كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد بن أبي بكر إبراهيم بن أبي يعقوب إسحاق العطار النيسابوري
المقالة الثانية حديث الهدهد مع الطيور في طلب السيمرج الأبيات من 658 - 711
اجتمعت طيور الدنيا جميعها ما كان منها معروفاً وما هو غير معروف ، وقالوا جميعاً : في هذا العصر وذاك الأوان لا تخلو مدينة قط من سلطان ، فكيف يخلو إقليمنا من ملك ؟! وأنى لنا أن نقطع طريقنا أكثر من هذا بلا ملك ؟
ربما لو يساعد بعضنا البعض لتمكنا من السعي في طلب ملك لنا ، لأنه إذا خلا إقليم من الملك فما بقي فيه أي نظام أو استتباب لدى الجند .
سارع الكل إلى الاجتماع والبحث عن ملك أو سلطان ، فأقبل الهدهد مضطرباً لكثرة الانتظار أقبل بين الجمع لا يقر له قرار ،
جاء مرتدياً على صدره حلة الطريقة جاء وقد علا مفرقه تاج الحقيقة ، جاء وقد خبر الطريق جاء بعد أن اطلع على ما فيه من قبيح ورشيق ،
قال : أيتها الطير إنني بلا أدنى ريب مريد الحضرة ورسول الغيب جئت مزوداً من الحضرة بالمعرفة ، جئت وقد فطرت على أن أكون صاحب أسرار ومن نقش اسم الله على منقاره ليس ببعيد أن يدرك المزيد من الأسرار ،
إنني أعيش نهب همومه زمناً طويلاً ولا صلة لي بأي إنسان إذ عندما أكون مشغولاً بآلام الملك لا يمكن أن يصيبني من الجند أي ألم وبفضله أدرك الماء في باطن الأرض وأدرك المزيد من الأسرار .
إنني تحدثت مع سليمان كثيراً فلا جرم أن أكون مقدماً على خيله والعجيب أن كل من غاب عن حضرته لم يسأل عنه ولم يبعث في طلبه ولكن إن غبت عنه لحظة أرسل من يطلبني في كل مكان وهو لا يصبر عني برهة ،
فحسب الهدهد إلى الأبد تلك المنزلة وقد حملت رسالته ورجعت إليه ثانية كما أطلعني على أسراره الخفية ، فكل من كان مرغوباً من الرسول زين التاج مفره وكل من ذكره الله بالخير كيف يشق غباره أي طائر ؟
كم قضيت السنين أجوب البر والبحر وكم أصابني قطع الطريق بالاضطراب والدوار قد جبت الوادي والجبل والقفار ، كما طوفت العالم في عهد الطوفان وسافرت كثيراً مع سليمان ،
كما جبت عرصات العالم فعرفت ملكنا ولكني لا أستطيع السير إليه وحدي فإذا صحبتموني في سفرتي أصبحتم أصفياء ذلك الملك وجلساء عتبته ، فاطرحوا عنكم معرة الغرور والهوى وتخلصوا كذلك من آلام كفركم وهمومه ،
وكل من يملك روحاً تسارع بالتخلص من النفس يكون في طريق الأحبة بريئاً من الحسن والقبح .
انثروا الأرواح وسيروا في الطريق وامضوا قدماً نحو تلك الأعتاب ، فلنا ملك بلا ريب يقيم خلف جبل يقال له جبل قاف اسمه السيمرج ملك الطيور وهو منا قريب ونحن منه جد بعيدين مقره يعلو شجرة عظيمة الارتفاع ولا يكف أي لسان عن ترديد اسمه ،
تكتنفه مئات الألوف من الحجب بعضها من نور وبعضها من ظلمة وليس لفرد في كلا العالمين مقدرة حتى يحيط بشيء من كنهه إنه الملك المطلق المستغرق دائماً في كمال العز ، ولكن كيف يطير الفهم إلى حيث يوجد ؟
وكيف يصل العلم والعقل إلى حيث يوجد ؟
لا طريق إليه حتى ولو كثر المشتاقون من الخلق إليه ، وإذا كان وصفه بعيداً عن فعل الروح الطاهرة نفسها فليس للعقل قدرة على إدراكه فلا جرم أن يحار العقل كما أن الروح تحار عن إدراك صفاته وهكذا تعمى الأبصار ،
ما أدرك عالم كماله وما رأى بصير جماله ولا طريق لكماله بين البشر وقد توقف الحجا فلا سبيل للنظر .
إن تجمع أنصبة الخلق من ذلك الكمال وهذا الجمال فلن تزيد جميعها عن قبضة من خيال ، فكيف يمكن سلوك الطريق اعتماداً على الخيال ؟
وأنى لك الوصول إلى القمر على ظهر سمكة .. إن مئات الألوف من الرؤوس تصير كرات هناك وما أكثر العويل والصراخ هناك ،
وفي طريقه تكثر البحار والقفار فلا تظن أن الطريق قصير بل يلزم رجل شجاع جسور لهذا الطريق وذلك لأنه طريق طويل وبحر عميق عميق ..
ولأننا حيارى أمامه فسنسلك الطريق متعثرين فإن أدركنا منه علامة فهذا هو العمل وإلا فبدونه تعتبر الحياة عاراً وكلها خلل ،
ولكن كيف يتأتى للروح أن تعمل دون الأحبة ، فإن كنت رجلاً فلا تكن روحك بلا أحبة ولسلوك هذا الطريق تلزم الشجاعة ونثر الروح ضرورة لهذه المنزلة الرفيعة ،
فواجب عليك أيها الشجاع أن تتخلى عن الروح حتى يمكن القول بأنك خليق بالعمل فالروح لا تساوي شيئاً إن كنت بلا أحبة ، فكن كالرجال وانثر روحك الغالية وإن تنثر الروح متشبهاً بالرجال فما أكثر ما سينثره عليك الأحبة من الأرواح .
ابتداء أمر السيمرج
الأبيات من 712 - 724
بداية أمر السيمرج يا للعجب ، أنها مرت مجلوة الطلعة منتصف الليل بديار الصين ،
فسقطت منها ريشة وسط تلك الديار فلا جرم أن عم الهيجان العالم وتصور كل شخص شكل تلك الريشة ومن رآها فقد تعلق بها ، وتلك الريشة محفوظة الآن في متحف الصين فاطلبوا العلم كما قال الرسول ولو بالصين ،
ولو لم يبد نقش هذه الريشة واضحاً للعيان لما عمت الدنيا تلك الغلبة أو ذلك الهيجان ،
آثار الإبداع جميعها نتاج عظمتها وجميع المخلوقات كلها صورة من ريشتها ،
وإذا كان وصف الريشة بلا بداية ولا نهاية فلا يليق أن يقال عنها أكثر من ذلك ، والآن كل من تحرر منكم من القيود عليه أن يتقدم إلى الطريق ويسلكه ..
عندما عرفت الطير عزة هذا السلطان لم يعد يقر لها قرار في هذا المكان ، وبدأ الشوق إليه يؤثر في أرواحهم وما أكثر ما بدر عنهم دون صبر أو روية ، وعزموا على قطع الطريق وتقدموا إليه وعادى كل عاشق له نفسه ،
ولكن لما كان الطريق طويلاً وبعيداً ، فقد تألم كل واحد من قطعه ومع أن كل فرد جعل سلوك الطريق كل همه ، إلا أن كل واحد رجع يسوق عذراً مختلفاً ..
المقالة الثانية حديث الهدهد مع الطيور في طلب السيمرج الأبيات من 658 - 711
اجتمعت طيور الدنيا جميعها ما كان منها معروفاً وما هو غير معروف ، وقالوا جميعاً : في هذا العصر وذاك الأوان لا تخلو مدينة قط من سلطان ، فكيف يخلو إقليمنا من ملك ؟! وأنى لنا أن نقطع طريقنا أكثر من هذا بلا ملك ؟
ربما لو يساعد بعضنا البعض لتمكنا من السعي في طلب ملك لنا ، لأنه إذا خلا إقليم من الملك فما بقي فيه أي نظام أو استتباب لدى الجند .
سارع الكل إلى الاجتماع والبحث عن ملك أو سلطان ، فأقبل الهدهد مضطرباً لكثرة الانتظار أقبل بين الجمع لا يقر له قرار ،
جاء مرتدياً على صدره حلة الطريقة جاء وقد علا مفرقه تاج الحقيقة ، جاء وقد خبر الطريق جاء بعد أن اطلع على ما فيه من قبيح ورشيق ،
قال : أيتها الطير إنني بلا أدنى ريب مريد الحضرة ورسول الغيب جئت مزوداً من الحضرة بالمعرفة ، جئت وقد فطرت على أن أكون صاحب أسرار ومن نقش اسم الله على منقاره ليس ببعيد أن يدرك المزيد من الأسرار ،
إنني أعيش نهب همومه زمناً طويلاً ولا صلة لي بأي إنسان إذ عندما أكون مشغولاً بآلام الملك لا يمكن أن يصيبني من الجند أي ألم وبفضله أدرك الماء في باطن الأرض وأدرك المزيد من الأسرار .
إنني تحدثت مع سليمان كثيراً فلا جرم أن أكون مقدماً على خيله والعجيب أن كل من غاب عن حضرته لم يسأل عنه ولم يبعث في طلبه ولكن إن غبت عنه لحظة أرسل من يطلبني في كل مكان وهو لا يصبر عني برهة ،
فحسب الهدهد إلى الأبد تلك المنزلة وقد حملت رسالته ورجعت إليه ثانية كما أطلعني على أسراره الخفية ، فكل من كان مرغوباً من الرسول زين التاج مفره وكل من ذكره الله بالخير كيف يشق غباره أي طائر ؟
كم قضيت السنين أجوب البر والبحر وكم أصابني قطع الطريق بالاضطراب والدوار قد جبت الوادي والجبل والقفار ، كما طوفت العالم في عهد الطوفان وسافرت كثيراً مع سليمان ،
كما جبت عرصات العالم فعرفت ملكنا ولكني لا أستطيع السير إليه وحدي فإذا صحبتموني في سفرتي أصبحتم أصفياء ذلك الملك وجلساء عتبته ، فاطرحوا عنكم معرة الغرور والهوى وتخلصوا كذلك من آلام كفركم وهمومه ،
وكل من يملك روحاً تسارع بالتخلص من النفس يكون في طريق الأحبة بريئاً من الحسن والقبح .
انثروا الأرواح وسيروا في الطريق وامضوا قدماً نحو تلك الأعتاب ، فلنا ملك بلا ريب يقيم خلف جبل يقال له جبل قاف اسمه السيمرج ملك الطيور وهو منا قريب ونحن منه جد بعيدين مقره يعلو شجرة عظيمة الارتفاع ولا يكف أي لسان عن ترديد اسمه ،
تكتنفه مئات الألوف من الحجب بعضها من نور وبعضها من ظلمة وليس لفرد في كلا العالمين مقدرة حتى يحيط بشيء من كنهه إنه الملك المطلق المستغرق دائماً في كمال العز ، ولكن كيف يطير الفهم إلى حيث يوجد ؟
وكيف يصل العلم والعقل إلى حيث يوجد ؟
لا طريق إليه حتى ولو كثر المشتاقون من الخلق إليه ، وإذا كان وصفه بعيداً عن فعل الروح الطاهرة نفسها فليس للعقل قدرة على إدراكه فلا جرم أن يحار العقل كما أن الروح تحار عن إدراك صفاته وهكذا تعمى الأبصار ،
ما أدرك عالم كماله وما رأى بصير جماله ولا طريق لكماله بين البشر وقد توقف الحجا فلا سبيل للنظر .
إن تجمع أنصبة الخلق من ذلك الكمال وهذا الجمال فلن تزيد جميعها عن قبضة من خيال ، فكيف يمكن سلوك الطريق اعتماداً على الخيال ؟
وأنى لك الوصول إلى القمر على ظهر سمكة .. إن مئات الألوف من الرؤوس تصير كرات هناك وما أكثر العويل والصراخ هناك ،
وفي طريقه تكثر البحار والقفار فلا تظن أن الطريق قصير بل يلزم رجل شجاع جسور لهذا الطريق وذلك لأنه طريق طويل وبحر عميق عميق ..
ولأننا حيارى أمامه فسنسلك الطريق متعثرين فإن أدركنا منه علامة فهذا هو العمل وإلا فبدونه تعتبر الحياة عاراً وكلها خلل ،
ولكن كيف يتأتى للروح أن تعمل دون الأحبة ، فإن كنت رجلاً فلا تكن روحك بلا أحبة ولسلوك هذا الطريق تلزم الشجاعة ونثر الروح ضرورة لهذه المنزلة الرفيعة ،
فواجب عليك أيها الشجاع أن تتخلى عن الروح حتى يمكن القول بأنك خليق بالعمل فالروح لا تساوي شيئاً إن كنت بلا أحبة ، فكن كالرجال وانثر روحك الغالية وإن تنثر الروح متشبهاً بالرجال فما أكثر ما سينثره عليك الأحبة من الأرواح .
ابتداء أمر السيمرج
الأبيات من 712 - 724
بداية أمر السيمرج يا للعجب ، أنها مرت مجلوة الطلعة منتصف الليل بديار الصين ،
فسقطت منها ريشة وسط تلك الديار فلا جرم أن عم الهيجان العالم وتصور كل شخص شكل تلك الريشة ومن رآها فقد تعلق بها ، وتلك الريشة محفوظة الآن في متحف الصين فاطلبوا العلم كما قال الرسول ولو بالصين ،
ولو لم يبد نقش هذه الريشة واضحاً للعيان لما عمت الدنيا تلك الغلبة أو ذلك الهيجان ،
آثار الإبداع جميعها نتاج عظمتها وجميع المخلوقات كلها صورة من ريشتها ،
وإذا كان وصف الريشة بلا بداية ولا نهاية فلا يليق أن يقال عنها أكثر من ذلك ، والآن كل من تحرر منكم من القيود عليه أن يتقدم إلى الطريق ويسلكه ..
عندما عرفت الطير عزة هذا السلطان لم يعد يقر لها قرار في هذا المكان ، وبدأ الشوق إليه يؤثر في أرواحهم وما أكثر ما بدر عنهم دون صبر أو روية ، وعزموا على قطع الطريق وتقدموا إليه وعادى كل عاشق له نفسه ،
ولكن لما كان الطريق طويلاً وبعيداً ، فقد تألم كل واحد من قطعه ومع أن كل فرد جعل سلوك الطريق كل همه ، إلا أن كل واحد رجع يسوق عذراً مختلفاً ..
أمس في 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin