البُرهانُ الساطعُ في تنزيهِ الخالقِ عن مشابهةِ الخلائقِ
سلسلة الذهب - الجزء الأول
سلسلة-الذهبالحمدُ للهِ ربّ العالمينَ، لهُ النّعمةُ ولهُ الفضلُ ولهُ الثناءُ الحسنُ، صلواتُ الله البرّالرحيمِ والملائكةِ المقربينَ على سيدِنا محمّدٍ أشرفِ المرسلينَ، وحبيبِ ربّ العالمينَ وعلى جميعِ إخوانِهِ منَ النَّبيّينَ والمرسلينَ.
أمّا بعدُ، فاعلمْ أنَّ الله سبحانَهُ وتعالى موجودٌ لايشبِهُ الموجوداتِ. ذاتُهُ أزليٌّ أبديٌّ لم يسبقْ لهُ عدمٌ ولا يلحقُهُ عدمٌ. قالَ الإمامُ أبوجعفرٍ الطحاويُّ: "تعالى عنِ الحدودِ والغاياتِ والأركانِ والأعضاءِ والأدواتِ"، إذا قيلَ الله ليسَ بمحدودٍ ليسَ معناهُ أنهُ شىءٌ ممتدٌّ إلى غيرِ نهايةٍ، معناهُ ليسَ لهُ حجمٌ كبيرٌ أوْ صغيرٌ.
الذي يعتقدُ أنَّ الله شىءٌ ممتدٌّ إلى غيرِ نهايةٍ كافرٌ. منْ ظنَّ أنَّ الله لهُ امتدادٌ لا نهائيٌّ كافرٌ، والذي يعتقدُ أنَّ الله لهُ امتدادٌ يَنتهي صَغيرٌ أوْ كبيرٌ كذلِك كافرٌ، كلُّ شىءٍ له مقدارٌ مخلوقٌ، والعرشُ الذي هو أكبرُ العـوالمِ مخلوقٌ، الوهابيةُ تقولُ: "الله بقدْرِ العرشِ، ومنهُمْ مَنْ يقولُ ترَكَ مِنَ العرشِ بقعةً ليُقعدَ عليها الرسولَ صلى الله عليهِ وسلَّمَ يومَ القيامةِ". هؤلاءِ جعلوا العرشَ جسمًا أكبرَ منَالله. ولوْ قالوا بقدْرِ العرشِ فهُم كفّارٌ، ولو قالوا أوسعُ من العرشِ بآلافِ المرَّاتِ فهُمْ أيضًا كفّارٌ كفّارٌ. كلُّ شىءٍ يَحُلُّ في جهةٍ جسمٌ، النورُ أليسَ يأخذُ مكانًا! والظلامُ أليسَ يأخذُ مكانًا! فالنّورُ جسمٌ والظلامُ جسمٌ. الذي يعتقدُ أنَّ الله في جهةِ فوقُ كفرَ.
بعضُ الشافعيةِ خالفَ كلامُه كلامَ الإمامِ الشافعيّ، قالَ هؤلاءِ الشافعيّةُ: "الجاهلُ إذا قال الله في جهةِ فوقُ لا نكفّرُه" هذا كفرٌ. إذا قالَ الشخصُ: "الله في السَّماءِ" وفهمَ من ذلكَ أنَّ الله حالٌّ في السَّماءِ كافرٌ، أما إذا كانَ يفهمُ من ذلِكَ أنَّ الله أعلى منْ كلِ شىءٍ درجةً لا يكفرُ. في القرءانِ وردَ ﴿وَهُوَ الله فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ﴾ الآيةَ]سورة الأنعام [3/ معناهُ الله معبودٌ في السمواتِ وفي الأرضِ، في السَّمواتِ تعبدُهُ الملائكةُ وفي الأرضِ يعبدُهُ مؤمنوالإنسِ ومؤمنوالجنّ.
قالَ الله تعالى ﴿ءَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء﴾ الآيةَ ]سورة تبارك/16[هذه الآيةُ الذي يفسّرُها على الظاهرِ يظنُّ منها أنّ الله تعالى حالٌّ في السَّماءِ يكفرُ، والذي لا يفهمُ الحلولَ يفهَمُ منْها أنَّ الله أعلى منْ كلِ شىءٍ درجةً فلا يكفرُ. كذلكَ منْ قرأَ ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى(5)﴾]سورة طه[ إنْ فهِمَ منْها أنَّ الله قهَرَ العرشَ فهو حقٌّ. العرشُ الذي هو أكبُر المخلوقاتِ مقهورٌ للهِ، معناهُ أنَّ الله قهرَ كلَّ شىءٍ. أما الذي يفهمُ منها الجلوسَ كفرٌ.
الشافعيُّ قالَ: "المجسمُ كافرٌ". بعدَ أنْ قالَ الشافعيُّ المجسّمُ كافرٌ إذا وجدْنا في كتُبِ بعضِ الشافعيّةِ: منْ قالَ الله في جهةِ فوقُ لا نكفّرُهُ، ننبذُ كلامَهُ لا نعتبرُهُ شيئًا. نردُّهُ لأنّهُ خالفَ كلامَ الإمامِ، الشافعيُّ ولدَ سنةَ مائةٍ وخمسينَ منَ الهجرةِ وتوفيَ سنةَ مائتينِ وأربعٍ منَ الهجرةِ. وردَ حديثٌ عنْ رسولِ الله صلى الله عليهِ وسلَّمَ: "عالمُ قريشٍ يملأُ طباقَ الأرضِ علمًا" معناهُ سيأتي عالـمٌ منْ قريشٍ يملأُ طباقَ الأرْضِ علْمًا. العلماءُ نظروا قالوا منْ يكونُ؟ قالوا الشافعيُّ لأنَّ علمَهُ انتشرَ في الأرضِ، في إندونيسيا واليمنِ والحبشةِ والصومالِ حتى بلادِ إيرانَ وبرِّ الشامِ ومصرَ وغيرِها. قالوا ما وجدْنا عالِمـًا انتشرَ علمُه في الأرضِ كما انتشرَ علمُ الشافعيّ.
يوجدُ كتابٌ يقالٌ لهُ "كتابُ القواعدِ" للعزِّ بنِ عبدِ السلامِ ذكرَ فيهِ: "منْ قالَ الله في جهةِ فوقُ لا نكفّرُهُ" قالَ: لأنّ التخَلّي عن هذا صعبٌ. هذا الكلامُ مردودٌ لأنَهُ خالفَ كلامَ الإمامِ. كلُ شىءٍ يكونُ في جهةٍ فهوَ جسمٌ، إمَّا جسْمٌ لطيفٌ أو جسمٌ كثيفٌ. الجسمُ اللطيفُ كالنورِ والريحِ والظلامِ، والجسمُ الكثيفُ كالنجمِ والشمسِ والقمرِ. النجمُ والشمسُ والقمرُ في هذا الفراغِ فوقَنا، هذا الفراغُ منْ هنا إلى السماءِ الأولى مسيرةُ خمسِمائةِ سنةٍ، الريحُ في هذا الفراغِ، الريحُ جسمٌ. الذي يقولُ الله في السَّماءِ ويظنُّ أنَّ الله ضوءٌ حلَّ في جهةِ السّماءِ جعلَهُ جسْمًا كفَرَ. والذي يقولُ بصورةِ البشرِ أكفَرُ. كانَ في الماضي مشبّهةٌ يدّعونَ الإسلامَ ويصلّونَ ويصومونَ، منْهم من يقولُ: "الله بصورةِ شابّ أمردَ" ومنْهم منْ يقولُ: "بصورةِ شيخٍ أشمطَ" أي اختلطَ سوادُ شعَرِهِ ببياضِهِ. هؤلاءِ أكفرُ من الذي يقولُ الله في جهةِ فوقُ ولم يجعلْه بصورةِ بشَرٍ. الذي جعلَهُ بصورةِ بشرٍ أكفرُ، هذا معنى المجسّمِ منِ اعتقدَ أنَّ الله جسمٌ أو قالَ يسكنُ في مكانٍ.
أمّا قولُ الإمامِ الطحاويّ: "ومنْ وصفَ الله بمعنًى منْ معاني البشرِ فقدْ كفرَ" معناهُ أنَّ الذي يعتقدُ أنَّ للهِ كلامًا ككلامِ البشرِ منْ حرفٍ وصوتٍ، والذي يعتقدُ أنَّ رؤيتَهُ بمقابَلةٍ، أي أنَّهُ يرى العالمَ منْ جهةٍ منَ الجهاتِ كافرٌ، كذلكَ الذي يعتقدُ أنَّ المؤمنينَ يرَونَ الله بعد ما يَدخُلونَ الجنَّةَ في جهةٍ من الجهاتِ أو في كلِ الجهاتِ فهو أيضًا كافرٌ. بلْ يراهُ المؤمنونَ في الجنةِ منْ غيرِ مقابلةٍ أي منْ غيرِ أنْ يكونَ في جهةٍ منهمْ، الله تباركَ وتعالى يُرى لا كما يُرى المخلوقُ، المخلوقُ يُرى قريبًا بالمسافةِ أو بعيدًا بالمسافةِ.
كذلكَ الذي يظنُّ أنَّ كلامَهُ سبحانَهُ وتعالى بحرفٍ وصوتٍ شبَّهَهُ بالبشرِ. نحنُ كلامُنا بحرفٍ وصوتٍ. أبو حنيفةَ رضيَ الله عنه كانَ أدركَ الصّحابةَ، وُلِدَ سنةَ ثمانينَ منَ الهجرةِ، تعلَّمَ العلمَ ممنْ تعلَّمَ منَ الصّحابةِ قالَ: "نحنُ نتكلَّمُ بالآلاتِ والحروفِ والله يتكلَّمُ بلا ءالةٍ ولا حرفٍ". الذي يقولُ الله يتكلمُ بالآلةِ والحرفِ والصوتِ شبَّههُ بخلقِه. هذا البيانُ ليسَ شيئًا جديدًا، أبو حنيفةَ قالهُ، قالَ: "نحنُ نتكلمُ بالآلاتِ والحروفِ" معناهُ بعضُ الحروفِ تخرُجُ من الشفةِ، وبعضُها منَ الحلقِ، لا تخرجُ إلا منَ الحلقِ، وبعضُها منْ طرفِ اللسانِ. الحروفُ لها مخارجُ، الذي يقولُ الله يتكلّمُ بالحرفِ والصوتِ جعلَهُ كخلقِهِ. الذي يظنُّ أنَّ الله يتكلّمُ ثمّ يقطعُ ثم يتكلّمُ ثمّ يقطعُ أو يظنُّ أنَّ الله علِمَ أشياءَ ثم علِم أشياءَ ثمَّ علِمَ أشياءَ هذا جعلَ الله مثلَ خلقِهِ، جعلَ الله حادِثًا. الله لا تقومُ بهِ صفةٌ حادثةٌ، قال أبو حنيفةَ: "منِ اعتقدَ أنَّهُ -أيِ اللهَ- تقومُ بهِ صفةٌ حادثةٌ أو شكَّ أوتوقفَ فهو كافرٌ".
القرءانُ نقولُ عنهُ كلامُ الله لا بمعنى أنَّ الله قَرأَهُ بالحرفِ والصوتِ، بلْ نقولُ كلامُ الله لأنّهُ عبارةٌ عنْ كلامِ الله الأزليّ،كما إذا قلنا "الله" ذكرنا الله بالحرفِ والصوتِ، لكنَّ الله الذي نذكرُهُ ليسَ كشىءٍ منَ الأشياءِ. الحنابلةُ الذينَ ضلُّوا يقولونَ الله كلامُه بحرفٍ وصوتٍ مثلُ ابنِ تيميةَ هؤلاءِ كفروا لأنَّهم وصفوا الله بالحادِثِ. الله لا يوصفُ بالحادثِ كلُّ صفاتِه أزليةٌ أبديةٌ حياتُهُ أزليةٌ أبديةٌ لا يدخلُها تقطُّعٌ، كذلِكَ علمُهُ أزليٌّ أبديٌّ كذلكَ قدرتُهُ أزليةٌ أبديةٌ وسمعُه أزليٌّ أبديٌّ ومشيئتُهُ أزليةٌ أبديةٌ وبصرُهُ أزليٌّ أبديٌّ، ومعْ هذا نحنُ لا نقولُ القرءانُ مخلوقٌ ولو كانتْ هذهِ الحروفُ مخلوقةً، لأنَّ هذهِ الحروفَ عبارةٌ عنْ كلامِ الله الذي ليسَ حرفًا. كما إذا قلنا "الله" ما معنى الله؟ ذلِكَ الذاتُ الأزليُّ الأبديُّ الذي لا يشبهُ شيئًا، لكنْ هذهِ الحروفُ مخلوقةٌ شىءٌ يحدثُ ثم ينقضي.
حروفُ لفظِ الجلالةِ "الله" تدلُّ على ذلكَ الذاتِ الموجودِ الذي ليسَ له ابتداءٌ. كذلِكَ هذه الحروفُ - أي حروفُ القرءانِ – تدلُّ على ذلِكَ الكلامِ الأزليّ الأبديّ.
كلامُهُ ليس َككلامِ الخلقِ ليسَ بحرفٍ وصوتٍ، كلامُهُ كلامٌ واحدٌ ليسَ ككلامِ الخلقِ بالانتقالِ منْ حرفٍ إلى حرفٍ. القرءانُ اللفظُ الذي نقرأُهُ مِنَ الباءِ إلى السينِ أولُه باءٌ منْ ﴿بسمِ الله الرّحمنِ الرّحيم﴾ وءاخرُه سينٌ منْ ﴿منَ الجنَّةِ والناسِ﴾ ليسَ الله قرأهُ بالحرفِ والصوتِ، لو كانَ كذلِكَ لكانَ شبيهًا بنَا. ليسَ الله يبدأُ بالكلامِ ثمَّ يسكتُ ثم يتكلَّمُ ثمَّ يسكتُ لأنَّ كلامَهُ ليسَ حروفًا ولا صوتًا، يستحيلُ أنْ ينطقَ بالحرفِ. لَمـَّا تقولُ بسمِ الله تأتي الباءُ ثمّ تَنْقضي ثمَّ تأتي السينُ ثمّ تنقضي، يستحيلُ أنْ يتكلّمَ الله بها هكذا.
كلامُ الله كلامٌ واحدٌ ليسَ متجزئًا وليسَ له أبعاضٌ، هو كلامٌ واحدٌ أمرٌ ونهيٌ، كلامُ الله الأزليُّ الأبديُّ في الدنيا سمعَهُ منَ البشَرِ موسى عليهِ السَّلامُ وسيدُنا محمدٌ صلى الله عليهِ وسلمَ منْ بينِ الأنبياءِ كلّهِمْ. أما في الآخرةِ يسمعُه كلُّ البشرِ والجنّ، كلّهُمْ يسمعونَ ذلك الكلامَ الذي ليسَ حرفًا ولا صوتًا. موسى وسيدُنا محمّدٌ عليهِما السّلامُ سمِعا كلامَهُ الذي ليسَ حرفًا ولا صوتًا وليسَ له ابتداءٌ ولا انتهاءٌ. منْ كانَ يعتقدُ خلافَ ذلكَ فليسَ مؤمِنًا، فليسَ عارفًا بالله.
بعضُ الناسِ إذا سَمِعوا "كلامُ الله ليسَ بحرفٍ ليسَ بصوتٍ" يستغربونَ، قدْ يظنّونَ منْ جهلِهِمْ أنَّ هذا شىءٌ منْ عندِنا، ولا يدْرونَ أنَّ هذا التفصيلَ والبيانَ أبو حنيفةَ قالَهُ. وكلُّ أهلِ السُنّةِ يعتقدونَ أنَّ الله كلامُهُ ليسَ حَرفًا ولا صوتًا.
وردَ في القرءانِ ﴿قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي﴾]سورة الكهف/109[ معناه كلامُ الله ليسَ شيئًا له أبعاضٌ، وإنما هو كلامٌ واحدٌ وإنما قالَ تعالى ﴿كلماتِ﴾ بلفظ الجمع للتعظيمِ، ليس معناهُ أنَّ لهُ كلامًا متجَزّئًا. في القرءانِ في موضِعٍ ورَدَ ﴿وَكَلِمَةُ الله﴾]سورةالتوبة[40/ وورَدَ ﴿كَلِمَاتُ الله﴾ الآيةَ]سورة لقمان/27[، بلفظِ الجمعِ وبلفظِ الإفرادِ. كما أنَّ الله عبَّر عن نفسِهِ بلفظِ الجمعِ وبلفظِ الإفرادِ، ﴿قلْ هو الله أحدٌ(1)﴾ ]سورة الإخلاص[ هذا صريحٌ في الإفرادِ، وعبرَ عن نفسِه بلفظِ الجمعِ قالَ تعالى ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ﴾]سورة ق[43/وهوَ واحدٌ لكنْ عبَّرَعنْ نفسِهِ بلفظِ الجمعِ وهوَ واحدٌ ليسَ جمعًا. وعبَّر بلفظِ ﴿فاعِلون﴾]سورة المؤمنون[4/وهو فاعِلٌ واحدٌ خالقٌ واحدٌ. كذلك قالَ﴿كَلِمَاتُ الله﴾ للتَّعظيم كما عبَّر عنْ نفسِهِ بنحنُ وهو واحدٌ ليسَ اثنين ولا ثلاثةً ولا أكثرَ.
هذا القرءانُ الذي نحنُ نقرأُه والتوراةُ والإنجيلُ والزبورُ كلُّ هؤلاءِ عباراتٌ عن ذلك الكلامِ، هذه العباراتُ حروفٌ، هي عباراتٌ عنْ كلامِ الله الذاتيِّ الذي ليسَ حرفًا ولا صوتًا. بعضُ العباراتِ بالعربيةِ وهو القرءانُ وبعضُ العباراتِ بالسّريانيةِ وهو الإنجيلُ وبعض العباراتِ بالعبرانيةِ وهو التوراةُ والزبورُ. كلٌّ يقالُ لهُ كلامُ الله لا بمعنى أنَّ الله قرأهُ هكذا، بلْ بمعنى أنَّ هذهِ الكتبَ تدلُّ على ذلِكَ الكلامِ الذي ليسَ حرفًا ولا صوتًا.
صفاتُ الله علمُه وقدرتُه ومشيئتُه وسمعُه وبصرُه وكلامُه وحياتُه كلُّ صفةٍ منْ هذه الصفاتِ صفةٌ واحدةٌ. كلُّ أصواتِ الخلقِ الله تباركَ وتعالى يسمعُها بسمعٍ أزليٍّ ليسَ بسمعٍ حادثٍ، ليسَ بسمعٍ يحدُثُ لهُ عندما يوجدُ الصوتُ، نحنُ عندمـا يحصلُ منّا صوتٌ يحصلُ منّا سمْعٌ، الله تعالى يسمعُ الأصواتَ الحادثةَ من المخلوقينَ بذلك السمعِ الأزليّ الأبديّ الذي ليس له انقطاعٌ. كذلكَ رؤيتُهُ لا يَرى الأشياءَ برؤيةٍ حادثةٍ بلْ برؤيةٍ أزليّة.
الله تبارَكَ وتعالى لهُ قدرةٌ واحدةٌ أزليةٌ أبديةٌ لا تتقطعُ، لا يدخلُها تقطُّعٌ. قدرتُهُ قدرةٌ واحدةٌ ليسَ كقدرتِنا نحنُ نقدِرُ على شىءٍ، ثم نقدِرُ على شىءٍ ءاخرَ وقد تضعُفُ قدرتُنا وقد تَقوى، أمّا الله تبارَكَ وتعالى فقادِرٌ على كلّ شىءٍ بقدرةٍ واحدةٍ أزليّةٍ أبديّةٍ، وكذلِكَ لهُ مشيئةٌ واحدةٌ ليسَ له مشيئةٌ متعدّدَةٌ كالخلقِ.
المخلوقُ يشاءُ شيئًا ثمَّ يشاءُ شيئًا ثم يشاءُ شيئًا أمَّا الله ليسَ كذلكَ. الله تبارك وتعالى شاءَ وجودَ كلِّ ما دخَلَ في الوجودِ وما سيدخُلُ فيما بعدُ بمشيئةٍ واحدةٍ. كلُّهُ شاءَهُ بمشيئةٍ واحدةٍ. الله تعالى شاءَ في الأزَلِ وجودَ هذا العالمِ على الترتيبِ الذي وُجِدَ عليهِ. بمشيئةٍ واحدةٍ شاءَ. شاءَ وجودَ الماءِ وما بعدَهُ.
عِلمُ الله واحدٌ دائمٌ ليسَ شيئًا له أجزاءٌ، لا يزيدُ ولا ينقُصُ، شاملٌ لكلّ شىءٍ، ليسَ له ابتداءٌ ولا انتهاءٌ، يعلمُ بهذا العلمِ الواحدِ كلَّ شىءٍ. علمُهُ تبارَكَ وتعالى ليسَ كعلمِنا، نحنُ علومُنا حادثةٌ وقدرتُنا حادثةٌ، أوّلَ ما نخرجُ منْ بطونِ أمهاتِنا لا نعلمُ شيئًا ثمّ يحصُلُ لنا بعدَ ذلكَ علمُ شىءٍ ثمَّ شىءٍ ثمَّ شىءٍ. أما علمُهُ تبارَكَ وتعالى واحدٌ شاملٌ لكلِّ شىءٍ لا يزيدُ ولا ينقُصُ.
هذا العالَم كلُّهُ بقدرةٍ واحدةٍ خلقَهُ، وبعلمٍ واحدٍ وبمشيئةٍ واحدةٍ وحُكمٍ واحدٍ. بكلامٍ واحدٍ في الأزلِ حَكَمَ بوجودِ العالَمِ فوُجِد، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(82)﴾]سورة يس[ معناهُ بحكمِهِ الأزليّ خلقَ الأشياءَ، أيْ يَحكُمُ في الأزلِ بوجودِ الشىء ِفيوجَدُ وليسَ معناهُ أنَّ الله ينطِقُ بكافٍ ونونٍ، ليسَ معناهُ أنَّ الله لمـَّا يريدُ أنْ يخلقَ شيئًا يقولُ كنْ، كنْ. ويكفرُ منْ يعتقدُ أنَّ الله قرأَ بالكافِ والنّونِ.
كلامُ الله تباركَ وتعالى واحد شاملٌ للأمرِ والنهي والخبَرِ والاستخبارِ (بمعنى طلبِ الإخبارِ ولا يقْتضي ذلكَ عدمَ علمِ المستخبِر بالخبَرِ) والوعدِ والوعيدِ. الله تعالى أمرَ جبريلَ عليهِ السلامُ بأنْ يأخذَ هذهِ الكتبَ من اللوحِ المحفوظِ وينزلُ بها على بعضِ الأنبياءِ. في الحقيقةِ العقليةِ كلامُ الله ذاكَ الذي هو أزليٌّ أبديٌّ ليسَ حرفًا ولا صوتًا ليس متبعّضًا. وبالحقيقةِ الشرعيةِ نقولُ لهذا الذي نقرأُه كلامُ الله.
لا يجوزُ أنْ يقالَ الله نطَقَ أولا بالباءِ ثم بالسينِ إلى أنِ انتهى بـ ﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ (6)﴾ ]سورة الناس [. هذا الترتيبُعلى حسَبِ ما كُتِب في اللوحِ المحفوظِ ثم قرأَهُ جبريلُ عليهِ السَّلامُ على محمَّدٍ صلى الله عليهِ وسلَّم. وجبريلُ عليهِ السلامُ أخذَ القرءانَ منهُ، ليسَ هو ألَّفَهُ، ولا أحدٌ منَ خلقِ الله ألفهُ، جرى القلمُ على اللوح المحفوظِ فكتَبَ هذه الكتُبَ الأربعةَ وكتبَ ما يصيرُ إلى يومِ القيامةِ من أعمالِ الناسِ وأرزاقِهِمْ وءاجالِهمْ، فلانٌ يموتُ على الإيمانِ وفلانٌ يموتُ على الكفرِ، فلانٌ يُسلِمُ ويُختَمُ له بالإيمانِ وفلانٌ لا يُسلِمُ ويُختَمُ له بالكفرِ، كلُّ ذلك كُتِبَ.
هذا القرءانُ الذي نقرأُه ليسَ الله قرأَهُ على جبريلَ، لكنْ جبريلُ عليهِ السّلامُ سمع كلامَ الله الأزليَّ الأبديَّ وأمرَهُ بذلكَ الكلامِ أنْ يأخذَ القرءانَ الذي كُتِبَ على اللّوحِ المحفوظِ وأنْ ينزلَ بهِ على محمَّدٍ صلى الله عليهِ وسلّمَ، وجبريلُ عليه السلامُ قرأَهُ بالحرفِ والصوتِ. السينُ والشينُ والحاءُ والخاءُواللامُ والميمُ والهاءُ والياءُ، منْ هؤلاءِ الحروفِ القرءانُ الكريمُ، هكذا كانَ مكتوبًا في اللوحِ المحفوظِ نزلَ بهِ جبريلُ عليهِ السلامُ على محمدٍ صلى الله عليهِ وسلّمَ وقرأَهُ عليهِ. القرءانُ ليسَ منْ تأليفِ جبريلَ عليه السلامُ ولا منْ تأليفِ محمّدٍ صلى الله عليهِ وسلَّمَ، نقولُ كلامُ الله لا بمعنى أنَّ الله قرأَهُ بالحرفِ والصوتِ قالَ تعالى ﴿بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ (22)﴾ سورة البُروج.
بعضُ الناسِ يقولونَ الله تعالى يومَ القيامةِ يقولُ لما يُحيي الخلقَ بعدما يفني الإنسَ والجنَّ والملائكةَ، لما يعيدُهم يقولُ لمنِ المـُلكُ اليومَ ثمَّ يجيبُ نفسَهُ بنفسِهِ للهِ الواحدِ القهّارِ. هذا غيرُ صحيحٍ، هذا كذِبٌ لا يجوزُ. الصحيحُ أنّهُ عندما يقومُ الناسُ من القبورِ يأمرُ اللهُ ملَكًا فينادي لمن المـُلـْكُ اليومَ، ثمّ هذا المـَلَك يقولُ للهِ الواحدِ القهّارِ فيسمعُ أهلُ الموقِف كلُّهُم، لأنَّهُ لا يوجدُ في الآخرةِ ملوكٌ كما يوجدونَ اليومَ. هو الله مَلِكُ ذلِكَ اليومِ، لا ملِكَ يومَ القيامةِ غيرُه، قالَ الله تعالى: ﴿مالكِ يومِ الدّين (4)﴾]سورة الفاتحة[ هذا الملَك هو نفسُه يعودُ ويقولُ للهِ الواحدِ القهَّارِ. هكذا ينبغي أنْ يُفهَمَ علمُ التوحيدِ. الغلطُ في التوحيدِ خطرُهُ أعظمُ منَ الخطَرِ في الأعمالِ، الصلاةُ إنْ أخطأْتَ فيها تقضِيها مصحَّحَة والصيامُ كذلك، والحجُّ إنْ دخلَهُ فسادٌ تعيدُهُ على الوجْهِ الصحيحِ.
وكذلك هذا الحديثُ: "إنَّ الله تعالى فرضَ فرائضَ فلا تُضَيّعوها وحدَّ حدودًا فلا تعتدوها وحرَّمَ أشياءَ فلا تنْتَهِكوها وسَكَتَ عنْ أشياءَ رحمةً بكمْ غيرَ نسيانٍ فلا تبحثوا عنها". ليسَ معناهُ أنَّ الله تبارَكَ وتعالى يسكتُ كما تسكتُ المخلوقاتُ عنِ الكلامِ، إنَّما المعنى أنَّ الله تبارَكَ وتعالى ما أنزَلها في القرءانِ الكريمِ ولا على لسانِ الرسولِ صلى الله عليهِ وسلَّمَ، أي ما أوردَها في القرءانِ ولا أنزَلها في شريعةِ الرسولِ صلى الله عليهِ وسلَّمَ، ليس معنى "وسكَتَ" أنَّ الله يجوزُ عليهِ السكوتُ، الله تبارك وتعالى لا يجوزُ عليه السكوتُ، الله تباركَ وتعالى متكلّم أزَلا وأبدًا لأنَّ كلامَه ليسَ حرفًا ولا يتخللُه انقطاعٌ. "سكتَ" في هذا الحديثِ ليس معناهُ أنَّ الله تكلَّمَ بأشياءَ ثم سكتَ ثم تكلَّمَ ثمَّ سكتَ، لوكان الله يتكلَمُ ثمَّ يقطعُ ثم يتكلمُ ثم يقطعُ لكانَ مثلنا ولا يجوزُ أنْ يكونَ الخالقُ مثلَ خلقِه.ِ
سلسلة الذهب - الجزء الأول
سلسلة-الذهبالحمدُ للهِ ربّ العالمينَ، لهُ النّعمةُ ولهُ الفضلُ ولهُ الثناءُ الحسنُ، صلواتُ الله البرّالرحيمِ والملائكةِ المقربينَ على سيدِنا محمّدٍ أشرفِ المرسلينَ، وحبيبِ ربّ العالمينَ وعلى جميعِ إخوانِهِ منَ النَّبيّينَ والمرسلينَ.
أمّا بعدُ، فاعلمْ أنَّ الله سبحانَهُ وتعالى موجودٌ لايشبِهُ الموجوداتِ. ذاتُهُ أزليٌّ أبديٌّ لم يسبقْ لهُ عدمٌ ولا يلحقُهُ عدمٌ. قالَ الإمامُ أبوجعفرٍ الطحاويُّ: "تعالى عنِ الحدودِ والغاياتِ والأركانِ والأعضاءِ والأدواتِ"، إذا قيلَ الله ليسَ بمحدودٍ ليسَ معناهُ أنهُ شىءٌ ممتدٌّ إلى غيرِ نهايةٍ، معناهُ ليسَ لهُ حجمٌ كبيرٌ أوْ صغيرٌ.
الذي يعتقدُ أنَّ الله شىءٌ ممتدٌّ إلى غيرِ نهايةٍ كافرٌ. منْ ظنَّ أنَّ الله لهُ امتدادٌ لا نهائيٌّ كافرٌ، والذي يعتقدُ أنَّ الله لهُ امتدادٌ يَنتهي صَغيرٌ أوْ كبيرٌ كذلِك كافرٌ، كلُّ شىءٍ له مقدارٌ مخلوقٌ، والعرشُ الذي هو أكبرُ العـوالمِ مخلوقٌ، الوهابيةُ تقولُ: "الله بقدْرِ العرشِ، ومنهُمْ مَنْ يقولُ ترَكَ مِنَ العرشِ بقعةً ليُقعدَ عليها الرسولَ صلى الله عليهِ وسلَّمَ يومَ القيامةِ". هؤلاءِ جعلوا العرشَ جسمًا أكبرَ منَالله. ولوْ قالوا بقدْرِ العرشِ فهُم كفّارٌ، ولو قالوا أوسعُ من العرشِ بآلافِ المرَّاتِ فهُمْ أيضًا كفّارٌ كفّارٌ. كلُّ شىءٍ يَحُلُّ في جهةٍ جسمٌ، النورُ أليسَ يأخذُ مكانًا! والظلامُ أليسَ يأخذُ مكانًا! فالنّورُ جسمٌ والظلامُ جسمٌ. الذي يعتقدُ أنَّ الله في جهةِ فوقُ كفرَ.
بعضُ الشافعيةِ خالفَ كلامُه كلامَ الإمامِ الشافعيّ، قالَ هؤلاءِ الشافعيّةُ: "الجاهلُ إذا قال الله في جهةِ فوقُ لا نكفّرُه" هذا كفرٌ. إذا قالَ الشخصُ: "الله في السَّماءِ" وفهمَ من ذلكَ أنَّ الله حالٌّ في السَّماءِ كافرٌ، أما إذا كانَ يفهمُ من ذلِكَ أنَّ الله أعلى منْ كلِ شىءٍ درجةً لا يكفرُ. في القرءانِ وردَ ﴿وَهُوَ الله فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ﴾ الآيةَ]سورة الأنعام [3/ معناهُ الله معبودٌ في السمواتِ وفي الأرضِ، في السَّمواتِ تعبدُهُ الملائكةُ وفي الأرضِ يعبدُهُ مؤمنوالإنسِ ومؤمنوالجنّ.
قالَ الله تعالى ﴿ءَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء﴾ الآيةَ ]سورة تبارك/16[هذه الآيةُ الذي يفسّرُها على الظاهرِ يظنُّ منها أنّ الله تعالى حالٌّ في السَّماءِ يكفرُ، والذي لا يفهمُ الحلولَ يفهَمُ منْها أنَّ الله أعلى منْ كلِ شىءٍ درجةً فلا يكفرُ. كذلكَ منْ قرأَ ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى(5)﴾]سورة طه[ إنْ فهِمَ منْها أنَّ الله قهَرَ العرشَ فهو حقٌّ. العرشُ الذي هو أكبُر المخلوقاتِ مقهورٌ للهِ، معناهُ أنَّ الله قهرَ كلَّ شىءٍ. أما الذي يفهمُ منها الجلوسَ كفرٌ.
الشافعيُّ قالَ: "المجسمُ كافرٌ". بعدَ أنْ قالَ الشافعيُّ المجسّمُ كافرٌ إذا وجدْنا في كتُبِ بعضِ الشافعيّةِ: منْ قالَ الله في جهةِ فوقُ لا نكفّرُهُ، ننبذُ كلامَهُ لا نعتبرُهُ شيئًا. نردُّهُ لأنّهُ خالفَ كلامَ الإمامِ، الشافعيُّ ولدَ سنةَ مائةٍ وخمسينَ منَ الهجرةِ وتوفيَ سنةَ مائتينِ وأربعٍ منَ الهجرةِ. وردَ حديثٌ عنْ رسولِ الله صلى الله عليهِ وسلَّمَ: "عالمُ قريشٍ يملأُ طباقَ الأرضِ علمًا" معناهُ سيأتي عالـمٌ منْ قريشٍ يملأُ طباقَ الأرْضِ علْمًا. العلماءُ نظروا قالوا منْ يكونُ؟ قالوا الشافعيُّ لأنَّ علمَهُ انتشرَ في الأرضِ، في إندونيسيا واليمنِ والحبشةِ والصومالِ حتى بلادِ إيرانَ وبرِّ الشامِ ومصرَ وغيرِها. قالوا ما وجدْنا عالِمـًا انتشرَ علمُه في الأرضِ كما انتشرَ علمُ الشافعيّ.
يوجدُ كتابٌ يقالٌ لهُ "كتابُ القواعدِ" للعزِّ بنِ عبدِ السلامِ ذكرَ فيهِ: "منْ قالَ الله في جهةِ فوقُ لا نكفّرُهُ" قالَ: لأنّ التخَلّي عن هذا صعبٌ. هذا الكلامُ مردودٌ لأنَهُ خالفَ كلامَ الإمامِ. كلُ شىءٍ يكونُ في جهةٍ فهوَ جسمٌ، إمَّا جسْمٌ لطيفٌ أو جسمٌ كثيفٌ. الجسمُ اللطيفُ كالنورِ والريحِ والظلامِ، والجسمُ الكثيفُ كالنجمِ والشمسِ والقمرِ. النجمُ والشمسُ والقمرُ في هذا الفراغِ فوقَنا، هذا الفراغُ منْ هنا إلى السماءِ الأولى مسيرةُ خمسِمائةِ سنةٍ، الريحُ في هذا الفراغِ، الريحُ جسمٌ. الذي يقولُ الله في السَّماءِ ويظنُّ أنَّ الله ضوءٌ حلَّ في جهةِ السّماءِ جعلَهُ جسْمًا كفَرَ. والذي يقولُ بصورةِ البشرِ أكفَرُ. كانَ في الماضي مشبّهةٌ يدّعونَ الإسلامَ ويصلّونَ ويصومونَ، منْهم من يقولُ: "الله بصورةِ شابّ أمردَ" ومنْهم منْ يقولُ: "بصورةِ شيخٍ أشمطَ" أي اختلطَ سوادُ شعَرِهِ ببياضِهِ. هؤلاءِ أكفرُ من الذي يقولُ الله في جهةِ فوقُ ولم يجعلْه بصورةِ بشَرٍ. الذي جعلَهُ بصورةِ بشرٍ أكفرُ، هذا معنى المجسّمِ منِ اعتقدَ أنَّ الله جسمٌ أو قالَ يسكنُ في مكانٍ.
أمّا قولُ الإمامِ الطحاويّ: "ومنْ وصفَ الله بمعنًى منْ معاني البشرِ فقدْ كفرَ" معناهُ أنَّ الذي يعتقدُ أنَّ للهِ كلامًا ككلامِ البشرِ منْ حرفٍ وصوتٍ، والذي يعتقدُ أنَّ رؤيتَهُ بمقابَلةٍ، أي أنَّهُ يرى العالمَ منْ جهةٍ منَ الجهاتِ كافرٌ، كذلكَ الذي يعتقدُ أنَّ المؤمنينَ يرَونَ الله بعد ما يَدخُلونَ الجنَّةَ في جهةٍ من الجهاتِ أو في كلِ الجهاتِ فهو أيضًا كافرٌ. بلْ يراهُ المؤمنونَ في الجنةِ منْ غيرِ مقابلةٍ أي منْ غيرِ أنْ يكونَ في جهةٍ منهمْ، الله تباركَ وتعالى يُرى لا كما يُرى المخلوقُ، المخلوقُ يُرى قريبًا بالمسافةِ أو بعيدًا بالمسافةِ.
كذلكَ الذي يظنُّ أنَّ كلامَهُ سبحانَهُ وتعالى بحرفٍ وصوتٍ شبَّهَهُ بالبشرِ. نحنُ كلامُنا بحرفٍ وصوتٍ. أبو حنيفةَ رضيَ الله عنه كانَ أدركَ الصّحابةَ، وُلِدَ سنةَ ثمانينَ منَ الهجرةِ، تعلَّمَ العلمَ ممنْ تعلَّمَ منَ الصّحابةِ قالَ: "نحنُ نتكلَّمُ بالآلاتِ والحروفِ والله يتكلَّمُ بلا ءالةٍ ولا حرفٍ". الذي يقولُ الله يتكلمُ بالآلةِ والحرفِ والصوتِ شبَّههُ بخلقِه. هذا البيانُ ليسَ شيئًا جديدًا، أبو حنيفةَ قالهُ، قالَ: "نحنُ نتكلمُ بالآلاتِ والحروفِ" معناهُ بعضُ الحروفِ تخرُجُ من الشفةِ، وبعضُها منَ الحلقِ، لا تخرجُ إلا منَ الحلقِ، وبعضُها منْ طرفِ اللسانِ. الحروفُ لها مخارجُ، الذي يقولُ الله يتكلّمُ بالحرفِ والصوتِ جعلَهُ كخلقِهِ. الذي يظنُّ أنَّ الله يتكلّمُ ثمّ يقطعُ ثم يتكلّمُ ثمّ يقطعُ أو يظنُّ أنَّ الله علِمَ أشياءَ ثم علِم أشياءَ ثمَّ علِمَ أشياءَ هذا جعلَ الله مثلَ خلقِهِ، جعلَ الله حادِثًا. الله لا تقومُ بهِ صفةٌ حادثةٌ، قال أبو حنيفةَ: "منِ اعتقدَ أنَّهُ -أيِ اللهَ- تقومُ بهِ صفةٌ حادثةٌ أو شكَّ أوتوقفَ فهو كافرٌ".
القرءانُ نقولُ عنهُ كلامُ الله لا بمعنى أنَّ الله قَرأَهُ بالحرفِ والصوتِ، بلْ نقولُ كلامُ الله لأنّهُ عبارةٌ عنْ كلامِ الله الأزليّ،كما إذا قلنا "الله" ذكرنا الله بالحرفِ والصوتِ، لكنَّ الله الذي نذكرُهُ ليسَ كشىءٍ منَ الأشياءِ. الحنابلةُ الذينَ ضلُّوا يقولونَ الله كلامُه بحرفٍ وصوتٍ مثلُ ابنِ تيميةَ هؤلاءِ كفروا لأنَّهم وصفوا الله بالحادِثِ. الله لا يوصفُ بالحادثِ كلُّ صفاتِه أزليةٌ أبديةٌ حياتُهُ أزليةٌ أبديةٌ لا يدخلُها تقطُّعٌ، كذلِكَ علمُهُ أزليٌّ أبديٌّ كذلكَ قدرتُهُ أزليةٌ أبديةٌ وسمعُه أزليٌّ أبديٌّ ومشيئتُهُ أزليةٌ أبديةٌ وبصرُهُ أزليٌّ أبديٌّ، ومعْ هذا نحنُ لا نقولُ القرءانُ مخلوقٌ ولو كانتْ هذهِ الحروفُ مخلوقةً، لأنَّ هذهِ الحروفَ عبارةٌ عنْ كلامِ الله الذي ليسَ حرفًا. كما إذا قلنا "الله" ما معنى الله؟ ذلِكَ الذاتُ الأزليُّ الأبديُّ الذي لا يشبهُ شيئًا، لكنْ هذهِ الحروفُ مخلوقةٌ شىءٌ يحدثُ ثم ينقضي.
حروفُ لفظِ الجلالةِ "الله" تدلُّ على ذلكَ الذاتِ الموجودِ الذي ليسَ له ابتداءٌ. كذلِكَ هذه الحروفُ - أي حروفُ القرءانِ – تدلُّ على ذلِكَ الكلامِ الأزليّ الأبديّ.
كلامُهُ ليس َككلامِ الخلقِ ليسَ بحرفٍ وصوتٍ، كلامُهُ كلامٌ واحدٌ ليسَ ككلامِ الخلقِ بالانتقالِ منْ حرفٍ إلى حرفٍ. القرءانُ اللفظُ الذي نقرأُهُ مِنَ الباءِ إلى السينِ أولُه باءٌ منْ ﴿بسمِ الله الرّحمنِ الرّحيم﴾ وءاخرُه سينٌ منْ ﴿منَ الجنَّةِ والناسِ﴾ ليسَ الله قرأهُ بالحرفِ والصوتِ، لو كانَ كذلِكَ لكانَ شبيهًا بنَا. ليسَ الله يبدأُ بالكلامِ ثمَّ يسكتُ ثم يتكلَّمُ ثمَّ يسكتُ لأنَّ كلامَهُ ليسَ حروفًا ولا صوتًا، يستحيلُ أنْ ينطقَ بالحرفِ. لَمـَّا تقولُ بسمِ الله تأتي الباءُ ثمّ تَنْقضي ثمَّ تأتي السينُ ثمّ تنقضي، يستحيلُ أنْ يتكلّمَ الله بها هكذا.
كلامُ الله كلامٌ واحدٌ ليسَ متجزئًا وليسَ له أبعاضٌ، هو كلامٌ واحدٌ أمرٌ ونهيٌ، كلامُ الله الأزليُّ الأبديُّ في الدنيا سمعَهُ منَ البشَرِ موسى عليهِ السَّلامُ وسيدُنا محمدٌ صلى الله عليهِ وسلمَ منْ بينِ الأنبياءِ كلّهِمْ. أما في الآخرةِ يسمعُه كلُّ البشرِ والجنّ، كلّهُمْ يسمعونَ ذلك الكلامَ الذي ليسَ حرفًا ولا صوتًا. موسى وسيدُنا محمّدٌ عليهِما السّلامُ سمِعا كلامَهُ الذي ليسَ حرفًا ولا صوتًا وليسَ له ابتداءٌ ولا انتهاءٌ. منْ كانَ يعتقدُ خلافَ ذلكَ فليسَ مؤمِنًا، فليسَ عارفًا بالله.
بعضُ الناسِ إذا سَمِعوا "كلامُ الله ليسَ بحرفٍ ليسَ بصوتٍ" يستغربونَ، قدْ يظنّونَ منْ جهلِهِمْ أنَّ هذا شىءٌ منْ عندِنا، ولا يدْرونَ أنَّ هذا التفصيلَ والبيانَ أبو حنيفةَ قالَهُ. وكلُّ أهلِ السُنّةِ يعتقدونَ أنَّ الله كلامُهُ ليسَ حَرفًا ولا صوتًا.
وردَ في القرءانِ ﴿قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي﴾]سورة الكهف/109[ معناه كلامُ الله ليسَ شيئًا له أبعاضٌ، وإنما هو كلامٌ واحدٌ وإنما قالَ تعالى ﴿كلماتِ﴾ بلفظ الجمع للتعظيمِ، ليس معناهُ أنَّ لهُ كلامًا متجَزّئًا. في القرءانِ في موضِعٍ ورَدَ ﴿وَكَلِمَةُ الله﴾]سورةالتوبة[40/ وورَدَ ﴿كَلِمَاتُ الله﴾ الآيةَ]سورة لقمان/27[، بلفظِ الجمعِ وبلفظِ الإفرادِ. كما أنَّ الله عبَّر عن نفسِهِ بلفظِ الجمعِ وبلفظِ الإفرادِ، ﴿قلْ هو الله أحدٌ(1)﴾ ]سورة الإخلاص[ هذا صريحٌ في الإفرادِ، وعبرَ عن نفسِه بلفظِ الجمعِ قالَ تعالى ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ﴾]سورة ق[43/وهوَ واحدٌ لكنْ عبَّرَعنْ نفسِهِ بلفظِ الجمعِ وهوَ واحدٌ ليسَ جمعًا. وعبَّر بلفظِ ﴿فاعِلون﴾]سورة المؤمنون[4/وهو فاعِلٌ واحدٌ خالقٌ واحدٌ. كذلك قالَ﴿كَلِمَاتُ الله﴾ للتَّعظيم كما عبَّر عنْ نفسِهِ بنحنُ وهو واحدٌ ليسَ اثنين ولا ثلاثةً ولا أكثرَ.
هذا القرءانُ الذي نحنُ نقرأُه والتوراةُ والإنجيلُ والزبورُ كلُّ هؤلاءِ عباراتٌ عن ذلك الكلامِ، هذه العباراتُ حروفٌ، هي عباراتٌ عنْ كلامِ الله الذاتيِّ الذي ليسَ حرفًا ولا صوتًا. بعضُ العباراتِ بالعربيةِ وهو القرءانُ وبعضُ العباراتِ بالسّريانيةِ وهو الإنجيلُ وبعض العباراتِ بالعبرانيةِ وهو التوراةُ والزبورُ. كلٌّ يقالُ لهُ كلامُ الله لا بمعنى أنَّ الله قرأهُ هكذا، بلْ بمعنى أنَّ هذهِ الكتبَ تدلُّ على ذلِكَ الكلامِ الذي ليسَ حرفًا ولا صوتًا.
صفاتُ الله علمُه وقدرتُه ومشيئتُه وسمعُه وبصرُه وكلامُه وحياتُه كلُّ صفةٍ منْ هذه الصفاتِ صفةٌ واحدةٌ. كلُّ أصواتِ الخلقِ الله تباركَ وتعالى يسمعُها بسمعٍ أزليٍّ ليسَ بسمعٍ حادثٍ، ليسَ بسمعٍ يحدُثُ لهُ عندما يوجدُ الصوتُ، نحنُ عندمـا يحصلُ منّا صوتٌ يحصلُ منّا سمْعٌ، الله تعالى يسمعُ الأصواتَ الحادثةَ من المخلوقينَ بذلك السمعِ الأزليّ الأبديّ الذي ليس له انقطاعٌ. كذلكَ رؤيتُهُ لا يَرى الأشياءَ برؤيةٍ حادثةٍ بلْ برؤيةٍ أزليّة.
الله تبارَكَ وتعالى لهُ قدرةٌ واحدةٌ أزليةٌ أبديةٌ لا تتقطعُ، لا يدخلُها تقطُّعٌ. قدرتُهُ قدرةٌ واحدةٌ ليسَ كقدرتِنا نحنُ نقدِرُ على شىءٍ، ثم نقدِرُ على شىءٍ ءاخرَ وقد تضعُفُ قدرتُنا وقد تَقوى، أمّا الله تبارَكَ وتعالى فقادِرٌ على كلّ شىءٍ بقدرةٍ واحدةٍ أزليّةٍ أبديّةٍ، وكذلِكَ لهُ مشيئةٌ واحدةٌ ليسَ له مشيئةٌ متعدّدَةٌ كالخلقِ.
المخلوقُ يشاءُ شيئًا ثمَّ يشاءُ شيئًا ثم يشاءُ شيئًا أمَّا الله ليسَ كذلكَ. الله تبارك وتعالى شاءَ وجودَ كلِّ ما دخَلَ في الوجودِ وما سيدخُلُ فيما بعدُ بمشيئةٍ واحدةٍ. كلُّهُ شاءَهُ بمشيئةٍ واحدةٍ. الله تعالى شاءَ في الأزَلِ وجودَ هذا العالمِ على الترتيبِ الذي وُجِدَ عليهِ. بمشيئةٍ واحدةٍ شاءَ. شاءَ وجودَ الماءِ وما بعدَهُ.
عِلمُ الله واحدٌ دائمٌ ليسَ شيئًا له أجزاءٌ، لا يزيدُ ولا ينقُصُ، شاملٌ لكلّ شىءٍ، ليسَ له ابتداءٌ ولا انتهاءٌ، يعلمُ بهذا العلمِ الواحدِ كلَّ شىءٍ. علمُهُ تبارَكَ وتعالى ليسَ كعلمِنا، نحنُ علومُنا حادثةٌ وقدرتُنا حادثةٌ، أوّلَ ما نخرجُ منْ بطونِ أمهاتِنا لا نعلمُ شيئًا ثمّ يحصُلُ لنا بعدَ ذلكَ علمُ شىءٍ ثمَّ شىءٍ ثمَّ شىءٍ. أما علمُهُ تبارَكَ وتعالى واحدٌ شاملٌ لكلِّ شىءٍ لا يزيدُ ولا ينقُصُ.
هذا العالَم كلُّهُ بقدرةٍ واحدةٍ خلقَهُ، وبعلمٍ واحدٍ وبمشيئةٍ واحدةٍ وحُكمٍ واحدٍ. بكلامٍ واحدٍ في الأزلِ حَكَمَ بوجودِ العالَمِ فوُجِد، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(82)﴾]سورة يس[ معناهُ بحكمِهِ الأزليّ خلقَ الأشياءَ، أيْ يَحكُمُ في الأزلِ بوجودِ الشىء ِفيوجَدُ وليسَ معناهُ أنَّ الله ينطِقُ بكافٍ ونونٍ، ليسَ معناهُ أنَّ الله لمـَّا يريدُ أنْ يخلقَ شيئًا يقولُ كنْ، كنْ. ويكفرُ منْ يعتقدُ أنَّ الله قرأَ بالكافِ والنّونِ.
كلامُ الله تباركَ وتعالى واحد شاملٌ للأمرِ والنهي والخبَرِ والاستخبارِ (بمعنى طلبِ الإخبارِ ولا يقْتضي ذلكَ عدمَ علمِ المستخبِر بالخبَرِ) والوعدِ والوعيدِ. الله تعالى أمرَ جبريلَ عليهِ السلامُ بأنْ يأخذَ هذهِ الكتبَ من اللوحِ المحفوظِ وينزلُ بها على بعضِ الأنبياءِ. في الحقيقةِ العقليةِ كلامُ الله ذاكَ الذي هو أزليٌّ أبديٌّ ليسَ حرفًا ولا صوتًا ليس متبعّضًا. وبالحقيقةِ الشرعيةِ نقولُ لهذا الذي نقرأُه كلامُ الله.
لا يجوزُ أنْ يقالَ الله نطَقَ أولا بالباءِ ثم بالسينِ إلى أنِ انتهى بـ ﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ (6)﴾ ]سورة الناس [. هذا الترتيبُعلى حسَبِ ما كُتِب في اللوحِ المحفوظِ ثم قرأَهُ جبريلُ عليهِ السَّلامُ على محمَّدٍ صلى الله عليهِ وسلَّم. وجبريلُ عليهِ السلامُ أخذَ القرءانَ منهُ، ليسَ هو ألَّفَهُ، ولا أحدٌ منَ خلقِ الله ألفهُ، جرى القلمُ على اللوح المحفوظِ فكتَبَ هذه الكتُبَ الأربعةَ وكتبَ ما يصيرُ إلى يومِ القيامةِ من أعمالِ الناسِ وأرزاقِهِمْ وءاجالِهمْ، فلانٌ يموتُ على الإيمانِ وفلانٌ يموتُ على الكفرِ، فلانٌ يُسلِمُ ويُختَمُ له بالإيمانِ وفلانٌ لا يُسلِمُ ويُختَمُ له بالكفرِ، كلُّ ذلك كُتِبَ.
هذا القرءانُ الذي نقرأُه ليسَ الله قرأَهُ على جبريلَ، لكنْ جبريلُ عليهِ السّلامُ سمع كلامَ الله الأزليَّ الأبديَّ وأمرَهُ بذلكَ الكلامِ أنْ يأخذَ القرءانَ الذي كُتِبَ على اللّوحِ المحفوظِ وأنْ ينزلَ بهِ على محمَّدٍ صلى الله عليهِ وسلّمَ، وجبريلُ عليه السلامُ قرأَهُ بالحرفِ والصوتِ. السينُ والشينُ والحاءُ والخاءُواللامُ والميمُ والهاءُ والياءُ، منْ هؤلاءِ الحروفِ القرءانُ الكريمُ، هكذا كانَ مكتوبًا في اللوحِ المحفوظِ نزلَ بهِ جبريلُ عليهِ السلامُ على محمدٍ صلى الله عليهِ وسلّمَ وقرأَهُ عليهِ. القرءانُ ليسَ منْ تأليفِ جبريلَ عليه السلامُ ولا منْ تأليفِ محمّدٍ صلى الله عليهِ وسلَّمَ، نقولُ كلامُ الله لا بمعنى أنَّ الله قرأَهُ بالحرفِ والصوتِ قالَ تعالى ﴿بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ (22)﴾ سورة البُروج.
بعضُ الناسِ يقولونَ الله تعالى يومَ القيامةِ يقولُ لما يُحيي الخلقَ بعدما يفني الإنسَ والجنَّ والملائكةَ، لما يعيدُهم يقولُ لمنِ المـُلكُ اليومَ ثمَّ يجيبُ نفسَهُ بنفسِهِ للهِ الواحدِ القهّارِ. هذا غيرُ صحيحٍ، هذا كذِبٌ لا يجوزُ. الصحيحُ أنّهُ عندما يقومُ الناسُ من القبورِ يأمرُ اللهُ ملَكًا فينادي لمن المـُلـْكُ اليومَ، ثمّ هذا المـَلَك يقولُ للهِ الواحدِ القهّارِ فيسمعُ أهلُ الموقِف كلُّهُم، لأنَّهُ لا يوجدُ في الآخرةِ ملوكٌ كما يوجدونَ اليومَ. هو الله مَلِكُ ذلِكَ اليومِ، لا ملِكَ يومَ القيامةِ غيرُه، قالَ الله تعالى: ﴿مالكِ يومِ الدّين (4)﴾]سورة الفاتحة[ هذا الملَك هو نفسُه يعودُ ويقولُ للهِ الواحدِ القهَّارِ. هكذا ينبغي أنْ يُفهَمَ علمُ التوحيدِ. الغلطُ في التوحيدِ خطرُهُ أعظمُ منَ الخطَرِ في الأعمالِ، الصلاةُ إنْ أخطأْتَ فيها تقضِيها مصحَّحَة والصيامُ كذلك، والحجُّ إنْ دخلَهُ فسادٌ تعيدُهُ على الوجْهِ الصحيحِ.
وكذلك هذا الحديثُ: "إنَّ الله تعالى فرضَ فرائضَ فلا تُضَيّعوها وحدَّ حدودًا فلا تعتدوها وحرَّمَ أشياءَ فلا تنْتَهِكوها وسَكَتَ عنْ أشياءَ رحمةً بكمْ غيرَ نسيانٍ فلا تبحثوا عنها". ليسَ معناهُ أنَّ الله تبارَكَ وتعالى يسكتُ كما تسكتُ المخلوقاتُ عنِ الكلامِ، إنَّما المعنى أنَّ الله تبارَكَ وتعالى ما أنزَلها في القرءانِ الكريمِ ولا على لسانِ الرسولِ صلى الله عليهِ وسلَّمَ، أي ما أوردَها في القرءانِ ولا أنزَلها في شريعةِ الرسولِ صلى الله عليهِ وسلَّمَ، ليس معنى "وسكَتَ" أنَّ الله يجوزُ عليهِ السكوتُ، الله تبارك وتعالى لا يجوزُ عليه السكوتُ، الله تباركَ وتعالى متكلّم أزَلا وأبدًا لأنَّ كلامَه ليسَ حرفًا ولا يتخللُه انقطاعٌ. "سكتَ" في هذا الحديثِ ليس معناهُ أنَّ الله تكلَّمَ بأشياءَ ثم سكتَ ثم تكلَّمَ ثمَّ سكتَ، لوكان الله يتكلَمُ ثمَّ يقطعُ ثم يتكلمُ ثم يقطعُ لكانَ مثلنا ولا يجوزُ أنْ يكونَ الخالقُ مثلَ خلقِه.ِ
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin