كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد بن أبي بكر إبراهيم بن أبي يعقوب إسحاق العطار النيسابوري
المقالة الثامنة والثلاثون سؤال طائر آخر الأبيات من 3202 - 3212
قال آخر : يا عالما بالطريق ، إن العين لتسود في هذا الوادي ، والطريق يبدو كأنه مليء بالأهوال ، فما طول هذا الطريق ، أيها الرفيق ؟
قال ( الهدهد ) : إن لنا في الطريق سبعة أودية ، فإذا عبرت الأودية السبعة كانت الأعتاب العلية ، ولم يعد من سلوك الطريق أحد في الدنيا حتى الآن ،
لذا فلا أحد يعرف طول هذا الطريق ، فإن كانوا يفنون فيه كلية ، فكيف يخبرونك بحقيقته ، أيها الجاهل ؟
أول الأودية هو وادي الطلب ، ثم يأتي بعده مباشرة وادي العشق ، ثم الوادي الثالث وهو وادي المعرفة ،
ويأتي بعده الوادي الرابع وهو وادي الاستغناء عن الصفة ، وبعده الوادي الخامس وهو وادي التوحيد الطاهر ، ثم الوادي السادس وهو وادي الحيرة الصعب ،
أما الوادي السابع فهو وادي الفقر والفناء ، وبعد ذلك لن يكون لك سلوك بالطريق ، فإن تدرك نهايته ، يتلاش مسيرك ، وإن تكن لك قطرة ماء ، فإنها تصبح بحرا خضما . . .
المقالة الثامنة والثلاثون بيان الوادي الأول
وادي الطلب
الأبيات من 3213 – 3228
عندما تتقدم إلى وادي الطلب ، سيعترض طريقك في كل زمان مائة تعب ، فهناك مائة بلاء في كل لحظة ، وهناك تصبح ببغاء الفلك مجرد ذبابة ،
وهناك يلزمك الجد والاجتهاد عدة سنوات ، وذلك لأن الأحوال انقلبت رأسا على عقب ، وهناك يلزمك طرح المال جانبا ، كما يجب عليك هناك أن تدع الملك جانبا . . .
عليك أن تتقدم مخضبا بالدماء ، بل عليك أن تتقدم متخليا عن الكل ، وإن لم يبق لك علم بشي ، فواجبك أن يتطهر قلبك من كل شي ، فإن يتطهر قلبك من الصفات ،
فسرعان ما يستمد من الحضرة نور الذات ، وما أن يتضح هذا النور للقلب ، يصبح الطلب مرة واحدة في قلبك ألفا ، وإن تبد النار في طريقه ،
أو تبد مائة واد رهيب ؛ فستجد نفسك من الشوق إليه كالمجنون ، وتلقي بنفسك في النار وكأنك فراشة ، ويصبح طلبك نابعا من اشتياقك إليه ،
فتطلب جرعة من ساقيه ، وعندما تتيسر لك شربة من خمره ، يتم لك نسيان كلا العالمين ، وتبقى صادي الشفة وأنت غريق في البحر ،
كما ستطلب من الحبيب سر الأحبة ، ولن تخشى التنانين الفتاكة في اندفاعك لمعرفة السر ،
وإن يجتمع الكفر والإيمان أمامك فستقبل كليهما حتى يفتح لك الباب ، وحينما يفتح لك الباب ، يتساوى الكفر والدين ، حيث لن يبقى هذا ولا ذاك . . .
المقالة الثامنة والثلاثون حكاية 2
الأبيات من 3229 - 3253
قال عمرو بن عثمان المكي الذي دون كتابه « كنج نامه » في الحرم : عندما نفخ اللّه الروح الطاهرة في جسد آدم المكون من ماء وتراب ، طلب ألا يدرك الملائكة كلهم أي خبر عن الروح أو أي أثر ،
ثم قال : يا ملائكة السماء اسجدوا لآدم في هذا الزمان ، فسجد الجميع حيث وضعوا جباههم على الأرض ، لذا فما أدرك أحد منهم ذلك السر الأكبر ، ولكن إبليس قال في التو والحال ، لن يرى مني أي شخص سجدة .
فإن يقطعوا رأسي عن جسدي ، يكن ذلك أهون عليّ من السجود ، إنني أعرف أن آدم ليس ترابيا ، لذا فأنا على استعداد لأن أضحي برأسي لأعرف السر ، مهما كانت العواقب .
وهكذا أدرك إبليس السر الخفي ، لأنه لم يضع رأسه على الأرض .
فقال الحق تعالى له : يا جاسوس الطريق ، لقد كنت لصا سارقا في هذا المجال ، وبما أنك رأيت ذلك الكنز الذي أخفيته ، فسأقتلك حتى لا تفشي في الدنيا سره ، وذلك لأن الملك إن أراد إخفاء كنز بعيدا عن علم جيشه ، فلا شك أنه يقتل ذلك الذي يطلع على مكان كنزه .
وأنت رأيت الكنز فمن الضروري مجازاتك بقطع الرأس . فإن لم أفصل رأسك عن جسدك في هذه اللحظة ؛ فسوف يكون العالم بلا ريب تحت إمرتك .
قال إبليس : يا إلهي ، لتمهل هذا العبد ، والتمس الحيلة لمن سقط . فقال الحق تعالى : لقد أمهلتك ولكنني طوقت رقبتك بطوق اللعنة ، وسأطلق عليك لقب « الكذاب » ، حتى تظل إلى يوم القيامة متهما .
قال إبليس بعد ذلك : إن كان الكنز الطاهر قد بدا لي واضحا ، فأي خوف يعتريني بعد ذلك ؟
اللعنة صادرة عنك وكذا الرحمة ، والعبد عبدك ومنك الحظ والقسمة ! فإن كانت اللعنة من نصيبي ، فلا خوف يعتريني ، وما دام الترياق موجودا ، فلابد من وجود السم .
فما أن رأيت الخلق يطلبون رحمتك ، حتى آثرت أن أحظى أنا عديم الخلق الغيب مرة أخرى ، أصبحت ذرات الدنيا قرينة لك .
إن تنظر إلى الأمور بعين العقل ، فسترى العشق لا أول له ولا آخر ، وهو ضرورة لك حصيف ؛ كما أن العشق ضرورة لكل حر ، ولكنك لست حصيفا ولا عاشقا وإنما أنت ميت ، فكيف تكون للعشق لائقا ؟
ولابد من رجل حي القلب لهذا الطريق ، حتى يقدم مائة روح نثارا في كل لحظة.
"" عمرو بن عثمان المكي : كنيته أبو عبد اللّه ، وكان أستاذ الحسين بن منصور الحلاج ، اتصل بالجنيد وصحب الخراز ، وكان من أقرانهما ، كان عالما في علوم الحقائق ، أصله من اليمن ، وأقام فترة في مكة ثم رحل إلى بغداد حيث توفي فيها عام 296 هـ أو 297 هـ . ( انظر نفحات الأنس لجامي طبعة طهران 1335 ش ، ص 84 - 85 ) .
كنج نامه : أي كتاب الكنز ""
المقالة الثامنة والثلاثون حكاية 3
الأبيات من 3335 - 3344
هام أحد السادة على وجهه بعيدا عن أسرته ، وساءت حالته من عشق صبي يبيع الفقاع ، ومن فرط عشقه ، ذاعت قالة السوء عنه ،
وكانت له ممتلكات وضياع ، فباعها واشترى بثمنها الفقاع ، وعلى الرغم من تخليه عن كل ممتلكاته وترديه في الفقر ، إلا أن عشقه كان يزداد ويتضاعف ،
وعلى الرغم من توفيرهم الخبز له على الدوام ، إلا أنه كان في جوع دائم ، حيث كان شبعه من الروح دواما ،
وذلك لأنه كان يشتري فقاعا بكل ما يصله من خبز وفير ، وكان يمضي وقتا طويلا أسير الجوع ، وذلك حتى يتجرع مائة كأس من الفقاع .
وسأله سائل : أيها الحزين المضطرب ، ما هو العشق ؟ لتوضح لي سره .
فقال : هو أن تبيع مائة عالم من المتاع ، مقابل كأس واحدة من الفقاع ، وإذا لم يرق هذا العمل للآدمي ؛ فكيف يعرف العشق والألم ؟
المعشوق النشوان بحجر ، فهذا أفضل من أن تنال جوهرة من غيره ، وعلى الرجل أن يكون في مجال الطلب والانتظار ، ناثرا روحه في الطريق في كل زمان ،
وألا يسكن لحظة عن الطلب ، وألا يستريح لحظة ، وإذا وهن عزمه عن الطلب زمنا ، فهو في هذا الطريق يكون مرتدا ، عديم الأدب .
المقالة الثامنة والثلاثون حكاية 4
الأبيات من 3269 - 3273
رأى العزيزي المجنون مهموما ، حيث كان ينخل التراب في الطريق ، فقال : أيها المجنون ، عم تبحث هنا ؟
قال : أبحث عن ليلى ها هنا فقال ( العزيزي ) : وأنّى لك أن تجدها في التراب؟ ومتى كان الدر الطاهر كامنا في تراب الطريق ؟
قال : إنني أبحث عنها في كل مكان ، لعل يدي تصادفها بغتة في أي مكان .
"" يقصد بالمجنون قيس بن الملوح وهو من يعرف باسم « مجنون ليلى » وشخصيته تكاد تكون خرافية .
ويقول بروكلمان : انه توفي فيما يظن عام 70 هـ ( 689 م ) . .
انظر تاريخ الأدب ج 2 لبراون - ترجمة د . الشواربي ص 516 - 518 طبع القاهرة 1954 م . .""
المقالة الثامنة والثلاثون حكاية 5
الأبيات من 3273 - 3283
كان يوسف الهمداني إمام العصر ، كما كان عليما بأسرار الروح ، بعيد النظر .
قيل إنه كلما نظر إلى شيء من أعلى إلى أسفل ، تحولت كل ذرة فيه إلى يعقوب آخر ، يسأل عن يوسف الذي افتقده .
لابد من الألم في طريقه وكذلك الانتظار ، حتى ينقضي عمر في هذين الأمرين . وإن لا تجد لك عملا في هذين الأمرين ، فحذار أن تخلي فكرك من هذه الأسرار.
إذ لابد للرجل من الصبر في الطلب ، ومتى كان صبرك لائقا بأهل الألم ؟
ولتزد من صبرك، سواء أكنت راضيا أم لا ، فلعلك تدرك الطريق بمساعدة آخر.
أنت شبيه بطفل في بطن أمه ، فاجلس وحيدا وسط خضم الدماء ، ولا تخرج عن طبيعتك لحظة .
وإذا كان الخبز ضرورة ، فاطعم الدم لحظة ، فطعام الجنين الدم وكفى !
إنه أفضل من كل ما هو خارج البطن ، فاطعم الدم وتحمل الآلام وتذرع بالصبر كالرجال ، حتى تحقق الأيام ما تصبو إليه من آمال .
"" يوسف الهمداني : امام عالم عارف رباني ، صاحب الأحول والمواهب الجزيلة والكرامات والمقامات الجليلة .
وتوجه في البداية من همدان إلى بغداد ولزم مجلس الشيخ أبي إسحاق الشيرازي ، وعلا نجمه على كل أقرانه ، ثم تنقل بين مجالس العلم في كل من بغداد وأصفهان وسمرقند ، وأخيرا تخلى عن الكل واتخذ طريق العبادات والرياضات والمجاهدات .
توفي وهو في الطريق من هراة إلى مرو عام 335 هـ . ( انظر : نفحات الأنس لجامي ، طبع طهران ص 1336 ش : 375 - 377 ). ""
المقالة الثامنة والثلاثون حكاية 6
الأبيات من 3284 - 3300
ألمّ بشيخ مهنة ضيق عظيم ، فمضى إلى الصحراء بقلب مفعم بالألم ، وعين دامية الدمع ، فرأى من بعيد شيخا قرويا ، يسوق ثورا ، ويشع منه النور ، فاتجه صوب الشيخ وقرأه السلام ، ثم شرح له حال ضيقة بالتمام ،
وما أن سمع الشيخ ذلك ، حتى قال :
يا أبا سعيد ، إن يمتلئ العالم من الأرض المنخفضة إلى العرش المجيد بالذرة ؛ لا بكومة واحدة ، بل بمئات من الكومات ، وإن يوجد طائر يلتقط ذلك الذرة لمدة ألف عام ، وحتى ولو تكرر ذلك لأزمنة عديدة ، وجاءت مئات الطيور ، فلن تجد الروح ريحا من بابه حتى ذلك الوقت ، فلم العجلة يا أبا سعيد الآن ؟
إذ لابد من الصبر المديد للصابرين ، وليس كل طالب يتذرع بالصبر ، وإن لا ينبع الطلب من الأعماق ، فلن يظهر المسك من الدم في السرة ،
وإن ينبع من الأعماق ، فمهما كانت الأفلاك فستغوص في الدماء .
من لا طلب له ، يظل أسير الحيرة ، بل حاشي للّه أن تكون له صورة حيوان ، ومن عدم الطلب ، فهو جيفة ، وليس على قيد الحياة ، بل مجرد حائط أصم ،
وإن يصلك كنز من الجواهر ، فلتكن أكثر حماسة في الطلب ، أما من قنع بالكنز والجوهر ، فقد أسر نفسه بقيد الكنز والجوهر ، ومن تعلق بأي شيء في الطريق ؛ أصبح صنمه ذلك الشيء ، فليهنأ بصنمه ،
وإن كنت واهي اللب ضعيفا ، فسرعان ما تصبح ثملا بالشراب ، فاقدا عقلك ، فحذار !
ولا تسكر في النهاية بكأس واحدة ، بل دوام الطلب ، ما دام الطلب بلا نهاية .
"" يقصد بذلك : الشيخ أبو سعيد بن أبي الخير .""
المقالة الثامنة والثلاثون حكاية 7
الأبيات من 3301 - 3310
ذات ليلة سار محمود بلا جند ، فرأى رجلا ينخل التراب على قارعة الطريق ، وقد كوم أمامه عدة كومات من التراب ،
فما أن رآه السلطان حتى ألقى بسواره ، ألقاه وسط كومة من التراب ، ثم ساق حصانه الشبيه بالريح في السرعة ،
وفي الليلة التالية عاد محمود ، فوجده مشغولا كالبارحة ،
فقال له :إن ما عثرت عليه البارحة ، يساوي عشرة أضعاف خراج الدنيا ، فلم تعود اليوم لتنخل التراب ثانية ؟
لتكن سلطانا ، فقد أصبحت بلا فاقة .
فقال ناخل التراب له : إن ما وجدته بين التراب يعد كنزا خفيا عظيم القيمة ، فإذا كان حظي أصبح مواتيا من هذا العمل ، فلن أتخلى عنه ما دامت روحي في جسدي ،
فكن رجل هذا الباب حتى يفتح لك ، ولا تشح برأسك عن الطريق حتى يتضح لك ، وليس لك إلا إغلاق عينيك على الدوام ، وامض مجتهدا في الطلب ، فما أغلق الباب بعد .
المقالة الثامنة والثلاثون حكاية 8
الأبيات من 3311 – 3312
قال أحد الوالهين مخاطبا اللّه : إلهي ، لتفتح بابا أمامي في النهاية !
لعل رابعة كانت تجلس هناك ،
فقالت : أيها الغافل ، ومتى أغلق هذا الباب ؟
إن الباب مفتوح ، أيها الغلام ، وعليك أن توجه وجهك تجاهه وتبحث عن مرادك على الدوام .
المقالة الثامنة والثلاثون سؤال طائر آخر الأبيات من 3202 - 3212
قال آخر : يا عالما بالطريق ، إن العين لتسود في هذا الوادي ، والطريق يبدو كأنه مليء بالأهوال ، فما طول هذا الطريق ، أيها الرفيق ؟
قال ( الهدهد ) : إن لنا في الطريق سبعة أودية ، فإذا عبرت الأودية السبعة كانت الأعتاب العلية ، ولم يعد من سلوك الطريق أحد في الدنيا حتى الآن ،
لذا فلا أحد يعرف طول هذا الطريق ، فإن كانوا يفنون فيه كلية ، فكيف يخبرونك بحقيقته ، أيها الجاهل ؟
أول الأودية هو وادي الطلب ، ثم يأتي بعده مباشرة وادي العشق ، ثم الوادي الثالث وهو وادي المعرفة ،
ويأتي بعده الوادي الرابع وهو وادي الاستغناء عن الصفة ، وبعده الوادي الخامس وهو وادي التوحيد الطاهر ، ثم الوادي السادس وهو وادي الحيرة الصعب ،
أما الوادي السابع فهو وادي الفقر والفناء ، وبعد ذلك لن يكون لك سلوك بالطريق ، فإن تدرك نهايته ، يتلاش مسيرك ، وإن تكن لك قطرة ماء ، فإنها تصبح بحرا خضما . . .
المقالة الثامنة والثلاثون بيان الوادي الأول
وادي الطلب
الأبيات من 3213 – 3228
عندما تتقدم إلى وادي الطلب ، سيعترض طريقك في كل زمان مائة تعب ، فهناك مائة بلاء في كل لحظة ، وهناك تصبح ببغاء الفلك مجرد ذبابة ،
وهناك يلزمك الجد والاجتهاد عدة سنوات ، وذلك لأن الأحوال انقلبت رأسا على عقب ، وهناك يلزمك طرح المال جانبا ، كما يجب عليك هناك أن تدع الملك جانبا . . .
عليك أن تتقدم مخضبا بالدماء ، بل عليك أن تتقدم متخليا عن الكل ، وإن لم يبق لك علم بشي ، فواجبك أن يتطهر قلبك من كل شي ، فإن يتطهر قلبك من الصفات ،
فسرعان ما يستمد من الحضرة نور الذات ، وما أن يتضح هذا النور للقلب ، يصبح الطلب مرة واحدة في قلبك ألفا ، وإن تبد النار في طريقه ،
أو تبد مائة واد رهيب ؛ فستجد نفسك من الشوق إليه كالمجنون ، وتلقي بنفسك في النار وكأنك فراشة ، ويصبح طلبك نابعا من اشتياقك إليه ،
فتطلب جرعة من ساقيه ، وعندما تتيسر لك شربة من خمره ، يتم لك نسيان كلا العالمين ، وتبقى صادي الشفة وأنت غريق في البحر ،
كما ستطلب من الحبيب سر الأحبة ، ولن تخشى التنانين الفتاكة في اندفاعك لمعرفة السر ،
وإن يجتمع الكفر والإيمان أمامك فستقبل كليهما حتى يفتح لك الباب ، وحينما يفتح لك الباب ، يتساوى الكفر والدين ، حيث لن يبقى هذا ولا ذاك . . .
المقالة الثامنة والثلاثون حكاية 2
الأبيات من 3229 - 3253
قال عمرو بن عثمان المكي الذي دون كتابه « كنج نامه » في الحرم : عندما نفخ اللّه الروح الطاهرة في جسد آدم المكون من ماء وتراب ، طلب ألا يدرك الملائكة كلهم أي خبر عن الروح أو أي أثر ،
ثم قال : يا ملائكة السماء اسجدوا لآدم في هذا الزمان ، فسجد الجميع حيث وضعوا جباههم على الأرض ، لذا فما أدرك أحد منهم ذلك السر الأكبر ، ولكن إبليس قال في التو والحال ، لن يرى مني أي شخص سجدة .
فإن يقطعوا رأسي عن جسدي ، يكن ذلك أهون عليّ من السجود ، إنني أعرف أن آدم ليس ترابيا ، لذا فأنا على استعداد لأن أضحي برأسي لأعرف السر ، مهما كانت العواقب .
وهكذا أدرك إبليس السر الخفي ، لأنه لم يضع رأسه على الأرض .
فقال الحق تعالى له : يا جاسوس الطريق ، لقد كنت لصا سارقا في هذا المجال ، وبما أنك رأيت ذلك الكنز الذي أخفيته ، فسأقتلك حتى لا تفشي في الدنيا سره ، وذلك لأن الملك إن أراد إخفاء كنز بعيدا عن علم جيشه ، فلا شك أنه يقتل ذلك الذي يطلع على مكان كنزه .
وأنت رأيت الكنز فمن الضروري مجازاتك بقطع الرأس . فإن لم أفصل رأسك عن جسدك في هذه اللحظة ؛ فسوف يكون العالم بلا ريب تحت إمرتك .
قال إبليس : يا إلهي ، لتمهل هذا العبد ، والتمس الحيلة لمن سقط . فقال الحق تعالى : لقد أمهلتك ولكنني طوقت رقبتك بطوق اللعنة ، وسأطلق عليك لقب « الكذاب » ، حتى تظل إلى يوم القيامة متهما .
قال إبليس بعد ذلك : إن كان الكنز الطاهر قد بدا لي واضحا ، فأي خوف يعتريني بعد ذلك ؟
اللعنة صادرة عنك وكذا الرحمة ، والعبد عبدك ومنك الحظ والقسمة ! فإن كانت اللعنة من نصيبي ، فلا خوف يعتريني ، وما دام الترياق موجودا ، فلابد من وجود السم .
فما أن رأيت الخلق يطلبون رحمتك ، حتى آثرت أن أحظى أنا عديم الخلق الغيب مرة أخرى ، أصبحت ذرات الدنيا قرينة لك .
إن تنظر إلى الأمور بعين العقل ، فسترى العشق لا أول له ولا آخر ، وهو ضرورة لك حصيف ؛ كما أن العشق ضرورة لكل حر ، ولكنك لست حصيفا ولا عاشقا وإنما أنت ميت ، فكيف تكون للعشق لائقا ؟
ولابد من رجل حي القلب لهذا الطريق ، حتى يقدم مائة روح نثارا في كل لحظة.
"" عمرو بن عثمان المكي : كنيته أبو عبد اللّه ، وكان أستاذ الحسين بن منصور الحلاج ، اتصل بالجنيد وصحب الخراز ، وكان من أقرانهما ، كان عالما في علوم الحقائق ، أصله من اليمن ، وأقام فترة في مكة ثم رحل إلى بغداد حيث توفي فيها عام 296 هـ أو 297 هـ . ( انظر نفحات الأنس لجامي طبعة طهران 1335 ش ، ص 84 - 85 ) .
كنج نامه : أي كتاب الكنز ""
المقالة الثامنة والثلاثون حكاية 3
الأبيات من 3335 - 3344
هام أحد السادة على وجهه بعيدا عن أسرته ، وساءت حالته من عشق صبي يبيع الفقاع ، ومن فرط عشقه ، ذاعت قالة السوء عنه ،
وكانت له ممتلكات وضياع ، فباعها واشترى بثمنها الفقاع ، وعلى الرغم من تخليه عن كل ممتلكاته وترديه في الفقر ، إلا أن عشقه كان يزداد ويتضاعف ،
وعلى الرغم من توفيرهم الخبز له على الدوام ، إلا أنه كان في جوع دائم ، حيث كان شبعه من الروح دواما ،
وذلك لأنه كان يشتري فقاعا بكل ما يصله من خبز وفير ، وكان يمضي وقتا طويلا أسير الجوع ، وذلك حتى يتجرع مائة كأس من الفقاع .
وسأله سائل : أيها الحزين المضطرب ، ما هو العشق ؟ لتوضح لي سره .
فقال : هو أن تبيع مائة عالم من المتاع ، مقابل كأس واحدة من الفقاع ، وإذا لم يرق هذا العمل للآدمي ؛ فكيف يعرف العشق والألم ؟
المعشوق النشوان بحجر ، فهذا أفضل من أن تنال جوهرة من غيره ، وعلى الرجل أن يكون في مجال الطلب والانتظار ، ناثرا روحه في الطريق في كل زمان ،
وألا يسكن لحظة عن الطلب ، وألا يستريح لحظة ، وإذا وهن عزمه عن الطلب زمنا ، فهو في هذا الطريق يكون مرتدا ، عديم الأدب .
المقالة الثامنة والثلاثون حكاية 4
الأبيات من 3269 - 3273
رأى العزيزي المجنون مهموما ، حيث كان ينخل التراب في الطريق ، فقال : أيها المجنون ، عم تبحث هنا ؟
قال : أبحث عن ليلى ها هنا فقال ( العزيزي ) : وأنّى لك أن تجدها في التراب؟ ومتى كان الدر الطاهر كامنا في تراب الطريق ؟
قال : إنني أبحث عنها في كل مكان ، لعل يدي تصادفها بغتة في أي مكان .
"" يقصد بالمجنون قيس بن الملوح وهو من يعرف باسم « مجنون ليلى » وشخصيته تكاد تكون خرافية .
ويقول بروكلمان : انه توفي فيما يظن عام 70 هـ ( 689 م ) . .
انظر تاريخ الأدب ج 2 لبراون - ترجمة د . الشواربي ص 516 - 518 طبع القاهرة 1954 م . .""
المقالة الثامنة والثلاثون حكاية 5
الأبيات من 3273 - 3283
كان يوسف الهمداني إمام العصر ، كما كان عليما بأسرار الروح ، بعيد النظر .
قيل إنه كلما نظر إلى شيء من أعلى إلى أسفل ، تحولت كل ذرة فيه إلى يعقوب آخر ، يسأل عن يوسف الذي افتقده .
لابد من الألم في طريقه وكذلك الانتظار ، حتى ينقضي عمر في هذين الأمرين . وإن لا تجد لك عملا في هذين الأمرين ، فحذار أن تخلي فكرك من هذه الأسرار.
إذ لابد للرجل من الصبر في الطلب ، ومتى كان صبرك لائقا بأهل الألم ؟
ولتزد من صبرك، سواء أكنت راضيا أم لا ، فلعلك تدرك الطريق بمساعدة آخر.
أنت شبيه بطفل في بطن أمه ، فاجلس وحيدا وسط خضم الدماء ، ولا تخرج عن طبيعتك لحظة .
وإذا كان الخبز ضرورة ، فاطعم الدم لحظة ، فطعام الجنين الدم وكفى !
إنه أفضل من كل ما هو خارج البطن ، فاطعم الدم وتحمل الآلام وتذرع بالصبر كالرجال ، حتى تحقق الأيام ما تصبو إليه من آمال .
"" يوسف الهمداني : امام عالم عارف رباني ، صاحب الأحول والمواهب الجزيلة والكرامات والمقامات الجليلة .
وتوجه في البداية من همدان إلى بغداد ولزم مجلس الشيخ أبي إسحاق الشيرازي ، وعلا نجمه على كل أقرانه ، ثم تنقل بين مجالس العلم في كل من بغداد وأصفهان وسمرقند ، وأخيرا تخلى عن الكل واتخذ طريق العبادات والرياضات والمجاهدات .
توفي وهو في الطريق من هراة إلى مرو عام 335 هـ . ( انظر : نفحات الأنس لجامي ، طبع طهران ص 1336 ش : 375 - 377 ). ""
المقالة الثامنة والثلاثون حكاية 6
الأبيات من 3284 - 3300
ألمّ بشيخ مهنة ضيق عظيم ، فمضى إلى الصحراء بقلب مفعم بالألم ، وعين دامية الدمع ، فرأى من بعيد شيخا قرويا ، يسوق ثورا ، ويشع منه النور ، فاتجه صوب الشيخ وقرأه السلام ، ثم شرح له حال ضيقة بالتمام ،
وما أن سمع الشيخ ذلك ، حتى قال :
يا أبا سعيد ، إن يمتلئ العالم من الأرض المنخفضة إلى العرش المجيد بالذرة ؛ لا بكومة واحدة ، بل بمئات من الكومات ، وإن يوجد طائر يلتقط ذلك الذرة لمدة ألف عام ، وحتى ولو تكرر ذلك لأزمنة عديدة ، وجاءت مئات الطيور ، فلن تجد الروح ريحا من بابه حتى ذلك الوقت ، فلم العجلة يا أبا سعيد الآن ؟
إذ لابد من الصبر المديد للصابرين ، وليس كل طالب يتذرع بالصبر ، وإن لا ينبع الطلب من الأعماق ، فلن يظهر المسك من الدم في السرة ،
وإن ينبع من الأعماق ، فمهما كانت الأفلاك فستغوص في الدماء .
من لا طلب له ، يظل أسير الحيرة ، بل حاشي للّه أن تكون له صورة حيوان ، ومن عدم الطلب ، فهو جيفة ، وليس على قيد الحياة ، بل مجرد حائط أصم ،
وإن يصلك كنز من الجواهر ، فلتكن أكثر حماسة في الطلب ، أما من قنع بالكنز والجوهر ، فقد أسر نفسه بقيد الكنز والجوهر ، ومن تعلق بأي شيء في الطريق ؛ أصبح صنمه ذلك الشيء ، فليهنأ بصنمه ،
وإن كنت واهي اللب ضعيفا ، فسرعان ما تصبح ثملا بالشراب ، فاقدا عقلك ، فحذار !
ولا تسكر في النهاية بكأس واحدة ، بل دوام الطلب ، ما دام الطلب بلا نهاية .
"" يقصد بذلك : الشيخ أبو سعيد بن أبي الخير .""
المقالة الثامنة والثلاثون حكاية 7
الأبيات من 3301 - 3310
ذات ليلة سار محمود بلا جند ، فرأى رجلا ينخل التراب على قارعة الطريق ، وقد كوم أمامه عدة كومات من التراب ،
فما أن رآه السلطان حتى ألقى بسواره ، ألقاه وسط كومة من التراب ، ثم ساق حصانه الشبيه بالريح في السرعة ،
وفي الليلة التالية عاد محمود ، فوجده مشغولا كالبارحة ،
فقال له :إن ما عثرت عليه البارحة ، يساوي عشرة أضعاف خراج الدنيا ، فلم تعود اليوم لتنخل التراب ثانية ؟
لتكن سلطانا ، فقد أصبحت بلا فاقة .
فقال ناخل التراب له : إن ما وجدته بين التراب يعد كنزا خفيا عظيم القيمة ، فإذا كان حظي أصبح مواتيا من هذا العمل ، فلن أتخلى عنه ما دامت روحي في جسدي ،
فكن رجل هذا الباب حتى يفتح لك ، ولا تشح برأسك عن الطريق حتى يتضح لك ، وليس لك إلا إغلاق عينيك على الدوام ، وامض مجتهدا في الطلب ، فما أغلق الباب بعد .
المقالة الثامنة والثلاثون حكاية 8
الأبيات من 3311 – 3312
قال أحد الوالهين مخاطبا اللّه : إلهي ، لتفتح بابا أمامي في النهاية !
لعل رابعة كانت تجلس هناك ،
فقالت : أيها الغافل ، ومتى أغلق هذا الباب ؟
إن الباب مفتوح ، أيها الغلام ، وعليك أن توجه وجهك تجاهه وتبحث عن مرادك على الدوام .
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin