الدين والعلم
أ. د. محمد حسن هيتو
الأدلة على وجود الله
5 – عالم الإنسان
لقد سردنا في الفقرات الماضية بعض مظاهر القدرة الإلهية في عالم الحيوان ، مما لا يملك الإنسان إزاءه إلا أن يعترف بعظيم هذه القدرة ، ودقة تصميمها ، وبالغ حكمتها وتقدرها ، ولولا خشية الإسهاب لذكرنا من عجيب صنع الله في هذا العالم ما يذهل له العقل البشري . . إلا أننا سنضطر لترك عالم الحيوان إلى عالم الإنسان ، الذي يعتبر – بلا ريبة أوشك – يعتبر ذروة الإعجاز الإلهي فيما أدركه الإنسان واضطلع عليه ، ولذلك جعله الله دليلاً ناطقاً على قدرته ووجوده ووحدانيته فقال :] وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ {الذاريات/20} وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ [{الذاريات/21}
وقال :] سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقّ[ {فصلت/53}
عملية تكوين الجنين :
ولنبدأ بعملية تكوين الجنين، تلك العملية المذهلة التي يقف العلم عاجزاً عن إدراك حقيقتها، ومعرفة القوة التي تسيرها وتدفعها إلى الهدف المحدد المرسوم إلا إذا حنى رأسه واعترف بعظم الله ووجوده وقدرته.
إن العملية تبدأ بانجذاب الخلية الذكرية ، وهي الحيوان المنوي للذكرـ نحو الخلية الأنثوية ـ وهي بويضة الأنثى والخلية الملقحة ـ وبعد التلقيح ، تبدأ هذه الخلية الملقحة بالانقسام ، فتصير الخلية خليتين ، ثم تصير الخليتان أربع خلايا ، ولا تزال الخلايا تتضاعف عن طريق الانقسام إلى أن تصل إلى حد معين ، ويصبح مجموع الخلايا على شكل ثمرة التوت ، ثم يحدث تجويف داخل هذه الكتلة ، فتصبح على هيئة كرة جوفاء ،جدارها مكوّن من طبقة واحدة من الخلايا ، ثم ينغمد نصف الكرة داخل نصفها الآخر ، فتصبح ذات جدارين من الخلايا، ثم تتكون بين الطبقتين طبقة ثالثة، وتستمر الخلايا في الانقسام، وهنا يبدأ عمل مذهل جديد ألا وهو أنه يتكون من كل طبقة من هذه الطبقات الثلاث نوع معين من الأعضاء .
فيتكون من الطبقة الخارجية الجلد، والجهاز الهضمي، وبعض الأجزاء الأخرى ،ويتكون من الطبقة الوسطى العضلات والعظام ، ويتكون من الطبقة الداخلية بعض أجزاء الجهاز الهضمي .
ويستمر انقسام الخلايا حتى يتم تكوين الجنين داخل الرحم في الحيوانات الثديية، أو داخل البيضة في الحيوانات التي تبيض، وعند اكتمال تكوين الجنين يلفظه الرحم إلى خارج الجسم في عملية الولادة ، أو يكسر البيضة ويخرج منها
كيف تحدث هذه الأمور، وما هي القوة التي دفعت الخلية الأولى ومن ثم جميع الخلايا الناتجة عنها وتدفعها دوما إلى نتيجة واحدة، وبطريقة واحدة، دون خلل أو انحراف. . ؟ لا بد أن تكون قدرة بالغة لها من الدقة والإحكام في إيجاد هذا الخلق المعقد ما ليس لأي قوة على وجه الأرض إنها قدرة الله.
وليس هذا الجنين الناتج عن هذه الخلية الملقحة بأعجب من وجود الخلية نفسها، وبطريقة تجعل الإنسان أشد إعجابا وذهولا.
إن الخلية الأساسية التي تكون منها الجنين ، وجميع الخلايا التي تتكون منها أجسامنا ، دائمة الانقسام ، كما عرفنا ، وكل خلية من هذه الخلايا تتكون أساسا من مادة عجيبة نطلق عليها اسم البروتوبلازم ، وتوجد بداخل كل خلية محتويات عديدة ذات وظائف محددة ، ومن هذه المحتويات أجسام دقيقة تحمل عوامل وراثية هي المسمات بـ ” الكروموزومات ” وعدد هذه الكروموزمات
ثابت في خلايا كل نوع من أنواع الحيوانات والنباتات المختلفة، فعددها في خلايا الأرنب مثلا يختلف عن عددها في خلايا الفيل، أو الأسد، أو الحصان، فهي التي تميز الحيوان عن الحيوان الآخر.
وخلية الإنسان تحتوي على ستة وأربعين كروموسوما ،وعندما تنقسم الخلية الإنسانية فإن الخلايا الجديدة الناتجة عنها يجب أن تحتوي على نفس العدد من الكروموسومات وإلا لما أصبح الإنسان إنسانا ، وهذا الانقسام دائم ،أثناء الليل وأطراف النهار، في النوم واليقظة ، وفي كل ظرف وحال ، دون أن يكون للإنسان دخل فيه ، أو سيطرة عليه ، وكل خلية جديدة تحتوي على نفس العدد المذكور من الكروموسومات ، سوى نوعين من الخلايا ، وهما الخلايا التناسلية ، أي الحيوان المنوي عند الرجل والبويضة عند المرأة ، فعندما تنقسم خلايا الأنسجة لتكوين هذه الخلايا التناسلية فإنها تنتج خلايا لا تحتوي على ستة وأربعين كروموسوما ، وإنما تحتوي على ثلاثة وعشرين كروموسوما ، فقط .
ما السر في هذا ؟ ولماذا يحدث هذا الانقسام الغريب ؟ لماذا يختزل عدد الكروموسومات في البويضة والحيوان المنوي ؟
إنها الحكمة البالغة التي اقتضتها يد القدرة الإلهية وذلك أنه لو كان عددالكروموسومات ، في الخلية التناسلية كغيره من الخلايا ـ أي ستة وأربعين كروموسوما ، لأصبح عدد الكروموسومات في الخلية الملقحة اثنين وتسعين كروموسوما ، لأنه باندماج الخليتين لتكوين الخلية الملقحة يتضاعف العدد ،ولكن معنى هذا ـ بناء على ما ذكرناه ـ أن يصبح الجنين جنين حيوان آخر غير الإنسان تحتوي خليته على اثنين وتسعين كروموسوما . ولا نقرض الإنسان من أول جنين يتكون في رحم الأنثى ، ولذلك اقتضت الحكمة البالغة أن يكون عدد الكروموسومات في الخلية التناسلية ثلاثة وعشرين كروموسوما فإذا تلقحت البويضة بالحيوان المنوي ، وتكونت الخلية الملقحة ، نتجت الخلية الجديدة التي تحتوي على ستة وأربعين كروموسوما ، وهي خلية الإنسان ، وبدأن بالانقسام من جديد ، وهكذا . إلى أن تتم الدورة ، ويولد الإنسان الجديد .
إنه ترتيب دقيق، وتنظيم محكم، يذهل له العقل البشري. . ولولاه لانقرض النوع الإنساني بمجرد تكوين الجنين الأول . . أو يجوز لعاقل بعد هذا أن ينسب هذه الأمور البالغة في الدقة والتعقيد لصدفة أو اتفاق ” اللهم إنا نشهدك على أنها أعظم الآيات الدالة على وجودك وقدرتك. . “] وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ {المؤمنون/12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ {المؤمنون/13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [{المؤمنون/14}
حماية الجنين وغذاؤه:
وبعد أن يكتمل تكون الإنسان إجمالا في الشهرين الأولين، يدخل مرحلة الجنين الكامل، حيث تتكامل أعضاؤه وتأخذ شكلها النهائي.
ثم يبدأ الشهر الثالث لينموا نموا جديدا، حيث تتكون المشيمة والسائل الأمينوسي الذي يحيط بالجنين من كل جهة ليحمي الجنين من الرضوض ويسهل حركته ليتخذ الوضع الطبيعي عند الولادة ، كما أنه يوسع فوهة عنق الرحم، وأما المشيمة فإنها المؤسسة المسئولة عن حياة الجنين مباشرة وهو في بطن أمه ، فهي التي تمتص الدم من رحم الأم وتدفعه إلى الجنين .
وهي التي تهضم الطعام بحيث تجعله بسيطا مستساغا، ثم تبعث به إلى الجنين حتى لا يتضايق منه.
وهي التي تدخل الغازات والماء ، والأملاح المعدنية إلى الجنين ولولاها لما عاش لحظة واحدة .
وإذا مر دسم ثقيل بعثت بخمائرها حتى تحليه إلى صابون دسمي ، يمكن إمراره إلى دم الجنين ،ثم تفكيكه بعد ذلك حتى يستفيد منه الجنين .
كما أن السكر إذا فاض عن الحاجة انقلبت خلايا المشيمة إلى مستودعات تخزين لمولد السكر حتى يحين الوقت المناسب الذي يحتاج فيه الجنين للسكر، وأما الخلايا الأمامية للمشيمة فإنها تفرز الهرمونات التي تكفل للجنين أن يتابع حياته ، كما تحافظ على الاستقرار والاتزان في أخلاط جسم الجنين ومفرزاته ، فمن الذي لقنها كل هذه الدروس ؟
ومن الذي خطط لها هذا المنهج الكامل، لتقوم بدورها في الحفاظ على حياة الجنين وعلى أكمل وجه ؟
ثم بعد ذلك نرى أن الجنين قد أحيط بثلاثة أغشية وهي الساقط، والكريوني ، والأمينوسي ، مما يجعل الجنين في حماية من جلد البطن وعضلاته والرضوض ، التي يمكن أن يتلقاها من الرحم .
أوليس في هذا ما يشير إليه قول الله تعالى ]يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ[ {الزمر/6}
أليس في هذا ما يلفت نظر الإنسان إلى أن هذا الكلام إنما هو كلام خالق الإنسان، لأنه لم يكن في ذلك الوقت الذي نزل فيه القرآن من يعرف هذه الحقائق العلمية عن الجنين ؟
أو ليس في هذا ما يدعو كل عالم منصف في الحياة لأن يعترف بوجود الله، ويحني رأسه أمام عظمته، ويذعن للدين الحق ؟
أو ليس في هذا ما يجعل الإنسان المؤمن على ثقة من تفسير الدين لمظاهر الكون والحياة ، بدلا من أن يتيه في ظلام النظريات الخاطئة المبنية على الظن والتخمين والرجم بالغيب ؟
بلى . . إنه إذعان العلم للدين ، ومطابقته له .
خلايا المخ لا تنقسم :
عرفنا في الفقرة الماضية أن الخلية دائمة الانقسام، لنمو الأجسام أو تعويض ما مات من الخلايا، وأن كل خلية جديدة تحتوي على نفس العدد من الكروموسومات المميزة للحيوان عن غيره من الحيوانات الأخرى سوى نوعين من الخلايا وهي الخلايا التناسلية ، فإنها عند تكوينها وانقسامها تحتوي على نصف العدد من الكروموسومات ، ليعود العدد بعد التلقيح إلى وضعه الأصلي . . وإلا لا نقرض الإنسان .
ولكن . . هل هذا الانقسام الدائم في الخلية يشمل جميع الخلايا في جسم الإنسان ؟ أم أن هذا الانقسام يشمل بعض خلايا الجسم، وأما بعضها الآخر فثابت لا يتغير ولا ينقسم. . ؟
والجواب على هذا أن هذا انقسام يقع في جميع خلايا الجسم سوى خلية واحدة، وهي الخلية العصبية التي يتكون منها المخ والجهاز العصبي، لأنه لو انقسمت هذه الخلية لحدثت كارثة مروعة في الحياة ، وذلك لأن خلايا المخ في هذه الحالة سوف لا تستطيع الاحتفاظ بشخصية الإنسان ، كما أنه ستتلاشى جميع المعومات التي تعيها الذاكرة في خلال فترة قليلة ، وذلك بظهور الخلايا الجديدة التي لا تعي شيئا ، وموت الخلايا الأخرى .
من أجل هذا اقتضت حكمة الله أن تبقى خلايا المخ ثابتة عند الإنسان أو أي حيوان آخر، منذ ولادته إلى أن يموت، لا تزيد خلية واحدة، وبناء على ذلك يتمكن الإنسان من الاحتفاظ بالمعلومات منذ حياته الأولى إلى أن يموت.
عوامل الوراثة:
وهذه الخلايا تحتوي كما ذكرنا على الكروموزمات ، والكروموزومية تكون النوية المعتمة التي تحتوي على الجينة ، والجينات هي العامل الرئيسي فيما يكون عليه كل كائن حي ، إنسانا كان أو غيره ، فهي المسؤولة عن المخلوقات البشرية التي على سطح الأرض ، من حيث خصائصها الفردية ، وأحوالها النفسية ،وألوانها ، وأجناسها ، وهي صغيرة جدا ، تبلغ من الصغر والدقة بحيث لو أنها جمعت كلها ووضعت في مكان واحد لكان حجمها أقل من 1 سم3 ، إذ يتسع هذا الحجم الصغير للصفات الفردية لبليونين من البشر .
هذه الجينة هي التي تقرر هل الطفل سيشبه أمه أم أباه ، وهذه الجينة هي التي تنقل إليه طبائع وخصائص وألوان وصفات أجدادنا وأسلافنا ، هي التي تحمل إلى الطفل عصبية أبيه أو حلمه ، وهي تحمل له سرعة انفعاله ، أو برودة طبعه ،وهي التي تحمل إلى النمر ضراوة أصوله ، وإلى الفراشة ألوان أبويها ، وبكل دقة وإتقان بحيث ترى البقعة الصفراء أو الحمراء في مثل المكان الذي كانت فيه على الفراشة الأصلية .
إنه كتاب سري مكتوم ، وتعليمات دقيقة معقدة ، توحيها هذه الجينات للخلايا، والخلايا تطيعها طاعة الجند للرئيس، فلا تنمو إلا على تعليماتها.
ولو أردنا أن نكتب خصائص بليونين من البشر، وصفاتهم ، وطبائعهم ، وألوانهم ، لما وسعنا ملايين المجلدات ، إلا أن قدرة الله أودعت كل هذا في جينات بليونين من البشر ، في مكان لا يزيد حجمه عن 1 سم3 ، الأمر الذي حير العلماء الذين لم يعرفوا عنه حتى الآن إلا بعض التصورات الساذجة .
النظام العصبي:
ولنترك الكلام على الخلية ، فالكلام عيها يطول ، ولننتقل إلى النظر في نظام آخر من نظم جسمنا الكثيرة، وليكن النظام العصبي.
إن هذا النظام يشبه أسلاك الهاتف في نقل الأخبار إلى المخ، فالمخ هو المركز الرئيسي لهذا النظام.
فيوجد في المخ 14 مليار خلية عصبية ، يخرج من كل خلية سلك عصبي، بحيث تنتشر هذه الأسلاك في جميع أنحاء الجسم ، وتسمى بـ “الأنسجة العصبية ” وعلى هذه الأنسجة يجري نظام استقبال وإرسال الأخبار ، بسرعة سبعين ميلا في الساعة .
وهذه الخلايا تعمل كلها دفعة واحدة من أجل المحافظة على سلامة الإنسان ، وبواسطة هذه الأنسجة نتذوق ، ونسمع ، ونبصر ، فيوجد على اللسان ثلاثة آلاف من الشعيرات المتذوقة ، لكل منها سلك عصبي خاص متصل بالمخ ، وبواسطة هذه الشعيرات نحس بالطعوم المختلفة ، وتوجد في الأذن عشرة آلاف خلية سمعية ، ومن خلال نظام معقد يسري من هذه الخلايا ، يسمع فحنا ، وفي كل عين مائة وثلاثون مليونا من الخلايا الملتقطة للضوء ، تقوم بمهمة إرسال الصور إلى المخ ، وهناك شبكة من الأنسجة الحسية على امتداد جلدنا ، فإذا قربنا إلى الجلد شيئا حارا ، فإن ثلاثين ألفا من الخلايا الملتقطة للحرارة تحس بهذه العملية وترسلها فورا إلى المخ ، وإذا قربنا إلى الجلد شيئا باردا ، فإن ربع مليون من الخلايا التي تلتقط الأشياء الباردة ، تحس به ، وعندئذ يمتلئ المخ بأثرها ،ويرتعد الجسم ، وتتسع الشرايين الجلدية ، فيسرع الدم بكمية كبيرة إليها ويزودها بالحرارة ، وإذا أحست هذه الخلايا بحرارة شديدة ، فإن مخابرات الحرارة ترسلها إلى الدماغ ، وحينئذ تفرز ثلاثة ملايين من الغدد العرقية عرقا باردا إلى خارج الجسم .
ولقد أراد العالم جّودسون هريك أن يعطي تشبيها للدماغ والجهاز العصبي فقال في محاضرة ألقاها في معهد التاريخ بنيويورك في ديسمبر عام 1957 قال:
” لو أننا جمعنا كل أجهزة العالم من التلفون، والتلغراف، والرادار، والتلفزيون، ثم حاولنا أن نصغر هذا المقدار الهائل من الأجهزة المعقدة حتى استطعنا وبمجهود جبار أن نوصلها إلى مثل حجم الدماغ، فإنها لا تبلغ في تعقيدها مثل الدماغ “.
هذا وإن الخلايا العصبية لا تعمل بشكل مفرد، بل تتعاون مع باقي الخلايا، ولقد وجد أن بعض الخلايا متصل بما يقرب من 1800 خلية أخرى.
ومعنى هذا أننا لا نستطيع أن نجد رقما رياضيا يعطينا عدد العلاقات التي تنشأ بين الخلايا العصبية ، وذلك بضرب 14 ألف مليون بـ1800
والنظام العصبي يشتمل على عدة فروع، منها ” الفرع المتحرك ذاتيا “ويقوم بأعمال تحدث ذاتيا في الجسم، كعملية الهضم والتنفس وحركات القلب، ويندرج تحت هذا الفرع نظامان :
أحدهما: النظام الخالق للحركة، والآخر: هو المانع لها. وهذا الأخير يقوم بعملية المقاومة والدفاع، ولو ترك الأمر للنظام الأول لازدادت حركة القلب زيادة يترتب عليها موت صاحبه، ولو سيطر النظام الثاني لتوقفت حركة القلب توقفا تاما ، وأقسام هذين النظامين تباشرا أعمالها في دقة فائقة وتوازن تام ، ولكن هناك حالات يزداد فيها نشاط أحد النظامين ، فالنظام الأول يتغلب عند الضغط واحتياج القلب إلى قوة مسعفة ، وعندئذ تزيد سرعة عمليات القلب والرئة ، والنظام الثاني يتغلب عند النوم فيسود السكون جميع الحركات الجسمية.
على أن الإنسان في كل هذه الحالات لا يدري شيئا، ولا يعرف شيئا، فكيف تعمل هذه الأجهزة، وبأي إرادة تتحرك، إنها إرادة الخالق الأزلي
]الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (1) [ ] فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ /14} (2) [
هذا وان الكلام على الجملة العصبية أو الجهاز العصبي يستغرق منا لو أردنا أن نبحث فيه عن مثل هذه الأمور المدهشة ـ يستغرق منا عشرات بل مئات وآلاف
الصفحات ، وتكفينا هذه القبسات عن آلاف القبسات التي حار العلماءوالأطباء في وصفها والبحث عن حقيقتها (3)
إلا أنه لا مانع من الإشارة إلى مستودع الأخبار التي تنقلها الجملة العصبية صباح مساء من جميع أطراف الجسم إلى الدماغ ، ليحللها ، ويرسم أفضل الخطط في معالجتها ، لكن الأمر لا ينتهي عند هذا الحد ، بل ترسل كل المعلومات التي يطلع عليها الإنسان إلى مستودع الأخبار ألا وهو الذاكرة . التي تحفظ كل الأخبار التي يطلع عليها الإنسان في حياته ، من صور ، وأصوات ، وطعوم ، وروائح ، وحرارة ، وبرودة ، وصيف ، وشتاء ،وحرب ، وسلم وقرآن ، وحديث ، وفقه ، وتفسير وذكريات ،وآمال ، وآلام ، وشعر ونثر ، وغناء ، وموسيقى ،وصراخ ، وضجيج وغير ذلك من المعلومات التي لا نهاية لها ، والتي قال العلماء عنها أنها تحتوي من الأخبار على ما يزيد عن 90 مليون مجلد . . ؟ ! وبحيث يتمكن الإنسان في أي لحظة من استحضار الشريط المسجل الذي يريده من مخزن هذه الذاكرة، ويراجعه وكأنه فلم سينمائي يمر أمامه، مهما طال عليه الزمن، أو أتى عليه من الظروف. .
فما هي الذاكرة ؟
وأين توجد ؟
وكيف يعمل العقل ؟
وكيف يتم التفكير ؟
وما هي الإرادة ؟
وأين يمكن الشعور واللاشعور ؟
وكيف يحصل فهم المسموعات والمبصرات ؟
وكيف تقلب الصورة إلى معاني ؟
وكيف تختزن المعلومات ؟
وكيف تستحضر ؟
وكيف يحصل الإحساس بالسعادة ؟
وكيف يحصل الإحساس بالبؤس والألم ؟
ولماذا تبقى معاني السعادة مختزنة بالذاكرة، تتكرر بتكرر التخيل، أو إعادة الشريط ؟
وكيف تبقى معاني الشقاء والألم مختزنه بالذاكرة نتألم كلما ذكرناها ، وربما
تحولت الذكرى إلى آلام عضوية ؟
إنها سر الله في هذا الإنسان الذي يعتبر كما ذكرت قمة الإعجاز الإلهي فيما ظهر للإنسان ] وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ {{الذاريات/21}
الكلية والتوازن المائي في الجسم :
إن البدن يحتاج يوميا من 2_3 ليترات من الماء ، وقد تزيد هذه الكمية بزيادة العرق وفقدان السوائل.
ومعنى هذا أن الجسم في عملية مستمرة يتم بها طرح السوائل وطلبها ، وبناء على ذلك كان لابد من نظم لهذه العملية ، وإلا انقلب الأمر إلى فوضى ، وهذا المنظم هو الكلية التي تقوم بهذا العمل الهام في حياة الإنسان إلى جانب تصفية الدم من الفضلات والشوائب ، وذلك عن طريق مرور الدم عبر أوعية مجهرية دقيقة في الكلية ، حيث تتم هذه العملية .
فخلال كل 24 ساعة يمر 180 ليتر من الدم إلى الكلية ، حيث يرشح ويعاد امتصاصه كاملا ، إلا مقداره 1,5 ليتر منه فقط ، وهذه هي المادة البولية التي يتم طرحها خارج البدن ، أي أن الدم يتصفى كل يوم 36 مرة ، وذلك باعتبار أن حجم الدم 5 لترات في جسم الإنسان .
وأما كيف يتم التوازن في أمر الماء يحتاجه الجسم، بحيث لا يزيد ولا ينقص فذلك يتم باستشعار البدن بزيادة الماء مثلا من خلال الأوعية الدموية،حيث يتحسس جدار الأوعية بهذه الزيادة، فترسل إشارات الاستغاثة، إلى الدماغ الذي يرسل الموضوع إلى الغدة النخامية ، التي تقوم فورا بإصدار الأوامر إلى الهرمون المضاد للإدرار بمنطقة الأنابيب الكلوية البعيدة ، حيث يشبه ” بوابات السد ” فزيادة الهرمون يعني التقليل من طرح الماء ، وزيادة احتفاظ الجسم به ونقص الهرمون يعني زيادة طرح الماء كما هو الحال في مثالنا ، وبناء على ذلك تفتح بوابات السد ، ويزداد إدرار البول ، ويتخلص البدن من الماء الفائض في الجسد ، ومن الشوائب المتعلقة بالدم بآن واحد ، وبذلك يتم التوازن بين الماء المدخل إلى الجسم والخارج منه لتدوم الحياة .
وإذا ما فقد الإنسان أحد كليتيه لظرف من الظروف ، فمعنى هذا أن جسمه أصبح معرضا للخطر ، إذ لا تتمكن الكلية الواحدة من القيام بهذه المهمة الجسمية التي تتوقف عليها الحياة ، إلا أن قدرة الله تعالى تتجلى ظاهرة في هذه الحالة ناطقة بدوام العناية بالإنسان ، وذلك بتضخم حجم الكلية الأخرى الباقية في الجسم بحيث تستطيع أن تقوم بعمل الكليتين معا ، والإنسان لا يدري عما يجري في جسمه ، ولا كيف يجري ، إلا أنه لابد له بعد أن يعلم هذا أن يوقن أن مثل هذه الأمور يستحيل أن تكون نتيجة لعمل الصدفة العمياء ، ولابد من وجود القدرة المدبرة ألا وهي قدرة الله .
الكبد مستودع الأمانات :
ربما تسللت بعض العناصر الضارة عبر غشاء الأمعاء ، وربما فاضت بعض المواد الغذائية عن حاجة البدن الآن ، إلا أنه ربما احتاج إليها في المستقبل ، ولذلك اقتضت العناية الإلهية وجود جهاز في الجسد يراقب ليل نهار ، لا يكل ولا يمل ، يراقب أي عنصر مشبوه ليلقي عليه القبض ، ويراقب الفائض من بعض المواد الغذائية فيدخره لوقت الحاجة ، ألا وهو الكبد .
والكبد أكبر غدة في البدن ، يزن حوالي 1,5 كغ ، وبناؤه الخلوي متجانس ، إلا أنه مع هذا يقوم بعشرات الوظائف التي تتوقف عليها حياة الإنسان.
فإنه يقوم بخزن الدسم ، والسكريات ، والبروتينات ، والفيتامينات ، وبطرق فنية ، ففي السكر مثلا يخزنه بعد أن يكثفه ويجففه بطرح الماء منه ، فإذا ما احتاج البدن إلى السكر في حالة من الحالات قام الكبد فورا بطرح كمية مناسبة من السكر المدخر لمثل هذه الحالة ، ولكن بعد تمييعها وإعادتها على الحالة التي كانت عليها قبل الادخار . .؟
وفي نفس الوقت يقوم الكبد بتصنيع المادة المخثرة للدم كخميرة البروتومبين والمادة الخاصة بتمييع الدم ( وهي مادة الهيبارين ، وبذلك يضمن التوازن في الدم فلا يتخثر ولا يتميع ) .
وفي حالة الجنينية يقوم الكبد بإنتاج الكريات الحمر .
وهناك إنتاج مهم جدا ألا وهو إنتاج ” البولة ” ، فلكبد يمد الدم بالبروتينات ، ومع تحطيم البروتينات ينطلق غاز النشادر ، وفي هذه الحالة يقوم الكبد بدمجه بغاز الفحم منتجا للبولة التي يتم إرسالها إلى الكلية لتطرحها بدورها إلى خارج الجسم، ولولا هذه العملية لمات الإنسان خلال ساعات.
خلايا متجانسة ، لاتعي ، ولا تعقل تقوم بأهم الأعمال التي يذهل لها الإنسان، تقتل العناصر السامة وتدخر المواد الغذائية، وتمد البدن بها في حالة الحاجة، وتنتج الكريات الحمراء، والمادة البولية. وغير ذلك من الوظائف العجيبة الغريبة، ألا تدل هذه الأمور على دقة الخالق الحكيم، وعظيم صنعه..؟
خلايا مشابها متجانسة لا تعي ولا تعقل تقوم بما يعجز عنه أكبر عباقرة الحياة . . ؟
] هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ[ {لقمان/11}
(1) السجدة
(2) المؤمنون / 23
(3) وانظر للمزيد من البحث في هذا الموضوع الطب محراب الإيمان 1 / 94 ـ 190
أ. د. محمد حسن هيتو
الأدلة على وجود الله
5 – عالم الإنسان
لقد سردنا في الفقرات الماضية بعض مظاهر القدرة الإلهية في عالم الحيوان ، مما لا يملك الإنسان إزاءه إلا أن يعترف بعظيم هذه القدرة ، ودقة تصميمها ، وبالغ حكمتها وتقدرها ، ولولا خشية الإسهاب لذكرنا من عجيب صنع الله في هذا العالم ما يذهل له العقل البشري . . إلا أننا سنضطر لترك عالم الحيوان إلى عالم الإنسان ، الذي يعتبر – بلا ريبة أوشك – يعتبر ذروة الإعجاز الإلهي فيما أدركه الإنسان واضطلع عليه ، ولذلك جعله الله دليلاً ناطقاً على قدرته ووجوده ووحدانيته فقال :] وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ {الذاريات/20} وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ [{الذاريات/21}
وقال :] سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقّ[ {فصلت/53}
عملية تكوين الجنين :
ولنبدأ بعملية تكوين الجنين، تلك العملية المذهلة التي يقف العلم عاجزاً عن إدراك حقيقتها، ومعرفة القوة التي تسيرها وتدفعها إلى الهدف المحدد المرسوم إلا إذا حنى رأسه واعترف بعظم الله ووجوده وقدرته.
إن العملية تبدأ بانجذاب الخلية الذكرية ، وهي الحيوان المنوي للذكرـ نحو الخلية الأنثوية ـ وهي بويضة الأنثى والخلية الملقحة ـ وبعد التلقيح ، تبدأ هذه الخلية الملقحة بالانقسام ، فتصير الخلية خليتين ، ثم تصير الخليتان أربع خلايا ، ولا تزال الخلايا تتضاعف عن طريق الانقسام إلى أن تصل إلى حد معين ، ويصبح مجموع الخلايا على شكل ثمرة التوت ، ثم يحدث تجويف داخل هذه الكتلة ، فتصبح على هيئة كرة جوفاء ،جدارها مكوّن من طبقة واحدة من الخلايا ، ثم ينغمد نصف الكرة داخل نصفها الآخر ، فتصبح ذات جدارين من الخلايا، ثم تتكون بين الطبقتين طبقة ثالثة، وتستمر الخلايا في الانقسام، وهنا يبدأ عمل مذهل جديد ألا وهو أنه يتكون من كل طبقة من هذه الطبقات الثلاث نوع معين من الأعضاء .
فيتكون من الطبقة الخارجية الجلد، والجهاز الهضمي، وبعض الأجزاء الأخرى ،ويتكون من الطبقة الوسطى العضلات والعظام ، ويتكون من الطبقة الداخلية بعض أجزاء الجهاز الهضمي .
ويستمر انقسام الخلايا حتى يتم تكوين الجنين داخل الرحم في الحيوانات الثديية، أو داخل البيضة في الحيوانات التي تبيض، وعند اكتمال تكوين الجنين يلفظه الرحم إلى خارج الجسم في عملية الولادة ، أو يكسر البيضة ويخرج منها
كيف تحدث هذه الأمور، وما هي القوة التي دفعت الخلية الأولى ومن ثم جميع الخلايا الناتجة عنها وتدفعها دوما إلى نتيجة واحدة، وبطريقة واحدة، دون خلل أو انحراف. . ؟ لا بد أن تكون قدرة بالغة لها من الدقة والإحكام في إيجاد هذا الخلق المعقد ما ليس لأي قوة على وجه الأرض إنها قدرة الله.
وليس هذا الجنين الناتج عن هذه الخلية الملقحة بأعجب من وجود الخلية نفسها، وبطريقة تجعل الإنسان أشد إعجابا وذهولا.
إن الخلية الأساسية التي تكون منها الجنين ، وجميع الخلايا التي تتكون منها أجسامنا ، دائمة الانقسام ، كما عرفنا ، وكل خلية من هذه الخلايا تتكون أساسا من مادة عجيبة نطلق عليها اسم البروتوبلازم ، وتوجد بداخل كل خلية محتويات عديدة ذات وظائف محددة ، ومن هذه المحتويات أجسام دقيقة تحمل عوامل وراثية هي المسمات بـ ” الكروموزومات ” وعدد هذه الكروموزمات
ثابت في خلايا كل نوع من أنواع الحيوانات والنباتات المختلفة، فعددها في خلايا الأرنب مثلا يختلف عن عددها في خلايا الفيل، أو الأسد، أو الحصان، فهي التي تميز الحيوان عن الحيوان الآخر.
وخلية الإنسان تحتوي على ستة وأربعين كروموسوما ،وعندما تنقسم الخلية الإنسانية فإن الخلايا الجديدة الناتجة عنها يجب أن تحتوي على نفس العدد من الكروموسومات وإلا لما أصبح الإنسان إنسانا ، وهذا الانقسام دائم ،أثناء الليل وأطراف النهار، في النوم واليقظة ، وفي كل ظرف وحال ، دون أن يكون للإنسان دخل فيه ، أو سيطرة عليه ، وكل خلية جديدة تحتوي على نفس العدد المذكور من الكروموسومات ، سوى نوعين من الخلايا ، وهما الخلايا التناسلية ، أي الحيوان المنوي عند الرجل والبويضة عند المرأة ، فعندما تنقسم خلايا الأنسجة لتكوين هذه الخلايا التناسلية فإنها تنتج خلايا لا تحتوي على ستة وأربعين كروموسوما ، وإنما تحتوي على ثلاثة وعشرين كروموسوما ، فقط .
ما السر في هذا ؟ ولماذا يحدث هذا الانقسام الغريب ؟ لماذا يختزل عدد الكروموسومات في البويضة والحيوان المنوي ؟
إنها الحكمة البالغة التي اقتضتها يد القدرة الإلهية وذلك أنه لو كان عددالكروموسومات ، في الخلية التناسلية كغيره من الخلايا ـ أي ستة وأربعين كروموسوما ، لأصبح عدد الكروموسومات في الخلية الملقحة اثنين وتسعين كروموسوما ، لأنه باندماج الخليتين لتكوين الخلية الملقحة يتضاعف العدد ،ولكن معنى هذا ـ بناء على ما ذكرناه ـ أن يصبح الجنين جنين حيوان آخر غير الإنسان تحتوي خليته على اثنين وتسعين كروموسوما . ولا نقرض الإنسان من أول جنين يتكون في رحم الأنثى ، ولذلك اقتضت الحكمة البالغة أن يكون عدد الكروموسومات في الخلية التناسلية ثلاثة وعشرين كروموسوما فإذا تلقحت البويضة بالحيوان المنوي ، وتكونت الخلية الملقحة ، نتجت الخلية الجديدة التي تحتوي على ستة وأربعين كروموسوما ، وهي خلية الإنسان ، وبدأن بالانقسام من جديد ، وهكذا . إلى أن تتم الدورة ، ويولد الإنسان الجديد .
إنه ترتيب دقيق، وتنظيم محكم، يذهل له العقل البشري. . ولولاه لانقرض النوع الإنساني بمجرد تكوين الجنين الأول . . أو يجوز لعاقل بعد هذا أن ينسب هذه الأمور البالغة في الدقة والتعقيد لصدفة أو اتفاق ” اللهم إنا نشهدك على أنها أعظم الآيات الدالة على وجودك وقدرتك. . “] وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ {المؤمنون/12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ {المؤمنون/13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [{المؤمنون/14}
حماية الجنين وغذاؤه:
وبعد أن يكتمل تكون الإنسان إجمالا في الشهرين الأولين، يدخل مرحلة الجنين الكامل، حيث تتكامل أعضاؤه وتأخذ شكلها النهائي.
ثم يبدأ الشهر الثالث لينموا نموا جديدا، حيث تتكون المشيمة والسائل الأمينوسي الذي يحيط بالجنين من كل جهة ليحمي الجنين من الرضوض ويسهل حركته ليتخذ الوضع الطبيعي عند الولادة ، كما أنه يوسع فوهة عنق الرحم، وأما المشيمة فإنها المؤسسة المسئولة عن حياة الجنين مباشرة وهو في بطن أمه ، فهي التي تمتص الدم من رحم الأم وتدفعه إلى الجنين .
وهي التي تهضم الطعام بحيث تجعله بسيطا مستساغا، ثم تبعث به إلى الجنين حتى لا يتضايق منه.
وهي التي تدخل الغازات والماء ، والأملاح المعدنية إلى الجنين ولولاها لما عاش لحظة واحدة .
وإذا مر دسم ثقيل بعثت بخمائرها حتى تحليه إلى صابون دسمي ، يمكن إمراره إلى دم الجنين ،ثم تفكيكه بعد ذلك حتى يستفيد منه الجنين .
كما أن السكر إذا فاض عن الحاجة انقلبت خلايا المشيمة إلى مستودعات تخزين لمولد السكر حتى يحين الوقت المناسب الذي يحتاج فيه الجنين للسكر، وأما الخلايا الأمامية للمشيمة فإنها تفرز الهرمونات التي تكفل للجنين أن يتابع حياته ، كما تحافظ على الاستقرار والاتزان في أخلاط جسم الجنين ومفرزاته ، فمن الذي لقنها كل هذه الدروس ؟
ومن الذي خطط لها هذا المنهج الكامل، لتقوم بدورها في الحفاظ على حياة الجنين وعلى أكمل وجه ؟
ثم بعد ذلك نرى أن الجنين قد أحيط بثلاثة أغشية وهي الساقط، والكريوني ، والأمينوسي ، مما يجعل الجنين في حماية من جلد البطن وعضلاته والرضوض ، التي يمكن أن يتلقاها من الرحم .
أوليس في هذا ما يشير إليه قول الله تعالى ]يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ[ {الزمر/6}
أليس في هذا ما يلفت نظر الإنسان إلى أن هذا الكلام إنما هو كلام خالق الإنسان، لأنه لم يكن في ذلك الوقت الذي نزل فيه القرآن من يعرف هذه الحقائق العلمية عن الجنين ؟
أو ليس في هذا ما يدعو كل عالم منصف في الحياة لأن يعترف بوجود الله، ويحني رأسه أمام عظمته، ويذعن للدين الحق ؟
أو ليس في هذا ما يجعل الإنسان المؤمن على ثقة من تفسير الدين لمظاهر الكون والحياة ، بدلا من أن يتيه في ظلام النظريات الخاطئة المبنية على الظن والتخمين والرجم بالغيب ؟
بلى . . إنه إذعان العلم للدين ، ومطابقته له .
خلايا المخ لا تنقسم :
عرفنا في الفقرة الماضية أن الخلية دائمة الانقسام، لنمو الأجسام أو تعويض ما مات من الخلايا، وأن كل خلية جديدة تحتوي على نفس العدد من الكروموسومات المميزة للحيوان عن غيره من الحيوانات الأخرى سوى نوعين من الخلايا وهي الخلايا التناسلية ، فإنها عند تكوينها وانقسامها تحتوي على نصف العدد من الكروموسومات ، ليعود العدد بعد التلقيح إلى وضعه الأصلي . . وإلا لا نقرض الإنسان .
ولكن . . هل هذا الانقسام الدائم في الخلية يشمل جميع الخلايا في جسم الإنسان ؟ أم أن هذا الانقسام يشمل بعض خلايا الجسم، وأما بعضها الآخر فثابت لا يتغير ولا ينقسم. . ؟
والجواب على هذا أن هذا انقسام يقع في جميع خلايا الجسم سوى خلية واحدة، وهي الخلية العصبية التي يتكون منها المخ والجهاز العصبي، لأنه لو انقسمت هذه الخلية لحدثت كارثة مروعة في الحياة ، وذلك لأن خلايا المخ في هذه الحالة سوف لا تستطيع الاحتفاظ بشخصية الإنسان ، كما أنه ستتلاشى جميع المعومات التي تعيها الذاكرة في خلال فترة قليلة ، وذلك بظهور الخلايا الجديدة التي لا تعي شيئا ، وموت الخلايا الأخرى .
من أجل هذا اقتضت حكمة الله أن تبقى خلايا المخ ثابتة عند الإنسان أو أي حيوان آخر، منذ ولادته إلى أن يموت، لا تزيد خلية واحدة، وبناء على ذلك يتمكن الإنسان من الاحتفاظ بالمعلومات منذ حياته الأولى إلى أن يموت.
عوامل الوراثة:
وهذه الخلايا تحتوي كما ذكرنا على الكروموزمات ، والكروموزومية تكون النوية المعتمة التي تحتوي على الجينة ، والجينات هي العامل الرئيسي فيما يكون عليه كل كائن حي ، إنسانا كان أو غيره ، فهي المسؤولة عن المخلوقات البشرية التي على سطح الأرض ، من حيث خصائصها الفردية ، وأحوالها النفسية ،وألوانها ، وأجناسها ، وهي صغيرة جدا ، تبلغ من الصغر والدقة بحيث لو أنها جمعت كلها ووضعت في مكان واحد لكان حجمها أقل من 1 سم3 ، إذ يتسع هذا الحجم الصغير للصفات الفردية لبليونين من البشر .
هذه الجينة هي التي تقرر هل الطفل سيشبه أمه أم أباه ، وهذه الجينة هي التي تنقل إليه طبائع وخصائص وألوان وصفات أجدادنا وأسلافنا ، هي التي تحمل إلى الطفل عصبية أبيه أو حلمه ، وهي تحمل له سرعة انفعاله ، أو برودة طبعه ،وهي التي تحمل إلى النمر ضراوة أصوله ، وإلى الفراشة ألوان أبويها ، وبكل دقة وإتقان بحيث ترى البقعة الصفراء أو الحمراء في مثل المكان الذي كانت فيه على الفراشة الأصلية .
إنه كتاب سري مكتوم ، وتعليمات دقيقة معقدة ، توحيها هذه الجينات للخلايا، والخلايا تطيعها طاعة الجند للرئيس، فلا تنمو إلا على تعليماتها.
ولو أردنا أن نكتب خصائص بليونين من البشر، وصفاتهم ، وطبائعهم ، وألوانهم ، لما وسعنا ملايين المجلدات ، إلا أن قدرة الله أودعت كل هذا في جينات بليونين من البشر ، في مكان لا يزيد حجمه عن 1 سم3 ، الأمر الذي حير العلماء الذين لم يعرفوا عنه حتى الآن إلا بعض التصورات الساذجة .
النظام العصبي:
ولنترك الكلام على الخلية ، فالكلام عيها يطول ، ولننتقل إلى النظر في نظام آخر من نظم جسمنا الكثيرة، وليكن النظام العصبي.
إن هذا النظام يشبه أسلاك الهاتف في نقل الأخبار إلى المخ، فالمخ هو المركز الرئيسي لهذا النظام.
فيوجد في المخ 14 مليار خلية عصبية ، يخرج من كل خلية سلك عصبي، بحيث تنتشر هذه الأسلاك في جميع أنحاء الجسم ، وتسمى بـ “الأنسجة العصبية ” وعلى هذه الأنسجة يجري نظام استقبال وإرسال الأخبار ، بسرعة سبعين ميلا في الساعة .
وهذه الخلايا تعمل كلها دفعة واحدة من أجل المحافظة على سلامة الإنسان ، وبواسطة هذه الأنسجة نتذوق ، ونسمع ، ونبصر ، فيوجد على اللسان ثلاثة آلاف من الشعيرات المتذوقة ، لكل منها سلك عصبي خاص متصل بالمخ ، وبواسطة هذه الشعيرات نحس بالطعوم المختلفة ، وتوجد في الأذن عشرة آلاف خلية سمعية ، ومن خلال نظام معقد يسري من هذه الخلايا ، يسمع فحنا ، وفي كل عين مائة وثلاثون مليونا من الخلايا الملتقطة للضوء ، تقوم بمهمة إرسال الصور إلى المخ ، وهناك شبكة من الأنسجة الحسية على امتداد جلدنا ، فإذا قربنا إلى الجلد شيئا حارا ، فإن ثلاثين ألفا من الخلايا الملتقطة للحرارة تحس بهذه العملية وترسلها فورا إلى المخ ، وإذا قربنا إلى الجلد شيئا باردا ، فإن ربع مليون من الخلايا التي تلتقط الأشياء الباردة ، تحس به ، وعندئذ يمتلئ المخ بأثرها ،ويرتعد الجسم ، وتتسع الشرايين الجلدية ، فيسرع الدم بكمية كبيرة إليها ويزودها بالحرارة ، وإذا أحست هذه الخلايا بحرارة شديدة ، فإن مخابرات الحرارة ترسلها إلى الدماغ ، وحينئذ تفرز ثلاثة ملايين من الغدد العرقية عرقا باردا إلى خارج الجسم .
ولقد أراد العالم جّودسون هريك أن يعطي تشبيها للدماغ والجهاز العصبي فقال في محاضرة ألقاها في معهد التاريخ بنيويورك في ديسمبر عام 1957 قال:
” لو أننا جمعنا كل أجهزة العالم من التلفون، والتلغراف، والرادار، والتلفزيون، ثم حاولنا أن نصغر هذا المقدار الهائل من الأجهزة المعقدة حتى استطعنا وبمجهود جبار أن نوصلها إلى مثل حجم الدماغ، فإنها لا تبلغ في تعقيدها مثل الدماغ “.
هذا وإن الخلايا العصبية لا تعمل بشكل مفرد، بل تتعاون مع باقي الخلايا، ولقد وجد أن بعض الخلايا متصل بما يقرب من 1800 خلية أخرى.
ومعنى هذا أننا لا نستطيع أن نجد رقما رياضيا يعطينا عدد العلاقات التي تنشأ بين الخلايا العصبية ، وذلك بضرب 14 ألف مليون بـ1800
والنظام العصبي يشتمل على عدة فروع، منها ” الفرع المتحرك ذاتيا “ويقوم بأعمال تحدث ذاتيا في الجسم، كعملية الهضم والتنفس وحركات القلب، ويندرج تحت هذا الفرع نظامان :
أحدهما: النظام الخالق للحركة، والآخر: هو المانع لها. وهذا الأخير يقوم بعملية المقاومة والدفاع، ولو ترك الأمر للنظام الأول لازدادت حركة القلب زيادة يترتب عليها موت صاحبه، ولو سيطر النظام الثاني لتوقفت حركة القلب توقفا تاما ، وأقسام هذين النظامين تباشرا أعمالها في دقة فائقة وتوازن تام ، ولكن هناك حالات يزداد فيها نشاط أحد النظامين ، فالنظام الأول يتغلب عند الضغط واحتياج القلب إلى قوة مسعفة ، وعندئذ تزيد سرعة عمليات القلب والرئة ، والنظام الثاني يتغلب عند النوم فيسود السكون جميع الحركات الجسمية.
على أن الإنسان في كل هذه الحالات لا يدري شيئا، ولا يعرف شيئا، فكيف تعمل هذه الأجهزة، وبأي إرادة تتحرك، إنها إرادة الخالق الأزلي
]الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (1) [ ] فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ /14} (2) [
هذا وان الكلام على الجملة العصبية أو الجهاز العصبي يستغرق منا لو أردنا أن نبحث فيه عن مثل هذه الأمور المدهشة ـ يستغرق منا عشرات بل مئات وآلاف
الصفحات ، وتكفينا هذه القبسات عن آلاف القبسات التي حار العلماءوالأطباء في وصفها والبحث عن حقيقتها (3)
إلا أنه لا مانع من الإشارة إلى مستودع الأخبار التي تنقلها الجملة العصبية صباح مساء من جميع أطراف الجسم إلى الدماغ ، ليحللها ، ويرسم أفضل الخطط في معالجتها ، لكن الأمر لا ينتهي عند هذا الحد ، بل ترسل كل المعلومات التي يطلع عليها الإنسان إلى مستودع الأخبار ألا وهو الذاكرة . التي تحفظ كل الأخبار التي يطلع عليها الإنسان في حياته ، من صور ، وأصوات ، وطعوم ، وروائح ، وحرارة ، وبرودة ، وصيف ، وشتاء ،وحرب ، وسلم وقرآن ، وحديث ، وفقه ، وتفسير وذكريات ،وآمال ، وآلام ، وشعر ونثر ، وغناء ، وموسيقى ،وصراخ ، وضجيج وغير ذلك من المعلومات التي لا نهاية لها ، والتي قال العلماء عنها أنها تحتوي من الأخبار على ما يزيد عن 90 مليون مجلد . . ؟ ! وبحيث يتمكن الإنسان في أي لحظة من استحضار الشريط المسجل الذي يريده من مخزن هذه الذاكرة، ويراجعه وكأنه فلم سينمائي يمر أمامه، مهما طال عليه الزمن، أو أتى عليه من الظروف. .
فما هي الذاكرة ؟
وأين توجد ؟
وكيف يعمل العقل ؟
وكيف يتم التفكير ؟
وما هي الإرادة ؟
وأين يمكن الشعور واللاشعور ؟
وكيف يحصل فهم المسموعات والمبصرات ؟
وكيف تقلب الصورة إلى معاني ؟
وكيف تختزن المعلومات ؟
وكيف تستحضر ؟
وكيف يحصل الإحساس بالسعادة ؟
وكيف يحصل الإحساس بالبؤس والألم ؟
ولماذا تبقى معاني السعادة مختزنة بالذاكرة، تتكرر بتكرر التخيل، أو إعادة الشريط ؟
وكيف تبقى معاني الشقاء والألم مختزنه بالذاكرة نتألم كلما ذكرناها ، وربما
تحولت الذكرى إلى آلام عضوية ؟
إنها سر الله في هذا الإنسان الذي يعتبر كما ذكرت قمة الإعجاز الإلهي فيما ظهر للإنسان ] وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ {{الذاريات/21}
الكلية والتوازن المائي في الجسم :
إن البدن يحتاج يوميا من 2_3 ليترات من الماء ، وقد تزيد هذه الكمية بزيادة العرق وفقدان السوائل.
ومعنى هذا أن الجسم في عملية مستمرة يتم بها طرح السوائل وطلبها ، وبناء على ذلك كان لابد من نظم لهذه العملية ، وإلا انقلب الأمر إلى فوضى ، وهذا المنظم هو الكلية التي تقوم بهذا العمل الهام في حياة الإنسان إلى جانب تصفية الدم من الفضلات والشوائب ، وذلك عن طريق مرور الدم عبر أوعية مجهرية دقيقة في الكلية ، حيث تتم هذه العملية .
فخلال كل 24 ساعة يمر 180 ليتر من الدم إلى الكلية ، حيث يرشح ويعاد امتصاصه كاملا ، إلا مقداره 1,5 ليتر منه فقط ، وهذه هي المادة البولية التي يتم طرحها خارج البدن ، أي أن الدم يتصفى كل يوم 36 مرة ، وذلك باعتبار أن حجم الدم 5 لترات في جسم الإنسان .
وأما كيف يتم التوازن في أمر الماء يحتاجه الجسم، بحيث لا يزيد ولا ينقص فذلك يتم باستشعار البدن بزيادة الماء مثلا من خلال الأوعية الدموية،حيث يتحسس جدار الأوعية بهذه الزيادة، فترسل إشارات الاستغاثة، إلى الدماغ الذي يرسل الموضوع إلى الغدة النخامية ، التي تقوم فورا بإصدار الأوامر إلى الهرمون المضاد للإدرار بمنطقة الأنابيب الكلوية البعيدة ، حيث يشبه ” بوابات السد ” فزيادة الهرمون يعني التقليل من طرح الماء ، وزيادة احتفاظ الجسم به ونقص الهرمون يعني زيادة طرح الماء كما هو الحال في مثالنا ، وبناء على ذلك تفتح بوابات السد ، ويزداد إدرار البول ، ويتخلص البدن من الماء الفائض في الجسد ، ومن الشوائب المتعلقة بالدم بآن واحد ، وبذلك يتم التوازن بين الماء المدخل إلى الجسم والخارج منه لتدوم الحياة .
وإذا ما فقد الإنسان أحد كليتيه لظرف من الظروف ، فمعنى هذا أن جسمه أصبح معرضا للخطر ، إذ لا تتمكن الكلية الواحدة من القيام بهذه المهمة الجسمية التي تتوقف عليها الحياة ، إلا أن قدرة الله تعالى تتجلى ظاهرة في هذه الحالة ناطقة بدوام العناية بالإنسان ، وذلك بتضخم حجم الكلية الأخرى الباقية في الجسم بحيث تستطيع أن تقوم بعمل الكليتين معا ، والإنسان لا يدري عما يجري في جسمه ، ولا كيف يجري ، إلا أنه لابد له بعد أن يعلم هذا أن يوقن أن مثل هذه الأمور يستحيل أن تكون نتيجة لعمل الصدفة العمياء ، ولابد من وجود القدرة المدبرة ألا وهي قدرة الله .
الكبد مستودع الأمانات :
ربما تسللت بعض العناصر الضارة عبر غشاء الأمعاء ، وربما فاضت بعض المواد الغذائية عن حاجة البدن الآن ، إلا أنه ربما احتاج إليها في المستقبل ، ولذلك اقتضت العناية الإلهية وجود جهاز في الجسد يراقب ليل نهار ، لا يكل ولا يمل ، يراقب أي عنصر مشبوه ليلقي عليه القبض ، ويراقب الفائض من بعض المواد الغذائية فيدخره لوقت الحاجة ، ألا وهو الكبد .
والكبد أكبر غدة في البدن ، يزن حوالي 1,5 كغ ، وبناؤه الخلوي متجانس ، إلا أنه مع هذا يقوم بعشرات الوظائف التي تتوقف عليها حياة الإنسان.
فإنه يقوم بخزن الدسم ، والسكريات ، والبروتينات ، والفيتامينات ، وبطرق فنية ، ففي السكر مثلا يخزنه بعد أن يكثفه ويجففه بطرح الماء منه ، فإذا ما احتاج البدن إلى السكر في حالة من الحالات قام الكبد فورا بطرح كمية مناسبة من السكر المدخر لمثل هذه الحالة ، ولكن بعد تمييعها وإعادتها على الحالة التي كانت عليها قبل الادخار . .؟
وفي نفس الوقت يقوم الكبد بتصنيع المادة المخثرة للدم كخميرة البروتومبين والمادة الخاصة بتمييع الدم ( وهي مادة الهيبارين ، وبذلك يضمن التوازن في الدم فلا يتخثر ولا يتميع ) .
وفي حالة الجنينية يقوم الكبد بإنتاج الكريات الحمر .
وهناك إنتاج مهم جدا ألا وهو إنتاج ” البولة ” ، فلكبد يمد الدم بالبروتينات ، ومع تحطيم البروتينات ينطلق غاز النشادر ، وفي هذه الحالة يقوم الكبد بدمجه بغاز الفحم منتجا للبولة التي يتم إرسالها إلى الكلية لتطرحها بدورها إلى خارج الجسم، ولولا هذه العملية لمات الإنسان خلال ساعات.
خلايا متجانسة ، لاتعي ، ولا تعقل تقوم بأهم الأعمال التي يذهل لها الإنسان، تقتل العناصر السامة وتدخر المواد الغذائية، وتمد البدن بها في حالة الحاجة، وتنتج الكريات الحمراء، والمادة البولية. وغير ذلك من الوظائف العجيبة الغريبة، ألا تدل هذه الأمور على دقة الخالق الحكيم، وعظيم صنعه..؟
خلايا مشابها متجانسة لا تعي ولا تعقل تقوم بما يعجز عنه أكبر عباقرة الحياة . . ؟
] هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ[ {لقمان/11}
(1) السجدة
(2) المؤمنون / 23
(3) وانظر للمزيد من البحث في هذا الموضوع الطب محراب الإيمان 1 / 94 ـ 190
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin