بحر طامس وبحر غاطس الجزء الأول .كتاب عنقاء مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
كتاب عنقاء مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
بحر طامس وبحر غاطس:-
فيه لآلئ إشارات في أصداف عبارات فمن ذلك مفتاح حجة وإيضاح لحجة ولما لم يتمكن القاصد إلى البيت العتيق أن يصل إليه حتى يقطع كل فج عميق ويترك الإلف والوطن ويهجر الخلة والفطن ويفارق الأهل والولد.
ويستوحش في سيره من كل أحد، حتى إذا وصل الميقات خرج من رقّ الأوقات وتجدد من مخيطه وخرج من تركيبه إلى بسيطه وأخذ يلبى من دعاه، فنسى ما كان من قبل ذلك وعاه، وصعد كدّلاح له علم هدى ودخل الحرم وحرم ولثم الحجر وقبل، تذر ميثاق الأزل وطاف بكعبته وأحاط بنشأته، هكذا في جميع مناسكه يمشى على مسالكه فإن تجاوز المغنى ووقفه على حجة معنى ينشى .
فذلك هو الحاج الذي يتهنأ ولولا السآمة من قارئه لعرفتكم به منسكا منسكا إلى آخره: وابتدأت في هذا الكتاب بنسكة الحج إذ معناه تكرار القصد إلى الواحد الفرد والقصد أول مقام لكل طالب سرا ومحلول أمرا وأنا أريد أن أوضح لك في هذا الكتاب أسرارا وأرسل سمائها عليك مدرارا، فأوضحت لك أو لا قصدي، وجعلته قصدا شرعيا، ومقاما جمعيا، فإنه إذا كان القصد بهذه المثابة وهو البداية، فما ظنك بالنهاية وأين من يقدر قدر قدر الغاية (وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) «سورة الأنعام آية 91، سورة الحج آية 74، سورة الزمر آية 67. »
وأما حمد نور شمس، وما يمد ذات نوره فالق السمع وأشهد أجمع
: أقول
وروح القدس تنفث في النفس ..... بأن وجود الحق في العدد الخمس
أيا كعبة الأشهاد يا حرم الأنس ..... ويا زمزم الأمال زم على النفس
سرى البيت نحو البيت يبغى وصاله ..... وطهر بالتحقيق من دنس اللبس
فيا حسرتي يوما ببطن محسر ..... وقد دلني الوادي على سفر الرجس
تجرعت بالجرعاء كأس ندامة ..... على مشهد قد كان منى بالأمس
وما خفت بالخيف ارتحالى وإنما ..... أخاف على ذا النفس من ظلمة الرمس
لمزدلفى الحجاج أعملت ناقتي ..... لأنعم بالزلفى والحق بالجنس
جمعت بجمع بين صحبى وشاهدي ..... بوترين لم أشهد به رتبة النفس
خللت الأماني عندما كنت في منى ..... وطوقتها فانظره بالطرد والعكس
خفى الجمرات اللعن في رونق الضحى ..... حصيت عدو الجهل فارتد في نكس
صغيت على حكم الصفا عن حقيقتي ..... فما أنا من عرب فصاح ولا فرس
ركنت إلى الركن اليماني لأن في ..... استلام اليماني اليمن في جنة القدس
أقمت أناجى بالمقام مهيمنا ..... تعالى عن التحديد بالفصل والجنس
"قال تعالى : "وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّىأي مقامه الولائى الذي وصل إليه"."
فشاهدته في بيعة الحجر الذي ..... تسود من نكث العهود لدى اللمس
وبالحجر حجرات الوجود ركونه ..... على فلا يغدوا الزمان ولا يمس
وفي عرفات قال لي تعرف الذي ..... تشاهده بين المهابة والأنس
فلما قضيت الحج اعلمتن منشدا ..... بسيرى بين الجهر للذات والهمس
سفينة إحساسى ركبت فلم تزل ..... تسيرها أرواح أفكاره الخرس
فلما غدت بحر الوجود وعاينت ..... بسيف النهى من جل عن رتبة الأنس
دعاني به عبدي فلبيت طائعا ..... تأمل فهذا الفتح فوق جنى الغرس
فعاينت موجودا بلا عين مبصر ..... وسرح عيني فانطلقت عن الحبس
فكنت كموسى حين قال لربه ..... أريد أرى ذاتا تعالت عن الحس
«قال اللّه سبحانه وتعالىوَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ " سورة الأعراف آية 143.
رغم إشارته إلى الآية الكريمة إلا أنه أراد شهود التجلي الإلهى في مقام الربوبية عليه من حضرة اسمه تعالى الولي شهود قلب وامتلاء.»
فدك الجبال الراسيات جلاله ..... وغيب موسى فاختفى العرش في الكرسي
وكنت كخفاش أراد تمتعا ..... بشمس الضحى فانهرت من هيبة الشمس
فلا ذاته أبقى ولا أدرك المنى ..... وعود في الأموات جسما بلا نفس
ولكنني أدعى على القرب والنوى ..... بلا كيف بالبعل للكريم وبالعرس
فمن لم يكن قصده على هذه المحجة ولم تصح له هذه الحجة، ويطلب العين فهو في حضرة الغين فاسلك يا أخي على هذه الطريق، وقل الرفيق الرفيق حتى تتصل به من غير انفصال، وتفصل عنه من غير اتصال، وتكون ظلالك تسجد له سبحانه بالغدو والآصال.
ومن ذلك تنزل روح أمين باشراق صبح مبين، ولما هزم الصبح جيوش الليل، وأوجف عليه بسوابق الخيل وحصل الجسم والدسم في قبضة العين والاسم، واعتقه من رق كونه، وألبسه رجاء صوبه، ومنجه مساعدة عينه، في أي جهة كان من ابنه، عند ذلك سألني رجل من أهل تبريز وممن يقول بدولة العزيز، وينكر سقوظ التمييز، عن أسرار أشراط الساعة، وأماراتها وحقائقها وإشاراتها من طلوع شمس من مغربها، وروحانية مقصدها ومذهبها وإغلاق باب توبة، وإبقاء زلة وحوية، ونفخ دابة ونزول مسيح وخسف جيش تهامة فيح وملحمة عظمى وفتح.
مدينة كبرى بتكبير وتهليل على مقتضى السنة لا بالمراهفات البيض ولا بزرق الأسنة وختم ولاية وروضة خضراء، وسر نبوة ومحجة بيضاء ومن خرج من مقامه إلى مقام الذل، فصح له به المشرق الأكمل، وخروج دجال لا يعى، وقتيل له يموت ويحى، وقال لي أريد منكم أن تبينوا لي إلى أين أسرار هذه الأكوان في نشأة الإنسان، فإني أريد أن أجعلك لشيطانى شهابا رصدا، واتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا، فقلت له وأبن فتاك وقوتك، وهل اتخذ إلى البحر سربا حوتك فقال لولا ما اتخذ حوتى سربا ما وجدت لك سببا، ولولا قتائى ما حملت غذائى فقلت له ستلحق بمقامك وتتأخر وإذا وقع ذلك حينئذ تعثر.
ثم قلت له وهل نسيت الحوت فارتددت قصصا على أثرك لتعرف حقيقة خبرك فقال كل ذلك قد كان فلقد تعب من أخذ علمه من الأكوان قلت له وبشرك الحق بأنى صاحب الرحمة والعلم فأبشر بأنك صاحب الغلظة والدم، لأن في العين وأنت في الكم، فأنت في ملكك رئيس، وفي سجن عالم شهادتك حبيس، وأنا في ملكوت علق نفيس وصاحب صنعة لبوس، فقال له إني أتيتك قاصدا فعلمني مما علمت رشدا فقلت:
"قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً * قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً «سورة الكهف» فقلت: قالَ:" فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً " «سورة الكهف».
وصف حال بعد حل وترحال ثم قلت له يا سيدي صان اللّه أنوار شيبتك وحفظ متاع غيبتك أريد أن أعرفك قصتي تكون لك سلما إلى منصتى عسى يقل إنكارك ويحسن إن وقع منك اعتذارك فإن الذي سألت عنه من هذه الأسرار المصونة من ملاحظة الأنوار فكيف بعالم الأفكار لا يصلح في كل وقت إفشاؤها، ولا يصح بأي نفخ كان بعثها وأحياؤها فإن نباؤها عظيم، وشبطان منكرها أليم وإن كان بعض ما سألتني عنه لم أعرج عليه ولا طلبته منه، فإن الطريق الذي سلكت عليه والمقام الذي طلبته وانفردت إليه الذي هو مقام فردانية ونفى الكثرة والعدد لا يصلح معه التعريج على كون ولا يقبل منه إلا تحققه عين ولما لم تتعلق بحوادث الكون همتي ولا تشوقت إليها كلمتي كان الحق سبحانه وتعالى وجهتي وتزهتى عن ملاحظة جهتي فكنت لا أشهد أينا فكيف أبصر كونا.
حكمة تعليم من عالم حكيم، ثم لما رأيت السائل عن تلك الأسرار، تحركه دواعي الأفكار أعرضت عنه أعراض متعلم ناصح، وصرفت وجهي وجهة الحق الذي بيده المفاتح من جهة المقام الذي يعقله وسددت الباب الذي ينكره ويجهله حتى يتمكن في مقام السمع ويتحقق بحقيقة من حقائق الجمع، وقمت إلى الحق ملبيا وله مناجيا أعد على سوابغ نعمه واسمع السائل سرائر حكمة وكأني لا أقصده بذلك تعظيما وهكذا يفعل من صيره الحق حكيما فإن البيوت لا تؤتى إلا من أبوابها والملك على أرجائها ولا يدخل عليها إلا بإذن حجابها وذلك إني أن بديت له الأسرار كفاحا وجعل قلبه لذلك سرا خاص، فسرح في عالم التجسيم سر فكره، واستوى على قلبه سلطان فكره فصير نوره نارا وقراره بوارا فالحكيم المطلق إذا أخذ من هذه صفته في مناشدة الحق، وأعرض عن جميع الخلق بهره المقام، فقطع الأوهام، وغاب عن الأجسام، واستسلم أي لاستسلام، ووقعت النكتة في قلبه، فقادته إلى معرفة ذاته وربه، فاعرضت عنه لهذه الحكمة وأنشدت وبحثت ببعض ما وجدت تعلمه فيه، أن السلوك يجذب الحق ودواعيه، ويرد سبحانه بالعبد ويحفيه، فاعله يتنبه ويعيه:
قلبي بذكرك مسرور ومحزون ..... لما تملكة لمح وتلوين
فلو ارتقت لسماء الكشف همته ..... لما تملكه وجد وتكوين
لكنه حاد عن قصد السبيل فلم ..... يظفر به فهو بين الخلق مسكين
حتى دعته من الأشواق داعية ..... أضحى بها وهو مغبوط ومفتون
وأبرقت في نواحي الجو بارقة ..... همت لها نحو قلبي سحبها الجون «الجون: الكثيفة غزيرة الأمطار»
فالسجب سارية والريح دارية ..... والبرق مخطتف والماء مسئون
وأخرجت كل ما تحويه من حسن ..... أرض الجسوم وفاح الهند والصين
فلما سمع السائل وصف حالته وسجت بدر سره في إدارة هالته وتنبه لما أخفى فيه، وأبرزت له نبذة من معانيه، ورأيته قد أصغى إلى بكليته وخرج من ملاحظة نفيسته صرفت وجهي إليه وهو فإن فيما أوردته متعطش للزيادة مما أنشدته وطلب منى الزيادة بحله فزدته:
فما ترى فوق أرض الجسم مرقبة ..... إلا وفيها من النور تزيين
فكلما لاح في الأجسام من بدع ..... وفي السرائر معلوم وموزون
والقلب يلتذ في تقليب مشهده ..... نكل وجه من التزيين ضنين
والجسم فلك ببحر الجود تزعجه ..... ريح من الغرب بالأسرار مشحون
وراكب الفلك ما دامت تسيره ..... ريح الشريعة محفوظ وميمون
ألقى الرئيس إلى التوحيد مقدمه ..... وله عليه من الأملاء تأمين
فلو تراه وريح الشوق تزعجه ..... تجرى وما فيه تحريك وتسكين
إن الأوائل في الإنسان مودعة ..... نور ونار وطين فيه مسنون
وأودع الوصل ما بيني على كثب ..... وبين زلى مفروض ومسنون "كثب : المقصود القرب"
فالسر باللّه من خلفي ومن خلفي ..... إذا تحققت موصول وممنون
يقول في القلب روح الحق فاعتبروا ..... فإن قلب كتاب اللّه ياسين
"روى الترمذي في صحيحه عن أنس رضى اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «إن لكل شئ قلبا وقلب القرآن يس»"
من بعد ما قد أتى من قبل نفخته ..... علىّ من دهره في نشأتى حين
لا يعرف الملك المعصوم ما سببي ..... ولا العيون الذي تبكيه تبيين
لما تسترت عن صلصال مملكتي ..... أخفانى عن علمه في عينه الطين
فكان يحجبه عنى وعن صفتي ..... غيم العمى وأنا في الغيب مخزون
فعند ما قمت فيه صار مفتخرا ..... يمشى الهوينا وفي أعطافه لين
لما سرى القلب للأعلى وجاز على ..... عدن وغازله حوراتها العين
غض الجفون ولم يثنى العنان لها ..... لما مضى عن هواه الفرض والدين «المعنى: أبعد نظره عن رؤيتهن»
فعند ما قام فوق العرش بايعه ..... اللوح والقلم العلام والنون
فلو تراه وقد أخفى حقيقته ..... فإن فوق استواء الحق تمكين
فإن تجلى إلى كون بحكمته ..... له على ظهر ذات الكون تعيين
فلا يزال لمزج الملقيات به ..... يقول للكائنات في وجه الورى كونوا
فكل قلب سهى عن سر حكمته ..... في كل كون فذاك القلب مغبون
فاعلم بأنك لا تدرى الإله إذا ..... ما لم يكن قبل يرموك وصفين
فاعرف إلهك من قبل الممات فإن ..... تمت أنت على التقليد مسجون
وإن تجليت في شرقي مشهده ..... علما تنزل فيك العال والدون
ولاح في كل ما يخفى ويظهره ..... من التكاليف تقبيح وتحسين
فافهم فديتك سر اللّه فيك ولا ..... تظهره فهو عن الأغيار مكنون
وغر عليه وصنه ما حييت به ..... فالسر ميت بقلب الحرة مدفون
فلما سمع منتهى القلوب، ووقف على شرف الغيوب ورأى ما حوته هذه المملكة الإنسانية من الصفات الربانية والأسرار الروحانية، جثى على ركبته وانسلخ عن ظلمته، وقال إني اكتم للسر فأوضح الأمر فقد زال النكران، وطرد الشيطان بعناية الرحمن.
(إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) «سورة الحجر آية 42»
وصف الخير فإني أسلم وعلمني فإني أتعلم، قلت:
فلم أزل بهذا المشهد السنى والمقام العلى، أغدو وأروح، في غيوق وصهوح إلى أن تمكن الأمر لدى وحصلت المفاتيح التوفى بين يدي، فلما أن اتصفت بهذا التحصيل، وهيأتى الحق للتقديم، ورشحنى للتفصيل، علمت أنه تعالى يريد رجوع إلى عالم الشهادة، فقبلته على شرط الإبقاء لحال وزيادة، إذ لا دليل قاطع بوجود نهاية، ولا تحقق لأحد بغاية، إذ هو القائل سبحانه قول تنزيه وتمجيد:
(لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) «سورة ق الآية 35»
فحصل للمتصف بهذا المقام نفوذ إرادته في ملكه، وزيادة ما لم تتصف الهمة بدركه فتعود إرادته في قوله:
(فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ) «سورة المائدة الآية 52»
لكان شرط الوفاء بعهده والزيادة في تتميم الآية بقوله سبحانه (أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) «سورة المائدة الآية 52»
فعند انصرافه من غير مفارقة الرفيق إلى عالم الترفيع والتلفيق؛ تلقتنى حوادث الأكوان في الطريق فعند ذلك عرفت من الحادثات الآنية والآتية ما شهدته وعلمت من الكائنات العلوية والصفلية ما وجدته وأنا الآن من ذلك الوقت إلى حين هلكتى وافتراق ملكتى في تلك الرجعة المشهدية بتلك الصفة الأحدية، ومن ذلك هدهد أمين جاء بنبأ يقين.
وقد تحسد بثلاثة أنوار وأغطيته أسرار وممن سلم على ممن أفقه، واظهر لي بعض خلقه كوكب الأفوال في رد إلفه وقمر بازغا في حلة الهداية المشرقة، فاعطى كل نور حقيقته، وأوضح لنا طريقته، ثم تلاهما الشمس الأكبر والنور الأزهر، الذي يجلوا السدف وينير الغرف ويزيل الكلف وهو التجلي المثالي «والنور الإرسالى، فسلم إلى في مغرب الغمى حتى يصل الأجل المسمى.
فإذا دنا الأجل واقترب من طلع هاديا من حيث غرب، وهذا هو شمس التوجيه، ومقام التنزيه، بأقواله يزول الإشراك، وتنحل عقد الإشراك، فيفلت صيدها ويرتفع كيدها، وهذا لأقول كله على قسمين لذي عينين فإن جعل أفوالها في قلبه، فهو على نور من ربه في عالم غيبه، فبقى له نور قربه، ويكون له نور على نور وسرور وارد على سرور، وأن أظلم المحل الأضواء عند أفوالها، فهو معرّى من صفات مقيلها، قد غرق في بحر الذات الأقدسية متجردا عن أثواب صفاتها المعنوية، فانظر إلى هذا السر السنى ما أعجبه، وإلى هذا الذوق الشهى ما أعجبه وأعذبه وبقيت مع هذا النور الشمسي في مقامه الأقدسى أناجيه أعواما وليالي قمرية؛ وأياما.
وقد أضح اللّه لنا العلامة، بأنه خاتم الإمامة أعنى الإمامة المحمدية الجزئية؛ لا الإمامة المطلقة الكلية، فمن فهم فليعلم، ومن جهل فليقرع الباب وليلزم، ما دام هذا النور ثابتا في أفقه قبل أفوله في حقه، فحققت ما لديه، وعلمت ما جعل الحق من الأسرار في يديه ومن ذلك رحيق مختوم مزاجه تسنيم، إلى أن دخل عام خمسة وتسعين نصف اليوم.
واتجلى عن الشمس ظلام الغيم وأنا على حالتي في رجوعي المذكور بعلمى المشهور وعلمي المستور، في غلائل النور وإنما كان هذا الرحيق بالمسك مختوما، وكان مزاجه تسنيما لأنه تابع متبوع وسامع مسموع، وستأتي الإشارة إليه من بعد.
ويكون له الوعد والوعيد فلما دخل العام المذكور، ومضت منه ثلاثة شهور، تلقاني عند فراقي لهذه الشمس المغربية، وتركى لها في العصابة اليثربية، الختم برحيقه، وأوضح لي التسنيم مزاج طريقه، فرأيت ختم أولياء اللّه حق.
في مقعد الإمامة الإحاطية والصدق فكشف لي عن سر محتدة وأمرات بتقبيل يده ورأيته متدليا على الصديق والفاروق متدانيا من الصادق المصدوق، محاذيا له من جهة الأذن قد ألقى السمع لتلقى الأذن ولو تقدمه منشور، وخاتماه نور على نور، فكان له في ذلك الجمع الطهور ومن عداه فيه كلابس ثوبي زور، والشمس اليقينية قد قبلت يده مثلي ولحظتها.
فقال : الختم هي من أهل، ثم نازعني الحديث، وتقتيا بالقديم والحديث والساقي يحب المدامة، ويبدأ بساق عرش الإمامة وهو ينعطف على عطفه نشوان ويغازلنى مغازلة هيمان ويقول ردني برداء الكتم، فإني أنا الختم الأولى بعدى ولا حامل لعهدى، بفقدى تذهب الدول، وتلتحق الأخريات بالأول:
وكان ما كان مما لست أذكره ..... فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر
ولما تناجت القلوب بأسرارها وطلعت شموس الغيوب من سماء أنوارها، وأخذ المجلس حده ودخل أبو العباس وصاحبه عنده انصرفت متحققا بما عرفت ولم تبق نكتة نادرة إلا على باب حضرتي واردة وصادرة، ولولا عهد الغيرة ما أخذ، ودخيل إلا فشا الذي نبذ لأبرزناه لكم في حلته وبيته ولكن سأجعله لكم وراء كنيته، فمن اجترى ورفع ستره، رأى سيره.
وهكذا فعله في شمس غربنا، أظهرها لكم من وراء قلبنا في حجاب غيبنا.
فمن كان ذا كشف علوي، وحزم قوى شق عن قلبي حتى يرى فيه شمس زلى، فمن امتطا عتيق الإفشاء طلب ولحق، ومن نزل عن متنه إلى ذلول الكتم نجا والتحق إلا أن كان كما أفعله وفعله من قبلي من خفى رمز، ودرج معنى في معمى ولغز، ومن ذلك البحر المتقدم المذكور أرخا الستور على البدور، ولما دخل شهر ميلاد النبي محمد صلى اللّه عليه وسلم بعث إلى سبحانه رسول الإلهام وهو الوحي الذي أبقاه علينا، والخطاب الذي جعل منه إلينا ثم أردفه بميسرة ساطعة في روضة يانعة.
يأمرني فيها بوضع هذا الكتاب المكنون، والسر المصون المخزون وسلماه لي بكتاب الكشف والكتم، في معرفة الخليفة والختم، فراجعت الملك في هذه العلامة، فقال أيها الفتى، ثم عاد إلى وما رحل وفرش المحل الأقدس ونزل.
وقال الحضرة قد وسميته بكتاب سدرة المنتهى وسر الأنبياء في معرفة الخليفة وختم الأولياء. فقلت إني لا أجد في نفسي لهذه السمة نكتة، فلا تعجل على ولا تأخذنى بغته فقال إني استحى، فقلت ربى الذي يميت ويحيى فلما كان يوم الجمعة والخطيب على أعواده يدعو قلوب أولياء اللّه وعباده إذ وجدت برد كف الجذب من حضرة القرب فتلقيت في الغفلة الكلمات، وتوفرت دواعي القثب لما يرد عليه من النسمات، فإذا الخطاب الأنفس من المقام الأقدس هل تقنع أيها الخطيب المغرب والمنتقد المعجب.
(بعنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب) ونكتة سر الشفا في القرن اللاحق بقرن المصطفى.
وصل وهذه الإشارات كلها راجعة إلى النسخة الصغرى لا إلى النسخة الكبرى فقد بينت لك آنفا إنه لا فائدة في معرفة ما خرج عن ذاتك إلا أن يتعلق به سبيل نجاتك، فشمس المغرب ما طلع في عالم عيبك من أقوال العلوم.
وتجلى إلى قلبك من أسرار الخصوص والعموم. كما أن الختم ما ختم به على مقامك.
عند منتهى مقامك وكذلك إذا كنت في زمانك الخاص بك بين إخوانك على ما كان عليه من تقدم من صحابه النبي صلى اللّه عليه وسلم من العمل السنى والتجلي العلى فقد لحق زمانك بزمانها وصرت من جملة أقرانهم.
ومن ذلك رفع ستر. ومجاهدة فكر. لما نص ما ذكرته.
وورد على بما سطرته قال هل رأيت يا محمد هذه الإشارة.
في تأخر الوزارة عن الأمير في وقت الإمارة. لولا خلافة الصديق.
لرجع الناس عن الطريق. لعدم الكشف ومعرفة الصرف. وهل الخليفة إلا بعد ثبوت المستخلف.
ولهذا توقف المجادل المتعسف.
قل له يا محمد هيهات يا إنسان لا بد من كونه فكأنه قد كان ولكنه غير موجود في عالم التغيير والحدثان.
وإنما الحكمة أخرته لسر أضمرته. سيظهر ذلك السر في أو انه وحول زماناه، فشمس المغرب دون رتبة للصديق فعليك بالكتم كما إن صلوا من دون تمت لواء الختم.
وذلك إن أنوار الغيوب الساطعة في القلوب. التي كنينا عنها قد ينالها من ليس بصديق أكبر.
ولا له ذلك الأخطر الأزهر بل قد ينالها الممكور به المستدرج المغبون، وسر هذا في قوله سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ «سورة الأعراف الآية 182»
والصديقية لا ينالها إلا أهل الولاية. ومن كان له عند اللّه أزلا شابق عناية. وهي السبيل في نجاة من اتصف بها.
وتذهب بمذهبها فلهذا جعلنا الشمس دونها وإليها ركونها كما أن الحتم فوق رتبة الصديق إذا كان الممهد للطريق. الذي مشى عليه عتيق «عتيق: لقب من ألقاب الصديق الأكبر سيدنا أبو بكر لأنه بشر يعتقه من النار، ولو سامة وجهه الطلق السمح وضاءة الخلق والخلق والإيمان».
فالختم نبوي المحتد علوي المشهد فلهذا جعلناه فوق الصديق كما جعله الحق فإنه أخذ نوره من مشكاة النبوة أكبر ممن أخذه من مشكاة العديقية فيين التابع والصاحب ما بين الشاهد والغائب ولما صح أن الختم متقدم الجماعة يوم قيام الساعة ثبت أن له حشرين وإنه صاحب الختمين ويشركه ذو الأجنحة في حشرته.
وينفرد الختم بخاتميه، وذوا الأجنحة في الإنسان من غلبت على الروحانية، والتحق بتطهير نفسه بالرتبة الملكية ولا دفاع عندنا في هذا المقام ولا نزاع، وعلى قدر ارتقائه فيها يكون مع صاحب مثنى أو رباع فإن كان أمين الأرواح فيكون له ستمائة جناح .
« قال تعالى: "الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" .
وقوله تعالى : "أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ أي يطيرون بها ليبلغوا ما أمروا به سريعا ومنهم من له جناحات ومنهم من له ثلاثة ومنهم من له أربعة ومنهم من له أكثر من ذلك كما جاء في الحديث أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام ليلة الإسراء وله ستمائة جناح بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب، روى في كثير من المسانيد والحديث صحيح.»
ولا حرج عليه في ذلك ولا جناح، وإنما سميناه خاتما، وجعلناه على الأولياء حاكما لأنه يأتي يوم القيامة وفي يده اليمنى، محل الملك الأسنى. خاتم مثالي جسماني وفي يده اليسرى محل الإمام الأسرى بخاتم نزالى روحاني، وقد انتشر باليسار باليمين في زمرة أهل التعيين.
وقد انتشر باليسار مع أهل التمكين، خصص بعلمين، وخوطب باسمين، فتفطن أيها اللبيب لهذه الأسرار واسعى لضياء هذه الأنوار، ومن ذلك رهن إغلاق أخذ ميثاق، ولما سمعت ما ذكره وأظهر لعيني ما كان قبل ذلك عزم على في تقييد هذه النبذ الأقدسية وأخذ على العهد أن أخذها من غلائلها السندسية .«الغلائل جمع غلالة، وهو ما يغلق به الشئ والشئ المكنون والمراد من مكنون سر اللّه تبارك وتعالى.»
حتى لا تنبسم عن اغريض ولا يظهر تبرقبها وميض وقال أهو رهن يبدك وقد علق فلا تبتئس فامسك عليه ولا تخرجه فتعتلس فتوجه الأمر عند ذلك في إفشاء هذا السر المكتوم والكتاب المختوم بالتعريض لا تصريح وإعلام تنبيه وتلويح، ولما تلقيت منه الأمر على هذا الحدود دخلت تحت هذا العقد لزمني الوفاء بالعهد فأنا الآن أبدى وأعرض تارة وإياك أعنى فاسمعي يا جارة وكيف أبوح بسره وأبدى مكنون أمر وأنا الموصى به غيرى في غير ما وضع من نظمى ونثرى نبه على السر ولا تفشه فالبوح بالسر له مقت على الذي بيديه، فاصبر له واكتمه حتى يصل الوقت، فمن كان ذا قلب وفطنه، شغله طلب الحكمة عن البطنة فوقف على ما رمزناه «بالأصل «المعمى».
وفك المعنى الذي لغزناه ولولا الأمر الإلهى لشافهنا به الوارد والصادر، وجعلنا قوة المقيم وزاد المسافر ولكن قد جف القلم بما سبق في القدم فما أشرف الإنسان حيث جعله اللّه محل روحانية هذه الأكوان، فلقد أبدع اللّه سلخه حين أوجده وأكمل نسخة، واللّه الكفيل.
كتاب عنقاء مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
بحر طامس وبحر غاطس:-
فيه لآلئ إشارات في أصداف عبارات فمن ذلك مفتاح حجة وإيضاح لحجة ولما لم يتمكن القاصد إلى البيت العتيق أن يصل إليه حتى يقطع كل فج عميق ويترك الإلف والوطن ويهجر الخلة والفطن ويفارق الأهل والولد.
ويستوحش في سيره من كل أحد، حتى إذا وصل الميقات خرج من رقّ الأوقات وتجدد من مخيطه وخرج من تركيبه إلى بسيطه وأخذ يلبى من دعاه، فنسى ما كان من قبل ذلك وعاه، وصعد كدّلاح له علم هدى ودخل الحرم وحرم ولثم الحجر وقبل، تذر ميثاق الأزل وطاف بكعبته وأحاط بنشأته، هكذا في جميع مناسكه يمشى على مسالكه فإن تجاوز المغنى ووقفه على حجة معنى ينشى .
فذلك هو الحاج الذي يتهنأ ولولا السآمة من قارئه لعرفتكم به منسكا منسكا إلى آخره: وابتدأت في هذا الكتاب بنسكة الحج إذ معناه تكرار القصد إلى الواحد الفرد والقصد أول مقام لكل طالب سرا ومحلول أمرا وأنا أريد أن أوضح لك في هذا الكتاب أسرارا وأرسل سمائها عليك مدرارا، فأوضحت لك أو لا قصدي، وجعلته قصدا شرعيا، ومقاما جمعيا، فإنه إذا كان القصد بهذه المثابة وهو البداية، فما ظنك بالنهاية وأين من يقدر قدر قدر الغاية (وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) «سورة الأنعام آية 91، سورة الحج آية 74، سورة الزمر آية 67. »
وأما حمد نور شمس، وما يمد ذات نوره فالق السمع وأشهد أجمع
: أقول
وروح القدس تنفث في النفس ..... بأن وجود الحق في العدد الخمس
أيا كعبة الأشهاد يا حرم الأنس ..... ويا زمزم الأمال زم على النفس
سرى البيت نحو البيت يبغى وصاله ..... وطهر بالتحقيق من دنس اللبس
فيا حسرتي يوما ببطن محسر ..... وقد دلني الوادي على سفر الرجس
تجرعت بالجرعاء كأس ندامة ..... على مشهد قد كان منى بالأمس
وما خفت بالخيف ارتحالى وإنما ..... أخاف على ذا النفس من ظلمة الرمس
لمزدلفى الحجاج أعملت ناقتي ..... لأنعم بالزلفى والحق بالجنس
جمعت بجمع بين صحبى وشاهدي ..... بوترين لم أشهد به رتبة النفس
خللت الأماني عندما كنت في منى ..... وطوقتها فانظره بالطرد والعكس
خفى الجمرات اللعن في رونق الضحى ..... حصيت عدو الجهل فارتد في نكس
صغيت على حكم الصفا عن حقيقتي ..... فما أنا من عرب فصاح ولا فرس
ركنت إلى الركن اليماني لأن في ..... استلام اليماني اليمن في جنة القدس
أقمت أناجى بالمقام مهيمنا ..... تعالى عن التحديد بالفصل والجنس
"قال تعالى : "وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّىأي مقامه الولائى الذي وصل إليه"."
فشاهدته في بيعة الحجر الذي ..... تسود من نكث العهود لدى اللمس
وبالحجر حجرات الوجود ركونه ..... على فلا يغدوا الزمان ولا يمس
وفي عرفات قال لي تعرف الذي ..... تشاهده بين المهابة والأنس
فلما قضيت الحج اعلمتن منشدا ..... بسيرى بين الجهر للذات والهمس
سفينة إحساسى ركبت فلم تزل ..... تسيرها أرواح أفكاره الخرس
فلما غدت بحر الوجود وعاينت ..... بسيف النهى من جل عن رتبة الأنس
دعاني به عبدي فلبيت طائعا ..... تأمل فهذا الفتح فوق جنى الغرس
فعاينت موجودا بلا عين مبصر ..... وسرح عيني فانطلقت عن الحبس
فكنت كموسى حين قال لربه ..... أريد أرى ذاتا تعالت عن الحس
«قال اللّه سبحانه وتعالىوَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ " سورة الأعراف آية 143.
رغم إشارته إلى الآية الكريمة إلا أنه أراد شهود التجلي الإلهى في مقام الربوبية عليه من حضرة اسمه تعالى الولي شهود قلب وامتلاء.»
فدك الجبال الراسيات جلاله ..... وغيب موسى فاختفى العرش في الكرسي
وكنت كخفاش أراد تمتعا ..... بشمس الضحى فانهرت من هيبة الشمس
فلا ذاته أبقى ولا أدرك المنى ..... وعود في الأموات جسما بلا نفس
ولكنني أدعى على القرب والنوى ..... بلا كيف بالبعل للكريم وبالعرس
فمن لم يكن قصده على هذه المحجة ولم تصح له هذه الحجة، ويطلب العين فهو في حضرة الغين فاسلك يا أخي على هذه الطريق، وقل الرفيق الرفيق حتى تتصل به من غير انفصال، وتفصل عنه من غير اتصال، وتكون ظلالك تسجد له سبحانه بالغدو والآصال.
ومن ذلك تنزل روح أمين باشراق صبح مبين، ولما هزم الصبح جيوش الليل، وأوجف عليه بسوابق الخيل وحصل الجسم والدسم في قبضة العين والاسم، واعتقه من رق كونه، وألبسه رجاء صوبه، ومنجه مساعدة عينه، في أي جهة كان من ابنه، عند ذلك سألني رجل من أهل تبريز وممن يقول بدولة العزيز، وينكر سقوظ التمييز، عن أسرار أشراط الساعة، وأماراتها وحقائقها وإشاراتها من طلوع شمس من مغربها، وروحانية مقصدها ومذهبها وإغلاق باب توبة، وإبقاء زلة وحوية، ونفخ دابة ونزول مسيح وخسف جيش تهامة فيح وملحمة عظمى وفتح.
مدينة كبرى بتكبير وتهليل على مقتضى السنة لا بالمراهفات البيض ولا بزرق الأسنة وختم ولاية وروضة خضراء، وسر نبوة ومحجة بيضاء ومن خرج من مقامه إلى مقام الذل، فصح له به المشرق الأكمل، وخروج دجال لا يعى، وقتيل له يموت ويحى، وقال لي أريد منكم أن تبينوا لي إلى أين أسرار هذه الأكوان في نشأة الإنسان، فإني أريد أن أجعلك لشيطانى شهابا رصدا، واتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا، فقلت له وأبن فتاك وقوتك، وهل اتخذ إلى البحر سربا حوتك فقال لولا ما اتخذ حوتى سربا ما وجدت لك سببا، ولولا قتائى ما حملت غذائى فقلت له ستلحق بمقامك وتتأخر وإذا وقع ذلك حينئذ تعثر.
ثم قلت له وهل نسيت الحوت فارتددت قصصا على أثرك لتعرف حقيقة خبرك فقال كل ذلك قد كان فلقد تعب من أخذ علمه من الأكوان قلت له وبشرك الحق بأنى صاحب الرحمة والعلم فأبشر بأنك صاحب الغلظة والدم، لأن في العين وأنت في الكم، فأنت في ملكك رئيس، وفي سجن عالم شهادتك حبيس، وأنا في ملكوت علق نفيس وصاحب صنعة لبوس، فقال له إني أتيتك قاصدا فعلمني مما علمت رشدا فقلت:
"قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً * قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً «سورة الكهف» فقلت: قالَ:" فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً " «سورة الكهف».
وصف حال بعد حل وترحال ثم قلت له يا سيدي صان اللّه أنوار شيبتك وحفظ متاع غيبتك أريد أن أعرفك قصتي تكون لك سلما إلى منصتى عسى يقل إنكارك ويحسن إن وقع منك اعتذارك فإن الذي سألت عنه من هذه الأسرار المصونة من ملاحظة الأنوار فكيف بعالم الأفكار لا يصلح في كل وقت إفشاؤها، ولا يصح بأي نفخ كان بعثها وأحياؤها فإن نباؤها عظيم، وشبطان منكرها أليم وإن كان بعض ما سألتني عنه لم أعرج عليه ولا طلبته منه، فإن الطريق الذي سلكت عليه والمقام الذي طلبته وانفردت إليه الذي هو مقام فردانية ونفى الكثرة والعدد لا يصلح معه التعريج على كون ولا يقبل منه إلا تحققه عين ولما لم تتعلق بحوادث الكون همتي ولا تشوقت إليها كلمتي كان الحق سبحانه وتعالى وجهتي وتزهتى عن ملاحظة جهتي فكنت لا أشهد أينا فكيف أبصر كونا.
حكمة تعليم من عالم حكيم، ثم لما رأيت السائل عن تلك الأسرار، تحركه دواعي الأفكار أعرضت عنه أعراض متعلم ناصح، وصرفت وجهي وجهة الحق الذي بيده المفاتح من جهة المقام الذي يعقله وسددت الباب الذي ينكره ويجهله حتى يتمكن في مقام السمع ويتحقق بحقيقة من حقائق الجمع، وقمت إلى الحق ملبيا وله مناجيا أعد على سوابغ نعمه واسمع السائل سرائر حكمة وكأني لا أقصده بذلك تعظيما وهكذا يفعل من صيره الحق حكيما فإن البيوت لا تؤتى إلا من أبوابها والملك على أرجائها ولا يدخل عليها إلا بإذن حجابها وذلك إني أن بديت له الأسرار كفاحا وجعل قلبه لذلك سرا خاص، فسرح في عالم التجسيم سر فكره، واستوى على قلبه سلطان فكره فصير نوره نارا وقراره بوارا فالحكيم المطلق إذا أخذ من هذه صفته في مناشدة الحق، وأعرض عن جميع الخلق بهره المقام، فقطع الأوهام، وغاب عن الأجسام، واستسلم أي لاستسلام، ووقعت النكتة في قلبه، فقادته إلى معرفة ذاته وربه، فاعرضت عنه لهذه الحكمة وأنشدت وبحثت ببعض ما وجدت تعلمه فيه، أن السلوك يجذب الحق ودواعيه، ويرد سبحانه بالعبد ويحفيه، فاعله يتنبه ويعيه:
قلبي بذكرك مسرور ومحزون ..... لما تملكة لمح وتلوين
فلو ارتقت لسماء الكشف همته ..... لما تملكه وجد وتكوين
لكنه حاد عن قصد السبيل فلم ..... يظفر به فهو بين الخلق مسكين
حتى دعته من الأشواق داعية ..... أضحى بها وهو مغبوط ومفتون
وأبرقت في نواحي الجو بارقة ..... همت لها نحو قلبي سحبها الجون «الجون: الكثيفة غزيرة الأمطار»
فالسجب سارية والريح دارية ..... والبرق مخطتف والماء مسئون
وأخرجت كل ما تحويه من حسن ..... أرض الجسوم وفاح الهند والصين
فلما سمع السائل وصف حالته وسجت بدر سره في إدارة هالته وتنبه لما أخفى فيه، وأبرزت له نبذة من معانيه، ورأيته قد أصغى إلى بكليته وخرج من ملاحظة نفيسته صرفت وجهي إليه وهو فإن فيما أوردته متعطش للزيادة مما أنشدته وطلب منى الزيادة بحله فزدته:
فما ترى فوق أرض الجسم مرقبة ..... إلا وفيها من النور تزيين
فكلما لاح في الأجسام من بدع ..... وفي السرائر معلوم وموزون
والقلب يلتذ في تقليب مشهده ..... نكل وجه من التزيين ضنين
والجسم فلك ببحر الجود تزعجه ..... ريح من الغرب بالأسرار مشحون
وراكب الفلك ما دامت تسيره ..... ريح الشريعة محفوظ وميمون
ألقى الرئيس إلى التوحيد مقدمه ..... وله عليه من الأملاء تأمين
فلو تراه وريح الشوق تزعجه ..... تجرى وما فيه تحريك وتسكين
إن الأوائل في الإنسان مودعة ..... نور ونار وطين فيه مسنون
وأودع الوصل ما بيني على كثب ..... وبين زلى مفروض ومسنون "كثب : المقصود القرب"
فالسر باللّه من خلفي ومن خلفي ..... إذا تحققت موصول وممنون
يقول في القلب روح الحق فاعتبروا ..... فإن قلب كتاب اللّه ياسين
"روى الترمذي في صحيحه عن أنس رضى اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «إن لكل شئ قلبا وقلب القرآن يس»"
من بعد ما قد أتى من قبل نفخته ..... علىّ من دهره في نشأتى حين
لا يعرف الملك المعصوم ما سببي ..... ولا العيون الذي تبكيه تبيين
لما تسترت عن صلصال مملكتي ..... أخفانى عن علمه في عينه الطين
فكان يحجبه عنى وعن صفتي ..... غيم العمى وأنا في الغيب مخزون
فعند ما قمت فيه صار مفتخرا ..... يمشى الهوينا وفي أعطافه لين
لما سرى القلب للأعلى وجاز على ..... عدن وغازله حوراتها العين
غض الجفون ولم يثنى العنان لها ..... لما مضى عن هواه الفرض والدين «المعنى: أبعد نظره عن رؤيتهن»
فعند ما قام فوق العرش بايعه ..... اللوح والقلم العلام والنون
فلو تراه وقد أخفى حقيقته ..... فإن فوق استواء الحق تمكين
فإن تجلى إلى كون بحكمته ..... له على ظهر ذات الكون تعيين
فلا يزال لمزج الملقيات به ..... يقول للكائنات في وجه الورى كونوا
فكل قلب سهى عن سر حكمته ..... في كل كون فذاك القلب مغبون
فاعلم بأنك لا تدرى الإله إذا ..... ما لم يكن قبل يرموك وصفين
فاعرف إلهك من قبل الممات فإن ..... تمت أنت على التقليد مسجون
وإن تجليت في شرقي مشهده ..... علما تنزل فيك العال والدون
ولاح في كل ما يخفى ويظهره ..... من التكاليف تقبيح وتحسين
فافهم فديتك سر اللّه فيك ولا ..... تظهره فهو عن الأغيار مكنون
وغر عليه وصنه ما حييت به ..... فالسر ميت بقلب الحرة مدفون
فلما سمع منتهى القلوب، ووقف على شرف الغيوب ورأى ما حوته هذه المملكة الإنسانية من الصفات الربانية والأسرار الروحانية، جثى على ركبته وانسلخ عن ظلمته، وقال إني اكتم للسر فأوضح الأمر فقد زال النكران، وطرد الشيطان بعناية الرحمن.
(إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) «سورة الحجر آية 42»
وصف الخير فإني أسلم وعلمني فإني أتعلم، قلت:
فلم أزل بهذا المشهد السنى والمقام العلى، أغدو وأروح، في غيوق وصهوح إلى أن تمكن الأمر لدى وحصلت المفاتيح التوفى بين يدي، فلما أن اتصفت بهذا التحصيل، وهيأتى الحق للتقديم، ورشحنى للتفصيل، علمت أنه تعالى يريد رجوع إلى عالم الشهادة، فقبلته على شرط الإبقاء لحال وزيادة، إذ لا دليل قاطع بوجود نهاية، ولا تحقق لأحد بغاية، إذ هو القائل سبحانه قول تنزيه وتمجيد:
(لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) «سورة ق الآية 35»
فحصل للمتصف بهذا المقام نفوذ إرادته في ملكه، وزيادة ما لم تتصف الهمة بدركه فتعود إرادته في قوله:
(فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ) «سورة المائدة الآية 52»
لكان شرط الوفاء بعهده والزيادة في تتميم الآية بقوله سبحانه (أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) «سورة المائدة الآية 52»
فعند انصرافه من غير مفارقة الرفيق إلى عالم الترفيع والتلفيق؛ تلقتنى حوادث الأكوان في الطريق فعند ذلك عرفت من الحادثات الآنية والآتية ما شهدته وعلمت من الكائنات العلوية والصفلية ما وجدته وأنا الآن من ذلك الوقت إلى حين هلكتى وافتراق ملكتى في تلك الرجعة المشهدية بتلك الصفة الأحدية، ومن ذلك هدهد أمين جاء بنبأ يقين.
وقد تحسد بثلاثة أنوار وأغطيته أسرار وممن سلم على ممن أفقه، واظهر لي بعض خلقه كوكب الأفوال في رد إلفه وقمر بازغا في حلة الهداية المشرقة، فاعطى كل نور حقيقته، وأوضح لنا طريقته، ثم تلاهما الشمس الأكبر والنور الأزهر، الذي يجلوا السدف وينير الغرف ويزيل الكلف وهو التجلي المثالي «والنور الإرسالى، فسلم إلى في مغرب الغمى حتى يصل الأجل المسمى.
فإذا دنا الأجل واقترب من طلع هاديا من حيث غرب، وهذا هو شمس التوجيه، ومقام التنزيه، بأقواله يزول الإشراك، وتنحل عقد الإشراك، فيفلت صيدها ويرتفع كيدها، وهذا لأقول كله على قسمين لذي عينين فإن جعل أفوالها في قلبه، فهو على نور من ربه في عالم غيبه، فبقى له نور قربه، ويكون له نور على نور وسرور وارد على سرور، وأن أظلم المحل الأضواء عند أفوالها، فهو معرّى من صفات مقيلها، قد غرق في بحر الذات الأقدسية متجردا عن أثواب صفاتها المعنوية، فانظر إلى هذا السر السنى ما أعجبه، وإلى هذا الذوق الشهى ما أعجبه وأعذبه وبقيت مع هذا النور الشمسي في مقامه الأقدسى أناجيه أعواما وليالي قمرية؛ وأياما.
وقد أضح اللّه لنا العلامة، بأنه خاتم الإمامة أعنى الإمامة المحمدية الجزئية؛ لا الإمامة المطلقة الكلية، فمن فهم فليعلم، ومن جهل فليقرع الباب وليلزم، ما دام هذا النور ثابتا في أفقه قبل أفوله في حقه، فحققت ما لديه، وعلمت ما جعل الحق من الأسرار في يديه ومن ذلك رحيق مختوم مزاجه تسنيم، إلى أن دخل عام خمسة وتسعين نصف اليوم.
واتجلى عن الشمس ظلام الغيم وأنا على حالتي في رجوعي المذكور بعلمى المشهور وعلمي المستور، في غلائل النور وإنما كان هذا الرحيق بالمسك مختوما، وكان مزاجه تسنيما لأنه تابع متبوع وسامع مسموع، وستأتي الإشارة إليه من بعد.
ويكون له الوعد والوعيد فلما دخل العام المذكور، ومضت منه ثلاثة شهور، تلقاني عند فراقي لهذه الشمس المغربية، وتركى لها في العصابة اليثربية، الختم برحيقه، وأوضح لي التسنيم مزاج طريقه، فرأيت ختم أولياء اللّه حق.
في مقعد الإمامة الإحاطية والصدق فكشف لي عن سر محتدة وأمرات بتقبيل يده ورأيته متدليا على الصديق والفاروق متدانيا من الصادق المصدوق، محاذيا له من جهة الأذن قد ألقى السمع لتلقى الأذن ولو تقدمه منشور، وخاتماه نور على نور، فكان له في ذلك الجمع الطهور ومن عداه فيه كلابس ثوبي زور، والشمس اليقينية قد قبلت يده مثلي ولحظتها.
فقال : الختم هي من أهل، ثم نازعني الحديث، وتقتيا بالقديم والحديث والساقي يحب المدامة، ويبدأ بساق عرش الإمامة وهو ينعطف على عطفه نشوان ويغازلنى مغازلة هيمان ويقول ردني برداء الكتم، فإني أنا الختم الأولى بعدى ولا حامل لعهدى، بفقدى تذهب الدول، وتلتحق الأخريات بالأول:
وكان ما كان مما لست أذكره ..... فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر
ولما تناجت القلوب بأسرارها وطلعت شموس الغيوب من سماء أنوارها، وأخذ المجلس حده ودخل أبو العباس وصاحبه عنده انصرفت متحققا بما عرفت ولم تبق نكتة نادرة إلا على باب حضرتي واردة وصادرة، ولولا عهد الغيرة ما أخذ، ودخيل إلا فشا الذي نبذ لأبرزناه لكم في حلته وبيته ولكن سأجعله لكم وراء كنيته، فمن اجترى ورفع ستره، رأى سيره.
وهكذا فعله في شمس غربنا، أظهرها لكم من وراء قلبنا في حجاب غيبنا.
فمن كان ذا كشف علوي، وحزم قوى شق عن قلبي حتى يرى فيه شمس زلى، فمن امتطا عتيق الإفشاء طلب ولحق، ومن نزل عن متنه إلى ذلول الكتم نجا والتحق إلا أن كان كما أفعله وفعله من قبلي من خفى رمز، ودرج معنى في معمى ولغز، ومن ذلك البحر المتقدم المذكور أرخا الستور على البدور، ولما دخل شهر ميلاد النبي محمد صلى اللّه عليه وسلم بعث إلى سبحانه رسول الإلهام وهو الوحي الذي أبقاه علينا، والخطاب الذي جعل منه إلينا ثم أردفه بميسرة ساطعة في روضة يانعة.
يأمرني فيها بوضع هذا الكتاب المكنون، والسر المصون المخزون وسلماه لي بكتاب الكشف والكتم، في معرفة الخليفة والختم، فراجعت الملك في هذه العلامة، فقال أيها الفتى، ثم عاد إلى وما رحل وفرش المحل الأقدس ونزل.
وقال الحضرة قد وسميته بكتاب سدرة المنتهى وسر الأنبياء في معرفة الخليفة وختم الأولياء. فقلت إني لا أجد في نفسي لهذه السمة نكتة، فلا تعجل على ولا تأخذنى بغته فقال إني استحى، فقلت ربى الذي يميت ويحيى فلما كان يوم الجمعة والخطيب على أعواده يدعو قلوب أولياء اللّه وعباده إذ وجدت برد كف الجذب من حضرة القرب فتلقيت في الغفلة الكلمات، وتوفرت دواعي القثب لما يرد عليه من النسمات، فإذا الخطاب الأنفس من المقام الأقدس هل تقنع أيها الخطيب المغرب والمنتقد المعجب.
(بعنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب) ونكتة سر الشفا في القرن اللاحق بقرن المصطفى.
وصل وهذه الإشارات كلها راجعة إلى النسخة الصغرى لا إلى النسخة الكبرى فقد بينت لك آنفا إنه لا فائدة في معرفة ما خرج عن ذاتك إلا أن يتعلق به سبيل نجاتك، فشمس المغرب ما طلع في عالم عيبك من أقوال العلوم.
وتجلى إلى قلبك من أسرار الخصوص والعموم. كما أن الختم ما ختم به على مقامك.
عند منتهى مقامك وكذلك إذا كنت في زمانك الخاص بك بين إخوانك على ما كان عليه من تقدم من صحابه النبي صلى اللّه عليه وسلم من العمل السنى والتجلي العلى فقد لحق زمانك بزمانها وصرت من جملة أقرانهم.
ومن ذلك رفع ستر. ومجاهدة فكر. لما نص ما ذكرته.
وورد على بما سطرته قال هل رأيت يا محمد هذه الإشارة.
في تأخر الوزارة عن الأمير في وقت الإمارة. لولا خلافة الصديق.
لرجع الناس عن الطريق. لعدم الكشف ومعرفة الصرف. وهل الخليفة إلا بعد ثبوت المستخلف.
ولهذا توقف المجادل المتعسف.
قل له يا محمد هيهات يا إنسان لا بد من كونه فكأنه قد كان ولكنه غير موجود في عالم التغيير والحدثان.
وإنما الحكمة أخرته لسر أضمرته. سيظهر ذلك السر في أو انه وحول زماناه، فشمس المغرب دون رتبة للصديق فعليك بالكتم كما إن صلوا من دون تمت لواء الختم.
وذلك إن أنوار الغيوب الساطعة في القلوب. التي كنينا عنها قد ينالها من ليس بصديق أكبر.
ولا له ذلك الأخطر الأزهر بل قد ينالها الممكور به المستدرج المغبون، وسر هذا في قوله سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ «سورة الأعراف الآية 182»
والصديقية لا ينالها إلا أهل الولاية. ومن كان له عند اللّه أزلا شابق عناية. وهي السبيل في نجاة من اتصف بها.
وتذهب بمذهبها فلهذا جعلنا الشمس دونها وإليها ركونها كما أن الحتم فوق رتبة الصديق إذا كان الممهد للطريق. الذي مشى عليه عتيق «عتيق: لقب من ألقاب الصديق الأكبر سيدنا أبو بكر لأنه بشر يعتقه من النار، ولو سامة وجهه الطلق السمح وضاءة الخلق والخلق والإيمان».
فالختم نبوي المحتد علوي المشهد فلهذا جعلناه فوق الصديق كما جعله الحق فإنه أخذ نوره من مشكاة النبوة أكبر ممن أخذه من مشكاة العديقية فيين التابع والصاحب ما بين الشاهد والغائب ولما صح أن الختم متقدم الجماعة يوم قيام الساعة ثبت أن له حشرين وإنه صاحب الختمين ويشركه ذو الأجنحة في حشرته.
وينفرد الختم بخاتميه، وذوا الأجنحة في الإنسان من غلبت على الروحانية، والتحق بتطهير نفسه بالرتبة الملكية ولا دفاع عندنا في هذا المقام ولا نزاع، وعلى قدر ارتقائه فيها يكون مع صاحب مثنى أو رباع فإن كان أمين الأرواح فيكون له ستمائة جناح .
« قال تعالى: "الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" .
وقوله تعالى : "أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ أي يطيرون بها ليبلغوا ما أمروا به سريعا ومنهم من له جناحات ومنهم من له ثلاثة ومنهم من له أربعة ومنهم من له أكثر من ذلك كما جاء في الحديث أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام ليلة الإسراء وله ستمائة جناح بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب، روى في كثير من المسانيد والحديث صحيح.»
ولا حرج عليه في ذلك ولا جناح، وإنما سميناه خاتما، وجعلناه على الأولياء حاكما لأنه يأتي يوم القيامة وفي يده اليمنى، محل الملك الأسنى. خاتم مثالي جسماني وفي يده اليسرى محل الإمام الأسرى بخاتم نزالى روحاني، وقد انتشر باليسار باليمين في زمرة أهل التعيين.
وقد انتشر باليسار مع أهل التمكين، خصص بعلمين، وخوطب باسمين، فتفطن أيها اللبيب لهذه الأسرار واسعى لضياء هذه الأنوار، ومن ذلك رهن إغلاق أخذ ميثاق، ولما سمعت ما ذكره وأظهر لعيني ما كان قبل ذلك عزم على في تقييد هذه النبذ الأقدسية وأخذ على العهد أن أخذها من غلائلها السندسية .«الغلائل جمع غلالة، وهو ما يغلق به الشئ والشئ المكنون والمراد من مكنون سر اللّه تبارك وتعالى.»
حتى لا تنبسم عن اغريض ولا يظهر تبرقبها وميض وقال أهو رهن يبدك وقد علق فلا تبتئس فامسك عليه ولا تخرجه فتعتلس فتوجه الأمر عند ذلك في إفشاء هذا السر المكتوم والكتاب المختوم بالتعريض لا تصريح وإعلام تنبيه وتلويح، ولما تلقيت منه الأمر على هذا الحدود دخلت تحت هذا العقد لزمني الوفاء بالعهد فأنا الآن أبدى وأعرض تارة وإياك أعنى فاسمعي يا جارة وكيف أبوح بسره وأبدى مكنون أمر وأنا الموصى به غيرى في غير ما وضع من نظمى ونثرى نبه على السر ولا تفشه فالبوح بالسر له مقت على الذي بيديه، فاصبر له واكتمه حتى يصل الوقت، فمن كان ذا قلب وفطنه، شغله طلب الحكمة عن البطنة فوقف على ما رمزناه «بالأصل «المعمى».
وفك المعنى الذي لغزناه ولولا الأمر الإلهى لشافهنا به الوارد والصادر، وجعلنا قوة المقيم وزاد المسافر ولكن قد جف القلم بما سبق في القدم فما أشرف الإنسان حيث جعله اللّه محل روحانية هذه الأكوان، فلقد أبدع اللّه سلخه حين أوجده وأكمل نسخة، واللّه الكفيل.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin