الدرس السادس والعشرون
الجنةُ دارُ السلامِ
جامع الخيرات
درسٌ ألقاهُ الشّيخُ نزارُ بنُ رشيد الحلبيُّ رحِمَهُ اللهُ تعالى في بيروتَ وهو في بيانِ أنَّ الجنةَ دارُ السلامِ.
قالَ رحِمَهُ اللهُ تعالى رحمةً واسعةً:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ والصّلاةُ والسلامُ على سيدنا محمدٍ وعلى ءالهِ وأصحابهِ الطيبينَ الطاهرينَ.
أما بعد فقد قالَ اللهُ تعالى في سورةِ الزُّخرفِ ﴿يا عِبادِ لا خَوفٌ عليكُمُ اليومَ ولا أنتُمْ تَحْزَنُونَ*الّذينَ ءامنُواْ بآياتِنَا و كَانُواْ مُسْلِمِين* ادْخُلُواْ الجنَّةَ أَنْتُمْ وَ أَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ *يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَ أَكْوَابٍ وَ فِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَ تَلَذُّ الأَعْيُنُ وَ أَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وتِلكَ الجنةُ الّتي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تعمَلُونَ*﴾.
وعنِ ابنِ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إني لأعلمُ ءاخِرَ أهلِ الناسِ خُروجًا مِنها وءاخِرَ أهلِ الجنةِ دُخُولاً الجنةَ رجلٌ يخرجُ منَ النارِ حَبْوًا فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ لهُ اذْهَبْ فادخُلِ الجنةَ فيأتيها فيُخَيَّلُ إليهِ أنَّها مَلْأى فيرْجِعُ ويقولُ يا ربِّ وجَدْتُها مَلْأى فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ اذهَبْ فادخُلِ الجنةَ قالَ فيأتيها فيُخَيّلُ إليهِ أنها ملْأى فيرجعُ فيقولُ يا ربِّ وجدُتها ملْأى فيقولُ الله اذْهَبْ فادخُلِ الجنةَ فإنَّ لكَ مِثلَ الدنيا وعشرةَ أمثالِها أو إنَّ لكَ عشرةَ أمثالِ الدنيا قالَ ابنُ مسعودٍ لقد رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ضَحِكَ حتى بَدَتْ نواجِذُهُ. قالَ ابنُ مسعودٍ فكانَ يُقالُ ذاكَ أدنَى أهلِ الجنةِ منزِلةً اهـ مُتفقٌ عليهِ1.
يُفهَمُ منَ الحديثِ أنَّ الناسَ على درجاتٍ هناكَ ويجبُ الإيمانُ بأنَّ الجنةَ دارُ نعيمٍ حسِّيّ أيْ فيها نعيمٌ حقيقيٌّ ملموسٌ وشرابٌ ملموسٌ وفيها أنهارٌ مِنْ عسلٍ مُصَفًّى وأنهارٌ مِنْ حليبٍ وأنهارٌ مِنْ ماءٍ لا يتغيَّرُ طعمُهُ مِنْ طولِ الـمُكْثِ. وفيها أنهارٌ مِنْ خمرٍ لكنهُ ليسَ كخمرِ الدنيا فلا يُخبِلُ العقلَ وليسَ نَجِسًا. يصيرُ المؤمنُ في الجنةِ بطُولِ ءادمَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ. والواحدُ مِنْ أهلِ الجنةِ يكونُ ابنَ ثلاثٍ وثلاثينَ ولكنْ بلا لحيةٍ حتى الأنبياءُ. وإذا كانَ لهُ أقرِباءُ مؤمنونَ فإنهُ يراهُم متى ما تمنَّى ذلكَ في الجنةِ. أمَّا مَنْ ماتَ مِنْ أقربائِهِ على الكفرِ فإنهُ لا يشتاقُ إليهم ولو كانَ أباهُ أو أمهُ.
ثمَّ إنهُ لا يوجدُ عُزوبةٌ في الجنةِ حتى الولدُ الذي ماتَ وهوَ ابنُ يومِهِ يدخُلُ الجنةَ ويتزوَّجُ فيها والأنثى يُزَوِّجُها اللهُ بمَنْ شاءَ مِنَ الذكورِ وليسَ ذلكَ خوفًا منَ الزِّنى إنَّما هوَ نعيمٌ أنعمَ اللهُ بهِ عليهِم. وردَ أنَّ الشهيدَ يتزوجُ اثنَتَينِ وسبعينَ منَ الحُورِ العِينِ. ووردَ أيضًا أنَّ للمُؤمنِ في الجنةِ خَيمةً مِنْ لُؤلُؤةٍ مُجَوَّفةٍ ارتِفاعُها ستُّونَ مِيلاً في السماءِ للمُؤمنِ فيها أهْلُونَ أيْ أزواجٌ. وأزواجُ الشخصِ هُنَّ لهُ إلى أبدِ الآبَادِ. والحورُ العينُ مِنْ مخلوقاتِ الجنةِ يُعطِيهِنَّ اللهُ لمن يشاءُ مِنْ أهلِ الجنةِ ولهُنَّ منَ الحُسنِ والجَمالِ ما لو بَرَزَتِ الواحدةُ منهُنَّ إلى الدنيا لـمَلَأتْ ما بينَ المشرقِ والمغربِ منَ الرائحةِ الزكيةِ. ولـمَّا عُرِجَ بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماواتِ العُلا اطَّلعَ في الجنةِ فرأى الحُورَ العينَ فطلبَ منهُ سيدُنا جبريلُ أنْ يُسَلِّمَ عليهِنَّ بالقولِ فقُلنَ لهُ نحنُ خَيراتٌ حِسانٌ أزواجُ قومٍ كرامٍ. ورأى صلى الله عليه وسلم في الجنةِ الوِلدانَ الـمُخلَّدينَ وهُم خلْقٌ مِنْ خلقِ اللهِ ليسُوا منَ البشرِ ولا منَ الملائكةِ ولا منَ الجِنِّ خلقَهُمُ اللهُ تعالى من غيرِ أمّ وأبٍ، هُم كاللؤلؤِ المنثورِ، لِيَخْدُموا أهلَ الجنةِ. الواحدُ منْ أهلِ الجنةِ أقلُّ ما يكونُ عندَهُ من هؤلاءِ الوِلدانِ الـمُخلدينَ عشرةُ ءالافٍ بإحدى يدَيْ كلٍّ منهُم صفحةٌ2 من ذهبٍ وصفحةٌ من فضةٍ.
ولا يوجدُ في الجنةِ ما تكرهُهُ النفوسُ فلا يوجدُ حيضٌ ولا يوجدُ بولٌ ولا غائطٌ ولا عرَقٌ يتولَّدُ منهُ وسخٌ ورَشْحُهُم3 كالمسكِ.
وبِمُجرَّدِ أنْ يدخُلَ أهلُ الجنةِ ويستقروا فيها يسمعونَ النداءَ منَ المَلَكِ يا أهلَ الجنةِ إنَّ لكُم أنْ تَحْيَوا فلا تمُوتوا أبدًا وإنَّ لكُم أن تَشِبُّوا فلا تهرَمُوا أبدًا وإنَّ لكم أنْ تَصِحُّوا فلا تسقَمُوا أبدًا وإنَّ لكُم أنْ تنعَموا فلا تَبْأسُوا أبدًا فيكونونَ في نعيمٍ يتجددُ ولا ينقَطِعُ فكلُّ ثمرةٍ يَقطِفُها المؤمنُ في الجنةِ يُجعَلُ مكانَها ثمرةٌ والثمرةُ كالجرّةِ والشجرةُ في الجنةِ ساقُها مِنْ ذهبٍ، وكذلكَ عندما يرى المؤمنُ الطيرَ ويشتهي أنْ يأكُلَهُ يقعُ بينَ يديهِ مَشويًّا إنِ اشتهاهُ مشويًّا مِنْ غيرِ كُلفةٍ ثمَّ بعدَ أن يأكُلَهُ يكسُوا اللهُ تعالى العِظامَ لحمًا وجِلدًا وريشًا ويطيرُ الطيرُ حيًّا من جديدٍ.
وأما الذي قامَ بتوحيدِ اللهِ تعالى واجتنبَ معاصِيَهُ وأدّى فرائضهُ فإنهُ يدخلُ الجنةَ بلا عذابٍ حيثُ النعيمُ الـمُقيمُ الخالدُ فيكونُ لهُ زيادةً على ما أخبرَ بتفصيلهِ اللهُ تعالى والنبيُّ صلى الله عليه وسلم نعيمٌ لا يعلمُهُ إلا اللهُ تعالى بدِلالةِ الحديثِ القدسيّ الذي رواهُ أبو هريرةَ قالَ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: أعْدَدْتُ لعِباديَ الصالحينَ ما لا عينٌ رأتْ ولا أذنٌ سمِعَتْ ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ اهـ. وقالَ أبو هريرةَ اقرأوا إنْ شِئتُم قولَهُ4تعالى في سورةِ السجدةِ ﴿فلا تَعْلَمُ نفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُم مِن قُرَّةِ أعْيُنٍ جَزاءَ بِما كانُوا يعمَلونَ﴾.
تفكَّرْ أخي المسلم في أحوالِ أهلِ الجنةِ وفيما خصَّهُمُ اللهُ منَ النعيمِ المقيمِ الدائمِ، يُعرفُ في وجوهِهِم نضْرَةُ النعيمِ ويُسْقَونَ من رحيقٍ مختومٍ ويجلِسونَ على منابرَ منَ الياقوتِ الأحمرِ ولهم خِيامٌ منَ اللؤلؤِ الأبيضِ ويتّكئونَ على الأرائكِ ولهم منَ الحُورِ العينِ الخَيْراتِ الحِسانِ كأنهنَّ الياقوتُ والـمَرجانُ فهل مِنْ مُشَمِّرٍ للجنةِ.
أليسَ الحَريُّ بنا أن نعملَ لآخِرَتِنا وأنْ نتَزَوَّدَ لها وأن نتسابقَ إلى الطاعاتِ والخَيراتِ فاللهُ عزَّ وجلَّ يقولُ في سورةِ الحديدِ ﴿سابِقُوا إلى مَغفرةٍ مِنْ ربِّكُم﴾ ويقولُ في سورةِ الـمُطففين ﴿وفي ذلكَ فلْيَتنافسِ المُتنافِسُون﴾ فالعجبَ العجبَ ممنْ يتنافَسونَ على الدارِ الفانيةِ ولا يستعدُّونَ للحسابِ في الدارِ الباقيةِ وقدْ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أولُ زُمرةٍ تلِجُ الجنةَ صُورَتُهم على صورةِ القمرِ ليلةَ البدرِ لا يَبصُقونَ فيها ولا يـَمْتَخِطُونَ ولا يَتَغَوَّطُون أمشاطُهُم منَ الذهبِ وءانِيَتُهُم منَ الذهبِ والفضةِ ومجامِرُهُم منَ الأَلُوَّةِ ورَشْحُهُم المسكُ ولكلِّ واحدٍ منهُم زوجَتانِ يُرَى مُخُّ ساقِهِما مِنْ وراءِ اللحمِ منَ الحُسنِ لا اختِلافَ بينَهم ولا5تباغُضَ قُلوبُهم قلبٌ واحِدٌ يُسبِّحُونَ اللهُ بُكرةً وعَشيًّا اهـ متفقٌ عليه .
اللهم إنَّا نسألكَ أنْ تُميتَنا على كلمةِ لا إلهَ إلا اللهُ محمدٌ رسولُ اللهِ وأنْ تجعلنا من أهلِ الجنةِ بفضلكَ يا أرحمَ الراحمينَ.
انتهى والله تعالى أعلم.
------------------
1- رواه البخاري في صحيحه باب صفة الجنة والنار ورواه مسلم في صحيحه باب ءاخر أهل النار خروجًا.
2- في تاج العروس الصفحة شبه قصعة مسْلَنْطِحة عريضة تُشبعُ خمسة اهـ.
3- عرقهم.
4- رواه البخاري في صحيحه باب قوله ﴿فلا تعلمُ نفسٌ ما أُخفِيَ لهُم مِنْ قرةِ أعْيُنٍ﴾.
5- رواه البخاري في صحيحه باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة بلفظ ءانيتهم فيها الذهب أمشاطهم من الذهب والفضة ورواه مسلم في صحيحه باب في صفات الجنة وأهلها وتسبيحهم فيها بكرة وعشيًا بلفظ ءانيتهم وأمشاطهم من الذهب والفضة.
الجنةُ دارُ السلامِ
جامع الخيرات
درسٌ ألقاهُ الشّيخُ نزارُ بنُ رشيد الحلبيُّ رحِمَهُ اللهُ تعالى في بيروتَ وهو في بيانِ أنَّ الجنةَ دارُ السلامِ.
قالَ رحِمَهُ اللهُ تعالى رحمةً واسعةً:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ والصّلاةُ والسلامُ على سيدنا محمدٍ وعلى ءالهِ وأصحابهِ الطيبينَ الطاهرينَ.
أما بعد فقد قالَ اللهُ تعالى في سورةِ الزُّخرفِ ﴿يا عِبادِ لا خَوفٌ عليكُمُ اليومَ ولا أنتُمْ تَحْزَنُونَ*الّذينَ ءامنُواْ بآياتِنَا و كَانُواْ مُسْلِمِين* ادْخُلُواْ الجنَّةَ أَنْتُمْ وَ أَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ *يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَ أَكْوَابٍ وَ فِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَ تَلَذُّ الأَعْيُنُ وَ أَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وتِلكَ الجنةُ الّتي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تعمَلُونَ*﴾.
وعنِ ابنِ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إني لأعلمُ ءاخِرَ أهلِ الناسِ خُروجًا مِنها وءاخِرَ أهلِ الجنةِ دُخُولاً الجنةَ رجلٌ يخرجُ منَ النارِ حَبْوًا فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ لهُ اذْهَبْ فادخُلِ الجنةَ فيأتيها فيُخَيَّلُ إليهِ أنَّها مَلْأى فيرْجِعُ ويقولُ يا ربِّ وجَدْتُها مَلْأى فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ اذهَبْ فادخُلِ الجنةَ قالَ فيأتيها فيُخَيّلُ إليهِ أنها ملْأى فيرجعُ فيقولُ يا ربِّ وجدُتها ملْأى فيقولُ الله اذْهَبْ فادخُلِ الجنةَ فإنَّ لكَ مِثلَ الدنيا وعشرةَ أمثالِها أو إنَّ لكَ عشرةَ أمثالِ الدنيا قالَ ابنُ مسعودٍ لقد رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ضَحِكَ حتى بَدَتْ نواجِذُهُ. قالَ ابنُ مسعودٍ فكانَ يُقالُ ذاكَ أدنَى أهلِ الجنةِ منزِلةً اهـ مُتفقٌ عليهِ1.
يُفهَمُ منَ الحديثِ أنَّ الناسَ على درجاتٍ هناكَ ويجبُ الإيمانُ بأنَّ الجنةَ دارُ نعيمٍ حسِّيّ أيْ فيها نعيمٌ حقيقيٌّ ملموسٌ وشرابٌ ملموسٌ وفيها أنهارٌ مِنْ عسلٍ مُصَفًّى وأنهارٌ مِنْ حليبٍ وأنهارٌ مِنْ ماءٍ لا يتغيَّرُ طعمُهُ مِنْ طولِ الـمُكْثِ. وفيها أنهارٌ مِنْ خمرٍ لكنهُ ليسَ كخمرِ الدنيا فلا يُخبِلُ العقلَ وليسَ نَجِسًا. يصيرُ المؤمنُ في الجنةِ بطُولِ ءادمَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ. والواحدُ مِنْ أهلِ الجنةِ يكونُ ابنَ ثلاثٍ وثلاثينَ ولكنْ بلا لحيةٍ حتى الأنبياءُ. وإذا كانَ لهُ أقرِباءُ مؤمنونَ فإنهُ يراهُم متى ما تمنَّى ذلكَ في الجنةِ. أمَّا مَنْ ماتَ مِنْ أقربائِهِ على الكفرِ فإنهُ لا يشتاقُ إليهم ولو كانَ أباهُ أو أمهُ.
ثمَّ إنهُ لا يوجدُ عُزوبةٌ في الجنةِ حتى الولدُ الذي ماتَ وهوَ ابنُ يومِهِ يدخُلُ الجنةَ ويتزوَّجُ فيها والأنثى يُزَوِّجُها اللهُ بمَنْ شاءَ مِنَ الذكورِ وليسَ ذلكَ خوفًا منَ الزِّنى إنَّما هوَ نعيمٌ أنعمَ اللهُ بهِ عليهِم. وردَ أنَّ الشهيدَ يتزوجُ اثنَتَينِ وسبعينَ منَ الحُورِ العِينِ. ووردَ أيضًا أنَّ للمُؤمنِ في الجنةِ خَيمةً مِنْ لُؤلُؤةٍ مُجَوَّفةٍ ارتِفاعُها ستُّونَ مِيلاً في السماءِ للمُؤمنِ فيها أهْلُونَ أيْ أزواجٌ. وأزواجُ الشخصِ هُنَّ لهُ إلى أبدِ الآبَادِ. والحورُ العينُ مِنْ مخلوقاتِ الجنةِ يُعطِيهِنَّ اللهُ لمن يشاءُ مِنْ أهلِ الجنةِ ولهُنَّ منَ الحُسنِ والجَمالِ ما لو بَرَزَتِ الواحدةُ منهُنَّ إلى الدنيا لـمَلَأتْ ما بينَ المشرقِ والمغربِ منَ الرائحةِ الزكيةِ. ولـمَّا عُرِجَ بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماواتِ العُلا اطَّلعَ في الجنةِ فرأى الحُورَ العينَ فطلبَ منهُ سيدُنا جبريلُ أنْ يُسَلِّمَ عليهِنَّ بالقولِ فقُلنَ لهُ نحنُ خَيراتٌ حِسانٌ أزواجُ قومٍ كرامٍ. ورأى صلى الله عليه وسلم في الجنةِ الوِلدانَ الـمُخلَّدينَ وهُم خلْقٌ مِنْ خلقِ اللهِ ليسُوا منَ البشرِ ولا منَ الملائكةِ ولا منَ الجِنِّ خلقَهُمُ اللهُ تعالى من غيرِ أمّ وأبٍ، هُم كاللؤلؤِ المنثورِ، لِيَخْدُموا أهلَ الجنةِ. الواحدُ منْ أهلِ الجنةِ أقلُّ ما يكونُ عندَهُ من هؤلاءِ الوِلدانِ الـمُخلدينَ عشرةُ ءالافٍ بإحدى يدَيْ كلٍّ منهُم صفحةٌ2 من ذهبٍ وصفحةٌ من فضةٍ.
ولا يوجدُ في الجنةِ ما تكرهُهُ النفوسُ فلا يوجدُ حيضٌ ولا يوجدُ بولٌ ولا غائطٌ ولا عرَقٌ يتولَّدُ منهُ وسخٌ ورَشْحُهُم3 كالمسكِ.
وبِمُجرَّدِ أنْ يدخُلَ أهلُ الجنةِ ويستقروا فيها يسمعونَ النداءَ منَ المَلَكِ يا أهلَ الجنةِ إنَّ لكُم أنْ تَحْيَوا فلا تمُوتوا أبدًا وإنَّ لكُم أن تَشِبُّوا فلا تهرَمُوا أبدًا وإنَّ لكم أنْ تَصِحُّوا فلا تسقَمُوا أبدًا وإنَّ لكُم أنْ تنعَموا فلا تَبْأسُوا أبدًا فيكونونَ في نعيمٍ يتجددُ ولا ينقَطِعُ فكلُّ ثمرةٍ يَقطِفُها المؤمنُ في الجنةِ يُجعَلُ مكانَها ثمرةٌ والثمرةُ كالجرّةِ والشجرةُ في الجنةِ ساقُها مِنْ ذهبٍ، وكذلكَ عندما يرى المؤمنُ الطيرَ ويشتهي أنْ يأكُلَهُ يقعُ بينَ يديهِ مَشويًّا إنِ اشتهاهُ مشويًّا مِنْ غيرِ كُلفةٍ ثمَّ بعدَ أن يأكُلَهُ يكسُوا اللهُ تعالى العِظامَ لحمًا وجِلدًا وريشًا ويطيرُ الطيرُ حيًّا من جديدٍ.
وأما الذي قامَ بتوحيدِ اللهِ تعالى واجتنبَ معاصِيَهُ وأدّى فرائضهُ فإنهُ يدخلُ الجنةَ بلا عذابٍ حيثُ النعيمُ الـمُقيمُ الخالدُ فيكونُ لهُ زيادةً على ما أخبرَ بتفصيلهِ اللهُ تعالى والنبيُّ صلى الله عليه وسلم نعيمٌ لا يعلمُهُ إلا اللهُ تعالى بدِلالةِ الحديثِ القدسيّ الذي رواهُ أبو هريرةَ قالَ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: أعْدَدْتُ لعِباديَ الصالحينَ ما لا عينٌ رأتْ ولا أذنٌ سمِعَتْ ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ اهـ. وقالَ أبو هريرةَ اقرأوا إنْ شِئتُم قولَهُ4تعالى في سورةِ السجدةِ ﴿فلا تَعْلَمُ نفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُم مِن قُرَّةِ أعْيُنٍ جَزاءَ بِما كانُوا يعمَلونَ﴾.
تفكَّرْ أخي المسلم في أحوالِ أهلِ الجنةِ وفيما خصَّهُمُ اللهُ منَ النعيمِ المقيمِ الدائمِ، يُعرفُ في وجوهِهِم نضْرَةُ النعيمِ ويُسْقَونَ من رحيقٍ مختومٍ ويجلِسونَ على منابرَ منَ الياقوتِ الأحمرِ ولهم خِيامٌ منَ اللؤلؤِ الأبيضِ ويتّكئونَ على الأرائكِ ولهم منَ الحُورِ العينِ الخَيْراتِ الحِسانِ كأنهنَّ الياقوتُ والـمَرجانُ فهل مِنْ مُشَمِّرٍ للجنةِ.
أليسَ الحَريُّ بنا أن نعملَ لآخِرَتِنا وأنْ نتَزَوَّدَ لها وأن نتسابقَ إلى الطاعاتِ والخَيراتِ فاللهُ عزَّ وجلَّ يقولُ في سورةِ الحديدِ ﴿سابِقُوا إلى مَغفرةٍ مِنْ ربِّكُم﴾ ويقولُ في سورةِ الـمُطففين ﴿وفي ذلكَ فلْيَتنافسِ المُتنافِسُون﴾ فالعجبَ العجبَ ممنْ يتنافَسونَ على الدارِ الفانيةِ ولا يستعدُّونَ للحسابِ في الدارِ الباقيةِ وقدْ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أولُ زُمرةٍ تلِجُ الجنةَ صُورَتُهم على صورةِ القمرِ ليلةَ البدرِ لا يَبصُقونَ فيها ولا يـَمْتَخِطُونَ ولا يَتَغَوَّطُون أمشاطُهُم منَ الذهبِ وءانِيَتُهُم منَ الذهبِ والفضةِ ومجامِرُهُم منَ الأَلُوَّةِ ورَشْحُهُم المسكُ ولكلِّ واحدٍ منهُم زوجَتانِ يُرَى مُخُّ ساقِهِما مِنْ وراءِ اللحمِ منَ الحُسنِ لا اختِلافَ بينَهم ولا5تباغُضَ قُلوبُهم قلبٌ واحِدٌ يُسبِّحُونَ اللهُ بُكرةً وعَشيًّا اهـ متفقٌ عليه .
اللهم إنَّا نسألكَ أنْ تُميتَنا على كلمةِ لا إلهَ إلا اللهُ محمدٌ رسولُ اللهِ وأنْ تجعلنا من أهلِ الجنةِ بفضلكَ يا أرحمَ الراحمينَ.
انتهى والله تعالى أعلم.
------------------
1- رواه البخاري في صحيحه باب صفة الجنة والنار ورواه مسلم في صحيحه باب ءاخر أهل النار خروجًا.
2- في تاج العروس الصفحة شبه قصعة مسْلَنْطِحة عريضة تُشبعُ خمسة اهـ.
3- عرقهم.
4- رواه البخاري في صحيحه باب قوله ﴿فلا تعلمُ نفسٌ ما أُخفِيَ لهُم مِنْ قرةِ أعْيُنٍ﴾.
5- رواه البخاري في صحيحه باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة بلفظ ءانيتهم فيها الذهب أمشاطهم من الذهب والفضة ورواه مسلم في صحيحه باب في صفات الجنة وأهلها وتسبيحهم فيها بكرة وعشيًا بلفظ ءانيتهم وأمشاطهم من الذهب والفضة.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin