلك القوة لك ، لكان لهم من الأثر عليك مثلما يكون للكهرباء على القش . ( من المعروف أن أحجار الكهرباء تجتذب القش ) .
( 2497 - 2498 ) إن العقل يقود الإنسان كما يقود الجمّال الجمل . والأولياء يقودون العقول كما تقود العقول الأجسام .
( 2500 ) ما الحاجة إلى توضيح الأمر بتشبيه القطب بالدليل والجّمال ؟ إنه كالشمس لمن كان ذا مقدرة على الاهتداء به .
( 2502 ) يوازن الشاعر هنا بين جسم الولي وروحه . فهو باعتبار الجسم ذرّة ، ولكنه باعتبار الروح شمس . وهو في ظاهره حمل ، ولكنه في حقيقته أسد .
( 2507 ) كان أهل الغفلة يظنون الرسل أفراداً ضعافاً . وكيف يكون ضعيفاً من توثقت صلته بربه حتى جعله خليلًا وصفياً !
( 2509 ) انظر قصة صالح وقومه في “ قصص الأنبياء للثعلبي “
“ 563 “
( ص 66 - 72 ) .
( 2514 ) يقال إن بلدة الحجر ، الواقعة شمالي المدينة ، كانت مقر ثمود ، قوم صالح ، ولا تزال إلى اليوم تعرف بمدائن صالح . وقد روى أبو الزبير عن جابر بن عبد اللَّه قال : “ لما مر النبي عليه السلام بالحجر في غزوة تبوك قال لأصحابه : لا يدخلن أحد هذه القرية ، ولا تشربوا من مائها ، ولا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا معذبين ، إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل الذي أصابهم . ثم قال : أما بعد فلا تسألوا رسولكم الآيات ، هؤلاء قوم صالح سألوا رسولهم الآية فبعث اللَّه لهم الناقة . . “ ( قصص الأنبياء ، ص 71 ، 72 ) .
( 2518 ) روى الثعلبي أنّ الكفار حاولوا إيذاء صالح مرات عدة ، ولكنّ اللَّه كان ينجيه من كيدهم .
( 2519 ) لا يستطيع الكفار أن ينالوا من روح أحد الرسل . وكل ما استطاعوه لم يَعْدُ إيقاع بعض الأذى بجسمه . فجلب عليهم هذا العدوان الذي اقترفوه غضب اللَّه ونقمته . أما نبيّ اللَّه المرسل فلم ينل منه أذاهم .
( 2521 ) إنّ رسول اللَّه يمثل قوة روحية عظيمة ، وقد جعل اللَّه هذه القوة متعلقة بجسم ، وذلك ليستطيع أبناء هذا العالم شهودها ، والاهتداء بها .
( 2522 ) جسم الوليّ بالنسبة لروحه ، كالناقة بالنسبة لصالح . ولقد كانت الناقة في خدمة صالح كما أن جسم الوليّ مسخّر لروحه . فالروح بالنسبة اللوليّ هي العنصر الأقوى ، ولذلك فإنّ الجسم يكون خاضعاً لها .
والشاعر يدعو في هذا البيت إلى الابتعاد عن إيذاء الأولياء والصالحين ويحث الناس على أن يخدموهم ويرعوهم ، وإن كان يرى أن هؤلاء مهما اجتهدوا فإنهم لا يستطيعون إزاءهم سوى الرعاية الجسدية .
( 2523 - 2531 ) بعد أن عُقرت ناقة صالح أقبل عليه القوم يعتذرون فقال لهم صالح : “ انظروا هل تدركون فصيلها ( وليدها ) ، فإن أدر كتموه فعسى أن يرفع عنكم العذاب ، فخرجوا يطلبونه ، فلما
“ 564 “
رأوه على الجبل ذهبوا ليأخذوه فأوحى اللَّه إلى الجبل فتطاول في السماء حتى ما تناله اليطر . . . فقال صالح : لكل أمة أجل فتمتعوا في دياركم ثلاثة أيام ثم يأتيكم العذاب ، ذلك وعد غير مكذوب . . . قالوا :
وكان عقر الناقة يوم الأربعاء فقال لهم صالح - حين سألوه عن وقت العذاب وآيته - إنكم تصبحون غرة مؤنس ( الخميس ) وجوهكم مصفرة ، ثم تصبحون يوم العروبة ( الجمعة ) ووجوهكم محمرة ، ثم تصبحون يوم شبار ( السبت ) ووجوهكم مسودة ، ثم يصبحكم العذاب يوم الأول ( الأحد ) ، فأصبحوا يوم الخميس ووجوههم مصفرة . . .
فأيقنوا بالعذاب وعرفوا أنّ صالحاً قد صدقهم . . . فلما أصبحوا اليوم الثاني إذا وجوههم محمرة كأنما خضبت بالدم . . . فلما أمسوا فإذا وجوههم مسودة كأنما طليت بالقار . . . فلما اشتد الضحى من يوم الأحد أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة . . . فقطعت قلوبهم في صدروهم فلم يبق فيهم صغير ولا كبير إلا هلك . . . “ ( قصص الأنبياء ص 70 ، 71 ) .
( 2532 ) مضى الشاعر هنا في تفسيره الرمزيّ لقصة الناقة وفصيلها ، فقال إنّ فصيل الناقة ، رمز لخاطر الوليّ . وكان قد ذكر في بيت سابق ( 2515 ) أن الناقة رمز لجسم النبيّ أو الوليّ ، وأما صالح فرمز للروح .
[ شرح من بيت 2550 إلى 2700 ]
( 2559 - 2560 ) إن عصيان قوم صالح ، وطغيانهم الذي استوجب العقاب لم يمنعا هذا الرسول الكريم من أن يأسى عليهم ، ويبكيهم بدموع الرحمة والرثاء .
( 2570 - 2573 ) يتحدث الشاعر في هذا البيت وما يليه عن اختلاط الخير والشر في هذا الدنيا . ويذكر أنه ، برغم هذا الاختلاط البادي في الحياة بين الأخيار والأشرار ، هناك فارق يباعد بين كل فريق منهما . ومما يشبه تلك الحال ذهَبُ المنجم الذي يكون مختلطاً بالتراب ، أو العقد الذي يضم حبّاتٍ
“ 565 “
من الدرّ النفيس وأُخرى من النحاس . فهذا التقارب لا يعني الامتزاج ، فكل عنصر يبقى محتفظاً بطبيعته رغم اختلاطه بغيره .
( 2583 ) “ العين التي تبصر الحظيرة “ هي العين الحسية التي لا شأن لها بالمعنويات . والحظيرة هنا ترمز إلى عالم الحس .
( 2584 ) كم في الكون من مغريات تبدو حلوة المذاق ، مع أن السم كامن فيها . وينطبق هذا على الماديات ، وكذلك على المعنويات . فالملق مثلًا يبدو لذيذاً سائغاً لمن يجد في طبعه ميلًا إلى تلقيه ، ولكن عاقبته تكون وخيمة في نهاية الأمر .
( 2585 ) من الناس من أوتي قدرة على التمييز قبل معاناه الأمر ، ومنهم من لا يستطيع ذلك إلا حين يقترب منه بعض الشيء .
( 2592 ) كان من المعتقد في زمن الشاعر أن العقيق يكتسب لونه وبريقه من نور الشمس .
( 2598 ) قد يكون السم والحية هنا رمزاً لمتع الحياة . فهذه المتع تصبح سائغة مباحة لمن يعرف كيف يقف عند حد في تقلبها ، ومن أوتي من قوة الروح ما يجعله آمناً من سمومها ومخاطرها . يقول الترمذي عن المريد : “ فينبغي أن ينفي كل فرح للنفس فيه نصيب ، حتى يصل إلى ربه تعالى : فإذا وصل إلى ربّه عزّ وجل امتلأ قلبه به فرحاً وسروراً ويقيناً ، فكل شيء مدّ إليه يداً من دنيا أو آخرة لم يضره لأنه منه يقبل ، فإذا قبله منه حمده عليه وشكره ، وكانت جوارحه مستقيمة حافظة للحدود “ . ( الرياضة وأدب النفس ، ص 63 ) .
( 2602 ) يقول الترمذيّ في حديثه عن المريد الواصل : “ فإذا فرح بشيء من الدنيا فإنما يفرح ببرّ اللَّه تعالى له بذلك وتقديره وتدبيره ولطفه . . . فاستعمال جوارحه في ذلك الشيء بمنزلة رجل شرب ترياقاً فامتلأت عروقه منه ، فإن مدّ يده إلى حية أو عقرب لم يضره سمّها ، لأنه لم يجد السمُّ مسلكاً إلى عروقه ، فإذا لم يجد الترياق وجد السمّ مسلكاً إلى العروق ، فجمد الدم الذي في العروق ، من ذلك السمّ فمات “ . ( الرياضة وأدب
“ 566 “
النفس ، ص 63 ) .
( الإنسان الكامل ، ج 1 ، ص 2 ، 3) .
( 2447 ) قول الشاعر : إن فرعون كان يقصد الحقيقة ، لكنه ضلّ السبيل - تعبير عن مذهب الصوفية ، بأن كل متعبد يقصد وجه اللَّه ، حتى ولو كان ظاهر تعبده أنه لغير اللَّه . يقول ابن الفارض :وإن عبد النار المجوس وما انطقت * كما جاء بالأخبار في ألف حجة
فما قصدوا غيري وإن كان قصدهم * سواي وإن لم يظهروا عقد نيةويقول ابن العربي : “ فالناس على قسمين : من الناس من يمشي على طريق يعرفها ويعرف غايتها فهي في حقه صراط مستقيم . ومن الناس من يمشى على طريق يجهلها ولا يعرف غايتها ، وهي عين الطريق التي عرفها الصنف الآخر “ .
(فصوص الحكم ، ص 108 ) .
( 2449 ) يقول فرعون : “ يا رب ، لولا أن الكفر مقدّر علي منذ الأزل ، لما كان هناك على يطوقني ، ويصرفني عن الإيمان ، وأكون أمام الناس ما أنا عليه الآن “ .
( 2425 ) إن القمر - وهو أعظم من النجوم - يعتريه الخسوف ، فما حيلتي إذا أصاب الخسوف نجمي ؟ “ ( 2461 ) “ إنني حين أكون وحدي ، فأنا في وفاق مع اللَّه ، لأني أحد مظاهر إرادته ، ومشيئته ، ولكني حين أواجه موسى أشعر أنني على خلاف ذلك . فموسى ضدي ، وهو يظهرني على صورتي المضادة لصورته ، وإن كنت في الحقيقة لا أعدو أنْ أكون منفذاً لإرادة اللَّه التي صدرت عنها الأضداد ، وكل مظاهر هذا الوجود “ .
( 2462 ) إن ظهور الحق في الدنيا على أيدي الرسل قد كشف ما كان يسودها من زيف . وهكذا الذهب الزائف لو تُرك وشأنه لظن ذهباً ، ولكنه إذا وضع
“ 561 “
في النار تكشفت حقيقته . وفرعون - لو لم يظهر موسى - لبقي له رواء ملكه ومظهره الخادع .
( 2467 ) حينما تحوّل الخلق من عالم الوحدة الروحية ، إلى عالم الدنيا ، عالم التعدد والتعين ، وقع الصدام بينهم . فالخق جميعاً يرجعون إلى حقيقة واحدة ، ويجمعهم لون متجانس ، ولكن حلول الأرواح في الأجساد جعلها تبدو مختلفة متباينة .
( 2468 ) حينما يخلص الناس من عالم المادة ، وما فيه من ألوان متعددة ، يسود الوفاق بينهم جيمعاً ، ولا يكون هناك أثر لهذا التضاد الذي يتجلى في ضدين متباعدين مثل موسى وفرعون .
( 2470 ) هذا التعدد اللونيّ في العالم المادي ، صادر عن لون واحد متجانس هو العالم الروحي . وهذا اللون المتجانس ( أو اللالون ، كما يحلو للشاعر أن يصفه ، تشبيها له بالماء ) هو الأصل في جميع الألوان التي يزخر بها العالم المادي ، فكيف يمكن تفسير صراع المادة مع الروح ؟
( 2474 ) مظاهر الصراع بين المادة والروح ، أو بين العالم المادي والروحي ، قد تكون مصدراً لحيرة الإنسان . وهذه الحيرة شبيهة بخربة ، ولكن هذه الأرض الخربة قد تكون منطوية على كنز . هذا الكنز هو العرفان الصوفي الذي يجب أن يهتدى به في إدراك اليقين حول مثل هذه الأمور .
( 2475 ) هذا البحث العقلي ، الذي تركز حول المظاهر الخارجية قد استولى على اهتمامك ، فظننت أنه جوهر المعرفة . ولكن هذا الذي توهمته جوهر المعرفة ، صرفك عن المعرفة الحقيقة ، وأضاعها منك .
( 2476 ) الإصرار على الأوهام والآراء لا يتفق مع نفي الذات ، وهو المقدمة التي يجب أن تتحقق لطالب المعرفة الروحية ، قبل أن يتقدم في سبيلها خطوة واحدة . أما من تمسك بمثل هذه الآراء ، والأوهام ، فهو كمن تمسك بالمادة وطلب الروح ، أو كمن بحث عن كنز دفين في منطقة آهلة بالسكان .
“ 562 “
( 2477 ) “ المناطق العامرة “ تعبير عن الدنيا وضجيجها وصخبها الذي يطغى على الروح . وحياة هذه الدنيا لون من الوجود ، ولكن الفناء الصوفي لا يرى هذا وجوداً يُعتد به ، فهذا الفناء الصوفي خير منه لأنه سبيل البقاء ومفتاح الخلود .
( 2478 ) ليس المتعلق بالوجود المادي هو الذي يعرض عن الصوفي الذي ينشد الفناء ، بل إن الصوفي هو الذي يعرض عنه ، فالتصوف ينطوي على التحرر من سلطان المادة ، والمتعلقين بها .
( 2479 ) لا تقل إنني هارب من مثل هذا الفناء عن الدنيا ، فهذا الفناء هو الذي يهرب منك ، لأنك لم تُؤت من الهبات الروحية ما يجعلك تسلك سبيله وتسعى إليه “ .
( 2490 ) بدفع هذا العالم الدنيوي والعالم الروحي لأهل الظلم ، بقي هؤلاء محرومين من كلا العالمين .
( 2492 ) إن لديهم قوة روحية أفاضها عليهم الخالق . فلو أنهم أظهروا تلك القوة لك ، لكان لهم من الأثر عليك مثلما يكون للكهرباء على القش . ( من المعروف أن أحجار الكهرباء تجتذب القش ) .
( 2497 - 2498 ) إن العقل يقود الإنسان كما يقود الجمّال الجمل . والأولياء يقودون العقول كما تقود العقول الأجسام .
( 2500 ) ما الحاجة إلى توضيح الأمر بتشبيه القطب بالدليل والجّمال ؟ إنه كالشمس لمن كان ذا مقدرة على الاهتداء به .
( 2502 ) يوازن الشاعر هنا بين جسم الولي وروحه . فهو باعتبار الجسم ذرّة ، ولكنه باعتبار الروح شمس . وهو في ظاهره حمل ، ولكنه في حقيقته أسد .
( 2507 ) كان أهل الغفلة يظنون الرسل أفراداً ضعافاً . وكيف يكون ضعيفاً من توثقت صلته بربه حتى جعله خليلًا وصفياً !
( 2509 ) انظر قصة صالح وقومه في “ قصص الأنبياء للثعلبي “
“ 563 “
( ص 66 - 72 ) .
( 2514 ) يقال إن بلدة الحجر ، الواقعة شمالي المدينة ، كانت مقر ثمود ، قوم صالح ، ولا تزال إلى اليوم تعرف بمدائن صالح . وقد روى أبو الزبير عن جابر بن عبد اللَّه قال : “ لما مر النبي عليه السلام بالحجر في غزوة تبوك قال لأصحابه : لا يدخلن أحد هذه القرية ، ولا تشربوا من مائها ، ولا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا معذبين ، إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل الذي أصابهم . ثم قال : أما بعد فلا تسألوا رسولكم الآيات ، هؤلاء قوم صالح سألوا رسولهم الآية فبعث اللَّه لهم الناقة . . “ ( قصص الأنبياء ، ص 71 ، 72 ) .
( 2518 ) روى الثعلبي أنّ الكفار حاولوا إيذاء صالح مرات عدة ، ولكنّ اللَّه كان ينجيه من كيدهم .
( 2519 ) لا يستطيع الكفار أن ينالوا من روح أحد الرسل . وكل ما استطاعوه لم يَعْدُ إيقاع بعض الأذى بجسمه . فجلب عليهم هذا العدوان الذي اقترفوه غضب اللَّه ونقمته . أما نبيّ اللَّه المرسل فلم ينل منه أذاهم .
( 2521 ) إنّ رسول اللَّه يمثل قوة روحية عظيمة ، وقد جعل اللَّه هذه القوة متعلقة بجسم ، وذلك ليستطيع أبناء هذا العالم شهودها ، والاهتداء بها .
( 2522 ) جسم الوليّ بالنسبة لروحه ، كالناقة بالنسبة لصالح . ولقد كانت الناقة في خدمة صالح كما أن جسم الوليّ مسخّر لروحه . فالروح بالنسبة اللوليّ هي العنصر الأقوى ، ولذلك فإنّ الجسم يكون خاضعاً لها .
والشاعر يدعو في هذا البيت إلى الابتعاد عن إيذاء الأولياء والصالحين ويحث الناس على أن يخدموهم ويرعوهم ، وإن كان يرى أن هؤلاء مهما اجتهدوا فإنهم لا يستطيعون إزاءهم سوى الرعاية الجسدية .
( 2523 - 2531 ) بعد أن عُقرت ناقة صالح أقبل عليه القوم يعتذرون فقال لهم صالح : “ انظروا هل تدركون فصيلها ( وليدها ) ، فإن أدر كتموه فعسى أن يرفع عنكم العذاب ، فخرجوا يطلبونه ، فلما
“ 564 “
رأوه على الجبل ذهبوا ليأخذوه فأوحى اللَّه إلى الجبل فتطاول في السماء حتى ما تناله اليطر . . . فقال صالح : لكل أمة أجل فتمتعوا في دياركم ثلاثة أيام ثم يأتيكم العذاب ، ذلك وعد غير مكذوب . . . قالوا :
وكان عقر الناقة يوم الأربعاء فقال لهم صالح - حين سألوه عن وقت العذاب وآيته - إنكم تصبحون غرة مؤنس ( الخميس ) وجوهكم مصفرة ، ثم تصبحون يوم العروبة ( الجمعة ) ووجوهكم محمرة ، ثم تصبحون يوم شبار ( السبت ) ووجوهكم مسودة ، ثم يصبحكم العذاب يوم الأول ( الأحد ) ، فأصبحوا يوم الخميس ووجوههم مصفرة . . .
فأيقنوا بالعذاب وعرفوا أنّ صالحاً قد صدقهم . . . فلما أصبحوا اليوم الثاني إذا وجوههم محمرة كأنما خضبت بالدم . . . فلما أمسوا فإذا وجوههم مسودة كأنما طليت بالقار . . . فلما اشتد الضحى من يوم الأحد أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة . . . فقطعت قلوبهم في صدروهم فلم يبق فيهم صغير ولا كبير إلا هلك . . . “ ( قصص الأنبياء ص 70 ، 71 ) .
( 2532 ) مضى الشاعر هنا في تفسيره الرمزيّ لقصة الناقة وفصيلها ، فقال إنّ فصيل الناقة ، رمز لخاطر الوليّ . وكان قد ذكر في بيت سابق ( 2515 ) أن الناقة رمز لجسم النبيّ أو الوليّ ، وأما صالح فرمز للروح .
[ شرح من بيت 2550 إلى 2700 ]
( 2559 - 2560 ) إن عصيان قوم صالح ، وطغيانهم الذي استوجب العقاب لم يمنعا هذا الرسول الكريم من أن يأسى عليهم ، ويبكيهم بدموع الرحمة والرثاء .
( 2570 - 2573 ) يتحدث الشاعر في هذا البيت وما يليه عن اختلاط الخير والشر في هذا الدنيا . ويذكر أنه ، برغم هذا الاختلاط البادي في الحياة بين الأخيار والأشرار ، هناك فارق يباعد بين كل فريق منهما . ومما يشبه تلك الحال ذهَبُ المنجم الذي يكون مختلطاً بالتراب ، أو العقد الذي يضم حبّاتٍ
“ 565 “
من الدرّ النفيس وأُخرى من النحاس . فهذا التقارب لا يعني الامتزاج ، فكل عنصر يبقى محتفظاً بطبيعته رغم اختلاطه بغيره .
( 2583 ) “ العين التي تبصر الحظيرة “ هي العين الحسية التي لا شأن لها بالمعنويات . والحظيرة هنا ترمز إلى عالم الحس .
( 2584 ) كم في الكون من مغريات تبدو حلوة المذاق ، مع أن السم كامن فيها . وينطبق هذا على الماديات ، وكذلك على المعنويات . فالملق مثلًا يبدو لذيذاً سائغاً لمن يجد في طبعه ميلًا إلى تلقيه ، ولكن عاقبته تكون وخيمة في نهاية الأمر .
( 2585 ) من الناس من أوتي قدرة على التمييز قبل معاناه الأمر ، ومنهم من لا يستطيع ذلك إلا حين يقترب منه بعض الشيء .
( 2592 ) كان من المعتقد في زمن الشاعر أن العقيق يكتسب لونه وبريقه من نور الشمس .
( 2598 ) قد يكون السم والحية هنا رمزاً لمتع الحياة . فهذه المتع تصبح سائغة مباحة لمن يعرف كيف يقف عند حد في تقلبها ، ومن أوتي من قوة الروح ما يجعله آمناً من سمومها ومخاطرها . يقول الترمذي عن المريد : “ فينبغي أن ينفي كل فرح للنفس فيه نصيب ، حتى يصل إلى ربه تعالى : فإذا وصل إلى ربّه عزّ وجل امتلأ قلبه به فرحاً وسروراً ويقيناً ، فكل شيء مدّ إليه يداً من دنيا أو آخرة لم يضره لأنه منه يقبل ، فإذا قبله منه حمده عليه وشكره ، وكانت جوارحه مستقيمة حافظة للحدود “ . ( الرياضة وأدب النفس ، ص 63 ) .
( 2602 ) يقول الترمذيّ في حديثه عن المريد الواصل : “ فإذا فرح بشيء من الدنيا فإنما يفرح ببرّ اللَّه تعالى له بذلك وتقديره وتدبيره ولطفه . . . فاستعمال جوارحه في ذلك الشيء بمنزلة رجل شرب ترياقاً فامتلأت عروقه منه ، فإن مدّ يده إلى حية أو عقرب لم يضره سمّها ، لأنه لم يجد السمُّ مسلكاً إلى عروقه ، فإذا لم يجد الترياق وجد السمّ مسلكاً إلى العروق ، فجمد الدم الذي في العروق ، من ذلك السمّ فمات “ . ( الرياضة وأدب
“ 566 “
النفس ، ص 63 ) .
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin