مرجانة اللؤلؤة الأولى إلى مرجانة اللؤلؤة العاشرة .كتاب عنقاء مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
كتاب عنقاء مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
مرجانة اللؤلؤة الأولى
حظ الإنسان منها انسلاخه عن الحقيقة المجردة بمشاهدة حقيقة من كان أوجده نفى عن نفسه حين أحاط به نور شمسه في حضرة قدسه فحصل له الإحاطة بالعلم الكلى تقديرا، وبقي له تأثيرا الحكم تكويرا.
فصاحب هذا المقام لا يعجز عما يسأله عنه سائل وكيف يعجز من أحاط بالعلم الكامل وتحصل العلم عنده السؤال،
وهل الفرق بينه وبين المتعال كما أن الفرق بينه وبين عالم الذل والعز عدم الحصد والعجز وقد يسأل نفسه أو يرى فيعرف ما سكن في الليل والنهار أو تحرك في الورى، فهذا نعت من حصل في هذا الكشف الأجلى والمقام السنى الأعلى،
لا تخدع نفسك بنفسك، ولا تترك الغمائم على شمسك إلا أن استسقاك من جذبت أرضه، وتعطل عليه فرضه وهلك بعضه فأروه من مزنك حتى
يستصحبك فيعلم أن جميع مطالبه فيك فعند ذلك أرخى العنان واطلق سبيل العيان،
وقل المريح تزرؤها ذروا حتى تبدو الشمى للعيان، فإذا أحاط الإنسان بهذا الوصف وتحقق بهذا الكشف فليس وراءه عدم ولا وجود، ولا عابد ولا معبود،
إذ لا ورى ولا أرى إذ قد حصل الموجودين، وتحقق بالعدمين،
وفصل العدم الثالث فصلين، ولم يسبق له من العلم سوى حرف العين وانفردت المادة بالميم.
واللام بلطف القديم، فليس في ذلك المقام سوى علم مجرد وتحقيق قديم ومجدد .
«أي علوم لا تبتدأ وإنما هي قديمة من حيث تعلق الإرادة الإلهية بما انكشف في علمها القديم لكن إظهارها في الزمن المراد والمكان المراد حسب تخصيص مشيئته تبارك وتعالى اعتبرت علوما مجددة «أمور يبديها ولا يبتديها»».
مرجانة اللؤلؤة الثانية
كذلك بعض الخواطر الأول اللاحقة بالأزل لا تتصف لا بالوجود ولا بالعدم ولا تضمنها لوح ولا خطها قلم، ولا كانت مجملة في الدواة كالقمر في النواة لم تتصف بالأين ولا زلات تكر من العين إلى العين فمن هنا وقع الشبه والاشتراك بين هذه الخواطر وعيون الأملاك وذلك قبل خلق العرش وفتق الفرش، فقد صحت له المقابلة وعوينت المماثلة.
مرجانة اللؤلؤة الثالثة
كذلك إذا خلع الرجل نعليه وتجرد عن ثوبيه وزهد في كونيه حل هذه المحل الأسنى وكان منه بقلب قوسين أو أدنى، ورثا نبويا من دنى كل قوس على حسب واميها وعلى حسب اختلافها في مراميها، هذا هو مقام الاستواء وحضرة وتر الأنبياء فيه ترد عليه مخاطبات التأنيس،
وقواعد التأسيس بعين الاتحاد، من غير إلحاد، فتمايل ذاته في ذلك النور تمايل السراج من وارد السرور، والابتهاج،
فكأنه نشوان أخذ منه الراح فرام الارتياح، لم يجد السراج فسمع منه إليه فتواجد بعضه عليه، فكان عشاقا لنفسه تواقا لشمسه فطلعت عليه من فؤاده، وأشرقت أرض بلاده فتعم بعضه في بعض لما جادت سماؤه على أرضه .
«وللتوضيح يقول المحقق : «أن المقصود أن العبد الرباني إذا عاش مقام التفريد بفناءه عن الأشياء واستغراق حاله في اللّه تعالى يشئ الأشياء كانت ذاته عرش استواء التجلي الإلهى تتوافد عليه جميع أسرار العوارف بالحقائق»».
مرجانة اللؤلؤة الرابعة
كذلك إذا حصل الإنسان من ذاته في برزخ البرازخ مقام المجد الشامخ والعز البازخ فيه تكون ليلة قدره، وكمال بدره يميز فيه بين الأشياء، ويفصل بين الأموات والأحياء، ويطلع على أهل البلا والنعماء فيه يبرز على صحابته بالكتابين بالشمال واليمين،
وهؤلاء بأسمائهم وأنسابهم في عليين وهؤلاء كذلك في سجين، بعد ما يحصل له فيه التجلي العلى من حضرة المتعالى بهؤلاء للجنة ولا أبالي،
وهؤلاء للنار ولا أبالي، منه أنزل الفرقان،
وإليه أنزل القرآن، وفيه يعلق الميزان وتتطاير صحائف الشمائل والإيمان في هذا المقام تقوم قيامته، الخاصة بذاته، وتقع مسائل العدل في أسمائه وصفاته، فتنطق الجوارح لبعض العارفين، وتبدو الفضائح لأهل التلوين،
والمصالح لأهل التمكين فيه تبدل سيئاتهم حسنات وكراماتهم آيات فيه يحصل لهم بعد قيام قيامته، واستواء إقامته الوارث الإنبائى والمقام الاختصاصى، فنادى في ذلك الانباء الخاص، ألا فانزل إلى القصاص وعجل بالأوبه "وَلاتَ حِينَ مَناصٍ". «سورة «ص» آية 3» .
فمبادر ومتملك فمتملك من تملك ومن هذه الحضرة ينقلب الولي نبيا والنبي وليا، هي حضرة الخليفة والختم وحل الإفشاء والكتم، وإن رغم أنف المنكر، فإنه القائل المستكبر أخذ بقضاء اللّه، إلى أن حصل في «مضمار الانتباه» فينقلب عينه ويتصل بينه فيا حضرة فرق ويا مقعد صدق ما أعطاه بحق.
مرجانة اللؤلؤة الخامسة
كذلك إذا طلعت نجوم العلوم من سماوات الفهوم اقتقر إليه كل شئ ولم يفتقر هو إلى شئ وسبحت درارى صفاته في أفلاك ذواته على برج مقاماته ومنازل كراماته فخلق الأيام بدورتها، وتثبت الأحكام بكرتها، فسبعة سابح في سبعة كإقبال في ثمانية وعشرين ورجعة مقسمة على أثنى عشر محلا، لتصح أثنى عشر شهرا حراما ما وحلالا فليس إلا أربعة أعلام، أيام وجمع وشهور وأعوام،
فالأيام داخلة في الجمع والجمع والأيام روى أبو داود الطيالسي عن أبي إسحاق التميمي قال: سألت ابن عباس رضى اللّه تعالى عنهما عن قول اللّه تبارك وتعالىفَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍقال: ليس بحين نداء ولا نزو. . .
وقال علي بن أبى طلحة عن ابن عباس رضى اللّه عنهما: ليس بحين مغاث. . .
وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس:نادوا النداء حين لا ينفعهم وأنشد: «تذكر ليلى لات حين تذكر».
وقال محمد بن كعب في قوله تعالى: فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ يقول: نادوا بالتوحيد حين تولت الدنيا عنهم واستناصوا للتوبة حين تولت الدنيا عنهم.
وقال قتادة: لما رأوا العذاب أرادوا التوبة في غير حين النداء.
ولزيادة الإيضاح نقول استجاروا واستغاثوا حين لا تنفعهم استجارتهم واستغاثتهم فقد فات الأوان ولا ينفع الندم.
داخلة في الشهور والأيام والجمع والشهور داخلة في الأعوام، ثم يرجع الكور فيتوالى الدور فلدرارى جمعة تمام والمنازل شهر والبروج عام، فإن كان يومك الأحد، فإدريس جليسك فلا تلوى على أحد، وإن كان يومك الاثنين فآدم جليسك في برج النشأتين وإن كان يومك الاثنين والثلاثاء نهارون جليسك فالزم الاهتداء.
ويحيى أنيسك فالزم العفاف والاكتفاء، وإن كان يومك الأربعاء فعيسى جليسك فالزم الحياة القدسية والبيداؤ إن كان يومك الخميس فموسى جليسك فقد ارتفع التلبيس وكملت على كشف ولا أنيس وقد استبشر الملك وخنس إبليس وإن كان يومك العروبة .
«اسم من أسماء يوم الجمعة، والعروبة بالفتح ومعناها الحبيبة، والعروب من النساء المتحببة لزوجها ومنها قوله تعالىعُرُباً أَتْراباًأي الحور المتحببات لأصحابهن، وعرب جمع عروب.».
فيوسف جليسك صاحب الصفات المعشوقة المحبوبة وإن كان يومك السبت فإبراهيم جليسك فبادر بكرامة ضيفك قبل الفوت فهذه أيام العارفين، وهو لا دارارى أفلاك السائرين وأما شهودهم فأربع جمع فاستمع أيها السالك واتبع فكشف جمعتهم :
الأولى لوحيه،
والثانية قلمية
والثالثة يمنية
والرابعة علمية،
وعلمهم: اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ «سورة التوبة آية 36».
فعليك بالانتباه:
فمحرم التحريم والتبري، وصفر التجلي والتحري وربيع العرف، وربيع الكشف وجمادى الأولى، وجماد الآخر، ورجب المشهد الأشمخ وشعبان البرزخ، ورمضان الصمدانية،وسؤال عين الماهية، وذي القعدة البساط وذي الحجة الانبساط .
فهذه شهورهم وهذه دهورهم، فشمسهم حياتهم، وزهرتهم نظرهم، وكتابتهم كلامهم وقمرهم علمهم، والمقاتل قدرتهم، والمشترى إرادتهم وكيوان سمعهم فشمسهم روحهم، وقمرهم نفسهم، والخنس حواسهم.
وترحيلهم سيرهم في المقامات وتأثيرهم ما ظهر عنهم من الكرامات ورجوع دورانهم نزولهم إليا لبدايات، بعد النهايات لكن نشأة أخرى، في يوم طامة كبرى، فيمانية وشمالية في الترحيل، بالترقى بأسماء حق الخلق، وأسماء حق الحق، على التحريم والتحليل وكسوف يعترى، الكمل قد برى. وأدنى يكشف أعلا.
لغلب الشهادة على ما خفى، وزيادة في قمر النفس، ونقص وذلك لتعويج القوس فخروج من حضرة الحق ودخول ومحاق وأقوال ولا يكسف إلا التراب ويتوب اللّه على من تاب، ويكسف القمر الشمس في أوجها إذ دخل برجها، ولولا طلب الاختصار لأوضحنا هنا من الأسرار، ما فيه عبرة لأولى الأبصار فانظر على هذا الأنموذج، في نفسك واجتهد في ترحيل قمرك في شمسك، واللّه يهدى إلى الطريق الأقوم والسبيل الأقوم.
«تحذير وتنبيه:
يقول المحقق أيها المريد حتى تستفيد وتفيد إلى التثبت والفهم حتى لا تقع في خيالات الوهم والجموح في المغالاة والشطط وأسأل ربك الشرح حتى لا تقع في الشطح، فهذه علوم رجال أفذاذ، لهم عند ربهم ملاذ، اجتباهم وعلى عينه رباهم وجعلهم أوعية لعلومه وأسراره ومصابيح لإظهار جمال بوارق أنواره.».
مرجانة اللؤلؤة السادسة
كذلك إذا كان الإنسان في مقام المجاهدة وعدم القرار فعنصره النار فإن تلطفت ذاته بكشف الإيماء، وفنى عن تأثير الإرادات، وسلطان الهواء فعنصره الهواء فإن كان في مقام الحق بالأسماء بعد الأسرار، والنزول من السماء فعنصره الماء فإن صمت وهو متكلم وتبرأ من العلم وهو معلم وساوى بين الأقارب والأتراب . «الأتراب جمع ترب وهو الصاحب والقرين وأتراب معناها أصحاب.»
وعم بخطاب الهداية الأعداء والأحباب فعنصره التراب.
مرجانة اللؤلؤة السابعة
كذلك إذا علم الإنسان أن وجوده سراب إلى جانب وجود الوهاب يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً «سورة النور الآية 39».
فلولا نفحة الدعوى، ما تشبه بالماء، فإن ارتقى على كل هذا الشكل. فسرابه عبارة عن المثل.
وذلك إذا تجلى الحق إلى قلبه في مكنون غيبه، فسطعت أنواره عند التجلي، فنحيل الظفر به في ذلك التدلي فوجد الأين لحصره، والعين تبصره والكيف ينعته، والعقل في التشبيه يمقته، فيرجع بعد الغنا إلى العجز، ويعرف أنه خلف حجاب العز، يجد اللّه عنده، فيوفيه عهده، فتحقق رشده.
«يشير بذلك إلى الآية الشريفة «فوجد اللّه عنده فوفاه حسابه» والمقصود أن العبد الرباني إذا انزاحت عنه الحجب في حضرات التجلي شاهد المتجلى».
مرجانة اللؤلؤة الثامنة
كذلك من وسع الحق قلبه فقد استوى شهادته وغيبه، والتحمت يواقيته وانعدمت مواقيته، وكان الحق هنا الساري إلى عبده رحمة من عنده، وهذا الفرق بين النبي والولي والتهامي والنجدي، فإن النبي يسرى إلى الحق العلى والحق يسرى إلى الولي، إذ لا طاقة له على التسري لقوة امتزاجه بالورى وتثبته في الثرى، فمن غلبت عليه روحانيته واستولت عليه ربانيته سرى إليه سير النبي على البراق العلى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ «سورة فاطر آية 10».
والحق يفرقه ويجمعه فمن أراد بسط هذه المرجانة، ولؤلؤتها على الاستيفاد فليطالع من كتبنا كتاب الأسرار هنالك يعرف منزلته، ويكشف مرتبته.
مرجانة اللؤلؤة التاسعة
كذلك عالم الشهادة تمام العوالم ونكتة العالم هو مجتمع الأسرار ومطالع الأنوار، به يصح المجدولة يحصل الجد، فإن قال أنا سيد العالم فله أن يقول لأن العقل لا يصح له علم إلا بعد المغيب في هذا الجسد والأقول وإن قال أنا بشر مثلكم دون زيادة فلا إشتراك في العبادة والإنسان في نفسه نسختان، ولذلك له إذا صام له فرحتان .
«روى ابن ماجة في سننه كتاب الصيام : عن أبي هريرة رضى اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء اللّه، قال اللّه تعالى: وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ.
يقول اللّه تعالى في الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزى به ترك شهوته وطعامه من أجلى» رواه أبو هريرة رضى اللّه عنه.»،
فنسخة إحساسه تفرح بفطرها، ونسخة عقله تفرح بلقاء ربها، فكان الواحد مثالا والآخر له تمثالا،
وقد كان ملك الروح موجودا، وعالم الملك مفقودا،
ولكن يلاحظه في أطوار تنقله من الأصلاب إلى أو ان إنسلاخه منها والإنسلاب،
فمن انسلخ عن صلبه فقد فاز بلذة قربه ومن تقدم روحه على حسبه حاز حضرة قدسه
ومن دبر ملكه في عالم الغيب برأه عند وجوده من الغيب والريب
ومن كان آدمي الوضع محمدي السر فقد حصل المقامات على الاستيفاء وكلمه الجبار بوساطة الافتقار إلى النار في حق الأغيار
كذلك من مشى في حق غيره فقد باء بجميع خيره فإن مشى في حق الحق فهو في مقعد الصدق فتحقق ترشد .
«يقول المحقق: ولا يقطع هذه المقامات، مترقيا إلى أعلى الحضرات إلا من أهلك الأغيار وولى عن الإدبار في جمع لشتات حاله عن السوى، ومفارقته لحجاب الهوى وترك جميع الخلق، واصطلم مستغرقا في الحق فإن كان كذلك مدح هنالك وصار عبد حق في مقعد صدق. ».
مرجانة اللؤلؤة العاشرة
وإن كان العارف أمره متبوعا وكلاما مسموعا وحصل المشاهدة الغيبية وحاز المرتبة القطبية، وساقت إليه الأسرار، واطلع الأنوار من خلف الأستار، وكانت مادته كالشمس في مادتها وقبلت كل ذات على حسب حقيقتها، فإذا حصل في النور تغيير،
فذلك راجع إلى محل التكوير، فكما لا يساوى قبول الجسم الصقيل قبول الدرن للنور والفيض هو واحد كذلك منازل القلوب عنه فيض الشاهد فالقطب يرسل نوره، والكون منه ما يكشف حجابه ومنه ما يرخى ستوره، فالغيب من كون النفس أمر عين الشمس فالأمداد وترى والقبول وترى شععى.
فنور المعرفة كالسراج في الصفة فكما أن نور السراج ما قرب منه إلى الفتيل أظلم وعاه وما بعد منه وارتفع سطع وأنار كذلك نور المعرفة ما امتزج منه بعالم الشهادة قل ضؤءه وتراكم غمامه ونوءه،
فإن الحل كشيف ونور المعرفة لطيف وما تعلق منه بالعقل والروح أنار كذلك يوح وبقي على أصله من الجلاء لما انسلخ من العماء وكما أن القتيلة إذا كان في رأسها دخان مسامت لنور السراج لاصق به جرى نور السراج في أنبوب الدخان حتى يستقر برأس الفتبلة فبقد على بعد فما ظنك بنور المعرفة من بعد كذلك للعارف إذا احترق قلبه بالشوق وصعدت همته إلى فوق،
واتصلت بنور معرفة المعروف ردها إلى قلب العارف باسى معروف فعاش بها زمانا وأنا ربها أكوانا وكما أن السراج إذا طلعت الشمس لم يتغير ضوء نفسه كذلك نور المعرفة في المعارف إذا تجلى الحق للأعيان وأظهر قدسه أنار الوجود بتجليه،
وأنار العارف بذلك التجلي وزاد على الغير بما أودعه فيه، فهو بنورين، ويشهد الحق من الجانبين وكما أن نور السراج أبدا إلى جهة فوق كذلك نور المعرفة متعلق بالحق، فإن مر على السراج هواء تمايل تمايل النشوان فإن اشتد عليه الهواء عدم من العيان.
وكذلك نور معرفة العارف أن داخله تعلق بالأكوان، تمايل النشوان عن الشمائل والإيمان فإن تعلق بها تعشقا عدم من عين المشاهدة تحققا، وكما أن السراج يطفى منه الهوا بالحق ويبقى منه ثيرا ما لم يلحق كذلك نور المعرفة ليس يذهب ذهابا كليا ولكن يذهب منه ما تعلق بالخلق ويبقى منه ما تعلق بالحق وكما يفجأ النفخ للسراج بغتة فيطفيه كذلك الخطوة المستفرقة تطفئ نور المعرفة ولا يكلؤه.
فإن بقي منه دخان؛ فتلك الهمة، فسيعود إليه نوره وهو جالس وإن لم يبق له دخان فسيكون الفرانق الفارس، وكما أن السراج إذا لم يمده الدهن طغى كذلك نور المعرفة إذا لم يمده التقوى عدم.
وكما أن السراج إذا لم يتعلق بجسم لم بق له عين كذلك نور المعرفة مع الكون وكما إن نور السراج لا يكون ضوءه كاشفا إلا حيث الظلام، كذلك نور المعرفة في الأجسام، وكما أن السراج لا يستضئ به إلا من يليه.
كذلك نور معرفة العارف لا يستضئ به إلا من يصطفيه ويدنيه، وكما أن السراج لا يستضئ به من بعد
كذلك نور المعرفة لا يستضئ به من جحد، وكما إن السراج يكشفه البعيد والقريب كذلك نور المعرفة يشهد له البعيد في الأفعال والقريب، في وصفه العجيب وكما أن من حصل في ضوئه السراج لا يكشف ما بعد عنه وأعماه،
كذلك نور المعرفة من قرب منه لا يعرف سواه، وكما أن السراج يقدمنه أهل الأرض ولا ينقص ذاته، كذلك نور المعرفة إذا حققت صفاته وكما أن السراج ما اتصل منه بالفتيلة اتسع،
وما بعد عنها خرج مخروط الشكل وسطع كذلك نور المعرفة إذا تعلق بالأفعال اتسع باتساعها، وإذا تعلق بالحق ضاق ورق لعجزه بمكانها وفي السراج من الأغيار ما يضيق الديوان عنه ولا يبلغ لدكنه فكيف لو أخذنا في اعتبار الشمس في هذا المقام والقمر في حال نقص والتمام.
أو في كون من الأكوان لضاق الزمان من إبراز سرائره للعيان، فلكيف من ذلك ما ذكرناه، وليستدل بهذا على ما تركناه،
وهذا هو حظ الإنسان من اللؤلؤة العاشرة قد ذكرنا بعضه، وأجمل معناه لما قصر عنه لفظه واللّه يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم.
كتاب عنقاء مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
مرجانة اللؤلؤة الأولى
حظ الإنسان منها انسلاخه عن الحقيقة المجردة بمشاهدة حقيقة من كان أوجده نفى عن نفسه حين أحاط به نور شمسه في حضرة قدسه فحصل له الإحاطة بالعلم الكلى تقديرا، وبقي له تأثيرا الحكم تكويرا.
فصاحب هذا المقام لا يعجز عما يسأله عنه سائل وكيف يعجز من أحاط بالعلم الكامل وتحصل العلم عنده السؤال،
وهل الفرق بينه وبين المتعال كما أن الفرق بينه وبين عالم الذل والعز عدم الحصد والعجز وقد يسأل نفسه أو يرى فيعرف ما سكن في الليل والنهار أو تحرك في الورى، فهذا نعت من حصل في هذا الكشف الأجلى والمقام السنى الأعلى،
لا تخدع نفسك بنفسك، ولا تترك الغمائم على شمسك إلا أن استسقاك من جذبت أرضه، وتعطل عليه فرضه وهلك بعضه فأروه من مزنك حتى
يستصحبك فيعلم أن جميع مطالبه فيك فعند ذلك أرخى العنان واطلق سبيل العيان،
وقل المريح تزرؤها ذروا حتى تبدو الشمى للعيان، فإذا أحاط الإنسان بهذا الوصف وتحقق بهذا الكشف فليس وراءه عدم ولا وجود، ولا عابد ولا معبود،
إذ لا ورى ولا أرى إذ قد حصل الموجودين، وتحقق بالعدمين،
وفصل العدم الثالث فصلين، ولم يسبق له من العلم سوى حرف العين وانفردت المادة بالميم.
واللام بلطف القديم، فليس في ذلك المقام سوى علم مجرد وتحقيق قديم ومجدد .
«أي علوم لا تبتدأ وإنما هي قديمة من حيث تعلق الإرادة الإلهية بما انكشف في علمها القديم لكن إظهارها في الزمن المراد والمكان المراد حسب تخصيص مشيئته تبارك وتعالى اعتبرت علوما مجددة «أمور يبديها ولا يبتديها»».
مرجانة اللؤلؤة الثانية
كذلك بعض الخواطر الأول اللاحقة بالأزل لا تتصف لا بالوجود ولا بالعدم ولا تضمنها لوح ولا خطها قلم، ولا كانت مجملة في الدواة كالقمر في النواة لم تتصف بالأين ولا زلات تكر من العين إلى العين فمن هنا وقع الشبه والاشتراك بين هذه الخواطر وعيون الأملاك وذلك قبل خلق العرش وفتق الفرش، فقد صحت له المقابلة وعوينت المماثلة.
مرجانة اللؤلؤة الثالثة
كذلك إذا خلع الرجل نعليه وتجرد عن ثوبيه وزهد في كونيه حل هذه المحل الأسنى وكان منه بقلب قوسين أو أدنى، ورثا نبويا من دنى كل قوس على حسب واميها وعلى حسب اختلافها في مراميها، هذا هو مقام الاستواء وحضرة وتر الأنبياء فيه ترد عليه مخاطبات التأنيس،
وقواعد التأسيس بعين الاتحاد، من غير إلحاد، فتمايل ذاته في ذلك النور تمايل السراج من وارد السرور، والابتهاج،
فكأنه نشوان أخذ منه الراح فرام الارتياح، لم يجد السراج فسمع منه إليه فتواجد بعضه عليه، فكان عشاقا لنفسه تواقا لشمسه فطلعت عليه من فؤاده، وأشرقت أرض بلاده فتعم بعضه في بعض لما جادت سماؤه على أرضه .
«وللتوضيح يقول المحقق : «أن المقصود أن العبد الرباني إذا عاش مقام التفريد بفناءه عن الأشياء واستغراق حاله في اللّه تعالى يشئ الأشياء كانت ذاته عرش استواء التجلي الإلهى تتوافد عليه جميع أسرار العوارف بالحقائق»».
مرجانة اللؤلؤة الرابعة
كذلك إذا حصل الإنسان من ذاته في برزخ البرازخ مقام المجد الشامخ والعز البازخ فيه تكون ليلة قدره، وكمال بدره يميز فيه بين الأشياء، ويفصل بين الأموات والأحياء، ويطلع على أهل البلا والنعماء فيه يبرز على صحابته بالكتابين بالشمال واليمين،
وهؤلاء بأسمائهم وأنسابهم في عليين وهؤلاء كذلك في سجين، بعد ما يحصل له فيه التجلي العلى من حضرة المتعالى بهؤلاء للجنة ولا أبالي،
وهؤلاء للنار ولا أبالي، منه أنزل الفرقان،
وإليه أنزل القرآن، وفيه يعلق الميزان وتتطاير صحائف الشمائل والإيمان في هذا المقام تقوم قيامته، الخاصة بذاته، وتقع مسائل العدل في أسمائه وصفاته، فتنطق الجوارح لبعض العارفين، وتبدو الفضائح لأهل التلوين،
والمصالح لأهل التمكين فيه تبدل سيئاتهم حسنات وكراماتهم آيات فيه يحصل لهم بعد قيام قيامته، واستواء إقامته الوارث الإنبائى والمقام الاختصاصى، فنادى في ذلك الانباء الخاص، ألا فانزل إلى القصاص وعجل بالأوبه "وَلاتَ حِينَ مَناصٍ". «سورة «ص» آية 3» .
فمبادر ومتملك فمتملك من تملك ومن هذه الحضرة ينقلب الولي نبيا والنبي وليا، هي حضرة الخليفة والختم وحل الإفشاء والكتم، وإن رغم أنف المنكر، فإنه القائل المستكبر أخذ بقضاء اللّه، إلى أن حصل في «مضمار الانتباه» فينقلب عينه ويتصل بينه فيا حضرة فرق ويا مقعد صدق ما أعطاه بحق.
مرجانة اللؤلؤة الخامسة
كذلك إذا طلعت نجوم العلوم من سماوات الفهوم اقتقر إليه كل شئ ولم يفتقر هو إلى شئ وسبحت درارى صفاته في أفلاك ذواته على برج مقاماته ومنازل كراماته فخلق الأيام بدورتها، وتثبت الأحكام بكرتها، فسبعة سابح في سبعة كإقبال في ثمانية وعشرين ورجعة مقسمة على أثنى عشر محلا، لتصح أثنى عشر شهرا حراما ما وحلالا فليس إلا أربعة أعلام، أيام وجمع وشهور وأعوام،
فالأيام داخلة في الجمع والجمع والأيام روى أبو داود الطيالسي عن أبي إسحاق التميمي قال: سألت ابن عباس رضى اللّه تعالى عنهما عن قول اللّه تبارك وتعالىفَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍقال: ليس بحين نداء ولا نزو. . .
وقال علي بن أبى طلحة عن ابن عباس رضى اللّه عنهما: ليس بحين مغاث. . .
وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس:نادوا النداء حين لا ينفعهم وأنشد: «تذكر ليلى لات حين تذكر».
وقال محمد بن كعب في قوله تعالى: فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ يقول: نادوا بالتوحيد حين تولت الدنيا عنهم واستناصوا للتوبة حين تولت الدنيا عنهم.
وقال قتادة: لما رأوا العذاب أرادوا التوبة في غير حين النداء.
ولزيادة الإيضاح نقول استجاروا واستغاثوا حين لا تنفعهم استجارتهم واستغاثتهم فقد فات الأوان ولا ينفع الندم.
داخلة في الشهور والأيام والجمع والشهور داخلة في الأعوام، ثم يرجع الكور فيتوالى الدور فلدرارى جمعة تمام والمنازل شهر والبروج عام، فإن كان يومك الأحد، فإدريس جليسك فلا تلوى على أحد، وإن كان يومك الاثنين فآدم جليسك في برج النشأتين وإن كان يومك الاثنين والثلاثاء نهارون جليسك فالزم الاهتداء.
ويحيى أنيسك فالزم العفاف والاكتفاء، وإن كان يومك الأربعاء فعيسى جليسك فالزم الحياة القدسية والبيداؤ إن كان يومك الخميس فموسى جليسك فقد ارتفع التلبيس وكملت على كشف ولا أنيس وقد استبشر الملك وخنس إبليس وإن كان يومك العروبة .
«اسم من أسماء يوم الجمعة، والعروبة بالفتح ومعناها الحبيبة، والعروب من النساء المتحببة لزوجها ومنها قوله تعالىعُرُباً أَتْراباًأي الحور المتحببات لأصحابهن، وعرب جمع عروب.».
فيوسف جليسك صاحب الصفات المعشوقة المحبوبة وإن كان يومك السبت فإبراهيم جليسك فبادر بكرامة ضيفك قبل الفوت فهذه أيام العارفين، وهو لا دارارى أفلاك السائرين وأما شهودهم فأربع جمع فاستمع أيها السالك واتبع فكشف جمعتهم :
الأولى لوحيه،
والثانية قلمية
والثالثة يمنية
والرابعة علمية،
وعلمهم: اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ «سورة التوبة آية 36».
فعليك بالانتباه:
فمحرم التحريم والتبري، وصفر التجلي والتحري وربيع العرف، وربيع الكشف وجمادى الأولى، وجماد الآخر، ورجب المشهد الأشمخ وشعبان البرزخ، ورمضان الصمدانية،وسؤال عين الماهية، وذي القعدة البساط وذي الحجة الانبساط .
فهذه شهورهم وهذه دهورهم، فشمسهم حياتهم، وزهرتهم نظرهم، وكتابتهم كلامهم وقمرهم علمهم، والمقاتل قدرتهم، والمشترى إرادتهم وكيوان سمعهم فشمسهم روحهم، وقمرهم نفسهم، والخنس حواسهم.
وترحيلهم سيرهم في المقامات وتأثيرهم ما ظهر عنهم من الكرامات ورجوع دورانهم نزولهم إليا لبدايات، بعد النهايات لكن نشأة أخرى، في يوم طامة كبرى، فيمانية وشمالية في الترحيل، بالترقى بأسماء حق الخلق، وأسماء حق الحق، على التحريم والتحليل وكسوف يعترى، الكمل قد برى. وأدنى يكشف أعلا.
لغلب الشهادة على ما خفى، وزيادة في قمر النفس، ونقص وذلك لتعويج القوس فخروج من حضرة الحق ودخول ومحاق وأقوال ولا يكسف إلا التراب ويتوب اللّه على من تاب، ويكسف القمر الشمس في أوجها إذ دخل برجها، ولولا طلب الاختصار لأوضحنا هنا من الأسرار، ما فيه عبرة لأولى الأبصار فانظر على هذا الأنموذج، في نفسك واجتهد في ترحيل قمرك في شمسك، واللّه يهدى إلى الطريق الأقوم والسبيل الأقوم.
«تحذير وتنبيه:
يقول المحقق أيها المريد حتى تستفيد وتفيد إلى التثبت والفهم حتى لا تقع في خيالات الوهم والجموح في المغالاة والشطط وأسأل ربك الشرح حتى لا تقع في الشطح، فهذه علوم رجال أفذاذ، لهم عند ربهم ملاذ، اجتباهم وعلى عينه رباهم وجعلهم أوعية لعلومه وأسراره ومصابيح لإظهار جمال بوارق أنواره.».
مرجانة اللؤلؤة السادسة
كذلك إذا كان الإنسان في مقام المجاهدة وعدم القرار فعنصره النار فإن تلطفت ذاته بكشف الإيماء، وفنى عن تأثير الإرادات، وسلطان الهواء فعنصره الهواء فإن كان في مقام الحق بالأسماء بعد الأسرار، والنزول من السماء فعنصره الماء فإن صمت وهو متكلم وتبرأ من العلم وهو معلم وساوى بين الأقارب والأتراب . «الأتراب جمع ترب وهو الصاحب والقرين وأتراب معناها أصحاب.»
وعم بخطاب الهداية الأعداء والأحباب فعنصره التراب.
مرجانة اللؤلؤة السابعة
كذلك إذا علم الإنسان أن وجوده سراب إلى جانب وجود الوهاب يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً «سورة النور الآية 39».
فلولا نفحة الدعوى، ما تشبه بالماء، فإن ارتقى على كل هذا الشكل. فسرابه عبارة عن المثل.
وذلك إذا تجلى الحق إلى قلبه في مكنون غيبه، فسطعت أنواره عند التجلي، فنحيل الظفر به في ذلك التدلي فوجد الأين لحصره، والعين تبصره والكيف ينعته، والعقل في التشبيه يمقته، فيرجع بعد الغنا إلى العجز، ويعرف أنه خلف حجاب العز، يجد اللّه عنده، فيوفيه عهده، فتحقق رشده.
«يشير بذلك إلى الآية الشريفة «فوجد اللّه عنده فوفاه حسابه» والمقصود أن العبد الرباني إذا انزاحت عنه الحجب في حضرات التجلي شاهد المتجلى».
مرجانة اللؤلؤة الثامنة
كذلك من وسع الحق قلبه فقد استوى شهادته وغيبه، والتحمت يواقيته وانعدمت مواقيته، وكان الحق هنا الساري إلى عبده رحمة من عنده، وهذا الفرق بين النبي والولي والتهامي والنجدي، فإن النبي يسرى إلى الحق العلى والحق يسرى إلى الولي، إذ لا طاقة له على التسري لقوة امتزاجه بالورى وتثبته في الثرى، فمن غلبت عليه روحانيته واستولت عليه ربانيته سرى إليه سير النبي على البراق العلى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ «سورة فاطر آية 10».
والحق يفرقه ويجمعه فمن أراد بسط هذه المرجانة، ولؤلؤتها على الاستيفاد فليطالع من كتبنا كتاب الأسرار هنالك يعرف منزلته، ويكشف مرتبته.
مرجانة اللؤلؤة التاسعة
كذلك عالم الشهادة تمام العوالم ونكتة العالم هو مجتمع الأسرار ومطالع الأنوار، به يصح المجدولة يحصل الجد، فإن قال أنا سيد العالم فله أن يقول لأن العقل لا يصح له علم إلا بعد المغيب في هذا الجسد والأقول وإن قال أنا بشر مثلكم دون زيادة فلا إشتراك في العبادة والإنسان في نفسه نسختان، ولذلك له إذا صام له فرحتان .
«روى ابن ماجة في سننه كتاب الصيام : عن أبي هريرة رضى اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء اللّه، قال اللّه تعالى: وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ.
يقول اللّه تعالى في الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزى به ترك شهوته وطعامه من أجلى» رواه أبو هريرة رضى اللّه عنه.»،
فنسخة إحساسه تفرح بفطرها، ونسخة عقله تفرح بلقاء ربها، فكان الواحد مثالا والآخر له تمثالا،
وقد كان ملك الروح موجودا، وعالم الملك مفقودا،
ولكن يلاحظه في أطوار تنقله من الأصلاب إلى أو ان إنسلاخه منها والإنسلاب،
فمن انسلخ عن صلبه فقد فاز بلذة قربه ومن تقدم روحه على حسبه حاز حضرة قدسه
ومن دبر ملكه في عالم الغيب برأه عند وجوده من الغيب والريب
ومن كان آدمي الوضع محمدي السر فقد حصل المقامات على الاستيفاء وكلمه الجبار بوساطة الافتقار إلى النار في حق الأغيار
كذلك من مشى في حق غيره فقد باء بجميع خيره فإن مشى في حق الحق فهو في مقعد الصدق فتحقق ترشد .
«يقول المحقق: ولا يقطع هذه المقامات، مترقيا إلى أعلى الحضرات إلا من أهلك الأغيار وولى عن الإدبار في جمع لشتات حاله عن السوى، ومفارقته لحجاب الهوى وترك جميع الخلق، واصطلم مستغرقا في الحق فإن كان كذلك مدح هنالك وصار عبد حق في مقعد صدق. ».
مرجانة اللؤلؤة العاشرة
وإن كان العارف أمره متبوعا وكلاما مسموعا وحصل المشاهدة الغيبية وحاز المرتبة القطبية، وساقت إليه الأسرار، واطلع الأنوار من خلف الأستار، وكانت مادته كالشمس في مادتها وقبلت كل ذات على حسب حقيقتها، فإذا حصل في النور تغيير،
فذلك راجع إلى محل التكوير، فكما لا يساوى قبول الجسم الصقيل قبول الدرن للنور والفيض هو واحد كذلك منازل القلوب عنه فيض الشاهد فالقطب يرسل نوره، والكون منه ما يكشف حجابه ومنه ما يرخى ستوره، فالغيب من كون النفس أمر عين الشمس فالأمداد وترى والقبول وترى شععى.
فنور المعرفة كالسراج في الصفة فكما أن نور السراج ما قرب منه إلى الفتيل أظلم وعاه وما بعد منه وارتفع سطع وأنار كذلك نور المعرفة ما امتزج منه بعالم الشهادة قل ضؤءه وتراكم غمامه ونوءه،
فإن الحل كشيف ونور المعرفة لطيف وما تعلق منه بالعقل والروح أنار كذلك يوح وبقي على أصله من الجلاء لما انسلخ من العماء وكما أن القتيلة إذا كان في رأسها دخان مسامت لنور السراج لاصق به جرى نور السراج في أنبوب الدخان حتى يستقر برأس الفتبلة فبقد على بعد فما ظنك بنور المعرفة من بعد كذلك للعارف إذا احترق قلبه بالشوق وصعدت همته إلى فوق،
واتصلت بنور معرفة المعروف ردها إلى قلب العارف باسى معروف فعاش بها زمانا وأنا ربها أكوانا وكما أن السراج إذا طلعت الشمس لم يتغير ضوء نفسه كذلك نور المعرفة في المعارف إذا تجلى الحق للأعيان وأظهر قدسه أنار الوجود بتجليه،
وأنار العارف بذلك التجلي وزاد على الغير بما أودعه فيه، فهو بنورين، ويشهد الحق من الجانبين وكما أن نور السراج أبدا إلى جهة فوق كذلك نور المعرفة متعلق بالحق، فإن مر على السراج هواء تمايل تمايل النشوان فإن اشتد عليه الهواء عدم من العيان.
وكذلك نور معرفة العارف أن داخله تعلق بالأكوان، تمايل النشوان عن الشمائل والإيمان فإن تعلق بها تعشقا عدم من عين المشاهدة تحققا، وكما أن السراج يطفى منه الهوا بالحق ويبقى منه ثيرا ما لم يلحق كذلك نور المعرفة ليس يذهب ذهابا كليا ولكن يذهب منه ما تعلق بالخلق ويبقى منه ما تعلق بالحق وكما يفجأ النفخ للسراج بغتة فيطفيه كذلك الخطوة المستفرقة تطفئ نور المعرفة ولا يكلؤه.
فإن بقي منه دخان؛ فتلك الهمة، فسيعود إليه نوره وهو جالس وإن لم يبق له دخان فسيكون الفرانق الفارس، وكما أن السراج إذا لم يمده الدهن طغى كذلك نور المعرفة إذا لم يمده التقوى عدم.
وكما أن السراج إذا لم يتعلق بجسم لم بق له عين كذلك نور المعرفة مع الكون وكما إن نور السراج لا يكون ضوءه كاشفا إلا حيث الظلام، كذلك نور المعرفة في الأجسام، وكما أن السراج لا يستضئ به إلا من يليه.
كذلك نور معرفة العارف لا يستضئ به إلا من يصطفيه ويدنيه، وكما أن السراج لا يستضئ به من بعد
كذلك نور المعرفة لا يستضئ به من جحد، وكما إن السراج يكشفه البعيد والقريب كذلك نور المعرفة يشهد له البعيد في الأفعال والقريب، في وصفه العجيب وكما أن من حصل في ضوئه السراج لا يكشف ما بعد عنه وأعماه،
كذلك نور المعرفة من قرب منه لا يعرف سواه، وكما أن السراج يقدمنه أهل الأرض ولا ينقص ذاته، كذلك نور المعرفة إذا حققت صفاته وكما أن السراج ما اتصل منه بالفتيلة اتسع،
وما بعد عنها خرج مخروط الشكل وسطع كذلك نور المعرفة إذا تعلق بالأفعال اتسع باتساعها، وإذا تعلق بالحق ضاق ورق لعجزه بمكانها وفي السراج من الأغيار ما يضيق الديوان عنه ولا يبلغ لدكنه فكيف لو أخذنا في اعتبار الشمس في هذا المقام والقمر في حال نقص والتمام.
أو في كون من الأكوان لضاق الزمان من إبراز سرائره للعيان، فلكيف من ذلك ما ذكرناه، وليستدل بهذا على ما تركناه،
وهذا هو حظ الإنسان من اللؤلؤة العاشرة قد ذكرنا بعضه، وأجمل معناه لما قصر عنه لفظه واللّه يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم.
أمس في 09:30 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (1) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:12 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (2) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:10 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (3) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:06 من طرف Admin
» كتاب: تحفة المشتاق: أربعون حديثا في التزكية والأخلاق ـ محب الدين علي بن محمود بن تقي المصري
19/10/2024, 11:00 من طرف Admin
» كتاب: روح الأرواح ـ ابن الجوزي
19/10/2024, 10:51 من طرف Admin
» كتاب: هدية المهديين ـ العالم يوسف اخي چلبي
19/10/2024, 09:54 من طرف Admin
» كتاب: نخبة اللآلي لشرح بدء الأمالي ـ محمد بن سليمان الحلبي الريحاوي
19/10/2024, 09:50 من طرف Admin
» كتاب: الحديقة الندية شرح الطريقة المحمدية - عبد الغني النابلسي ـ ج1
19/10/2024, 09:18 من طرف Admin
» كتاب: البريقة شرح الطريقة ـ لمحمد الخادمي ـ ج2
19/10/2024, 08:56 من طرف Admin
» كتاب: البريقة شرح الطريقة ـ لمحمد الخادمي ـ ج1
19/10/2024, 08:55 من طرف Admin
» كتاب: شفاء الصدور الحرجة بشرح القصيدة المنفرجة ـ الشيخ حسنين محمد مخلوف
26/9/2024, 22:47 من طرف Admin
» كتاب: اللآلي السنية في مشروعية مولد خير البرية ـ العلامة عثمان بن الشيخ عمر بن الشيخ داود
26/9/2024, 22:37 من طرف Admin
» كتاب: بشائر الأخيار في مولد المختار صلى الله عليه وآله وسلم ـ السيد محمد ماضي أبو العزائم
26/9/2024, 22:35 من طرف Admin
» كتاب: البيان النبوي عن فضل الاحتفال بمولد النبي ـ الشيخ محمود بن أحمد الزين
26/9/2024, 21:58 من طرف Admin