“ 602 “
عليك فهمه “ .
( 3411 ) القياس الفاسد يؤذي . وقصة الأصم الذي ذهب ليعود المريض مثال يوضح ذلك .
( 3412 ) يشير الشاعر إلى قصة كاتب الوحي الذي ضلّ . ( انظر الأبيات 3228 - 3239 ، وتعليقاتها ) .
( 3422 ) “ إننا سوف نعدّ لأهل الأرض نظاماً سماوياً ، ثم ننزل إلى الأرض لنقرّه فيها ، ونرسي بذلك قواعد الأمن بين الناس “ .
( 3425 ) لقد تجلى خطأ هاروت وماورت حينما سعيا لإقرار ما يليق بالملائكة بين أبناء العالم الدنيوي . فقد كان هذا من القياس الفاسد ، فكانت نتيجته وبالا عليهما . ولعل الشاعر يهدف من وراء ذلك إلى القول بأن المعرفة الروحية يجب ألا يقصد بها الجهلاء ، الذين لم يعدّوا لتلقيها ، ولم يصبحوا أهلا لتذوقها . والعارف الذي يفعل ذلك يكون شبيها بهذين الملكين اللذين قاسا أحوال أهل الأرض بأحوالهما .
( 3426 ) ذكر نيكولسون في تعليقه نص بيت سنائي ، الذي أشار إليه جلال الدين ، وفيه يقول :بر مدار از مقام مستي پى * سر همانجا بنه كه خوردي مي( لا تنقل قدمك من مكان سكرك وضع رأسك في المكان الذي احتسيت به الخمر ) .
والشاعر يوجه هذه النصيحة إلى الصوفية ، الذين يغلبهم الوجد ، فيجري على ألسنتهم من الشطح ما يكون مصدراً لسخرية الناس بهم ، واتهامهم بالمروق ، وتعريضهم للأذى والاضطهاد “ .
( 3441 - 3442 ) الشاعر يشبه الناس - الذين أوهمهم الجهل والغرور أنهم يسلكون سبيل اليقظة الروحية - بأطفال يمسك كل منهم بذيل الآخر ، ويتوهمون بذلك أنهم يمتطون الجياد . ومثل هذا الظن لا يغني من الحق شيئاً ،
“ 603 “
ولا يمكن أن يوصل إلى أي هدف .
( 3443 ) إن الشمس هي التي تجلو الظلام على أكمل وجه ، وكذلك الكشف الروحي هو الذي يزيل الظنون ويجلوها .
( 3444 ) حين تتكشف لكم الحقائق سوف تعلمون أنكم لم تكونوا منطلقين نحو عالم الروح ، ويتضح لكم أنكم كنتم ملازمين لعالم المادة وقد علقت به أقدامكم ، على حين أنكم توهمتم الانطلاق - من غير سعي - نحو عالم الروح .
( 3445 ) “ الوهم والتفكير العقلي المجرد والحسّ وما يرتبط به من إدراك ، كل أولئك وسائل لا توصل إلى اليقين ، فأنتم باعتمادكم عليها في السعي لإدراك اليقين ، شبيهون بأطفال امتطوا أعواد الغاب ، وهذه لا تنقلهم إلى أي مكان “ .
[ شرح من بيت 3450 إلى 3600 ]
( 3450 ) إذا أحسن الإنسان استخدام علمه الدنيوي ، وأخلص في نفع الناس به ، متجرداً عن الهوى ، وهبه اللَّه العلم اليقيني الكامل .
وفي الإحياء حديث يعبر عن هذا المعنى ، يروي عن الرسول قوله :
“ من عمل بما علم ، ورّثه اللَّه علم ما لم يعلم ، ووفقه فيما يعمل حتى يستوجب الجنة ، ومن لم يعمل بما يعلم تاه فيما يعلم ولم يوفق فيما يعمل حتى يستوجب النار “ . ( الغزالي : إحياء ، ج 3 ، ص 23 ) .
( 3451 ) من تجرّد في علمه من الهوى أصبح علمه الدنيوي سبيلًا إلى المعرفة الروحية .
( 3453 ) وكيف السبيل إلى الخلاص من الهوى بدون المحبة الإلهية ؟
إنه ليس يكفي المرء أن يقنع بمعرفة أسماء اللَّه وصفاته ، بل عليه أن يسلك سبيل المحبة الإلهية .
( 3454 ) الصفات والأسماء مخبرة عن اللَّه ، وهي تبعث في الإنسان الخيال الذي يجعل الإنسان متعلقاً بخالقه ، وعلى الإنسان حينذاك أن يتخذ من التعلق بالخالق
“ 604 “
ومحبته سبيله إلى الوصال .
( 3456 ) لا تقف عند حدّ الاسم . بل اجعل من معرفة الاسم مجردّ بداية تنطلق منها إلى معرفة الحقيقة والجوهر .
( 3457 ) يقول الغزالي : “ ومهما أقبل ( القلب ) على الخيالات الحاصلة من المحسوسات كان ذلك حجاباً له عن مطالعة اللوح المحفوظ . . . كما أن من نظر إلى الماء الذي يحكي صورة الشمس ، لا يكون ناظراً إلى نفس الشمس “ .
(الإحياء ، ج 3 ، ص 21 ) .
( 3458 ) إذا أراد الإنسان أن ينطلق من العلم الحسي المحدود ، إلى العلم الروحي الذي لا حدود له ، فلا بد له أن يكون قادراً على الخلاص من الذاتية . ويتمثل ذلك في قطع روابطه بما يكدر صفاء قلبه من علائق الدنيا وهمومها ومغرياتها .
( 3460 - 3461 ) يقول الغزالي : “ فالأنبياء والأولياء انكشف لهم الأمر ، وفاض على صدروهم النور ، لا بالعلم والدراسة والكتابة للكتب ، بل بالزهد في الدنيا والتبري من علائقها وتفريغ القلب من شواغلها ، والإقبال بكنه الهمة على اللَّه تعالى ، فمن كان اللَّه ، كان اللَّه له “ .
(الإحياء ، ج 3 ، ص 19 ) .
( 3464 ) يقول الغزالي : “ فاعلم أن ميل أهل التصوف إلى العلوم الإلهامية دون التعليمية . فلذلك لم يحرصوا على دراسة العلم ، وتحصيل ما صنّفه المصنّون ، والبحث عن الأقاويل والأدلة المذكورة ، بل قالوا :
الطريق تقويم المجاهدة ، ومحو الصفات المذمومة ، وقطع العلائق كلها ، والإقبال بكنه الهمة على اللَّه تعالى ، ومهما حصل ذلك كان اللَّه هو المتولي لقلب عبده ، والمتكفل له بتنويره بأنوار العلم “ . ( الإحياء ، ج 3 ، ص 19 ) .
( 3466 ) القصة التي يذكرها الشاعر في الأبيات التالية ، وردت في كتاب الإحياء للغزالي . وقد ذكرها لبيان الفرق بين عمل العلماء ، وعمل الأولياء .
“ 605 “
قال : “ حكي أن أهل الصين وأهل الروم تباهوا بين يدي بعض الملوك بحسن صناعة النقش والصور ، فاستقر رأي الملك على أن يسلم إليهم صُفة لينقش أهل الصين منها جانباً ، وأهل الروم جانباً ويرخى بينهما حجاب يمنع اطلاع كل فريق على الآخر ، ففعل ذلك ، فجمع أهل الروم من الأصباغ الغريبة مالا ينحصر . ودخل أهل الصين من غير صبغ وأقبلوا يجلون جانبهم ويصقلونه فلما فرغ أهل الروم ادعى أهل الصين أنهم قد فرغوا أيضاً ، فعجب الملك من قولهم ، وأنهم كيف فرغوا من النقش من غير صبغ . فقيل : وكيف فرغتم من غير صبغ ؟ فقالوا : ما عليكم . ارفعوا الحجاب ، فرفعوا وإذا بجانبهم يتلألأ منه عجائب الصنائع الرومية مع زيادة إشراق وبريق ، إذ كان قد صار كالمرآة المجلوة لكثيرة التصقيل ، فازداد حسن جانبهم بمزيد التصقيل . فكذلك عناية الأولياء بتطهير القلب وجلائه وتزكيته وصفائه ، حتى يتلألأ فيه جلية الحق بنهاية الإشراق كفعل أهل الصين . وعناية الحكماء والعلماء بالاكتساب ونقش العلوم ، وتحصيل نقشها في القلب كفعل أهل الروم “ . ( الإحياء ، ج 3 ، ص 22 ) ونلحظ أن الغزالي جعل الصينين أهل الصقل ( وهم الصوفية ) ، وجعل الروم أهل النقش والصبغ وهم العلماء . وعلى العكس من هذا نرى جلال الدين يجعل الروم أهل الصقل ، ويجعل الصينيين أهل الصبغ والنقش . ولا غرابة في ذلك فجلال الدين رومي الوطن ، أحسن الظن بقومه ، الذين عاش بينهم . ونجد جلال الدين يأخذ جانب الروم من أول القصة حين يقول : “ وتباحث الصينيون والروم ، فصمد الروم في هذا البحث “ . ( بيت 3469 ) .
( 3476 ) إن الضوء يسقط على المرئيات فيظهر بألوان شتى . ولكنا إذا جردناه من هذه المرئيات المتعددة ، ونظرنا إليه في منبعه ، وجدناه لوناً واحداً متجانساً .
( 3485 ) قال الغزالي : “ فالقلب في حكم مرآة قد اكتنفته هذه الأمور المؤثرة فيه . وهذه الآثار على التواصل واصلة إلى القلب . أما الآثار المحمودة التي ذكرناها ، فإنها تزيد مرآة القلب جلاء وإشراقاً ، ونوراً وضياء ، حتى يتلألأ
“ 606 “
فيه جلية الحق . . . وأما الآثار المذمومة فإنها مثل دخان مظلم ، يتصاعد إلى مرآة القلب ، ولا يزال يتراكم عليه مرة بعد أُخرى إلى أن يسوّد ويظلم ، ويصير بالكلية محجوباً عن اللَّه تعالى “ . ( الإحياء ، ج 3 ، ص 12 ) . ويقول أيضاً :
“ فكذلك القلب مرآة مستعدة لأن ينجلي فيها حقيقة الحق في الأمور كلها “ .
( المصدر السابق ، ص 13 ) .
( 3486 - 3488 ) إن قلب موسى قد اتسع لصورة الغيب ، مع أن هذه الصورة لا يحيط بها الفلك ولا العرش ولا الكرسي .
وقد تناول الغزالي هذا الموضوع بقوله : “ وفي الخبز : قال تعالى : لم يسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن اللين الوادع . . . ومن ارتفع الحجاب بينه وبين اللَّه تجلى صورة الملك والملكوت في قلبه ، فيرى جنة عرض بعضها السماوات والأرض ، أما جملتها فأكثر سعة من السماوات والأرض ، لأن السماوات والأرض عبارة عن عالم الملك والشهادة ، وهو إن كان واسع الأطراف متباعد الأكناف فهو متناه على الجملة ، وأما عالم الملكوت - وهي الأسرار الغائبة عن مشاهدة الأبصار ، المخصوصة بإدراك البصائر - فلا نهاية له “ . ( الإحياء ، ج 3 ، ص 15 ) .
( 3489 ) القلب الذي صفا وأصبح خالياً من الشوائب يتجلى به اللَّه كما تتجلى الصورة في المرآة ، والمرآة إذا تجلت بها الصورة ، أصبحت عين الصورة . وفي هذا تعبير عن استغراق قلب الصوفي العارف في محبة اللَّه بصورة لا تدع مجالًا لغير اللَّه .
( 3492 ) انظر التعليق على البيت 3485 .
( 3493 ) يشير الشاعر هنا إلى انصراف الصوفية عن علوم الدنيا .
وانشغالهم بتصفية القلب ، وتلقي ما يبثه اللَّه فيه من اليقين . ويرى الغزالي أن الجمع بين علوم الدنيا وعلوم الآخرة “ لا يكاد يتيسر إلا لمن رسخه اللَّه لتدبير عباده في معاشهم ومعادهم ، وهم الأنبياء المؤّيدون بروح القدس ، المستمدون من القوة الإلهية التي تتسع لجميع الأمور ولا تضيق عنها . فأما قلوب سائر الخلق
“ 607 “
فإنها إذا استقلت بأمر الدنيا ، انصرفت عن الآخرة ، وقصرت عن الاستكمال فيها “ . ( الإحياء ، ج 3 ، ص 18 ) .
( 3499 ) ذكر الغزالي أن عمر بن الخطاب قال : “ رأى قلبي ربي “ .
( الإحياء ، ج 3 ، ص 15 ) . وروي عن ابن عمر : “ قيل لرسول اللَّه ، يا رسول اللَّه ، أين اللَّه ؟ في الأرض أو في السماء ؟ قال : في قلوب عباده المؤمنين “ . ( انظر المصدر السابق ) .
( 3500 ) يشير الشاعر هنا إلى حديث عرف باسم حديث حارثة ، ذُكر في النهاية ( ج 3 ، ص 159 ) . وقد ذكره الهجويري في كشف المحبوب ، والكلاباذي في كتاب التعرف . وكل من هذين أجرى الحديث على لسان حارثة .
فالحديث لم ينسب صراحة إلى زيد بن حارثة ، وإنما نسب إلى حارثة .
وقد يكون من الغريب حقاً ألا يُذكر في الحديث اسم زيد ، فيعرف باسم حديث حارثة ، مع أن اسم زيد ذكر في القرآن ، وعرف الرجل باسم زيد بن حارثة ، أو باسم زيد وحده . ولعل الشاعر التبس عليه الأمر ، فاعتبر حارثة هذا زيد بن حارثة ، وتبعه في ذلك شراح المثنوي .
ونص الحديث كما نقله الكلاباذي في التعرف ( ص 23 ) جاء على الوجه الآتي :
“ وقال حارثة حين سأله النبي صّلى اللَّه وعليه وسلم ما حقيقة إيمانك ؟ قال : عزفت بنفسي عن الدنيا فأظمأت نهاري وأسهرت ليلي ، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً ، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون وإلى أهل النار يتعادون “ . . . وقال النبي صّلى اللَّه وعليه وسلم : “ من أحب أن ينظر إلى عبد نوّر اللَّه قلبه فينظر إلى حارثة “ .
ولعل إجماع المصادر التي ذكرناها على الإشارة إلى هذا الحديث باسم حديث حارثة يجعلنا نعتقد أن المقصود به حارثة بن سراقة . وقد كان حارثة بن سراقة هذا أحد شهداء بدر من الأنصار .
وقد روي هذا الحديث متعلقاً به . يقول صاحب السيرة الحلبية : “ كان حارثة سأل رسول اللَّه صّلى اللَّه وعليه وسلم أن يدعو له بالشهادة فقد جاء أنه قال الحارثة يوماً وقد استقبله ، كيف أصبحت يا حارثة .
قال : أصبحت مؤمناً باللَّه حقاً . قال : انظر ما تقول ، فإن لكل قول حقيقة . قال :
يا رسول اللَّه ، عزلت نفسي عن الدنيا ، فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري ، فكأني
“ 608 “
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin