المرجانة الأولى أحسن نظم وأبدع صنع وأحكم وصل .كتاب عنقاء مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
كتاب عنقاء مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
المرجانة الأولى:
للؤلؤة الأولى من هذا الفصل على أحسن نظم وأبدع صنع وأحكم وصل فأقول أن محمد صلى اللّه عليه وسلم لما أبدعه الحق سبحانه وتعالى حقيقة مثلية وجعله نشأة كلية حيث لا أين ولا بين .
وقال له أنا الملك وأنت الملك وأنا المدبر، وأنت الفلك وسأقيمك فيما يتكون عنك من مملكة عظما، وطامة كبرى، سايسا ومدبرا، وناهيك وآمرا تعطيها على ما قد أعطيتك وتكون فيهم كما أنا فيك، فليس سواك كما لست سواي فأنت صفاتى فيهم وأسمائي، فحد الحد وأنزل العهد، وسألك بعد التنزيل والتدبير عن النقير والقطمير.
«القطمير: الفوقة التي في النواة وهي القشرة الرقيقة وقيل هي النكتة البيضاء التي في ظهر النواة تنبت منها النخلة.» .
لهذا الخطاب عرقا حيا، فكان ذلك العرق الظاهر ماء، وهو الماء الذي نبابه الحق تعالى في صحيح الأنباء فقال سبحانه وكان عرشه على الماء، وهو منتهى الخلا إلا ما كان هنالك من زعزع مستطر، حامل لهواء مستقر، ليس وراء ولا يكون فيه خلاء أو ملاء.
لؤلؤة نشأت الملأ الأعلى
ثم انبجست منه صلى اللّه عليه وسلم عيون الأرواح، فظهر الملأ الأعلى وهو بالنظر الأجلى فكان لهم المورد الأجل فكان صلى اللّه عليه وسلم الجنس العالي إلى جميع الأجناس والأب الأكبر إلى جميع الموجودات والناس، وإن تأخرت طينته فقد عرفت قيمته.
فلما وقع الاشتراك مع الأملاك في عدم الأين، حتى كأنهم في العين أراد صلى اللّه عليه وسلم التفرد بالعين وتحصيل الملأ الأعلى في الأين.
لؤلؤة نشأ العرش
منه قلما علم الحق سبحانه وتعالى إرادته، وأجرى في إمضائها عادته نظر إلى ما أوجد في قلبه من مكنون الأنوار رفع عنها ما اكتنفها من الأستار، فتجلى له من جهة القلب والعين، حتى تكاثف النور من الجهتين فخلق سبحانه وتعالى من ذلك النور المنفهق عنه صلى اللّه عليه وسلم العرش وجعله مستواه وجعل الملأ الأعلى وغيره مما ذكره ما احتواه لكنهم منه صلى اللّه عليه وسلم بالموضع الأدنى ومن مستواه بالتجلي الأسنى فحصلوا في نيته الحصر، وتمكنوا من قبضته الأسر وانفرد صلى اللّه عليه وسلم في مستواه بمن اجتباه ومن اصطفاه، وصيره الحق تعالى خزانة سره وموضع نفوذ أمره، فهو المعبر عنه يكن لما لم يكن فلا ينفذ أمر إلا منه، ولا ينقل خبر إلا عنه، وهو حجاب تجليه وصياغة وصياغة تجليه، وترقى تدانيه وتلقى تدليه.
«سبحان من تعالى في دنوه وتدانى في علوه».
لؤلؤة نشأة الكرسي منه
ثم نظر صالبا أين يضع قميه وأين موضع نعليه فانبعث من تلك الطرقة أشعة في الخلاء استدارت أنوارها كاستدارة المرأة لطيفة الكيف فارغة الجوف، معلومة المنازل عند السالك والراحل، فجعل ذلك الكور
وأنشأ ذلك الدور كرسيا لقدميه وحضرة لنفوذ ما يصدر من الأمر بين يديه، فيخرج الأمر منه متجه العين حتى إذا وصل الكرسي انقسم قسمين إذ كان المخاطب من ذلك الموضع إلى أقصى الأسفل موجود بين اثنين،
وإن كان واحدا فمن جهة أخرى وعلى ذلك الواحد، تتابع الرسل تترى، فإن المخاطب بجميع الأشياء إنما هو الإنسان ليس ملك ولا جان فإن الملك والجان جزء منه، وأنموذج خرج عنه فله بعض الخطاب والإنسان كلى الكتاب المنبه عليه
بقوله تعالى: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ «سورة الأنعام الآية 38»
ثم عم بقولهثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ «سورة الرعد الآية 39»
كما نبه على الحقيقة المحمدية التي هي أصل الإنشاء وأول الابتداء فهو الأصل والأم والعالم فروعه فقال: وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ «3».
فنحن الكتاب الأجلى وهو الأم الأعلى فالإنسان الكتاب الجامع، والليل المظلم والنهار المشرق الساطع فمن علو مرتبته. وسمو منزلته، وإنه واحد بالنظر إلى معناه. وأثناك بالنظر إلى حاله وثلاثة بالنظر إلى عالمه وأربعة بالنظر إلى قواعده.
وخمسة بالنظر إلى مملكته.
وستة بالنظر إلى جهاته، وسبعة بالنظر إلى صفاته، وثمانية بالنظر إلى نسخته، وتسعة بالنظر إلى مراتبه.
وعشرة بالنظر إلى إحاطته وأحد عشر بالنظر إلى ولايته وهو روح القدس فإن أمده هذا الروح من غير كشف ملكي وهو تابع لغيره فهو صديق. وهي المنزلة الحادية عشرة في الإنسان .
وإن أمده على الكشف المكي وهو أيضا تابع أو لا تابع ولا متبوع فهو نبي وهي المنزلة الثانية عشرة في الإنسان وإن أمده على الكشف الملكي وهو أيضا تابع أو لا تابع ولا متبوع فهو نبي وهي المنزلة الثانية لبشر في الإنسان وإن أمده على الكشف الملكي وهو تابع لا نابغ فهو الرسول وتلك الرسالة وهي المنزلة الثانية عشر في الإنسان بتمام وجود الإنسان وجرد الإنسان وتم الوجود.
وتم الوجود في العشرة.
ثم جاء الحادي عشر نظير لأول إذ تأملت ومنعطف عليه ونظير الثانية عشر والثالث عشر نظير الثاني والثالث من البسائط وتبين ذلك في الوسائط فاعتكفت ملائكة التقيد على قدميه لاحظه ولما يصدر عنه من المعلوم فيها حافظة فإن قيل هذا الكرسي الأحلى فأين اللوح المحفوظ والقلم الأعلم وأين الدواة واليمين.
وكيفية كتاب التعيين.
فنقول تركنا تعيين ما ذكرته موقوفا على نفسك حتى تطلع على ذلك ببصرك الرباني حتى صحت وصلتك باللّه عند شروق شمسك وقد نبهنا عليها في هذا الكتاب بالتضمين لا بالتعيين فاشحذ فؤادك وقوى اجتهادك عسى اللّه أن يفتح لك بابا من عنده عند مواظبتك على الوفاء بعهده والتصديق بوعيده ووعده.
لؤلؤة الأفلاك
وهي أرواح السماوات نشأ السبع الطباق الطرائق والكواكب منه فلما كمل هذا الكرسي واستقر فيه الملأ الأمرى أحال أنوار السبعة الأعلام
فكان عنها السبع الطرائق متماسة الإجرام جعلها سقفا مرفوعا لمهاد سيكون إذا توجه عليه الأمر بقوله تعالى: «كُنْ فَيَكُونُ» .
وكواكبها منتهى الأشعة في الخلاء على الاستيفاء فسقطت الأنوار، وتجارت وانتشأت الأفلاك، واستدارت وهي منتهى الأشعة، وبقي منتهى الأشعة على أصله نيرا في محله فالأفلاك اتصال أنوار أشعة الأنوار الحقيقية المحمدية والمقامات الأحدية ويرجع صغر حجم الكواكب وكبرها المسام ذاته المشرقة، وينابيعه المنفهقة،
وعليه دور الأفلاك الإحاطة، التي اتصفت بها الوساطة وتحريكها بالتماس مشروط على عقد مربوط واختصت كواكب المنازل بالكرسى الكريم لما كان المقام الذي يفرق فيه كل أمر حكيم،
فتنبه يا غافل وتدبر يا عاقل لهذا النشأ المصون والكتاب المكنون الذي لا يمسه إلا المطهرون، ولما استدارت هذه الأفلاك متجوفة،
واستقرت بساحاتها عوالم الأملاك متخوفة وكملت البنية في النشأة العلوية،
واستمرت الجرية وطلب التأثير يأتيه فلم يجد، فيرجع فقيرا إلى حجاب الأحدية فجئ عند قدميها راغبا ولمملكته منها طالبا وضجت ملائكة السماء وما بقي هنا لك من الأسماء إلا وجود الأرض والماء والنار والهواء.
لؤلؤة نشأ العناصر الأول منه
فنظر صلى اللّه عليه وسلم ذاته بعين الاستقصاء، إذ قد أنشأه الحق محل الإحصاء ثم نظر ما وجد منه فوجد الملأ الأعلى والعالم الأدنى وفقد العالم الأوسط والأقصى فأخذ يدبر في إيجاد أصول الكون الأسفل، والنور الأنزل،
إذ لا بد لكل علو من سفل ولكل طيب من تفل فقبض عليه الحق سبحانه عند هذه النظرة، ومرور هذه الخطوة وقبض الجلالة والهيبة ليخرج ما بقي من الأشعة في تلك الغيبة فعندما اشتد عليه الأمر وقوى عليه القهر،
وظهر عليه العدل والأمر، ورشح لتلك النقطة فكان ذلك الرشح ما ثم نفس عنه سيرا فتنفس فكان ذلك النفس هواء،
ثم أوقفه على سر الجهة التي قبضة منها فلاح له ميزان العدل قائما على نصف ذاته فزفر زفرة له،
فكانت تلك الزفرة نارا، فسد عنه في ميزان العدل بحجاب الفضل، فوجد برد الرحمة، فيبس ما بقي من الرشح بعد نظره فكان ذلك اليبس والبرد أرضا قدارا، ثم ناداه من حضرة العين يا محمد هذه أصول الكون، فصيرها إليك ثم امزج بعضها ببعض فيكون منه عالم الهواء والأرض والجامع لهؤلاء العوامل الإنسان هو الذي أشار إليه العارف بقوله لا أبدع من هذا العالم في الإمكان،
فتكون الخلاف والمثل، فظهرت الصورة والشكل وكل خلق بالإضافة إلى ما خلق منه يسير، وإلى ما كون منه بعد الخلاء له يصير وستعلم أن فقه القديم في قوله تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ . ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ «سورة التين آية 4»
إلى ما خلق من الطين إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ «سورة التين آية 5»
فعرف من أين جاء وزال الظل ثم أفافَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ «سورة التين آية 6»
مشاهدة تمكين فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ «سورة التين آية 7»
عن مكاشفة التعيين أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ «سورة التين آية 8»
بين المتنازعين من أهل البرازخ بين الشمائل واليمين فصن هذه الدرر وتكتم بها واستتر، فلا يعرف ذلك إلا من طعم وشرب من مائدة الحق. فعاين الصدق. وتريح عنه أثواب الرق.
لؤلؤة الدخان الذي فتقت فيه في السماوات العلى
ولما خلق اللّه هذه العناصر الأول، على الخلق الذي قدره في الأزل، جعلها سبعا طباقا، وأسكنها أقواتا وأرزاقا، كما أسكن الطباق العلى معارف وأخلاقا، فتماست طباق الأرض، وحك بعضهما في بعض، فتولد بينهما لهب، ذو سبع شعب كل شعبة من جنس أرضها، ولذلك تميز بعضها من بعضها فعلى من كل لهيب دخان مختلط، ففتق ذلك الماء والهوى والنار.
ومازج أفلاك الداررى والأنوار مرتوق الشعب منزوع اللهب، ففرقته الأفلاك والنيران بحقائقها فكان فتقا؛ وصعد هيولانيا فصيره الحق عند هذه الأسباب صورا وخلقا فأداره سبع طريق وجعل الأفلاك أروحا لهن وحقائق فقال تعالى: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ «1»
وقال فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ «سورة فصلت آية 11، 12» ، في يومين بعد ما خلق الأرض وقدر فيها القوت في أربعة أيام وذلك لكثافة الأجرام فإنها أربعة عناصر مختلفة الأواصر، ولما كان الدخان من نار السبع الطباق الترابية،
فكانت مختلفة في اللونية، كذلك جاءت الطباق السماوية مختلفة في اللونية، فزرقه وصفرة وحمرة وبياض، وخضرة كل سماء من جنس أرضها إذ هي من بعضها، وكذلك لما كان أصل السماوات أرضيا عنصريا، زالت بزوالها في الآخرة، وبقيت الأفلاك العلوية في أوجها دائرة من غير جرم محسوس ولا جسم ملموس، وكذلك لا تظهر فيها النجوم فإن الفلك يبرز بذاته على العموم.
إذ النجم عبارة عما ظهر من الفلك.
فتأمل يا أخي هذا الخبر الذي شملك، فالأفلاك باقية بقاء الجنان.
والإنسان والسماوات باقية ببقاء الأرض والحدثان، فتأمل لولا الحقائق المرتبطة والأفلاك الروحانية المتوسطة،
ما بدلت الأرض غير الأرض، وصارت در مكة بيضاء تحت قدم الخفض فظهور الأفلاك النيرات.
عبارة عن تبدل السماوات فتأمل هذه الإشارات، وابحث عما تضمنته هذه العبارات.
فلا يعرف السر إلا من غمس في بحر البر.
لؤلؤة نشأ منها أمثال رؤية الحق في عالم الخلق
وتجلى الحق سبحانه وتعالى للناطق من الحيوان كتجلى السراب للظمآن، وليس في الكون كله شئ يشبه تجلى الحق إلى قلوب العابد من سماء المعرفة سوى هذه الصفة، ألا ترى التجلي لا يكون إلا (من أعلى إلى أدنى) وجعل القيعان دون الجبال مجلا للشراب الأسنى فانظرها حكمة ما أجلاها وقطرة مزن ما أعذبها وأحلاها، ثم حجب حقيقة هذا السراب نصبة تشبيها بعمل أهل الكفر.
ثم نبه أهل الإشارة على عظمته عنده في آخر الأمر.
فقال حين أنزل عهده، وخاطب عبده: حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ «سورة النور آية 39»
فستره أو لا بعمل الكفر وبتوفية الحساب بعده، إذ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ «سورة الشورى آية 11»
ولا يدرك وصفه وهو اللطيف الخبير فارفع هذه الطنب، واخترق هذه الحجب تبصر العجب العجاب، واشكر القشر الذي صان هذا الباب، فالسر غال، والأمر عال،
والمعرفة ملزمة فقف عند حد الأدب واترك الطلب وقل: «سبحان اللّه وسع كل شئ رحمة وعلما» وهنا يقول المحقق لهذا الكتاب:
«السر لا يستبين العقل حكمته ..... إلا بنور من العرفان رباني
فارقب بقلبك ما تخفيه حكمته ..... واستمطر الخير من ذياكم الجاني»
لؤلؤة التحام اليواقيت وانتظام المواقيت
ولما تمهدت الخليقة وامتدت الدقيقة. إلى الحقيقة، وتجسد في أول النشأ الترابى الشخص الجسماني الإنسانى الآدمي المخلوق بيد لتنزيه والمكسو حلة التشريف والتنويه ويردد الجسد طورا بعد طور، وكورا بعد كور،
في قوالب يكثر عددها ويكبر أمدها، حتى كانت تلك الأطوار في تلك الأدوار نشأة متحدة. وهيئة فردية متجسدة فلما كملت بنيتها، وتخلصت تصفيتها، تفخ فيه الشخص الروحاني. والكلمة الإلهية، والأمر الرباني، فقامت النشأة على ساقها تعتمد ويأمرها تستند.
وتوارى الدور بالنشأة، على أصل البدء.
إلى أن سلخ ذلك النهار من ليل أرضه، والتحق بعنصره الأعلى واختلط بعض ببعض وبقي في أوجه الأعلى رقيبا، وعلى تعاقب الأدوار حسيبا، ولتبصرنه على التعيين، في مقام التمكين ولتعلن نبأه بعد حين وهو إذ ذاك أحكم الحاكمين فلما ارتفع كما ذكرناه،
في الرد الذي به سترناه تحققت المهلكة بالفساد، وعم الهلاك جميع البلاد والعباد، إلى أن حلت الشمس في حملها ثبت شرفها وجذلها وسطع النور وتنزل الأمر فلم يبق أحدا أعلا إلا صعق لذلك التجلي ولا بقي رفرف أسنى إلا كان تجلى لذلك التدلي فتنزل نور «ليس كمثله شئ» في أنبوب ماله في مكتنفا بأردية الصون حتى وصل إلى عالم الكون، فحل الدري المشرق في برجه،
وحصل الرقم المودع في درجه، فكان ياقوتة حمراء، تجوفت لها ياقوتة صفراء، فأودعها سبحانه فيها.
وختم عليها بخاتم: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها «سورة طه آية 15».
فلما التحقت الحقيقتان والتفت الرفيقتان زهرت الأفلاك واعتصمت الأملاك، وظهرت الرجوم، لمن أراد الهجوم، وتنزل الروح الحق، والكلم الصدق، ثم اختلت الياقوتتان في الظلمات لتعاين الصغرا منهما.
ما غاب عنها من الآيات، فعندما اجتمعت الصغرا بأختها كانت لها بيتا، ثم ارتقت إلى من كانت له بيتا، فأكرمت إلا موالها وحمدت مسوالها فتطلعت الحمراء من خلف حجاب الكتم، فإذا هي بنور الختم فخاطبه بلسان الاستنباء أنا خاتم الأولياء ومقدم جماعة الأصفياء، أنا مكنون حكمتك.
وخاتم أمتك فقالت: له هل لك في أن تكون معي وزيرا صديقا.
فقال قد استخلفت عتيقا وشال رداءه فإذا بالصديق إذاءه وشمس الغرب ورائه ثم فارقه وقد شاقه، فلما عدمت الأغيار وتقطعت الأنوار والتصقت الرقيقة المثلية بالحقيقة الكلية في أنبوب الزمردة الطينية، شمع صوت وزيره، وصاب سره وتدبيرة الذي استخلفه خاتم أوليائه، في الجرى على إنجائه، ثم كانت أمور في هذا التجلي، لا يسع الوقت إلى إنشائها، ولا يعطى الحال أيضا إذاعة أنبائها،
فإن القصد في هذا الكتاب إنما هو معرفة الخليفة والختم وتنزل الأمر الحتم فنقول فرجع عوده على بدئه في ليله وأدرك صلاة الصبح مع أهله فنسود ذلك الجسد على أمثاله ممن تقدم أو تأخر من أشكاله.
لما كانت مادة الحقيقة الأصلية والنشأة البدائية إليه اسمه من ذاتها وإلى غيره من صفاتها.
لؤلؤة اعتراض لمن أصاب الصيد بالمعراض
ولما كان هذا النشأ الحمدى بهذه المنزلة العلية، وكان الأصل الجامع لجميع البرية، وصح له المجد الذي لا ينبغي لغيره. وأقامه الحق سبحانه وتعالى صورة نفعة وضيره عدلا وفضلا. وجمعا وفصلا.
وأراد الحق أن يتم مكرمته حسا، كما أتمها نفسا، فأنشأ لها في عالم الحس صورة مجسمة بعد القضاء الدورة التي تعطف آخرها على أولها. وكانت في أوسطها مكلمة وسمى سبحانه وتعالى ذلك الجسم المكرم المطهر محمدا وجعله إماما للناس كافة، وللعالم سيدا.
ونطق على ظاهر ذلك الجسد لسان الأمر فقال: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر»
ثم نزل لهم تعليما فاغتفر وردد فيهم البصر والنظر وقال : "إِنَّما أَنَا بَشَرٌ ".
وذلك لما كنا له مثاله، وكان لنا تمثالا، فطورا تقدس وطورا تجنس فهو السابق ونحن اللاحقون وهو الصادق ونحن المصدقون ولما كانت أيضا صورته الجسدية جسما لمقام الأنباء لا لصورة الإنشاء، كما كان بدأ الوجود الكون وظهر العين فكانت دورة فلكة دورة ملك والدورة المتقدمة المذكورة، درة ملك، لعلك تقول كيف يتأخر وجود الملك عن وجود المملكة وهي قد حصلت في ميدان الهلكة.
قال: من كان في ذلك الوقت استنادها وعلى من قام أمرها وعمادها فها أنا أشفى الغليل وأوضح السبيل، وأعرفك بامتداد الرقائق وتناسب الحقائق «والمحقق هنا يقول للإيضاح أظهر المملكة الوجودية سبحانه وتعالى أو لا إظهار بروز وأخفى الملك رغم بروزه الأولى حتى يتم أمر رعايته لمملكته فليس ثم ملك من غير مملكة فافهم ترشد وأبصر تزدد.».
لؤلؤة امتداد الرقائق من الحقيقة المحمدية إلى جميع الحقائق
ولما أوجد الحق سبحانه كما قدمنا الأفلاك سقفا مرفوعا لأهل السفل ونصب الأرض مهادا موضوعا لحثالة الثقل وانتشرت عنه صلى اللّه عليه وسلم من مستواه في الملأ الأعلى حقائقه،
وتكونت من أنوار أشعة نوره طرائقه واتصلت بعالم الأرض الموضوع رقائقه، وظهرت فيهم شمائله صلى اللّه عليه وسلم وحقائقه، لكل حقيقة شرب معلوم ومع كل رقيقه رزق مقسوم ولحظنا تفاضل الرقائق .
«والمراد من الحقائق ما تتنزل بها الملائكة مشافهة بالخطاب المنطوق، ومنها ما هو بإلهام عن طريق الكشف.» .
«فوجدناها راجعة إلى تفاوت الخلائق في الخلائق، فكشفنا من مقام المشاهدة والتعيين، على رقائق الأنبياء والمرسلين فرأيناها تنزل عليهم صلوات اللّه عليهم على قسمين منها ما ينزل بها ملائكة القدمين، ومنها ما ينزل عليهم من مستواه مكاشفة عين» .
ورأينا مشاركة أتباعهم لهم في هاتين التنزيلتين، ولكن بواسطتهم، لا بالعين، إلا هذه الأمة التي قيل فيها إنها خير أمة أخرجت للناس فإنها تأخذ عنه من غير واسطة ولا التباس.
كما أخذ عنه من تقدم من رسول مرسل أو نبي منزل، غير أن تنزل الملك قد يفاجئهم وقتا ما كما يعمهم بالإلقاء في الأجل المسمى، وأما من خلق جاحدا، وطبع ملحدا، فإن النور المحمدي لما ضرب في الأرض شعاعة، وحميت قيعانه وبقاعه تولدت بينهما حرارة وتجسدت بالنبات فتكون منها شرارة، ففتق في تلك الشرارة الجن على قسمين، رفع وخفض لما كانت تلك الحرارة نتاجا بين النور والأرض،
ولذلك قال تعالى: "وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ" .«سورة الرحمن آية 15».
إشارة إلى اختلاط الأرض بالأنوار، فمن غلب عليه النور في ذلك النتاج كان من الجن اللاحق بالبوار فتنزل الرقائق على من طبع كافرا في أنابيب ذلك النار الشيطاني.
وإن كان أصله من النور السلطاني وأما العصاة فتنزل رقائقهم بواسطة ما قدمناه من الحرارة لا بواسطة الشرارة.
فكانت رقيقته صلى اللّه عليه وسلم في دورة الملك المالك إلى هلم جرى إلى الأبد أصلا لجميع الحقائق فهو الممد صلى اللّه عليه وسلم فجميع العوالم من أول منشأة إلى أبد لا يتناهى مادة شريفة مكملة لا تضاهى.
كتاب عنقاء مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
المرجانة الأولى:
للؤلؤة الأولى من هذا الفصل على أحسن نظم وأبدع صنع وأحكم وصل فأقول أن محمد صلى اللّه عليه وسلم لما أبدعه الحق سبحانه وتعالى حقيقة مثلية وجعله نشأة كلية حيث لا أين ولا بين .
وقال له أنا الملك وأنت الملك وأنا المدبر، وأنت الفلك وسأقيمك فيما يتكون عنك من مملكة عظما، وطامة كبرى، سايسا ومدبرا، وناهيك وآمرا تعطيها على ما قد أعطيتك وتكون فيهم كما أنا فيك، فليس سواك كما لست سواي فأنت صفاتى فيهم وأسمائي، فحد الحد وأنزل العهد، وسألك بعد التنزيل والتدبير عن النقير والقطمير.
«القطمير: الفوقة التي في النواة وهي القشرة الرقيقة وقيل هي النكتة البيضاء التي في ظهر النواة تنبت منها النخلة.» .
لهذا الخطاب عرقا حيا، فكان ذلك العرق الظاهر ماء، وهو الماء الذي نبابه الحق تعالى في صحيح الأنباء فقال سبحانه وكان عرشه على الماء، وهو منتهى الخلا إلا ما كان هنالك من زعزع مستطر، حامل لهواء مستقر، ليس وراء ولا يكون فيه خلاء أو ملاء.
لؤلؤة نشأت الملأ الأعلى
ثم انبجست منه صلى اللّه عليه وسلم عيون الأرواح، فظهر الملأ الأعلى وهو بالنظر الأجلى فكان لهم المورد الأجل فكان صلى اللّه عليه وسلم الجنس العالي إلى جميع الأجناس والأب الأكبر إلى جميع الموجودات والناس، وإن تأخرت طينته فقد عرفت قيمته.
فلما وقع الاشتراك مع الأملاك في عدم الأين، حتى كأنهم في العين أراد صلى اللّه عليه وسلم التفرد بالعين وتحصيل الملأ الأعلى في الأين.
لؤلؤة نشأ العرش
منه قلما علم الحق سبحانه وتعالى إرادته، وأجرى في إمضائها عادته نظر إلى ما أوجد في قلبه من مكنون الأنوار رفع عنها ما اكتنفها من الأستار، فتجلى له من جهة القلب والعين، حتى تكاثف النور من الجهتين فخلق سبحانه وتعالى من ذلك النور المنفهق عنه صلى اللّه عليه وسلم العرش وجعله مستواه وجعل الملأ الأعلى وغيره مما ذكره ما احتواه لكنهم منه صلى اللّه عليه وسلم بالموضع الأدنى ومن مستواه بالتجلي الأسنى فحصلوا في نيته الحصر، وتمكنوا من قبضته الأسر وانفرد صلى اللّه عليه وسلم في مستواه بمن اجتباه ومن اصطفاه، وصيره الحق تعالى خزانة سره وموضع نفوذ أمره، فهو المعبر عنه يكن لما لم يكن فلا ينفذ أمر إلا منه، ولا ينقل خبر إلا عنه، وهو حجاب تجليه وصياغة وصياغة تجليه، وترقى تدانيه وتلقى تدليه.
«سبحان من تعالى في دنوه وتدانى في علوه».
لؤلؤة نشأة الكرسي منه
ثم نظر صالبا أين يضع قميه وأين موضع نعليه فانبعث من تلك الطرقة أشعة في الخلاء استدارت أنوارها كاستدارة المرأة لطيفة الكيف فارغة الجوف، معلومة المنازل عند السالك والراحل، فجعل ذلك الكور
وأنشأ ذلك الدور كرسيا لقدميه وحضرة لنفوذ ما يصدر من الأمر بين يديه، فيخرج الأمر منه متجه العين حتى إذا وصل الكرسي انقسم قسمين إذ كان المخاطب من ذلك الموضع إلى أقصى الأسفل موجود بين اثنين،
وإن كان واحدا فمن جهة أخرى وعلى ذلك الواحد، تتابع الرسل تترى، فإن المخاطب بجميع الأشياء إنما هو الإنسان ليس ملك ولا جان فإن الملك والجان جزء منه، وأنموذج خرج عنه فله بعض الخطاب والإنسان كلى الكتاب المنبه عليه
بقوله تعالى: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ «سورة الأنعام الآية 38»
ثم عم بقولهثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ «سورة الرعد الآية 39»
كما نبه على الحقيقة المحمدية التي هي أصل الإنشاء وأول الابتداء فهو الأصل والأم والعالم فروعه فقال: وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ «3».
فنحن الكتاب الأجلى وهو الأم الأعلى فالإنسان الكتاب الجامع، والليل المظلم والنهار المشرق الساطع فمن علو مرتبته. وسمو منزلته، وإنه واحد بالنظر إلى معناه. وأثناك بالنظر إلى حاله وثلاثة بالنظر إلى عالمه وأربعة بالنظر إلى قواعده.
وخمسة بالنظر إلى مملكته.
وستة بالنظر إلى جهاته، وسبعة بالنظر إلى صفاته، وثمانية بالنظر إلى نسخته، وتسعة بالنظر إلى مراتبه.
وعشرة بالنظر إلى إحاطته وأحد عشر بالنظر إلى ولايته وهو روح القدس فإن أمده هذا الروح من غير كشف ملكي وهو تابع لغيره فهو صديق. وهي المنزلة الحادية عشرة في الإنسان .
وإن أمده على الكشف المكي وهو أيضا تابع أو لا تابع ولا متبوع فهو نبي وهي المنزلة الثانية عشرة في الإنسان وإن أمده على الكشف الملكي وهو أيضا تابع أو لا تابع ولا متبوع فهو نبي وهي المنزلة الثانية لبشر في الإنسان وإن أمده على الكشف الملكي وهو تابع لا نابغ فهو الرسول وتلك الرسالة وهي المنزلة الثانية عشر في الإنسان بتمام وجود الإنسان وجرد الإنسان وتم الوجود.
وتم الوجود في العشرة.
ثم جاء الحادي عشر نظير لأول إذ تأملت ومنعطف عليه ونظير الثانية عشر والثالث عشر نظير الثاني والثالث من البسائط وتبين ذلك في الوسائط فاعتكفت ملائكة التقيد على قدميه لاحظه ولما يصدر عنه من المعلوم فيها حافظة فإن قيل هذا الكرسي الأحلى فأين اللوح المحفوظ والقلم الأعلم وأين الدواة واليمين.
وكيفية كتاب التعيين.
فنقول تركنا تعيين ما ذكرته موقوفا على نفسك حتى تطلع على ذلك ببصرك الرباني حتى صحت وصلتك باللّه عند شروق شمسك وقد نبهنا عليها في هذا الكتاب بالتضمين لا بالتعيين فاشحذ فؤادك وقوى اجتهادك عسى اللّه أن يفتح لك بابا من عنده عند مواظبتك على الوفاء بعهده والتصديق بوعيده ووعده.
لؤلؤة الأفلاك
وهي أرواح السماوات نشأ السبع الطباق الطرائق والكواكب منه فلما كمل هذا الكرسي واستقر فيه الملأ الأمرى أحال أنوار السبعة الأعلام
فكان عنها السبع الطرائق متماسة الإجرام جعلها سقفا مرفوعا لمهاد سيكون إذا توجه عليه الأمر بقوله تعالى: «كُنْ فَيَكُونُ» .
وكواكبها منتهى الأشعة في الخلاء على الاستيفاء فسقطت الأنوار، وتجارت وانتشأت الأفلاك، واستدارت وهي منتهى الأشعة، وبقي منتهى الأشعة على أصله نيرا في محله فالأفلاك اتصال أنوار أشعة الأنوار الحقيقية المحمدية والمقامات الأحدية ويرجع صغر حجم الكواكب وكبرها المسام ذاته المشرقة، وينابيعه المنفهقة،
وعليه دور الأفلاك الإحاطة، التي اتصفت بها الوساطة وتحريكها بالتماس مشروط على عقد مربوط واختصت كواكب المنازل بالكرسى الكريم لما كان المقام الذي يفرق فيه كل أمر حكيم،
فتنبه يا غافل وتدبر يا عاقل لهذا النشأ المصون والكتاب المكنون الذي لا يمسه إلا المطهرون، ولما استدارت هذه الأفلاك متجوفة،
واستقرت بساحاتها عوالم الأملاك متخوفة وكملت البنية في النشأة العلوية،
واستمرت الجرية وطلب التأثير يأتيه فلم يجد، فيرجع فقيرا إلى حجاب الأحدية فجئ عند قدميها راغبا ولمملكته منها طالبا وضجت ملائكة السماء وما بقي هنا لك من الأسماء إلا وجود الأرض والماء والنار والهواء.
لؤلؤة نشأ العناصر الأول منه
فنظر صلى اللّه عليه وسلم ذاته بعين الاستقصاء، إذ قد أنشأه الحق محل الإحصاء ثم نظر ما وجد منه فوجد الملأ الأعلى والعالم الأدنى وفقد العالم الأوسط والأقصى فأخذ يدبر في إيجاد أصول الكون الأسفل، والنور الأنزل،
إذ لا بد لكل علو من سفل ولكل طيب من تفل فقبض عليه الحق سبحانه عند هذه النظرة، ومرور هذه الخطوة وقبض الجلالة والهيبة ليخرج ما بقي من الأشعة في تلك الغيبة فعندما اشتد عليه الأمر وقوى عليه القهر،
وظهر عليه العدل والأمر، ورشح لتلك النقطة فكان ذلك الرشح ما ثم نفس عنه سيرا فتنفس فكان ذلك النفس هواء،
ثم أوقفه على سر الجهة التي قبضة منها فلاح له ميزان العدل قائما على نصف ذاته فزفر زفرة له،
فكانت تلك الزفرة نارا، فسد عنه في ميزان العدل بحجاب الفضل، فوجد برد الرحمة، فيبس ما بقي من الرشح بعد نظره فكان ذلك اليبس والبرد أرضا قدارا، ثم ناداه من حضرة العين يا محمد هذه أصول الكون، فصيرها إليك ثم امزج بعضها ببعض فيكون منه عالم الهواء والأرض والجامع لهؤلاء العوامل الإنسان هو الذي أشار إليه العارف بقوله لا أبدع من هذا العالم في الإمكان،
فتكون الخلاف والمثل، فظهرت الصورة والشكل وكل خلق بالإضافة إلى ما خلق منه يسير، وإلى ما كون منه بعد الخلاء له يصير وستعلم أن فقه القديم في قوله تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ . ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ «سورة التين آية 4»
إلى ما خلق من الطين إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ «سورة التين آية 5»
فعرف من أين جاء وزال الظل ثم أفافَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ «سورة التين آية 6»
مشاهدة تمكين فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ «سورة التين آية 7»
عن مكاشفة التعيين أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ «سورة التين آية 8»
بين المتنازعين من أهل البرازخ بين الشمائل واليمين فصن هذه الدرر وتكتم بها واستتر، فلا يعرف ذلك إلا من طعم وشرب من مائدة الحق. فعاين الصدق. وتريح عنه أثواب الرق.
لؤلؤة الدخان الذي فتقت فيه في السماوات العلى
ولما خلق اللّه هذه العناصر الأول، على الخلق الذي قدره في الأزل، جعلها سبعا طباقا، وأسكنها أقواتا وأرزاقا، كما أسكن الطباق العلى معارف وأخلاقا، فتماست طباق الأرض، وحك بعضهما في بعض، فتولد بينهما لهب، ذو سبع شعب كل شعبة من جنس أرضها، ولذلك تميز بعضها من بعضها فعلى من كل لهيب دخان مختلط، ففتق ذلك الماء والهوى والنار.
ومازج أفلاك الداررى والأنوار مرتوق الشعب منزوع اللهب، ففرقته الأفلاك والنيران بحقائقها فكان فتقا؛ وصعد هيولانيا فصيره الحق عند هذه الأسباب صورا وخلقا فأداره سبع طريق وجعل الأفلاك أروحا لهن وحقائق فقال تعالى: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ «1»
وقال فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ «سورة فصلت آية 11، 12» ، في يومين بعد ما خلق الأرض وقدر فيها القوت في أربعة أيام وذلك لكثافة الأجرام فإنها أربعة عناصر مختلفة الأواصر، ولما كان الدخان من نار السبع الطباق الترابية،
فكانت مختلفة في اللونية، كذلك جاءت الطباق السماوية مختلفة في اللونية، فزرقه وصفرة وحمرة وبياض، وخضرة كل سماء من جنس أرضها إذ هي من بعضها، وكذلك لما كان أصل السماوات أرضيا عنصريا، زالت بزوالها في الآخرة، وبقيت الأفلاك العلوية في أوجها دائرة من غير جرم محسوس ولا جسم ملموس، وكذلك لا تظهر فيها النجوم فإن الفلك يبرز بذاته على العموم.
إذ النجم عبارة عما ظهر من الفلك.
فتأمل يا أخي هذا الخبر الذي شملك، فالأفلاك باقية بقاء الجنان.
والإنسان والسماوات باقية ببقاء الأرض والحدثان، فتأمل لولا الحقائق المرتبطة والأفلاك الروحانية المتوسطة،
ما بدلت الأرض غير الأرض، وصارت در مكة بيضاء تحت قدم الخفض فظهور الأفلاك النيرات.
عبارة عن تبدل السماوات فتأمل هذه الإشارات، وابحث عما تضمنته هذه العبارات.
فلا يعرف السر إلا من غمس في بحر البر.
لؤلؤة نشأ منها أمثال رؤية الحق في عالم الخلق
وتجلى الحق سبحانه وتعالى للناطق من الحيوان كتجلى السراب للظمآن، وليس في الكون كله شئ يشبه تجلى الحق إلى قلوب العابد من سماء المعرفة سوى هذه الصفة، ألا ترى التجلي لا يكون إلا (من أعلى إلى أدنى) وجعل القيعان دون الجبال مجلا للشراب الأسنى فانظرها حكمة ما أجلاها وقطرة مزن ما أعذبها وأحلاها، ثم حجب حقيقة هذا السراب نصبة تشبيها بعمل أهل الكفر.
ثم نبه أهل الإشارة على عظمته عنده في آخر الأمر.
فقال حين أنزل عهده، وخاطب عبده: حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ «سورة النور آية 39»
فستره أو لا بعمل الكفر وبتوفية الحساب بعده، إذ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ «سورة الشورى آية 11»
ولا يدرك وصفه وهو اللطيف الخبير فارفع هذه الطنب، واخترق هذه الحجب تبصر العجب العجاب، واشكر القشر الذي صان هذا الباب، فالسر غال، والأمر عال،
والمعرفة ملزمة فقف عند حد الأدب واترك الطلب وقل: «سبحان اللّه وسع كل شئ رحمة وعلما» وهنا يقول المحقق لهذا الكتاب:
«السر لا يستبين العقل حكمته ..... إلا بنور من العرفان رباني
فارقب بقلبك ما تخفيه حكمته ..... واستمطر الخير من ذياكم الجاني»
لؤلؤة التحام اليواقيت وانتظام المواقيت
ولما تمهدت الخليقة وامتدت الدقيقة. إلى الحقيقة، وتجسد في أول النشأ الترابى الشخص الجسماني الإنسانى الآدمي المخلوق بيد لتنزيه والمكسو حلة التشريف والتنويه ويردد الجسد طورا بعد طور، وكورا بعد كور،
في قوالب يكثر عددها ويكبر أمدها، حتى كانت تلك الأطوار في تلك الأدوار نشأة متحدة. وهيئة فردية متجسدة فلما كملت بنيتها، وتخلصت تصفيتها، تفخ فيه الشخص الروحاني. والكلمة الإلهية، والأمر الرباني، فقامت النشأة على ساقها تعتمد ويأمرها تستند.
وتوارى الدور بالنشأة، على أصل البدء.
إلى أن سلخ ذلك النهار من ليل أرضه، والتحق بعنصره الأعلى واختلط بعض ببعض وبقي في أوجه الأعلى رقيبا، وعلى تعاقب الأدوار حسيبا، ولتبصرنه على التعيين، في مقام التمكين ولتعلن نبأه بعد حين وهو إذ ذاك أحكم الحاكمين فلما ارتفع كما ذكرناه،
في الرد الذي به سترناه تحققت المهلكة بالفساد، وعم الهلاك جميع البلاد والعباد، إلى أن حلت الشمس في حملها ثبت شرفها وجذلها وسطع النور وتنزل الأمر فلم يبق أحدا أعلا إلا صعق لذلك التجلي ولا بقي رفرف أسنى إلا كان تجلى لذلك التدلي فتنزل نور «ليس كمثله شئ» في أنبوب ماله في مكتنفا بأردية الصون حتى وصل إلى عالم الكون، فحل الدري المشرق في برجه،
وحصل الرقم المودع في درجه، فكان ياقوتة حمراء، تجوفت لها ياقوتة صفراء، فأودعها سبحانه فيها.
وختم عليها بخاتم: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها «سورة طه آية 15».
فلما التحقت الحقيقتان والتفت الرفيقتان زهرت الأفلاك واعتصمت الأملاك، وظهرت الرجوم، لمن أراد الهجوم، وتنزل الروح الحق، والكلم الصدق، ثم اختلت الياقوتتان في الظلمات لتعاين الصغرا منهما.
ما غاب عنها من الآيات، فعندما اجتمعت الصغرا بأختها كانت لها بيتا، ثم ارتقت إلى من كانت له بيتا، فأكرمت إلا موالها وحمدت مسوالها فتطلعت الحمراء من خلف حجاب الكتم، فإذا هي بنور الختم فخاطبه بلسان الاستنباء أنا خاتم الأولياء ومقدم جماعة الأصفياء، أنا مكنون حكمتك.
وخاتم أمتك فقالت: له هل لك في أن تكون معي وزيرا صديقا.
فقال قد استخلفت عتيقا وشال رداءه فإذا بالصديق إذاءه وشمس الغرب ورائه ثم فارقه وقد شاقه، فلما عدمت الأغيار وتقطعت الأنوار والتصقت الرقيقة المثلية بالحقيقة الكلية في أنبوب الزمردة الطينية، شمع صوت وزيره، وصاب سره وتدبيرة الذي استخلفه خاتم أوليائه، في الجرى على إنجائه، ثم كانت أمور في هذا التجلي، لا يسع الوقت إلى إنشائها، ولا يعطى الحال أيضا إذاعة أنبائها،
فإن القصد في هذا الكتاب إنما هو معرفة الخليفة والختم وتنزل الأمر الحتم فنقول فرجع عوده على بدئه في ليله وأدرك صلاة الصبح مع أهله فنسود ذلك الجسد على أمثاله ممن تقدم أو تأخر من أشكاله.
لما كانت مادة الحقيقة الأصلية والنشأة البدائية إليه اسمه من ذاتها وإلى غيره من صفاتها.
لؤلؤة اعتراض لمن أصاب الصيد بالمعراض
ولما كان هذا النشأ الحمدى بهذه المنزلة العلية، وكان الأصل الجامع لجميع البرية، وصح له المجد الذي لا ينبغي لغيره. وأقامه الحق سبحانه وتعالى صورة نفعة وضيره عدلا وفضلا. وجمعا وفصلا.
وأراد الحق أن يتم مكرمته حسا، كما أتمها نفسا، فأنشأ لها في عالم الحس صورة مجسمة بعد القضاء الدورة التي تعطف آخرها على أولها. وكانت في أوسطها مكلمة وسمى سبحانه وتعالى ذلك الجسم المكرم المطهر محمدا وجعله إماما للناس كافة، وللعالم سيدا.
ونطق على ظاهر ذلك الجسد لسان الأمر فقال: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر»
ثم نزل لهم تعليما فاغتفر وردد فيهم البصر والنظر وقال : "إِنَّما أَنَا بَشَرٌ ".
وذلك لما كنا له مثاله، وكان لنا تمثالا، فطورا تقدس وطورا تجنس فهو السابق ونحن اللاحقون وهو الصادق ونحن المصدقون ولما كانت أيضا صورته الجسدية جسما لمقام الأنباء لا لصورة الإنشاء، كما كان بدأ الوجود الكون وظهر العين فكانت دورة فلكة دورة ملك والدورة المتقدمة المذكورة، درة ملك، لعلك تقول كيف يتأخر وجود الملك عن وجود المملكة وهي قد حصلت في ميدان الهلكة.
قال: من كان في ذلك الوقت استنادها وعلى من قام أمرها وعمادها فها أنا أشفى الغليل وأوضح السبيل، وأعرفك بامتداد الرقائق وتناسب الحقائق «والمحقق هنا يقول للإيضاح أظهر المملكة الوجودية سبحانه وتعالى أو لا إظهار بروز وأخفى الملك رغم بروزه الأولى حتى يتم أمر رعايته لمملكته فليس ثم ملك من غير مملكة فافهم ترشد وأبصر تزدد.».
لؤلؤة امتداد الرقائق من الحقيقة المحمدية إلى جميع الحقائق
ولما أوجد الحق سبحانه كما قدمنا الأفلاك سقفا مرفوعا لأهل السفل ونصب الأرض مهادا موضوعا لحثالة الثقل وانتشرت عنه صلى اللّه عليه وسلم من مستواه في الملأ الأعلى حقائقه،
وتكونت من أنوار أشعة نوره طرائقه واتصلت بعالم الأرض الموضوع رقائقه، وظهرت فيهم شمائله صلى اللّه عليه وسلم وحقائقه، لكل حقيقة شرب معلوم ومع كل رقيقه رزق مقسوم ولحظنا تفاضل الرقائق .
«والمراد من الحقائق ما تتنزل بها الملائكة مشافهة بالخطاب المنطوق، ومنها ما هو بإلهام عن طريق الكشف.» .
«فوجدناها راجعة إلى تفاوت الخلائق في الخلائق، فكشفنا من مقام المشاهدة والتعيين، على رقائق الأنبياء والمرسلين فرأيناها تنزل عليهم صلوات اللّه عليهم على قسمين منها ما ينزل بها ملائكة القدمين، ومنها ما ينزل عليهم من مستواه مكاشفة عين» .
ورأينا مشاركة أتباعهم لهم في هاتين التنزيلتين، ولكن بواسطتهم، لا بالعين، إلا هذه الأمة التي قيل فيها إنها خير أمة أخرجت للناس فإنها تأخذ عنه من غير واسطة ولا التباس.
كما أخذ عنه من تقدم من رسول مرسل أو نبي منزل، غير أن تنزل الملك قد يفاجئهم وقتا ما كما يعمهم بالإلقاء في الأجل المسمى، وأما من خلق جاحدا، وطبع ملحدا، فإن النور المحمدي لما ضرب في الأرض شعاعة، وحميت قيعانه وبقاعه تولدت بينهما حرارة وتجسدت بالنبات فتكون منها شرارة، ففتق في تلك الشرارة الجن على قسمين، رفع وخفض لما كانت تلك الحرارة نتاجا بين النور والأرض،
ولذلك قال تعالى: "وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ" .«سورة الرحمن آية 15».
إشارة إلى اختلاط الأرض بالأنوار، فمن غلب عليه النور في ذلك النتاج كان من الجن اللاحق بالبوار فتنزل الرقائق على من طبع كافرا في أنابيب ذلك النار الشيطاني.
وإن كان أصله من النور السلطاني وأما العصاة فتنزل رقائقهم بواسطة ما قدمناه من الحرارة لا بواسطة الشرارة.
فكانت رقيقته صلى اللّه عليه وسلم في دورة الملك المالك إلى هلم جرى إلى الأبد أصلا لجميع الحقائق فهو الممد صلى اللّه عليه وسلم فجميع العوالم من أول منشأة إلى أبد لا يتناهى مادة شريفة مكملة لا تضاهى.
أمس في 09:30 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (1) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:12 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (2) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:10 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (3) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:06 من طرف Admin
» كتاب: تحفة المشتاق: أربعون حديثا في التزكية والأخلاق ـ محب الدين علي بن محمود بن تقي المصري
19/10/2024, 11:00 من طرف Admin
» كتاب: روح الأرواح ـ ابن الجوزي
19/10/2024, 10:51 من طرف Admin
» كتاب: هدية المهديين ـ العالم يوسف اخي چلبي
19/10/2024, 09:54 من طرف Admin
» كتاب: نخبة اللآلي لشرح بدء الأمالي ـ محمد بن سليمان الحلبي الريحاوي
19/10/2024, 09:50 من طرف Admin
» كتاب: الحديقة الندية شرح الطريقة المحمدية - عبد الغني النابلسي ـ ج1
19/10/2024, 09:18 من طرف Admin
» كتاب: البريقة شرح الطريقة ـ لمحمد الخادمي ـ ج2
19/10/2024, 08:56 من طرف Admin
» كتاب: البريقة شرح الطريقة ـ لمحمد الخادمي ـ ج1
19/10/2024, 08:55 من طرف Admin
» كتاب: شفاء الصدور الحرجة بشرح القصيدة المنفرجة ـ الشيخ حسنين محمد مخلوف
26/9/2024, 22:47 من طرف Admin
» كتاب: اللآلي السنية في مشروعية مولد خير البرية ـ العلامة عثمان بن الشيخ عمر بن الشيخ داود
26/9/2024, 22:37 من طرف Admin
» كتاب: بشائر الأخيار في مولد المختار صلى الله عليه وآله وسلم ـ السيد محمد ماضي أبو العزائم
26/9/2024, 22:35 من طرف Admin
» كتاب: البيان النبوي عن فضل الاحتفال بمولد النبي ـ الشيخ محمود بن أحمد الزين
26/9/2024, 21:58 من طرف Admin