خامسا ـ بشارة سليمان
في اليوم الخامس خرجت طالبا النزهة والاستجمام، فقصدت حديقة تضم أصنافا من الطيور والحيوانات .. فأهل القرية ـ كما لاحظت من خلال سلوكهم ـ محبون للحيوانات محترمون لها.
في الحديقة لفت انتباهي رجل في منتهى الهيبة والوقار، بل يظهر من خلال أمور كثيرة أن له رئاسة ما يمارسها، ولكنه مع ذلك يتجول على حيوانات الحديقة، ويتفقدها واحدا واحدا، وكأنها رعية من رعيته، يحرص عليها، ويعتني بها.
ومما زاد عجبي من الرجل، ومن الحديقة، ومن أهل القرية أنهم جعلوا جناحا خاصا بالنمل .. وهذا ما لم أره في أي حديقة من حدائق الدنيا.
رأيت الرجل يسير نحو هذا الجناج، وهو يحمل معه ألوانا من الطعام، تتبعته، فإذا به يلقي السلام على النمل، ثم يرمي الطعام إليهن.
احترت في سلوكه ، وفي شخصه، وفي حقيقته .. وقد كانت هذه حبالا كثيرة دعتني إلى التعرف عليه.
اقتربت منه، وسلمت عليه، وسألته: أراك تحن على النمل.
قال: أجل .. أنا سليمان .. جعل الله سليمان بابي إلى الهداية .. فأنا أسير على قدمه.
قلت: أي سليمان ذلك الذي كان بابك؟ .. وكيف تسير على قدمه؟
قال: ألا تعرف سليمان النبي؟
قلت: بلى .. ومن لا يعرف سليمان؟
قال: فما تعرف عنه؟
قلت: أعرف عنه أشياء كثيرة لا حاجة لذكرها هنا.
قال: لا .. أنت تفر بقولك هذا .. أنت تحمل صورة خاطئة عن سليمان النبي، فلذلك تستحيي من ذكرها.
قلت: لست أدري لم تحرص على الحديث عن سليمان .. وماذا يفيدك الحديث عنه.
قال: لا تقل هذا .. لقد رزقني الله محبة عظيمة لسليمان .. فلذلك ترى حياتي كلها تسير على نهجه.
قلت: لم أفهم ..
قال: لقد كان سليمان نبيا ملكا .. وأنا بحمد الله عمدة هذه القرية .. وقد كان سليمان يتفقد رعيته ويحرص عليها، وها أنت تراني أتفقد رعيتي، وأحرص عليها، وأقدم الطعام لها.
ضحكت، وقلت: أأنت عمدة قرية النمل .. أم عمدة قرية البشر؟
قال: أنا عمدة القرية جميعا ببشرها ونملها وكل طيورها وحيواناتها .. وهذا اليوم مخصص لتفقد الحيوانات والاهتمام بها، أليسوا إخوانا لنا ائتمننا الله عليهم؟
قلت: وما علاقة ذلك بسليمان؟
قال: لقد آتى الله سليمان النبي حبا عظيما وتواضعا عظيما أمام كل الحيوانات .. ألم تسمع قصته مع النمل؟
قلت: وهل له قصة مع النمل؟
قال: أجل .. لقد قصها الله علينا، فقال :) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ( (النمل:18 ـ 19)
ألا ترى كيف امتلأ سليمان بالتواضع لهذه النملة.
قلت: ولكني لم أر سليمان يتفقد النمل كما تتفقده.
قال: لقد أشار القرآن الكريم إلى تفقده لرعيته من الحيوانات، فقال :) وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ( (النمل:20)، فقد شعر سليمان بغيبة الهدهد، فراح يبحث عنه.
قلت: والنمل !؟
قال: القرآن الكريم يذكر الحقائق المجملة، ويدع التفصيل للعقول .. أم أنك تريد أن تجعل من الرسالة الخاتمة قصة لسليمان وحيوانات سليمان؟
حركت رأسي بالموافقة، وقلت: أجل .. صحيح هذا .. إن حياة سليمان تستدعي أسفارا ضخمة.
قال: هذا هو سليمان في قرآننا ملك رحيم أواب امتلأ بالإيمان والرحمة، فوهبه الله من الفضل العظيم ما جعله قمة من قمم الهداية وشمسا من شموسها .. قال الله عنه :) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ( (النمل:16)، وقال عنه :) وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ( (صّ:30)، وقال عنه :) فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ( (النمل:36)
كان يقرأ خاشعا بصوت جميل، فقلت: لقد ذكرتني قراءتك برجل التقيت به أمس.. كان حدادا، وكان صاحب صوت جميل، وكان ذا علم بالكتاب.
ابتسم ، وقال: هل التقيته؟
قلت: ما به؟ .. أو من يكون الرجل؟
قال: ذلك والدي .. إنه نشيط جدا .. إنه لا يمضي دقيقة من حياته في غير العمل الصالح .. حتى إنه لا يطرق بمطرقته طرقة إلا صحبها بذكر الله وترتيل آياته.
قلت: فأنت ولد عاق إذن؟
قال: معاذ الله .. كيف يكون سليمان عاقا لداود؟
قلت: فأنت عمدة البلدة كما تذكر، فكيف تترك أباك يمارس الحدادة؟
قال: هو يحب أن يأكل من عمل يده .. هو يحب داود .. وقد كان داود يعمل بيبده مع أنه كان ملكا .. إن العمل باليد شرف للمؤمن لا إهانة له.
ومع ذلك .. فقد سبقني إلى حكم هذه القرية .. بل سلم حكمها لي برضا أهل القرية زاعما أن لدي من القدرات التنظيمية ما ليس له.
صمت، فقال: وماذا تحمل أنت عن سليمان؟
لم أدر ما أقول، فقال:أنت تحمل صورة مشوهة لسليمان .. وأنت معذور في ذلك.. فالكتاب المقدس الذي شوه بتحريف صورة النبيين هو الذي حملك على ذلك.
قلت: كف عن هذا .. أتسخر من كتابي؟
قال: معاذ الله أن أسخر من شيء .. ولكن أجبني: ألست وقومك تعتقدون أن سليمان ارتد في آخر عمره .. وهو الوقت الذي تتوجه فيه القلوب إلى الله .. مع أن جزاء المرتد في الشريعة الموسوية هو الرجم حتى لو كان المرتد نبيا ذا معجزات كما مصرح بذلك الباب الثالث عشر، والسابع عشر من سفر الاستثناء، بل لا يعلم من موضع من مواضع التوراة، أنه يقبل توبة المرتد، ولو كان توبة المرتد مقبولة، لما أمر موسى بقتل عبدة العجل، حتى قتل ثلاثة وعشرين ألف رجل على خطأ عبادته.
قلت: صدقت في هذا ..
قال: ليس ذلك فقط .. بل أنتم تعتقدون أنه بنى المعابد العالية للأصنام في الجبل قدام أورشليم، وهذه المعابد كانت باقية مئتي سنة حتى نجسها، وكسر الأصنام يوسنا بن آمون ملك يهوذا في عهده، بعد موت سليمان بأزيد من ثلثمائة وثلاثين سنة .. لا يمكنك أن تخالفني في ذلك، فقد جاء ذلك صريحا في الباب الثالث والعشرين من سفر الملوك الثاني.
قلت: صدقت في هذا ..
قال: ليس ذلك فقط .. بل أنتم تعتقدو أنه تزوج نساء من سائر الشعوب، التي منع الله من الزواج منهن، كما في الباب السابع من الاستثناء :( ولا تجعل معهم زيجة فلا تعط ابنتك لابنه، ولا تتخذ ابنته لابنك )
قلت: صدقت في هذا ..
قال: ليس ذلك فقط .. بل انتم تعتقدون أنه تزوج ألف امرأة، وقد كانت كثرة الأزواج محرمة على من يكون سلطان بني إسرائيل في الآية السابعة عشر من الباب السابع عشر من سفر الاستثناء :( ولا تكثر نساؤه لئلا يخدعن نفسه )
قلت: صدقت في هذا ..
قال: ليس ذلك فقط .. بل أنتم تعتقدون أن نساءه كن يبخرن ويذبحن للأوثان، مع أنه ورد في الباب الثاني والعشرين من سفر الخروج :( من يذبح للأوثان فليقتل )، فكان قتلهن واجباً.
بل أنتم تعتقدون أن هؤلاء النسوة أغوين قلبه، فكان رجمهن واجباً على ما هو مصرح به في الباب الثالث عشر من سفر الاستثناء، وهو ما أجرى عليهم الحدود إلى آخر حياته.
قلت: صدقت في كل هذا .. ولكن الله تواب رحيم.
قال: كل هذه كبائر لابد لها من توبة .. فهل ثبتت توبة سليمان في كتبكم؟
صمت، فقال: لقد قرأت الكتاب المقدس مرات لا تحصى .. ولم أظفر بشيء .. بل لو تاب لهدم المعابد التي بناها، وكسر الأصنام التي وضعها في تلك المعابد، ورجم تلك النساء المغويات .. على أن توبته ما كانت نافعة لأن حكم المرتد في التوراة ليس إلا الرجم.
صمت، فقال: أتفرس فيك أنك رجل دين.
قلت: لا حاجة للتفرس، فثيابي تدل علي، وتنم عني.
قال: أخرج كتابا مقدسا من جيبه، وقال: اقرأ ما ورد في الباب الحادي عشر من سفر الملوك الأول.
فتحت الكتاب، فقرأت :( وكان سليمان الملك قد أحب نساء كثيرة غريبة، وابنة فرعون، ونساء من بنات الموابيين، ومن بنات عمون، ومن بنات أدوم، ومن بنات الصيدانيين، ومن بنات الحيثانيين من الشعوب الذين قال الرب لبني إسرائيل لا تدخلوا إليهم، ولا يدخلوا إليكم لئلا يميلوا قلوبكم إلى آلهتكم، وهؤلاء التصق بهم سليمان بحب شديد وصار له سبعمائة امرأة حرة، وثلثمائة سرية، وأغوت نساءه قلبه فلما كان عند كبر سليمان أغوت نساءه إلى آلهة أخر، ولم يكن قلبه سليماً للّه ربه مثل قلب داود أبيه وتبع سليمان عستروت إله الصيدانيين وملكوم صنم بني عمون وارتكب سليمان القبح أمام الرب ولم يتم أن يتبع الرب مثل داود أبيه ثم نصب سليمان نصبة لكاموش صنم مواب في الجبل الذي قدام أورشليم، ولملكوم وثن بني عمون وكذلك صنع لجميع نسائه الغرباء، وهن يبخرن، ويذبحن لآلهتهن فغضب الرب على سليمان حيث مال قلبه عن الرب إله إسرائيل الذي ظهر له مرتين ونهاه عن هذا الكلام أن لا يتبع آلهة الغرباء، ولم يحفظ ما أمره به الرب فقال الرب لسليمان: إنك فعلت هذا الفعل، ولم تحفظ عهدي ووصاياي التي أمرتك بهن، أشق شقاً ملكك، وأصيره إلى عبدك(سفر الملوك الأول :11/ 1 ـ 11)
بعد أن أنهيت القراءة، قال: كل ما قرأته كذب وتخليط على نبي عظيم .. ولن تجد تبرئة لهذا النبي إلا في القرآن الكريم ، فالله تعالى يقول عنه :) وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا( (البقرة: من الآية102)، ويقول عنه :) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ( (صّ:34 ـ 35)
قرأ هذا، ثم جلس يتأمل النمل، ويرمي الطعام إليهن.
جلست لجلوسه، وقلت: لقد ذكرت لي أن سليمان هو بابك إلى الهداية.
قال: أجل .. لقد كنت على دينك .. لقد كنت مسيحيا، كما كان أبي..أما أبي، فقد استنار بشعاع داود ليصل إلى شمس محمد .. وأما أنا، فاستنرت بشعاع سليمان لأصل إلى تلك الشمس العظيمة التي استنارت بها الكائنات.
قلت: وبأي أشعة سليمان استنرت؟
قال: بأشعة كثيرة .. منها ما ورد في المزامير من قوله :( ويملك من البحر إلى البحر، ومن النهر إلى أقاصي الأرض، أمامه تجثو أهل البرية، وأعداؤه يلحسون التراب، ملوك ترشيش والجزائر يرسلون تقدمة، ملوك شبا وسبإ يقدمون هدية، ويسجد له كل الملوك، كل الأمم تتعبد له، لأنه ينجي الفقير المستغيث والمسكين إذ لا معين له، يشفق على المسكين والبائس ويخلص أنفس الفقراء، من الظلم والخطف يفدي أنفسهم، ويكرم دمهم في عينيه، ويعيش ويعطيه من ذهب شبا، ويصلّي لأجله دائماً، اليوم كله يباركه، تكون حفنة بر في الأرض في رؤوس الجبال، تتمايل مثل لبنان ثمرتها ويزهرون من المدينة مثل عشب الأرض.
يكون اسمه إلى الدهر، قدام الشمس يمتد اسمه، ويتباركون به، كل أمم الأرض يطوّبونه، مبارك الرب الله إله إسرائيل الصانع العجائب وحده، ومبارك اسم مجده إلى الدهر ولتمتلئ الأرض كلها من مجده، آمين ثم آمين )(المزمور 72/8-19)
قلت: هذه النبوءة تتحدث عن المسيح ..
قال: وما دليلك على ذلك .. لقد قال قرآننا :) قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ( (البقرة: من الآية111)
قلت: دليل واضح لا يمكن الشك في قوته .. لقد ورد في النبوءة :( ملوك يقدمون هدية له ) .. وهذا لا يصدق إلا على المسيح.
قال: لقد زعمتم أن الملوك صلبوه .. فكيف ترون أنهم قدموا له هدية، أم أن الصليب هو هديتهم له؟
قلت: إن هذه النبوءة تتحدث عن أولئك المجوس الذين قدموا هدية للمسيح بعد مولده.
قال: وهل كانوا ملوكا؟
صمت، فقال: أنتم تتعلقون بقشة .. إن هذه البشارة ينطق كل حرف منها بمحمد.. بل هي تكاد تصرح باسمه.
قلت: لا أرى اسمه في البشارة.
قال: وهل رأيت اسم المسيح حين حملت البشارة عليه؟
صمت، فقال: إن كنت تبحث عن الحقيقة .. فهلم نبحث عنها، ونقارن مدى انطباق كل عبارة من عبارات البشارة على محمد أو المسيح.
لقد كان لكلامه حلاوة تأسر القلوب، فلذلك لم أملك إلا أن أقبل العرض الذي عرضه علي.
العالمية:
قال: فلنبدأ بما ورد في البشارة من قوله:( ويملك من البحر إلى البحر، ومن النهر إلى أقاصي الأرض، أمامه تجثو أهل البرية ) .. ألا ترى أن هذه البشارة تتعلق بنبي صاحب رسالة عالمية؟
قلت: أجل .. وقد كان المسيح كذلك .. ألا ترى المسيحية تعم بقاع الأرض؟
قال: دعنا من الواقع .. ولنذهب إلى الكتاب المقدس ليخبرنا بالحقيقة ..
قلت: أي حقيقة؟
قال: حقيقة المسيحية .. هل هي ديانة عالمية، أم هي ديانة مختصة بشعب إسرائيل؟
قلت: ما تقصد؟
قال: أنت تفهم قصدي .. أجبني: هل أرسل المسيح للناس كافة، أم أرسل لبني إسرائيل خاصة؟
لم أجد ما أقول، فقد كانت النصوص الكثيرة في الكتاب المقدس تؤيد الرجل فيما يذهب إليه، لكني قلت: المسيح هو شمس الحقيقة التي تضيء العالم أجمع ..
قال: أنت تفر من الحقائق إلى الأشعار .. ولذلك سأنوب عنك في الإجابة.
لقد بحثت في الأناجيل التي هي المصدر الأول للتعرف على دعوة المسيح، فدلتني على أن دعوة المسيح قاصرة على شعب اليهود فقط، بل إن البشارة بمجيئة قبل مولده تشير إلى أن رعايته ستكون لشعب اليهود فقط .. أليس ذلك صحيحا، أم تراني وصلت إلى نتائج خاطئة؟
لم أجد ما أقول، فقال: لك الحق .. هذا كلام مجمل .. ولا ينبغي الاكتفاء بالمجمل.. أنت تبحث عن التفاصيل.
لقد بدأت بحثي بإنجيل متى، وكان أول ما رأيت فيه ما حكاه متى عن الله من قوله:( وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا، لأن منك يخرج مدبر يرعى شعبي إسرائيل )(متى:2 : 6 )
أليس في قوله:( يرعى شعبي إسرائيل) إشارة واضحة على أن دعوة المسيح ستكون لشعب اليهود فقط؟
قلت: ليس بالضرورة .. فدخول شعب إسرائيل في دعوة المسيح لا يلغي دخول غيرهم.
قال: ولكن النصوص تخصص شعب إسرائيل فقط بدعوة المسيح .. وقد كان في إمكانها أن تقول :( يخلص الإنسان ) أو ( يخلص العالمين ) لتشمل إسرائيل وغيرهم من الشعوب.
لا بأس .. لقد جاءت نصوص أخرى أكثر صراحة:
لما جاء الملاك إلي مريم العذراء، وبشرها بولادة يسوع أخبرها بأنه يكون على بيت يعقوب، كما في لوقا :( فقال لها الملاك : لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله، وها أنت ستحبلين أبناً وتسمينه يسوع .. ويعطيه الرب كرسي داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد )( لوقا 1 : 30 )
ولما جاء الملاك الذي ظهر ليوسف النجار ، قال له :( فَسَتَلِدُ ابْناً، وَأَنْتَ تُسَمِّيهِ يَسُوعَ، لأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ )(إنجيل متى:1 : 21)
إن قول الملاك :( يخلص شعبه ) دليل على أن دعوة المسيح خاصة ببني إسرائيل.
ولما اختار المسيح اثنى عشر تلميذاً ليكونوا تلاميذه ومساعديه في نشر دعوته كان اختياره لهم من بين اليهود أنفسهم، وأخبرهم أن دينونتهم خاصة بشعب إسرائيل، كما جاء في إنجيل متى أثناء نقله للمحاورة بين المسيح وبين أحد تلاميذه، وهو بطرس، فقد جاء فيها :( فأجاب بطرس حيئذ، وقال له: ها نحن قد تركنا كـل شيء وتبعناك، فماذا يكون لنا؟ فقال يسوع: الحق أقول لكم، إنكم أنتم الذين تبعتموني فـي التجديد، متى جلس ابن الانسان على كرسي مجده تجلسون أنتم أيضاً على اثنى عشـر كرسياً تدينون أسباط إسرائيل الاثنى عشر )( متى 19 : 27)
فالمسيح يخبرهم أنهم يدينون أسباط إسرائيل فقط، ولم يذكر لهم أنهم يدينون شعوب العالم، وفي هذا إشارة إلى أن رسالته وهم من بعده قاصرة على شعب اليهودية المتفرع من أسباط الاثنى عشر.
وعندما رفضت أورشليم رسالة المسيح ناجاها بكلام يستفاد منه أن رسالته خاصة بشعب اليهود فقط، فقد قال:( يا أورشليم يا أورشليم .. يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا )(متى 37 : 23)
قلت: كل ما ذكرته يدل على أن المسيح أرسل إلى شعب إسرائيل .. ولكن ليس هناك نص ينفي إرساله إلى غيرهم.
قال: لا .. هناك نصوص كثيرة تكاد تصرح بذلك .. إن المسيح عندما أرسل تلاميذه لينشروا دعوته بين اليهود كرر لهم الوصية في أن يقصروا الدعوة على اليهود، بل إنه حذرهم من دخول مدن الأمم الأخرى، ولو كانـوا جيراناً لليهود، وقد ذكر إنجيل متى ( 10 : 5) ذلك، فقال :( هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلاً : إلى طريق أمم لا تمضوا إلى مدينة للسامريين لا تدخلوا، بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة )
ليس ذلك فقط .. بل إن المسيح لما بدأ الدعوة إلى الله أعلن أنها قاصرة على بني إسرائيل، ولا تمتد إلى غيرهم، لذلك تجده يقول في متى (15 : 24):( لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة )
ألا ترى أن (إلا) أداة للحصر، وهي تدل على انحصار رسالة المسيح ضمن الشعب الاسرائيلي؟
قلت: ولكن .. ألم تقرأ ما ورد في إنجيل (متى: 38 ):( اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم)
قال: إن هذا النص معارض بكل النصوص التي سبق ذكرها .. ولهذا ذهب المحققون إلى أن هذه العبارة إلحاقية بإنجيل متى، لأنها لم تذكر في بقية الأناجيل.
ألا ترى من الغرابة أن يختص متى بهذه الرواية دون غيره؟
لقد اتفقت الاناجيل الثلاثة على إيراد قصة دخول المسيح أورشليم راكباً على جحش، فهل كان ركوبه على جحش أهم من عالمية الرسالة!؟
بل إن الكثير من النصوص في إنجيل متى يشير إلى أن رسالة المسيح مختصة بإسرائيل، فقد ورد في إنجيل متى (2 : 1):( وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ إِذَا مَجُوسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ قَدْ جَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ قَائِلِينَ: أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ ؟ ))
وينقل متى أن التهمة التي وجهت للمسيح هي أنه ملك اليهود :( فَوَقَفَ يَسُوعُ أَمَامَ الْوَالِي، فَسَأَلَهُ الْوَالِي :( أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ ) فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ :( أَنْتَ تَقُولُ ) (متى 27: 11)
قلت: فقد ورد في إنجيل يوحنا ما يدل على عموم تخليصه، ألم تقرأ :( ولي خراف أخرى ليست من هذه الحظيرة ، وينبغي أن آتي بتلك)(يوحنا: 16:10) .. وجاء في نفس الإنجيل (32:12) :( وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إليَّ الجميع )
قال: من قصد بالخراف الذين من الحظائر الأخرى؟
قلت: قصد بهم كل من يؤمن به من جميع الأمم؟
قال: لا .. إن مقصد المسيح واضح .. إنه يقصد ما ورد في إنجيل متى (24:15):( لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة )
قلت: ولكن خراف إسرائيل من حضيرته.
قال: لا .. لقد كان كل سبط من إسرائيل يشكل حضيرة خاصة .. فلهذا كان قصده من سائر الحظائر ، أي الأسباط الإحدى عشر الأخرى.
قلت: وما تقول فيما جاء في نفس الإنجيل (32:12) :( وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إليَّ الجميع)
قال: هل سيجذب المسيح إليه جميع الناس من آمن به ومن لم يؤمن؟
قلت:لا.
قال: إذن من قصد المسيح بالجميع ؟
قلت: أي أن جميع الأمم ستتبعه.
قال: لا .. هذا النص يفهم على ضوء النصوص السابقة .. لأن كلام المسيح جميعا يتعلق ببني إسرائيل .. فلا يخرج كلامه عن أصله إلا بدليل قوي صريح.
صمت قليلا، ثم أضاف: فنبوءة سليمان لا تنطبق في هذا الجانب على المسيح.
قلت: فهل تنطبق على محمد؟
قال: أجل .. بل إنها لا تنطبق إلا عليه، فنصوص كتابه المقدس، وحياته، وأقواله كلها تدل على أن نبوته عامة للعالمين.
إن رسالة محمد تخاطب كل الأمم، وكل الأجناس، وكل الشعوب، وكل الطبقات.. هي ليست خاصة بشعب إسرائيل الذي راح يزعم الخيرة لنفسه، ويرمي سائر الخلق في أتون الرذالة.
في اليوم الخامس خرجت طالبا النزهة والاستجمام، فقصدت حديقة تضم أصنافا من الطيور والحيوانات .. فأهل القرية ـ كما لاحظت من خلال سلوكهم ـ محبون للحيوانات محترمون لها.
في الحديقة لفت انتباهي رجل في منتهى الهيبة والوقار، بل يظهر من خلال أمور كثيرة أن له رئاسة ما يمارسها، ولكنه مع ذلك يتجول على حيوانات الحديقة، ويتفقدها واحدا واحدا، وكأنها رعية من رعيته، يحرص عليها، ويعتني بها.
ومما زاد عجبي من الرجل، ومن الحديقة، ومن أهل القرية أنهم جعلوا جناحا خاصا بالنمل .. وهذا ما لم أره في أي حديقة من حدائق الدنيا.
رأيت الرجل يسير نحو هذا الجناج، وهو يحمل معه ألوانا من الطعام، تتبعته، فإذا به يلقي السلام على النمل، ثم يرمي الطعام إليهن.
احترت في سلوكه ، وفي شخصه، وفي حقيقته .. وقد كانت هذه حبالا كثيرة دعتني إلى التعرف عليه.
اقتربت منه، وسلمت عليه، وسألته: أراك تحن على النمل.
قال: أجل .. أنا سليمان .. جعل الله سليمان بابي إلى الهداية .. فأنا أسير على قدمه.
قلت: أي سليمان ذلك الذي كان بابك؟ .. وكيف تسير على قدمه؟
قال: ألا تعرف سليمان النبي؟
قلت: بلى .. ومن لا يعرف سليمان؟
قال: فما تعرف عنه؟
قلت: أعرف عنه أشياء كثيرة لا حاجة لذكرها هنا.
قال: لا .. أنت تفر بقولك هذا .. أنت تحمل صورة خاطئة عن سليمان النبي، فلذلك تستحيي من ذكرها.
قلت: لست أدري لم تحرص على الحديث عن سليمان .. وماذا يفيدك الحديث عنه.
قال: لا تقل هذا .. لقد رزقني الله محبة عظيمة لسليمان .. فلذلك ترى حياتي كلها تسير على نهجه.
قلت: لم أفهم ..
قال: لقد كان سليمان نبيا ملكا .. وأنا بحمد الله عمدة هذه القرية .. وقد كان سليمان يتفقد رعيته ويحرص عليها، وها أنت تراني أتفقد رعيتي، وأحرص عليها، وأقدم الطعام لها.
ضحكت، وقلت: أأنت عمدة قرية النمل .. أم عمدة قرية البشر؟
قال: أنا عمدة القرية جميعا ببشرها ونملها وكل طيورها وحيواناتها .. وهذا اليوم مخصص لتفقد الحيوانات والاهتمام بها، أليسوا إخوانا لنا ائتمننا الله عليهم؟
قلت: وما علاقة ذلك بسليمان؟
قال: لقد آتى الله سليمان النبي حبا عظيما وتواضعا عظيما أمام كل الحيوانات .. ألم تسمع قصته مع النمل؟
قلت: وهل له قصة مع النمل؟
قال: أجل .. لقد قصها الله علينا، فقال :) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ( (النمل:18 ـ 19)
ألا ترى كيف امتلأ سليمان بالتواضع لهذه النملة.
قلت: ولكني لم أر سليمان يتفقد النمل كما تتفقده.
قال: لقد أشار القرآن الكريم إلى تفقده لرعيته من الحيوانات، فقال :) وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ( (النمل:20)، فقد شعر سليمان بغيبة الهدهد، فراح يبحث عنه.
قلت: والنمل !؟
قال: القرآن الكريم يذكر الحقائق المجملة، ويدع التفصيل للعقول .. أم أنك تريد أن تجعل من الرسالة الخاتمة قصة لسليمان وحيوانات سليمان؟
حركت رأسي بالموافقة، وقلت: أجل .. صحيح هذا .. إن حياة سليمان تستدعي أسفارا ضخمة.
قال: هذا هو سليمان في قرآننا ملك رحيم أواب امتلأ بالإيمان والرحمة، فوهبه الله من الفضل العظيم ما جعله قمة من قمم الهداية وشمسا من شموسها .. قال الله عنه :) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ( (النمل:16)، وقال عنه :) وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ( (صّ:30)، وقال عنه :) فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ( (النمل:36)
كان يقرأ خاشعا بصوت جميل، فقلت: لقد ذكرتني قراءتك برجل التقيت به أمس.. كان حدادا، وكان صاحب صوت جميل، وكان ذا علم بالكتاب.
ابتسم ، وقال: هل التقيته؟
قلت: ما به؟ .. أو من يكون الرجل؟
قال: ذلك والدي .. إنه نشيط جدا .. إنه لا يمضي دقيقة من حياته في غير العمل الصالح .. حتى إنه لا يطرق بمطرقته طرقة إلا صحبها بذكر الله وترتيل آياته.
قلت: فأنت ولد عاق إذن؟
قال: معاذ الله .. كيف يكون سليمان عاقا لداود؟
قلت: فأنت عمدة البلدة كما تذكر، فكيف تترك أباك يمارس الحدادة؟
قال: هو يحب أن يأكل من عمل يده .. هو يحب داود .. وقد كان داود يعمل بيبده مع أنه كان ملكا .. إن العمل باليد شرف للمؤمن لا إهانة له.
ومع ذلك .. فقد سبقني إلى حكم هذه القرية .. بل سلم حكمها لي برضا أهل القرية زاعما أن لدي من القدرات التنظيمية ما ليس له.
صمت، فقال: وماذا تحمل أنت عن سليمان؟
لم أدر ما أقول، فقال:أنت تحمل صورة مشوهة لسليمان .. وأنت معذور في ذلك.. فالكتاب المقدس الذي شوه بتحريف صورة النبيين هو الذي حملك على ذلك.
قلت: كف عن هذا .. أتسخر من كتابي؟
قال: معاذ الله أن أسخر من شيء .. ولكن أجبني: ألست وقومك تعتقدون أن سليمان ارتد في آخر عمره .. وهو الوقت الذي تتوجه فيه القلوب إلى الله .. مع أن جزاء المرتد في الشريعة الموسوية هو الرجم حتى لو كان المرتد نبيا ذا معجزات كما مصرح بذلك الباب الثالث عشر، والسابع عشر من سفر الاستثناء، بل لا يعلم من موضع من مواضع التوراة، أنه يقبل توبة المرتد، ولو كان توبة المرتد مقبولة، لما أمر موسى بقتل عبدة العجل، حتى قتل ثلاثة وعشرين ألف رجل على خطأ عبادته.
قلت: صدقت في هذا ..
قال: ليس ذلك فقط .. بل أنتم تعتقدون أنه بنى المعابد العالية للأصنام في الجبل قدام أورشليم، وهذه المعابد كانت باقية مئتي سنة حتى نجسها، وكسر الأصنام يوسنا بن آمون ملك يهوذا في عهده، بعد موت سليمان بأزيد من ثلثمائة وثلاثين سنة .. لا يمكنك أن تخالفني في ذلك، فقد جاء ذلك صريحا في الباب الثالث والعشرين من سفر الملوك الثاني.
قلت: صدقت في هذا ..
قال: ليس ذلك فقط .. بل أنتم تعتقدو أنه تزوج نساء من سائر الشعوب، التي منع الله من الزواج منهن، كما في الباب السابع من الاستثناء :( ولا تجعل معهم زيجة فلا تعط ابنتك لابنه، ولا تتخذ ابنته لابنك )
قلت: صدقت في هذا ..
قال: ليس ذلك فقط .. بل انتم تعتقدون أنه تزوج ألف امرأة، وقد كانت كثرة الأزواج محرمة على من يكون سلطان بني إسرائيل في الآية السابعة عشر من الباب السابع عشر من سفر الاستثناء :( ولا تكثر نساؤه لئلا يخدعن نفسه )
قلت: صدقت في هذا ..
قال: ليس ذلك فقط .. بل أنتم تعتقدون أن نساءه كن يبخرن ويذبحن للأوثان، مع أنه ورد في الباب الثاني والعشرين من سفر الخروج :( من يذبح للأوثان فليقتل )، فكان قتلهن واجباً.
بل أنتم تعتقدون أن هؤلاء النسوة أغوين قلبه، فكان رجمهن واجباً على ما هو مصرح به في الباب الثالث عشر من سفر الاستثناء، وهو ما أجرى عليهم الحدود إلى آخر حياته.
قلت: صدقت في كل هذا .. ولكن الله تواب رحيم.
قال: كل هذه كبائر لابد لها من توبة .. فهل ثبتت توبة سليمان في كتبكم؟
صمت، فقال: لقد قرأت الكتاب المقدس مرات لا تحصى .. ولم أظفر بشيء .. بل لو تاب لهدم المعابد التي بناها، وكسر الأصنام التي وضعها في تلك المعابد، ورجم تلك النساء المغويات .. على أن توبته ما كانت نافعة لأن حكم المرتد في التوراة ليس إلا الرجم.
صمت، فقال: أتفرس فيك أنك رجل دين.
قلت: لا حاجة للتفرس، فثيابي تدل علي، وتنم عني.
قال: أخرج كتابا مقدسا من جيبه، وقال: اقرأ ما ورد في الباب الحادي عشر من سفر الملوك الأول.
فتحت الكتاب، فقرأت :( وكان سليمان الملك قد أحب نساء كثيرة غريبة، وابنة فرعون، ونساء من بنات الموابيين، ومن بنات عمون، ومن بنات أدوم، ومن بنات الصيدانيين، ومن بنات الحيثانيين من الشعوب الذين قال الرب لبني إسرائيل لا تدخلوا إليهم، ولا يدخلوا إليكم لئلا يميلوا قلوبكم إلى آلهتكم، وهؤلاء التصق بهم سليمان بحب شديد وصار له سبعمائة امرأة حرة، وثلثمائة سرية، وأغوت نساءه قلبه فلما كان عند كبر سليمان أغوت نساءه إلى آلهة أخر، ولم يكن قلبه سليماً للّه ربه مثل قلب داود أبيه وتبع سليمان عستروت إله الصيدانيين وملكوم صنم بني عمون وارتكب سليمان القبح أمام الرب ولم يتم أن يتبع الرب مثل داود أبيه ثم نصب سليمان نصبة لكاموش صنم مواب في الجبل الذي قدام أورشليم، ولملكوم وثن بني عمون وكذلك صنع لجميع نسائه الغرباء، وهن يبخرن، ويذبحن لآلهتهن فغضب الرب على سليمان حيث مال قلبه عن الرب إله إسرائيل الذي ظهر له مرتين ونهاه عن هذا الكلام أن لا يتبع آلهة الغرباء، ولم يحفظ ما أمره به الرب فقال الرب لسليمان: إنك فعلت هذا الفعل، ولم تحفظ عهدي ووصاياي التي أمرتك بهن، أشق شقاً ملكك، وأصيره إلى عبدك(سفر الملوك الأول :11/ 1 ـ 11)
بعد أن أنهيت القراءة، قال: كل ما قرأته كذب وتخليط على نبي عظيم .. ولن تجد تبرئة لهذا النبي إلا في القرآن الكريم ، فالله تعالى يقول عنه :) وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا( (البقرة: من الآية102)، ويقول عنه :) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ( (صّ:34 ـ 35)
قرأ هذا، ثم جلس يتأمل النمل، ويرمي الطعام إليهن.
جلست لجلوسه، وقلت: لقد ذكرت لي أن سليمان هو بابك إلى الهداية.
قال: أجل .. لقد كنت على دينك .. لقد كنت مسيحيا، كما كان أبي..أما أبي، فقد استنار بشعاع داود ليصل إلى شمس محمد .. وأما أنا، فاستنرت بشعاع سليمان لأصل إلى تلك الشمس العظيمة التي استنارت بها الكائنات.
قلت: وبأي أشعة سليمان استنرت؟
قال: بأشعة كثيرة .. منها ما ورد في المزامير من قوله :( ويملك من البحر إلى البحر، ومن النهر إلى أقاصي الأرض، أمامه تجثو أهل البرية، وأعداؤه يلحسون التراب، ملوك ترشيش والجزائر يرسلون تقدمة، ملوك شبا وسبإ يقدمون هدية، ويسجد له كل الملوك، كل الأمم تتعبد له، لأنه ينجي الفقير المستغيث والمسكين إذ لا معين له، يشفق على المسكين والبائس ويخلص أنفس الفقراء، من الظلم والخطف يفدي أنفسهم، ويكرم دمهم في عينيه، ويعيش ويعطيه من ذهب شبا، ويصلّي لأجله دائماً، اليوم كله يباركه، تكون حفنة بر في الأرض في رؤوس الجبال، تتمايل مثل لبنان ثمرتها ويزهرون من المدينة مثل عشب الأرض.
يكون اسمه إلى الدهر، قدام الشمس يمتد اسمه، ويتباركون به، كل أمم الأرض يطوّبونه، مبارك الرب الله إله إسرائيل الصانع العجائب وحده، ومبارك اسم مجده إلى الدهر ولتمتلئ الأرض كلها من مجده، آمين ثم آمين )(المزمور 72/8-19)
قلت: هذه النبوءة تتحدث عن المسيح ..
قال: وما دليلك على ذلك .. لقد قال قرآننا :) قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ( (البقرة: من الآية111)
قلت: دليل واضح لا يمكن الشك في قوته .. لقد ورد في النبوءة :( ملوك يقدمون هدية له ) .. وهذا لا يصدق إلا على المسيح.
قال: لقد زعمتم أن الملوك صلبوه .. فكيف ترون أنهم قدموا له هدية، أم أن الصليب هو هديتهم له؟
قلت: إن هذه النبوءة تتحدث عن أولئك المجوس الذين قدموا هدية للمسيح بعد مولده.
قال: وهل كانوا ملوكا؟
صمت، فقال: أنتم تتعلقون بقشة .. إن هذه البشارة ينطق كل حرف منها بمحمد.. بل هي تكاد تصرح باسمه.
قلت: لا أرى اسمه في البشارة.
قال: وهل رأيت اسم المسيح حين حملت البشارة عليه؟
صمت، فقال: إن كنت تبحث عن الحقيقة .. فهلم نبحث عنها، ونقارن مدى انطباق كل عبارة من عبارات البشارة على محمد أو المسيح.
لقد كان لكلامه حلاوة تأسر القلوب، فلذلك لم أملك إلا أن أقبل العرض الذي عرضه علي.
العالمية:
قال: فلنبدأ بما ورد في البشارة من قوله:( ويملك من البحر إلى البحر، ومن النهر إلى أقاصي الأرض، أمامه تجثو أهل البرية ) .. ألا ترى أن هذه البشارة تتعلق بنبي صاحب رسالة عالمية؟
قلت: أجل .. وقد كان المسيح كذلك .. ألا ترى المسيحية تعم بقاع الأرض؟
قال: دعنا من الواقع .. ولنذهب إلى الكتاب المقدس ليخبرنا بالحقيقة ..
قلت: أي حقيقة؟
قال: حقيقة المسيحية .. هل هي ديانة عالمية، أم هي ديانة مختصة بشعب إسرائيل؟
قلت: ما تقصد؟
قال: أنت تفهم قصدي .. أجبني: هل أرسل المسيح للناس كافة، أم أرسل لبني إسرائيل خاصة؟
لم أجد ما أقول، فقد كانت النصوص الكثيرة في الكتاب المقدس تؤيد الرجل فيما يذهب إليه، لكني قلت: المسيح هو شمس الحقيقة التي تضيء العالم أجمع ..
قال: أنت تفر من الحقائق إلى الأشعار .. ولذلك سأنوب عنك في الإجابة.
لقد بحثت في الأناجيل التي هي المصدر الأول للتعرف على دعوة المسيح، فدلتني على أن دعوة المسيح قاصرة على شعب اليهود فقط، بل إن البشارة بمجيئة قبل مولده تشير إلى أن رعايته ستكون لشعب اليهود فقط .. أليس ذلك صحيحا، أم تراني وصلت إلى نتائج خاطئة؟
لم أجد ما أقول، فقال: لك الحق .. هذا كلام مجمل .. ولا ينبغي الاكتفاء بالمجمل.. أنت تبحث عن التفاصيل.
لقد بدأت بحثي بإنجيل متى، وكان أول ما رأيت فيه ما حكاه متى عن الله من قوله:( وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا، لأن منك يخرج مدبر يرعى شعبي إسرائيل )(متى:2 : 6 )
أليس في قوله:( يرعى شعبي إسرائيل) إشارة واضحة على أن دعوة المسيح ستكون لشعب اليهود فقط؟
قلت: ليس بالضرورة .. فدخول شعب إسرائيل في دعوة المسيح لا يلغي دخول غيرهم.
قال: ولكن النصوص تخصص شعب إسرائيل فقط بدعوة المسيح .. وقد كان في إمكانها أن تقول :( يخلص الإنسان ) أو ( يخلص العالمين ) لتشمل إسرائيل وغيرهم من الشعوب.
لا بأس .. لقد جاءت نصوص أخرى أكثر صراحة:
لما جاء الملاك إلي مريم العذراء، وبشرها بولادة يسوع أخبرها بأنه يكون على بيت يعقوب، كما في لوقا :( فقال لها الملاك : لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله، وها أنت ستحبلين أبناً وتسمينه يسوع .. ويعطيه الرب كرسي داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد )( لوقا 1 : 30 )
ولما جاء الملاك الذي ظهر ليوسف النجار ، قال له :( فَسَتَلِدُ ابْناً، وَأَنْتَ تُسَمِّيهِ يَسُوعَ، لأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ )(إنجيل متى:1 : 21)
إن قول الملاك :( يخلص شعبه ) دليل على أن دعوة المسيح خاصة ببني إسرائيل.
ولما اختار المسيح اثنى عشر تلميذاً ليكونوا تلاميذه ومساعديه في نشر دعوته كان اختياره لهم من بين اليهود أنفسهم، وأخبرهم أن دينونتهم خاصة بشعب إسرائيل، كما جاء في إنجيل متى أثناء نقله للمحاورة بين المسيح وبين أحد تلاميذه، وهو بطرس، فقد جاء فيها :( فأجاب بطرس حيئذ، وقال له: ها نحن قد تركنا كـل شيء وتبعناك، فماذا يكون لنا؟ فقال يسوع: الحق أقول لكم، إنكم أنتم الذين تبعتموني فـي التجديد، متى جلس ابن الانسان على كرسي مجده تجلسون أنتم أيضاً على اثنى عشـر كرسياً تدينون أسباط إسرائيل الاثنى عشر )( متى 19 : 27)
فالمسيح يخبرهم أنهم يدينون أسباط إسرائيل فقط، ولم يذكر لهم أنهم يدينون شعوب العالم، وفي هذا إشارة إلى أن رسالته وهم من بعده قاصرة على شعب اليهودية المتفرع من أسباط الاثنى عشر.
وعندما رفضت أورشليم رسالة المسيح ناجاها بكلام يستفاد منه أن رسالته خاصة بشعب اليهود فقط، فقد قال:( يا أورشليم يا أورشليم .. يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا )(متى 37 : 23)
قلت: كل ما ذكرته يدل على أن المسيح أرسل إلى شعب إسرائيل .. ولكن ليس هناك نص ينفي إرساله إلى غيرهم.
قال: لا .. هناك نصوص كثيرة تكاد تصرح بذلك .. إن المسيح عندما أرسل تلاميذه لينشروا دعوته بين اليهود كرر لهم الوصية في أن يقصروا الدعوة على اليهود، بل إنه حذرهم من دخول مدن الأمم الأخرى، ولو كانـوا جيراناً لليهود، وقد ذكر إنجيل متى ( 10 : 5) ذلك، فقال :( هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلاً : إلى طريق أمم لا تمضوا إلى مدينة للسامريين لا تدخلوا، بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة )
ليس ذلك فقط .. بل إن المسيح لما بدأ الدعوة إلى الله أعلن أنها قاصرة على بني إسرائيل، ولا تمتد إلى غيرهم، لذلك تجده يقول في متى (15 : 24):( لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة )
ألا ترى أن (إلا) أداة للحصر، وهي تدل على انحصار رسالة المسيح ضمن الشعب الاسرائيلي؟
قلت: ولكن .. ألم تقرأ ما ورد في إنجيل (متى: 38 ):( اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم)
قال: إن هذا النص معارض بكل النصوص التي سبق ذكرها .. ولهذا ذهب المحققون إلى أن هذه العبارة إلحاقية بإنجيل متى، لأنها لم تذكر في بقية الأناجيل.
ألا ترى من الغرابة أن يختص متى بهذه الرواية دون غيره؟
لقد اتفقت الاناجيل الثلاثة على إيراد قصة دخول المسيح أورشليم راكباً على جحش، فهل كان ركوبه على جحش أهم من عالمية الرسالة!؟
بل إن الكثير من النصوص في إنجيل متى يشير إلى أن رسالة المسيح مختصة بإسرائيل، فقد ورد في إنجيل متى (2 : 1):( وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ إِذَا مَجُوسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ قَدْ جَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ قَائِلِينَ: أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ ؟ ))
وينقل متى أن التهمة التي وجهت للمسيح هي أنه ملك اليهود :( فَوَقَفَ يَسُوعُ أَمَامَ الْوَالِي، فَسَأَلَهُ الْوَالِي :( أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ ) فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ :( أَنْتَ تَقُولُ ) (متى 27: 11)
قلت: فقد ورد في إنجيل يوحنا ما يدل على عموم تخليصه، ألم تقرأ :( ولي خراف أخرى ليست من هذه الحظيرة ، وينبغي أن آتي بتلك)(يوحنا: 16:10) .. وجاء في نفس الإنجيل (32:12) :( وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إليَّ الجميع )
قال: من قصد بالخراف الذين من الحظائر الأخرى؟
قلت: قصد بهم كل من يؤمن به من جميع الأمم؟
قال: لا .. إن مقصد المسيح واضح .. إنه يقصد ما ورد في إنجيل متى (24:15):( لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة )
قلت: ولكن خراف إسرائيل من حضيرته.
قال: لا .. لقد كان كل سبط من إسرائيل يشكل حضيرة خاصة .. فلهذا كان قصده من سائر الحظائر ، أي الأسباط الإحدى عشر الأخرى.
قلت: وما تقول فيما جاء في نفس الإنجيل (32:12) :( وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إليَّ الجميع)
قال: هل سيجذب المسيح إليه جميع الناس من آمن به ومن لم يؤمن؟
قلت:لا.
قال: إذن من قصد المسيح بالجميع ؟
قلت: أي أن جميع الأمم ستتبعه.
قال: لا .. هذا النص يفهم على ضوء النصوص السابقة .. لأن كلام المسيح جميعا يتعلق ببني إسرائيل .. فلا يخرج كلامه عن أصله إلا بدليل قوي صريح.
صمت قليلا، ثم أضاف: فنبوءة سليمان لا تنطبق في هذا الجانب على المسيح.
قلت: فهل تنطبق على محمد؟
قال: أجل .. بل إنها لا تنطبق إلا عليه، فنصوص كتابه المقدس، وحياته، وأقواله كلها تدل على أن نبوته عامة للعالمين.
إن رسالة محمد تخاطب كل الأمم، وكل الأجناس، وكل الشعوب، وكل الطبقات.. هي ليست خاصة بشعب إسرائيل الذي راح يزعم الخيرة لنفسه، ويرمي سائر الخلق في أتون الرذالة.
عدل سابقا من قبل Admin في 1/6/2021, 12:00 عدل 1 مرات
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin