كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد بن أبي بكر إبراهيم بن أبي يعقوب إسحاق العطار النيسابوري
المقالة الرابعة والثلاثون سؤال طائر آخر الأبيات من 2872 - 2893
قال آخر له : يجول في ظني وخيالي ، أنني وصلت إلى حد الكمال ، فقد فعلت كل ما يؤدي إلى الكمال ، وأكثرت من ممارسة الرياضات الشاقة ،
فإن كنت قد حصلت على مرادي هنا ، فذهابي من هذه الدار ليس أمرا هينا ، وهل رأيت شخصا يتخلى عن كنز ، ليتحمل المشاق في الجبل والصحراء ؟ .
قال ( الهدهد ) : يا إبليس الطبع ، ويا شديد الغرور ، تخل عن أنانيتك وانفر من رغباتك ، لقد أقبلت مغرورا سابحا في خيالك ، كما أقبلت محلقا خارج فضاء المعرفة ، وسيطرت نفسك على روحك ،
وتسلط الشيطان على عقلك ، كما أصبحت أسير ظنونك ؛ إذ اكتنفتك الظنون من أولك إلى آخرك . وإن كان لك نور ، فهو نارك بالطريق ،
وإذا كان لك ذوق فهو ظنونك ، لذا فإن وجدك وذوقك ليسا أكثر من خيال ، وكل ما تقوله ليس أكثر من محال . .
لا تكن مغرورا ببريق الطريق هذا ، وطالما كانت نفسك قرينة لك فلا تكن إلا حذرا ، إذ كيف يستطيع أي شخص الجلوس آمنا ، وفي مواجهته خصم عنيد شاهر سيفه ؟
وإذا بدا لك نور نابع من النفس ، فقد ظهر الكرفس من أجل لدغة العقرب ، فلا يتملكك الغرور بهذا
النور النجس ، وإن لم تكن شمسا ، فلا تكن إلا ذرة . ولا تيأس من ظلمة الطريق ، ولا تحاول بنوره أن تتساوى مع الشمس . .
""يقال إن الكرفس تصنع منه بعد الأدوية ذات الطعم والرائحة الشديدة والنفاذة فإذا اقتربت العقرب من هذه المادة ، تأثرت برائحتها وبطعمها وأصابتها العلل والأمراض التي تودي بحياتها .
نقلا عن تعليقات محمد جواد مشكور ص 330 نقلا عن كتاب غيات اللغات.""
طالما تتردي في ظنونك أيها العزيز ، فكل جهدك لا يساوي دانقا ، وعندما تتخلى عن ظنون الوجود ، فسيبتعد عنك فرجار الوجود ، وإذا توفر لديك ظن الوجود ، فهو عدم ، ولن يكون لك من العدم إلا العدم .
وإذا كان لك أن تطمع في الوجود لحظة ، فما لك إلا الكفر وعبادة الصنم ، وإن تبد في عالم الوجود لحظة ، تصبك السهام والطعان من كل ناصية ،
وما دمت حيا ، فليتحمل جسدك آلام الروح ، وليتلق عنقك لطمات الزمن . وإن كان لك وجود في عالم الوجود ، فسيصيبك الزمن بالعديد من اللطمات .
المقالة الرابعة والثلاثون حكاية 1
الأبيات من 2894 - 2912
خرج الشيخ أبو بكر النيسابوري ، مع أصحابه من الخانقاه إلى الطريق ، وكان الشيخ يمتطي حمارا ، ومن خلفه الأصحاب ، وفجأة ضرط الحمار ، فأصيب الشيخ من هذه الضرطة بحالة هياج شديد ، وصاح بأعلى صوت ، كما مزق الأردية .
أما جميع المريدين ومن رأوه على هذه الحال ، فلم يتقبل أحدهم منه هذا العمل . ثم وجه أحدهم إليه هذا السؤال : أيها الشيخ لم فعلت في النهاية هكذا ؟
قال : كثيرا ما تحرزت وتمنعت ، ثم سلكت الطريق بمفردي بعيدا عن الأصحاب؟
وقبل أن أكون مريدا ، وبعد ذلك ، كنت أقول في نفسي . « حقا إنني لست أقل من بايزيد .
إنني اليوم أخرج إلى الطريق متبوعا بالمريدين ، وقد بدوت في أبهى زينة ، أما في الغد ، فسأكون بلا ريب ، متمتعا بالسعادة والعز ، إذ سأمضي في صحراء الحشر مرفوع الرأس .
والآن عندما فكرت هذا التفكير ، اتفق أن ضرط الحمار ، ويعني أن كل من يتشدق بهذه الطريقة ، سيجيبه الحمار هكذا على الهراء ،
واضطرمت النار في روحي حيث كان الوقت وقت حالي ، واستغرقت في الحال.
طالما كنت في عجبك وغرورك ، فستظل جد بعيد عن الحقيقة ، فتخلص من عجبك وأحرق غرورك ،
وإذا كان حضورك وليد نفسك ، فأحرق حضورك ، يا من تتلون بلون مغاير في كل لحظة ، إن في داخل كل شعرة منك فرعون آخر ،
وطالما بقيت منك ذرة واحدة ، فألوان النفاق العديدة فيك باقية ، وإذا كان لك أن تجد الأمن من الأنانية ،
فلك أن تعادي كلا العالمين ، وإن تفن نفسك ذات يوم ، فستصبح ذا بريق وضياء مهما أظلمت الليالي ، فلا تقل ( أنا ) ، يا من وقعت من الأنانية في مئات البلايا ، حتى لا تصبح بإبليس مبتليا .
المقالة الرابعة والثلاثون حكاية 2
الأبيات من 2913 - 2918
قال الحق تعالى في الخفاء لموسى ، ابحث عن رمز لدى إبليس .
فما أن رأى موسى بالطريق إبليس ، حتى بحث عن السر لديه ،
فقال له إبليس : تذكر دائما هذه العبارة ، لا تقل « أنا » حتى لا تصبح على شاكلتي ، وإن كنت متعلقا بالحياة ولو قيد شعرة ، فأنت أسير الكفر لا العبودية ،
وللطريق نهاية عمادها اليأس ، وسيتردى طيب السمعة في سوء السمعة ، لذا فمن يرغب أن يكون موفقا في هذا الطريق ، عليه أن يحطم الأنانية في لحظة واحدة .
المقالة الرابعة والثلاثون حكاية 3
الأبيات من 2919 - 2925
قال أحد المتقين : الأفضل للمبتدىء أن يتردد في الظلمة ، ثم يفني كلية في بحر الجود بعد أن يتخلى عن كل قيد في الوجود . وذلك لأنه إن يظهر عليه شيء ، يتملكه الغرور ، وفي ذلك الوقت يصبح كافرا .
كل ما لديك من حسد وغضب ، تراه أعين الناس ، لا عينك أنت وفي داخلك موقد حمام مليء بالتنانين ، ولكنها في غفلتك انطلقت من جحرها ،
وكنت طوال الليل والنهار تربيها ، كما كنت مفتونا بأكلها ونومها ، فإن كنت ترى سوء طويتك ، فلم كنت تجلس هكذا غافلا ؟
المقالة الرابعة والثلاثون حكاية 4
الأبيات من 2926 - 2931
مر كلب نجس بأحد الشيوخ ، فلم يتحرز الشيخ من ذلك ، فسأله سائل : يا عظيم الطهر ، لم لم تحترز من الكلب ؟
قال : يبدو هذا الكلب في الظاهر نجسا ، ولكنه في الباطن لا يبدو لي هكذا ، فذلك الذي له في الظاهر عيان ، له خفي في الباطن ،
وما في دخيلتي مثل ما للكلب في ظاهره ، فكيف أهرب منه وهو ملازمي .
مهما كانت النجاسة قليلة في داخلك ، فهذه القلة تساوي مائة نجاسة بلا غش ، وإذا قطع شيء تافه عليك الطريق ، فسواء بالنسبة لك أن كان شيئا عظيما أو تافها .
المقالة الرابعة والثلاثون حكاية 5
الأبيات من 2945– 2932
وجد عابد في عهد موسى الكليم ، وكان مشغولا بالعبادة ، والقيام بالليل والنهار على الدوام ، ولكنه لم يدرك ذرة ذوق واحدة أو توفيق ،
ولم يدرك صدره ضوءا من نور الشمس ، وكانت لهذا الرجل العابد لحية كبيرة ، وكان يمشطها من آن إلى آن .
ما أن رأى العابد موسى من بعيد ، حتى أقبل صوبه قائلا : يا عظيم الطور استحلفك باللّه ، أن تسأل لي الحق سؤالا ، وهو لماذا لا يكون لي ذوق أو حال ؟
وأخيرا عندما صعد موسى جبل الطور ، أعاد توجيه هذا السؤال ،
فقال الحق : كف عن السؤال ، فمتى كان من أصبح مسكينا بسبب آلام وصلنا ، مشغولا بلحيته على الدوام ؟
جاء موسى ، وأخبره مضمون القصة ، فنتف العابد لحيته وانهمر في البكاء ، ولكن جبريل سارع بالمجيء إلى موسى قائلا : إنه مشغول بلحيته في هذا الوقت أيضا ، فهو عندما يزين لحيته ، يكون أسير الاضطراب ، وعندما ينتف لحيته ، فهو مشغول باللحية كذلك .
إخراج زفرة واحدة بدونه خطأ وأي خطأ ، سواء كنت بسببه في اضطراب أو سعادة . يا من لم تفرغ من لحيتك ؛ لقد غرقت في خضم بحار الدماء الواسعة ، إن تتحرر من لحيتك أولا ،
سيصدق عزمك في هذا الخضم ، وإن تسلك هذا الخضم في معية لحيتك ، فسرعان ما تفنى بسبب لحيتك .
المقالة الرابعة والثلاثون حكاية 6
الأبيات من 2959- 2946
كان لذلك الأبله لحية كثة ، وفجأة سقط في مياه البحر ، فرآه رجل فاضل يقف على الشاطى ، فقال له : اطرح المخلاة عن رأسك ، قال :
إنها ليست مخلاة ، بل لحيتي ، إنها ليست لحية ، بل سبب اضطرابي .
قال الرجل : أحسنت ، لك اللحية ولك الأمر ! فاطرح الجسد ، إذ سيصيبك بالألم والتحسر .
يا شبيها بالتيس ، ألا تخجل من لحيتك ؟
لتحلق لحيتك ، ألا تستحي ؟
وما دامت لك نفس وشيطان ، ففي داخلك فرعون وهامان ، وتخل عن لحيتك كما تخلى موسى عن الدنيا ، ثم أمسك بلحية فرعون ، وعاركه في تجاذب اللحى عراك الرجال .
اسلك الطريق وتخل عن اللحية ، وامض قدما فإلام تهتم باللحية ؟
إذا كانت اللحية تصيبك دواما بالاضطراب ، فلا ينبغي أن تهتم بها لحظة .
ومن لا يملك مشطا للحيته ، يكن حصيفا في طريق الدين ، فكن حذرا من لحيتك ، بل اجعلها مفرشا لخوان الطريق ،
ولن تدركه إلا بالدمع المنهمر ، ولن تدركه إلا بحرقة القلب ، فلن يرى أحد
الشمس ، حتى ولو كان غسالا ، ولن يرى أحد صفحة الماء ، حتى ولو كان دهقانا
المقالة الرابعة والثلاثون حكاية 7
الأبيات من 2965 - 2960
كان أحد الصوفية كلما غسل ثوبه بين الجين والحين ، اكفهر وجه العالم وتكاثر السحاب ، وذات مرة ازداد الثوب اتساخا ، كما بدا السحاب وقد أصيب بالعديد من الهموم ، وما أن توجه الصوفي صوب البقال لشراء الصابون ، حتى تلبد الجو في الحال بالغيوم ؛
فقال :لم بدوت أيها الغمام ؟ امض ، فإنني ذاهب لأشتري زبيبا .
إنني اشتري الزبيب ولست أشتري الصابون ، فلم تأت ؟
كم من صابون تساقط مني على الأرض بسببك ؟
وها قد غسلت يدي بالصابون ، فأنا أطهر منك.
المقالة الرابعة والثلاثون سؤال طائر آخر الأبيات من 2872 - 2893
قال آخر له : يجول في ظني وخيالي ، أنني وصلت إلى حد الكمال ، فقد فعلت كل ما يؤدي إلى الكمال ، وأكثرت من ممارسة الرياضات الشاقة ،
فإن كنت قد حصلت على مرادي هنا ، فذهابي من هذه الدار ليس أمرا هينا ، وهل رأيت شخصا يتخلى عن كنز ، ليتحمل المشاق في الجبل والصحراء ؟ .
قال ( الهدهد ) : يا إبليس الطبع ، ويا شديد الغرور ، تخل عن أنانيتك وانفر من رغباتك ، لقد أقبلت مغرورا سابحا في خيالك ، كما أقبلت محلقا خارج فضاء المعرفة ، وسيطرت نفسك على روحك ،
وتسلط الشيطان على عقلك ، كما أصبحت أسير ظنونك ؛ إذ اكتنفتك الظنون من أولك إلى آخرك . وإن كان لك نور ، فهو نارك بالطريق ،
وإذا كان لك ذوق فهو ظنونك ، لذا فإن وجدك وذوقك ليسا أكثر من خيال ، وكل ما تقوله ليس أكثر من محال . .
لا تكن مغرورا ببريق الطريق هذا ، وطالما كانت نفسك قرينة لك فلا تكن إلا حذرا ، إذ كيف يستطيع أي شخص الجلوس آمنا ، وفي مواجهته خصم عنيد شاهر سيفه ؟
وإذا بدا لك نور نابع من النفس ، فقد ظهر الكرفس من أجل لدغة العقرب ، فلا يتملكك الغرور بهذا
النور النجس ، وإن لم تكن شمسا ، فلا تكن إلا ذرة . ولا تيأس من ظلمة الطريق ، ولا تحاول بنوره أن تتساوى مع الشمس . .
""يقال إن الكرفس تصنع منه بعد الأدوية ذات الطعم والرائحة الشديدة والنفاذة فإذا اقتربت العقرب من هذه المادة ، تأثرت برائحتها وبطعمها وأصابتها العلل والأمراض التي تودي بحياتها .
نقلا عن تعليقات محمد جواد مشكور ص 330 نقلا عن كتاب غيات اللغات.""
طالما تتردي في ظنونك أيها العزيز ، فكل جهدك لا يساوي دانقا ، وعندما تتخلى عن ظنون الوجود ، فسيبتعد عنك فرجار الوجود ، وإذا توفر لديك ظن الوجود ، فهو عدم ، ولن يكون لك من العدم إلا العدم .
وإذا كان لك أن تطمع في الوجود لحظة ، فما لك إلا الكفر وعبادة الصنم ، وإن تبد في عالم الوجود لحظة ، تصبك السهام والطعان من كل ناصية ،
وما دمت حيا ، فليتحمل جسدك آلام الروح ، وليتلق عنقك لطمات الزمن . وإن كان لك وجود في عالم الوجود ، فسيصيبك الزمن بالعديد من اللطمات .
المقالة الرابعة والثلاثون حكاية 1
الأبيات من 2894 - 2912
خرج الشيخ أبو بكر النيسابوري ، مع أصحابه من الخانقاه إلى الطريق ، وكان الشيخ يمتطي حمارا ، ومن خلفه الأصحاب ، وفجأة ضرط الحمار ، فأصيب الشيخ من هذه الضرطة بحالة هياج شديد ، وصاح بأعلى صوت ، كما مزق الأردية .
أما جميع المريدين ومن رأوه على هذه الحال ، فلم يتقبل أحدهم منه هذا العمل . ثم وجه أحدهم إليه هذا السؤال : أيها الشيخ لم فعلت في النهاية هكذا ؟
قال : كثيرا ما تحرزت وتمنعت ، ثم سلكت الطريق بمفردي بعيدا عن الأصحاب؟
وقبل أن أكون مريدا ، وبعد ذلك ، كنت أقول في نفسي . « حقا إنني لست أقل من بايزيد .
إنني اليوم أخرج إلى الطريق متبوعا بالمريدين ، وقد بدوت في أبهى زينة ، أما في الغد ، فسأكون بلا ريب ، متمتعا بالسعادة والعز ، إذ سأمضي في صحراء الحشر مرفوع الرأس .
والآن عندما فكرت هذا التفكير ، اتفق أن ضرط الحمار ، ويعني أن كل من يتشدق بهذه الطريقة ، سيجيبه الحمار هكذا على الهراء ،
واضطرمت النار في روحي حيث كان الوقت وقت حالي ، واستغرقت في الحال.
طالما كنت في عجبك وغرورك ، فستظل جد بعيد عن الحقيقة ، فتخلص من عجبك وأحرق غرورك ،
وإذا كان حضورك وليد نفسك ، فأحرق حضورك ، يا من تتلون بلون مغاير في كل لحظة ، إن في داخل كل شعرة منك فرعون آخر ،
وطالما بقيت منك ذرة واحدة ، فألوان النفاق العديدة فيك باقية ، وإذا كان لك أن تجد الأمن من الأنانية ،
فلك أن تعادي كلا العالمين ، وإن تفن نفسك ذات يوم ، فستصبح ذا بريق وضياء مهما أظلمت الليالي ، فلا تقل ( أنا ) ، يا من وقعت من الأنانية في مئات البلايا ، حتى لا تصبح بإبليس مبتليا .
المقالة الرابعة والثلاثون حكاية 2
الأبيات من 2913 - 2918
قال الحق تعالى في الخفاء لموسى ، ابحث عن رمز لدى إبليس .
فما أن رأى موسى بالطريق إبليس ، حتى بحث عن السر لديه ،
فقال له إبليس : تذكر دائما هذه العبارة ، لا تقل « أنا » حتى لا تصبح على شاكلتي ، وإن كنت متعلقا بالحياة ولو قيد شعرة ، فأنت أسير الكفر لا العبودية ،
وللطريق نهاية عمادها اليأس ، وسيتردى طيب السمعة في سوء السمعة ، لذا فمن يرغب أن يكون موفقا في هذا الطريق ، عليه أن يحطم الأنانية في لحظة واحدة .
المقالة الرابعة والثلاثون حكاية 3
الأبيات من 2919 - 2925
قال أحد المتقين : الأفضل للمبتدىء أن يتردد في الظلمة ، ثم يفني كلية في بحر الجود بعد أن يتخلى عن كل قيد في الوجود . وذلك لأنه إن يظهر عليه شيء ، يتملكه الغرور ، وفي ذلك الوقت يصبح كافرا .
كل ما لديك من حسد وغضب ، تراه أعين الناس ، لا عينك أنت وفي داخلك موقد حمام مليء بالتنانين ، ولكنها في غفلتك انطلقت من جحرها ،
وكنت طوال الليل والنهار تربيها ، كما كنت مفتونا بأكلها ونومها ، فإن كنت ترى سوء طويتك ، فلم كنت تجلس هكذا غافلا ؟
المقالة الرابعة والثلاثون حكاية 4
الأبيات من 2926 - 2931
مر كلب نجس بأحد الشيوخ ، فلم يتحرز الشيخ من ذلك ، فسأله سائل : يا عظيم الطهر ، لم لم تحترز من الكلب ؟
قال : يبدو هذا الكلب في الظاهر نجسا ، ولكنه في الباطن لا يبدو لي هكذا ، فذلك الذي له في الظاهر عيان ، له خفي في الباطن ،
وما في دخيلتي مثل ما للكلب في ظاهره ، فكيف أهرب منه وهو ملازمي .
مهما كانت النجاسة قليلة في داخلك ، فهذه القلة تساوي مائة نجاسة بلا غش ، وإذا قطع شيء تافه عليك الطريق ، فسواء بالنسبة لك أن كان شيئا عظيما أو تافها .
المقالة الرابعة والثلاثون حكاية 5
الأبيات من 2945– 2932
وجد عابد في عهد موسى الكليم ، وكان مشغولا بالعبادة ، والقيام بالليل والنهار على الدوام ، ولكنه لم يدرك ذرة ذوق واحدة أو توفيق ،
ولم يدرك صدره ضوءا من نور الشمس ، وكانت لهذا الرجل العابد لحية كبيرة ، وكان يمشطها من آن إلى آن .
ما أن رأى العابد موسى من بعيد ، حتى أقبل صوبه قائلا : يا عظيم الطور استحلفك باللّه ، أن تسأل لي الحق سؤالا ، وهو لماذا لا يكون لي ذوق أو حال ؟
وأخيرا عندما صعد موسى جبل الطور ، أعاد توجيه هذا السؤال ،
فقال الحق : كف عن السؤال ، فمتى كان من أصبح مسكينا بسبب آلام وصلنا ، مشغولا بلحيته على الدوام ؟
جاء موسى ، وأخبره مضمون القصة ، فنتف العابد لحيته وانهمر في البكاء ، ولكن جبريل سارع بالمجيء إلى موسى قائلا : إنه مشغول بلحيته في هذا الوقت أيضا ، فهو عندما يزين لحيته ، يكون أسير الاضطراب ، وعندما ينتف لحيته ، فهو مشغول باللحية كذلك .
إخراج زفرة واحدة بدونه خطأ وأي خطأ ، سواء كنت بسببه في اضطراب أو سعادة . يا من لم تفرغ من لحيتك ؛ لقد غرقت في خضم بحار الدماء الواسعة ، إن تتحرر من لحيتك أولا ،
سيصدق عزمك في هذا الخضم ، وإن تسلك هذا الخضم في معية لحيتك ، فسرعان ما تفنى بسبب لحيتك .
المقالة الرابعة والثلاثون حكاية 6
الأبيات من 2959- 2946
كان لذلك الأبله لحية كثة ، وفجأة سقط في مياه البحر ، فرآه رجل فاضل يقف على الشاطى ، فقال له : اطرح المخلاة عن رأسك ، قال :
إنها ليست مخلاة ، بل لحيتي ، إنها ليست لحية ، بل سبب اضطرابي .
قال الرجل : أحسنت ، لك اللحية ولك الأمر ! فاطرح الجسد ، إذ سيصيبك بالألم والتحسر .
يا شبيها بالتيس ، ألا تخجل من لحيتك ؟
لتحلق لحيتك ، ألا تستحي ؟
وما دامت لك نفس وشيطان ، ففي داخلك فرعون وهامان ، وتخل عن لحيتك كما تخلى موسى عن الدنيا ، ثم أمسك بلحية فرعون ، وعاركه في تجاذب اللحى عراك الرجال .
اسلك الطريق وتخل عن اللحية ، وامض قدما فإلام تهتم باللحية ؟
إذا كانت اللحية تصيبك دواما بالاضطراب ، فلا ينبغي أن تهتم بها لحظة .
ومن لا يملك مشطا للحيته ، يكن حصيفا في طريق الدين ، فكن حذرا من لحيتك ، بل اجعلها مفرشا لخوان الطريق ،
ولن تدركه إلا بالدمع المنهمر ، ولن تدركه إلا بحرقة القلب ، فلن يرى أحد
الشمس ، حتى ولو كان غسالا ، ولن يرى أحد صفحة الماء ، حتى ولو كان دهقانا
المقالة الرابعة والثلاثون حكاية 7
الأبيات من 2965 - 2960
كان أحد الصوفية كلما غسل ثوبه بين الجين والحين ، اكفهر وجه العالم وتكاثر السحاب ، وذات مرة ازداد الثوب اتساخا ، كما بدا السحاب وقد أصيب بالعديد من الهموم ، وما أن توجه الصوفي صوب البقال لشراء الصابون ، حتى تلبد الجو في الحال بالغيوم ؛
فقال :لم بدوت أيها الغمام ؟ امض ، فإنني ذاهب لأشتري زبيبا .
إنني اشتري الزبيب ولست أشتري الصابون ، فلم تأت ؟
كم من صابون تساقط مني على الأرض بسببك ؟
وها قد غسلت يدي بالصابون ، فأنا أطهر منك.
12/9/2024, 18:39 من طرف Admin
» كتاب اللطف الخفي في شرح رباعيات الجعفي - الشيخ عبد العزيز الجعفي الشاذلي
12/9/2024, 18:25 من طرف Admin
» كتاب: نقض كتاب تثليث الوحدانية للإمام أحمد القرطبي
12/9/2024, 18:23 من طرف Admin
» كتاب: الشيخ سيدي محمد الصوفي كما رأيته و عرفته تأليف تلميذه الأستاذ عتو عياد
12/9/2024, 18:21 من طرف Admin
» كتاب تجلّيّات السَّادات ، مخطوط نادر جدا للشيخ محمد وفا الشاذلي
12/9/2024, 18:15 من طرف Admin
» كتاب: النسوة الصوفية و حِكمهن ـ قطفها أحمد بن أشموني
12/9/2024, 18:13 من طرف Admin
» كتاب: مرآة العرفان و لبه شرح رسالة من عرف نفسه فقد عرف ربه ـ ابن عربي
12/9/2024, 18:09 من طرف Admin
» كتاب: إتحاف أهل العناية الربانية في اتحاد طرق أهل الله وإن تعددت مظاهرها - للشيخ فتح الله بناني
12/9/2024, 18:06 من طرف Admin
» كتاب: مجموع الرسائل الرحمانية ـ سيدي محمد بن عبد الرحمن الأزهري
12/9/2024, 18:04 من طرف Admin
» كتاب: المواقف الإلهية للشيخ قضيب البان و يليه رسالة تحفة الروح و الأنس ورسالة الأذكار الموصلة إلى حضرة الأنوار للبلاسي
12/9/2024, 18:00 من طرف Admin
» كتاب: مجالس شيخ الإسلام سيدي عبد القادر الجيلاني المسماة جلاء الخواطر
12/9/2024, 17:55 من طرف Admin
» كتاب: كيف أحفظ القرآن الكريم ـ للشيخ السيد البلقاسي
12/9/2024, 14:40 من طرف Admin
» كتاب: الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية تفسير القرآن العظيم ـ للإمام سليمان الصرصري
12/9/2024, 14:20 من طرف Admin
» كتاب: تربيع المراتب و الأصول .. نتائج أفكار الفحول من أرباب الوصول للشيخ إبراهيم البثنوي
11/9/2024, 18:44 من طرف Admin
» كتاب: الوصول إلى معاني وأسرار القول المقبول ـ للشيخ عبد القادر بن طه دحاح البوزيدي
11/9/2024, 18:42 من طرف Admin