كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد بن أبي بكر إبراهيم بن أبي يعقوب إسحاق العطار النيسابوري
المقالة السادسة والثلاثون سؤال طائر آخر الأبيات من 3024 - 3030
قال له آخر : يا قائد الطريق ، ماذا أطلب منه ، إن أصل إلى أعتابه ؟
وعندما تشرق الدنيا أمامي بفضله ، فلا أعرف ماذا أطلب منه، فإن تبصرني بأفضل شيء ، أطلبه منه عندما أصل إليه .
قال « الهدهد » : أيها الجاهل ، أنت لست عالما به ، فإن ترغب في شيء ، اطلبه منه . ومن يحظ بنفحة من أريج تراب داره ، كيف يرتد عن داره مقابل رشوة ؟
وكل من يحظى بالمثول في خلوته ، يحظى بالمعرفة ، فالأفضل للرجل أن يطلب المعرفة ، لأنها أفضل من أي شيء يطلبه .
فإن وجدت المعرفة منه في كل العالم ، فإنك ستطلب منه ما تريد أن تعرفه . .
المقالة السادسة والثلاثون حكاية 1
الأبيات من 3044 - 3031
عندما حانت وفاة أبي علي الرودباري ، قال : وقفت روحي على شفتي انتظارا للرحيل ، ففتحت أبواب السماء على مصراعيها ، ووضع لي مسند في الجنة ، كما غنى الملائكة بأعذب الألحان وصاحوا :
"أقبل أيها العاشق ، وألهج بالشكر ، ثم سر متبخترا سعيدا ، فما رأى أحد قط هذا المقام " .
ومع كل هذا الإنعام وذلك التوفيق ، فإن روحي لا يد طولى لها في التحقيق . .
لذا كان يقول دائما : لم أبقيتني عمرا طويلا في خضم هذا العمل ، وأطلت انتظاري ؟
إنني لست واهنا حتى أطأطىء الهامة كأهل الشهوة أمام أقل رشوة . فقد امتزج عشقك بروحي ، لذا لا علم لي بالنار ولا بالجنة .
وإن تحرقني كالرماد ، فلن يكون لي معين آخر غيرك ، وأنا أعرفك أنت ، ولا علم لي بالدين أو الكفر ، ولن أحيد عن ذلك ، وأنت ما أعرف ، وأنت مني بمثابة الروح ، وروحي خالصة لك .
وأنت حاجتي في كلا العالمين ، وأنت دنياي في الأولى والآخرة ، فحقق لهذا القلب الرقيق كالشعرة حاجته ، وكن معي على وفاق ،
ولو للحظة ، وإن ترتفع روحي فمن أجلك ، وليس تحررها مني إلا أملا في وصالك . .
"" الرودباري : اسمه أحمد بن محمد بن القاسم بن المنصور من أبناء رؤساء الوزراء ، ويصل نسبه حتى كسرى استمع إلى الجنيد ذات مرة في المسجد فتخلى عن كل ما يملك وانقطع للطريق ، حفظ الحديث كما كان عالما فقيها وإماما وسيد قومه ، حتى قال أبو علي الكاتب عنه : ما رأيت أجمع لعلم الشريعة الحقيقية من أبي علي الرودباري رحمة اللّه عليه .
أقام في مصر واعتبر شيخ شيوخها . توفي عام 321 هـ.
( انظر : نفحات الأنس لجامي س : 200 - 203 ) .""
المقالة السادسة والثلاثون حكاية 2
الأبيات من 3045- 3056
قال الحق تعالى : يا داود الطاهر ، قل لعبادي : يا حفنة التراب ، إن لم تكن لي جنة أو نار ، لما كانت العبودية مستهجنة لدي .
ولو انعدم النور والنار ، لما كان لكم أي عمل معي ، ولأنني أستحق هذه المنزلة الرفيعة ، فأنتم تعبدونني لا رغبة ولا رهبة ،
وإذا لم يكن الرجاء والخوف يكمنان خلف ذلك ، فكيف يكون لكم معي أي صلة بعد ذلك ؟
وما دمت أنا الإله ، فجدير بكم عبادتي بأرواحكم على الدوام .
أيها العبد ، كف يدك عن الغير ، واعبدني بكل استحقاق وتقدير ، واطرح بعيدا كل ما عداني ، وحطم كل ما تطرح ،
وبعد أن تحطم كل العلائق تخلص منها وأحرقها ، ثم اجمع رمادها ذات يوم وانثره ، حتى لا تبقى رياح الحق لها أي أثر ،
وإذا فعلت ذلك فسيخرج لك من بين الرماد ما تطلبه ، أما إن كنت مشغولا بالخلد والحور ، فاعلم يقينا بأنها أبعدتك عن نفسك .
المقالة السادسة والثلاثون حكاية 3
الأبيات من 3057 - 3081
نادى محمود اياز ، وأجلسه على عرشه ونصبه ملكا ،
وقال : منحتك الملك كما أن الجند لك ، فكن ملكا ، فهذا الإقليم لك ، إنني أرغب في أن تكون سلطانا وتسيطر على البر والبحر .
ما أن سمع الجند هذا القول ، حتى اكفهرت عينا كل واحد منهم حسدا وغيرة ، وقالوا : ما احترم سلطان غلاما في الدنيا هكذا مطلقا .
أما اياز فقد انخرط في بكاء كله حرقة من فعلة السلطان هذه ،
فقال له الجميع : هل أصابك مس من الجنون ؟
أم أنك جاهل خرب العقل ؟
لقد وصلت إلى مرتبة السلطنة أيها الغلام ، فلم هذا البكاء ؟
يجب أن يعمك الفرح والسرور . وفي الحال أجابهم اياز قائلا :
كم أنتم عن طريق الصواب بعيدون ، ولستم مدركين أن سلطان الجميع قد أقصاني بعيدا عنه ، فقد أعطاني منصبا حتى أشغل بالجند بعيدا عنه ،
فلن أغيب عنه لحظة واحدة ، حتى ولو جعل ملك الدنيا بأسرها تحت إمرتي ، وكل ما يأمر به يمكنني تنفيذه ، إلا أن أبعد عنه لحظة ، وماذا أصنع بملكه ، فكفاني طلعته من ملك .
إن كنت طالبا وللّه عارفا ، فتعلم كيف تكون العبودية من اياز .
ويا من بقيت في خمولك ليلا ونهارا ، وبقيت أسير خطوتك الأولى ، في كل ليلة تتنزل عليك اللعنات من اللّه يا أبا الفضول .
إنك كمن لا خلاق له حيث لا تتقدم خطوة من مكانك لا بالليل ولا بالنهار ، لقد جئت من أوج العزة ، ولكنك تقهقرت إلى الوراء ، ملتزما حد الاحتراز .
وا أسفا ، إنك لست خليقا بهذا ، وإلى من تستطيع التحدث عن هذه الآلام في النهاية ؟
وما دامت الجنة والنار ماثلتين في طريقك ، فأنّى لروحك أن تدرك هذا السر ؟
ولكنك إن تخرج من كلا العالمين تماما ، فسيشرق صبح هذا الحظ من بين ظلمة الليل ، وليست الجنة من نصيب هؤلاء الأصحاب ،
وإنما هي للعليين أولى الألباب ، فأسرع بالتخلص من الخمول في هذا وذاك ، وامض ولا تعلق قلبك بهذا ، وروحك بذاك.
وإذا عبرت كلا العالمين بمفردك ، فستكون شبيها بالرجال حتى ولو تكون امرأة ؛ وستكون جديرا برؤيته دواما ، كما تكون في قربه صباح مساء .
المقالة السادسة والثلاثون حكاية 4
الأبيات من 3082 - 3089
كانت رابعة تقول : يا عليما بالأسرار ، لتسهل أمور الأعداء في الدنيا ، أما الأصدقاء ، فامنحهم الآخرة على الدوام .
وذلك لأني أتحرر من كلا الاثنين على الدوام ، وإن كنت قد أفلست من الدنيا والآخرة ، فإن غمي يتلاشى إن أصبح أنيستك ولو للحظة ، ويكفيني هذا الإفلاس منك ، إذ أنك تكفيني على الدوام وحدك .
وكم أكون كافرة إن أنظر صوب كلا العالمين ، أو أن أطلب شيئا سواك .
إنه للكل والكل له ، والبحار السبعة تحت قنطرته ، وكل ما كان ، وما سيكون ، له شبيه إلا اللّه العزيز ،
وكل ما تبحث عنه ، تجد له نظيرا إلا هو ، فهو دائم بلا نظير ، ولابد من وجوده هو .
المقالة السادسة والثلاثون حكاية 5
الأبيات من 3090 - 3099
وجه خالق الآفاق من فوق الحجاب ، إلى داود النبي هذا الخطاب ، فقد قال : كل شيء في هذه الدنيا ، سواء أكان حسنا أم قبيحا أو كان ظاهرا أم باطنا ، له عوض إلا أنا ،
فلن تجد لي عوضا ولا قرينا . ولما كنت بلا عوض فلا تكن بدوني ، ويكفيني روحك ، فكن روحا ولا تكن جسدا ، وأنت ، أيها الأسير ،
لا غنى لك عني مطلقا ، فلا تكن غافلا عمن هو واجب الوجود ، ولا تطالب بالبقاء لروحك ولو للحظة بدوني ، وكل ما يعرض أمامك غيري ، لا تطلبه .
يا من أقبلت طالبا الدنيا ، ستظل مشغولا بآلام هذا العمل ليلا ونهارا ، إنه مقصودك في كلا العالمين ، كما أنه معبودك من قبيل الامتحان ،
وأجبك أن تبيع الدنيا الفانية ، لا أن تبيعه مقابل أي شيء في هذه الفانية ، وصنم كل ما تفضله عليه ، وكافر أنت إن تفضل الروح عليه .
المقالة السادسة والثلاثون حكاية 7
الأبيات من 3116 - 3100
وجد عسكر محمود في معبد سومنات ، ذلك الصنم المعروف باسم اللات .
وقد هب الهنود من أجل الصنم ، وطلبوا دفع دية له تساوي وزنه ذهبا ، ولكن السلطان رفض بيعه بأي ثمن، وأشعل فيه النار ، وأحرقه في الحال.
فقال له الجميع ؛ لا يجب إحراقه ، بل يجب بيعه ، لأن الذهب أفضل منه؛ فقال:
كم أخشى أن يقول الخالق ، أمام الجميع يوم الحساب ، أصغوا جميعا إلى آزر ومحمود، فذاك ناحت الصنم ، وهذا بائعه .
وما أن أشعل محمود النار حتى أحرق صنم عبّاد النار ، وتساقط من داخله عشرون منّا في الذهب ، وهكذا نال ما عرض عليه بلا مشقة أو عوض ،
فقال السلطان : هذا الإحراق يليق باللات ، أما هذه المكافأة فنعمة من اللّه .
لتحطم كل ما تملك من أصنام ، حتى تجد بحارا من الجواهر عوضا عنها ،
وأحرق نفسك الشبيهة بالصنم ، شوقا إلى المحبوب ،
فما أكثر الجواهر التي ستتساقط من جرابها ، وإذا ما ترامى إلى أذن الروح صوت ألست ، فلا تقصر في التصديق ، واجعل عهد ألست ماثلا أمامك ، ولا تشح عن « بلى » أكثر من هذا .
إن كنت أقررت به أولا ، فكيف يصح الإنكار به بعد ذلك ؟
ويا من أقررت بـ « أَلَسْتُ بربكم »أولا ، أتنكر ألست آخرا ؟
وإن كنت قد عقدت ميثاقا أولا ، فكيف تصبح عاقا أخيرا ، إنه لا غنى لك عنه ، فكن ملازما له على الدوام ، وكن وفيا لكل ما قطعت من وعود ، ولا تكن ناشزا معوجا . .
"" سومنات : أكبر أصنام الهند ، حرص الهنود على ألا يحطمه محمود الغزنوي ولكن محمودا صمم على تحطيمه لأنهم كانوا يعتقدون أن جميع الأصنام التي حطمها محمود تم تحطيمها لأن سومنات غاضب عليها ، فتقدم محمود بجيش كثيف العدد والعدة ، وعندما أدرك الهنود أن محمودا منتصر لا محالة ، عرضوا عليه الكثير من الذهب والأموال ولكنه رفضها ، وشدد من حصاره حتى تغلب على الهنود وحطم سومنات فوجد بداخله من الذهب أضعاف ما عرضه الهنود وبذلك حقق نصرا دينيا ودنيويا عظيما ، وكان ذلك عام 416 هـ.
( راجع ابن الأثير ، حوادث عام 416 هـ).""
المقالة السادسة والثلاثون حكاية 8
الأبيات من3117 - 3138
قيل ، عندما تقدم محمود شيخ الملوك ، من غزنين قاصدا محاربة الهنود ، رأى جيشا عظيما للهنود ،
فامتلأ قلبه بالغم من هذا الحشد ، ونذر السلطان العادل في ذلك اليوم نذرا ؛
حيث قال : إن أظفر بهذا الجيش ، فكل غنيمة اغتنمها في هذا المكان ، سأوزعها كلها على فقراء الطريق . .
في النهاية أدرك السلطان النصر ، وأحاط بغنائم تفوق الحصر ، فكل جزء واحد من الغنيمة ، فاق كل ما يجول بخاطر أي حكيم مائة مرة ،
وما أن غنموا غنائم تفوق كل الحدود ، ولحقت الهزيمة بأولئك السود ،
حتى قال السلطان لأحد معاونيه في الحال : احمل هذه الغنائم للفقراء والمساكين ، حيث نذرت ذلك للحق منذ البداية ، وذلك لأكون صادقا في عهدي وفيا به . .
قال الجميع : كيف يمكن إعطاء هذا الذهب الوفير وذلك المال الكثير لحفنة من الصعاليك ؟ .
إما أن تعطيها للجنود حتى يكفوا عن الغضب ، وإما أن توضع في الخزانة .
ظل السلطان يفكر مليا في ذلك وتملكته الحيرة بين هذا وذاك ، وكان أبو الحسين رجلا حكيما ، كما كان ولها مجذوبا .
وكان يمر بين الجند فما أن رآه السلطان من بعيد ،
حتى قال : إنني أطلب استدعاء هذا المجذوب ، لأسأله ، وسأفعل ما يفتي به .
فهو متحرر من السلطان والجند ، وما يقوله سيكون بعيدا عن الأغراض ، وهكذا استدعى السلطان الرجل المجذوب ، وطرح القصة عليه أمام الجمع .
قال المجذوب : أيها السلطان ، فقد وصل أمرك إلى هذه الديار بدانقين ، فإن ترغب في ألا تكون على صلة به ، فلا تفكر في هذين الدانقين أيها العزيز ، وإن ترغب في أن يكون لك به صلة مرة أخرى ،
فلا تقلل من أمر الدانقين بعد ذلك ، وليتملكك الخجل . وإذا كان الحق قد نصرك ، وجعل أمرك موفقا ، فقد فعل ما خصه ، فأين ما يخصك أنت ؟
وفي النهاية نثر محمود ذلك الذهب ، وفي النهاية أصبح محمود ذلك السلطان الموفق .
"" أبو الحسين : لعله شيخ الشيوخ أبو الحسين أحمد بن محمد بن جعفر النيسابوري المعروف بابن سالبه ، وكان من كبار مشايخ الصوفية في فارس في أواخر القرن الرابع الهجري وأوائل القرن الخامس توفي عام 415 هـ ( مما يجعله معاصرا للسلطان محمود الغزنوي 387 - 421 هـ ) ودفن في بيضاء فارس .انظر : شد الإزار في حط الأوزار عن زوار المزار . معين الدين أبو قاسم جنيد الشيرازي ، تصحيح محمد قزويني وعباس اقبال طهران 1247 هـ . حواشي ، ص 476 .""
المقالة السادسة والثلاثون سؤال طائر آخر الأبيات من 3024 - 3030
قال له آخر : يا قائد الطريق ، ماذا أطلب منه ، إن أصل إلى أعتابه ؟
وعندما تشرق الدنيا أمامي بفضله ، فلا أعرف ماذا أطلب منه، فإن تبصرني بأفضل شيء ، أطلبه منه عندما أصل إليه .
قال « الهدهد » : أيها الجاهل ، أنت لست عالما به ، فإن ترغب في شيء ، اطلبه منه . ومن يحظ بنفحة من أريج تراب داره ، كيف يرتد عن داره مقابل رشوة ؟
وكل من يحظى بالمثول في خلوته ، يحظى بالمعرفة ، فالأفضل للرجل أن يطلب المعرفة ، لأنها أفضل من أي شيء يطلبه .
فإن وجدت المعرفة منه في كل العالم ، فإنك ستطلب منه ما تريد أن تعرفه . .
المقالة السادسة والثلاثون حكاية 1
الأبيات من 3044 - 3031
عندما حانت وفاة أبي علي الرودباري ، قال : وقفت روحي على شفتي انتظارا للرحيل ، ففتحت أبواب السماء على مصراعيها ، ووضع لي مسند في الجنة ، كما غنى الملائكة بأعذب الألحان وصاحوا :
"أقبل أيها العاشق ، وألهج بالشكر ، ثم سر متبخترا سعيدا ، فما رأى أحد قط هذا المقام " .
ومع كل هذا الإنعام وذلك التوفيق ، فإن روحي لا يد طولى لها في التحقيق . .
لذا كان يقول دائما : لم أبقيتني عمرا طويلا في خضم هذا العمل ، وأطلت انتظاري ؟
إنني لست واهنا حتى أطأطىء الهامة كأهل الشهوة أمام أقل رشوة . فقد امتزج عشقك بروحي ، لذا لا علم لي بالنار ولا بالجنة .
وإن تحرقني كالرماد ، فلن يكون لي معين آخر غيرك ، وأنا أعرفك أنت ، ولا علم لي بالدين أو الكفر ، ولن أحيد عن ذلك ، وأنت ما أعرف ، وأنت مني بمثابة الروح ، وروحي خالصة لك .
وأنت حاجتي في كلا العالمين ، وأنت دنياي في الأولى والآخرة ، فحقق لهذا القلب الرقيق كالشعرة حاجته ، وكن معي على وفاق ،
ولو للحظة ، وإن ترتفع روحي فمن أجلك ، وليس تحررها مني إلا أملا في وصالك . .
"" الرودباري : اسمه أحمد بن محمد بن القاسم بن المنصور من أبناء رؤساء الوزراء ، ويصل نسبه حتى كسرى استمع إلى الجنيد ذات مرة في المسجد فتخلى عن كل ما يملك وانقطع للطريق ، حفظ الحديث كما كان عالما فقيها وإماما وسيد قومه ، حتى قال أبو علي الكاتب عنه : ما رأيت أجمع لعلم الشريعة الحقيقية من أبي علي الرودباري رحمة اللّه عليه .
أقام في مصر واعتبر شيخ شيوخها . توفي عام 321 هـ.
( انظر : نفحات الأنس لجامي س : 200 - 203 ) .""
المقالة السادسة والثلاثون حكاية 2
الأبيات من 3045- 3056
قال الحق تعالى : يا داود الطاهر ، قل لعبادي : يا حفنة التراب ، إن لم تكن لي جنة أو نار ، لما كانت العبودية مستهجنة لدي .
ولو انعدم النور والنار ، لما كان لكم أي عمل معي ، ولأنني أستحق هذه المنزلة الرفيعة ، فأنتم تعبدونني لا رغبة ولا رهبة ،
وإذا لم يكن الرجاء والخوف يكمنان خلف ذلك ، فكيف يكون لكم معي أي صلة بعد ذلك ؟
وما دمت أنا الإله ، فجدير بكم عبادتي بأرواحكم على الدوام .
أيها العبد ، كف يدك عن الغير ، واعبدني بكل استحقاق وتقدير ، واطرح بعيدا كل ما عداني ، وحطم كل ما تطرح ،
وبعد أن تحطم كل العلائق تخلص منها وأحرقها ، ثم اجمع رمادها ذات يوم وانثره ، حتى لا تبقى رياح الحق لها أي أثر ،
وإذا فعلت ذلك فسيخرج لك من بين الرماد ما تطلبه ، أما إن كنت مشغولا بالخلد والحور ، فاعلم يقينا بأنها أبعدتك عن نفسك .
المقالة السادسة والثلاثون حكاية 3
الأبيات من 3057 - 3081
نادى محمود اياز ، وأجلسه على عرشه ونصبه ملكا ،
وقال : منحتك الملك كما أن الجند لك ، فكن ملكا ، فهذا الإقليم لك ، إنني أرغب في أن تكون سلطانا وتسيطر على البر والبحر .
ما أن سمع الجند هذا القول ، حتى اكفهرت عينا كل واحد منهم حسدا وغيرة ، وقالوا : ما احترم سلطان غلاما في الدنيا هكذا مطلقا .
أما اياز فقد انخرط في بكاء كله حرقة من فعلة السلطان هذه ،
فقال له الجميع : هل أصابك مس من الجنون ؟
أم أنك جاهل خرب العقل ؟
لقد وصلت إلى مرتبة السلطنة أيها الغلام ، فلم هذا البكاء ؟
يجب أن يعمك الفرح والسرور . وفي الحال أجابهم اياز قائلا :
كم أنتم عن طريق الصواب بعيدون ، ولستم مدركين أن سلطان الجميع قد أقصاني بعيدا عنه ، فقد أعطاني منصبا حتى أشغل بالجند بعيدا عنه ،
فلن أغيب عنه لحظة واحدة ، حتى ولو جعل ملك الدنيا بأسرها تحت إمرتي ، وكل ما يأمر به يمكنني تنفيذه ، إلا أن أبعد عنه لحظة ، وماذا أصنع بملكه ، فكفاني طلعته من ملك .
إن كنت طالبا وللّه عارفا ، فتعلم كيف تكون العبودية من اياز .
ويا من بقيت في خمولك ليلا ونهارا ، وبقيت أسير خطوتك الأولى ، في كل ليلة تتنزل عليك اللعنات من اللّه يا أبا الفضول .
إنك كمن لا خلاق له حيث لا تتقدم خطوة من مكانك لا بالليل ولا بالنهار ، لقد جئت من أوج العزة ، ولكنك تقهقرت إلى الوراء ، ملتزما حد الاحتراز .
وا أسفا ، إنك لست خليقا بهذا ، وإلى من تستطيع التحدث عن هذه الآلام في النهاية ؟
وما دامت الجنة والنار ماثلتين في طريقك ، فأنّى لروحك أن تدرك هذا السر ؟
ولكنك إن تخرج من كلا العالمين تماما ، فسيشرق صبح هذا الحظ من بين ظلمة الليل ، وليست الجنة من نصيب هؤلاء الأصحاب ،
وإنما هي للعليين أولى الألباب ، فأسرع بالتخلص من الخمول في هذا وذاك ، وامض ولا تعلق قلبك بهذا ، وروحك بذاك.
وإذا عبرت كلا العالمين بمفردك ، فستكون شبيها بالرجال حتى ولو تكون امرأة ؛ وستكون جديرا برؤيته دواما ، كما تكون في قربه صباح مساء .
المقالة السادسة والثلاثون حكاية 4
الأبيات من 3082 - 3089
كانت رابعة تقول : يا عليما بالأسرار ، لتسهل أمور الأعداء في الدنيا ، أما الأصدقاء ، فامنحهم الآخرة على الدوام .
وذلك لأني أتحرر من كلا الاثنين على الدوام ، وإن كنت قد أفلست من الدنيا والآخرة ، فإن غمي يتلاشى إن أصبح أنيستك ولو للحظة ، ويكفيني هذا الإفلاس منك ، إذ أنك تكفيني على الدوام وحدك .
وكم أكون كافرة إن أنظر صوب كلا العالمين ، أو أن أطلب شيئا سواك .
إنه للكل والكل له ، والبحار السبعة تحت قنطرته ، وكل ما كان ، وما سيكون ، له شبيه إلا اللّه العزيز ،
وكل ما تبحث عنه ، تجد له نظيرا إلا هو ، فهو دائم بلا نظير ، ولابد من وجوده هو .
المقالة السادسة والثلاثون حكاية 5
الأبيات من 3090 - 3099
وجه خالق الآفاق من فوق الحجاب ، إلى داود النبي هذا الخطاب ، فقد قال : كل شيء في هذه الدنيا ، سواء أكان حسنا أم قبيحا أو كان ظاهرا أم باطنا ، له عوض إلا أنا ،
فلن تجد لي عوضا ولا قرينا . ولما كنت بلا عوض فلا تكن بدوني ، ويكفيني روحك ، فكن روحا ولا تكن جسدا ، وأنت ، أيها الأسير ،
لا غنى لك عني مطلقا ، فلا تكن غافلا عمن هو واجب الوجود ، ولا تطالب بالبقاء لروحك ولو للحظة بدوني ، وكل ما يعرض أمامك غيري ، لا تطلبه .
يا من أقبلت طالبا الدنيا ، ستظل مشغولا بآلام هذا العمل ليلا ونهارا ، إنه مقصودك في كلا العالمين ، كما أنه معبودك من قبيل الامتحان ،
وأجبك أن تبيع الدنيا الفانية ، لا أن تبيعه مقابل أي شيء في هذه الفانية ، وصنم كل ما تفضله عليه ، وكافر أنت إن تفضل الروح عليه .
المقالة السادسة والثلاثون حكاية 7
الأبيات من 3116 - 3100
وجد عسكر محمود في معبد سومنات ، ذلك الصنم المعروف باسم اللات .
وقد هب الهنود من أجل الصنم ، وطلبوا دفع دية له تساوي وزنه ذهبا ، ولكن السلطان رفض بيعه بأي ثمن، وأشعل فيه النار ، وأحرقه في الحال.
فقال له الجميع ؛ لا يجب إحراقه ، بل يجب بيعه ، لأن الذهب أفضل منه؛ فقال:
كم أخشى أن يقول الخالق ، أمام الجميع يوم الحساب ، أصغوا جميعا إلى آزر ومحمود، فذاك ناحت الصنم ، وهذا بائعه .
وما أن أشعل محمود النار حتى أحرق صنم عبّاد النار ، وتساقط من داخله عشرون منّا في الذهب ، وهكذا نال ما عرض عليه بلا مشقة أو عوض ،
فقال السلطان : هذا الإحراق يليق باللات ، أما هذه المكافأة فنعمة من اللّه .
لتحطم كل ما تملك من أصنام ، حتى تجد بحارا من الجواهر عوضا عنها ،
وأحرق نفسك الشبيهة بالصنم ، شوقا إلى المحبوب ،
فما أكثر الجواهر التي ستتساقط من جرابها ، وإذا ما ترامى إلى أذن الروح صوت ألست ، فلا تقصر في التصديق ، واجعل عهد ألست ماثلا أمامك ، ولا تشح عن « بلى » أكثر من هذا .
إن كنت أقررت به أولا ، فكيف يصح الإنكار به بعد ذلك ؟
ويا من أقررت بـ « أَلَسْتُ بربكم »أولا ، أتنكر ألست آخرا ؟
وإن كنت قد عقدت ميثاقا أولا ، فكيف تصبح عاقا أخيرا ، إنه لا غنى لك عنه ، فكن ملازما له على الدوام ، وكن وفيا لكل ما قطعت من وعود ، ولا تكن ناشزا معوجا . .
"" سومنات : أكبر أصنام الهند ، حرص الهنود على ألا يحطمه محمود الغزنوي ولكن محمودا صمم على تحطيمه لأنهم كانوا يعتقدون أن جميع الأصنام التي حطمها محمود تم تحطيمها لأن سومنات غاضب عليها ، فتقدم محمود بجيش كثيف العدد والعدة ، وعندما أدرك الهنود أن محمودا منتصر لا محالة ، عرضوا عليه الكثير من الذهب والأموال ولكنه رفضها ، وشدد من حصاره حتى تغلب على الهنود وحطم سومنات فوجد بداخله من الذهب أضعاف ما عرضه الهنود وبذلك حقق نصرا دينيا ودنيويا عظيما ، وكان ذلك عام 416 هـ.
( راجع ابن الأثير ، حوادث عام 416 هـ).""
المقالة السادسة والثلاثون حكاية 8
الأبيات من3117 - 3138
قيل ، عندما تقدم محمود شيخ الملوك ، من غزنين قاصدا محاربة الهنود ، رأى جيشا عظيما للهنود ،
فامتلأ قلبه بالغم من هذا الحشد ، ونذر السلطان العادل في ذلك اليوم نذرا ؛
حيث قال : إن أظفر بهذا الجيش ، فكل غنيمة اغتنمها في هذا المكان ، سأوزعها كلها على فقراء الطريق . .
في النهاية أدرك السلطان النصر ، وأحاط بغنائم تفوق الحصر ، فكل جزء واحد من الغنيمة ، فاق كل ما يجول بخاطر أي حكيم مائة مرة ،
وما أن غنموا غنائم تفوق كل الحدود ، ولحقت الهزيمة بأولئك السود ،
حتى قال السلطان لأحد معاونيه في الحال : احمل هذه الغنائم للفقراء والمساكين ، حيث نذرت ذلك للحق منذ البداية ، وذلك لأكون صادقا في عهدي وفيا به . .
قال الجميع : كيف يمكن إعطاء هذا الذهب الوفير وذلك المال الكثير لحفنة من الصعاليك ؟ .
إما أن تعطيها للجنود حتى يكفوا عن الغضب ، وإما أن توضع في الخزانة .
ظل السلطان يفكر مليا في ذلك وتملكته الحيرة بين هذا وذاك ، وكان أبو الحسين رجلا حكيما ، كما كان ولها مجذوبا .
وكان يمر بين الجند فما أن رآه السلطان من بعيد ،
حتى قال : إنني أطلب استدعاء هذا المجذوب ، لأسأله ، وسأفعل ما يفتي به .
فهو متحرر من السلطان والجند ، وما يقوله سيكون بعيدا عن الأغراض ، وهكذا استدعى السلطان الرجل المجذوب ، وطرح القصة عليه أمام الجمع .
قال المجذوب : أيها السلطان ، فقد وصل أمرك إلى هذه الديار بدانقين ، فإن ترغب في ألا تكون على صلة به ، فلا تفكر في هذين الدانقين أيها العزيز ، وإن ترغب في أن يكون لك به صلة مرة أخرى ،
فلا تقلل من أمر الدانقين بعد ذلك ، وليتملكك الخجل . وإذا كان الحق قد نصرك ، وجعل أمرك موفقا ، فقد فعل ما خصه ، فأين ما يخصك أنت ؟
وفي النهاية نثر محمود ذلك الذهب ، وفي النهاية أصبح محمود ذلك السلطان الموفق .
"" أبو الحسين : لعله شيخ الشيوخ أبو الحسين أحمد بن محمد بن جعفر النيسابوري المعروف بابن سالبه ، وكان من كبار مشايخ الصوفية في فارس في أواخر القرن الرابع الهجري وأوائل القرن الخامس توفي عام 415 هـ ( مما يجعله معاصرا للسلطان محمود الغزنوي 387 - 421 هـ ) ودفن في بيضاء فارس .انظر : شد الإزار في حط الأوزار عن زوار المزار . معين الدين أبو قاسم جنيد الشيرازي ، تصحيح محمد قزويني وعباس اقبال طهران 1247 هـ . حواشي ، ص 476 .""
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin