( 2609 ) المرء يحتاج إلى قوة روحية عظيمة ، ليستطيع الصمود أمام مغريات المادة . وقد رمز الشاعر لمثل هذه القوة الروحية “ بهمّة سليمان “ .
( 2619 ) صور الترمذيّ الصراح بين النفس ( التي تمثّل الشهوة والهوى ) والقلب ( الذي يمثل الحكمة والتعقل ) بقوله : “ وإنّ المؤمن قد ابتلي بالنفس وأمانيها ، وأُعطيت ( النفس ) ولاية التكلفّ بالدخول في الصدر . والنفس معدنها في الجوف وموضع القرب ، وهيجانها من الدم وقوة النجاسة ، فيمثلىء الجوف من ظلمة دخانها ، وحرارة نارها . ثم تدخل في الصدر بوسوستها ، وأباطيل أمانيها ابتلاء من اللَّه إياه ، حتى يستعين العبد بصدق افتقاره ودوام تضرعه لمولاه “ .
(بيان الفرق بين الصدر والقلب ، والفؤاد واللبّ ، ص 40 ، القاهرة 1958 ) .
( 2624 - 2626 ) الصورة والمعنى يكمل كلّ منهما الآخر . الصورة هي الشكل الظاهريّ ، والمعنى هو المضمون الباطنيّ . وللحقيقة صورة ومعنى ، كل منهما يكمل الآخر . ولو كانت الأهمية للمعنى وحده ، لكان خلق هذا العالم الدنيوي باطلًا ، ولما كانت هناك حاجة للصور المعبّرة عن المحبة والولاء سواء في العلاقة بين الإنسان وربه ، أو بين أفراد الجنس البشريّ . فالصلاة مثلا لها مدلولها الروحيّ ، ولكنها أيضاً تتم بصورة معينة . وعاطفه المحبة بين الناس يمكن التعبير عنها بصورة ماديَّة ، كتبادل الهدايا .
( 2629 ) يفرق الشاعر هنا بين الصور التي تعبر عن معان حقيقية صادقة ، وبين الصور التي لا معنى لها . فالنوع الأول تعبير عن المحبة والاخلاص ، وأما النوع الثاني فمحض تظاهر ورياء .
( 2634 ) في البيت إشارة إلى حديث ينسب إلى الرسول أنه قال : “ اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور اللَّه “ .
( 2635 ) إذا لم يشهد الإنسان الصور الدالة على المعنى ، فإنه قد يستدلّ على هذا المعنى بأسباب تحققه . فإذا كانت هناك رابطة قربى بين إنسانين ، فهي - في العادة - مدعاة لافتراض المحبة ، وإن لم يتجلّ من المظاهر ما يؤكد ذلك .
“ 567 “
( 2636 ) كل هذه المعارف المبنية على المظاهر والأسباب لا تعدو أن تكون افتراضية . ولا سبيل إلى اليقين ، الذي يجعل الإنسان مستغنياً عن الأثر والسبب إلا بالكشف الإلهيّ .
( 2640 ) من اعتبر الصورة والمعنى شيئاً واحداً كان خاطئاً . فالصورة قريبة من المعنى ، لأنها تعبر عنه ، لكنها بعيدة عن المعنى ، لأن له طبيعة أخرى ، ولأنه هو الجوهر المقصود . فمن اقتصر على صورة الصلاة وجهل معناها كانت صلاته باطلة لا جدوى منها . ومن كان حبه مجرد ابتسام وإظهار للمحبة ، من غير إحساس بها ، فهو من المرائين المخادعين ، وليس من المحبين .
( 2648 ) ذكر الجرجاني في تعريفاته أنّ هناك أربعة ألواح : لوح القضاء ، ولوح القدر ، ولوح النفس الجزئية السماوية ، ولوح الهيولى .
( 2650 ) راجع ما سبق أن نقلناه عن ابن العربي من نصوص تتعلق بآدم ، وتبيّن فضله على الملائكة . وقد ذكر جلال الدين في مواضع أخرى من شعره أن الإنسان في صورته الكاملة أعظم من الملائكة . ومن ذلك قوله في ديوان شمس تبريز .خود ز فلك برتريم واز ملك افزونتريم * زين دو چرا نگذريم ، منزل ما كبرياست( إننا أعلى من الفلك ، وأعظم من الملك ! * ولم لا نفوقهها ، ومنزلها الكبرياء ؟ )
( 2657 ) للعرش تفسير صوفي ذكره الجيلي . قال : “ هو المظهر الأعلى ، والمحل الأزهى ، والشامل لجميع أنواع الموجودات . فهو في الوجود المطلق ، كالجسم للوجود الإنسانيّ ، باعتبار أنّ العالم الجسماني شامل العالم الروحاني والخيالي والعقلي إلى غير ذلك . . “ ( الإنسان الكامل ، ج 2 ، ص 4 ) . ولسنا نريد أن نفترض هذا المفهوم في بيت الشاعر . ويمكن أن يفسر - بدون تأويل بعيد - على أساس أن آدم أهمّ مخلوقات اللَّه . فالعرش ذاته لا يبلغ
“ 568 “
مكانة روح آدم ، لأنه - برغم نوره واتساعه - لا يبلغ مبلغ الروح في اتساعها لخالقها .
( 2659 - 2661 ) يشير الشاعر هنا إلى أن الملائكة تعلقوا بالأرض وأحبوها وأكبروها قبل خلق آدم وأنهم عجبوا لهذا التعلق ، فطبيعتهم السماوية مختلفة عن طبيعة التراب . ولكن السبب في هذا أن اللَّه كان قد أودع في التراب سراً هو آدم ، الذي خُلق من هذا التراب ، فكان أعظم مخلوقات اللَّه . أما التعلق بالأرض فقد يشير إليه ما جاء في القرآن حكاية عنهم حين أخبرهم اللَّه بخلق آدم :” وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ “. (البقرة ، 2 : 30 ) .
( 2663 ) تخاطب الملائكة آدم قائلة ، إنها قد تعلقت بالإرض لأن اللَّه كان قد جعل بها سراً عظيماً من أسراره ، ثم ما لبث أن أظهره لها بعد أن خلق من ترابها آدم .
( 2667 ) صارت أفواهنا مرّة . . . “ معناها أن الملائكة حزنوا وتألوا .
( 2675 ) أبدع الشاعر في التعبير عن الحلم الإلهي - وهو الرحمة التي يسبغها اللَّه على عباده - بقوله إن مائة أب ومائة أم تولد من هذا الحلم في كل لحظة .
( 2676 ) وما حلم هؤلاء . . “ الإشارة هنا إلى حلم الآباء والأمهات .
( 2677 ) إن حلم الإنسان - إذا قيس بحلم اللَّه - ليس إلا رشاشاً واهياً من هذا الفيض الإلهي العظيم .
[ شرح من بيت 2700 إلى 2850 ]
( 2710 ) شبّه الجسم الإنساني بإبريق ، له خمس أنابيب تصب فيه ، هي الحواس الخمس . ويتضمن البيت دعاء اللَّه أن يطهر الحواس حتى يسلم الجسم من كل نجس .
“ 569 “
( 2726 ) المحو والسكر والانبساط :
المحو - في تعريف السراج - هو “ ذهاب الشيء إذا لم يبق له أثر ، وإذا بقي له أثر فيكون طمساً . وقال النوري : الخاص والعام في قميص العبودية ، إلا من يكون منهم أرفع ، جذبهم الحق ، ومحاهم عن نفوسهم في حركاتهم ، وأثبتهم عند نفسه .
قال اللَّه تعالى :” يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ “.
معنى قوله جذبهم الحق : يعني جمعهم بين يديه ومحاهم عن نفوسهم يعني عن رؤية نفوسهم في حركاتهم ، وأثبتهم عند نفسه ، بنظرهم إلى قيام اللَّه لهم في أفعالهم وحركاتهم “ . ( اللمع ، ص 431 ) .
وتكلم السرّاج عن السكر فقال إن معناه “ الغيبة “ غير أن السكر أقوى وأتم وأقهر من “ الغيبة “ أما شرحه للغيبة ، فهي أنها “ غيبة القلب عن مشاهدة الخلق بحضوره ، ومشاهدته للحق بلا تغيير ظاهر للعبد “ . ( اللمع ص 416 ) .
وأما الانبساط فهو الذي يعرف بالبسط . ويُذكر البسط مع القبض .
يقول عنهما السراج إنهما حالان شريفان لأهل المعرفة . وفسرهما على أن القبض هو أن يقبض اللَّه العارف عن المباحات في أكل وشرب وغير هما ، فلا يبقى له من فضل سوى المعرفة . وأما البسط فهو أن يبسط اللَّه العارف لهذه المتع الحسية ، ولكنه يصونه من الإغراق فيها “ حتى يتأدب الخلق به “ . ويُروى عن الجنيد أنه قال إن القبض والبسط يعنيان الخوف والرجاء . “ فالرجاء يبسط إلى الطاعة ، والخوف يقبض عن المعصية “ . ( اللمع ص 419 ، 420 ).
( 2739 ) هذا الرجل الكامل عم كرمه البشرية جمعاء . ولم يكن يفرق بين إنسان وآخر ، فكأنه الشمس أو المطر . بل هو - في تحقق النعيم على يديه - كان كأنه الفردوس .
وهناك رواية أخرى تجعل “ ني “ بدلًا من “ بل “ في عبارة الشاعر
“ 570 “
“ بل چون بهشت “ .
وشبيه بهذا ما قاله شوقي في العصر الحديث :ألم تر أن نور الشمس يغشى * حمى كسرى كما يغشى اليبابا
وأن الماء تروى الأسد منه * ويشفي من تلعلعها الكلابا
( 2750 )الذين يسألون الحق هم الذين يظهرون للناس جوده . أما الذين خلصوا من وجودهم الذاتي ، فلم يستشعروا لذواتهم وجودا أمام الحق ، فهؤلاء هم الجود المطلق .
( 2751 ) من لم يكن ممن يسألون اللَّه ، ويشعرون بالحاجة إليه ، فهو ميت ، لأنه فاقد للروح عديم الإحساس . وكذلك من لا يكون مع الحقّ ، بل يؤكد وجوده الذاتي ويبلغ به حبه للمادة وتعلقه بهذا العالم الماديّ أن يتوهم لنفسه وجوداً منفصلًا عن الخالق . فمثل هذا أيضاً يكون ميتاً لأنه تعلق بما يفنى ، وأعرض عن الحي ، الواهب للحياة .
وأما قول الشاعر : “ إنه ليس من أهل هذا الباب “ ، فمعناه أن مثل هذا الشخص لا صلة له بعالم الروح : “ وما هو إلا صورة فوق ستار “ أي أنه لا يعدو أن يكون صورة لا حياة فيها .
( 2757 ) ليس حب الذات الإلهية وهما ، وخيالا عن الأسماء والصفات ، بل إحساس جارف يتملك الروح ، ويسيطر عليها ، ويجعل صاحبه عاشقا للذات ، لا أسير وهم وخيال .
( 2760 ) لو كان عاشق الأوهام ( الذي ينبثق علمه من أوهامه ، فيتعلق بهذا العلم ، ويحسبه من اليقين ) ، لو كان مثل هذا صادق النية في بحثه عن الحقيقة ، لهذه صدق نيته إلى الحقيقة .
( 2762 ) لا يليق عرض الفكر الصوفي على من لا يكون أهلًا له ، لأن هذا يفهمه على غير وجهه ، ويخرج منه بمائة خيال باطل .
( 2765 ) ليس الإنسان مجرد صورة . ولا شأن له بأسرار العرفان الروحي ، لو لم يكن قويّ الروح ، فصورة السمكة لا شأن لها بالبحر
“ 571 “
أو اليابسة . ولون الهندي ليس من فعل الأصباغ ، ولا هو مما يزال بالغسل . فطبيعته راسخة ، لا سبيل إلى تغييرها . وهكذا من رسخ في قلوبهم التلعق بالمادة ، وإغفال الروح ، ولا سبيل إلى تغييرهم .
( 2770 ) كلمة “ نقشها “ ( النقوش ) في هذا البيت قد أو همت الشراح أن المقصود هنا تلك النقوش التي كانت تصوّر على جدران الحمامات .
والظاهر أن هذه النقوش كانت شائعة ، وقد عدّها الغزالي من المنكرات وأوصى بإزالتها أو تشويه وجهها لإبطالها إن كانت لبشر . كما أنه نهى عن تصوير الحيوان وأجاز صور الأشجار وسائر النقوش . ( الإحياء ، ج 2 ، ص 339 ) .
وقد زاد الأمر تأكيداً للشراح أن الشاعر في الأبيات السابقة على هذا البيت كان يتحدث عن التصوير والصور . ولكن فهم النقوش هنا على معناها التصويري ، يؤدي إلى استحالة فهم البيت ، وربطه بما يليه .
والظاهر أن الشاعر انتقل هنا على عادته من الصور ، إلى الحديث عن الأجساد ، وهي لا تعدو - عند الصوفية - أن تكون شبيهة بالصور .
وقد استعمل الشاعر كلمة “ نقش “ في مواضع عديدة بمعنى الجسم . يقول :گاه نقش خويش ويران ميكنند * از پي تنزيه جانان ميكند( المثنوي ، 2 / 60 ) .
فالأجسام خارج غرفة خلع الثياب تتخذ صور الثياب ، لكنها في الداخل ، أي حين تتعرى تظهر على حقيقتها . وكما أن الثياب تخفي حقيقة الأجساد ، كذلك الأجساد تخفي حقيقة الروح ، فلكي يعرف الإنسان حقيقة الجسد ، عليه أن يخلع الثياب ، ولكي يعرف حقيقة الروح ، عليه أن يتخلص من الجسد .
( 2771 - 2772 ) لا سبيل إلى إدراك حقيقة الروح ما دامت متلبسة بالجسم . فإذا ما انطلقت من الجسم ، ودخلت عالمها الروحي ، تجلت حقيقتها . فالجام هنا رمز للعالم الروحي ، والثياب رمز للجسم الذي
“ 572 “
( 2619 ) صور الترمذيّ الصراح بين النفس ( التي تمثّل الشهوة والهوى ) والقلب ( الذي يمثل الحكمة والتعقل ) بقوله : “ وإنّ المؤمن قد ابتلي بالنفس وأمانيها ، وأُعطيت ( النفس ) ولاية التكلفّ بالدخول في الصدر . والنفس معدنها في الجوف وموضع القرب ، وهيجانها من الدم وقوة النجاسة ، فيمثلىء الجوف من ظلمة دخانها ، وحرارة نارها . ثم تدخل في الصدر بوسوستها ، وأباطيل أمانيها ابتلاء من اللَّه إياه ، حتى يستعين العبد بصدق افتقاره ودوام تضرعه لمولاه “ .
(بيان الفرق بين الصدر والقلب ، والفؤاد واللبّ ، ص 40 ، القاهرة 1958 ) .
( 2624 - 2626 ) الصورة والمعنى يكمل كلّ منهما الآخر . الصورة هي الشكل الظاهريّ ، والمعنى هو المضمون الباطنيّ . وللحقيقة صورة ومعنى ، كل منهما يكمل الآخر . ولو كانت الأهمية للمعنى وحده ، لكان خلق هذا العالم الدنيوي باطلًا ، ولما كانت هناك حاجة للصور المعبّرة عن المحبة والولاء سواء في العلاقة بين الإنسان وربه ، أو بين أفراد الجنس البشريّ . فالصلاة مثلا لها مدلولها الروحيّ ، ولكنها أيضاً تتم بصورة معينة . وعاطفه المحبة بين الناس يمكن التعبير عنها بصورة ماديَّة ، كتبادل الهدايا .
( 2629 ) يفرق الشاعر هنا بين الصور التي تعبر عن معان حقيقية صادقة ، وبين الصور التي لا معنى لها . فالنوع الأول تعبير عن المحبة والاخلاص ، وأما النوع الثاني فمحض تظاهر ورياء .
( 2634 ) في البيت إشارة إلى حديث ينسب إلى الرسول أنه قال : “ اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور اللَّه “ .
( 2635 ) إذا لم يشهد الإنسان الصور الدالة على المعنى ، فإنه قد يستدلّ على هذا المعنى بأسباب تحققه . فإذا كانت هناك رابطة قربى بين إنسانين ، فهي - في العادة - مدعاة لافتراض المحبة ، وإن لم يتجلّ من المظاهر ما يؤكد ذلك .
“ 567 “
( 2636 ) كل هذه المعارف المبنية على المظاهر والأسباب لا تعدو أن تكون افتراضية . ولا سبيل إلى اليقين ، الذي يجعل الإنسان مستغنياً عن الأثر والسبب إلا بالكشف الإلهيّ .
( 2640 ) من اعتبر الصورة والمعنى شيئاً واحداً كان خاطئاً . فالصورة قريبة من المعنى ، لأنها تعبر عنه ، لكنها بعيدة عن المعنى ، لأن له طبيعة أخرى ، ولأنه هو الجوهر المقصود . فمن اقتصر على صورة الصلاة وجهل معناها كانت صلاته باطلة لا جدوى منها . ومن كان حبه مجرد ابتسام وإظهار للمحبة ، من غير إحساس بها ، فهو من المرائين المخادعين ، وليس من المحبين .
( 2648 ) ذكر الجرجاني في تعريفاته أنّ هناك أربعة ألواح : لوح القضاء ، ولوح القدر ، ولوح النفس الجزئية السماوية ، ولوح الهيولى .
( 2650 ) راجع ما سبق أن نقلناه عن ابن العربي من نصوص تتعلق بآدم ، وتبيّن فضله على الملائكة . وقد ذكر جلال الدين في مواضع أخرى من شعره أن الإنسان في صورته الكاملة أعظم من الملائكة . ومن ذلك قوله في ديوان شمس تبريز .خود ز فلك برتريم واز ملك افزونتريم * زين دو چرا نگذريم ، منزل ما كبرياست( إننا أعلى من الفلك ، وأعظم من الملك ! * ولم لا نفوقهها ، ومنزلها الكبرياء ؟ )
( 2657 ) للعرش تفسير صوفي ذكره الجيلي . قال : “ هو المظهر الأعلى ، والمحل الأزهى ، والشامل لجميع أنواع الموجودات . فهو في الوجود المطلق ، كالجسم للوجود الإنسانيّ ، باعتبار أنّ العالم الجسماني شامل العالم الروحاني والخيالي والعقلي إلى غير ذلك . . “ ( الإنسان الكامل ، ج 2 ، ص 4 ) . ولسنا نريد أن نفترض هذا المفهوم في بيت الشاعر . ويمكن أن يفسر - بدون تأويل بعيد - على أساس أن آدم أهمّ مخلوقات اللَّه . فالعرش ذاته لا يبلغ
“ 568 “
مكانة روح آدم ، لأنه - برغم نوره واتساعه - لا يبلغ مبلغ الروح في اتساعها لخالقها .
( 2659 - 2661 ) يشير الشاعر هنا إلى أن الملائكة تعلقوا بالأرض وأحبوها وأكبروها قبل خلق آدم وأنهم عجبوا لهذا التعلق ، فطبيعتهم السماوية مختلفة عن طبيعة التراب . ولكن السبب في هذا أن اللَّه كان قد أودع في التراب سراً هو آدم ، الذي خُلق من هذا التراب ، فكان أعظم مخلوقات اللَّه . أما التعلق بالأرض فقد يشير إليه ما جاء في القرآن حكاية عنهم حين أخبرهم اللَّه بخلق آدم :” وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ “. (البقرة ، 2 : 30 ) .
( 2663 ) تخاطب الملائكة آدم قائلة ، إنها قد تعلقت بالإرض لأن اللَّه كان قد جعل بها سراً عظيماً من أسراره ، ثم ما لبث أن أظهره لها بعد أن خلق من ترابها آدم .
( 2667 ) صارت أفواهنا مرّة . . . “ معناها أن الملائكة حزنوا وتألوا .
( 2675 ) أبدع الشاعر في التعبير عن الحلم الإلهي - وهو الرحمة التي يسبغها اللَّه على عباده - بقوله إن مائة أب ومائة أم تولد من هذا الحلم في كل لحظة .
( 2676 ) وما حلم هؤلاء . . “ الإشارة هنا إلى حلم الآباء والأمهات .
( 2677 ) إن حلم الإنسان - إذا قيس بحلم اللَّه - ليس إلا رشاشاً واهياً من هذا الفيض الإلهي العظيم .
[ شرح من بيت 2700 إلى 2850 ]
( 2710 ) شبّه الجسم الإنساني بإبريق ، له خمس أنابيب تصب فيه ، هي الحواس الخمس . ويتضمن البيت دعاء اللَّه أن يطهر الحواس حتى يسلم الجسم من كل نجس .
“ 569 “
( 2726 ) المحو والسكر والانبساط :
المحو - في تعريف السراج - هو “ ذهاب الشيء إذا لم يبق له أثر ، وإذا بقي له أثر فيكون طمساً . وقال النوري : الخاص والعام في قميص العبودية ، إلا من يكون منهم أرفع ، جذبهم الحق ، ومحاهم عن نفوسهم في حركاتهم ، وأثبتهم عند نفسه .
قال اللَّه تعالى :” يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ “.
معنى قوله جذبهم الحق : يعني جمعهم بين يديه ومحاهم عن نفوسهم يعني عن رؤية نفوسهم في حركاتهم ، وأثبتهم عند نفسه ، بنظرهم إلى قيام اللَّه لهم في أفعالهم وحركاتهم “ . ( اللمع ، ص 431 ) .
وتكلم السرّاج عن السكر فقال إن معناه “ الغيبة “ غير أن السكر أقوى وأتم وأقهر من “ الغيبة “ أما شرحه للغيبة ، فهي أنها “ غيبة القلب عن مشاهدة الخلق بحضوره ، ومشاهدته للحق بلا تغيير ظاهر للعبد “ . ( اللمع ص 416 ) .
وأما الانبساط فهو الذي يعرف بالبسط . ويُذكر البسط مع القبض .
يقول عنهما السراج إنهما حالان شريفان لأهل المعرفة . وفسرهما على أن القبض هو أن يقبض اللَّه العارف عن المباحات في أكل وشرب وغير هما ، فلا يبقى له من فضل سوى المعرفة . وأما البسط فهو أن يبسط اللَّه العارف لهذه المتع الحسية ، ولكنه يصونه من الإغراق فيها “ حتى يتأدب الخلق به “ . ويُروى عن الجنيد أنه قال إن القبض والبسط يعنيان الخوف والرجاء . “ فالرجاء يبسط إلى الطاعة ، والخوف يقبض عن المعصية “ . ( اللمع ص 419 ، 420 ).
( 2739 ) هذا الرجل الكامل عم كرمه البشرية جمعاء . ولم يكن يفرق بين إنسان وآخر ، فكأنه الشمس أو المطر . بل هو - في تحقق النعيم على يديه - كان كأنه الفردوس .
وهناك رواية أخرى تجعل “ ني “ بدلًا من “ بل “ في عبارة الشاعر
“ 570 “
“ بل چون بهشت “ .
وشبيه بهذا ما قاله شوقي في العصر الحديث :ألم تر أن نور الشمس يغشى * حمى كسرى كما يغشى اليبابا
وأن الماء تروى الأسد منه * ويشفي من تلعلعها الكلابا
( 2750 )الذين يسألون الحق هم الذين يظهرون للناس جوده . أما الذين خلصوا من وجودهم الذاتي ، فلم يستشعروا لذواتهم وجودا أمام الحق ، فهؤلاء هم الجود المطلق .
( 2751 ) من لم يكن ممن يسألون اللَّه ، ويشعرون بالحاجة إليه ، فهو ميت ، لأنه فاقد للروح عديم الإحساس . وكذلك من لا يكون مع الحقّ ، بل يؤكد وجوده الذاتي ويبلغ به حبه للمادة وتعلقه بهذا العالم الماديّ أن يتوهم لنفسه وجوداً منفصلًا عن الخالق . فمثل هذا أيضاً يكون ميتاً لأنه تعلق بما يفنى ، وأعرض عن الحي ، الواهب للحياة .
وأما قول الشاعر : “ إنه ليس من أهل هذا الباب “ ، فمعناه أن مثل هذا الشخص لا صلة له بعالم الروح : “ وما هو إلا صورة فوق ستار “ أي أنه لا يعدو أن يكون صورة لا حياة فيها .
( 2757 ) ليس حب الذات الإلهية وهما ، وخيالا عن الأسماء والصفات ، بل إحساس جارف يتملك الروح ، ويسيطر عليها ، ويجعل صاحبه عاشقا للذات ، لا أسير وهم وخيال .
( 2760 ) لو كان عاشق الأوهام ( الذي ينبثق علمه من أوهامه ، فيتعلق بهذا العلم ، ويحسبه من اليقين ) ، لو كان مثل هذا صادق النية في بحثه عن الحقيقة ، لهذه صدق نيته إلى الحقيقة .
( 2762 ) لا يليق عرض الفكر الصوفي على من لا يكون أهلًا له ، لأن هذا يفهمه على غير وجهه ، ويخرج منه بمائة خيال باطل .
( 2765 ) ليس الإنسان مجرد صورة . ولا شأن له بأسرار العرفان الروحي ، لو لم يكن قويّ الروح ، فصورة السمكة لا شأن لها بالبحر
“ 571 “
أو اليابسة . ولون الهندي ليس من فعل الأصباغ ، ولا هو مما يزال بالغسل . فطبيعته راسخة ، لا سبيل إلى تغييرها . وهكذا من رسخ في قلوبهم التلعق بالمادة ، وإغفال الروح ، ولا سبيل إلى تغييرهم .
( 2770 ) كلمة “ نقشها “ ( النقوش ) في هذا البيت قد أو همت الشراح أن المقصود هنا تلك النقوش التي كانت تصوّر على جدران الحمامات .
والظاهر أن هذه النقوش كانت شائعة ، وقد عدّها الغزالي من المنكرات وأوصى بإزالتها أو تشويه وجهها لإبطالها إن كانت لبشر . كما أنه نهى عن تصوير الحيوان وأجاز صور الأشجار وسائر النقوش . ( الإحياء ، ج 2 ، ص 339 ) .
وقد زاد الأمر تأكيداً للشراح أن الشاعر في الأبيات السابقة على هذا البيت كان يتحدث عن التصوير والصور . ولكن فهم النقوش هنا على معناها التصويري ، يؤدي إلى استحالة فهم البيت ، وربطه بما يليه .
والظاهر أن الشاعر انتقل هنا على عادته من الصور ، إلى الحديث عن الأجساد ، وهي لا تعدو - عند الصوفية - أن تكون شبيهة بالصور .
وقد استعمل الشاعر كلمة “ نقش “ في مواضع عديدة بمعنى الجسم . يقول :گاه نقش خويش ويران ميكنند * از پي تنزيه جانان ميكند( المثنوي ، 2 / 60 ) .
فالأجسام خارج غرفة خلع الثياب تتخذ صور الثياب ، لكنها في الداخل ، أي حين تتعرى تظهر على حقيقتها . وكما أن الثياب تخفي حقيقة الأجساد ، كذلك الأجساد تخفي حقيقة الروح ، فلكي يعرف الإنسان حقيقة الجسد ، عليه أن يخلع الثياب ، ولكي يعرف حقيقة الروح ، عليه أن يتخلص من الجسد .
( 2771 - 2772 ) لا سبيل إلى إدراك حقيقة الروح ما دامت متلبسة بالجسم . فإذا ما انطلقت من الجسم ، ودخلت عالمها الروحي ، تجلت حقيقتها . فالجام هنا رمز للعالم الروحي ، والثياب رمز للجسم الذي
“ 572 “
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin