..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: قواعد العقائد فى التوحيد ـ حجة الإسلام الإمام الغزالي
كتاب “فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال” ـ بواسطة عثمان الشريف ـ ج1 Emptyاليوم في 19:35 من طرف Admin

» كتاب: سر الاسرار باضافة التوسل ـ الشيخ أحمد الطيب ابن البشير
كتاب “فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال” ـ بواسطة عثمان الشريف ـ ج1 Emptyاليوم في 19:33 من طرف Admin

» كتاب: خطوتان للحقيقة ـ الأستاذ محمد مرتاض ــ سفيان بلحساين
كتاب “فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال” ـ بواسطة عثمان الشريف ـ ج1 Emptyاليوم في 19:27 من طرف Admin

» كتاب: محمد صلى الله عليه وسلم مشكاة الأنوار ـ الشيخ عبدالله صلاح الدين القوصي
كتاب “فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال” ـ بواسطة عثمان الشريف ـ ج1 Emptyاليوم في 19:25 من طرف Admin

» كتاب: النسمات القدوسية شرح المقدمات السنوسية الدكتور النعمان الشاوي
كتاب “فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال” ـ بواسطة عثمان الشريف ـ ج1 Emptyاليوم في 19:23 من طرف Admin

» كتاب: المتمم بأمر المعظم صلى الله عليه وآله وسلم ـ الشيخ ناصر الدين عبداللطيف ناصر الدين الخطيب
كتاب “فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال” ـ بواسطة عثمان الشريف ـ ج1 Emptyاليوم في 19:20 من طرف Admin

» كتاب: الجواهر المكنونة فى العلوم المصونة ـ الشيخ عبدالحفيظ الخنقي
كتاب “فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال” ـ بواسطة عثمان الشريف ـ ج1 Emptyاليوم في 19:16 من طرف Admin

» كتاب: الرسالة القدسية في أسرار النقطة الحسية ـ ابن شهاب الهمداني
كتاب “فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال” ـ بواسطة عثمان الشريف ـ ج1 Emptyاليوم في 19:09 من طرف Admin

» كتاب: رسالة فى التعلق بجنابه والوقوف على بابه صلى الله عليه وسلم ـ الشيخ رشيد الراشد
كتاب “فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال” ـ بواسطة عثمان الشريف ـ ج1 Emptyاليوم في 19:04 من طرف Admin

» كتاب: مطالع الأنوار شرح رشفات السادات الأبرار ـ الإمام عبدالرحمن بن عبدالله بن أحمد بلفقيه
كتاب “فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال” ـ بواسطة عثمان الشريف ـ ج1 Emptyاليوم في 18:54 من طرف Admin

» كتاب: المسألة التيمية فى المنع من شد الرحال للروضة النبوية صنفه دكتور بلال البحر
كتاب “فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال” ـ بواسطة عثمان الشريف ـ ج1 Emptyاليوم في 18:43 من طرف Admin

» كتاب: مختارات من رسائل الشيخ سيدي أحمد التجاني
كتاب “فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال” ـ بواسطة عثمان الشريف ـ ج1 Emptyاليوم في 18:40 من طرف Admin

» كتاب: سلَّم التيسير لليُسرى ـ عبدالرحمن بن أحمد بن عبدالله بن علي الكاف باعلوي
كتاب “فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال” ـ بواسطة عثمان الشريف ـ ج1 Emptyاليوم في 18:19 من طرف Admin

» كتاب: عمر السيدة عائشة رضى الله عنها يوم العقد والزواج الدكتور صلاح الإدلبي
كتاب “فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال” ـ بواسطة عثمان الشريف ـ ج1 Emptyاليوم في 16:55 من طرف Admin

» كتاب: علماء سلكو التصوف ولبسو الخرقة ـ إدارة موقع الصوفية
كتاب “فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال” ـ بواسطة عثمان الشريف ـ ج1 Emptyاليوم في 16:52 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب “فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال” ـ بواسطة عثمان الشريف ـ ج1

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68465
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب “فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال” ـ بواسطة عثمان الشريف ـ ج1 Empty كتاب “فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال” ـ بواسطة عثمان الشريف ـ ج1

    مُساهمة من طرف Admin 23/10/2020, 19:43

    قراءة في كتاب “فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال” ـ ج1
    تأليف أبي الوليد ابن رشد الحفيد (1126 -1198م)

    هاجس القراءة
    انتابني هاجس منهجي وأنا أتهيأ لقراءة كتاب فصل المقال لابن رشد، ذلك أن المدونة الرشدية شكلت منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ولا تزال، تربة خصبة لاستنبات عدد لا يحصى من الدراسات والأبحاث والمشاريع العلمية والنقدية، سواء من قبل المستشرقين الذين كانوا سباقين إلى نفض الغبار عن تراث ابن رشد أو من قبل المفكرين العرب المعاصرين، المشارقة منهم والمغاربة سواء بسواء. واللافت للانتباه أن هذه القراءات، على كثرتها، قد رسمت لفكر فيلسوف قرطبة ومراكش صورا مختلفة ومتباينة بل تصل حد التناقض أحيانا. ولعل هذا الواقع أكثر وضوحا في الفكر الفلسفي المغربي المعاصر الذي تراوحت فيه صورة ابن رشد بين “التهويل” و”التهوين”، وشكلت فيه الذخيرة الفلسفية الرشدية سلاحا لحرب وسمها الخفاء والتجلي بين قطبي الفلسفة المغربية، نقصد ههنا الدكتور محمد عابد الجابري والدكتور طه عبد الرحمان؛ فبينما رأى الأول في الرشدية ” خطوة ضرورية في استنبات رشدية عربية إسلامية هي وحدها القادرة في نظره على أن تعطي لحياتنا الثقافية ما هي في حاجة إليه من القدرة الذاتية على التصحيح والتجديد”[1]، لم يألُ الثاني جهدا في بناء مشروع قراءة جديدة مناقضة لا يرى من خلالها أي حاجة أو ضرورة في استرجاع هذه الروح الرشدية وتبويئها مكانة المثال الذي يجب أن يحتذى.

    على هذا النحو نبت في الفلسفة المغربية المعاصرة مشروعان، على الأقل، وقفا كطرفي نقيض بخصوص المسألة الرشدية، وشكل أحدهما للآخر مقابلا موضوعيا يختلف عنه في الرؤية والتصور والمنهج؛ فإذا كان الجابري قد استلهم من ابن رشد التراتبية التفاضلية في تصنيف العقل العربي: فجعل العقل البرهاني يعتلي مكانة الصدارة يليه نزولا العقل البياني ثم العقل العرفاني- إذا كان الجابري كذلك- فإن طه عبد الرحمان يقلب التصنيف رأسا على عقب، فيرفع العقل العرفاني المؤيَّد إلى قمة الهرم وينزل العقل البرهاني المجرَّد إلى أسفله جاعلا بينهما العقل البياني المسدَّد[2].
    إن هذه الثنائية القطبية دفعت العديد من الباحثين والدارسين العرب المشارقة منهم والمغاربة إلى الوقوف والاصطفاف إلى جانب هذا القطب أو ذاك، وأصبحوا بكيفية أو بأخرى “مريدين” يرددون مقولات الشيخيْن ويسعون إلى نشر الطريقة بين الأتباع والأشياع، فطُمست بوعي أو بغير وعي منهم معالم الجدة والأصالة والإبداع الذي يجب أن يتميز به الباحث، فصرنا لا نقرأ إلا مُعارا ومُعادًا من قول ذيْنِك المفكريْن مَكْرُورًا. فهل نقول، والحال هذه، إننا أمام حتمية تاريخية تقضي بأنّ السابقين لم يتركوا شيئا يضيفه اللاحقون، فحصروا الإشكاليات وقتلوها بحثا، ولم يبق على هذه الأرض الرشدية ما يستحق الحياة؟ أم أن الأمر يتعلق بحالة نفسية تصيب الباحثَ بالانبهار بالمُنجَز النقدي فتُحْجِمُه عن الخوض بجرأة في نقد هذا التراث، وتجعله يتهيّب من اقتراح قراءات من خارج الأنساق القائمة؟

    إن هذه الأسئلة وغيرها تزداد توترًا وحُرْقَة حينما تنتاب باحثا مبتدئا مثلي لا زال يخطو خطواته الأولى في مجال البحث الفلسفي، ولم تتقو بعدُ مناعته التي تحميه من الوقوع ضحية لتأثير المشاريع والاقتراحات القائمة لتجديد الفكر العربي. ومن ثم كيف السبيل إلى التمرد على سلطة توجيه القراءة التي يمكن أن يمارسه عليه هذا المشروع أو ذاك؟

    إنني لا أتوخى في هذه الورقة[3] اقتراح قراءة تدّعي الجِدّة أو الإتيان بما لم يأت به الأوائل، وإنما مبلغ مطمحنا التمرن على إثبات الخصوصية في تناول الموضوع وطرح التصور، والإقدار على التوظيف المنهجي في تتبع المقولات والموازنة بينها، من خلال قراءة عابرة تمر عبر المنجز السابق تحاوره وتستفيد منه دون أن تتقيد بقيوده أو تحتكم لمعاييره أو تستسلم لقناعاته.

    صورة ابن رشد بين ” التهويل” و” التهوين”
    لقد أشرف الدكتور محمد عابد الجابري على إخراج مشروع يتغيى التعريف بكتب ابن رشد التي كتبها- حسب زعمه- ابتداء وأصالة، وخاصة تلك المؤلفات التي أبدع فيها بعيدا عن الشرح والتلخيص لكتب الأوائل من فلاسفة الإغريق وفي مقدمتهم أرسطو. وهذه الكتب هي فصل المقال والكشف عن مناهج الأدلة وتهافت التهافت والكليات في الطب ثم كتاب الضروري في السياسة.

    ولا يمكن بحال من الأحوال إنكار هذا المجهود الفكري المبذول أو تبخيس هذا العمل وإخفاء أثره في إغناء المكتبة الفلسفية العربية المعاصرة. غير أن الجابري صدر في مشروعه الفكري هذا، ومنذ كتابه المؤسس “نحن والتراث”[4]، عن رؤية منهجية متعالية مفرطة في الذاتية وتعاني من نزعة تفضيلية، رأت في المنجزات السابقة عليه التي تناولت الإرث الفلسفي لابن رشد أنها ” تعاني مما يمكن أن نطلق عليه أزمة الفهم وذلك على مستوى العبارة ومستوى قصد المؤلف (أي ابن رشد) “[5]. وهذه النزعة نفسها سبق أن عبر عنها في قراءته لفلسفة ابن سينا المشرقية حينما لاحظ أن القراءات السابقة عليه وقعت في تعميم الأحكام بل في الأخطاء[6].

    ويبدو أن هذه القناعة التفضيلية لفلسفة ابن رشد ترسخت لدى الجابري مبكرا منذ نصوصه النقدية الأولى لقراءة التراث الفلسفي العربي حينما جعل النموذج الرشدي يحمل صفة التميز، بل أحدث حسب زعمه ثورة في سيرورة الفلسفة العربية الإسلامية أوصلها حد القطيعة الإبستمولوجية مع نظيرتها المشائية في المشرق، ” قطيعة تمس في آن واحد المنهج والمفاهيم والإشكالية”[7]. ولا يقف الجابري عند حدود الترجيح التفاضلي لمُلْهِمِه بل يتمادى في الانتصار له ويصطف إلى جانبه مهاجما خصومه من فلاسفة المشرق، وفي مقدمتهم أبو حامد الغزالي وبدرجة أقل ابن سينا والفارابي، ولم ير أي غضاضة في التنكيل بهم تنكيلا لا يقل جرأة وتشنيعا عن ذاك الذي ابتدأه ابن رشد نفسه في كتابيه فصل المقال وتهافت التهافت. هكذا لا يرى الجابري في الغزالي مثلا إلا ذلك ” المنظر الإيديولوجي للدولة ضد الباطنية والفلسفة “[8]، ثم لا يلبث أن ينصبه قائدا في” محكمة التفتيش ضد الفلسفة وعلومها “[9]. وفي المقابل يتغاضى عن التصريح بالأدوار السياسية والمهام الإيديولوجية التي أنيطت بفيلسوفه المفضل، بل إنه يعتبر مهمات ابن رشد في السياسة الثقافية للدولة الموحدية على عهد السلطان أبي يعقوب “إسهامات تنويرية “.[10]

    على هذا النحو يتأسس لدى القارئ وعي منذ البداية أنه أمام قراءة جديدة و” ناسخة ” تجُبُّ ما قبلها من القراءات السلفية[11]، وتبطل كل الأحكام وتهدم جميع المشاريع وتُعْمي الرُّؤى الفلسفية وتحصد ما نبت من قبل في حقل الدراسات العربية التي عالجت فكر فيلسوف الفردوس المفقود. إن هذا الموقف الذي يتبناه الجابري هو توجيه صريح للقارئ، ونداء لتصويب أشرعة القراءة وتوجيهها نحو المقاصد والغايات التي يبدو أنها محددة مسبقا على خارطة صاحب المشروع، الذي يبدو أنه يتهيأ للإعلان عن فتح غير مسبوق في الدراسات الرشدية، و “حل لألغاز ” استعصت على الاجتهادات المعاصرة التي سبقت مشروعه وكانت ” تستقي إشكالياتها وموجهاتها في الغالب الأعم مما كتبه عن ابن رشد المستشرقون”.[12]

    لقد شكل خطاب المقدمات الذي افتتح به الجابري كل حديث له عن ابن رشد وخاصة مؤلفاته التي أشرف على إعادة تحقيقها- شكل- غواية حقيقية للقارئ، تراوده عن نفسه وتأخذ بتلابيبه وتجره جرا للوقوع في أحضان مقصدية الكاتب الذي رأى في ابن رشد وفكره ” المنقذ من الضلال” الذي تاهت فيه الأمة العربية، و” مَهْدِيَّها المنتظر” المخرجَ لها من نفق التخلف والرجعية، ابن رشد ” الحقيقي ” العربي الإسلامي الذي يعيد الجابري اكتشافه، وليس ابن رشد ” المزيف” الذي قدمته الدراسات السابقة. هكذا لم يدخر الجابري جهدا في تهويل ورسم الصورة المثال لفيلسوفه الأثير وتقديمه للقارئ العربي باعتباره “نموذجا للمثقف العربي المطلوب اليوم وغدا، الذي يجمع بين استيعاب التراث وتمثل الفكر المعاصر والتشبع بالروح النقدية، وبالفضيلة العلمية والخلقية “.[13]

    لا يخفي الجابري، إذا، حقا يراه مشروعا في رسم صورة مثالية لابن رشد وتبشير القارئ العربي المعاصر بـ” المخلِّص”، كما لا يكف عن الترويج لفكر هذا الرجل الذي عثر فيه على ملامح المثقف المطلوب الذي يجب أن يُحتذى فقها وفكرا؛ لقد أصبغ الجابري على ابن رشد كل ما وسعه من عبارات الثناء والتعظيم إلى الحد الذي بدت فيه صورة أبي الوليد محاطة بهالة من التبجيل والتقديس؛ فهو الفيلسوف ” صاحب العبقرية الرياضية”[14]، و” المنطقي الذي لا يعرف التملق ولا الحشو”[15]، وفلسفته ” مستقبلية على الرغم من ارتباطها بأرسطو”[16]، وصاحب” فلسفة خاصة وأصيلة.. فلسفة جديرة حقا بهذا الاسم”[17]، وصاحب “عقلانية واقعية”[18].

    لقد قرأ الجابري فيلسوف الفردوس المفقود بعين المحب الذي يرى في محبوبه صفات الكمال ويتغاضى عن كشف الهفوات والعثرات ومكامن الخلل. لقد سلط صاحب مشروع نقد العقل العربي الضوء على جسد الفكر الرشدي وأبرز كل التفاصيل التي تخدم مشروعه وحلل كل بنية تتقاطع مع رؤيته الإيديولوجية، وفي المقابل ستر، ما أمكنه ذلك، كل عيوب هذا الجسد ومكامن النقص والقصور فيه وتركها تتدثر بظلال الصمت أو بالتبريرات الإسقاطية، متوسلا في ذلك بقدرة كبيرة على توظيف الطاقات الحجاجية والوظائف التعبيرية للغة التي يمتلكها.

    أمام صورة التهويل التي رسمها الدكتور محمد عابد الجابري للفيلسوف ابن رشد، حيث راكم على امتداد سنوات ما استطاع إليه سبيلا من سمات تكوينية استمدها من فلسفة ابن رشد لبناء هذه الصورة حتى تضخمت في الوعي العربي بالشكل الذي حجبت معه كل نموذج آخر أصيل يمكن أن يشكل نواة مشروع نهضة فكرية. – أمام تلك الصورة – نجد الدكتور طه عبد الرحمان يهوِّن من قيمة ابن رشد الفلسفية ويرى أنه لا يستحق كل تلك الضجة التي ملأ بها الجابري الدنيا وشغل الناس؛ إذ لم يكن ابن رشد في نظر طه عبد الرحمان سوى “مقلد”، ” والمقلد لا يمكن أن يعول عليه من يطمح إلى تجديد الفكر الفلسفي الإسلامي العربي”[19].

    لقد حصر طه عبد الرحمان كلا من ابن رشد والجابري في زاوية واحدة، وجعل الثاني منهما امتدادا للأول فكرا ومنهجا، لذلك وجه لهما كليهما ضربات النقد اللاذع موظفا في ذلك منهجه الذي انتهى إليه نظره في تقويم التراث، والذي نحى فيه منحى ” غير مسبوق ولا مألوف يقول بالنظرة التكاملية حيث يقول غيره بالنظرة التفاضلية، ويتوسل فيه بأدوات مأصولة حيث توصل غيره بأدوات منقولة”[20]. وليس هذا “الغير” المقصود ههنا سوى الجابري وغيره من المفكرين العرب الذين خاضوا في بحر التراث، فكانوا كلهم في نظره مقلدين متشبهين بغيرهم من فلاسفة الغرب قدماء ومعاصرين، فأفضى بهم النظر إلى” الحكم بالانقطاع عن هذا التراث إن كلا أو جزءا “[21]، بل إنه يرى فيهم ” أصحاب فتنة فكرية، وكأنهم دجاجلة لا أهل تفكير ودهاقنة لا أهل تنوير”[22].

    واضحة إذا نزعة ” الأسبقية” و” الأصالة” و” التجديد” في الرؤيا التي يصدر عنها طه عبد الرحمان، وهي لا تختلف ابتداء في شيء عن تلك التي صدر عنها غريمه الجابري. فكلا الرجلين يرى في مشروعه الريادة وفي منهجه التجديد والزيادة..

    يُخضع طه عبد الرحمان المتن الرشدي للفحص النقدي تحت مجهر منهجه الذي يراه جديدا في تقويم التراث مشغلا آلية ” التداخل المعرفي”، جاعلا من فلسفة ابن رشد شاهدا أمثل على التداخل الفلسفي. هكذا يمضي المفكر المغربي في تتبع متناقضات فلسفة أبي الوليد باحثا هن مظاهر” النظرة التجزيئية – التفاضلية” التي اعتبرها من العيوب التي اعتورت الفكر الرشدي وحكمت على محاولاته للتقريب التداولي بالفشل. لقد توصل صاحب تجديد المنهج في تقويم التراث إلى مجموعة من الأحكام والمقولات تصب كلها في التهوين من القيمة الفلسفية لابن رشد وتنزع عنها صفة التجديد والإبداع وتلبسها في المقابل لبوس التقليد والابتداع؛ فمن مظاهر هذا التجزيء الشنيع ” تصفية العلوم”[23] وقد اقترف ابن رشد هذا العيب حينما عزل المنطق وصفاه عن علم الأصول في اختصاره لمستصفى الغزالي، ثم نقيصة ” تباين العلوم”[24]، ثم ” القدح في أهل التداخل”[25] وعلى رأسهم الغزالي وابن سينا والفارابي، هذا القدح الذي أوصله مرتبة ” التشنيع الفكري”[26] الذي ناله ابن سينا، و “التشنيع العقدي”[27] الذي رمى به المتكلمين ولاسيما الأشاعرة منهم، ثم ” التشنيع المركب” [28]من الفكري والعقدي وهو أغلظ مراتب التشنيع وقد استحقه الغزالي.

    ليس مقصودنا هنا إحصاء المفارقات التي آخذ بها طه عبد الرحمان الخطاب الرشدي، بقدر ما نريد أن نثبت أن صورة هذا الفيلسوف قد نالت نصيبا وافرا من التهوين والتقزيم عند صاحب العمل الديني وتجديد العقل، بل إنه نحا إلى تجريد فيلسوف قرطبة ومراكش من كل خصوصية أو أصالة وجعل فلسفته مجرد اجترار وتكرار لما قرره حكماء اليونان.

    هكذا يجد القارئ العربي نفسه أمام صورتين متناقضتين لفلسفة ابن رشد؛ صورة وجد فيها أصحابها من دعاة الحداثة والتنوير بذور الفكر التقدمي الجريء المتسلح بخطاب العلم والمنطق البرهاني، فحاولوا زرعها ونفخ هذه الروح الرشدية في وعي الأمة العربية وضميرها، ورأوا ضرورة تعميم هذه الروح في الأوساط الثقافية والمؤسسات التعليمية لمواجهة ” الإسلام السياسي” و” التطرف الديني”[29]. فكان النسق الناظم في بناء هذه الصورة ينحو منحى الإيجاد والتهويل. وعلى الطرف النقيض نجد صورة أخرى مقابلة لفكر ابن رشد الفلسفي نحا في بنائها صاحبها منحى الإعدام والتهوين، واختار ألا يكون رشديا وأن ينصرف عنه وهو مطمئن لإيقانه التام بأن انبعاث الأمة الإسلامية لن يكون عن طريق فكر ابن رشد، لأن ابن رشد في نظره لم يكن إلا مقلدا متبعا ” بل ليس في فلاسفة الإسلام من هو أشد منه تقليدا لفلاسفة اليونان…ولما كان ابن رشد قد وضع أصول التقليد في الفلسفة… فلا شيء أضر منه مسلكا في حياة الأمة”[30].

    قضايا الكتاب
    اعتمدت في تقديم كتاب فصل المقال على النشرة التي أصدرها مركز دراسات الوحدة العربية، وهي الطبعة التي قام بتحقيق نص المقال فيها الدكتور عبد الواحد العسري وصدرت طبعتها الأولى في نوبنبر 1997، مع الاستئناس بالتحقيق الذي أنجزه الدكتور محمد عمارة ضمن سلسلة ذخائر العرب سنة 1969.


      الوقت/التاريخ الآن هو 23/9/2024, 19:36