الرسالة في النثر العربي : البناء والخصائص
حســن بـنـيـخـلــــف
1 ـ فن الرسالــة:
لقد تقاسم النثر الفني في العصور القديمة جنسان أدبيان هما: الخطب والرسائل؛ فإذا ما ذكر، انصرفت الأذهان إليهما دون غيرهما نظرا لما يتميزان به من حضور متميز، وما يتبوآنه من منزلة رفيعة بين أجناس الأدب وفنونه؛ هذا بالإضافة إلى ما اضطلعا به من أدوار ووظائف في الحياة الأدبية والاجتماعية والدينية والسياسية والإدارية.
وهكذا يندرج ضمن هذا النثر الفني ما يصطلح عليه بـ”أدب الرسائل” الذي يشكل جنسا أدبيا قائما بذاته، إذ تنضوي تحته هو الآخر أنواع من الرسائل المختلفة أسلوبا وموضوعا، والمتنوعة غرضا ومقصدا، والمتفاوتة جمالا وتأثيرا. هذا فضلا عما راكمه “أدب الرسائل”، عبر مراحل تطوره، من قواعد و معاييـر و خصائـص؛ و من ثـم أصبحت الرسالـة « صناعة ذات قواعد وأصول »([1]).
وإذا كان الأمر كذلك، فإن التساؤل حول مفهوم “أدب الرسائل” يظل ملحا؛ كما أن البحث في هذا الأدب أو ما يسمى عموما بجنس الرسالة سيكون له ما يبرره علميا ومنهجيا.
ينظر، إذن، إلى “أدب الرسائل” باعتباره « ذلك اللون الأدبي الذي يشمل جميع موضوعات الرسائل النثرية الفنية المتبادلة بين الناس »([2]). ورغم ما يكتنف بعض المصطلحات الواردة في هذا التعريف من غموض والتباس، فإنه يتضمن مجموعـة من الإشارات المهمة الدالـة على طبيعة هذا الجنس الأدبي ومنها:
ــ إن “أدب الرسائل” يشكل لونا أدبيا.
ــ إن هذا اللون الأدبي يضم أنواعا من الرسائل التي يشترط فيها أن تكون نثرية و فنية.
ــ إن التعريف يشير إلى جانب مهم من جوانب الرسالة، وهو الجانب التداولي لما له من أهمية في هذا الإطار.
من هنا يمكن النظر إلى “أدب الرسائل” بوصفه الفن النثري الذي اتخذ من الرسالة وسيلته في التعبير والتواصل؛ وتصبح الرسالة بالتالي « لونا من ألوان النثر الفني الجميل وضربا من ضروبه »([3]).
2 ـ الرسالـــة الفنية: المفهوم والشروط
تتضمن الرسالة، لغة، معنى التوجيه؛ ففي”لسان العرب”:« والإرسال: التوجيه، و قـد أرسل إليهم، و الاسـم الرِّسالـة و الرَّسالـة و الرسـول والرسيل »([4] ).
ويؤكد الفيروزآبادي نفس المعنى فيقول:« والإرسال التسليط والإطلاق و الإهمال والتوجيه والاسم الرسالة بالكسر والفتح »([5]).
و في كتاب “كشاف اصطلاحات الفنون” يقول التهانوي عن الرسالة:« الرسالة في الأصل الكلام الذي أرسل إلى الغير وخصت في اصطلاح العلماء بالكلام المشتمل على قواعد علمية والفرق بينها وبين الكتاب على ما هو المشهور إنما بحسب الكمال والنقصان فالكتاب هو الكامل في الفن والرسالة غير الكامل فيه »([6]).
للرسالة، إذن، معنيان: أصلي واصطلاحي؛ الأول يستفاد منه أن الرسالة هي الكلام أو الخطاب الذي يوجه إلى الغير.أما من حيث المعنى الاصطلاحي، فالرسالة تصبح دالة على البحوث أو الدراسات العلمية التي تتناول قضايا محددة في اللغة، أو الأدب، أو الفقه، أو الفلسفة، أو غيرها من المجالات.
وممن أكدوا على المعنى الأصلي لـ”الرسالة”، ابن وهب الكاتب الذي يقول: « والاسم الرسالة، أو راسل يراسل مراسلة فهو مراسل… وأصل الاشتقاق في ذلك أنه كلام يراسل به من بعيد »([7]).
إن هذا التعريف يعضد ما ذهب إليه التهانوي؛ غير أن ابن وهب يحدد دواعي التراسل وظروفها في أمرين هما: البعد و الغياب.
ومعنى هذا أن للرسالة في الأدب والفكر العربيين دلالات ثلاثا: دينية شرعية، وعلمية، وأدبية([8]). غير أننا سنركز على دلالاتها الأدبية والتداولية؛ وفي هذا الإطار يقول صاحب “صبح الأعشى” عن الرسائل: « وهي جمع رسالة، والمراد فيها أمور يرتبها الكاتب: من حكاية حال من عدو أو صيد، أو مدح أو تقريض، أو مفاخرة بين شيئين… وسميت رسائل من حيث إن الأديب المنشئ لها ربما كتب بها إلى غيره مخبرا فيها بصورة الحال »([9]).
إن الرسالة في هذا النص، تحتمل معاني كثيرة تتراوح بين الدلالة على “المبحث” أو “المقالة” العلمية أو الأدبية بالمفهوم القديم (ولقد أشرنا إلى ذلك سابقا)؛ والدلالة على الخطاب الذي يوجه إلى شخص بعينه. ورغم ذلك، فإن الكاتب حاول أن يجعل تعريفه شاملا لمعظم عناصر الرسالة وهي:
أ ــ المرسل، أي صاحب الرسالة الذي سماه القلقشندي بـ (الكاتب والأديب المنشئ).
ب ــ الرسالة، والتي تتناول غرضا أو موضوعا معينا (عدو، صيد ، مدح…).
ج ــ المتلقي، إذ (ربما كتب بها إلى غيره).
د ــ هذا فضلا عن تحديد دوافع وأسباب الكتابة (مخبرا فيها بصورة الحال).
ومن المعلوم أن المعنى الشائع لمصطلح الرسالة يدل على الخطاب الذي يوجه إلى متلق في موضوع معين. لهذا ـ وعلى سبيل المثال ـ « كان الأدباء الأندلسيون يطلقون لفظ رسالة على ما ينشئه الكاتب في نسق فني جميل في غرض من الأغراض، ويوجهه إلى شخص آخر، ويشمل ذلك الجواب والخطاب »([10]).
والحقيقة أن الأمر لا يقتصر على الأدباء الأندلسيين بل يتعداهم ليشمل غيرهم ممن درجوا على هذا الفن الأدبي رغبة في التواصل؛ علما بأن كل رسالة (خطاب) تستوجب ردا( أي جوابا على الخطاب).
والملاحظ أن كتابة الرسائل أصبحت صناعة أو فنا يتطلب من الكاتب المنشئ الدراية و المران حتى يبرع فيها، علما بأن مثل هذه الكتابة قد أصبحت ذلك « الجسر الذي يصل الشخص إلى أرفع المناصب »([11]).
ومن أجل تحقيق ذلك، وضع مجموعة من الكتاب القدامى المتمرسين شروطا وقواعد يجب على كتاب الرسائل الالتزام بها؛ يقول ابن عبد ربه في عقده الفريد: « فإن حاولت صنعة رسالة فزن اللفظة قبل أن تخرجها بميزان التصريف إذا عرضت، وعاير الكلمة بمعيارها إذا سنحت »([12]). فأول ما ينبغي أن يحرص عليه كاتب الرسالة، العناية بالألفاظ والكلمات التي يجب أن تكون مطابقة لموازينها ومعاييرها.
إن كاتب الرسالة مطالب، فضلا عما سبق، بإعادة النظر في رسائله، وتنقيحها وتصحيحها؛ يقول ابن وهب الكاتب: « فأما الرسائل فالإنسان في فسحـة من تمكينها ، وتكـرار النظـر فيها، وإصلاح خلل إن وقع في شيء منها »([13]).
إضافة إلى هذا يلح بعض الكتاب على صنف آخر من الشروط، لكونهم يعتبرونها من أركان الرسالة؛ وهذا ما يمكن استخلاصه من الرسالة التي بعث بها القاضي أبو خليفة الفضل بن حباب الجمحي إلى الصولي، يقول فيها: « وصل كتابك ـ أعزك الله ـ مبهم الأوان، مظلم المكان، فأدى خيرا ما القرب فيه بأولى من البعد؛ فإذا كتبت ـ أكرمك الله تعالى! ـ فلتكن كتبك مرسومة بتاريخ؛ لأعرف أدنى آثارك، وأقرب أخبارك، إن شاء الله تعالى »([14]).
إن القاضي أبا خليفة يثير انتباه الصولي إلى قضية لها أهميتها في كتابة الرسائل، وتتمثل في ضرورة تضمين الرسالة تاريخ كتابتها ومكانها حتى لا تكون كتابا “مبهم الأوان، مظلم المكان”؛ إذ من شأن ذلك أن يساعد المتلقي على ضبط ما ورد في الرسالة من أخبار وآثار.
لقد عرفت الرسالة تطورات كثيرة مست أصنافها وأشكالها ومكوناتها؛ ولعل أبرز تحول نوعي عرفه فن الرسالة هو كتابة الرسائل شعرا لا نثرا، كما كان متداولا ومتعارفا عليه. ولهذا « كان الأدباء الأندلسيون يطلقون لفظ رسالة أحيانا على القصائد والمقطوعات الشعرية التي ينظمها الشاعر على شكل خطاب موجه إلى صديق أو غيره في أي موضوع »([15]).
إن هذه الإضافة النوعية فرضت مجموعة من التغييرات حتى يتسنى للكاتب/الشاعر إخضاع فن نثري للقواعد الشعرية؛ ومن ذلك التحرر من بعض التقاليد التي يلتزم بها في الرسائل النثرية. وهناك نماذج دالة على هذا النوع الأدبي الجديد حيث « روي أنه دامت الأمطار بسر من رأى، فتأخر الحسن بن وهب عن محمد بن عبد الملك الزيات، وهو يومئذ وزير، والحسن يكتب إليه، فاستبطأه محمد، فكتب إليه الحسن يقول:
أوجب العذر في تراخي اللقـاء مــا توالى مـن هـذه الأنـواء
لست أدري ماذا أقول وأشكــو من سماء تعوقني عن سماء
غير أني أدعو على تلك بالثـك ــــل وأدعـــو هـذه بالبـقــاء
فسلام الإله أهـديه غضـــــــــا لـك مني يا سيــــــد الـوزراء »([16]).
والملاحظ أن التغييرات والتجديدات التي حاول بعض الأدباء إدخالها على فن الرسالة النثري لم تجد آذانا صاغية، إذ ظلت الرسالة فنا نثريا بامتياز!
وفضلا عن ذلك، عرفت الرسالة تغييرات أخرى حيث اقتحم الكتاب مجالات جديدة، وانفتحوا على موضوعات وأغراض ظلت، لزمن طويل، حكرا على الشعر. وهكذا « أخذت [أي الرسائل الديوانية] تتناول بعض الأغراض التي كان يتناولها الشعر من تهنئات و تعزيات وشكر… »([17]).
وكيفما كان الحال، فإن الرسالة تفرعت إلى أنواع ثلاثة كبرى هي:
ــ الرسالة الديوانية.
ــ الرسالة الإخوانية.
ــ الرسالة الأدبية.
وهكذا، فإذا كانت الرسائل الديوانية ــ التي يسميها بعضهم بالرسائل السياسية أو السلطانية أو الرسمية([18])ــ تعالج شؤون الإدارة([19])، فإن الرسائل الإخوانية تصور عواطف الناس ومشاعرهم في الخوف والرجاء والرهبة والمديح والهجاء والتهاني والعتاب والاعتذار والاستعطاف والتعزية.([20]) أما الرسائل الأدبية فهي التي كانت « تعنى بالكتابة في موضوع محدد ، مما نسميه اليوم باسم المقالات »([21]).
3 ـ الرسالة: بناؤها وخصائصها الفنية
إن الرسالة بأنواعها وأصنافها المختلفة تستمد أهميتها وقيمتها من أمرين اثنين هما: الخصائص والوظائف. وإذا كان الجانب الكمي (ومن ذلك كثرة الأنواع وتعددها)، يشهد على مدى حضور وانتشار هذا الجنس الأدبي، فإن الجوانب النوعية تعد دليلا على مدى تطوره وارتقائه. لهذا يصبح من الواجب إيلاء الجوانب الفنية في الرسالة عناية خاصة.
وتحقيقا لذلك نشير إلى أن « الكتابة الفنية بدأت مع الرسائل، ثم خطت أهم خطواتها مع الكتابة الديوانية، ومع وجود الكاتب المثقف المتخصص»([22]). ومعنى هذا أن الكتابة النثرية لم تصبح كتابة فنية إلا بعد إنشاء الدواوين، وإسناد مهمة الكتابة فيها إلى الكتاب المتخصصين الذين تفرغوا لكتابة الرسائل فبرعوا فيها وأجادوا.
كما أن بعض القدامى عالجوا كثيرا من الظواهر الفنية في الرسالة، وقدموا قراءات لا يمكن إنكار أهميتها، وخاصة ما تعلق منها بمحاولات تجنيس الرسالة والكشف عن بنائها وخصائصها؛ وفي هذا الإطار يقول صاحب “الصناعتين”: « واعلم أن الرسائل والخطب متشاكلتان في أنها كلام لا يلحقه وزن ولا تقفية وقد يتشاكلان أيضا من جهة الألفاظ والفواصل، فألفاظ الخطباء تشبه ألفاظ الكتاب في السهولة والعذوبة، وكذلك فواصل الخطب، مثل فواصل الرسائل ولا فرق بينهما إلا أن الخطبة يشافه بها والرسالة يكتب بها »([23]).
لهذا النص قيمة كبرى وأهمية خاصة لكونه:
أ ــ يعكس وعي صاحب “الصناعتين” بمسألة الأجناس الأدبية واستحضاره لها في حديثه عن الرسائل والخطب.
ب ــ يترجم رغبته في تجنيس الرسائل و الخطب اعتمادا على آليات محددة هي: المشابهة (متشاكلتان ـ يتشاكلان)، والممايزة (ولا فرق).
ج ــ يعرف الرسائل والخطب باعتماد آلية المقارنة المضمرة لكونه يستحضر، في هذا التعريف، جنس الشعر باعتباره الأصل أو المعيار الذي يُحتكم إليه في كل عملية تجنيسية (كلام لا يلحقه وزن ولا تقفية).
د ــ تصبح الرسائل والخطب هما الكلام غير الموزون وغير المقفى؛ إنهما جنسان أدبيان متقاربان، لكنهما متمايزان عن جنس الشعر.
هـ ــ ومعنى ذلك أن صاحب “الصناعتين” يجمع بين المتشابه من الأجناس (الخطب والرسائل) ليميزها عن الأجناس المباينة لهما (الشعر).
وــ غير أن رغبته في مزيد من التدقيق و التعميق دفعت به إلى محاولة التمييز بين الأجناس، إذ عمد ــ بعد التأليف بين الرسائل والخطب لكونهما يتشابهان لفظا وأسلوبا وبناء ــ إلى التفريق بينهما لأنهما يختلفان من حيث طريقة الأداء: فالخطب جنس شفاهي؛ أما الرسائل فهي جنس كتابي.
3 ــ 1 ــ بناء الرسالة:
إن عناية صاحب”الصناعتين” وشغفه بالأجناس الأدبية السائدة في عصره، دفع به بعــد عملية التجنيس باعتبارها وصفا لما هو كائن، إلى الشروع في عملية التنظير للأجناس الأدبية بوصفها تقريرا لما ينبغي أن تكون عليه تلك الأجناس؛ وفي هذا الإطار يقول أبو هلال العسكري: « و اعلم أن الذي يلزمك في تأليف الرسائل و الخطب هو أن تجعلها مزدوجة فقط و لا يلزمك فيها السجع فإن جعلتها مسجوعة كان أحسن ما لم يكن في سجعك استكراه وتنافر وتعقيد »([24]).
إن أبا هلال العسكري يتحدث بلسان “المعلم” القادر على التلقين والإرشاد في مجال الكتابة، موجها الخطاب إلى متعلم (متلق) ذي مواصفات محددة، لهذا خاطبه ب”اعلم” و”يلزمك”، تنبيها له وإعلاما بما يجب أن يحيط به من شروط و معايير يستلزمها تأليف الرسائل والخطب، واللتان يشترط فيهما أن يبنى أسلوبهما (فواصلهما) على الازدواج. أما السجع فمستحسن ما لم “يستكره”؛ أو يكتنفه “تنافر وتعقيد”.
إن كلام أبي هلال لم يخرج عن إطار الإلزام والاستحسان؛ وبهذا ينخرط صاحب “الصناعتين” في الدفاع عن القيم الفنية والمعايير الجمالية السائدة في عصره؛ وهو الأمر الذي عكس جانبا من تصوره لـ”الكتابة” حيث كشف عن بعض المكونات التي تسهم في بناء جنسي “الرسائل” و”الخطب”.
إن السجع (ومنه الازدواج) يصبح من العلامات اللفظية المميزة للرسائل والخطب. و بناء على ذلك يمكن النظر إلى الرسالة باعتبارها كتابة نثرية مسجوعة كانت أو مزدوجة.
إن دراسة القدامى لجنس الرسالة وتنظيرهم لها سارا في اتجاهين مختلفين لكنهما متكاملان؛ ويتمثل الأول منهما في عنايتهم ب”المرسل إليه”.أما الثاني فيكشف عن مدى احتفائهم بالرسالة ذاتها.
أ ــ المرسل إليه: للمرسل إليه حضور بارز في كتابات القدامى وخطاباتهم باعتباره من العناصر الرئيسة المسهمة في عملية التواصل. ومن مظاهر احتفائهم بالمتلقي تأكيدهم على ضرورة مراعاة قدراته العقلية ومستوياته المعرفية والاجتماعية؛ يقول صاحب “الصناعتين”: « فأول ما ينبغي أن تستعمله في كتابتك.. مكاتبة كل فريق منهم على مقدار طبقتهم وقوتهم في المنطق »([25]). و كل ذلك لاقتناع أبي هلال بأن المخاطبين فئات و مستويات يجدر بالخطاب أن يراعي طبقتهم ومنطقهم.
وفي هذا الإطار يقول إبراهيم بن المدبر في رسالته العذراء المشهورة: « ولكل طبقة من هذه الطبقات معان ومذاهب يجب عليك أن تراعيها في مراسلتك إياهم في كتبك، فتزن كلامك في مخاطبتهم بميزانه، وتعطيه قسمه، وتوفيه نصيبه…»([26]). ويزيد الأمر توضيحا فيقول: « ولا تخاطبن خاصا بكلام عام، ولا عاما بكلام خاص، فمتى خاطبت أحدا بغير ما يشاكله، فقد أجريت الكلام غير مجراه… »([27]). ويقول صاحب “الإحكام”، كذلك، عن كاتب الرسالة: « ويتوخى من ذلك ما يناسب الحال، و يشاكل المعنى ويوافق المخاطب »([28]). ومن ذلك أن “الدعاء” في الرسالة أو الخطبة يقتضي ـ على سبيل المثال ـ الاحتفاء بأربعة عناصر هي: اللفظ والمعنى وهما خاصان بـ”النص”؛ وكذا العناية بالحال والمخاطب، وهما متعلقان بـ”المتلقي”؛ مع العلم بأن الكتابة الجيدة تشترط التناسب و المشاكلة بين تلك العناصر.
من هنا نستنتج بأن القدامى، من مؤرخي الأدب العربي ودارسيه، مثلما عنوا بالنص (الرسالة)، احتفوا كذلك بالمتلقي؛ ولهذا جعلوا موافقة النص للمتلقي شرطا من شروط الكتابة.
ب ــ النص/ الرسالة: أما من حيث احتفاؤهم بالنص، فتنبغي الإشارة إلى أن الدارسين اعتنوا بمجموعة من العناصر المكونة لمعمار الرسالة، ومنها: الصدر(أو الاستفتاح)، والغرض ، والخاتمة.
إن هذه العناصر وغيرها هي التي تسهم في بناء الرسالة الفنية التي تعتبر« قطعة نثرية واحدة تتجزأ في ثلاثة أقسام وعناصر مختلفة هي: البداية أو الصدر والمتن ثم النهاية أو الختام… وهناك اتصال وثيق بين هذه العناصر التي تكون الشكل الفني المميز للرسالة بين أشكال النثر الفني الأخرى »([29]).
ومعنى هذا أن الرسالة الفنية أصبح لها شكل فني تواضع الكتاب عليه، ويتمثل في الصدر والغرض والخاتمة؛ وكلها مكونات شكلية ثابتة تنبني عليها كل رسالة فنية؛ ولقد نظر القدامى في هذه المكونات، واستخلصوا ما ينبغي أن تستوفيه من شروط ومواصفات. ولعل من أبرزها الشروط النفسية؛ وفي هذا الإطار يقول إبراهيم بن المدبر: « و ارتصد لكتابك فراغ قلبك، وساعة نشاطك، فتجد ما يمتنع عليك بالكد و التكلف، لأن سماحة النفس بمكنونها، وجود الأذهان بمخزونها… »([30]).
