كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد بن أبي بكر إبراهيم بن أبي يعقوب إسحاق العطار النيسابوري
المقالة الخامسة والأربعون والأخيرة في سلوك الطير الطريق صوب السيمرغ الأبيات من 4104 - 4153
وبعد سماع هذا الكلام كله ، سارعت جميع طيور الوادي، بتنكيس الرؤوس في دماء الأكباد ، وعلمت جميعها ، أن هذه القوس الصعبة،
لا تقوى عليها سواعد حفنة من العجزة ، ولم تجد أرواحهم الاستقرار بسبب هذا القول ، وما أكثر الذين ماتوا من العجز في ذلك المنزل ،
وأما الطيور الأخرى التي اندفعت إلى المسير ، فبفعل ما سيطر عليها من تحير ، قضت سنوات متنقلة بين مرتفع ومنخفض ،
وقضوا في طريقهم عمرا مديدا ، وكيف أستطيع شرح وتفسير كل ما وقع لهم في المسير ، فإن تسلك الطريق ذات يوم ،
فستلاحظ عقباته واحدة واحدة ، وستعلم ما فعله الطير ، وسيتضح لك كيف تحملت الآلام والهموم .
في النهاية استطاع نفر قليل من بين ذلك الحشد قطع الطريق إلى الحضرة ، فقد وصل نفر قليل من كل أولئك الطير ، فهناك يصل واحد من بين كل عدة آلاف .
لقد غرق البعض في البحر ، كما أصيب البعض بالفناء ، وأسلم البعض الأرواح عطشى ، وذلك على قمم الجبال من شدة الحرارة والآلام ، وأصيب البعض من وهج الشمس باحتراق الأجنحة وشواء الأرواح ،
وأصيب البعض بالذلة والمهانة ، مما بالطريق من أسود ونمور ، ومات البعض من التعب في صحراء صادية الشفة ،
وقتل البعض أنفسهم كالفراشة ، من أجل تعلقهم بالحبوب ، وأصاب الألم البعض وكذا الوهن ، مما دهمهم بالتخلف والهجران ،
وتوقف البعض أمام عجائب الطريق ، فلزم كل منهم موقعه ، وأسلم البعض أجسادهم للطرب وكفوا بعد ذلك عن الطلب . .
وأخيرا لم يتقدم إلى هناك إلا نفر قليل من بين مئات الألوف .
وذلك الجمع الغفير من الطير لم يصل منه إلا ثلاثون طائرا .
وصل الثلاثون وقد عدموا الأجنحة والريش ، وألم بهم التعب والوهن .
وصلوا محطمي القلوب فاقدي الأرواح ، سقيمي الأجساد ؛ فرأوا الحضرة دون وصف أو صفة ، رأوها تسمو على الإدراك والعقل والمعرفة ،
وما أن أضاء برق الاستغناء حتى أحرق مائة عالم في لحظة واحدة ، ورأى الجميع عددا وفيرا من الشموس المعتبرة ،
ورأوا عددا كبيرا من الأقمار والنجوم الزاهرة ؛ فوقعوا جميعا في حيرة ، وظلوا كذرة مضطربة حائرة ،
وقالوا جميعا :إذا كانت الشموس تبدو كذرة فانية بجانب ذلك السلطان الأعظم ، فكيف نبدو نحن في هذه الأعتاب ؟
يا للحسرة على ما تحملناه من آلام بالطريق !
لقد قطعنا الأمل من أنفسنا ، ولكن لم نقطع الأمل من الهدف المنشود ،
وإذا كانت مئات العوالم مجرد ذرة من تراب هناك ، فأي خوف إن وجدنا ، أو أصابنا العدم؟
عندما جاءت تلك الطيور منهوكة القوى ، جاءت كطائر نصف ذبيح ، وقد أصابها الفناء والمحو ، وظل يحيط بهم حتى ذلك الوقت .
وأخيرا جاء حاجب العزة ، من الأعتاب العلية فجأة ، فرأى أمامه ثلاثين طائرا غاية في العجز ، وقد أصبحت مجرد ريش وأجنحة بلا أرواح ،
كما أصاب الهزال أجسامها ، وتملكتها الحيرة من أولها إلى آخرها ، ووقفت خائرة القوى شديدة الوهن ،
فقال : أيها القوم ، ثوبوا إلى رشدكم ، ومن أي مدينة أقبلتم ، ومن أجل أي شيء إلى هذه الأعتاب جئتم ؟ وأنتم أيها الجهلة ،
ما أسماؤكم ؟
وأين تكمن راحتكم ؟
وبم يصفكم الإنسان في الدنيا ؟
وأي فعل يمكن أن يتأتى من حفنة من العجزة ؟
قال الجميع : إننا حضرنا إلى هذا المكان ، ليكون السيمرغ لنا السلطان ،
ونحن جميعا حيارى في هذه الديار ، وقد أصبحنا عاشقين لا يقر لنا قرار ، لقد انقضت مدة مديدة حتى جئنا من هذا الطريق ،
ووصلنا إلى الأعتاب ثلاثين بعد أن كنا آلافا ، وقد جئنا من طريق بعيد وكلنا رغبة في أن نحظى بالحضور في هذه الحضرة ،
فمتى يرضى السلطان عما كابدناه من تعب ، حتى يرعانا في النهاية بالعطف والحدب ؟
قال حاجب الحضرة : أيها العجزة ، يا من تلوثتم بدماء القلب كالوردة ، إن تكونوا أو لا تكونوا في العالم ، فهو السلطان المطلق الدائم ، ومائة ألف عالم مليئة بالجند والحشم ،
ليست إلا نملة على باب هذا السلطان الأعظم ، ولن ينتج عنكم في النهاية إلا الألم والزحير ، فعودوا أدراجكم ، أيها الجمع الحقير . .
يئس كل واحد من هذا القول ، وأصبحوا بلا حراك كالموتى ،
وقال الجميع : كيف ينعم علينا هذا السلطان المعظم بالذل في نهاية الطريق ؟ فليس لأحد أن يحظى بالذل منه مطلقا ، ولو حدث هذا ، فليس الذل منه سوى عز وسؤدد .
المقالة الخامسة والأربعون حكاية 1
الأبيات من 4154 - 4163
قال المجنون : إن يمدحني الجميع على وجه الأرض كل لحظة ، فأنا لا أريد مدح أحد مطلقا ، بل لتجعل يا إلهي مدحي ، هو هجاء ليلى لي فقط ،
فقدح واحد منها يفضل مائة مدح ، واسمها كذلك أفضل من كلا العالمين ،
ولقد قلت لك مذهبي ، أيها العزيز ، فإن كانت ترغب في إذ لالي ، فلها ما أرادت . .
وقال : عندما يظهر برق العزة ، يلحق الدمار بالأرواح كلها ، وأي جدوى من إحراق الروح بكثرة الآلام ؛
وأي جدوى من العزة والذلة في تلك الآونة ؟
ثم قال ذلك الحشد المضطرب : لقد اشتعلت أرواحنا وكذا النار ، فمتى تنفر الفراشة من النار ؟ إنها في حضور على الدوام مع النار . .
مع أننا لا نحظى بالوصال مع الحبيب ، فهو يحرقنا ، وما أعظم هذا من صنيع ! وإن لم يتم الوصل إلى أعتاب الحبيب ، فليس من سبيل إلا تقبيل الأرض . .
المقالة الخامسة والأربعون حكاية 2
الأبيات من 4164 - 4175
جميع طيور الزمان ، كانت لها قصة مع تلك الفراشة ،
حيث قالت جميعها للفراشة : أيتها الضعيفة إلام تخاطرين بروحك الشريفة ؟
ما دمت لا تحققين مع الشمعة أي وصال ، فلا تخاطري بروحك جهلا ، ما دام هذا محالا .
ثملت الفراشة بهذا الكلام وانتشت ، وأجابت على الطير بسرعة ،
حيث قالت : يكفيني أنا الولهانة على الدوام ، أن أصل إلى المعشوق وأدور حوله على الدوام ، وإذا كان الجميع يصيبهم الموت في عشقه ،
فقد أقبلوا وهم غرقى في الآلام ، ومع أن الاستغناء يفوق كل إحصاء ، فإن لطفه كان ذا جدة كذلك ، فقد جاء حاجب اللطف ،
وفتح الباب ، وأزاح في كل لحظة مائة حجاب ، فظهرت الدنيا بلا حجاب ، ثم واصلت الظهور في نور النور .
ثم أجلس الحاجب الجميع على مسند القربة ، أجلسهم على سرير العزة والهيبة ، ووضع رقعة أمام الجميع ،
وقال اقرءوها كلها عن آخرها ! وما أن علم القوم ما بهذه الرقعة ، حتى تملك الاضطراب أحوالهم . .
المقالة الخامسة والأربعون حكاية 3
الأبيات من 4176 - 4232
يوسف الذي أحرقت الأنجم البخور من أجله ، قد باعه أخوته العشرة.
وعندما اشتراه ملك مصر ، طلب منهم وثيقة ، وأن يشتريه بثمن بخس ، وقد أخذ الوثيقة من هؤلاء القوم ، حتى يكون معه الدليل ضد الأخوة العشرة . .
ما أن اشترى عزيز مصر يوسف ، حتى كان الحظ في ركاب يوسف ، وفي النهاية بعد أن أصبح يوسف عزيز مصر ، جاء أخوته العشرة إلى مصر ،
ولكن لم يتعرفوا على وجه يوسف ، مع أنهم مثلوا أمامه ، وطلبوا لأنفسهم أسباب الحياة ، ورفعوا نقاب الحياء طلبا للخبز . .
فقال يوسف الصديق : أيها الرجال ، إن لدي وثيقة خطت بالعبرية ولم يستطع أحد من حاشيتي قراءتها ، فإن تقرءوها أمنحكم خبزا وفيرا . .
وكان الأخوة كلهم يعرفون اللغة العبرية ، فوافقوا بسرور ،
وقالوا : أحضر الوثيقة أيها السلطان .
أعمى اللّه قلب ذلك الذي هيأ له الغرور ، ألا يسمع قصته وهو دائم الحضور .
أعطى يوسف وثيقتهم إليهم ، فارتعدت جميع أوصالهم ، وما استطاعوا قراءة لفظة من الوثيقة ، كما لم يقدروا على النطق بأي كلمة ، وسيطر عليهم الغم وانخرطوا في تقديم الأسف ،
وظلوا مهمومين لما ارتكبوه مع يوسف ، لقد خرست ألسنتهم جميعا ، وضاقت الحال بأرواحهم جميعا . .
فقال يوسف : لم تملكتكم الدهشة ؟
ولم لزمتم الصمت أثناء قراءة الوثيقة ؟
فقال الجميع له : الموت أفضل من قراءة هذه الوثيقة ، وكذلك ضرب العنق وعندما نظر الثلاثون طائرا الضعاف في خط هذه الرقعة النفيسة ، وجدوا أن كل ما كانوا قد فعلوه ، قد سطر فيها عن آخره .
وحين أمعن هؤلاء الأسرى النظر ، وجدوا كل ما ارتكبوه من أخطاء ، فقد كانوا قد مضوا وشقوا طريقهم ، ثم ألقوا بيوسف نفسه في البئر ،
وأحرقوا روح يوسف بما ألحقوا بها من ذلة ، ثم باعوه بثمن بخس .
"" بعض الطبعات تجعل نهاية الحكاية عند هذا الحد وتضع عنوانا جديدا لبقيتها وهو : ذهاب الطير صوب السيمرغ ، ومثول السيمرغ بتلك الحضرة "" .
ألا تعلم ، أيها المسكين عديم المروءة ، أنك تبيع يوسف في كل لحظة ؟ وعندما يصبح يوسفك سلطانا ، فسيصير رائدك في هذه الأعتاب.
أما أنت فتصبح في النهاية شحاذا جائعا ، وستمثل أمامه عاريا .
وإذا كان أمرك سيشرق بفضله ، فلم حق لك بلا ثمن بيعه ؟
فنت أرواح تلك الطيور فناء محضا ، وذلك من الحياء والخجل ، كما أصبحت أجسادهم زرقاء كالتوتيا ،
وما أن تطهرت جميعها من كل الكل ، حتى وجدوا أرواحهم جميعا من نور الحضرة ، فعادوا عبيدا للروح الجديدة ، وتملكتهم حيرة من نوع جديد ،
وانمحى من صدورهم كل ما صنعوه وما لم يصنعوه ، وأضاءت من جباههم شمس القربة ،
فأضاءت أرواح الجميع من هذا الشعاع ، وفي تلك الآونة رأى الثلاثون طائرا طلعة السيمرغ في مواجهتهم ،
وعندما نظر الثلاثون طائرا على عجل ، رأوا أن السيمرغ هو الثلاثون طائرا .
فوقعوا جميعا في الحيرة والاضطراب ، ولم يعرفوا هذا من ذاك ، حيث رأوا أنفسهم السيمرغ بالتمام ، ورأوا السيمرغ هو الثلاثون طائرا بالتمام ،
فكلما نظروا صوب السيمرغ ، كان هو نفسه الثلاثين طائرا في ذلك المكان ، وكلما نظروا إلى أنفسهم ،
كان الثلاثون طائرا هم ذلك الشيء الآخر ، فإذا نظروا إلى كلا الطرفين ، كان كل منهما السيمرغ بلا زيادة ولا نقصان . .
فهذا هو ذاك ، وذاك هو هذا ، وما سمع أحد قط في العالم بمثل هذا .
وأخيرا غرقوا جميعا في الحيرة ، وانخرطوا في التفكير بلا عقل ولا بصيرة ، ولما لم يدركوا شيئا من هذا الحال ،
سألوا صاحب الحضرة بلا حروف سؤالا ، حيث طلبوا كشف هذا السر القوي ، وطلبوا معرفة الأنية والأنتية .
جاءهم الخطاب من الحضرة قائلا بلا لفظ ، إن صاحب الحضرة مرآة ساطعة كالشمس ، فكل من يقبل عليه يرى نفسه فيه ، ومن يقبل بالروح
والجسد ، ير الجسد والروح فيه ولأنكم وصلتم هنا ثلاثين طائرا ، فقد بدوتم في هذه المرآة ثلاثين طائرا وإذا حضر أربعون أو خمسون طائرا فإنهم يرفعون الحجب عن أنفسهم .
وإن تردوا إلى هنا أكثر عددا ، فإنكم ترون أنفسكم ، وها قد رأيتم أنفسكم .
ليس لعديم المروءة أن تدركنا عينه ، وكيف تدرك عين النملة نور الثريا ؟
وهل رأيت نملة حملت سندانا ؟
وهل رأيت بعوضة حملت بين فكيها فيلا ؟
كل ما أدركته وما رأيته أنت ليس هو ذلك الشيء ، وما قلته وما سمعته أنت ، ليس هو ذلك الشيء ، وتلك الأودية التي كان كل منكم قد سلكها ،
وهذه الرجولة التي كان كل منكم قد أبداها ، قد تمت كلها من أجلنا ، وهكذا كنستم وادي الذات والصفة .
ولما أصبحتم ثلاثين طائرا حائرا ، بقيتم بلا قلوب عديمي الصبر ، فاقدي الأرواح .
نحن السابقون إلى السيمرغ ، لذا فنحن الجوهر الحقيقي للسيمرغ ، فامحوا أنفسكم فينا بكل عز ودلال ، حتى تجدوا أنفسكم فينا .
وهكذا انمحوا فيه على الدوام ، كما ينمحي الظل في الشمس والسلام . .
كنت أتكلم ، ما داموا يسلكون ، ولكن ما أن وصلوا ، حتى لم يعد للقول بداية ولا نهاية ، فلا جرم أن نضب معين الكلام هنا ، حيث فنى السالك والمرشد والطريق . .
المقالة الخامسة والأربعون حكاية 4
الأبيات من 4233 - 4240
قيل إنه عندما أشعلت النار في الحلاج ، واحترق عن آخره ، أقبل عاشق يحمل عصا في اليد ، وجلس على كومة الرماد ، ثم أخذ يتحدث
وقد اضطرب كالنار ، حتى جعل الرماد يموج ويثور ، فكان يقول في تلك الآونة : قولوا الحق ، أين من نطق بقولة ( أنا الحق ) ؟
كل ما قلته وكل ما سمعته ، وكذا كل ما عرفته وكل ما رأيته ، لا يعدو أن يكون كله خرافة ، فامحه كله إذا لم يكن مكانه هذه الخرابة .
يجب أن يكون الأصل هو الاستغناء والتطهر، ولا خوف إن وجد الفرع أو انعدم ، فوجود الشمس حقيقة قائمة على الدوام، حيث لا بقاء للذرة أو الظل، والسلام .
المقالة الخامسة والأربعون حكاية 5
الأبيات من 4241 - 4262
عندما مضى أكثر من مائة ألف قرن ، كانت قرونا بلا بداية ، ولا نهاية ، ولا زمن ، وبعدها أسلمت الطير أنفسها إلى الفناء الكلي بكل سرور .
وما أن غاب الكل عن رشدهم ، حتى ثابوا ثانية إلى رشدهم ، فقد وصلوا إلى البقاء بعد الفناء ، وليس لأحد قط من المحدثين أو القدماء ،
أن يتحدث عن ذلك الفناء وذلك البقاء .
وهذا الأمر بعيد بالنسبة لك عن مجال النظر ، لأن شرحه بعيد عن الوصف والخبر ، ولكن في طريق مثل طريق أصحابنا هل يمكن شرح البقاء بعد الفناء ؟
وأين يمكن إتمام ذلك ؟
إن هذا يلزمه كتاب جديد ، ولكن من ذا الذي يدرك أسرار البقاء ؟
ومن ذا يكون جديرا بها ؟
وأنت ما دمت موجودا في حيز الوجود والعدم ، فكيف تستطيع التقدم خطوة في هذا المحتدم ؟
وإذا عدم هذا وذاك البقاء في طريقك ، فكيف يطيب النوم أيها الأبله لك ؟
أنظر ماذا تكون البداية والنهاية ، وإن تعرف النهاية، فأي جدوى من تلك النهاية؟
فالبداية كانت نطفة تربت وسط عز ورعاية ، حتى أصبحت هذا العاقل وذلك الموفق ، ثم منحه الوقوف على أسراره وأيده بالتعرف على أموره ،
والنهاية أن يصبيه الموت وينمحي كل شيء ، فينحدر من أوج العزة إلى هاوية الذلة ، بعد ذلك يتحول إلى تراب بالطريق ،
وهكذا فنى إلى ذرات ، ووسط هذا الفناء قيلت له مئات الأسرار ، قيلت له ولكنها قيلت بدونه ، بعد ذلك منح البقاء كله ، كما نال العزة بدلا من الذلة . .
ما ذا تعرف حتى تملك ما يوجد أمامك ؟
فثب إلى رشدك ، وفكر مليا في نهايتك !
وإن لم تصبح روحك في خدمة السلطان ؛ فكيف تكون في هذه الأعتاب مقبولا من السلطان ؟
وإن لم يصبك النقصان في الفناء ، فلن ترى السلامة مطلقا في البقاء . وفي الطريق تدمغ بالذلة في البداية ، ثم ترتقي فجأة بالعزة ، فامض إلى العدم حتى تدرك الحياة في إثر ذلك ، ولكن ما دمت موجودا ، فكيف تصل الحياة إليك ؟
وإن لم يصبك المحو في الذلة والفناء ، فكيف يصلك من العز إثبات البقاء ؟
المقالة الخامسة والأربعون حكاية 6
الأبيات من 4263 - 4423
كان هناك سلطان ، العالم كله ملك له ، والأقاليم السبعة كلها تحت إمرته ، وكان شبيها بالإسكندر في حكمه ، وتمتد من قاف إلى قاف جيوشه ،
وكان جاهه للقمر خدين ، كما وضع القمر وجهه على الأرض إكراما لهذا السلطان ،
وكان لهذا السلطان وزير عظيم ، حيث كان عالما بدقائق المسائل ، حصيف الرأي .
كما كان لهذا الوزير ذي الفضل فتى ، حسن العالم كله وقف على وجهه ، فلم ير إنسان قط في مثل جماله ،
ولم ير أحد قط جميلا ذا عزة مثله ، وما استطاع أحد مطلقا النجاة والخلاص من جمال وجهه الجذاب !
إذا بدا هذا البدر ذات يوم ، ثارت في الحال مائة قيامة ، ولن يوجد من بين البشرية من يكون محبوبا أكثر منه إلى الأبد ؛ فلهذا الفتى وجه كالشمس ،
ولطرته لون المسك الأزفر وكذا رائحته ، ومظلة شمسه كانت من المسك ، وماء الحياة صادي الشفة بلا شفته ، ووسط وجهه الفتان الشبيه بالشمس ،
فم دقيق في دقة الذرة ، وهذا الفم قد فتن الخلق كلهم ، وقد أطبق على ثلاثين نجمة بداخله ، فكيف تظهر نجمة في الدنيا ، وقد اختفت ثلاثون نجمة داخل فمه الدقيق كالذرة ؟
أما الطرة فقد انسدلت على ظهر رفيع القدر ، انسدلت على ظهره في رفعة وتكبر ، وكل طية في طرة ذلك الفضي الصدر ،
قتلت في لحظة واحدة مئات الأرواح من بني البشر ، وكثيرا ما انسدلت طرته على وجهه ، فكانت في كل شعرة منها مائة تحفة .
وكان له حاجب على شاكلة القوس ، ومن ذا يقدر على استخدام هذا القوس ؟
وله في مجال الحب عين ساحرة ، وقد صنع كل هدب مائة لون من ألوان السحر ، وشفته أصل عين ماء الحياة ،
وهي حلوة كالسكر ، وأكثر نضارة من النبات ، ومن ذا الذي لم يصب بالجنون من أسنانه ؟
ومن ذا الذي حظى من اللّه بمثل هذه الجواهر ؟
ومسك خاله نقطة جيم الجمال ، وبسببه يصبح الماضي والمستقبل أسيري الحال ، وإن أوقف عمري كله على جمال هذا الفتى الجذاب ،
فأنى لي أن أصل إلى الإحاطة به ؟
وأخيرا ثمل السلطان به ، وأصابه العجز من بلاء عشقه ، ومع أن السلطان كان عالي القدر والمقام إلا أنه أصبح نحيلا كالهلال لما تحمل من هموم مبعثها ذلك البدر ،
وهكذا أصبح مستغرقا في حب الفتى ، ولم يعد يدرك شيئا من وجوده ، وإن لم يمثل الغلام لحظة أمامه ؛ أصاب الاضطراب قلبه الوله ،
ولم يعد يقر له قرار بدونه لحظة ، ولا صبر له على هذا الجنون لحظة ،
وما استراح لحظة بدونه بالنهار أو بالليل ،
حيث كان مؤنسه الدائم بالنهار وبالليل ، فكان يجلسه طوال النهار حتى المساء إلى جواره ، ويحكي لهذا القمري الوجه كل أسراره ،
وإذا ما نشر الليل الظلام ، لم يكن يقر للسلطان قرار أو ينام ، أما الغلام فكان ينام أمام السلطان ؛ فكان السلطان يرنو إليه بكل إمعان ، وهكذا كان ينام ذلك الفتان طوال الليل على ضوء الشموع في حراسة السلطان . . .
أما السلطان فكان يديم النظر إلى ذلك القمري الوجه ، وهو يذرف الدموع دما طوال الليل ، وكان أحيانا ينثر الورد على وجهه ، وأحيانا ينفض الغبار عن شعره ، ومن شدة عشقه ذرف دمعا كمطر منهمر على وجنتيه . .
كان السلطان يقيم أحيانا مجالس للطرب مع ذلك البدر ، ويشرب الأقداح ، وهو متطلع إلى وجهه ، كما كان لا يتركه لحظة واحدة يغادر مجلسه ؛
حيث أصبح وجوده ضرورة له ، فكان الغلام يداوم الجلوس خوفا مما للسلطان من بأس ، فإذا غادر جواره لحظة ،
فصل السلطان رأسه عن جسده من الغيرة ، وكم كانت أمه وكذلك أبوه يريدان رؤية وجه ابنهما ولو للحظة ، ولكن لم تكن لديهما القدرة خوفا من بطش السلطان . .
ظل الحال كذلك حتى وصلت القصة إلى ذروتها حيث كانت تجاور الحاكم فتاة لها وجه الشمس ، وكأنها التمثال فأصبح الغلام عاشقا لطلعتها ، كما أصبح كالنار مضطربا في أمرها .
وذات ليلة جلس معها ، فبدا المجلس جذابا كطلعتها ، جلس معها خفية من السلطان ، حيث ثمل في تلك الليلة السلطان . .
وفي منتصف الليل عندما أصبح السلطان بين الصحو والسكر ، قفز من مكانه شاهرا الخنجر ، فبحث عن الغلام ولم يجده ،
وأخيرا أسرع إلى حيث وجده ، ورأى فتاة تجالس ذلك الفتى ، وقد شغف كل منهما بالآخر عشقا وهياما ،
فما أن رأى السلطان ذو الشهرة ذلك الحال ؛ حتى سيطرت عليه نار الغيرة في التو والحال .
سيطر الجنون على السلطان العاشق الثمل ، إذ كيف يتواجد معشوقه مع آخر ؟
وحدث السلطان نفسه قائلا : إنني السلطان ؛ فكيف يختار من هو مقرب منّي آخر ؟
إن ما فعلته من أجله لا يمكن أن يفعله من أجله شخص آخر ، فهل يجازيني بهذا العمل ؟
حقا لقد فعل ، كما فعلت شيرين مع محطم الجبل ، لقد كانت مفاتيح الكنوز بيده ، كما كان سادة العالم أدنى مرتبة منه ، وكان لي الصديق والرفيق معا وكان لي الداء والدواء معا ، ثم يجلس في الخفاء مع هذه التافهة ، سأخلص الحياة منهما في هذه الساعة . .
"" محطم الجبل كناية عن فرهاد ، وتحكي الأساطير الإيرانية القديمة أن فرهاد هذا أقدم على هدم أحد الجبال أملا في الظفر بقلب شيرين معشوقته ، وبعد أن نجح في تحطيم الجبل ، حنثت شيرين بوعودها وتخلت عن فرهاد ، مما دفعه إلى أن يضرب رأسه بنفس الفأس التي إستخدمها في تحطيم الجبل ، وكانت النتيجة أن أسلم الروح دون أن يحظى بمعشوقته .""
قال هذا ، ثم أمر بإحكام وثاق الفتى ، ومرغ جسده في تراب الطريق ، حتى أصبح في زرقة النيل من ضرب السلطان ، بعد ذلك أمر السلطان بصلبه على الأعواد ، وتعليقه وسط السوق ،
وقال : ليسلخ جلده أولا ، ثم يصلب منكسا على الأعواد ثانيا ، لأن من أصبح أهلا للسلطان ، لا يحق له أن ينظر إلى آخر حتى نهاية الزمان .
سحبوا الفتى بعنف وذلة ، ليعلقوا رأسه الثمل على المقصلة ، وعلم الوزير بحال ولده ، فوضع التراب على مفرقه ،
وقال يا روح الوالد : أي خذلان اعترض طريقك ؟
وأي قضاء جعلك عدو سلطانك ؟
كان عشرة من غلمان السلطان قد توجهوا في تلك الأونة للقضاء عليه ، فأقبل الوزير بقلب مفعم بالألم والحسرة ، وأعطى كل فرد منهم درة براقة ،
وقال لهم : إن السلطان الليلة ثمل ، ولم يرتكب هذا الغلام أي ذنب ، فإن يفق السلطان العظيم من سكرته ، فسيندم على فعلته ، ولن يبقي بلا ريب على أي فرد من قتلته .
قال الغلمان كلهم في تلك الآونة : إن يقبل السلطان ولا يجد أحدا قط ، فإنه يسفك دماءنا !
وأخيرا أحضر الوزير سفاحا من السجن ، وسلخ جلده كالثوم ، ثم نكسه ورفعه على المقصلة ، وهكذا تحول التراب طينا من دمه ، وأصبح أحمر اللون كالوردة ، وأخفى الوزير فتاه ، حتى يستطيع أن يعيش متخفيا في الدنيا . .
وما أن أفاق السلطان في اليوم التالي ، حتى كانت كبده تحترق مما سيطر عليه من غضب ، ثم استدعى السلطان أولئك الغلمان ،
وقال لهم : ماذا فعلتم مع هذا الكلب من تعذيب وجفاء ؟
فقال الجميع : لقد عاملناه بكل شدة وقسوة، ورفعناه على الأعواد وسط السوق ، وسلخنا جلده عنه ، وهو مصلوب الآن على المقصلة.
ما أن سمع السلطان هذه الإجابة ، حتى تملكه السرور مما قاله هؤلاء الغلمان العشرة ، وأنعم على كل واحد منهم بخلعة فاخرة ، وحاز كل منهم منصبا ورفعة
ثم قال لهم السلطان : اتركوه هكذا ذليلا ضائعا على المقصلة إلى ما لا نهاية ، حتى يعتبر خلق الزمان من فعلة هذا الوقح الجبان . .
عندما سمع أهل المدينة هذه القصة ، عمهم الحزن من أجله ، وحضر جمع كبير من النظارة ليروه ، ولكن لم يتعرف عليه أحد قط ،
فقد رأى الجميع لحما غريقا في دمائه ، وقد نكس بعد أن سلخ جلده . ومن رآه على هذه الصورة ، عظيما كان أم حقيرا ؛ ذرف الدموع دما ؛
ولكن في الخفاء ، واستمر مأتم ذلك البدر من الصباح حتى المساء ؛ وقد عمت الأحزان جميع البلاد ، كما زادت الحسرات عليه وكذا الآهات . .
ولكن بعد عدة أيام قضاها السلطان بلا معشوقه ، تملكه الحزن والأسف من فعلته ، وضعف غضبه واشتد به العشق ، وأصبح الشبيه بالأسد في ضعف النملة من شدة العشق ، فقد كان يجالسه طوال الليل والنهار ،
وكان مع الشبيه بيوسف غاية في السرور، كما كان ثملا على الدوام من شراب الوصل ، فكيف يعرف الآن الاستقرار في خمار البحر؟
وهكذا لم يعد يطيق الفراق لحظة ، وتفاقم الأمر ، واحترقت روحه من ألم الفراق ، وأصبح عديم الصبر لا يقر له قرار من الاشتياق ،
كما سيطر النوم والأسى عليه ، وامتلأت عيناه بدمع دموي ، ونثر التراب على رأسه ، وأخيرا صنع ثوبا أزرق وارتداه ،
وسيطرت الأحزان والهموم على دنياه ، ولم يعد يستسيغ طعاما بعد ذلك أو شرابا ، كما تطاير النوم من عينيه جزعا واضطرابا . .
وعندما أقبل الليل خرج السلطان قاصدا المقصلة وقد تخلى عن الكل ، فقد ذهب وحيدا إلى مقصلة الغلام ، فهاجته ذكرى ذلك الغلام ،
وما أن هاجته ذكرى حاله معه واحدة واحدة ، حتى أطلقت كل شعرة منه صيحة وآهة ، وقد سيطر على قلبه ألم بلا نهاية ،
حتى كان يعقد مأتما جديدا في كل لحظة ، وكم كان يئن ويتوجع على روح الفقيد وكم اكتسى وجهه بالدم من الألم والكمد ،
وكان يلقي بنفسه وسط تراب الطريق ، كما كان يعض من الغيظ ظهر كفه ، وإذا قدر وأحصى شخص ما ذرف من دمع ، لكان أكثر غزارة من مائة مطر منهمر ، وظل يقضي ليلة بأكمله وحيدا حتى الصباح ، وكان كالشمعة يعيش بين الدموع والاحتراق . .
وكلما هبت نسائم الصباح ، توجه السلطان صوب أسيره ؛ فكان يمضي بين الرماد والأتربة ، وتنهال المصائب عليه في كل لحظة ،
وما أن انقضت على هذا الحال أربعون ليلة ويوما ، حتى أصبح السلطان العالي القدر نحيلا كالشعرة ، فقبع على نفسه مشغولا بحاله ،
وأصبح عليلا من فرط عنايته بأمر معشوقه ، ولم يؤت أحد القدرة طوال الأربعين نهارا وليلة ، على محادثة السلطان بلفظة ،
ولكن بعد انقضاء الأربعين ليلة بلا شراب أو طعام ، رأى السلطان ذلك الفتى ذات لحظة في المنام ، رآه وقد غرق وجهه القمري في الدموع ،
كما غرق في الدماء من الرأس إلى القدم ،
فقال له السلطان : أيها الرفيق المنعش للقلب ، لماذا غرقت هكذا في بحر الدماء من الرأس إلى القدم ؟
قال : لقد غرقت في الدماء من مودتك ، كما أصابني هذا من عدم وفائك ، لقد سلخت جلدي دون ذنب أو عصيان ،
فهل هذا هو الوفاء أيها السلطان ؟
وهل هذا ما يفعله الحبيب في النهاية ؟
كم أكون كافرا إن يقدم كافر على هذه الفعلة ؟
ماذا فعلت حتى تصلبني ؟
وماذا فعلت حتى تقطع رأسي وتنكسني ؟
والآن أشيح بوجهي بعيدا عنك ، وأطلب ديتي حتى يوم القيامة منك ؟
وإذا ما انعقدت المحكمة الإلهية من أجلي ، فسيأخذ اللّه منك حقي . .
ما أن سمع السلطان هذا الخطاب من الشبيه بالقمر ، حتى نهض من النوم ، وقلبه مفعم بالهم ، وسيطر الحزن على روحه وقلبه ، وتفاقمت في كل آونة همومه ومشكلته ، وألم به الجنون وفقد زمام نفسه ، وزاد نحوله ، وتضاعف غمه وانخرط في النحيب بكل شدة وحرقة ،
وقال : يا روحي ، ويا قلبي ، ها أنذا خالي الوفاض ، لقد دمى قلبي وروحي بسبب ما ألم بك من اضطراب ،
ويا من قتلت شرقتلة بسببي ، ومن بقيت في الشدائد بفعلتي ، من ذا حطم نفسه بنفسه مثلي ؟
ومن ذا صنع بيده ما اقترفت من فعل ؟
لم قتلت معشوقي وأصبحت جديرا بالأحزان والهموم ؟
فانظر ما أصابني في النهاية أيها الفتى ، ولا تقطع صلات الود والمحبة ، أيها الفتى ، ولا تفعل السوء ، وذلك لأنني ارتكبت مع نفسي كل هذا السوء .
وهكذا تملكتني الحيرة والغم بسببك ، كما وضعت التراب على رأسي بسببك ، فأين أبحث عنك يا حبيبي ؟ لتكن رفيقا بقلبي المضطرب .
إن كنت قد رأيت جفوة مني أنا عديم الوفاء ، فكن وفيا معي ، ولا تسلك طريق الجفاء ، وإن كنت قد أرقت دم جسدك بجهالة ،
أيها الغلام ، فما أكثر ما تسفك دماء روحي ، أيها الغلام .
لقد ثملت ، فبدر مني هذا الخطأ ، فماذا أفعل وقد قدر القضاء عليّ هذا الخطأ ؟
فإن مضيت من أمامي على الدوام ، فكيف أحيا بدونك في هذا العالم ؟
وإن كنت لا أقوى لحظة على فراقك ، فلن أستطيع الحياة أكثر من لحظة أو لحظتين بدونك ، لقد بلغت روح السلطان شفته لفراقك ،
وذلك لكي ينثر روحه دية لدمائك ، وأنا لا أخشى الموت والتخلي عن جسدك ، ولكن ما أخشاه هو جفوتك .
حتى ولو ظلت روحي خالدة تطلب المعذرة ، فلن تستطيع إيجاد العذر لتلك الجريرة ، فيا ليت حلقي قطع بالسيف ، لتقلّ هذه الآلام والأسى من قلبي .
أيها الخالق ، لقد احترقت روحي في هذه الحيرة ، كما احترق جسدي كله من الحسرة ، لا طاقة لي ولا قدرة على هذا الفراق ،
وما أكثر ما احترقت روحي من الاشتياق ، فلتنعم عليّ يا إلهي العادل ، بقبض روحي حيث فقدت الطاقة للتحمل .
قال هذا ، ثم لزم الصمت ، وفقد العقل في هذا الصمت ، وأخيرا أدركه رسول العناية ، فأخذ يلهج بالشكر بعد الشكاية ، فما أن فاقت آلام السلطان كل حد ،
حتى أسرع الوزير بالاختفاء في تلك الآونة ، وأظهر ذلك الغلام خفية ، ثم أرسله أمام سلطان الدنيا ،
فخرج من خلف الحجاب كما يخرج القمر من بين السحاب ، ومثل أمام السلطان
يحمل كفنا وسيفا ، وسقط على الأرض أمام السلطان وبكى بكاء مرا ، وتساقطت دموعه كالمطر .
عندما رأى سلطان الدنيا ذلك البدر ، لا أعلم ماذا أقول في هذا الزمان ، فقد وقع السلطان على الأرض ، كما تدرج الغلام في الدم ،
ولا يعلم أحد قط ، كيف وقعت هذه العجائب. فكل ما أقوله بعد ذلك لا يصح قوله ، فإذا كان الدر في القاع ، لا يمكن ثقبه،
وما أن أدرك السلطان من فراقه الخلاص ، حتى ذهبا سويا إلى الإيوان الخاص ، وبعد هذا لم يقف أحد قط على الأسرار ، لأن ذلك المكان ليس موضعا للأغيار ؛ فأنّي للأعمى أن يرى وللأصم أن يسمع ما كان ينطق به أحدهما ، وما ينصت إليه الآخر ؟
ومن أكون أنا حتى أستطيع شرح ما حدث ، وإن أشرح ذلك ، أسبب الآلام لروحي ، إذ كيف أشرح ما لم أقف عليه ؟
لذا يلزمني الصمت ، حيث أصابني العجز في ذلك ، وإن يسمح لي سادتي بشرحه فليأمروني بسرعة شرحه ، ولقد أتممت في هذا
المقالة الخامسة والأربعون والأخيرة في سلوك الطير الطريق صوب السيمرغ الأبيات من 4104 - 4153
وبعد سماع هذا الكلام كله ، سارعت جميع طيور الوادي، بتنكيس الرؤوس في دماء الأكباد ، وعلمت جميعها ، أن هذه القوس الصعبة،
لا تقوى عليها سواعد حفنة من العجزة ، ولم تجد أرواحهم الاستقرار بسبب هذا القول ، وما أكثر الذين ماتوا من العجز في ذلك المنزل ،
وأما الطيور الأخرى التي اندفعت إلى المسير ، فبفعل ما سيطر عليها من تحير ، قضت سنوات متنقلة بين مرتفع ومنخفض ،
وقضوا في طريقهم عمرا مديدا ، وكيف أستطيع شرح وتفسير كل ما وقع لهم في المسير ، فإن تسلك الطريق ذات يوم ،
فستلاحظ عقباته واحدة واحدة ، وستعلم ما فعله الطير ، وسيتضح لك كيف تحملت الآلام والهموم .
في النهاية استطاع نفر قليل من بين ذلك الحشد قطع الطريق إلى الحضرة ، فقد وصل نفر قليل من كل أولئك الطير ، فهناك يصل واحد من بين كل عدة آلاف .
لقد غرق البعض في البحر ، كما أصيب البعض بالفناء ، وأسلم البعض الأرواح عطشى ، وذلك على قمم الجبال من شدة الحرارة والآلام ، وأصيب البعض من وهج الشمس باحتراق الأجنحة وشواء الأرواح ،
وأصيب البعض بالذلة والمهانة ، مما بالطريق من أسود ونمور ، ومات البعض من التعب في صحراء صادية الشفة ،
وقتل البعض أنفسهم كالفراشة ، من أجل تعلقهم بالحبوب ، وأصاب الألم البعض وكذا الوهن ، مما دهمهم بالتخلف والهجران ،
وتوقف البعض أمام عجائب الطريق ، فلزم كل منهم موقعه ، وأسلم البعض أجسادهم للطرب وكفوا بعد ذلك عن الطلب . .
وأخيرا لم يتقدم إلى هناك إلا نفر قليل من بين مئات الألوف .
وذلك الجمع الغفير من الطير لم يصل منه إلا ثلاثون طائرا .
وصل الثلاثون وقد عدموا الأجنحة والريش ، وألم بهم التعب والوهن .
وصلوا محطمي القلوب فاقدي الأرواح ، سقيمي الأجساد ؛ فرأوا الحضرة دون وصف أو صفة ، رأوها تسمو على الإدراك والعقل والمعرفة ،
وما أن أضاء برق الاستغناء حتى أحرق مائة عالم في لحظة واحدة ، ورأى الجميع عددا وفيرا من الشموس المعتبرة ،
ورأوا عددا كبيرا من الأقمار والنجوم الزاهرة ؛ فوقعوا جميعا في حيرة ، وظلوا كذرة مضطربة حائرة ،
وقالوا جميعا :إذا كانت الشموس تبدو كذرة فانية بجانب ذلك السلطان الأعظم ، فكيف نبدو نحن في هذه الأعتاب ؟
يا للحسرة على ما تحملناه من آلام بالطريق !
لقد قطعنا الأمل من أنفسنا ، ولكن لم نقطع الأمل من الهدف المنشود ،
وإذا كانت مئات العوالم مجرد ذرة من تراب هناك ، فأي خوف إن وجدنا ، أو أصابنا العدم؟
عندما جاءت تلك الطيور منهوكة القوى ، جاءت كطائر نصف ذبيح ، وقد أصابها الفناء والمحو ، وظل يحيط بهم حتى ذلك الوقت .
وأخيرا جاء حاجب العزة ، من الأعتاب العلية فجأة ، فرأى أمامه ثلاثين طائرا غاية في العجز ، وقد أصبحت مجرد ريش وأجنحة بلا أرواح ،
كما أصاب الهزال أجسامها ، وتملكتها الحيرة من أولها إلى آخرها ، ووقفت خائرة القوى شديدة الوهن ،
فقال : أيها القوم ، ثوبوا إلى رشدكم ، ومن أي مدينة أقبلتم ، ومن أجل أي شيء إلى هذه الأعتاب جئتم ؟ وأنتم أيها الجهلة ،
ما أسماؤكم ؟
وأين تكمن راحتكم ؟
وبم يصفكم الإنسان في الدنيا ؟
وأي فعل يمكن أن يتأتى من حفنة من العجزة ؟
قال الجميع : إننا حضرنا إلى هذا المكان ، ليكون السيمرغ لنا السلطان ،
ونحن جميعا حيارى في هذه الديار ، وقد أصبحنا عاشقين لا يقر لنا قرار ، لقد انقضت مدة مديدة حتى جئنا من هذا الطريق ،
ووصلنا إلى الأعتاب ثلاثين بعد أن كنا آلافا ، وقد جئنا من طريق بعيد وكلنا رغبة في أن نحظى بالحضور في هذه الحضرة ،
فمتى يرضى السلطان عما كابدناه من تعب ، حتى يرعانا في النهاية بالعطف والحدب ؟
قال حاجب الحضرة : أيها العجزة ، يا من تلوثتم بدماء القلب كالوردة ، إن تكونوا أو لا تكونوا في العالم ، فهو السلطان المطلق الدائم ، ومائة ألف عالم مليئة بالجند والحشم ،
ليست إلا نملة على باب هذا السلطان الأعظم ، ولن ينتج عنكم في النهاية إلا الألم والزحير ، فعودوا أدراجكم ، أيها الجمع الحقير . .
يئس كل واحد من هذا القول ، وأصبحوا بلا حراك كالموتى ،
وقال الجميع : كيف ينعم علينا هذا السلطان المعظم بالذل في نهاية الطريق ؟ فليس لأحد أن يحظى بالذل منه مطلقا ، ولو حدث هذا ، فليس الذل منه سوى عز وسؤدد .
المقالة الخامسة والأربعون حكاية 1
الأبيات من 4154 - 4163
قال المجنون : إن يمدحني الجميع على وجه الأرض كل لحظة ، فأنا لا أريد مدح أحد مطلقا ، بل لتجعل يا إلهي مدحي ، هو هجاء ليلى لي فقط ،
فقدح واحد منها يفضل مائة مدح ، واسمها كذلك أفضل من كلا العالمين ،
ولقد قلت لك مذهبي ، أيها العزيز ، فإن كانت ترغب في إذ لالي ، فلها ما أرادت . .
وقال : عندما يظهر برق العزة ، يلحق الدمار بالأرواح كلها ، وأي جدوى من إحراق الروح بكثرة الآلام ؛
وأي جدوى من العزة والذلة في تلك الآونة ؟
ثم قال ذلك الحشد المضطرب : لقد اشتعلت أرواحنا وكذا النار ، فمتى تنفر الفراشة من النار ؟ إنها في حضور على الدوام مع النار . .
مع أننا لا نحظى بالوصال مع الحبيب ، فهو يحرقنا ، وما أعظم هذا من صنيع ! وإن لم يتم الوصل إلى أعتاب الحبيب ، فليس من سبيل إلا تقبيل الأرض . .
المقالة الخامسة والأربعون حكاية 2
الأبيات من 4164 - 4175
جميع طيور الزمان ، كانت لها قصة مع تلك الفراشة ،
حيث قالت جميعها للفراشة : أيتها الضعيفة إلام تخاطرين بروحك الشريفة ؟
ما دمت لا تحققين مع الشمعة أي وصال ، فلا تخاطري بروحك جهلا ، ما دام هذا محالا .
ثملت الفراشة بهذا الكلام وانتشت ، وأجابت على الطير بسرعة ،
حيث قالت : يكفيني أنا الولهانة على الدوام ، أن أصل إلى المعشوق وأدور حوله على الدوام ، وإذا كان الجميع يصيبهم الموت في عشقه ،
فقد أقبلوا وهم غرقى في الآلام ، ومع أن الاستغناء يفوق كل إحصاء ، فإن لطفه كان ذا جدة كذلك ، فقد جاء حاجب اللطف ،
وفتح الباب ، وأزاح في كل لحظة مائة حجاب ، فظهرت الدنيا بلا حجاب ، ثم واصلت الظهور في نور النور .
ثم أجلس الحاجب الجميع على مسند القربة ، أجلسهم على سرير العزة والهيبة ، ووضع رقعة أمام الجميع ،
وقال اقرءوها كلها عن آخرها ! وما أن علم القوم ما بهذه الرقعة ، حتى تملك الاضطراب أحوالهم . .
المقالة الخامسة والأربعون حكاية 3
الأبيات من 4176 - 4232
يوسف الذي أحرقت الأنجم البخور من أجله ، قد باعه أخوته العشرة.
وعندما اشتراه ملك مصر ، طلب منهم وثيقة ، وأن يشتريه بثمن بخس ، وقد أخذ الوثيقة من هؤلاء القوم ، حتى يكون معه الدليل ضد الأخوة العشرة . .
ما أن اشترى عزيز مصر يوسف ، حتى كان الحظ في ركاب يوسف ، وفي النهاية بعد أن أصبح يوسف عزيز مصر ، جاء أخوته العشرة إلى مصر ،
ولكن لم يتعرفوا على وجه يوسف ، مع أنهم مثلوا أمامه ، وطلبوا لأنفسهم أسباب الحياة ، ورفعوا نقاب الحياء طلبا للخبز . .
فقال يوسف الصديق : أيها الرجال ، إن لدي وثيقة خطت بالعبرية ولم يستطع أحد من حاشيتي قراءتها ، فإن تقرءوها أمنحكم خبزا وفيرا . .
وكان الأخوة كلهم يعرفون اللغة العبرية ، فوافقوا بسرور ،
وقالوا : أحضر الوثيقة أيها السلطان .
أعمى اللّه قلب ذلك الذي هيأ له الغرور ، ألا يسمع قصته وهو دائم الحضور .
أعطى يوسف وثيقتهم إليهم ، فارتعدت جميع أوصالهم ، وما استطاعوا قراءة لفظة من الوثيقة ، كما لم يقدروا على النطق بأي كلمة ، وسيطر عليهم الغم وانخرطوا في تقديم الأسف ،
وظلوا مهمومين لما ارتكبوه مع يوسف ، لقد خرست ألسنتهم جميعا ، وضاقت الحال بأرواحهم جميعا . .
فقال يوسف : لم تملكتكم الدهشة ؟
ولم لزمتم الصمت أثناء قراءة الوثيقة ؟
فقال الجميع له : الموت أفضل من قراءة هذه الوثيقة ، وكذلك ضرب العنق وعندما نظر الثلاثون طائرا الضعاف في خط هذه الرقعة النفيسة ، وجدوا أن كل ما كانوا قد فعلوه ، قد سطر فيها عن آخره .
وحين أمعن هؤلاء الأسرى النظر ، وجدوا كل ما ارتكبوه من أخطاء ، فقد كانوا قد مضوا وشقوا طريقهم ، ثم ألقوا بيوسف نفسه في البئر ،
وأحرقوا روح يوسف بما ألحقوا بها من ذلة ، ثم باعوه بثمن بخس .
"" بعض الطبعات تجعل نهاية الحكاية عند هذا الحد وتضع عنوانا جديدا لبقيتها وهو : ذهاب الطير صوب السيمرغ ، ومثول السيمرغ بتلك الحضرة "" .
ألا تعلم ، أيها المسكين عديم المروءة ، أنك تبيع يوسف في كل لحظة ؟ وعندما يصبح يوسفك سلطانا ، فسيصير رائدك في هذه الأعتاب.
أما أنت فتصبح في النهاية شحاذا جائعا ، وستمثل أمامه عاريا .
وإذا كان أمرك سيشرق بفضله ، فلم حق لك بلا ثمن بيعه ؟
فنت أرواح تلك الطيور فناء محضا ، وذلك من الحياء والخجل ، كما أصبحت أجسادهم زرقاء كالتوتيا ،
وما أن تطهرت جميعها من كل الكل ، حتى وجدوا أرواحهم جميعا من نور الحضرة ، فعادوا عبيدا للروح الجديدة ، وتملكتهم حيرة من نوع جديد ،
وانمحى من صدورهم كل ما صنعوه وما لم يصنعوه ، وأضاءت من جباههم شمس القربة ،
فأضاءت أرواح الجميع من هذا الشعاع ، وفي تلك الآونة رأى الثلاثون طائرا طلعة السيمرغ في مواجهتهم ،
وعندما نظر الثلاثون طائرا على عجل ، رأوا أن السيمرغ هو الثلاثون طائرا .
فوقعوا جميعا في الحيرة والاضطراب ، ولم يعرفوا هذا من ذاك ، حيث رأوا أنفسهم السيمرغ بالتمام ، ورأوا السيمرغ هو الثلاثون طائرا بالتمام ،
فكلما نظروا صوب السيمرغ ، كان هو نفسه الثلاثين طائرا في ذلك المكان ، وكلما نظروا إلى أنفسهم ،
كان الثلاثون طائرا هم ذلك الشيء الآخر ، فإذا نظروا إلى كلا الطرفين ، كان كل منهما السيمرغ بلا زيادة ولا نقصان . .
فهذا هو ذاك ، وذاك هو هذا ، وما سمع أحد قط في العالم بمثل هذا .
وأخيرا غرقوا جميعا في الحيرة ، وانخرطوا في التفكير بلا عقل ولا بصيرة ، ولما لم يدركوا شيئا من هذا الحال ،
سألوا صاحب الحضرة بلا حروف سؤالا ، حيث طلبوا كشف هذا السر القوي ، وطلبوا معرفة الأنية والأنتية .
جاءهم الخطاب من الحضرة قائلا بلا لفظ ، إن صاحب الحضرة مرآة ساطعة كالشمس ، فكل من يقبل عليه يرى نفسه فيه ، ومن يقبل بالروح
والجسد ، ير الجسد والروح فيه ولأنكم وصلتم هنا ثلاثين طائرا ، فقد بدوتم في هذه المرآة ثلاثين طائرا وإذا حضر أربعون أو خمسون طائرا فإنهم يرفعون الحجب عن أنفسهم .
وإن تردوا إلى هنا أكثر عددا ، فإنكم ترون أنفسكم ، وها قد رأيتم أنفسكم .
ليس لعديم المروءة أن تدركنا عينه ، وكيف تدرك عين النملة نور الثريا ؟
وهل رأيت نملة حملت سندانا ؟
وهل رأيت بعوضة حملت بين فكيها فيلا ؟
كل ما أدركته وما رأيته أنت ليس هو ذلك الشيء ، وما قلته وما سمعته أنت ، ليس هو ذلك الشيء ، وتلك الأودية التي كان كل منكم قد سلكها ،
وهذه الرجولة التي كان كل منكم قد أبداها ، قد تمت كلها من أجلنا ، وهكذا كنستم وادي الذات والصفة .
ولما أصبحتم ثلاثين طائرا حائرا ، بقيتم بلا قلوب عديمي الصبر ، فاقدي الأرواح .
نحن السابقون إلى السيمرغ ، لذا فنحن الجوهر الحقيقي للسيمرغ ، فامحوا أنفسكم فينا بكل عز ودلال ، حتى تجدوا أنفسكم فينا .
وهكذا انمحوا فيه على الدوام ، كما ينمحي الظل في الشمس والسلام . .
كنت أتكلم ، ما داموا يسلكون ، ولكن ما أن وصلوا ، حتى لم يعد للقول بداية ولا نهاية ، فلا جرم أن نضب معين الكلام هنا ، حيث فنى السالك والمرشد والطريق . .
المقالة الخامسة والأربعون حكاية 4
الأبيات من 4233 - 4240
قيل إنه عندما أشعلت النار في الحلاج ، واحترق عن آخره ، أقبل عاشق يحمل عصا في اليد ، وجلس على كومة الرماد ، ثم أخذ يتحدث
وقد اضطرب كالنار ، حتى جعل الرماد يموج ويثور ، فكان يقول في تلك الآونة : قولوا الحق ، أين من نطق بقولة ( أنا الحق ) ؟
كل ما قلته وكل ما سمعته ، وكذا كل ما عرفته وكل ما رأيته ، لا يعدو أن يكون كله خرافة ، فامحه كله إذا لم يكن مكانه هذه الخرابة .
يجب أن يكون الأصل هو الاستغناء والتطهر، ولا خوف إن وجد الفرع أو انعدم ، فوجود الشمس حقيقة قائمة على الدوام، حيث لا بقاء للذرة أو الظل، والسلام .
المقالة الخامسة والأربعون حكاية 5
الأبيات من 4241 - 4262
عندما مضى أكثر من مائة ألف قرن ، كانت قرونا بلا بداية ، ولا نهاية ، ولا زمن ، وبعدها أسلمت الطير أنفسها إلى الفناء الكلي بكل سرور .
وما أن غاب الكل عن رشدهم ، حتى ثابوا ثانية إلى رشدهم ، فقد وصلوا إلى البقاء بعد الفناء ، وليس لأحد قط من المحدثين أو القدماء ،
أن يتحدث عن ذلك الفناء وذلك البقاء .
وهذا الأمر بعيد بالنسبة لك عن مجال النظر ، لأن شرحه بعيد عن الوصف والخبر ، ولكن في طريق مثل طريق أصحابنا هل يمكن شرح البقاء بعد الفناء ؟
وأين يمكن إتمام ذلك ؟
إن هذا يلزمه كتاب جديد ، ولكن من ذا الذي يدرك أسرار البقاء ؟
ومن ذا يكون جديرا بها ؟
وأنت ما دمت موجودا في حيز الوجود والعدم ، فكيف تستطيع التقدم خطوة في هذا المحتدم ؟
وإذا عدم هذا وذاك البقاء في طريقك ، فكيف يطيب النوم أيها الأبله لك ؟
أنظر ماذا تكون البداية والنهاية ، وإن تعرف النهاية، فأي جدوى من تلك النهاية؟
فالبداية كانت نطفة تربت وسط عز ورعاية ، حتى أصبحت هذا العاقل وذلك الموفق ، ثم منحه الوقوف على أسراره وأيده بالتعرف على أموره ،
والنهاية أن يصبيه الموت وينمحي كل شيء ، فينحدر من أوج العزة إلى هاوية الذلة ، بعد ذلك يتحول إلى تراب بالطريق ،
وهكذا فنى إلى ذرات ، ووسط هذا الفناء قيلت له مئات الأسرار ، قيلت له ولكنها قيلت بدونه ، بعد ذلك منح البقاء كله ، كما نال العزة بدلا من الذلة . .
ما ذا تعرف حتى تملك ما يوجد أمامك ؟
فثب إلى رشدك ، وفكر مليا في نهايتك !
وإن لم تصبح روحك في خدمة السلطان ؛ فكيف تكون في هذه الأعتاب مقبولا من السلطان ؟
وإن لم يصبك النقصان في الفناء ، فلن ترى السلامة مطلقا في البقاء . وفي الطريق تدمغ بالذلة في البداية ، ثم ترتقي فجأة بالعزة ، فامض إلى العدم حتى تدرك الحياة في إثر ذلك ، ولكن ما دمت موجودا ، فكيف تصل الحياة إليك ؟
وإن لم يصبك المحو في الذلة والفناء ، فكيف يصلك من العز إثبات البقاء ؟
المقالة الخامسة والأربعون حكاية 6
الأبيات من 4263 - 4423
كان هناك سلطان ، العالم كله ملك له ، والأقاليم السبعة كلها تحت إمرته ، وكان شبيها بالإسكندر في حكمه ، وتمتد من قاف إلى قاف جيوشه ،
وكان جاهه للقمر خدين ، كما وضع القمر وجهه على الأرض إكراما لهذا السلطان ،
وكان لهذا السلطان وزير عظيم ، حيث كان عالما بدقائق المسائل ، حصيف الرأي .
كما كان لهذا الوزير ذي الفضل فتى ، حسن العالم كله وقف على وجهه ، فلم ير إنسان قط في مثل جماله ،
ولم ير أحد قط جميلا ذا عزة مثله ، وما استطاع أحد مطلقا النجاة والخلاص من جمال وجهه الجذاب !
إذا بدا هذا البدر ذات يوم ، ثارت في الحال مائة قيامة ، ولن يوجد من بين البشرية من يكون محبوبا أكثر منه إلى الأبد ؛ فلهذا الفتى وجه كالشمس ،
ولطرته لون المسك الأزفر وكذا رائحته ، ومظلة شمسه كانت من المسك ، وماء الحياة صادي الشفة بلا شفته ، ووسط وجهه الفتان الشبيه بالشمس ،
فم دقيق في دقة الذرة ، وهذا الفم قد فتن الخلق كلهم ، وقد أطبق على ثلاثين نجمة بداخله ، فكيف تظهر نجمة في الدنيا ، وقد اختفت ثلاثون نجمة داخل فمه الدقيق كالذرة ؟
أما الطرة فقد انسدلت على ظهر رفيع القدر ، انسدلت على ظهره في رفعة وتكبر ، وكل طية في طرة ذلك الفضي الصدر ،
قتلت في لحظة واحدة مئات الأرواح من بني البشر ، وكثيرا ما انسدلت طرته على وجهه ، فكانت في كل شعرة منها مائة تحفة .
وكان له حاجب على شاكلة القوس ، ومن ذا يقدر على استخدام هذا القوس ؟
وله في مجال الحب عين ساحرة ، وقد صنع كل هدب مائة لون من ألوان السحر ، وشفته أصل عين ماء الحياة ،
وهي حلوة كالسكر ، وأكثر نضارة من النبات ، ومن ذا الذي لم يصب بالجنون من أسنانه ؟
ومن ذا الذي حظى من اللّه بمثل هذه الجواهر ؟
ومسك خاله نقطة جيم الجمال ، وبسببه يصبح الماضي والمستقبل أسيري الحال ، وإن أوقف عمري كله على جمال هذا الفتى الجذاب ،
فأنى لي أن أصل إلى الإحاطة به ؟
وأخيرا ثمل السلطان به ، وأصابه العجز من بلاء عشقه ، ومع أن السلطان كان عالي القدر والمقام إلا أنه أصبح نحيلا كالهلال لما تحمل من هموم مبعثها ذلك البدر ،
وهكذا أصبح مستغرقا في حب الفتى ، ولم يعد يدرك شيئا من وجوده ، وإن لم يمثل الغلام لحظة أمامه ؛ أصاب الاضطراب قلبه الوله ،
ولم يعد يقر له قرار بدونه لحظة ، ولا صبر له على هذا الجنون لحظة ،
وما استراح لحظة بدونه بالنهار أو بالليل ،
حيث كان مؤنسه الدائم بالنهار وبالليل ، فكان يجلسه طوال النهار حتى المساء إلى جواره ، ويحكي لهذا القمري الوجه كل أسراره ،
وإذا ما نشر الليل الظلام ، لم يكن يقر للسلطان قرار أو ينام ، أما الغلام فكان ينام أمام السلطان ؛ فكان السلطان يرنو إليه بكل إمعان ، وهكذا كان ينام ذلك الفتان طوال الليل على ضوء الشموع في حراسة السلطان . . .
أما السلطان فكان يديم النظر إلى ذلك القمري الوجه ، وهو يذرف الدموع دما طوال الليل ، وكان أحيانا ينثر الورد على وجهه ، وأحيانا ينفض الغبار عن شعره ، ومن شدة عشقه ذرف دمعا كمطر منهمر على وجنتيه . .
كان السلطان يقيم أحيانا مجالس للطرب مع ذلك البدر ، ويشرب الأقداح ، وهو متطلع إلى وجهه ، كما كان لا يتركه لحظة واحدة يغادر مجلسه ؛
حيث أصبح وجوده ضرورة له ، فكان الغلام يداوم الجلوس خوفا مما للسلطان من بأس ، فإذا غادر جواره لحظة ،
فصل السلطان رأسه عن جسده من الغيرة ، وكم كانت أمه وكذلك أبوه يريدان رؤية وجه ابنهما ولو للحظة ، ولكن لم تكن لديهما القدرة خوفا من بطش السلطان . .
ظل الحال كذلك حتى وصلت القصة إلى ذروتها حيث كانت تجاور الحاكم فتاة لها وجه الشمس ، وكأنها التمثال فأصبح الغلام عاشقا لطلعتها ، كما أصبح كالنار مضطربا في أمرها .
وذات ليلة جلس معها ، فبدا المجلس جذابا كطلعتها ، جلس معها خفية من السلطان ، حيث ثمل في تلك الليلة السلطان . .
وفي منتصف الليل عندما أصبح السلطان بين الصحو والسكر ، قفز من مكانه شاهرا الخنجر ، فبحث عن الغلام ولم يجده ،
وأخيرا أسرع إلى حيث وجده ، ورأى فتاة تجالس ذلك الفتى ، وقد شغف كل منهما بالآخر عشقا وهياما ،
فما أن رأى السلطان ذو الشهرة ذلك الحال ؛ حتى سيطرت عليه نار الغيرة في التو والحال .
سيطر الجنون على السلطان العاشق الثمل ، إذ كيف يتواجد معشوقه مع آخر ؟
وحدث السلطان نفسه قائلا : إنني السلطان ؛ فكيف يختار من هو مقرب منّي آخر ؟
إن ما فعلته من أجله لا يمكن أن يفعله من أجله شخص آخر ، فهل يجازيني بهذا العمل ؟
حقا لقد فعل ، كما فعلت شيرين مع محطم الجبل ، لقد كانت مفاتيح الكنوز بيده ، كما كان سادة العالم أدنى مرتبة منه ، وكان لي الصديق والرفيق معا وكان لي الداء والدواء معا ، ثم يجلس في الخفاء مع هذه التافهة ، سأخلص الحياة منهما في هذه الساعة . .
"" محطم الجبل كناية عن فرهاد ، وتحكي الأساطير الإيرانية القديمة أن فرهاد هذا أقدم على هدم أحد الجبال أملا في الظفر بقلب شيرين معشوقته ، وبعد أن نجح في تحطيم الجبل ، حنثت شيرين بوعودها وتخلت عن فرهاد ، مما دفعه إلى أن يضرب رأسه بنفس الفأس التي إستخدمها في تحطيم الجبل ، وكانت النتيجة أن أسلم الروح دون أن يحظى بمعشوقته .""
قال هذا ، ثم أمر بإحكام وثاق الفتى ، ومرغ جسده في تراب الطريق ، حتى أصبح في زرقة النيل من ضرب السلطان ، بعد ذلك أمر السلطان بصلبه على الأعواد ، وتعليقه وسط السوق ،
وقال : ليسلخ جلده أولا ، ثم يصلب منكسا على الأعواد ثانيا ، لأن من أصبح أهلا للسلطان ، لا يحق له أن ينظر إلى آخر حتى نهاية الزمان .
سحبوا الفتى بعنف وذلة ، ليعلقوا رأسه الثمل على المقصلة ، وعلم الوزير بحال ولده ، فوضع التراب على مفرقه ،
وقال يا روح الوالد : أي خذلان اعترض طريقك ؟
وأي قضاء جعلك عدو سلطانك ؟
كان عشرة من غلمان السلطان قد توجهوا في تلك الأونة للقضاء عليه ، فأقبل الوزير بقلب مفعم بالألم والحسرة ، وأعطى كل فرد منهم درة براقة ،
وقال لهم : إن السلطان الليلة ثمل ، ولم يرتكب هذا الغلام أي ذنب ، فإن يفق السلطان العظيم من سكرته ، فسيندم على فعلته ، ولن يبقي بلا ريب على أي فرد من قتلته .
قال الغلمان كلهم في تلك الآونة : إن يقبل السلطان ولا يجد أحدا قط ، فإنه يسفك دماءنا !
وأخيرا أحضر الوزير سفاحا من السجن ، وسلخ جلده كالثوم ، ثم نكسه ورفعه على المقصلة ، وهكذا تحول التراب طينا من دمه ، وأصبح أحمر اللون كالوردة ، وأخفى الوزير فتاه ، حتى يستطيع أن يعيش متخفيا في الدنيا . .
وما أن أفاق السلطان في اليوم التالي ، حتى كانت كبده تحترق مما سيطر عليه من غضب ، ثم استدعى السلطان أولئك الغلمان ،
وقال لهم : ماذا فعلتم مع هذا الكلب من تعذيب وجفاء ؟
فقال الجميع : لقد عاملناه بكل شدة وقسوة، ورفعناه على الأعواد وسط السوق ، وسلخنا جلده عنه ، وهو مصلوب الآن على المقصلة.
ما أن سمع السلطان هذه الإجابة ، حتى تملكه السرور مما قاله هؤلاء الغلمان العشرة ، وأنعم على كل واحد منهم بخلعة فاخرة ، وحاز كل منهم منصبا ورفعة
ثم قال لهم السلطان : اتركوه هكذا ذليلا ضائعا على المقصلة إلى ما لا نهاية ، حتى يعتبر خلق الزمان من فعلة هذا الوقح الجبان . .
عندما سمع أهل المدينة هذه القصة ، عمهم الحزن من أجله ، وحضر جمع كبير من النظارة ليروه ، ولكن لم يتعرف عليه أحد قط ،
فقد رأى الجميع لحما غريقا في دمائه ، وقد نكس بعد أن سلخ جلده . ومن رآه على هذه الصورة ، عظيما كان أم حقيرا ؛ ذرف الدموع دما ؛
ولكن في الخفاء ، واستمر مأتم ذلك البدر من الصباح حتى المساء ؛ وقد عمت الأحزان جميع البلاد ، كما زادت الحسرات عليه وكذا الآهات . .
ولكن بعد عدة أيام قضاها السلطان بلا معشوقه ، تملكه الحزن والأسف من فعلته ، وضعف غضبه واشتد به العشق ، وأصبح الشبيه بالأسد في ضعف النملة من شدة العشق ، فقد كان يجالسه طوال الليل والنهار ،
وكان مع الشبيه بيوسف غاية في السرور، كما كان ثملا على الدوام من شراب الوصل ، فكيف يعرف الآن الاستقرار في خمار البحر؟
وهكذا لم يعد يطيق الفراق لحظة ، وتفاقم الأمر ، واحترقت روحه من ألم الفراق ، وأصبح عديم الصبر لا يقر له قرار من الاشتياق ،
كما سيطر النوم والأسى عليه ، وامتلأت عيناه بدمع دموي ، ونثر التراب على رأسه ، وأخيرا صنع ثوبا أزرق وارتداه ،
وسيطرت الأحزان والهموم على دنياه ، ولم يعد يستسيغ طعاما بعد ذلك أو شرابا ، كما تطاير النوم من عينيه جزعا واضطرابا . .
وعندما أقبل الليل خرج السلطان قاصدا المقصلة وقد تخلى عن الكل ، فقد ذهب وحيدا إلى مقصلة الغلام ، فهاجته ذكرى ذلك الغلام ،
وما أن هاجته ذكرى حاله معه واحدة واحدة ، حتى أطلقت كل شعرة منه صيحة وآهة ، وقد سيطر على قلبه ألم بلا نهاية ،
حتى كان يعقد مأتما جديدا في كل لحظة ، وكم كان يئن ويتوجع على روح الفقيد وكم اكتسى وجهه بالدم من الألم والكمد ،
وكان يلقي بنفسه وسط تراب الطريق ، كما كان يعض من الغيظ ظهر كفه ، وإذا قدر وأحصى شخص ما ذرف من دمع ، لكان أكثر غزارة من مائة مطر منهمر ، وظل يقضي ليلة بأكمله وحيدا حتى الصباح ، وكان كالشمعة يعيش بين الدموع والاحتراق . .
وكلما هبت نسائم الصباح ، توجه السلطان صوب أسيره ؛ فكان يمضي بين الرماد والأتربة ، وتنهال المصائب عليه في كل لحظة ،
وما أن انقضت على هذا الحال أربعون ليلة ويوما ، حتى أصبح السلطان العالي القدر نحيلا كالشعرة ، فقبع على نفسه مشغولا بحاله ،
وأصبح عليلا من فرط عنايته بأمر معشوقه ، ولم يؤت أحد القدرة طوال الأربعين نهارا وليلة ، على محادثة السلطان بلفظة ،
ولكن بعد انقضاء الأربعين ليلة بلا شراب أو طعام ، رأى السلطان ذلك الفتى ذات لحظة في المنام ، رآه وقد غرق وجهه القمري في الدموع ،
كما غرق في الدماء من الرأس إلى القدم ،
فقال له السلطان : أيها الرفيق المنعش للقلب ، لماذا غرقت هكذا في بحر الدماء من الرأس إلى القدم ؟
قال : لقد غرقت في الدماء من مودتك ، كما أصابني هذا من عدم وفائك ، لقد سلخت جلدي دون ذنب أو عصيان ،
فهل هذا هو الوفاء أيها السلطان ؟
وهل هذا ما يفعله الحبيب في النهاية ؟
كم أكون كافرا إن يقدم كافر على هذه الفعلة ؟
ماذا فعلت حتى تصلبني ؟
وماذا فعلت حتى تقطع رأسي وتنكسني ؟
والآن أشيح بوجهي بعيدا عنك ، وأطلب ديتي حتى يوم القيامة منك ؟
وإذا ما انعقدت المحكمة الإلهية من أجلي ، فسيأخذ اللّه منك حقي . .
ما أن سمع السلطان هذا الخطاب من الشبيه بالقمر ، حتى نهض من النوم ، وقلبه مفعم بالهم ، وسيطر الحزن على روحه وقلبه ، وتفاقمت في كل آونة همومه ومشكلته ، وألم به الجنون وفقد زمام نفسه ، وزاد نحوله ، وتضاعف غمه وانخرط في النحيب بكل شدة وحرقة ،
وقال : يا روحي ، ويا قلبي ، ها أنذا خالي الوفاض ، لقد دمى قلبي وروحي بسبب ما ألم بك من اضطراب ،
ويا من قتلت شرقتلة بسببي ، ومن بقيت في الشدائد بفعلتي ، من ذا حطم نفسه بنفسه مثلي ؟
ومن ذا صنع بيده ما اقترفت من فعل ؟
لم قتلت معشوقي وأصبحت جديرا بالأحزان والهموم ؟
فانظر ما أصابني في النهاية أيها الفتى ، ولا تقطع صلات الود والمحبة ، أيها الفتى ، ولا تفعل السوء ، وذلك لأنني ارتكبت مع نفسي كل هذا السوء .
وهكذا تملكتني الحيرة والغم بسببك ، كما وضعت التراب على رأسي بسببك ، فأين أبحث عنك يا حبيبي ؟ لتكن رفيقا بقلبي المضطرب .
إن كنت قد رأيت جفوة مني أنا عديم الوفاء ، فكن وفيا معي ، ولا تسلك طريق الجفاء ، وإن كنت قد أرقت دم جسدك بجهالة ،
أيها الغلام ، فما أكثر ما تسفك دماء روحي ، أيها الغلام .
لقد ثملت ، فبدر مني هذا الخطأ ، فماذا أفعل وقد قدر القضاء عليّ هذا الخطأ ؟
فإن مضيت من أمامي على الدوام ، فكيف أحيا بدونك في هذا العالم ؟
وإن كنت لا أقوى لحظة على فراقك ، فلن أستطيع الحياة أكثر من لحظة أو لحظتين بدونك ، لقد بلغت روح السلطان شفته لفراقك ،
وذلك لكي ينثر روحه دية لدمائك ، وأنا لا أخشى الموت والتخلي عن جسدك ، ولكن ما أخشاه هو جفوتك .
حتى ولو ظلت روحي خالدة تطلب المعذرة ، فلن تستطيع إيجاد العذر لتلك الجريرة ، فيا ليت حلقي قطع بالسيف ، لتقلّ هذه الآلام والأسى من قلبي .
أيها الخالق ، لقد احترقت روحي في هذه الحيرة ، كما احترق جسدي كله من الحسرة ، لا طاقة لي ولا قدرة على هذا الفراق ،
وما أكثر ما احترقت روحي من الاشتياق ، فلتنعم عليّ يا إلهي العادل ، بقبض روحي حيث فقدت الطاقة للتحمل .
قال هذا ، ثم لزم الصمت ، وفقد العقل في هذا الصمت ، وأخيرا أدركه رسول العناية ، فأخذ يلهج بالشكر بعد الشكاية ، فما أن فاقت آلام السلطان كل حد ،
حتى أسرع الوزير بالاختفاء في تلك الآونة ، وأظهر ذلك الغلام خفية ، ثم أرسله أمام سلطان الدنيا ،
فخرج من خلف الحجاب كما يخرج القمر من بين السحاب ، ومثل أمام السلطان
يحمل كفنا وسيفا ، وسقط على الأرض أمام السلطان وبكى بكاء مرا ، وتساقطت دموعه كالمطر .
عندما رأى سلطان الدنيا ذلك البدر ، لا أعلم ماذا أقول في هذا الزمان ، فقد وقع السلطان على الأرض ، كما تدرج الغلام في الدم ،
ولا يعلم أحد قط ، كيف وقعت هذه العجائب. فكل ما أقوله بعد ذلك لا يصح قوله ، فإذا كان الدر في القاع ، لا يمكن ثقبه،
وما أن أدرك السلطان من فراقه الخلاص ، حتى ذهبا سويا إلى الإيوان الخاص ، وبعد هذا لم يقف أحد قط على الأسرار ، لأن ذلك المكان ليس موضعا للأغيار ؛ فأنّي للأعمى أن يرى وللأصم أن يسمع ما كان ينطق به أحدهما ، وما ينصت إليه الآخر ؟
ومن أكون أنا حتى أستطيع شرح ما حدث ، وإن أشرح ذلك ، أسبب الآلام لروحي ، إذ كيف أشرح ما لم أقف عليه ؟
لذا يلزمني الصمت ، حيث أصابني العجز في ذلك ، وإن يسمح لي سادتي بشرحه فليأمروني بسرعة شرحه ، ولقد أتممت في هذا
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin