الحَياءُ مِن شِيَمِ الـمرسَلينَ والصَّالحينَ
سلسلة الذهب - الجزء الأول
سلسلة-الذهبالحَمدُ للهِ رَبّ العالـمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ على سَيّدِ الـمرسَلينَ سَيّدِنا محمَّدٍ وعلى جميعِ إِخوانِهِ مِنَ النَّبييّنِ والـمرسَلينَ وعلى ءالِهِ الطَّيّبينَ الطّاهِرينَ. اللَّهُمَّ عَلّـِمنا ما جَهِلنا وذَكّـِرنا ما نَسينا وَزِدنا عِلمًا ونَعوذُ بِكَ مِن حالِ أَهلِ النَّارِ.
قالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ: "مِن كَرامَتي على رَبّي أَنّي وُلِدتُ مَختونًا ولم يَرَ أَحَدٌ سَوأتِي". اهـ
هذا الحديثُ صحيحٌ رَواهُ الحافِظُ الـمقدِسِيُّ عَبدُ الواحِدِ في كِتابِهِ "الـمختارةِ"(1). الـمعنى أَنَّهُ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لم يُخْتَنْ كما يُخْتَنُ الأَطفالُ. اللهُ أَغناهُ عَن ذَلِكَ لأَنَّهُ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ كامِلٌ مِن كُلّ جِهَةٍ. فَهو كانَ حَيِيًّا أَي كَثيرَ الاستِحياءِ، وَقَد قالَتْ عائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنها: "لم يَرَ مِنّـِــي ولا رَأيتُهُ مِنهُ".
وَهذا حالُ الأَنبياءِ كُلّــِهِم، موسى عَلَيهِ السَّلامُ عندما كانَ يَغتَسِلُ كانَ يَذهَبُ إِلى حَيثُ لا يَراهُ النَّاسُ، وكانَ عادَةُ النّاسِ أَن يَغتَسِلَ بعضُهُم أَمامَ بَعضٍ مَع كَشفِ العَورَةِ، فَلَمّا وَجَدوهُ على خِلافِ عادَتِهِم قالوا إِنَّ بِهِ أُدْرَةً (2) لِذَلِكَ لا يَغتَسِلُ أَمامَنا إِلاّ مُنفَرِدًا، فَجاءَ ذاتَ يَومٍ إِلى مَكانٍ لِيَغتَسِلَ وَراءَ صَخْرَةٍ وكانَ النّاسُ بِمَعزِلٍ عَنهُ، هذِهِ الصَّخرَةُ تَستُرُهُ عَنهُم لا يَرَونَهُ، فَلَمّا وَضَعَ ثَوبَهُ على الحجَرِ هَرَبَ الحَجَرُ بِثَوبِهِ فَصارَ يَلحَقُهُ وهُو يَقولُ: "ثوبي حَجَر ثوبي حَجَر" وكانَ يَضرِبُهُ حتى صارَ أَثرٌ ظاهرٌ على الحَجَرِ، خَرَقَ اللهُ لَهُ العادَةَ فَرَأَوهُ ما بِهِ شَىءٌ ممّا ظَنّوا بِهِ.
وَقَد صَحَّ في حَديثِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ في حَديثِ شَمائِلِهِ أَنَّهُ كانَ أَشَدَّ حَياءً مِنَ العَذراءِ في خِدرِها. والخِدْرُ هو سِترٌ يُعمَلُ جانِبَ البَيتِ للبِنتِ البِكْرِ، هذِهِ كانَتْ عادَةَ العَرَبِ الأُوَلِ هِي تَنفَرِدُ بِهِ تُلازِمُ ذَلِكَ الـمكانَ. الحياءُ مِن شِيَمِ الـمرسَلينَ والصّالحينَ.
وَمِنَ الحَياءِ الـممدوحِ أَن لا يُلِحَّ الشَّخصُ في طَلَبِ دَيْنِهِ مِنَ الـمدينِ وقَد صَحَّ عَن رَسولِ اللهِ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قالَ: "الحياءُ مِنَ الإِيمانِ".
فَالحياءُ الّذي مَدَحَهُ الرَّسولُ هو الحَياءُ الّذي يُبعِدُ صاحِبَهُ عَنِ الرَّذائِلِ ومُنكَراتِ الأَخلاقِ، أَمّا الحياءُ الّذي يَمنَعُ صاحِبَهُ مِن تَعَلُّمِ ما يحتاجُهُ للدّينِ كالـمرأةِ الّتي تَستَحي مِن تَعَلُّمِ أَحكامِ الحيْضِ والنّفاسِ، والرَّجُلِ الّذي يَستَحي مِن تَعَلُّمِ أَحكامِ الجنابَةِ فَهذا مَذمومٌ عِندَ اللهِ، بَل قَد يؤدّي بِصاحِبِهِ إِلى الهلاكِ لِتَركِ تَعَلُّمِ ما فَرَضَ اللهُ عَلَيهِ مِن أُمورِ الدّينِ، وذَلِكَ لأَنَّ الصَّلاةَ أَفضَلُ الأَعمالِ بَعدَ الإِيمانِ بِاللهِ وَرَسولِهِ فَمَن صلاها كَما أَمَرَ الشَّرعُ الشَّريفُ فَقَد أَقامَ رُكنًا مِن أَركانِ الإِسلامِ، ومَن أَضاعَها فَقَد خَسِرَ هذا الرُّكنَ العَظيمَ.
والصَّلاةُ لا تَصِحُّ إِلا بِاستيفاءِ شُروطِها ومِن أَعظَمِ شُروطِها الطُّهورُ. قالَ رَسولُ اللهِ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ: "الطُّهورُ شَطرُ الإِيمانِ" رواهُ مُسلِمٌ، ورواهُ ابنُ حِبّانَ بِلَفظِ "الوُضوءُ نِصفُ الإِيمانِ". فلِهذا كانَت الـمحافَظةُ على شُروطِ الصَّلاةِ أَمرًا عَظيمًا في الدّينِ ومَن لا يحافِظُ على شُروطِها لَيسَ لَهُ شىءٌ مِن ثوابِها بَل عَلَيهِ الوِزرُ الـمُوصِلُ إِلى العَذابِ الأَليمِ في الآخِرَةِ.
قالَ رَسولُ اللهِ صلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ: "مَن حافَظَ على الصَّلواتِ الخَمسِ كانَ لَهُ نورٌ وبُرهانٌ ونجاةٌ يَومَ القِيامَةِ ومَن لم يحافِظْ عَلَيها لم يَكُن لَهُ نورٌ ولا بُرهانٌ ولا نجاةٌ يَومَ القِيامَةِ وكانَ مَع فِرعَونَ وهامانَ وأُبَـيِّ بنِ خَلَفٍ". هؤلاءِ الثَّلاثَةُ رُؤوسُ الكُفرِ، أَمّا فِرعونُ فَأَمْرُهُ أَشهَرُ، وَأَمّا هامانُ فَكانَ هو وَزيرَهُ يُنَفّـِذُ لَهُ أَوامِرَهُ في الكُفرِ والـمعاصي فَهو رأسٌ مِن رُؤوسِ الكُفرِ، وأَمّا أُبَي بنُ خَلَفٍ كانَ مِن أَشَدّ الـمشرِكينَ مِن قُريشٍ على رَسولِ اللهِ وعلى أَصحابِ رَسولِ اللهِ في مَكَّةَ.
وءاخِرُ دَعوانا أَن الحمدُ للهِ رَبّ العالـمين وَصَلَّى اللهُ على سَيّدِنا محمَّدٍ أَشرَفِ الـمرسَلينَ.
------------------
1- الـمختارة : كتابٌ أَلفهُ ذَكَرَ فيهِ أَحاديثَ هو يَحكُمُ عليها بالصّحّةِ.
2- الأدرة مَن يُصيبهُ فتقٌ في إحدى خِصيتيهِ.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin