الدرس السادس والثلاثون
الأَسْبَابُ لا تَخْلُقُ الْمُسَبَّبَاتِ
جامع الخيرات
درسٌ ألقاهُ الفقيهُ الـمُتكلمُ الشيخُ عبدُ اللهِ بنُ محمدٍ الشيبي العبدريُّ رحمهُ اللهُ تعالى سنة ثمانٍ وتسعين أو تسعٍ وتسعين وثلاثمائةٍ وألف وهو في بيان أن الأَسْبَابَ لا تَخْلُقُ الْمُسَبَّبَاتِ وإنما الله هو خالقها عند وجود الأسباب.
قالَ رحمهُ اللهُ تعالى رحمةً واسعةً:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِهِ وَصَحْبِهِ الأَكْرَمِينَ الْمَيَامِين.
وَبَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَبَطَ الأَسْبَابَ بِالْمُسَبَّبَاتِ أَىْ جَعَلَ بَيْنَ الأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ ارْتِبَاطًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِلأَسْبَابِ عَلَى الْمُسَبَّبَاتِ تَسَلُّطٌ بِالْخَلْقِ وَالتَّكْوِينِ، أَيْ أَنَّهُ لا شَىْءَ مِنَ الأَسْبَابِ يَخْلُقُ شَيْئًا مِنْ مُسَبَّبَاتِهَا إِنَّمَا يَحْصُلُ عَادَةً بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى الأَزَلِيَّةِ وَتَقْدِيرِهِ وَعِلْمِهِ الأَزَلِيَّيْنِ وَقُدْرَتِهِ الأَزَلِيَّةِ وُجُودُ الْمُسَبَّبَاتِ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ الأَسْبَابِ. مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ عِنْدَمَا يَسْتَعْمِلُ الإِنْسَانُ الأَسْبَابَ كَالأَدْوِيَةِ لِطَلَبِ الشِّفَاءِ بِهَا يَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى الشِّفَاءَ بِمَشِيئَتِهِ الأَزَلِيَّةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَاءَ فِى الأَزَلِ أَنْ يَحْصُلَ الْمُسَبَّبُ إِثْرَ السَّبَبِ لَمْ يَحْصُلِ الْمُسَبَّبُ فَلا يَعْتَمِدِ الإِنْسَانُ أَنَّهُ مَتَى مَا وُجِدَتِ الأَسْبَابُ وُجِدَتِ الْمُسَبَّبَاتُ لا مَحَالَةَ بَلْ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْتَقِدَ أَنَّهُ إِذَا حَصَلَتِ الأَسْبَابُ تَحْصُلُ الْمُسَبَّبَاتُ إِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى شَاءَ فِى الأَزَلِ أَنْ تَحْصُلَ هَذِهِ الْمُسَبَّبَاتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ شَاءَ فِى الأَزَلِ أَنْ تَحْصُلَ عِنْدَ اسْتِعْمَالِ الأَسْبَابِ لَمْ تَحْصُلِ الْمُسَبَّبَاتُ لِأَنَّ الْمُسَبَّبَاتِ لا تَحْصُلُ إِلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ الأَزَلِيَّةِ. فَإِذَنْ الأَسْبَابُ لا تُوجِبُ الْمُسَبَّبَاتِ بِطَرِيقِ التَّلازُمِ الْعَقْلِىِّ إِنَّمَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَنْ يَحْصُلَ الشِّفَاءُ عِنْدَ اسْتِعْمَالِ الأَدْوِيَةِ فِى كَثِيرٍ مِنَ الأَحْوَالِ وَلَمْ يَشَإِ اللَّهُ أَنْ يَحْصُلَ الشِّفَاءُ بِهَا عَلَى الدَّوَامِ فِى جَمِيعِ الأَحْوَالِ. لَوْ كَانَ اللَّهُ شَاءَ أَنْ يَحْصُلَ بِهَا الشِّفَاءُ فِى جَمِيعِ الأَحْوَالِ كَانَ كُلُّ مَنْ يَسْتَعْمِلُ الدَّوَاءَ الَّذِى هُوَ لِمَرَضٍ مُعَيَّنٍ يَحْصُلُ الشِّفَاءُ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهِ بِلا تَخَلُّفٍ لَكِنَّنَا نُشَاهِدُ فِى كَثِيرٍ مِنَ الأَحْوَالِ أَنَّ النَّاسَ يَسْتَعْمِلُونَ الأَدْوِيَةَ لِأَمْرَاضٍ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ لا يَحْصُلُ الشِّفَاءُ بِهَا، هَذَا دَلِيلٌ عِيَانِىٌّ وَبُرْهَانٌ يَقِينِىٌّ عَلَى أَنَّ الأَسْبَابَ لا تَخْلُقُ الْمُسَبَّبَاتِ إِنَّمَا تَلازُمُ الأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ عَادِىٌّ فَلا يَتَوَكَّلِ الْعَبْدُ عَلَى الأَسْبَابِ بَلْ يَتَوَكَّلْ عَلَى مُسَبِّبِ الأَسْبَابِ أَىْ عَلَى خَالِقِ الأَسْبَابِ أَىْ عَلَى اللَّهِ الَّذِي جَعَلَ ارْتِبَاطًا بَيْنَ الأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ فَلْيَتَوكَّلْ عَلَيْهِ. لِمَاذَا يَتَوَكَّلُ عَلَيْهَا. هَذِهِ الأَدْوِيَةُ الَّتِى يُعَلِّقُ النَّاسُ عَلَيْهَا ءَامَالَهُمْ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ وَالشِّفَاءُ الَّذِي يَحْصُلُ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهَا بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ مَخْلُوقًا لِأَحَدٍ غَيْرِ اللَّهِ فَكَيْفَ يَنْبَغِي أَنْ يُنْسَى خَالِقُ الأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ مِنْ أَجْلِ الأَسْبَابِ. هَذَا أَيْ نِسْيَانُ الْمُسَبِّبِ عَلَى الدَّوَامِ مِنْ شِيمَةِ الْغَافِلِينَ عَنِ اللَّهِ الْوَاقِفِينَ عِنْدَ الأَسْبَابِ. أَمَّا مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ هَذِهِ الأَسْبَابَ هِىَ تَخْلُقُ مُسَبَّبَاتِهَا وَلا يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ خَالِقُ الأَسْبَابِ وَمُسَبَّبَاتِهَا فَإِنَّهُ كَافِرٌ.
أَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلانيُّ قِصَّتُهُ ثَابِتَةٌ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ كَانَ فِى الْوَقْتِ الَّذِي ظَهَرَتْ فِيهِ دَعْوَةُ الأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ الْكَذَّابِ الَّذِي ادَّعَى أَنَّهُ نَبِيٌّ فَكَانَ أَبُو مُسْلِمٍ يَتَجَوَّلُ فِى النَّاسِ وَيُكَذِّبُ الأَسْوَدَ فِى الْبِلادِ الَّتِي كَانَتْ ءَامَنَتْ بِالأَسْوَدِ. كَانَ يَتَجَوَّلُ وَيَقُولُ لِلنَّاسِ هَذَا الأَسْوَدُ كَذَّابٌ لَيْسَ بِرَسُولِ اللَّهِ إِنَّمَا رَسُولُ اللَّهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم. الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ أَخَذُوهُ إِلَى رَئِيسِهِمُ الَّذِي صَدَّقُوهُ بِقَوْلِهِ إِنَّهُ نَبِىٌّ فَمَا هَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُشِيعَ هَذَا الشَّخْصُ الْمُسْلِمُ أَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيُّ فِي النَّاسِ أَنَّ رَئِيسَهُمْ كَذَّابٌ فَقَالَ لَهُ ارْجِعْ عَمَّا تَقُولُ وَءَامِنْ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ لا أَرْجِعُ أَنْتَ لَسْتَ بِرَسُولِ اللَّهِ فَكَذَّبَهُ فِى وَجْهِهِ فَأَضْرَمَ لَهُ نَارًا عَظِيمَةً فَرَمَاهُ فِيهَا فَلَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ النَّارُ ثُمَّ فِى الْيَوْمِ الثَّانِي أَيْضًا أُضْرِمَتْ لَهُ نَارٌ عَظِيمَةٌ فَرَمَوْهُ فِيهَا فَلَمْ يَحْتَرِقْ ثُمَّ أُضْرِمَتْ لَهُ النَّارُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَرُمِيَ فِيهَا فَلَمْ يَحْتَرِقْ ثُمَّ نَفَاهُ قَالَ لا تُقِمْ بِأَرْضِي أَيْ بَيْنَ النَّاسِ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِي. ثُمَّ جَاءَ هَذَا الإِنْسَانُ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَبَيْنَا هُوَ فِي الْمَسْجِدِ أَتَاهُ عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ فَنَظَرَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ أَنْتَ أَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيُّ قَالَ: نَعَمْ1 لِأَنَّ خَبَرَهُ كَانَ شَاعَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْيَمَنِ إِلَى الْحِجَازِ قِصَّتُهُ كَانَتْ شَاعَتْ فَقَبَّلَهُ عُمَرُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ خَلِيلِ الرَّحْمٰنِ إِبْرَاهِيمَ.
كَانَ أَبُو مُسْلِمٍ لَمْ يَأْتِ إِلَى الْمَدِينَةِ إِلَّا بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، كَانَ هُوَ أَسْلَمَ فِى حَيَاةِ الرَّسُولِ فِى بَلَدِهِ فِى الْيَمَنِ لَكِنَّهُ لَمْ يُهَاجِرْ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَطِيعًا لِلْهِجْرَةِ أَىْ لِمُغَادَرَةِ بَلَدِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ حَيْثُ مُقَامُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ مِنَ الَّذِينَ لَهُمْ عُذْرٌ، كَانَ أَهْلُ الأَعْذَارِ فِى الْوَقْتِ الَّذِي كَانَتِ الْهِجْرَةُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَرْضًا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ اسْتَطَاعَ أَنْ يُهَاجِرَ لا حَرَجَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يُهَاجِرُوا، أَمَّا مَنِ اسْتَطَاعَ فَلَمْ يُهَاجِرْ كَانَ ءَاثِمًا عَاصِيًا.
فَهَذَا أَيْ عَدَمُ إِحْرَاقِ النَّارِ لِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ وَلِأَبِى مُسْلِمٍ الْخَوْلانِىِّ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّ الأَسْبَابَ لا تَخْلُقُ مُسَبَّبَاتِهَا إِنَّمَا اللَّهُ تَعَالَى يَخْلُقُ الْمُسَبَّبَاتِ عِنْدَ الأَسْبَابِ أَىْ حِينَمَا تُلامِسُ النَّارُ الْجِسْمَ يَحْصُلُ الِاحْتِرَاقُ، اللَّهُ تَعَالَى يَخْلُقُ الِاحْتِرَاقَ فِي الشَّىْءِ الَّذِي لَمَسَتْهُ النَّارُ لَيْسَتِ النَّارُ تَخْلُقُ الِاحْتِرَاقَ. لَوْ كَانَتِ النَّارُ تَخْلُقُ الِاحْتِرَاقَ لَكَانَ إِبْرَاهِيمُ احْتَرَقَ لِأَنَّ النَّارَ الَّتِي أُوقِدَتْ كَانَتْ نَارًا عَظِيمَةً كَانَتْ مِسَاحَتُهَا كَبِيرَةً لَكِنَّهَا لَمْ تُحْرِقْهُ وَلا ثِيَابَهُ. كَذَلِكَ أَبُو مُسْلِمٍ لَمْ تُحْرِقْهُ وَلا ثِيَابَهُ. وَكَذَلِكَ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا يَدْخُلُونَ الأَفْرَانَ الْحَامِيَةَ وَلا تُحْرِقُهُمْ وَلا ثِيَابَهُمْ. كَانَ فِى مَدِينَةِ حِمْصَ شَيْخٌ مِنَ السَّعْدِيِّينَ الآنَ لَهُمْ زَاوِيَةٌ مَعْرُوفَةٌ فَقَدْ رَأَيْتُ ابْنَهُ يُسَمَّى الشَّيْخَ بُرْهَانًا فَحَدَّثَنِي عَنْ وَالِدِهِ وَغَيْرُهُ حَدَّثَنِي أَنَّهُ كَانَ رَحَلَ إِلَى إِسْطَنْبُول أَيَّامَ السُّلْطَانِ عَبْدِ الْحَمِيدِ فَقِيلَ لَهُ لَمَّا عَرَفُوا أَنَّهُ يَنْتَسِبُ إِلَى مَشْيَخَةِ التَّصَوُّفِ وَالطَّرِيقَةِ قَالُوا لَهُ أَيِ الأَتْرَاكُ أَرِنَا ءَايَةً إِنْ كُنْتَ مِنْ أَهْلِ النَّسَبِ، هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى سَيِّدِنَا الْحُسَيْنِ، أَرِنَا ءَايَةً كَرَامَةً فَأَشْعَلُوا الْفُرْنَ بِشِدَّةٍ فَدَخَلَ فِي النَّارِ فَلَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ بَلْ أَطْفَأَهَا، هُوَ بِمُكْثِهِ فِيهَا أَطْفَأَهَا، فَعِنْدَئِذٍ اعْتَقَدُوا فِيهِ فَوَصَلَ خَبَرُهُ إِلَى السُّلْطَانِ عَبْدِ الْحَمِيدِ فَبَنَى لَهُ بِنَايَةً ضَخْمَةً جَمِيلَةً فِى حِمْصَ حَتَّى يَتَّخِذَهَا زَاوِيَةً لِلذِّكْرِ. قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ هُوَ وَأَحْبَابُهُ يَذْكُرُونَ فِى مَكَانٍ مُتَوَاضِعٍ وَمِسَاحَتُهُ صَغِيرَةٌ فَلَمَّا بَنَى لَهُ السُّلْطَانُ عَبْدُ الْحَمِيدِ هَذِهِ الْبِنَايَةَ هَذِهِ الْبِنَايَةُ وَسِعَتْهُمْ هُوَ وَأَتْبَاعَهُ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَيْهِ بِالذِّكْرِ وَالطَّرِيقَةِ.
ثُمَّ أَيْضًا هَذِهِ النَّعَامَةُ الْحَيَوَانُ الْمَعْرُوفُ هُوَ كَغَيْرِهِ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الْبَهَائِمِ مِنْ لَحْمٍ وَدَمٍ وَعَظْمٍ فَهِىَ تَأْكُلُ الْجَمْرَ الأَحْمَرَ أَكْلًا تَسْتَمْرِئُهُ أَىْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُزْعِجَهَا وَيُؤْذِيهَا تَأْكُلُهُ أَكْلًا كَذَلِكَ الْمَسَامِيرُ الْمُحْمَرَّةُ مِنَ النَّارِ تَأْكُلُهَا النَّعَامُ وَلا يُؤْذِيَهَا مَعَ أَنَّهَا مِنْ لَحْمٍ وَدَمٍ وَعَظْمٍ كَغَيْرِهَا مِنْ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ فَلِمَاذَا هَذَا الْجَمْرُ وَهَذِهِ الْقِطَعُ الْحَدِيدِيَّةُ الْمُحْمَاةُ بِالنَّارِ لا تُحْرِقُهَا وَتُحْرِقُ فِى الْعَادَةِ غَيْرَهَا، لَوْ كَانَتِ النَّارُ تَخْلُقُ الِاحْتِرَاقَ كَانَتْ أَحْرَقَتْ كُلَّ شَىْءٍ تُصِيبُهُ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ نَجَا مِنَ الِاحْتِرَاقِ وَلا كَانَ أَبُو مُسْلِمٍ وَلا كَانَ هَؤُلاءِ الصُّوفِيَّةُ الصَّادِقُونَ. هَذَا دَلِيلٌ حِسِّىٌّ عَلَى أَنَّ النَّارَ لا تَخْلُقُ الِاحْتِرَاقَ. كَذَلِكَ الْخُبْزُ لا يَخْلُقُ الشِّبَعَ لِآكِلِهِ كَذَلِكَ الْمَاءُ لا يَخْلُقُ الرِّيَّ لِشَارِبِهِ كَذَلِكَ الدَّوَاءُ لا يَخْلُقُ الشِّفَاءَ لِمُسْتَعْمِلِهِ، هَذَا دَلِيلٌ حِسِّيٌّ عَلَى إِثْبَاتِ مَا جَاءَ بِهِ الإِسْلامُ أَنَّ النَّارَ وَغَيْرَهَا مِنَ الأَسْبَابِ كَالأَدْوِيَةِ لا تَخْلُقُ شَيْئًا مِنْ مُسَبَّبَاتِهَا إِنَّمَا الَّذِي خَلَقَ النَّارَ وَخَلَقَ الأَجْسَامَ الَّتِي تُمَاسُّ النَّارَ وَخَلَقَ الأَدْوِيَةَ وَخَلَقَ أَصْحَابَ الأَمْرَاضِ هُوَ الَّذِي يَخْلُقُ هَذِهِ الْمُسَبَّبَاتِ.
انتهى والله تعالى أعلم.
------------------
1- رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِى صَحِيحِهِ باب الصحبة و المجالسة.
الأَسْبَابُ لا تَخْلُقُ الْمُسَبَّبَاتِ
جامع الخيرات
درسٌ ألقاهُ الفقيهُ الـمُتكلمُ الشيخُ عبدُ اللهِ بنُ محمدٍ الشيبي العبدريُّ رحمهُ اللهُ تعالى سنة ثمانٍ وتسعين أو تسعٍ وتسعين وثلاثمائةٍ وألف وهو في بيان أن الأَسْبَابَ لا تَخْلُقُ الْمُسَبَّبَاتِ وإنما الله هو خالقها عند وجود الأسباب.
قالَ رحمهُ اللهُ تعالى رحمةً واسعةً:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِهِ وَصَحْبِهِ الأَكْرَمِينَ الْمَيَامِين.
وَبَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَبَطَ الأَسْبَابَ بِالْمُسَبَّبَاتِ أَىْ جَعَلَ بَيْنَ الأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ ارْتِبَاطًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِلأَسْبَابِ عَلَى الْمُسَبَّبَاتِ تَسَلُّطٌ بِالْخَلْقِ وَالتَّكْوِينِ، أَيْ أَنَّهُ لا شَىْءَ مِنَ الأَسْبَابِ يَخْلُقُ شَيْئًا مِنْ مُسَبَّبَاتِهَا إِنَّمَا يَحْصُلُ عَادَةً بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى الأَزَلِيَّةِ وَتَقْدِيرِهِ وَعِلْمِهِ الأَزَلِيَّيْنِ وَقُدْرَتِهِ الأَزَلِيَّةِ وُجُودُ الْمُسَبَّبَاتِ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ الأَسْبَابِ. مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ عِنْدَمَا يَسْتَعْمِلُ الإِنْسَانُ الأَسْبَابَ كَالأَدْوِيَةِ لِطَلَبِ الشِّفَاءِ بِهَا يَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى الشِّفَاءَ بِمَشِيئَتِهِ الأَزَلِيَّةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَاءَ فِى الأَزَلِ أَنْ يَحْصُلَ الْمُسَبَّبُ إِثْرَ السَّبَبِ لَمْ يَحْصُلِ الْمُسَبَّبُ فَلا يَعْتَمِدِ الإِنْسَانُ أَنَّهُ مَتَى مَا وُجِدَتِ الأَسْبَابُ وُجِدَتِ الْمُسَبَّبَاتُ لا مَحَالَةَ بَلْ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْتَقِدَ أَنَّهُ إِذَا حَصَلَتِ الأَسْبَابُ تَحْصُلُ الْمُسَبَّبَاتُ إِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى شَاءَ فِى الأَزَلِ أَنْ تَحْصُلَ هَذِهِ الْمُسَبَّبَاتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ شَاءَ فِى الأَزَلِ أَنْ تَحْصُلَ عِنْدَ اسْتِعْمَالِ الأَسْبَابِ لَمْ تَحْصُلِ الْمُسَبَّبَاتُ لِأَنَّ الْمُسَبَّبَاتِ لا تَحْصُلُ إِلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ الأَزَلِيَّةِ. فَإِذَنْ الأَسْبَابُ لا تُوجِبُ الْمُسَبَّبَاتِ بِطَرِيقِ التَّلازُمِ الْعَقْلِىِّ إِنَّمَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَنْ يَحْصُلَ الشِّفَاءُ عِنْدَ اسْتِعْمَالِ الأَدْوِيَةِ فِى كَثِيرٍ مِنَ الأَحْوَالِ وَلَمْ يَشَإِ اللَّهُ أَنْ يَحْصُلَ الشِّفَاءُ بِهَا عَلَى الدَّوَامِ فِى جَمِيعِ الأَحْوَالِ. لَوْ كَانَ اللَّهُ شَاءَ أَنْ يَحْصُلَ بِهَا الشِّفَاءُ فِى جَمِيعِ الأَحْوَالِ كَانَ كُلُّ مَنْ يَسْتَعْمِلُ الدَّوَاءَ الَّذِى هُوَ لِمَرَضٍ مُعَيَّنٍ يَحْصُلُ الشِّفَاءُ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهِ بِلا تَخَلُّفٍ لَكِنَّنَا نُشَاهِدُ فِى كَثِيرٍ مِنَ الأَحْوَالِ أَنَّ النَّاسَ يَسْتَعْمِلُونَ الأَدْوِيَةَ لِأَمْرَاضٍ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ لا يَحْصُلُ الشِّفَاءُ بِهَا، هَذَا دَلِيلٌ عِيَانِىٌّ وَبُرْهَانٌ يَقِينِىٌّ عَلَى أَنَّ الأَسْبَابَ لا تَخْلُقُ الْمُسَبَّبَاتِ إِنَّمَا تَلازُمُ الأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ عَادِىٌّ فَلا يَتَوَكَّلِ الْعَبْدُ عَلَى الأَسْبَابِ بَلْ يَتَوَكَّلْ عَلَى مُسَبِّبِ الأَسْبَابِ أَىْ عَلَى خَالِقِ الأَسْبَابِ أَىْ عَلَى اللَّهِ الَّذِي جَعَلَ ارْتِبَاطًا بَيْنَ الأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ فَلْيَتَوكَّلْ عَلَيْهِ. لِمَاذَا يَتَوَكَّلُ عَلَيْهَا. هَذِهِ الأَدْوِيَةُ الَّتِى يُعَلِّقُ النَّاسُ عَلَيْهَا ءَامَالَهُمْ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ وَالشِّفَاءُ الَّذِي يَحْصُلُ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهَا بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ مَخْلُوقًا لِأَحَدٍ غَيْرِ اللَّهِ فَكَيْفَ يَنْبَغِي أَنْ يُنْسَى خَالِقُ الأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ مِنْ أَجْلِ الأَسْبَابِ. هَذَا أَيْ نِسْيَانُ الْمُسَبِّبِ عَلَى الدَّوَامِ مِنْ شِيمَةِ الْغَافِلِينَ عَنِ اللَّهِ الْوَاقِفِينَ عِنْدَ الأَسْبَابِ. أَمَّا مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ هَذِهِ الأَسْبَابَ هِىَ تَخْلُقُ مُسَبَّبَاتِهَا وَلا يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ خَالِقُ الأَسْبَابِ وَمُسَبَّبَاتِهَا فَإِنَّهُ كَافِرٌ.
أَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلانيُّ قِصَّتُهُ ثَابِتَةٌ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ كَانَ فِى الْوَقْتِ الَّذِي ظَهَرَتْ فِيهِ دَعْوَةُ الأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ الْكَذَّابِ الَّذِي ادَّعَى أَنَّهُ نَبِيٌّ فَكَانَ أَبُو مُسْلِمٍ يَتَجَوَّلُ فِى النَّاسِ وَيُكَذِّبُ الأَسْوَدَ فِى الْبِلادِ الَّتِي كَانَتْ ءَامَنَتْ بِالأَسْوَدِ. كَانَ يَتَجَوَّلُ وَيَقُولُ لِلنَّاسِ هَذَا الأَسْوَدُ كَذَّابٌ لَيْسَ بِرَسُولِ اللَّهِ إِنَّمَا رَسُولُ اللَّهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم. الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ أَخَذُوهُ إِلَى رَئِيسِهِمُ الَّذِي صَدَّقُوهُ بِقَوْلِهِ إِنَّهُ نَبِىٌّ فَمَا هَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُشِيعَ هَذَا الشَّخْصُ الْمُسْلِمُ أَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيُّ فِي النَّاسِ أَنَّ رَئِيسَهُمْ كَذَّابٌ فَقَالَ لَهُ ارْجِعْ عَمَّا تَقُولُ وَءَامِنْ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ لا أَرْجِعُ أَنْتَ لَسْتَ بِرَسُولِ اللَّهِ فَكَذَّبَهُ فِى وَجْهِهِ فَأَضْرَمَ لَهُ نَارًا عَظِيمَةً فَرَمَاهُ فِيهَا فَلَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ النَّارُ ثُمَّ فِى الْيَوْمِ الثَّانِي أَيْضًا أُضْرِمَتْ لَهُ نَارٌ عَظِيمَةٌ فَرَمَوْهُ فِيهَا فَلَمْ يَحْتَرِقْ ثُمَّ أُضْرِمَتْ لَهُ النَّارُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَرُمِيَ فِيهَا فَلَمْ يَحْتَرِقْ ثُمَّ نَفَاهُ قَالَ لا تُقِمْ بِأَرْضِي أَيْ بَيْنَ النَّاسِ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِي. ثُمَّ جَاءَ هَذَا الإِنْسَانُ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَبَيْنَا هُوَ فِي الْمَسْجِدِ أَتَاهُ عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ فَنَظَرَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ أَنْتَ أَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيُّ قَالَ: نَعَمْ1 لِأَنَّ خَبَرَهُ كَانَ شَاعَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْيَمَنِ إِلَى الْحِجَازِ قِصَّتُهُ كَانَتْ شَاعَتْ فَقَبَّلَهُ عُمَرُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ خَلِيلِ الرَّحْمٰنِ إِبْرَاهِيمَ.
كَانَ أَبُو مُسْلِمٍ لَمْ يَأْتِ إِلَى الْمَدِينَةِ إِلَّا بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، كَانَ هُوَ أَسْلَمَ فِى حَيَاةِ الرَّسُولِ فِى بَلَدِهِ فِى الْيَمَنِ لَكِنَّهُ لَمْ يُهَاجِرْ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَطِيعًا لِلْهِجْرَةِ أَىْ لِمُغَادَرَةِ بَلَدِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ حَيْثُ مُقَامُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ مِنَ الَّذِينَ لَهُمْ عُذْرٌ، كَانَ أَهْلُ الأَعْذَارِ فِى الْوَقْتِ الَّذِي كَانَتِ الْهِجْرَةُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَرْضًا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ اسْتَطَاعَ أَنْ يُهَاجِرَ لا حَرَجَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يُهَاجِرُوا، أَمَّا مَنِ اسْتَطَاعَ فَلَمْ يُهَاجِرْ كَانَ ءَاثِمًا عَاصِيًا.
فَهَذَا أَيْ عَدَمُ إِحْرَاقِ النَّارِ لِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ وَلِأَبِى مُسْلِمٍ الْخَوْلانِىِّ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّ الأَسْبَابَ لا تَخْلُقُ مُسَبَّبَاتِهَا إِنَّمَا اللَّهُ تَعَالَى يَخْلُقُ الْمُسَبَّبَاتِ عِنْدَ الأَسْبَابِ أَىْ حِينَمَا تُلامِسُ النَّارُ الْجِسْمَ يَحْصُلُ الِاحْتِرَاقُ، اللَّهُ تَعَالَى يَخْلُقُ الِاحْتِرَاقَ فِي الشَّىْءِ الَّذِي لَمَسَتْهُ النَّارُ لَيْسَتِ النَّارُ تَخْلُقُ الِاحْتِرَاقَ. لَوْ كَانَتِ النَّارُ تَخْلُقُ الِاحْتِرَاقَ لَكَانَ إِبْرَاهِيمُ احْتَرَقَ لِأَنَّ النَّارَ الَّتِي أُوقِدَتْ كَانَتْ نَارًا عَظِيمَةً كَانَتْ مِسَاحَتُهَا كَبِيرَةً لَكِنَّهَا لَمْ تُحْرِقْهُ وَلا ثِيَابَهُ. كَذَلِكَ أَبُو مُسْلِمٍ لَمْ تُحْرِقْهُ وَلا ثِيَابَهُ. وَكَذَلِكَ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا يَدْخُلُونَ الأَفْرَانَ الْحَامِيَةَ وَلا تُحْرِقُهُمْ وَلا ثِيَابَهُمْ. كَانَ فِى مَدِينَةِ حِمْصَ شَيْخٌ مِنَ السَّعْدِيِّينَ الآنَ لَهُمْ زَاوِيَةٌ مَعْرُوفَةٌ فَقَدْ رَأَيْتُ ابْنَهُ يُسَمَّى الشَّيْخَ بُرْهَانًا فَحَدَّثَنِي عَنْ وَالِدِهِ وَغَيْرُهُ حَدَّثَنِي أَنَّهُ كَانَ رَحَلَ إِلَى إِسْطَنْبُول أَيَّامَ السُّلْطَانِ عَبْدِ الْحَمِيدِ فَقِيلَ لَهُ لَمَّا عَرَفُوا أَنَّهُ يَنْتَسِبُ إِلَى مَشْيَخَةِ التَّصَوُّفِ وَالطَّرِيقَةِ قَالُوا لَهُ أَيِ الأَتْرَاكُ أَرِنَا ءَايَةً إِنْ كُنْتَ مِنْ أَهْلِ النَّسَبِ، هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى سَيِّدِنَا الْحُسَيْنِ، أَرِنَا ءَايَةً كَرَامَةً فَأَشْعَلُوا الْفُرْنَ بِشِدَّةٍ فَدَخَلَ فِي النَّارِ فَلَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ بَلْ أَطْفَأَهَا، هُوَ بِمُكْثِهِ فِيهَا أَطْفَأَهَا، فَعِنْدَئِذٍ اعْتَقَدُوا فِيهِ فَوَصَلَ خَبَرُهُ إِلَى السُّلْطَانِ عَبْدِ الْحَمِيدِ فَبَنَى لَهُ بِنَايَةً ضَخْمَةً جَمِيلَةً فِى حِمْصَ حَتَّى يَتَّخِذَهَا زَاوِيَةً لِلذِّكْرِ. قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ هُوَ وَأَحْبَابُهُ يَذْكُرُونَ فِى مَكَانٍ مُتَوَاضِعٍ وَمِسَاحَتُهُ صَغِيرَةٌ فَلَمَّا بَنَى لَهُ السُّلْطَانُ عَبْدُ الْحَمِيدِ هَذِهِ الْبِنَايَةَ هَذِهِ الْبِنَايَةُ وَسِعَتْهُمْ هُوَ وَأَتْبَاعَهُ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَيْهِ بِالذِّكْرِ وَالطَّرِيقَةِ.
ثُمَّ أَيْضًا هَذِهِ النَّعَامَةُ الْحَيَوَانُ الْمَعْرُوفُ هُوَ كَغَيْرِهِ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الْبَهَائِمِ مِنْ لَحْمٍ وَدَمٍ وَعَظْمٍ فَهِىَ تَأْكُلُ الْجَمْرَ الأَحْمَرَ أَكْلًا تَسْتَمْرِئُهُ أَىْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُزْعِجَهَا وَيُؤْذِيهَا تَأْكُلُهُ أَكْلًا كَذَلِكَ الْمَسَامِيرُ الْمُحْمَرَّةُ مِنَ النَّارِ تَأْكُلُهَا النَّعَامُ وَلا يُؤْذِيَهَا مَعَ أَنَّهَا مِنْ لَحْمٍ وَدَمٍ وَعَظْمٍ كَغَيْرِهَا مِنْ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ فَلِمَاذَا هَذَا الْجَمْرُ وَهَذِهِ الْقِطَعُ الْحَدِيدِيَّةُ الْمُحْمَاةُ بِالنَّارِ لا تُحْرِقُهَا وَتُحْرِقُ فِى الْعَادَةِ غَيْرَهَا، لَوْ كَانَتِ النَّارُ تَخْلُقُ الِاحْتِرَاقَ كَانَتْ أَحْرَقَتْ كُلَّ شَىْءٍ تُصِيبُهُ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ نَجَا مِنَ الِاحْتِرَاقِ وَلا كَانَ أَبُو مُسْلِمٍ وَلا كَانَ هَؤُلاءِ الصُّوفِيَّةُ الصَّادِقُونَ. هَذَا دَلِيلٌ حِسِّىٌّ عَلَى أَنَّ النَّارَ لا تَخْلُقُ الِاحْتِرَاقَ. كَذَلِكَ الْخُبْزُ لا يَخْلُقُ الشِّبَعَ لِآكِلِهِ كَذَلِكَ الْمَاءُ لا يَخْلُقُ الرِّيَّ لِشَارِبِهِ كَذَلِكَ الدَّوَاءُ لا يَخْلُقُ الشِّفَاءَ لِمُسْتَعْمِلِهِ، هَذَا دَلِيلٌ حِسِّيٌّ عَلَى إِثْبَاتِ مَا جَاءَ بِهِ الإِسْلامُ أَنَّ النَّارَ وَغَيْرَهَا مِنَ الأَسْبَابِ كَالأَدْوِيَةِ لا تَخْلُقُ شَيْئًا مِنْ مُسَبَّبَاتِهَا إِنَّمَا الَّذِي خَلَقَ النَّارَ وَخَلَقَ الأَجْسَامَ الَّتِي تُمَاسُّ النَّارَ وَخَلَقَ الأَدْوِيَةَ وَخَلَقَ أَصْحَابَ الأَمْرَاضِ هُوَ الَّذِي يَخْلُقُ هَذِهِ الْمُسَبَّبَاتِ.
انتهى والله تعالى أعلم.
------------------
1- رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِى صَحِيحِهِ باب الصحبة و المجالسة.
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin