..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة 5: الرجال المسلمون يظلمون النساء من خلال تعدد الزوجات ـ د.نضير خان
كتاب تاج الرّسائل ومنهاج الوسائل ـ الشيخ الأكبر ابن عربي  Empty10/11/2024, 21:08 من طرف Admin

» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الرابعة: قوانين الميراث تفضل الرجال على النساء ـ د.نضير خان
كتاب تاج الرّسائل ومنهاج الوسائل ـ الشيخ الأكبر ابن عربي  Empty10/11/2024, 21:05 من طرف Admin

» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الثالثة: شهادة المرأة لا تساوي سوى نصف رجل ـ د.نضير خان
كتاب تاج الرّسائل ومنهاج الوسائل ـ الشيخ الأكبر ابن عربي  Empty10/11/2024, 21:02 من طرف Admin

» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الثانية: المرأة لا تستطيع الطلاق ـ د.نضير خان
كتاب تاج الرّسائل ومنهاج الوسائل ـ الشيخ الأكبر ابن عربي  Empty10/11/2024, 20:59 من طرف Admin

» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الأولى: الإسلام يوجه الرجال لضرب زوجاتهم ـ د.نضير خان
كتاب تاج الرّسائل ومنهاج الوسائل ـ الشيخ الأكبر ابن عربي  Empty10/11/2024, 20:54 من طرف Admin

» كتاب: المرأة في المنظور الإسلامي ـ إعداد لجنة من الباحثين
كتاب تاج الرّسائل ومنهاج الوسائل ـ الشيخ الأكبر ابن عربي  Empty10/11/2024, 20:05 من طرف Admin

» كتاب: (درة العشاق) محمد صلى الله عليه وسلم ـ الشّاعر غازي الجَمـل
كتاب تاج الرّسائل ومنهاج الوسائل ـ الشيخ الأكبر ابن عربي  Empty9/11/2024, 17:10 من طرف Admin

» كتاب: الحب في الله ـ محمد غازي الجمل
كتاب تاج الرّسائل ومنهاج الوسائل ـ الشيخ الأكبر ابن عربي  Empty9/11/2024, 17:04 من طرف Admin

» كتاب "قطائف اللطائف من جواهر المعارف" - الجزء الأول ـ إعداد: غازي الجمل
كتاب تاج الرّسائل ومنهاج الوسائل ـ الشيخ الأكبر ابن عربي  Empty9/11/2024, 16:59 من طرف Admin

» كتاب "قطائف اللطائف من جواهر المعارف" - الجزء الثاني ـ إعداد: غازي الجمل
كتاب تاج الرّسائل ومنهاج الوسائل ـ الشيخ الأكبر ابن عربي  Empty9/11/2024, 16:57 من طرف Admin

» كتاب : الفتن ـ نعيم بن حماد المروزي
كتاب تاج الرّسائل ومنهاج الوسائل ـ الشيخ الأكبر ابن عربي  Empty7/11/2024, 09:30 من طرف Admin

» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (1) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
كتاب تاج الرّسائل ومنهاج الوسائل ـ الشيخ الأكبر ابن عربي  Empty19/10/2024, 11:12 من طرف Admin

» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (2) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
كتاب تاج الرّسائل ومنهاج الوسائل ـ الشيخ الأكبر ابن عربي  Empty19/10/2024, 11:10 من طرف Admin

» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (3) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
كتاب تاج الرّسائل ومنهاج الوسائل ـ الشيخ الأكبر ابن عربي  Empty19/10/2024, 11:06 من طرف Admin

» كتاب: تحفة المشتاق: أربعون حديثا في التزكية والأخلاق ـ محب الدين علي بن محمود بن تقي المصري
كتاب تاج الرّسائل ومنهاج الوسائل ـ الشيخ الأكبر ابن عربي  Empty19/10/2024, 11:00 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب تاج الرّسائل ومنهاج الوسائل ـ الشيخ الأكبر ابن عربي

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68501
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب تاج الرّسائل ومنهاج الوسائل ـ الشيخ الأكبر ابن عربي  Empty كتاب تاج الرّسائل ومنهاج الوسائل ـ الشيخ الأكبر ابن عربي

    مُساهمة من طرف Admin 15/10/2020, 11:02

    كتاب تاج الرّسائل ومنهاج الوسائل الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي الأندلسي
    كتاب تاج الرّسائل ومنهاج الوسائل
    تأليف الشّيخ الأكبر محيي الدّين محمّد بن علي بن محمّد ابن العربي الحاتمي المتوفى 638 هـ ضبطه وصحّحه وعلّمه عليه الشّيخ الدّكتور عاصم إبراهيم الكيّالي الحسيني الشّاذلي الدّرقاوي
    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
    وصلّى اللّه على سيدنا محمد وآله وسلّم تسليما هذا كتاب ( تاج الرسائل ومنهاج الوسائل في إيضاح المعاني الإلهية المودعة في المعاني الروحانية ) ممّا جرى بيني وبين الكعبة المعظمة عند طوافي بها من باب المكاشفة والمطالعة إلى بعض من يكرم عليه من أصحابه ، ويعزّ لديه من أترابه بمكة سنة ستمائة .
    فقال : الحمد للّه الذي توّجني بتاج العزّة بعد الخضوع ، وردّاني برداء الرفعة بعد الخشوع ، ووحدني بالواحدة البتول من الأعيان ، التي لم يطمثها إنس قبلي ولا جان ، وصلّى اللّه على السيد المختار من آل عدنان ، وسلم كثيرا ما اختلف الملوان .
    أمّا بعد
    فإن اللّه تعالى لما أنزلني في حرمه ، وأطلعني على حرمه وجمع شملي بكعبة الحسن المونقة ، وروضة المزن المورقة عاينت نشأة فلكيّة ، وحقيقة ملكية ، وجارية فلكية ومرتبة ملكية ، وتربية مكيّة .
    ستر مسدل ، ويمين تقبّل ، وكلمات تقبل ، ونفحات يمنية سريانية تقبل . واستلام والتزام ، ومصّ ريق ، وتعنيق ، رخيمة الدلال ، معشوقة الإدلال ، رائعة الجمال ، فائقة الجلال . غضّة ناضرة ، نكتة نادرة وضّاحة الجبين ، معتدلة العرنين ، حسنة القدّ ، أسيلة الخدّ ، روضة مظلولة ، لا ملولة ولا مملولة، نجلاء العينين ، رائقة المنظرين ، مائسة العطفين.
    مهفهفة بيضاء غير مفاضة .... ترائبها مصقولة كالسّجنجل
    "" بيت إمرىء القيس :
    والمهفهفة : اللطيفة الخصر الضامرة البطن . والمفاضة : المرأة العظيمة البطن المسترخية اللحم .
    والترائب : جمع التريبة وهي موضع القلادة من الصدر . والصقل : إزالة الصدأ والدنس وغيرهما .
    والسجنجل : المرآة وهي لغة رومية عربتها العرب ، وقيل بل هو قطع الذهب والفضة . ""
    تفتر عن درّ منظوم ، وتتنفّس عن مسك مختوم ، سبطة البنان ، مريضة الأجفان ، عنبرية النشر ، دائمة البشر ، صابرة محتسبة ، قائمة منتصبة ، لا تعترض ولا تعرض وتمرض بعد ما تمرض .
    عذبة الكلام ، شهيّة الفدام ، سهلة الهوى ، صعبة القياد ، كثيرة البلوى ، حليفة السهاد ، تقيد الخاطر ، وتسحر الناظر ، وتذيب الأشباح ، وتفني الأرواح ، وتنحل الأجساد ، وتنضج الأكباد ، وتورث الاحتراق ، وتربّي الأشواق ، وتفي بالعهد والميثاق ، صادقة الموعد ، إلهيّة المحتد ، ربانية المولد ، روحانية المقصد ، عزيّة المشهد .
    إن نظرت إلى عباراتها قلت : عربية عرباء .
    وإن نظرت إلى إشاراتها قلت : سريانية خرساء .
    قسّمت بين ثلاثة أسماء ، كما وصف محبوبته في قصيدته بشار بن برد الأعمى فقال :
    بنت عشر وثلاث قسّمت .... بين غصن وكثيب وقمر
    - فغصن للحركة المستقيمة .
    - وكثيب للمقعدة الكريمة .
    - وقمر للنظرة السليمة .
    أو كما وصفت أنا في بعض قصائدي ، وفريدة من فرائدي . فجمعت في بيت واحد أربعة أوصاف .
    فقلت :
    بدر تمّ تحت دجن قد سما .... فوق أملود على دعص نقا
    "" الدّجن: ظلّ الغيم في اليوم المطير. والأملد والأملودة: الناعمة المستوية القامة. والملدان: اهتزاز الغصين. والدّعص: قور من الرمل مجتمع ، والجمع أدعاص. والنّقا : مقصور من كثبان الرمل .""
    فزدت سواد الدلال في التّشبيه بسواد الليالي ، فدلال لإدلال .
    وحيدة الدهر ، فريدة العصر ، يتيمة الوقت ، سعيدة الشخت .
    شمس طالعة فوق السماء السابعة ، جاورها جبريل، واستند إليها الخليل ، وأثنى عليها الجليل.
    أشرت لها بطرفي ، ووضعت كفّها على كفّي ، وتنازعنا الحديث ، وترنمنا بالقديم والحديث ، والناس بها طائفون ، والرقباء على بابها عاكفون ، وأنا وإيّاها تحت ثوب واحد وهم لا يشعرون .
    فكانت بيننا مخاطبات تأنيس ، وقواعد تأسيس ، تحوي على معارف روحانية ، وأسرار إلهية ، ومشارب محمدية ، وإشارات أحدية ، فسألتني بين الظهر والعصر ، وقد قيدتني بنكتة العصر ، أن أضم بعض ما أشرت لها به في ديوان وأن أضعه في الآن ، فقيدته كما أمرت ،
    ولم أتعد ما به حكمت على حد ما كانت بيني وبينها المخاطبات الروحانية ، والأنفاس الإلهية في الحضرة الربانية ، ورسل عبيد الأسماء تمشي بيني وبينها بالمخاطبات ، وتسري بالمكاتبات ، متوسلين في الاتصال الكلي ، بالمقام العلوي والسفلي ، حتى يقع العموم ، ويتضح السر المكتوم فوضعت في هذا الجزء بعض ما تيسر في الحال ، وسنح بالبال .
    فإن المقام جليل ، والخاطر كليل ، والمحبوب متعوب ، والمحب منهوب ، والقلب مصطلم ، والنار في الجوانح تضطرم ، فاقنع أيها السائل بما جرى به قلمي ، فإنه ما استقر به قدمي .
    واللّه المستعان ، وعليه التكلان .
    1 - الرسالة الإلهية توسّل بها عبد اللّه إليها ونزل بها عليها
    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
    من محمد بن عبد اللّه إلى كعبة الحسن، وروضة المزن . سلام عليك ورحمة اللّه وبركاته.
    أما بعد
    الحمد للّه والثناء ، والصلاة على سر الأنبياء .
    فإن زمان الاعتدال قد طل ، ووجه غلام الشباب قد نقل ، والأرض قد أخذت زخرفها وازّينت ، وأنبتت من كل زوج بهيج ، قد قابلت الزهر بالزهر ، والنور بالنور ، فلا تعاين إلّا حقائق في حدائق ، ونغمات في رنّات ، إلى فنن ميّاس في رملة ميعاس ، وجداول تنساب انسياب الثعابين ،
    بين فراديس الأرواح والرياحين ، ومياه تطرد ، وطيور تغرد ، ونسيم يهب فيميل بالأغصان عليك ، ويسوق روائح الأزهار العطرية في كفه ليهديها إليك ، وقد سرى النعيم في الحواس والأرواح ، بوجود الذوات وهبوب الرياح .
    فذات لحسّ ، وريح وروح لروح قدس ، فتنبّه أيها الغافل واستيقظ أيها النائم .
    فقد جاءك النصيح بالتصريح ، وما قنع بالإشارة والتلويح .
    هذه عين قد نظرت إلى بهجتها ، وأذن أصغت إلى نغمتها ، ويد عطفت فقطفت ، ورجل سعت فوصلت ، وقلب عشق فلحق ، وعقل سار فحار ، عين مفتونة بلون ، وقلب متعشق بكون ،
    وعقل حائر في قضية عين فلا لون انتقل ، ولا كون اتحد بذات عاشقة فاتصل ، ولا حاكم على وجه الحق عثر في قضية العين فحصل ، فلا حبيب تدلّى ، ولا محب دنا .
    فعبرة تسكب ، وقلب بنار الأسى يتقلّب .
    فإن همّ الحبيب بالاتصال وجاد بالوصال ، وأذن بالتجلي ، فسترى أيها الطائف خيالك يتصدع ، وشامخك يخشع ، وآمنك يفرق ، وقائمك يصعق ، وروضك يحرق ، وجديدك يخلق ، غيرة أن تبقى عزيزا لعزّه ، أو آمنا لأمنه ، أو قائما لقيّوميته ، أو دائما لديموميته ، فمن شاء أن يلحظ عنفوان شبابه ،
    ويفوز به من بين أترابه ، ويخرق سرف الكم ، ويجوز بحار الهم ، ويجوب مفاوز الغم ، فليعلم أن الفتنة في المنّة ، والسّنة في السنة ، والمؤنة في المحنة ، فلا بد من تجرّع كؤوس البلوى ، والحنين إلى مواطن الشكوى ، وهدّ ركن القوة ، ومحق رسم الشباب والفتوة ، واضمحلال الرسم ، وفناء الاسم ، وتعثر النطق ، ودحض الحجة بالصدق .
    آه على قوم حرموا التوفيق ، فطلبوا الراحة وأخطأوا الطريق ، عليك يا كعبة الحسن بالحزن الدائم ، والهم اللازم ، والتلف الكلي في وصال العلي ، فما أحسن ذلك الجمال المطلق ، والبهاء المحقق ، والجلال الأنفس الأعلق .
    قدمي في مكاني ، وجناني في عياني ، فأنا النازح القريب ، وأنت الأهل الغريب رميت بفنون الشجون ، وقيل أنت المثقف المسجون .
    ولا عطفة ترجى ، ولا رحمة تزجى ، ولا رأفة تتوقع ، ولا فائت يسترجع ، حار واللّه سري ، وطاش لبّي في مجاراة الأضداد ، ومصادمة الأنداد ، والائتلاف بشجر الخلاف ، هلا ظل غيرها من الشجر كان ، ولو كان النجم بدلا من الشجر لكان أحسن في نطق الزمان .
    وأين الفأل من الطيرة ، وأين السيرة من السيرة ، باسم الشجر عصى أب الآباء ، حتى نودي به في صريح فصيح الأنباء .
    ذات الجسم والروح ، بين الدنوّ والنزوح ، والاغتراب والاقتراب ، والسكر والصحو ، والإثبات والمحو ، فلا حالة تثبت ، ولا أرض تنبت ، سماء تبكي ثم ترفع ، وأرض تضحك وقتا ثم تخشع . أين سرّ الديمومية والثبات ، أين ملازمة الالتفات ، إلى متى هذا التحول من حال إلى حال ، كأنه محال في محال ، أواه أواه على حمل الأعباء ، واختراق السماء ، هلّا نزل إليّ ولا اخترقه ، هلا طرق بابي ولا أطرقه ، إنّا للّه على هؤلاء العصاة ، ما أجهلهم بشرف الكلمات .
    هلّا نظروا إلى سيدهم قد وسعه قلبي وتضمنه لبّي وهم خلقوا من أجلي ،
    وعرفوا أن ما ثمّ في الوجود مثلي ، ما بال الفرصة لا تأتيني حتى أسعى إليها ، ما بال الثمرة لا تنزل عليّ قبل أن أنزل عليها .
    يا ليت شعري ما هذه الغلطة وما هذه الخطّة تفطّنت للمعنى المراد والسر الكمين في الفؤاد
    لا يتمكن لها أن ترد إليّ ، ولا تنزل عليّ ، لجهلها بمكاني ، فلا تعرف أين تراني ، فمعرفتي بها أنزلتني عليها ، وحملتني إليها ، ألا ترى اللّه معنا بهذه المثابة لمّا لم نعرفه لم نرحل إليه ، ولا نزلنا عليه . فعرفنا فنزل ، واتخذ قلب العبد بيتا وإليه تنزّل .
    فلهذا التحقق الإلهي عندنا عرّفنا الأشياء وما عرفتنا ، فوجب علينا السعي إليها والنزول عليها .
    يا حكمة ما أجلاها ، وقطرة مزن ما أعذبها وأحلاها ، لولا الجمال ما اشتهيت المال ، ولولا الرذيلة ما تعشقت بالفضيلة ، ولولا النقص ما رغبت في الكمال . لهذه العلة جهلت الإشارات ، ولم تعرف العبارات ، فإنه أمران فصل وجمع .
    فالعالم في الفصل وأنا في الجمع .
    فكل شيء بالإضافة إلى ما يقابله موسوم ، وبرسمه مرسوم .
    فلو لا العلو ما سمي السّفل ، ولولا الطيب ما عرف التفل ، ولولا القشر ما عزّ اللب ، ولولا العبد ما علم الرب . فالعلو لا يكون سفلا أبدا .فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى[ طه : 135].
    وأنا الذي استوى ، وسقط، وطلع ، وهبط ، وعصم وغلط ، وعلا وسفل ، وارتفع ونزل.
    يا ليت شعري : هل فهمت العقول إشاراتي ؟
    هل سمعت الآذان عباراتي ؟
    هل عرف ما وراء هذه الحروف ؟
    هل علم ما حوته هذه الظروف ؟
    واها لسرّ مكتوم ، ووعاء مختوم .
    وبعد :
    يا كعبة الحسن ، ويا روضة المزن . قد ناجيت فيك من أوجدك ، وسألت فيك من وحّدك .
    إن تصح العزائم فتتحد الأسرار ، وتصحو السماء فتتقد سرج الأنوار ، فتدرعت الشرفة قائما ، وقمت باسمه اللّه حاكما .
    فقلت : يا اللّه بك عزّ الذليل ، واهتدى الدليل ، ولاح السبيل .
    نصبت هذه الكعبة ، وجعلت القلوب إليها صبّة ، وأنا أريد أن أصف لك حالة تعلمها ، وصفة لم تزل حقيقتي تلزمها ، لما أرخي العنان عنانه ، وزخرف الجنان جنانه ، وأضحك النور نوّاره ، وجلى طلوع الزهر أزهاره ،
    سطع الجمال في سماء الاقتبال ، فتحير البال ، واشتد البلبال ، وفارت المراجل في الصدور ، وأخذت الأسرار في الورود بعد الصدور ، وعظم الخطب ، وقلّ العزاء ، وجلّ الأمر ، وعمّت البلواء .
    فما ترى كل زوج بهيج إلّا في أمر مريج . فأردت في سؤالك تسكين ما تحرك ، وخلع
    من تملك ، وضالة قائدة تجمع عليّ ، ونفسا جموحة تذعن بالصدق إليّ ، وإعدام ضد يريد عدمي ،
    واستيلاء سلطان يثبت في مودتها قدمي ، بمعونة إلهية عجماء ، ودعوة سريانية خرساء ، تجلّ وتسمو أن تعبّر عنه حروف الهجاء ، قوية الهمّة ، صادقة الضراعة واللجاء .
    فإنه إذا بدا اللسان ، وظهر البيان ، وقام العيان ، فأين عزّة الغيرة ؟
    وأين سلطان الحيرة ؟
    كل ما سطره القلم فغير منظور إليه ، لأنه لو عشق لكتم وغير عليه إلّا التعشق الإلهي المطلوب ، بين الرب والمربوب ، فتلك حالة مجهولة ، صحيحة غير معلولة ، تنافي هذه الأحوال ، وتعز عن درك الإخلال .
    يا عجبا ! كيف تذاع أسرار المعشوق ؟ !
    كيف ترتب عليه الحقوق ؟ !
    أليس هذا عين المحال والضلال ، أحبك وأحبّبك لغيري وأعشقك وأختار لك شري على خيري . هذه مسألة دجالية المكان ، نارها ماء وماؤها نار في العيان ، ومسألة نبوية في الشبهات
    "حفّت الجنة بالمكاره وحفّت النار بالشهوات". رواه مسلم والترمذي وغيرهما
    والمقامان ضدّان . بين الكذب والصدق ، والباطل والحق ، والأمر في العين واحد ، عند المشهود والشاهد .
    قال الحبيب ولم يكن في مقام الاكتراث : " حبّب إليّ من دنياكم ثلاث " . رواه الحاكم في المستدرك والنسائي وغيرهما
    هذه صفة المحبوب لا المحب ، ونعت المعشوق لا العاشق .
    المعشوق في الاختيار ، والعاشق في الاضطرار ، المعشوق في التمحيص والاختبار ، والعاشق في السكون تحت مجاري الأقدار .
    الكتمان في المحبة أصل ، لكل وجه وفصل ، فتارة من باب الاحترام ، وتارة شفقا من الآلام .
    كما قلت :
    عليل الجسم قد هجر المناما .... بصاحب خيفة الواشين لاما
    يهيم بروح قدس لا يسامي .... إذا ما أبصر الشعرى تساما
    يقول : أنا القتيل بغير سهم .... وذاتي كلّها ملئت سهاما
    شكوت اسم الحبيب إليّ وحدي .... وراعيت المودّة والذماما
    ولم أخف اسمه حذرا عليه .... ولكنّي ابتغيت الاحتراما
    فمهما أراد المحبوب ينطق فباسم الحبيب ، ومهما أراد يسمع فكلام الحبيب ، وكلما أراد أن ينظر فإلى وجه الحبيب ، من نظر إلى غير وجه محبوبه هلك وتلف ، ومن سمع غير كلام معشوقه ندم وأسف ، حبيبي بل ظلّي بظلك حتى تنهل الدّيم ، خلّق ذاتي بخلوق خلقك حتى تتزكى الشّيم .
    إلى متى يقيم الدّرج في الدّرج ؟
    هذا أوان العجّ والثجّ . "" العجّ : رفع الصوت بالتلبية . والثّج : ذبح الهدى وسيلان دمائها .""
    ، نفوس تهدى ، وإبل تحدى ، وضدان مخصوبان ، وندّان منصوبان ، ورسائل ووسائل ، واستماع واستمتاع ، ومواسم في مباسم ، وتباب في قباب ، وثغور في ثغور ، ودواهي في نواهي ،
    وقواصم في عواصم ، ونواظر في نواضر ، فمن غمره الفضل ، وسقاه السّجل ، وصفاه الحب ، وتصافاه القرب ، وهجره الوعيد ، وناقره التهديد ، فذلك الذي لا يتصف بعد بالسقا ولا بالظما ، ولا بالكدر والبعد ، ولا يبرح في حظيرة السعد .
    يا كعبة الحسن : ما أشد وجدي عليك ، وشوقي إليك ، وسرد في هؤلاء الطوائف ، واستغنم هذه الطرائف ، فعزيز أن يرى مثلي بربعك طائف ، تحقق بهذه المعارف والإشارات ، وانظر ما أومأت إليك به خلف حجاب هذه العبارات ، واسنح بها على ذاتك ، وادّخرها بعدي لبناتك ،
    أليست السلطانة بها بعدك أولى ، أليست السلطانة بميراثك أجدر وأحرى ، باللّه وحياة الحب هل يستوي العبد والمولى ، فعليك بالتسليم لما أورده عليك ، وواجب عليك أن تبلّغ ما أنزل إليك ، ولا تسل عن العلة والسبب ،
    فقد تميزت الرتب ، لمّا قسمت وعرفت النّسب ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، وهي فيهم وهم فيها وهم لا يشعرون ، فهم الجاهلون وإن عقلوا والصمّ وإن سمعوا ، والعمي وإن أبصروا ، والخرس وإن أفصحوا .
    كم من لسان عجمي قلبه عربي ، وكم من لسان عربي قلبه أعجمي صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ[ البقرة :171].
    ،وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ( 21 ) [ الأنفال : 21 ] .
    فديت يا كعبة الحسن قلبا يفهم إشاراتي إليك ، وإيمائي ومقاصدي وإيحائي ، ويبين رمزها ، ويفك معمّاها ، ويحل لغزها ، طلسمات سيمياوية ، وتنبيهات كيمياوية ، هذه المناهج قد أنهجتها ، هذه المعارج قد أبهجتها .
    أين من ينهج فيرى ؟
    أين من يعرج بقلبه إلى السماء ؟
    هذا البراق عند الباب ، هذا جبريل ممسك الركاب .
    هل من همّة محمدية قد ورثت ورثا كليا ؟
    هل من عزمة صمدية قوية قد نهجت منهجا عقليا ؟
    هذه المعاني في المغاني ، هذه الأرواح في الأرواح ، هذه الحقائق الجسام في الأجسام ، ما أعذب اللثم والعناق عند العشاق ، ما أطيب رائحة المحبوب ، ما أشد فرح من جاد عليه دهره بالمطلوب .
    قطفنا من أغصان شجر الحب ، وكنا في حدائق القرب ، وأخبرنا عن المحبوب بما تحصل لنا من العلم الموهوب ،
    وجرينا إلى الغاية التي أرادها ، وأمطرنا بالسحابة التي ألقت علينا أكبادها ، وأنبأنا عن غاية الابتداء ، وأمّلنا ما رأينا في الانتهاء ، وغنّينا بقريض الازدواج ، فأظهرنا السلوك والأساورة والدمالج والإكليل والتاج ،
    فسمعنا عتاب من قصدناه وفهمنا منه ما أردناه ، فأخذنا خاتم الملك ، واستوينا به على الفلك ، وتعزّزنا بعزّه ، واشتهرنا بحكمته ، وأجبنا دعاء من دعوناه ، واعتقدنا دين من اعتقدناه وسرنا تحت لواء حمده ، إلى جنة صدق وعده ،
    وصرخنا في مجلس سماعه ، وتلذذنا بحسن إيقاعه ، وابتغينا رضاه إذ توخّيناه ، وسحبنا زلال برد من أحببناه ، وتقلبنا في بساط من رجوناه .
    واللّه سبحانه يؤيدك يا كعبة الحسن في كل حال .
    ويحول بينك وبين المحال ، ويصفي سرّك إليه ، وينزل بك عليه ، وهذه حالة تشتهى ولا تدرك وتعلم ولا تملك .
    والسلام المعاد عليك ورحمة اللّه وبركاته .
    2 - الرسالة القدسية توسّل بها عبد الحي إليها ونزل بها عليها
    بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
    من عبد الحي محمد بن علي إلى كعبة الحسن وروضة المزن . سلام عليك ورحمة اللّه وبركاته .
    أمّا بعد حمد اللّه حقّ حمده ، والصلاة على سيدنا محمد نبيّه وعبده :
    فإن تعجّبي في حق المحب من الشكوى ، أعظم من تعجّبي مما حلّ به من البلوى . فإن المحب مشغول بلذة حبّه فأين الألم ، ومن لم تكن هذه حاله في الحب فليس له فيه قدم ، الألم مع الإحساس والمحب مخدور ، الضراعة مع العقل والمحب معتوه مقسور ، أين أنت من المثل السائر في النقل ، ولا خير في حبّ يدبّر بالعقل.
    وهذه « ليلى » وقفت على «قيس» فقال لها : ( إليك عنّي فإن حبّك شغلني عنك ) .
    وكان يمشي عريانا لا يواريه شيء فلا عقل ولا إحساس، وكنّا نقول بالموت فيه لولا الأنفاس. كيف يشكو من لا يعقل ؟
    كيف يألم من غمرته اللذّات ؟
    أما علمت أن شهوة الحب أعظم من سلطانه ، وإن شبهتها أقوى في الصورة من برهانه ، ما هذا إلّا توهم بعيد ، استحكم سلطانه على قلب العاشق الوحيد .
    ما أحسن هذا الشأن لو ظهر ولو بالنقل ، ما أبدعه لو خرج من القوة إلى الفعل ، لكن العقول قد أعجبت بمداركها الفكرية ، والبصائر تائهة بتصاريفها العقلية ، والأذهان محجوبة باستنباطاتها الزكيّة ،
    لو عقل العقل أنه معقول ، وعلم العلم أنه معلوم ، وبصر البصر أنه مبصر ، لذل الكل تحت القهر ، وغرق الكل في لجج هذا البحر .
    يا كعبة الحسن : هل نظرت في شأنك كيف سوّاك ؟
    حتى انهدت أركانك وقواك . كيف لم تكن شيئا ثم كنت ؟
    كيف لم تبن ثم بنت ؟
    وقفت على الآيات التي أنبأت عن حقيقتك ، وأوضحت لك معالم طريقتك .
    أين أشعارك وإحساسك ؟ أين بحثك والتماسك ؟
    تأتي إلى عارف مثلي تدخل معه في اللّجج .
    "" اللجج : جمع لجة ولجة الأمر معظمه ولجة الليل ولجة الظلام : شدة ظلمته وسواده . ""
    وتتوسط معه الثبج .
    "" والثّبج : وسط الشيء وفي الإنسان ما بين الكاهل إلى الظهر.""
    وتبدي له الشّبه في صور الحجج ، وأنت لا تفرق بين العاج والسّبج .
    "" السّبج : خرز أسود ، دخيل معرب .""
    أتظن أني لا أعلم بمقامك ومقامك ، ألست من اليسار ، ألست الضلع الأعوج الذي إن أردت تقويمه تسارع إليه الانكسار ، لا يصح لك أبدا الاعتدال ، ولا تنتقل من هذه الحال ، أجبني إن كنت صادقة ، خاطبني إن كنت ناطقة ، ما بالك خرساء عن مجاوبتي ، ما بالك عجماء في محاورتي ،
    أنا الحي الذي خلقت مني ثم شاركتني ، حتى كنى بك عنّي ، أنت جزئي وكلي ، فيك يا عجبا الكل في الجزء حقيقة ترميها العقول ، لولا الخبر المنقول ،
    وهذه إشارة بينك وبينها سبعون ستارة فارفع الستور ، وسح على نفسك من أجل النور ، فإنه محرق ذاتك مذهب صفاتك ، فإن وقفت بعد الكشف على الإحاطة ، فقد دخلت بساطه ، وإن عجزت عنها فاعلم أنك فيها منها .

    فانظر أي المنزلتين أشرف ، وأي المقامين ألطف ، وأي المحبوبين أظرف .
    لا تقابل حياته إلّا بموتك ، ولا عزّه تقاومه إلّا بذلك ، فإنك لا ترى عزّه بعزّك ، ولا حياته بحياتك ، فإن بيان الرؤية من طريق الفيض ، وأنت مستغن عنه ، فكيف يأتي بي إليك بشيء منه ، لا تقل قد علمت العوالم ، ورتبت المنازل والمعالم ، وفصّلت بين طبقات الكون ، وتحققت بحقائق العين ، كل ذلك هباء في جنب ما غاب ، وخبيث في حق ما طاب .
    للّه علم يتعالى عن الإشارات والعبارات ،
    ويتسامى عن الإدراكات والإحاطات ، على ذلك العلم فابحث ، عساه في روعك ينفث ، تشهده ولا تعبر عنه ، وتجده ولا تقدر تخرج منه ، يحكمك ولست تحكمه ، ويعجمك ولست تعجمه ، إذا حركت رياح أسبابه الشمس الفصحى بالمقال ، تصدعت لها شامخات الجبال .
    هذه عبارات الأسباب ، من خلف سبعين ألف حجاب .
    "" يشير إلى قوله صلى اللّه عليه وسلم : « دون سبعون ألف حجاب نور وظلمة وما تسمع نفس شيئا من حس تلك الحجب إلا زهقت نفسها » . مسند أبي يعلى والمعجم الكبير للطبراني . ""
    فكيف لو بدت السّبحات ، ما بقيت - كما ورد الخبر - المبصرات .
    "" يشير إلى قوله صلى اللّه عليه وسلم : « إن اللّه عزّ وجلّ لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور - وفي رواية أبي بكر - النار لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه » . صحيح مسلم و مسند احمد وابن حبان و ابن ماجة والطبراني في الأوسط وغيرهم . ""
    فلا علم إلّا عن عين ، وعد عن كل كون ، فإن الكون يحول ، والغير ينتقل ويزول ، وكعبة الحسن سيدي باقية مستحيلة الفناء ، لأنها الكل من غير توهم الأجزاء ، بل إحاطة لفظية ، ولفظة حفظية .
    كم دمع عليك مسفوح !
    كم قلب عليك مقروح !
    آه لشوق مزعج ، وكبد بناء الهوى ينضج . .
    هذا علم البرزخ ماسك الطرفين ومالك الأمرين ، الفاصل بين الضدين ؛ كالخط الفاصل بين الظل والشمس ، والمعنى الرابط بين العقل والنفس .
    انظر إلى هذا التعشق الإلهي وهذا التحقق الاعتصامي ، نقّ سرّك عن كل كدر ، وطهّر جوارحك من كل دنس ، وأزل رمد الغفلة من جفنك بكحل الانتباه ، وغب بكليتك فيّ عن ملاحظة الأشباه .
    إن أردت أن تحصّل هذا العلم الذي تلوناه عليك ، وأنزلناه إليك ، تضرع إلى ربّ السماء في تحصيله ،
    واسأل إله الأسماء في أن يوفّقك على تفصيله ، وإياك أن تسأل منه الجمع فتعمى ، وتحصل في دجنة ظلماء ، حيث لا ظل ولا ماء ،
    فإن معرفة التفصيل تجمع وتحصل ، ومعرفة الجمع لا تفصّل ، فتبقى الحيرة على أصلها لما لم تتحقق بفصلها .
    وقد نصحتك فأبلغت ، ودعوتك فأسمعت ، فأجب الداعي ، بالسمع الواعي .
    فقد آن الاندكاك ، وقرب الهلاك ، وضاقت السماء بالأملاك ، والاستواء بالأفلاك .
    يا كعبة الحسن :
    قل لرقبائك نور وجهي عليّ رقيب وأنتم لا تشعرون ، ما لكم لا تبصرون ، أعميت أبصاركم ، أطمست أنواركم ، ما لكم تحسدوني على عارف هيمّه جلالي ، وتيّمه دلالي ، وسحره غنجي وجمالي وتيّهه كمالي .
    أنا الكعبة ؛ التي خضعت إليّ رقاب الجبابرة ، وعنت لقيوميتي وجوه الأكاسرة .
    كم تاج من على رأس صاحبه أسقطته ، وكم ثوب من على ظهره جردته ، من الذي يجرؤ أن يدخل حرمي محلا ، أو يتخذ بيتي محلا .
    ألم تروا إلى المتألهين حين رأوني قد زالت معالمهم ، وإلى الأوابين قد انتقضت عزائمهم ، وإلى الأواهين قد انقضت صرائمهم .
    أين التائه في حيرته ؟
    والواجد في سكرته ، والهائم في غمرته ، والواله في نفرته ، والمناجي في صلاته ، والراتع في غلياته ، والمطمئن في إشاراته ، والموقن في آياته ، والبالغ في عباراته ، والعارف في إشاراته ، والمتفنّن في كناياته .
    ما لهم إذا أبصروني ذهلوا ، وبالطواف بذاتي شغلوا ، هل ذاك إلّا لسرّ اختصصت به على أبناء جنسي ، وأودعه الحق في نفسي . فكم يغار الرقيب ، وكم يروم أن يطفئ هذا اللهيب ، من قلب كل حازم لبيب ، أسمعت القلوب الإلهية ندائي فتغاثت ، وأبديت لها حجابي فطاشت ، وأسفرت لها عن ظاهر وجهي فتلاشت .
    فكيف لو تجلى لهذه القلوب من أسرار حسني المعنوي وجمالي العلوي ، وهي بهذه المثابة والمكانة ، من المقام العلي ما عرفت رسوم ديار ، ولا ندبت أطلال ولا آثار ، فاعتبروا أيها العارفون في جمالي ، وإقامتي على اعتدالي .
    وإيّاك والغيرة أيّها الرقيب الحسود ، فإن حسرتها عليك تعود ، فجمالي مبذول لكل عين ، وسحني متجلّ في كل كون ، لما تنزّه أن يدرك ، وتعالى أن يملك ، لم أبال بما ظهر منه للبشر ، فإنهم ما يقبلون سوى الحجر ، من رأيت قط منهم غاص في بهمته ، وسار في كلمته ، ما منهم أحد يزيد على أن يستلم وينصرف ، ويعتدل ساعة ثم ينحرف ، والعارف منهم غايته أن يقر بالعجز ويعترف .
    ألم تر إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في بعض الحركات قد وقف عند يميني ،
    وقال لبعض أصحابه : " ها هنا ينبغي أن تسكب العبرات ". رواه ابن خزيمة والحاكم في المستدرك وابن ماجة في سننه .
    أترى ذلك سدى ، أترى مبلغ ذلك مدا ، فما لك والحيرة ولباسك رداء الغيرة ، اللّه قد هتك ستري وأخفى عنهم سري ، فيدورون بمعاهدي على حكم العادة ، وغاية الحاضر منهم طريق العبادة ، ولا يلحظ أحد منهم ما تحصل له في معناه عند طوافه بي من الزيادة .
    أثبت الناموس الأخشاب والناقوس ، وبئس الجاسوس ، الغراب أو الطاووس ، يتبع ليرى ، وحسد وافترى ، وأتى في حديثه بقاصمة الظهر ، وقارعة الدهر ، فأفّ لها من عسرة ، وتعسا لها من غرّة .
    أين هم من نعت الصادقين ، وصفة المخلصين ، حالة حولا ، وعين عورا ، دجال تائه ، على معنى يسير تافه ، بئست ألوهية لا تدوم سوى أربعين ليلة .
    ويلها من حالة وويله ، ولكن مدح أيوب بالصبر ، وداود بالشكر . فترادفت البلوى ، وقيل إياك والشكوى .
    فتراني صابرة على دعواهم ، سامعة في كل حالة نجواهم ، قد سودوا يميني بخطاياهم ، وكانت اليمين البيضاء ، وأبلوني وكنت الجديدة الغضا ، واللّه لأصبرنّ على ما قضى ، حتى أحوز الرضا وأستعذب المرّ في جنابه ، واستسهل الصعب رغبة في اقترابه ، حتى أفوز وأجوز ، وأحصل وأحوز .
    فديتك يا كعبة الحسن :

    لقد وبّخت الرقباء ، وسفهت الحكماء ، وجهّلت العلماء ، وأعييت البلغاء ، طبت وطاب كلامك ، ودمت ودامت أيامك ، أذهب اللّه وصبك ، وأراح تعبك .
    والسلام المعاد عليك .
    ورحمة اللّه وبركاته .
    3 - الرسالة الاتحادية توسّل بها عبد العليم إليها ونزل بها عليها
    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
    من عبد العليم محمد بن علي إلى كعبة الحسن ، وروضة المزن . سلام عليك ورحمة اللّه وبركاته .
    أمّا بعد حمد اللّه الأتمّ ، والصلاة على سيدنا محمد الأقدم .
    فإن سر الاتحاد مجهول في الأشباح ، معقول في الأرواح ، إذا انضم الحبيبان في الثوب الواحد ، وتلاصق المتيمان بحكم الشاهد ، وتعانق الشكلان تعانق اللام والألف ، وارتبطا على السرّ الذي لا ينكشف ، وأداما التعنيق وامتصّا الريق ، فانحدرت رطوبته الشهية إلى المعدة الغيبية ، وامتزجت مع الرطوبات التي منها القبلية ، ودفعتها إلى بيت الكبد ، المودع في الجسد ، واختلطت رطوبة ريق المعشوق بأجزاء الدم ، وانتشرت بين الجلد واللحم ، وفي العروق .
    فكانت منها حياة ذلك الجسد ، وعمارة ذلك البلد ، فإن روح الحياة بخار لطيف ، له سريان شريف ، ينحل من رطوبة الدم ، وينتشر في جميع أجزاء الجسم ، به تكون الحياة في هذه الأشباح ،
    وهو المعبر عنه بالأرواح ، ومادته من الاستنشاق الهوائي بالقوة الشمّيّة ، لترويح الحرارة التي في القلب الغريزية ، فلو لا هذا التبريد لوقع التبديد ، وكذلك إذا تنفس الحبيبان مكافحة ، وتنهّدا مناوحة خرج مع ذلك التنفس شيء من نسيم الروح ،
    فاختلط بأجزاء الهواء ، فدخل إلى خياشيمهما على السواء ، فسرى في أجسامهما علوا وسفلا سريان النور في البلور ، على طريق الرئة والحلقوم إلى القلب ،
    والتحق بعالم الغيب ، فدب مع النبض والعروق الضوارب ، واختلط بالدم واللحم في جميع المضارب ، فانعقد في بدن هذا ما تحلل من بدن هذا ، فصار له روحا ، والجسم له ضريحا .
    ولما كان الروح الذي هو الحياة أحب شيء للإنسان ، فصار هذا المعشوق أحب شيء إليه في الأعيان ، لاتحاد أرواحهما في الجثمان ، وإلى هنا انتهى عقل العقلاء ، ونظر أهل المودة والصفاء ، وما قدر منهم أحد أن يزيد عليه معنى يحقق به قوله ودعواه ، فإن الاعتراض منوط بفحواه ، فزدنا بحمد اللّه عليهم في المسألة إيضاحا ، وجعلنا له الإشارة عنه مفتاحا :
    فاعلم أن النفس والريق إنما يجريان بحسب ما استقر في القلب استقرار الاستفراغ ، وانتهى فيه غاية البلاغ ، فحينئذ يكون ما قالوه ، ويظهر ما أخبروا به وسطروه كما حكي عن الحلاج : إنه انكتب من دمه اسم المحبوب .
    وكذلك زليخا : حين فصدت وقع دمها في الطست يوسف بن يعقوب .
    فالذي يكون في القلب يتزايد كائنا ما كان حتى يذهب من الأذهان .
    ويا عجبا ! كيف غفل عن هذا المعنى أصحابنا وهم أهل تدقيق وتحقيق .
    فهذا يا كعبة الحسن .
    قد كان بيني وبينك فقد اتحدت أرواحنا ، لما تعانقت أشخاصنا ، أتذكر إذ لثمت يمينك الغرّاء في الهاجرة ، وأنت لي كالمحبة الهاجرة ، فانفتح يمينك حتى التقم الشهادة التوحيدية من نفسي ، وزفرت عند ذلك فكاد يحرقك قبسي .
    فالحمد للّه الذي وحدني بك ووحدك بي ، وصرت مني كأمي من أبي ، هي ذاته وهي أهله ، هي بعضه وهي كله ، لكن يا كعبة الحسن .
    إن اللّه سبحانه بلطيف حكمته ، وغريب صنعته ، خلق أعضاء تكليفك ، وفرّق بين لطيفك وكثيفك ، وجعل في كل كثيف أمرا ، وفي كل لطيف سرا ، فإن أبقيت نظامها على الوضع الإلهي ، والتناسب الربّاني فأنت المالك ، وإن لم تجرها على وضعها ، وخلطت بين ضرها ونفعها ، والتبس عليك تثنيتها بجمعها فأنت الهالك .
    هيهات أيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً( 36 ) [ القيامة : 36 ] .
    وكأني بك قد بلغت المدى ، اجعل العالم شهداء لك لا عليك ، وشاردين من كل أحد إليك ، عشقهم بذاتك عشق من لاح له من ذلك علم النجاة ، وشوقهم إليك تشوق من لاحظ الفوز في تحصيل الدرجات ، فامتطى بعملات الأعمال ، ورقص به الآل ، وواصل البكور بالآصال ، رغبة في المشاهدة والوصال .
    إيه يا قرة العين ، ويا حلب الكبد ، أصبحت مني كذراع من عضد ، أزعني سمعك ، وهبني جمعك .
    خرجنا يوما إلى السياحة في فلوات المعاني ، وتجردنا للسباحة في بحر المثاني ، فلقينا قوما جدّوا للبغية ، وكدّوا لتحصيل المنية ، وتحلوا بأسنى حلية ، فتاهوا في تيه الخشية ، فنالوا الرضا بالإنضا ،
    وحازوا الجد بالجد ، نظروا بنور اللّه فأدركوا ، ونطقوا بذكر اللّه فتملكوا ، وقدّسوا نفوسهم من درن المخالفة ، فخولفوا وعاينوا ملكوت الحقيقة الإلهية فعموا فضوعفوا ،
    واعتمدوا على قدم الصدق اليونسي فاطمأنوا ،
    وامتلأت جوانحهم بسرائر العشق فبدا عليهم ما أكنوا ، ترادفت عليهم المنن الربّانية فلم تبق فيهم متسعا للطمع في غيرها فعصموا ، زهوا بخدمته بين عبيده لما اصطنعهم لنفسه فحكموا ، خالط حب المنزل بشاشة قلوبهم ، فما عالجوا ولا عرّجوا ، فنودوا فتلذذوا .
    فقيل لهم : ادرجوا . فما درجوا . وا عجباه .
    من مخالفة توجب قربا ، وحسنة موافقة تورث عتبا ، جاعوا فخصبوا ، حزنوا فلعبوا ، تمسكنوا حتى تمكنوا ، تملقوا حتى تحققوا ، توسلوا حتى تواصلوا ، وحّدوا حتى اتحدوا ، أنسوا فلم يستوحشوا ،
    استعملوا الأقدام إليه ، فنزل بهم عليه ، فلما كشف لهم عن وجهه ، لم يروا سواهم فهم العبيد والموالي ، والأسافل والأعالي ، نفسي الفداء لقلب يفهم ، أو سر يعلم ، للدهر حوادث ومصائب ، وسهام ماضيات صوائب ، لكن منها سهام تبصر فتتقى ،
    ومنها سهام معنوية ترمى بها القلوب من قسّي المكر فلا تتوقى ، فموقع مثل هذا السهم لذيذ في الحال ، فظيع المرارة في المآل ،
    فإن سهام الرزايا إذا رمي بها عن قسي المكر لا يظهر فيها شيء من النكر ، فالحكم للوقت ، فإما بالبخت ، وإما بالمقت ، شمس تدور ، وقضاء في ذلك الدوران يغور ،
    تصاريف الأقدار رسالات رسل الليل والنهار ، بياض وسواد ، شقاء وإسعاد ، رسولا أضداد ، البغية فيهما مجهولة ، وكلمتهما عند اللّه مقبولة ، لأنهما الأمينان على كل ذات لما نصبت ، وهو القائم على كل نفس بما كسبت ،
    فليل لجنّة في الدنيا والقصوى ، ونهار لسعير في الآخرة والأولى هما اللذان يأتيان بالكسب ، ويوبخان بالعتب ، ويستدرجان بالنعم المشوبة ، ويعرفان بأنها المطلوبة ، فلا تلتجي لاستغنائها وتريد من مولاها أن يحط بفنائها .
    إلى هذا انتهى أمر هذه النفس الخسيسة ، الكريمة الرئيسة ، تأملت سر الاتحاد في الليل والنهار ، الليل هنا لباس وعذاب في دار البوار ، والنهار هنا عذاب ونعيم في دار القرار ، والنفس في هذا كله لاهية ،
    ليس لها لما أورده عليها أذن واعية ، ما أسرع ما تلحقها الرزايا ، وتختلسها المنايا ، وتحيط بها البلايا ، وتجرعها الغصص ، وتكون أشأم مفترض يفترس فلو عرفت حقيقة نفسها ، لفرقت بين يومها وأمسها ، وعقلها وحسها .
    أما علمت هذه النفس أن لها ثلاث قوى في ست حضرات تتصرف تحت حكمها ، وتمشي على مقتضى علمها ، قوة ناطقة حضرتها الدماغ ولها فيه منازل ، على عدد النوازل ، يحفظها في اللفظ ، الخيال والفكر والحفظ ،
    والخيال في مقدم الدماغ لتلقي المحسوسات ، والفكر في وسط الدماغ للتمييز والترجيح في القضايا والحكومات ، والحفظ لصون ما حكم به الفكر في القضيات ، حتى تمس الحاجة إليه فتلقيه بين يدي الحاكم ، هذا حكم له لازم ، فالفكر حاكم محقق ، والخيال شاهد مصدّق ، والحفظ أمين موثّق .
    فهذه القوة الناطقة بكمالها قد تميزت ، وفي صدر موكبها قد تبرّزت ، فهي السيدة السلطانة .
    وأمّا القوة الثانية فهي القوة الغضبية ، وحضرتها القلب ، ولهذا لها الاسم الرب ، وهي لهذه الناطقة أجناد الاستعانة .
    وأمّا القوة الثالثة فهي القوة الشهوية ، وحضرتها الكبد ولهذا لها تدبير الجسد ، وهي لهذه الناطقة رعية الاستكانة .
    فإذا جروا على ما أهّلوا له بالحدّ الموضوع ، والعهد المشروع ، والتصرف المعبودي الحكمي فازوا وربحوا ، وإن عدلوا عن هذا الحد الأمري ، إلى الحد الإرادي ، ونزلوا بالحكم الاختياري ، الإلهي من جانب الغرض النفسي خابوا وخسروا
    " فمن عرف نفسه عرف ربه "
    ، ومن عرف اللّه عرف قلبه ، فكن مع الرب لا مع اللّه ، فربي وإن كنت مع اللّه فمن كونه ربّا ، فإن ذلك رحمي الأبد ، ونعمى الخلد .
    ثم لتعلم يا كعبة الحسن الفائق : أن في الوجود نكتة غابت عنها عقول كثيرة ، وعمي عنها كل بصر وبصيرة ، وذلك أن الإنسان إذا كان في شيء لم ير حقيقته ومعناه ، وإذا صار عنه أجنبيا رآه ، والنفس إذا التبست بشهوتها وغرضها ، وتعشقت بعلّتها ومرضها ، لا ترى سوء ما هي فيه ولهذا تصطنعه وتصطفيه .
    قال تعالى موعدا ومبينا :أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً[ فاطر : 8 ] .
    فإذا كنت أنت المكلف يوما ما بذلك الأمر سواك ، هل يستوي عندك من أطاعك فيه ومن عصاك ، فإن أتى ما نهيته عنه أن يأتيه وتحاماه ، أو عصى ما أمرته به وأنت تراه ،
    هل كنت ترى فعله ذلك إلّا عيبا عظيما ، وجرما جسيما ، وعدم احترام ،
    وطرح احتشام ، ولا سيما وأنت تعلم منه أنه يعلم أنك تراه ، ويتخاذل عليك ويجرؤ ، وقد علم أنك فاضحه في أولاه وأخراه .
    فاستوجب عندك العقوبة أو العفو على حسب ما تريد به من عافيتك أو بلائك ، بما تسلطه عليه من أسمائك ، كذلك أنت مع ربّك ، في عالم حسّك وقلبك ،
    فانظر إلى ما يستقبحه الشرع فاجتنبه ، وإلى ما يستحسنه فبادر إليه وامتثله ، ولا يغرنّك غدّار ، مدخول النصيحة غرّار ، فعليك باتباع العلم ،
    والاستسلام للشيخ فيما وجّه عليك من الحكم ، وطهارة النفس ومحاسن الأخلاق وجميل الوفاق ، واقبل قولي ، وعد عن فعلي ، فإن العصمة مطلوبة إنما هي في النطق ، وإيراد الحق ، على وجه الصدق ، فإني وإن عصيت فلا آمر بالعصيان ، وإن تخاذلت فلا آمر بالخذلان ، فإن ذلك يرده الإيمان .
    وهذه رسالة علمية عملية اتحدت ذاتها بصفاتها ، وغاب نورها في ظلماتها ، روحها في جسدها مستور ، وظلامها قد احتوى على النور ، فمن انسلخ من هذه السدفة ، وصعد أعلى الغرفة ، رأى النور يسري في فلكه وزمامه بيد ملكه ، فتشرق عليه الأنوار ، وتتهتك له الأستار ، وتبرز له الأسرار .
    جعلنا اللّه وإيّاك يا كعبة الحسن ممّن علم فعمل ، وسافر فوصل ، وأحب فبلغ الغاية والأمل ، بمنّه ، والسلام المعاد عليك . ورحمة اللّه وبركاته .

      الوقت/التاريخ الآن هو 13/11/2024, 13:00