معرفة الذات .كتاب عنقاء مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
كتاب عنقاء مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
معرفة الذات :
البحر المحيط الذي لا يسمع لموجه غطيط في معرفة الذات والصفات والأفعال بكر صهباء في لجة عمياء.
وهي معرفة ذاته جلت عن الإدراك الكوني:
والعلم الإحاطى غطس الغاطس، ليخرج ياقوتها الأحمر، في صدفه الأزهر، فخرج إلينا من قعر ذلك البحر صفر اليدين، مكسور الجناحين مكفوف العين، أخرس لا ينطق مبهوتا لا يعقل فسئل بعد ما رجع إليه النفس، وخرج من سدفة الغلس.
فقيل له ما رأيك، وما هذا الأمر الذي أصابك؟
فقال: هيهات لما يطلبون، وبعد الماء يرومون واللّه لا أناله أحد.
ولا تضمن معرفته روح ولا جسد، هو العزيز الذي لا يدرك، والموجود الذي يملك ولا يملك إذ حارت العقول، وطاشت الألباب، في تلقى صقاته، فكيف لها يدرك ذاته ألا ترى حكم تجليه، في ربوبية الأزل، كيف خر الكليم صعقا، وتدكدك الجيل، فكيف لو تجلى في هذه الربوبية من غير واسطة الجبل لنبيه موسى لكان صاحب موسى زمانه لا يوسى، بعد إندكاك وهلاك، وبعث في نشأة مثلة وأملاك وإذا كان تجلى الربوبية على هذا الحد، فأين أنت من تجلى الألوهية من بعد، وإذا كان هذا خط المتبوع الكليم، فكيف بخط التابع الحكيم، فقد رمزنا في الصفات أمرا يعجز عنه، ولا يصل أحد إلا إلى ما قدر له منه.
وأما معرفة الذات فمتفقة بالنور الاضواقى عمى محتجبة بحجاب العزة الأحمى، مصون بالصفات والأسماء، فغاية من غاب في الغيب، الوصول إلى قرب، ونهاية الطلاب، الوقوف خلف ذلك الحجاب.
هنا وفي الآخرة وفي نشأة الدنيا والحافرة.
فمن رام رفعه أو تولى صدعه في أي مقام كان عدم من جبنه، وطويت سماؤه وأرضه بيمينه، ورجع خاسرا، وبقي حائرا وكان قاسطا جائرا، ورد إلى أسفل سافلين والحق بالطين فمن كان من أهل البصائر والألباب.
وتأدب بما يجب عليه من الآداب، وصل إلى ذلك الحجاب، الذي لا يرفعه سبحانه عن وجهه وكان يوقف على كنهه والوقوف على كنهه محال، فلا سبيل إلى رفع ذلك الحجاب بحال، فإذا وصل إليه العاقل اللبيب، والفطن المصيب، وافرغ عليه رداء الغيرة .
قال أغار عليه أن يعلمه غيره، فوقف خلف الحجاب وناداه باسم الوهاب، البعيد الأقرب إلينا من حبل الوريد فيجيبه الحق بالمريد.
وحقائق الوجود وتقدس وتنزه.
وتملك وتشبه. ودخل حيث شاء من جنة الصفات وارتاح في رياض الكمال وجال وصال بالمتجلى المتعال لا يرد له أمر ولا يحجب عنه سر. ونادى الحق من عرش التنزيه.
خلف حجاب عزة التشويه. هذا عبدي حقا وكلمتي صدقا. عرف فأصاب وتأدب فطاب.
فليقبل جميع ما تضمنه هذه الحضرة إليه.
ولينصب ذلك كله بين يديه. ليأخذ ما شاء مختارا.
ويترك ما يشاء إدخارا «فيؤتى الملك من شاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شئ قدير وهو الحكيم الخبير» وهذا مقام الأدباء منزل الأمناء.
وحضرة اللقاء. وكل واحد من الواصلين إليه على قدر علمه وقوة عزمه.
وإن شملهم المقام وعم فمنهم التام والأتم ومن هذا المقام يرجع صاحب الجماعة.
وفيه يبقى من قامت في حقه الساعة فهو المنتهى والختام. ومقام الجلال والإكرام.
وفي هذا المقام قلت:
مواقف الحق أدبتنى ..... وإنما يوقف الأديب
أشهدنى ذاته كفاحا ..... فلم أجد شمسها تغيب
« سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَسورة الصافات الآيات 180 - 182»
واتخذت ذاتنا فلما ..... كنيت أنا العاشق الحبيب
أرسلني بالصفات كيما ..... يعرفني العاقل المصيب
فيأخذ السر من فؤادي ..... فتفتدى باسمه القلوب
فإن قلت فأين معرفة الياقوت الأحمر المصون في الصدق الأزهر
فأقول إن معرفة لياقوت الأحمر أن لا يعرف ولا يجد ولا يوصف،
فإذا علمت أن ثم موجودا ألا يعرف،
فقد عرفت وإذا أقررت بالعجز عن الوصول إلى كنهه فقد وصلت فقد صحت الحقيقة لديك واتضحت الطريقة بين يديك، فإنه من لم يقف على هذا العلم ولا قام به هذا الحكم يدوم ما لا يحصل له، وذلك لما ذهل عنه وجهله.
فكفاك أن تعلم أن لا يعلم وهذا الحق قد انبلج صبحه فألزم.
واقتد بالنبي والصديق إذ قال صلى اللّه عليه وسلم: «لا أحصى ثنا عليك أنت كما أثنيت على نفسك»، وهذا غاية الفجر، أو معرفة من وقف عند حجاب العز .
وقال الصديق الأكبر، العجز عن درك الإدراك إدراك فلا سبيل إلى الاشتراك، وليس بعد حجاب العزة الإلهية إلا الكيفية والماهية، فسبحان من بعد وقرب.
وتعالى ونزل، وعرفه العارفون على قدر ما وهب، وحسب كل عارف به ما كسب فكسب وذلك من صفات السلب فغاية معرفتنا أنه موجود وأنه الخالق والمعبود.
وأنه السيد الصمد المنزه عن الصاحبة والولد، وهذا كله راجع إلى التنزيه، وسلب التشبيه، فتعالى أن تعرف منه صفات الإثبات، وجل أن تدرك كنه جلاله المحدثات وإذا كانت صفات الجلال لا يحاط بها، فكيف من قامت به
واتصف بها فجل الكبير المتعال. العزيز الذي لا ينال، فبحر الياقوت الأحمر هو المسمى بـ "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ" «سورة الشورى الآية 11».
و"سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ "«سورة الصافات الآية 180».
فقد أشار إلى حجاب العزة الذي ذكرناه.
والسر الذي وصفناه الصفات لمحة بارق.
وخيال طارق قل للباحث عما لا يصل إليه.
والطالب فوق ما يكفيه هل عرف من الحق غير ما أوجده فيه وإلا فهل أثبت له ما لم يتصف به.
وهل زلت في معرفته عن الأمر المشتبه إلا من طريق السلب والتنزيه.
والتقديس ونفى التشبيه وإن قلت هو الحي المتكلم القدير المريد العليم السميع البصير؛ فأنت كذلك وإن قلت الرحيم القاهر حتى تستوفى أسماؤه فأنت هنالك.
فما وصفته سبحانه بوصف إلا اتصفت به ذاتك ولا تسميه باسم إلا وقد حصلت منه تخلقا وتحققا مقاماتك وصفاتك فأين ما أثبت له دونك من جهة العين وغاية معرفتك به أن تسلب عنه نقائص الكون وسلب العبد عن ربه تعالى ما لا يجوز عليه راجع إليه وفي هذا المقام قال من قال سبحانى ما أعظم شأني دون شئونى هيهات كل يعرى من شئ إلا من لبسه أو يؤخذ شئ إلا ممن حبسه ومتى لبس الحق صفات النقص حتى تسلبه عنها أو تعريه.
وواللّه ما هذه حالة التنزيه.
وإنما الملحد الجاحد.
حكم على الغائب بالشاهد.
وظن أن ذلك نص فنسب إليه النقص.
فإذا أثره نفسي أن ألبس ما لبسه هذا الملحد.
وأعريها منه حتى أكون المحقق الموحد فنفسى إذا نزهت وذاتي قدست، والباري سبحانه منزه عن التنزيه. فكيف عن التشبيه، فالتنزيه راجع إلى تطهير محلك لا إلى ذاته. وهو من جملة منحه لك وهباته.
فالحمد للّه الذي قدسك وعلى ثوب التنزيه الذي ألبسك.
ولولانا ما لاح لعينك من ذلك لمحة بارق وطرقك عند هجعتك منه خيال طارق.
ما صحت لك هذه العناية ولا ألبسك ثوب الخلافة والولاية وخرجت بها في وجودك كما كنت عليها في الصفة العملية، والمشيئة الاختيارية.
سابقة قدم قبل خط القلم.
فاعلم أنك متصل به في الصفات المعنوية.
من جهة الظلال من غير اتصال منفصل عنه بالصفات النفيسية المجهولة في كل حال من غير انفصال. فلو لا ما وصفك بأوصافه واعتنى بك في سورة إعرافه.
وأنزلك فيها منزلته في وقت القبضتين والتعالى وقوله «هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي.
وهؤلاء إلى النار ولا أبالي» «عن عبد الرحمن بن قتادة السلمى، وكان من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم قال:
سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: خلق اللّه آدم ثم أخذ الخلق من ظهره
فقال: هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي.
قال قائل يا رسول اللّه فعلى ماذا نعمل؟
قال: على مواقع القدر. . . الحديث رواه ابن حبان في صحيحه (1806 موارد الظمآن)».
لما ارتفع عنه النفع والضرر وتنزه عن صفات البشر.
فقال تعالى: "وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ " «سورة الأعراف آية 46» وما كانوا له وفيه وما هم وذلك لما خلق سبحانه وتعالى هذا الشخص الإنسانى على صورته وخصه بسريرته فصفات الحق صفات العبد.
فلا تعكس فتنكس.
فانظر إلى ما أشرنا إليه في هذه الشذور وتأمل ما وراء هذه الستور.
وتحقق ما حصل عندك من معرفة الصفات وإياك والالتفات.
فما عرفت قط صفة على الحقيقة من معبودك وإنما عرفت ما تحصل من الأوصاف في أركان وجودك فما زلت عنك وما خرجت منك والتحقت
صفاته بذاته فتنزهت عن تعلق علمك بماهيتها، واتصلت في ذلك معرفتك بذاتها.
فأنت العاجز عنها. والواقف دونها.
فعلى طريق التحقيق ما عرفت ربك من كل طريق. وما عرفت أيضا سواه. وما نزهت إلا إياه فإن قلت عرفته قلت الحق وأنت اللاحق.
وإن قلت إنك لم تعرفه قلت الصدق وأنت السابق.
فاختر النفي لنفسك أو الإثبات فقد تنزهت الصفات من تعلق العلم الحادث بها كما تنزهت الذات.
الأفعال موج ضرب في الساحل وانصرف.
وترك به اللؤلؤ والصدف فمنهم من زهد ومنهم اغترف ولما كانت نجوم السماء السيارة. تضاهى بعض الأسماء من باب الإشارة وهي باب في الأحكام. على صورة منها ما هو السلب النقائص والتشبيه ونفى المماثلة للتنزيه.
وهو حظنا في هذا التركيب من علم الذات ومنها ما هو شرط الألوهية، ومنها ما لا ينقص بعدمه لو جاز على الماهية وهو علم الصفات ومنها ما هو لتعلق إيجاد العين، والتأثير في عالم الكون وهو صور الأفعال.
فنقول على هذا الصراط السوى في اسمه تعالى القدوس العزيز الغنى صفات جلال ونقول في اسمه تعالى العليم السميع البصير صفات كمال.
ونقول في اسمه تعالى الخالق الباري المصور صفات أفعال وما فيها والحمد للّه صفة إلا لنا فيها قدم، ولنا إليها طريق أمم فهذا الباب لصفات الفعل وهو باب الطول والفضل والإنعام والبذل، امتن سبحانه وتعالى أولا بالإيجاد من غير أن يجب ذلك عليه، أو يضطره أمر إليه، بل كان مختارا بين العدم والوجود، فاختار أحد الجائزين ترجيحا وسعادة للعبيد، فعلق بنا القدرة بين العدم والوجود ولا بعينه، فبرز للعين عن تعلقها دون كيفيته إذ كانت غير متعلقة بموجود، ولا أيضا متعلقة بمفقود، وهذا بحر ليس له قعر فرددناه للفضل المتقدم ولم أكن فيه بالجائر المتحكم.
وذلك لو علمنا حقيقة القدرة الأزلية وماهيتها في العالمية لعرفنا كيف تحققت ومتى تعلفت ولم نقدر في هذا الكتاب على قياس الغائب على قياس الغائب على الشاهد لأنا ما اجتمعنا على معنى واحد.
إذ ليس للقدرة الحادثة تعلق بإيجاد كون وإنما هو سبب عادى لإبراز العين وحجاب نصبه الحق في أول الإنشاء ليضل به من يشاء ويهدى به من يشاء والفعل قد يكون نفس المفعول بالتشبيه والاشتباه كقوله تعالى "هذا خَلْقُ اللَّهِ" «سورة لقمان آية 11» أي مخلوق اللّه، الذي أوجده بقدرته.
وقد يكون عبارة عن الحالة عند تعلق الفاعل بالمفعول وكيفية تعلق القدرة الأزلية بالإيجاد الذي حارت فيه المشاهد والعقول وكل من رام الوقوف عليه نكص على عقبه ورجع عن مذهبه وهو قوله تعالى: "ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ" «سورة الكهف آية 51».
وقال في حق أنفسهم وأقدسهم حين قال:" رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى" «سورة البقرة آية 260».
فأراه آثار القدرة لا تعلقها فعرف كيفية الإنشاء والتحام الأجزاء حتى قام شخصا سويا، وما رأى تعلق قدرة ولا تحققها.
فقال له الخبير العليم "اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" «سورة البقرة آية 260» .
لما تقدمه من صورة الأطيار، وتفريقه الأطوار، وكما نفخ المسيح في صورة الطين
الروح وانتفض طيرا وأظهر في الوجود خيرا.
فكان النفخ له حجابا، وما فتح له من باب تعلق القدرة بابا.
وكذلك يقول من سأل اللّه تعالى أن يقول للشئ كن فيكون، ذلك عنده أمرا وينفرد الحق بسر نشيئه ونشره فالتفاضل بين الخلق إنما هو في الأمر الحق، فشخص يكون أمرا ربانيا لتحققه فيكون عنه ما يشاء، وآخر غير متحقق ليس له ذلك.
وإن كان قد ساواه في الإنشاء، فسبحان من انفرد بالاختراع والخلق وتسمى بالواحد الحق.
(لا إله إلا هو العزيز الحكيم) أوجد العالم كله من غير مثال في كافة كثافاته ولطافاته ظاهرا وباطنا دنيويا وبرزخيا وأخرويا ملكا وملكوتا وغيبا. . .
فتعالى اللّه علوا كبيرا.
كتاب عنقاء مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
معرفة الذات :
البحر المحيط الذي لا يسمع لموجه غطيط في معرفة الذات والصفات والأفعال بكر صهباء في لجة عمياء.
وهي معرفة ذاته جلت عن الإدراك الكوني:
والعلم الإحاطى غطس الغاطس، ليخرج ياقوتها الأحمر، في صدفه الأزهر، فخرج إلينا من قعر ذلك البحر صفر اليدين، مكسور الجناحين مكفوف العين، أخرس لا ينطق مبهوتا لا يعقل فسئل بعد ما رجع إليه النفس، وخرج من سدفة الغلس.
فقيل له ما رأيك، وما هذا الأمر الذي أصابك؟
فقال: هيهات لما يطلبون، وبعد الماء يرومون واللّه لا أناله أحد.
ولا تضمن معرفته روح ولا جسد، هو العزيز الذي لا يدرك، والموجود الذي يملك ولا يملك إذ حارت العقول، وطاشت الألباب، في تلقى صقاته، فكيف لها يدرك ذاته ألا ترى حكم تجليه، في ربوبية الأزل، كيف خر الكليم صعقا، وتدكدك الجيل، فكيف لو تجلى في هذه الربوبية من غير واسطة الجبل لنبيه موسى لكان صاحب موسى زمانه لا يوسى، بعد إندكاك وهلاك، وبعث في نشأة مثلة وأملاك وإذا كان تجلى الربوبية على هذا الحد، فأين أنت من تجلى الألوهية من بعد، وإذا كان هذا خط المتبوع الكليم، فكيف بخط التابع الحكيم، فقد رمزنا في الصفات أمرا يعجز عنه، ولا يصل أحد إلا إلى ما قدر له منه.
وأما معرفة الذات فمتفقة بالنور الاضواقى عمى محتجبة بحجاب العزة الأحمى، مصون بالصفات والأسماء، فغاية من غاب في الغيب، الوصول إلى قرب، ونهاية الطلاب، الوقوف خلف ذلك الحجاب.
هنا وفي الآخرة وفي نشأة الدنيا والحافرة.
فمن رام رفعه أو تولى صدعه في أي مقام كان عدم من جبنه، وطويت سماؤه وأرضه بيمينه، ورجع خاسرا، وبقي حائرا وكان قاسطا جائرا، ورد إلى أسفل سافلين والحق بالطين فمن كان من أهل البصائر والألباب.
وتأدب بما يجب عليه من الآداب، وصل إلى ذلك الحجاب، الذي لا يرفعه سبحانه عن وجهه وكان يوقف على كنهه والوقوف على كنهه محال، فلا سبيل إلى رفع ذلك الحجاب بحال، فإذا وصل إليه العاقل اللبيب، والفطن المصيب، وافرغ عليه رداء الغيرة .
قال أغار عليه أن يعلمه غيره، فوقف خلف الحجاب وناداه باسم الوهاب، البعيد الأقرب إلينا من حبل الوريد فيجيبه الحق بالمريد.
وحقائق الوجود وتقدس وتنزه.
وتملك وتشبه. ودخل حيث شاء من جنة الصفات وارتاح في رياض الكمال وجال وصال بالمتجلى المتعال لا يرد له أمر ولا يحجب عنه سر. ونادى الحق من عرش التنزيه.
خلف حجاب عزة التشويه. هذا عبدي حقا وكلمتي صدقا. عرف فأصاب وتأدب فطاب.
فليقبل جميع ما تضمنه هذه الحضرة إليه.
ولينصب ذلك كله بين يديه. ليأخذ ما شاء مختارا.
ويترك ما يشاء إدخارا «فيؤتى الملك من شاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شئ قدير وهو الحكيم الخبير» وهذا مقام الأدباء منزل الأمناء.
وحضرة اللقاء. وكل واحد من الواصلين إليه على قدر علمه وقوة عزمه.
وإن شملهم المقام وعم فمنهم التام والأتم ومن هذا المقام يرجع صاحب الجماعة.
وفيه يبقى من قامت في حقه الساعة فهو المنتهى والختام. ومقام الجلال والإكرام.
وفي هذا المقام قلت:
مواقف الحق أدبتنى ..... وإنما يوقف الأديب
أشهدنى ذاته كفاحا ..... فلم أجد شمسها تغيب
« سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَسورة الصافات الآيات 180 - 182»
واتخذت ذاتنا فلما ..... كنيت أنا العاشق الحبيب
أرسلني بالصفات كيما ..... يعرفني العاقل المصيب
فيأخذ السر من فؤادي ..... فتفتدى باسمه القلوب
فإن قلت فأين معرفة الياقوت الأحمر المصون في الصدق الأزهر
فأقول إن معرفة لياقوت الأحمر أن لا يعرف ولا يجد ولا يوصف،
فإذا علمت أن ثم موجودا ألا يعرف،
فقد عرفت وإذا أقررت بالعجز عن الوصول إلى كنهه فقد وصلت فقد صحت الحقيقة لديك واتضحت الطريقة بين يديك، فإنه من لم يقف على هذا العلم ولا قام به هذا الحكم يدوم ما لا يحصل له، وذلك لما ذهل عنه وجهله.
فكفاك أن تعلم أن لا يعلم وهذا الحق قد انبلج صبحه فألزم.
واقتد بالنبي والصديق إذ قال صلى اللّه عليه وسلم: «لا أحصى ثنا عليك أنت كما أثنيت على نفسك»، وهذا غاية الفجر، أو معرفة من وقف عند حجاب العز .
وقال الصديق الأكبر، العجز عن درك الإدراك إدراك فلا سبيل إلى الاشتراك، وليس بعد حجاب العزة الإلهية إلا الكيفية والماهية، فسبحان من بعد وقرب.
وتعالى ونزل، وعرفه العارفون على قدر ما وهب، وحسب كل عارف به ما كسب فكسب وذلك من صفات السلب فغاية معرفتنا أنه موجود وأنه الخالق والمعبود.
وأنه السيد الصمد المنزه عن الصاحبة والولد، وهذا كله راجع إلى التنزيه، وسلب التشبيه، فتعالى أن تعرف منه صفات الإثبات، وجل أن تدرك كنه جلاله المحدثات وإذا كانت صفات الجلال لا يحاط بها، فكيف من قامت به
واتصف بها فجل الكبير المتعال. العزيز الذي لا ينال، فبحر الياقوت الأحمر هو المسمى بـ "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ" «سورة الشورى الآية 11».
و"سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ "«سورة الصافات الآية 180».
فقد أشار إلى حجاب العزة الذي ذكرناه.
والسر الذي وصفناه الصفات لمحة بارق.
وخيال طارق قل للباحث عما لا يصل إليه.
والطالب فوق ما يكفيه هل عرف من الحق غير ما أوجده فيه وإلا فهل أثبت له ما لم يتصف به.
وهل زلت في معرفته عن الأمر المشتبه إلا من طريق السلب والتنزيه.
والتقديس ونفى التشبيه وإن قلت هو الحي المتكلم القدير المريد العليم السميع البصير؛ فأنت كذلك وإن قلت الرحيم القاهر حتى تستوفى أسماؤه فأنت هنالك.
فما وصفته سبحانه بوصف إلا اتصفت به ذاتك ولا تسميه باسم إلا وقد حصلت منه تخلقا وتحققا مقاماتك وصفاتك فأين ما أثبت له دونك من جهة العين وغاية معرفتك به أن تسلب عنه نقائص الكون وسلب العبد عن ربه تعالى ما لا يجوز عليه راجع إليه وفي هذا المقام قال من قال سبحانى ما أعظم شأني دون شئونى هيهات كل يعرى من شئ إلا من لبسه أو يؤخذ شئ إلا ممن حبسه ومتى لبس الحق صفات النقص حتى تسلبه عنها أو تعريه.
وواللّه ما هذه حالة التنزيه.
وإنما الملحد الجاحد.
حكم على الغائب بالشاهد.
وظن أن ذلك نص فنسب إليه النقص.
فإذا أثره نفسي أن ألبس ما لبسه هذا الملحد.
وأعريها منه حتى أكون المحقق الموحد فنفسى إذا نزهت وذاتي قدست، والباري سبحانه منزه عن التنزيه. فكيف عن التشبيه، فالتنزيه راجع إلى تطهير محلك لا إلى ذاته. وهو من جملة منحه لك وهباته.
فالحمد للّه الذي قدسك وعلى ثوب التنزيه الذي ألبسك.
ولولانا ما لاح لعينك من ذلك لمحة بارق وطرقك عند هجعتك منه خيال طارق.
ما صحت لك هذه العناية ولا ألبسك ثوب الخلافة والولاية وخرجت بها في وجودك كما كنت عليها في الصفة العملية، والمشيئة الاختيارية.
سابقة قدم قبل خط القلم.
فاعلم أنك متصل به في الصفات المعنوية.
من جهة الظلال من غير اتصال منفصل عنه بالصفات النفيسية المجهولة في كل حال من غير انفصال. فلو لا ما وصفك بأوصافه واعتنى بك في سورة إعرافه.
وأنزلك فيها منزلته في وقت القبضتين والتعالى وقوله «هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي.
وهؤلاء إلى النار ولا أبالي» «عن عبد الرحمن بن قتادة السلمى، وكان من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم قال:
سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: خلق اللّه آدم ثم أخذ الخلق من ظهره
فقال: هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي.
قال قائل يا رسول اللّه فعلى ماذا نعمل؟
قال: على مواقع القدر. . . الحديث رواه ابن حبان في صحيحه (1806 موارد الظمآن)».
لما ارتفع عنه النفع والضرر وتنزه عن صفات البشر.
فقال تعالى: "وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ " «سورة الأعراف آية 46» وما كانوا له وفيه وما هم وذلك لما خلق سبحانه وتعالى هذا الشخص الإنسانى على صورته وخصه بسريرته فصفات الحق صفات العبد.
فلا تعكس فتنكس.
فانظر إلى ما أشرنا إليه في هذه الشذور وتأمل ما وراء هذه الستور.
وتحقق ما حصل عندك من معرفة الصفات وإياك والالتفات.
فما عرفت قط صفة على الحقيقة من معبودك وإنما عرفت ما تحصل من الأوصاف في أركان وجودك فما زلت عنك وما خرجت منك والتحقت
صفاته بذاته فتنزهت عن تعلق علمك بماهيتها، واتصلت في ذلك معرفتك بذاتها.
فأنت العاجز عنها. والواقف دونها.
فعلى طريق التحقيق ما عرفت ربك من كل طريق. وما عرفت أيضا سواه. وما نزهت إلا إياه فإن قلت عرفته قلت الحق وأنت اللاحق.
وإن قلت إنك لم تعرفه قلت الصدق وأنت السابق.
فاختر النفي لنفسك أو الإثبات فقد تنزهت الصفات من تعلق العلم الحادث بها كما تنزهت الذات.
الأفعال موج ضرب في الساحل وانصرف.
وترك به اللؤلؤ والصدف فمنهم من زهد ومنهم اغترف ولما كانت نجوم السماء السيارة. تضاهى بعض الأسماء من باب الإشارة وهي باب في الأحكام. على صورة منها ما هو السلب النقائص والتشبيه ونفى المماثلة للتنزيه.
وهو حظنا في هذا التركيب من علم الذات ومنها ما هو شرط الألوهية، ومنها ما لا ينقص بعدمه لو جاز على الماهية وهو علم الصفات ومنها ما هو لتعلق إيجاد العين، والتأثير في عالم الكون وهو صور الأفعال.
فنقول على هذا الصراط السوى في اسمه تعالى القدوس العزيز الغنى صفات جلال ونقول في اسمه تعالى العليم السميع البصير صفات كمال.
ونقول في اسمه تعالى الخالق الباري المصور صفات أفعال وما فيها والحمد للّه صفة إلا لنا فيها قدم، ولنا إليها طريق أمم فهذا الباب لصفات الفعل وهو باب الطول والفضل والإنعام والبذل، امتن سبحانه وتعالى أولا بالإيجاد من غير أن يجب ذلك عليه، أو يضطره أمر إليه، بل كان مختارا بين العدم والوجود، فاختار أحد الجائزين ترجيحا وسعادة للعبيد، فعلق بنا القدرة بين العدم والوجود ولا بعينه، فبرز للعين عن تعلقها دون كيفيته إذ كانت غير متعلقة بموجود، ولا أيضا متعلقة بمفقود، وهذا بحر ليس له قعر فرددناه للفضل المتقدم ولم أكن فيه بالجائر المتحكم.
وذلك لو علمنا حقيقة القدرة الأزلية وماهيتها في العالمية لعرفنا كيف تحققت ومتى تعلفت ولم نقدر في هذا الكتاب على قياس الغائب على قياس الغائب على الشاهد لأنا ما اجتمعنا على معنى واحد.
إذ ليس للقدرة الحادثة تعلق بإيجاد كون وإنما هو سبب عادى لإبراز العين وحجاب نصبه الحق في أول الإنشاء ليضل به من يشاء ويهدى به من يشاء والفعل قد يكون نفس المفعول بالتشبيه والاشتباه كقوله تعالى "هذا خَلْقُ اللَّهِ" «سورة لقمان آية 11» أي مخلوق اللّه، الذي أوجده بقدرته.
وقد يكون عبارة عن الحالة عند تعلق الفاعل بالمفعول وكيفية تعلق القدرة الأزلية بالإيجاد الذي حارت فيه المشاهد والعقول وكل من رام الوقوف عليه نكص على عقبه ورجع عن مذهبه وهو قوله تعالى: "ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ" «سورة الكهف آية 51».
وقال في حق أنفسهم وأقدسهم حين قال:" رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى" «سورة البقرة آية 260».
فأراه آثار القدرة لا تعلقها فعرف كيفية الإنشاء والتحام الأجزاء حتى قام شخصا سويا، وما رأى تعلق قدرة ولا تحققها.
فقال له الخبير العليم "اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" «سورة البقرة آية 260» .
لما تقدمه من صورة الأطيار، وتفريقه الأطوار، وكما نفخ المسيح في صورة الطين
الروح وانتفض طيرا وأظهر في الوجود خيرا.
فكان النفخ له حجابا، وما فتح له من باب تعلق القدرة بابا.
وكذلك يقول من سأل اللّه تعالى أن يقول للشئ كن فيكون، ذلك عنده أمرا وينفرد الحق بسر نشيئه ونشره فالتفاضل بين الخلق إنما هو في الأمر الحق، فشخص يكون أمرا ربانيا لتحققه فيكون عنه ما يشاء، وآخر غير متحقق ليس له ذلك.
وإن كان قد ساواه في الإنشاء، فسبحان من انفرد بالاختراع والخلق وتسمى بالواحد الحق.
(لا إله إلا هو العزيز الحكيم) أوجد العالم كله من غير مثال في كافة كثافاته ولطافاته ظاهرا وباطنا دنيويا وبرزخيا وأخرويا ملكا وملكوتا وغيبا. . .
فتعالى اللّه علوا كبيرا.
أمس في 09:30 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (1) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:12 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (2) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:10 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (3) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:06 من طرف Admin
» كتاب: تحفة المشتاق: أربعون حديثا في التزكية والأخلاق ـ محب الدين علي بن محمود بن تقي المصري
19/10/2024, 11:00 من طرف Admin
» كتاب: روح الأرواح ـ ابن الجوزي
19/10/2024, 10:51 من طرف Admin
» كتاب: هدية المهديين ـ العالم يوسف اخي چلبي
19/10/2024, 09:54 من طرف Admin
» كتاب: نخبة اللآلي لشرح بدء الأمالي ـ محمد بن سليمان الحلبي الريحاوي
19/10/2024, 09:50 من طرف Admin
» كتاب: الحديقة الندية شرح الطريقة المحمدية - عبد الغني النابلسي ـ ج1
19/10/2024, 09:18 من طرف Admin
» كتاب: البريقة شرح الطريقة ـ لمحمد الخادمي ـ ج2
19/10/2024, 08:56 من طرف Admin
» كتاب: البريقة شرح الطريقة ـ لمحمد الخادمي ـ ج1
19/10/2024, 08:55 من طرف Admin
» كتاب: شفاء الصدور الحرجة بشرح القصيدة المنفرجة ـ الشيخ حسنين محمد مخلوف
26/9/2024, 22:47 من طرف Admin
» كتاب: اللآلي السنية في مشروعية مولد خير البرية ـ العلامة عثمان بن الشيخ عمر بن الشيخ داود
26/9/2024, 22:37 من طرف Admin
» كتاب: بشائر الأخيار في مولد المختار صلى الله عليه وآله وسلم ـ السيد محمد ماضي أبو العزائم
26/9/2024, 22:35 من طرف Admin
» كتاب: البيان النبوي عن فضل الاحتفال بمولد النبي ـ الشيخ محمود بن أحمد الزين
26/9/2024, 21:58 من طرف Admin