3 ــ 1 ــ 1 ــ الصدر أو الابتداء:
لصدر الرسالة أهمية خاصة لكونه يعتبر مفتتح الخطاب، لهذا يشترط فيه ما لا يشترط في غيره، لأنه « إذا كان الابتداء حسنا بديعا ومليحا رشيقا، كان داعية إلى الاستماع لما يجيء بعده من الكلام »([31]).
إن للابتداء، إذن، وظيفة تحفيزية تتمثل في حمل المتلقي عـلـى الاستماع والانتباه؛ ولهذا يشترط في صدر الخطاب الحسن والرشاقة لما لهما من آثار نفسية إيجابية.
ويؤكد صاحب “المثل السائر” على أهمية “المطلع” في الكتابة فيقول: « (الأول) أن يكون مطلع الكتاب عليه حدة ورشاقة فإن الكاتب من أجاد المطلع أو يكون مبنيا على مقصد الكتاب ولهذا باب يسمى باب المبادي والافتتاحات »([32]).
ويؤرخ إبراهيم بن المدبر لصدور الرسائل فيقول: « وأما صدور السلف فإنما كانت من فلان بن فلان إلى فلان، كذلك جرت كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم… وكتب أصحابه والتابعين كذلك، حتى استخلص الكتاب هذه المحدثات من بدائع الصدور، واستنبطوا لطيف الكلام، ورتبوا لكل رتبة، وجروا على تلك السنة الماضية إلى عصرنا هذا… »([33]).
والابتداء أنواع إذ يمكن أن يكون بـ”البسملة” كما كتب الجاحظ إلى بعض إخوانه ذامّا الزمان: « بسم الله الرحمن الرحيم حفظك الله حفظ من وفقه للقناعة، واستعمله بالطاعة، كتبت إليك وحالي حال من كثفت غمومه، وأشكلت عليه أموره، واشتبه عليه حال دهره…»([34]). كما يمكن أن يكون الابتداء ب”التحميد”: « و لهذا جعل أكثر الابتداءات بالحمد لله؛ لأن النفوس تتشوف للثناء على الله فهو داعية إلى الاستماع »([35]). وقد يكون الابتداء بـ”التحميد” مناسبا لنوع الرسالة، يقول ضياء الدين ابن الأثير: « (ومن الحذاقة في هذا الباب) أن تجعل التحميدات في أوائل الكتب السلطانية مناسبة لمعاني تلك الكتب »([36]).
بيد أن صدر الرسالة قد يتضمن مكونات أخرى إلى جانب “التحميد”؛ ومن ذلك “السلام”. يقول أبو هلال العسكري:« وتكتب في أول الكتاب “سلام عليك” وفي آخره “والسلام عليك” »([37]). ومن ذلك قول عمر بن العزيز مخاطبا أهل الشام: « سلام عليكم ورحمة الله، أما بعد: فإنه من أكثر ذكر الموت قل كلامه، ومن علم أن الموت حق رضي اليسير، والسلام »([38]).
وفضلا عن ذلك، درج بعض الكتاب على استعمال ألفاظ وعبارات في صدور رسائلهم، يكون الغرض منها ربط الصدر بالمقاطع الأخرى من الرسالة؛ ومن ذلك عبارة (أما بعد). يقول صاحب “الإحكام”: « و نظرت ـ أعزك الله ـ في صدور الرسائل واستفتاحها فوجدتها أيضا تختلف. فكانوا في الزمان الأول يكتبون في صدور رسائلهم: أما بعد »([39]). ومن ذلك كتاب أبي العتاهية إلى الفضل بن معن بن زائدة حيث يقول: « أما بعد: فإني توسلت إليك في طلب نائلك بأسباب الأمل، وذرائع الحمد، فرارا من الفقر، ورجاء للغنى، فازددتُ بهما بعدا مما فيه تقرَّبْتُ وقربا مما فيه تبعَّدْتُ، وقد قسمتُ اللائمة بيني وبينك، لأني أخطأتُ في سؤالك، وأخطأتَ في منعي… »([40]).
إن استقراء أبي القاسم الإشبيلي لصدور الرسائل انتهى به إلى الوقوف على حقيقتها؛ فالرسائل لا تتفق في صدورها، بل إن الاختلاف قائم بينها؛ وهو اختلاف فرضه منطق الزمان ومقتضياته، كما أشار إلى ذلك صاحب “الإحكام”وغيره. ومن أوجه ذلك الاختلاف عدم الالتزام في صدور الرسائل ببعض العناصر كقولهم (أما بعد). وهذه حقيقة يؤكدها أبو هلال إذ يقول: « وكان الناس فيما مضى يستعملون في أول فصول الرسائل أما بعد وقد تركها اليوم جماعة من الكتاب فلا يكادون يستعملونها في شيء من كتبهم »([41]).
ولعل أهم ما يمكن استنتاجه من النصين السابقين اتفاقهما على أن:
ــ عبارة (أما بعد) تستعمل في صدر الرسالة لا في غيره من المقاطع.
ــ وأن الكتاب استعملوها في أزمنة سابقة (الزمان الأول ـ فيما مضى).
ومعنى ذلك أن شكل الرسالة عرف بفعل عامل الزمان تغييرات وتعديلات أوجبت التخلي عن بعض العناصر الشكلية، وابتداع عناصر أخرى.
وبهذا يصبح الصدر مقطعا من الرسالة يتألف من عناصر ثابتة وأخرى متغيرة. وهذه الاختلافات حول مكونات صدور الرسائل يعكسها كذلك اختلاف الدارسين حول تسمية هذا الجزء من الرسالة: فهو صدر و ابتداء و استفتاح، كما تثبت ذلك النصوص التي استشهدنا بها سابقا.
وخلاصة القول إن الكتاب كانوا يستفتحون رسائلهم:
ــ بتحديد اسم المرسل والمرسل إليه.
ــ بـ”التحميد”.
ــ و « كانوا أيضا يستفتحون رسائلهم بقولهم: سلام عليك »([42]).
ــ وبالبسملة و بالتصلية، حيث « تنسب إلى الرشيد أنه أول من أمر أن تبتدئ مكاتباته بعد البسملة بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم »([43]). ومن الرسائل المتضمنة لأغلب تلك العناصر ما رواه الطبري من أن أبا جعفر كتب إليه: « بسم الله الرحمان الرحيم، من عبد الله: عبد الله المنصور أمير المؤمنين إلى عيسى ابن موسى، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد… فاقبل نصح أمير المؤمنين لك، تصلح وترشد، والسلام عليك ورحمة الله »([44]).
ــ و في حالات أخرى كانوا « يستفتحون رسائلهم بالمنظوم »([45])؛ يقول ابن عربي في مفتتح إحدى رسائله:
« سلام عليك أبا يوسـف سلام النبي على ذاتــــــه
فقال السلام علينا وقـــــــد توسط بحر مناجاتـــــــه
فما من فراق يكون السلام ولا من ورود من آياتــه
ولكنها نكتة سافــــــــــرت من أعلى إلى علو إثباتـه
ورحمة الله وبركاته.أما بعد، فكتبه من لا يراكم غيره ثانيا، ولا يزال على جلالكم ثانيا… » ([46]).
حســن بـنـيـخـلــــف
1 ـ فن الرسالــة:
لقد تقاسم النثر الفني في العصور القديمة جنسان أدبيان هما: الخطب والرسائل؛ فإذا ما ذكر، انصرفت الأذهان إليهما دون غيرهما نظرا لما يتميزان به من حضور متميز، وما يتبوآنه من منزلة رفيعة بين أجناس الأدب وفنونه؛ هذا بالإضافة إلى ما اضطلعا به من أدوار ووظائف في الحياة الأدبية والاجتماعية والدينية والسياسية والإدارية.
وهكذا يندرج ضمن هذا النثر الفني ما يصطلح عليه بـ”أدب الرسائل” الذي يشكل جنسا أدبيا قائما بذاته، إذ تنضوي تحته هو الآخر أنواع من الرسائل المختلفة أسلوبا وموضوعا، والمتنوعة غرضا ومقصدا، والمتفاوتة جمالا وتأثيرا. هذا فضلا عما راكمه “أدب الرسائل”، عبر مراحل تطوره، من قواعد و معاييـر و خصائـص؛ و من ثـم أصبحت الرسالـة « صناعة ذات قواعد وأصول »([1]).
وإذا كان الأمر كذلك، فإن التساؤل حول مفهوم “أدب الرسائل” يظل ملحا؛ كما أن البحث في هذا الأدب أو ما يسمى عموما بجنس الرسالة سيكون له ما يبرره علميا ومنهجيا.
ينظر، إذن، إلى “أدب الرسائل” باعتباره « ذلك اللون الأدبي الذي يشمل جميع موضوعات الرسائل النثرية الفنية المتبادلة بين الناس »([2]). ورغم ما يكتنف بعض المصطلحات الواردة في هذا التعريف من غموض والتباس، فإنه يتضمن مجموعـة من الإشارات المهمة الدالـة على طبيعة هذا الجنس الأدبي ومنها:
ــ إن “أدب الرسائل” يشكل لونا أدبيا.
ــ إن هذا اللون الأدبي يضم أنواعا من الرسائل التي يشترط فيها أن تكون نثرية و فنية.
ــ إن التعريف يشير إلى جانب مهم من جوانب الرسالة، وهو الجانب التداولي لما له من أهمية في هذا الإطار.
من هنا يمكن النظر إلى “أدب الرسائل” بوصفه الفن النثري الذي اتخذ من الرسالة وسيلته في التعبير والتواصل؛ وتصبح الرسالة بالتالي « لونا من ألوان النثر الفني الجميل وضربا من ضروبه »([3]).
2 ـ الرسالـــة الفنية: المفهوم والشروط
تتضمن الرسالة، لغة، معنى التوجيه؛ ففي”لسان العرب”:« والإرسال: التوجيه، و قـد أرسل إليهم، و الاسـم الرِّسالـة و الرَّسالـة و الرسـول والرسيل »([4] ).
ويؤكد الفيروزآبادي نفس المعنى فيقول:« والإرسال التسليط والإطلاق و الإهمال والتوجيه والاسم الرسالة بالكسر والفتح »([5]).
و في كتاب “كشاف اصطلاحات الفنون” يقول التهانوي عن الرسالة:« الرسالة في الأصل الكلام الذي أرسل إلى الغير وخصت في اصطلاح العلماء بالكلام المشتمل على قواعد علمية والفرق بينها وبين الكتاب على ما هو المشهور إنما بحسب الكمال والنقصان فالكتاب هو الكامل في الفن والرسالة غير الكامل فيه »([6]).
للرسالة، إذن، معنيان: أصلي واصطلاحي؛ الأول يستفاد منه أن الرسالة هي الكلام أو الخطاب الذي يوجه إلى الغير.أما من حيث المعنى الاصطلاحي، فالرسالة تصبح دالة على البحوث أو الدراسات العلمية التي تتناول قضايا محددة في اللغة، أو الأدب، أو الفقه، أو الفلسفة، أو غيرها من المجالات.
وممن أكدوا على المعنى الأصلي لـ”الرسالة”، ابن وهب الكاتب الذي يقول: « والاسم الرسالة، أو راسل يراسل مراسلة فهو مراسل… وأصل الاشتقاق في ذلك أنه كلام يراسل به من بعيد »([7]).
إن هذا التعريف يعضد ما ذهب إليه التهانوي؛ غير أن ابن وهب يحدد دواعي التراسل وظروفها في أمرين هما: البعد و الغياب.
ومعنى هذا أن للرسالة في الأدب والفكر العربيين دلالات ثلاثا: دينية شرعية، وعلمية، وأدبية([8]). غير أننا سنركز على دلالاتها الأدبية والتداولية؛ وفي هذا الإطار يقول صاحب “صبح الأعشى” عن الرسائل: « وهي جمع رسالة، والمراد فيها أمور يرتبها الكاتب: من حكاية حال من عدو أو صيد، أو مدح أو تقريض، أو مفاخرة بين شيئين… وسميت رسائل من حيث إن الأديب المنشئ لها ربما كتب بها إلى غيره مخبرا فيها بصورة الحال »([9]).
إن الرسالة في هذا النص، تحتمل معاني كثيرة تتراوح بين الدلالة على “المبحث” أو “المقالة” العلمية أو الأدبية بالمفهوم القديم (ولقد أشرنا إلى ذلك سابقا)؛ والدلالة على الخطاب الذي يوجه إلى شخص بعينه. ورغم ذلك، فإن الكاتب حاول أن يجعل تعريفه شاملا لمعظم عناصر الرسالة وهي:
أ ــ المرسل، أي صاحب الرسالة الذي سماه القلقشندي بـ (الكاتب والأديب المنشئ).
ب ــ الرسالة، والتي تتناول غرضا أو موضوعا معينا (عدو، صيد ، مدح…).
ج ــ المتلقي، إذ (ربما كتب بها إلى غيره).
د ــ هذا فضلا عن تحديد دوافع وأسباب الكتابة (مخبرا فيها بصورة الحال).
ومن المعلوم أن المعنى الشائع لمصطلح الرسالة يدل على الخطاب الذي يوجه إلى متلق في موضوع معين. لهذا ـ وعلى سبيل المثال ـ « كان الأدباء الأندلسيون يطلقون لفظ رسالة على ما ينشئه الكاتب في نسق فني جميل في غرض من الأغراض، ويوجهه إلى شخص آخر، ويشمل ذلك الجواب والخطاب »([10]).
والحقيقة أن الأمر لا يقتصر على الأدباء الأندلسيين بل يتعداهم ليشمل غيرهم ممن درجوا على هذا الفن الأدبي رغبة في التواصل؛ علما بأن كل رسالة (خطاب) تستوجب ردا( أي جوابا على الخطاب).
والملاحظ أن كتابة الرسائل أصبحت صناعة أو فنا يتطلب من الكاتب المنشئ الدراية و المران حتى يبرع فيها، علما بأن مثل هذه الكتابة قد أصبحت ذلك « الجسر الذي يصل الشخص إلى أرفع المناصب »([11]).
ومن أجل تحقيق ذلك، وضع مجموعة من الكتاب القدامى المتمرسين شروطا وقواعد يجب على كتاب الرسائل الالتزام بها؛ يقول ابن عبد ربه في عقده الفريد: « فإن حاولت صنعة رسالة فزن اللفظة قبل أن تخرجها بميزان التصريف إذا عرضت، وعاير الكلمة بمعيارها إذا سنحت »([12]). فأول ما ينبغي أن يحرص عليه كاتب الرسالة، العناية بالألفاظ والكلمات التي يجب أن تكون مطابقة لموازينها ومعاييرها.
إن كاتب الرسالة مطالب، فضلا عما سبق، بإعادة النظر في رسائله، وتنقيحها وتصحيحها؛ يقول ابن وهب الكاتب: « فأما الرسائل فالإنسان في فسحـة من تمكينها ، وتكـرار النظـر فيها، وإصلاح خلل إن وقع في شيء منها »([13]).
إضافة إلى هذا يلح بعض الكتاب على صنف آخر من الشروط، لكونهم يعتبرونها من أركان الرسالة؛ وهذا ما يمكن استخلاصه من الرسالة التي بعث بها القاضي أبو خليفة الفضل بن حباب الجمحي إلى الصولي، يقول فيها: « وصل كتابك ـ أعزك الله ـ مبهم الأوان، مظلم المكان، فأدى خيرا ما القرب فيه بأولى من البعد؛ فإذا كتبت ـ أكرمك الله تعالى! ـ فلتكن كتبك مرسومة بتاريخ؛ لأعرف أدنى آثارك، وأقرب أخبارك، إن شاء الله تعالى »([14]).
إن القاضي أبا خليفة يثير انتباه الصولي إلى قضية لها أهميتها في كتابة الرسائل، وتتمثل في ضرورة تضمين الرسالة تاريخ كتابتها ومكانها حتى لا تكون كتابا “مبهم الأوان، مظلم المكان”؛ إذ من شأن ذلك أن يساعد المتلقي على ضبط ما ورد في الرسالة من أخبار وآثار.
لقد عرفت الرسالة تطورات كثيرة مست أصنافها وأشكالها ومكوناتها؛ ولعل أبرز تحول نوعي عرفه فن الرسالة هو كتابة الرسائل شعرا لا نثرا، كما كان متداولا ومتعارفا عليه. ولهذا « كان الأدباء الأندلسيون يطلقون لفظ رسالة أحيانا على القصائد والمقطوعات الشعرية التي ينظمها الشاعر على شكل خطاب موجه إلى صديق أو غيره في أي موضوع »([15]).
إن هذه الإضافة النوعية فرضت مجموعة من التغييرات حتى يتسنى للكاتب/الشاعر إخضاع فن نثري للقواعد الشعرية؛ ومن ذلك التحرر من بعض التقاليد التي يلتزم بها في الرسائل النثرية. وهناك نماذج دالة على هذا النوع الأدبي الجديد حيث « روي أنه دامت الأمطار بسر من رأى، فتأخر الحسن بن وهب عن محمد بن عبد الملك الزيات، وهو يومئذ وزير، والحسن يكتب إليه، فاستبطأه محمد، فكتب إليه الحسن يقول:
أوجب العذر في تراخي اللقـاء مــا توالى مـن هـذه الأنـواء
لست أدري ماذا أقول وأشكــو من سماء تعوقني عن سماء
غير أني أدعو على تلك بالثـك ــــل وأدعـــو هـذه بالبـقــاء
فسلام الإله أهـديه غضـــــــــا لـك مني يا سيــــــد الـوزراء »([16]).
والملاحظ أن التغييرات والتجديدات التي حاول بعض الأدباء إدخالها على فن الرسالة النثري لم تجد آذانا صاغية، إذ ظلت الرسالة فنا نثريا بامتياز!
وفضلا عن ذلك، عرفت الرسالة تغييرات أخرى حيث اقتحم الكتاب مجالات جديدة، وانفتحوا على موضوعات وأغراض ظلت، لزمن طويل، حكرا على الشعر. وهكذا « أخذت [أي الرسائل الديوانية] تتناول بعض الأغراض التي كان يتناولها الشعر من تهنئات و تعزيات وشكر… »([17]).
وكيفما كان الحال، فإن الرسالة تفرعت إلى أنواع ثلاثة كبرى هي:
ــ الرسالة الديوانية.
ــ الرسالة الإخوانية.
ــ الرسالة الأدبية.
وهكذا، فإذا كانت الرسائل الديوانية ــ التي يسميها بعضهم بالرسائل السياسية أو السلطانية أو الرسمية([18])ــ تعالج شؤون الإدارة([19])، فإن الرسائل الإخوانية تصور عواطف الناس ومشاعرهم في الخوف والرجاء والرهبة والمديح والهجاء والتهاني والعتاب والاعتذار والاستعطاف والتعزية.([20]) أما الرسائل الأدبية فهي التي كانت « تعنى بالكتابة في موضوع محدد ، مما نسميه اليوم باسم المقالات »([21]).
3 ـ الرسالة: بناؤها وخصائصها الفنية
إن الرسالة بأنواعها وأصنافها المختلفة تستمد أهميتها وقيمتها من أمرين اثنين هما: الخصائص والوظائف. وإذا كان الجانب الكمي (ومن ذلك كثرة الأنواع وتعددها)، يشهد على مدى حضور وانتشار هذا الجنس الأدبي، فإن الجوانب النوعية تعد دليلا على مدى تطوره وارتقائه. لهذا يصبح من الواجب إيلاء الجوانب الفنية في الرسالة عناية خاصة.
وتحقيقا لذلك نشير إلى أن « الكتابة الفنية بدأت مع الرسائل، ثم خطت أهم خطواتها مع الكتابة الديوانية، ومع وجود الكاتب المثقف المتخصص»([22]). ومعنى هذا أن الكتابة النثرية لم تصبح كتابة فنية إلا بعد إنشاء الدواوين، وإسناد مهمة الكتابة فيها إلى الكتاب المتخصصين الذين تفرغوا لكتابة الرسائل فبرعوا فيها وأجادوا.
كما أن بعض القدامى عالجوا كثيرا من الظواهر الفنية في الرسالة، وقدموا قراءات لا يمكن إنكار أهميتها، وخاصة ما تعلق منها بمحاولات تجنيس الرسالة والكشف عن بنائها وخصائصها؛ وفي هذا الإطار يقول صاحب “الصناعتين”: « واعلم أن الرسائل والخطب متشاكلتان في أنها كلام لا يلحقه وزن ولا تقفية وقد يتشاكلان أيضا من جهة الألفاظ والفواصل، فألفاظ الخطباء تشبه ألفاظ الكتاب في السهولة والعذوبة، وكذلك فواصل الخطب، مثل فواصل الرسائل ولا فرق بينهما إلا أن الخطبة يشافه بها والرسالة يكتب بها »([23]).
لهذا النص قيمة كبرى وأهمية خاصة لكونه:
أ ــ يعكس وعي صاحب “الصناعتين” بمسألة الأجناس الأدبية واستحضاره لها في حديثه عن الرسائل والخطب.
ب ــ يترجم رغبته في تجنيس الرسائل و الخطب اعتمادا على آليات محددة هي: المشابهة (متشاكلتان ـ يتشاكلان)، والممايزة (ولا فرق).
ج ــ يعرف الرسائل والخطب باعتماد آلية المقارنة المضمرة لكونه يستحضر، في هذا التعريف، جنس الشعر باعتباره الأصل أو المعيار الذي يُحتكم إليه في كل عملية تجنيسية (كلام لا يلحقه وزن ولا تقفية).
د ــ تصبح الرسائل والخطب هما الكلام غير الموزون وغير المقفى؛ إنهما جنسان أدبيان متقاربان، لكنهما متمايزان عن جنس الشعر.
هـ ــ ومعنى ذلك أن صاحب “الصناعتين” يجمع بين المتشابه من الأجناس (الخطب والرسائل) ليميزها عن الأجناس المباينة لهما (الشعر).
وــ غير أن رغبته في مزيد من التدقيق و التعميق دفعت به إلى محاولة التمييز بين الأجناس، إذ عمد ــ بعد التأليف بين الرسائل والخطب لكونهما يتشابهان لفظا وأسلوبا وبناء ــ إلى التفريق بينهما لأنهما يختلفان من حيث طريقة الأداء: فالخطب جنس شفاهي؛ أما الرسائل فهي جنس كتابي.
3 ــ 1 ــ بناء الرسالة:
إن عناية صاحب”الصناعتين” وشغفه بالأجناس الأدبية السائدة في عصره، دفع به بعــد عملية التجنيس باعتبارها وصفا لما هو كائن، إلى الشروع في عملية التنظير للأجناس الأدبية بوصفها تقريرا لما ينبغي أن تكون عليه تلك الأجناس؛ وفي هذا الإطار يقول أبو هلال العسكري: « و اعلم أن الذي يلزمك في تأليف الرسائل و الخطب هو أن تجعلها مزدوجة فقط و لا يلزمك فيها السجع فإن جعلتها مسجوعة كان أحسن ما لم يكن في سجعك استكراه وتنافر وتعقيد »([24]).
إن أبا هلال العسكري يتحدث بلسان “المعلم” القادر على التلقين والإرشاد في مجال الكتابة، موجها الخطاب إلى متعلم (متلق) ذي مواصفات محددة، لهذا خاطبه ب”اعلم” و”يلزمك”، تنبيها له وإعلاما بما يجب أن يحيط به من شروط و معايير يستلزمها تأليف الرسائل والخطب، واللتان يشترط فيهما أن يبنى أسلوبهما (فواصلهما) على الازدواج. أما السجع فمستحسن ما لم “يستكره”؛ أو يكتنفه “تنافر وتعقيد”.
إن كلام أبي هلال لم يخرج عن إطار الإلزام والاستحسان؛ وبهذا ينخرط صاحب “الصناعتين” في الدفاع عن القيم الفنية والمعايير الجمالية السائدة في عصره؛ وهو الأمر الذي عكس جانبا من تصوره لـ”الكتابة” حيث كشف عن بعض المكونات التي تسهم في بناء جنسي “الرسائل” و”الخطب”.
إن السجع (ومنه الازدواج) يصبح من العلامات اللفظية المميزة للرسائل والخطب. و بناء على ذلك يمكن النظر إلى الرسالة باعتبارها كتابة نثرية مسجوعة كانت أو مزدوجة.
إن دراسة القدامى لجنس الرسالة وتنظيرهم لها سارا في اتجاهين مختلفين لكنهما متكاملان؛ ويتمثل الأول منهما في عنايتهم ب”المرسل إليه”.أما الثاني فيكشف عن مدى احتفائهم بالرسالة ذاتها.
أ ــ المرسل إليه: للمرسل إليه حضور بارز في كتابات القدامى وخطاباتهم باعتباره من العناصر الرئيسة المسهمة في عملية التواصل. ومن مظاهر احتفائهم بالمتلقي تأكيدهم على ضرورة مراعاة قدراته العقلية ومستوياته المعرفية والاجتماعية؛ يقول صاحب “الصناعتين”: « فأول ما ينبغي أن تستعمله في كتابتك.. مكاتبة كل فريق منهم على مقدار طبقتهم وقوتهم في المنطق »([25]). و كل ذلك لاقتناع أبي هلال بأن المخاطبين فئات و مستويات يجدر بالخطاب أن يراعي طبقتهم ومنطقهم.
وفي هذا الإطار يقول إبراهيم بن المدبر في رسالته العذراء المشهورة: « ولكل طبقة من هذه الطبقات معان ومذاهب يجب عليك أن تراعيها في مراسلتك إياهم في كتبك، فتزن كلامك في مخاطبتهم بميزانه، وتعطيه قسمه، وتوفيه نصيبه…»([26]). ويزيد الأمر توضيحا فيقول: « ولا تخاطبن خاصا بكلام عام، ولا عاما بكلام خاص، فمتى خاطبت أحدا بغير ما يشاكله، فقد أجريت الكلام غير مجراه… »([27]). ويقول صاحب “الإحكام”، كذلك، عن كاتب الرسالة: « ويتوخى من ذلك ما يناسب الحال، و يشاكل المعنى ويوافق المخاطب »([28]). ومن ذلك أن “الدعاء” في الرسالة أو الخطبة يقتضي ـ على سبيل المثال ـ الاحتفاء بأربعة عناصر هي: اللفظ والمعنى وهما خاصان بـ”النص”؛ وكذا العناية بالحال والمخاطب، وهما متعلقان بـ”المتلقي”؛ مع العلم بأن الكتابة الجيدة تشترط التناسب و المشاكلة بين تلك العناصر.
من هنا نستنتج بأن القدامى، من مؤرخي الأدب العربي ودارسيه، مثلما عنوا بالنص (الرسالة)، احتفوا كذلك بالمتلقي؛ ولهذا جعلوا موافقة النص للمتلقي شرطا من شروط الكتابة.
ب ــ النص/ الرسالة: أما من حيث احتفاؤهم بالنص، فتنبغي الإشارة إلى أن الدارسين اعتنوا بمجموعة من العناصر المكونة لمعمار الرسالة، ومنها: الصدر(أو الاستفتاح)، والغرض ، والخاتمة.
إن هذه العناصر وغيرها هي التي تسهم في بناء الرسالة الفنية التي تعتبر« قطعة نثرية واحدة تتجزأ في ثلاثة أقسام وعناصر مختلفة هي: البداية أو الصدر والمتن ثم النهاية أو الختام… وهناك اتصال وثيق بين هذه العناصر التي تكون الشكل الفني المميز للرسالة بين أشكال النثر الفني الأخرى »([29]).
ومعنى هذا أن الرسالة الفنية أصبح لها شكل فني تواضع الكتاب عليه، ويتمثل في الصدر والغرض والخاتمة؛ وكلها مكونات شكلية ثابتة تنبني عليها كل رسالة فنية؛ ولقد نظر القدامى في هذه المكونات، واستخلصوا ما ينبغي أن تستوفيه من شروط ومواصفات. ولعل من أبرزها الشروط النفسية؛ وفي هذا الإطار يقول إبراهيم بن المدبر: « و ارتصد لكتابك فراغ قلبك، وساعة نشاطك، فتجد ما يمتنع عليك بالكد و التكلف، لأن سماحة النفس بمكنونها، وجود الأذهان بمخزونها… »([30]).
3 ــ 1 ــ 1 ــ الصدر أو الابتداء:
لصدر الرسالة أهمية خاصة لكونه يعتبر مفتتح الخطاب، لهذا يشترط فيه ما لا يشترط في غيره، لأنه « إذا كان الابتداء حسنا بديعا ومليحا رشيقا، كان داعية إلى الاستماع لما يجيء بعده من الكلام »([31]).
إن للابتداء، إذن، وظيفة تحفيزية تتمثل في حمل المتلقي عـلـى الاستماع والانتباه؛ ولهذا يشترط في صدر الخطاب الحسن والرشاقة لما لهما من آثار نفسية إيجابية.
ويؤكد صاحب “المثل السائر” على أهمية “المطلع” في الكتابة فيقول: « (الأول) أن يكون مطلع الكتاب عليه حدة ورشاقة فإن الكاتب من أجاد المطلع أو يكون مبنيا على مقصد الكتاب ولهذا باب يسمى باب المبادي والافتتاحات »([32]).
ويؤرخ إبراهيم بن المدبر لصدور الرسائل فيقول: « وأما صدور السلف فإنما كانت من فلان بن فلان إلى فلان، كذلك جرت كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم… وكتب أصحابه والتابعين كذلك، حتى استخلص الكتاب هذه المحدثات من بدائع الصدور، واستنبطوا لطيف الكلام، ورتبوا لكل رتبة، وجروا على تلك السنة الماضية إلى عصرنا هذا… »([33]).
والابتداء أنواع إذ يمكن أن يكون بـ”البسملة” كما كتب الجاحظ إلى بعض إخوانه ذامّا الزمان: « بسم الله الرحمن الرحيم حفظك الله حفظ من وفقه للقناعة، واستعمله بالطاعة، كتبت إليك وحالي حال من كثفت غمومه، وأشكلت عليه أموره، واشتبه عليه حال دهره…»([34]). كما يمكن أن يكون الابتداء ب”التحميد”: « و لهذا جعل أكثر الابتداءات بالحمد لله؛ لأن النفوس تتشوف للثناء على الله فهو داعية إلى الاستماع »([35]). وقد يكون الابتداء بـ”التحميد” مناسبا لنوع الرسالة، يقول ضياء الدين ابن الأثير: « (ومن الحذاقة في هذا الباب) أن تجعل التحميدات في أوائل الكتب السلطانية مناسبة لمعاني تلك الكتب »([36]).
بيد أن صدر الرسالة قد يتضمن مكونات أخرى إلى جانب “التحميد”؛ ومن ذلك “السلام”. يقول أبو هلال العسكري:« وتكتب في أول الكتاب “سلام عليك” وفي آخره “والسلام عليك” »([37]). ومن ذلك قول عمر بن العزيز مخاطبا أهل الشام: « سلام عليكم ورحمة الله، أما بعد: فإنه من أكثر ذكر الموت قل كلامه، ومن علم أن الموت حق رضي اليسير، والسلام »([38]).
وفضلا عن ذلك، درج بعض الكتاب على استعمال ألفاظ وعبارات في صدور رسائلهم، يكون الغرض منها ربط الصدر بالمقاطع الأخرى من الرسالة؛ ومن ذلك عبارة (أما بعد). يقول صاحب “الإحكام”: « و نظرت ـ أعزك الله ـ في صدور الرسائل واستفتاحها فوجدتها أيضا تختلف. فكانوا في الزمان الأول يكتبون في صدور رسائلهم: أما بعد »([39]). ومن ذلك كتاب أبي العتاهية إلى الفضل بن معن بن زائدة حيث يقول: « أما بعد: فإني توسلت إليك في طلب نائلك بأسباب الأمل، وذرائع الحمد، فرارا من الفقر، ورجاء للغنى، فازددتُ بهما بعدا مما فيه تقرَّبْتُ وقربا مما فيه تبعَّدْتُ، وقد قسمتُ اللائمة بيني وبينك، لأني أخطأتُ في سؤالك، وأخطأتَ في منعي… »([40]).
إن استقراء أبي القاسم الإشبيلي لصدور الرسائل انتهى به إلى الوقوف على حقيقتها؛ فالرسائل لا تتفق في صدورها، بل إن الاختلاف قائم بينها؛ وهو اختلاف فرضه منطق الزمان ومقتضياته، كما أشار إلى ذلك صاحب “الإحكام”وغيره. ومن أوجه ذلك الاختلاف عدم الالتزام في صدور الرسائل ببعض العناصر كقولهم (أما بعد). وهذه حقيقة يؤكدها أبو هلال إذ يقول: « وكان الناس فيما مضى يستعملون في أول فصول الرسائل أما بعد وقد تركها اليوم جماعة من الكتاب فلا يكادون يستعملونها في شيء من كتبهم »([41]).
ولعل أهم ما يمكن استنتاجه من النصين السابقين اتفاقهما على أن:
ــ عبارة (أما بعد) تستعمل في صدر الرسالة لا في غيره من المقاطع.
ــ وأن الكتاب استعملوها في أزمنة سابقة (الزمان الأول ـ فيما مضى).
ومعنى ذلك أن شكل الرسالة عرف بفعل عامل الزمان تغييرات وتعديلات أوجبت التخلي عن بعض العناصر الشكلية، وابتداع عناصر أخرى.
وبهذا يصبح الصدر مقطعا من الرسالة يتألف من عناصر ثابتة وأخرى متغيرة. وهذه الاختلافات حول مكونات صدور الرسائل يعكسها كذلك اختلاف الدارسين حول تسمية هذا الجزء من الرسالة: فهو صدر و ابتداء و استفتاح، كما تثبت ذلك النصوص التي استشهدنا بها سابقا.
وخلاصة القول إن الكتاب كانوا يستفتحون رسائلهم:
ــ بتحديد اسم المرسل والمرسل إليه.
ــ بـ”التحميد”.
ــ و « كانوا أيضا يستفتحون رسائلهم بقولهم: سلام عليك »([42]).
ــ وبالبسملة و بالتصلية، حيث « تنسب إلى الرشيد أنه أول من أمر أن تبتدئ مكاتباته بعد البسملة بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم »([43]). ومن الرسائل المتضمنة لأغلب تلك العناصر ما رواه الطبري من أن أبا جعفر كتب إليه: « بسم الله الرحمان الرحيم، من عبد الله: عبد الله المنصور أمير المؤمنين إلى عيسى ابن موسى، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد… فاقبل نصح أمير المؤمنين لك، تصلح وترشد، والسلام عليك ورحمة الله »([44]).
ــ و في حالات أخرى كانوا « يستفتحون رسائلهم بالمنظوم »([45])؛ يقول ابن عربي في مفتتح إحدى رسائله:
« سلام عليك أبا يوسـف سلام النبي على ذاتــــــه
فقال السلام علينا وقـــــــد توسط بحر مناجاتـــــــه
فما من فراق يكون السلام ولا من ورود من آياتــه
ولكنها نكتة سافــــــــــرت من أعلى إلى علو إثباتـه
ورحمة الله وبركاته.أما بعد، فكتبه من لا يراكم غيره ثانيا، ولا يزال على جلالكم ثانيا… » ([46]).
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin