كتاب الحب والمحبة الإلهية من كلمات الشيخ الأكبر محيي الدين محمد ابن العربي لجامعها أ. محمود محمود الغراب
مقدمة كتاب الحب والمحبة الإلهية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، رأس المحبين والمحبوبين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد، اعلم وفقك الله تعالى لمحبته ، أنه لا يوجد شيء من جوهر ولا عرض، ولا وصف ولا صفة في الوجود الحادث، إلا وهو مستند إلى حقيقة إلهية ، من حيث نسبتها إلى الموجود القديم سبحانه وتعالى ، ولولا ذلك لما صح لها أن تظهر، ولا أن تعلم.
ومن ذلك الحب في الأكوان ، فإنه على اختلاف مراتبه يستند إلى حقيقة الحب الإلهي، الذي هو أصل وجود الحب في العالم، ولكن لما طال الأمد وقست القلوب ، اختلطت على الناس الأمور، فقد اندرست المباني، وضاعت المعاني، وغابت الجسوم، وبقيت الرسوم.
وأصبح المنكر معروفا، والمعروف منكرا، لا بل أمر بالمنكر ونهي عن المعروف، فأصبحت القيم لا معنى لها، وإن بقيت باهتة، وصارت توزن بموازين الزمان، عندما ضاع الميزان ، فلا يفرق الإنسان بين الإيمان العلمي والإيمان الذوقي، ولا بين الحب الحقيقي والحب الوهمي، ولا بين العلم بالصفة وبين قيامها بالموصوف، كما لا يفرق بين الجوع الحقيقي والجوع الكاذب، أو بين الحمل الطبيعي والحمل الكاذب، مثال ذلك الإيمان العلمي، وهو ما أمر به الحق سبحانه وأمر به نبيه بقوله : "فاعلم أنه لا إله إلا الله". وقوله تعالى : " وليعلموا إنما هو إله واحد" والدليل على هذا الإيمان وشاهده ، قول العبد "لا إله إلا الله".
قال صلى الله عليه وسلم :" أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم، وحسابهم على الله".
أما الإيمان الذوقي فينبه الحق تعالى عليه بقوله " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون، الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون، أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق ?ریم ".
وقوله تعالى: " والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا، لهم مغفرة ورزق ?ریم ".
فشهد سبحانه وتعالى للمهاجرين والأنصار بالإيمان
حقا، ويقول تعالى:" هو الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ".
وأقام الحق الشواهد على الإيمان ولم يتركه دعوی بلا بينة فقال تعالى:" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ".
وقال تعالى:" ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ".
وقال تعالى :" فلا تخافوهم وخافون إن ?نتم مؤمنين " . و " وعلى الله توكلوا إن كنتم مؤمنين " و "واتقوا الله إن ?نتم مؤمنين " .
وقال تعالى :" فأوفوا الكيل والميزان، ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين ".
"وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله. ورسوله إن كنتم مؤمنين ". و " أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين ".
هذه دلائل وبراهين على الإيمان الذوقي، عرفتها الأمم السابقة، لذلك قال هرقل لأبي سفيان عندما سأله عن أتباع النبي ، الذين اتبعوه في أول الدعوة ، فقال له: " سألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب» وقد صدق هرقل في ذلك.
إذ يقول تعالى عندما ذكر لنا قصة أصحاب الأخدود "قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود، وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود ".
فلم يرتد أحد عن دينه وهو يشاهد بعينيه عذاب النار، كل هذه موازين حسية وقلبية تشهد للعبد بالإيمان، لا يحتاج فيها إلى میزان من خارج " بل الإنسان على نفسه بصيرة" فمن تحقق في باطنه بها ذكره الله تعالى من شروط، وشهد له ظاهره مصدقا لباطنه، فقد رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.
لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ذاق طعم حلاوة الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا "- الحديث.
فجعل للإيمان شاهد الذوق، وشاهد الطعم، وشاهد الحلاوة فهذا هو الإيمان الذوقي لا الإيمان العلمي.
فأهل الإيمان الذوقي هم المؤمنون حقا، الذين ضمن لهم الله تعالى النصر والنصرة فقال تعالى :" وكان حقا علينا نصر المؤمنين".
فقابل حقا بحق، كذلك جميع المقامات، من صحبة وتو?ل وزهد وورع وخوف ورجاء وحياء وأمانة، إلى غير ذلك من المقامات كلها لها موازين وبراهين، غابت عن أكثر الناس.
ومن ذلك الحب فله موازينه وشواهده،
أتي بذلك القرآن الكريم والسنة المطهرة، قال تعالى :" فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ". و " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله" .
فلم يجعل الحق سبحانه حب العبد له دعوى بلا شاهد ولا برهان ، ?ما اشترط في حبه العبد الاتباع للرسول صلى الله عليه وسلم ، فقد قال صلى الله عليه وسلم :«لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وولده وأهله ونفسه التي بين جنبيه» .
وقال عن ربه في الحديث القدسي: «لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه» - الحديث.
وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مولاه ثوبان وقد اصفر وذبل، من فرط حبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وظنه أنه لا يجتمع به صلى الله عليه وسلم في الجنة .
فطمأنه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله «المرء مع من أحب» .
وكذا شاهد محبة أبي بكر الصديق بوضع قدمه على جحر الحية، حتى لدغته حماية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلى غير ذلك ما جاء في الصحاح وكتب الحديث والسير.
وقد سمعت شيخي الشيخ أحمد الحارون قدس الله سره يقول: سمعت أحد المجاذيب بدمشق واسمه محمد الساطي ينشد ويقول:
شفيعي مني دموع عيني وحسن ظني …. فبالذي قادني إليك ذليلا إلا عفوت عني
ورحم الله الإمام أبا حامد الغزالي إذ يقول: إذا قيل لك أتحب الله ورسوله؟
فاسكت. فإنك إن قلت: لا، كفرت. وإن قلت: نعم، طولبت بالدليل.
لذلك عملت على جمع هذا الكتاب من كلام الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي، في المحبة عموما والمحبة الإلهية خصوصا.
وأرجو الله تعالى أن يكون فيه بيان للناس وهدى لمن أراد أن يصدق مع نفسه، وهو میزان عام في الحب أيا كان تعلقه.
ولم أجد ما أقدم به هذا الكتاب أجمل ولا أكمل من كلام محب صادق، فتح الله عليه بالعبارة، وجعل البيان طوع بنانه ، ألا وهو الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الذي يقول:
الحمد لله الذي جعل الهوى حرما تحج إليه قلوب الأدباء، وكعبة تطوف بها أسرار ألباب الظرفا.
وجعل الفراق أمر كأس تذاق، وجعل التلاق عذب الجنی طيب المذاق، تجلى اسمه الجميل
سبحانه فألهي الألباب ، فلا غرقت في بحر حبه أغلق دونها الباب، وأمر أجناد الهوى، أن يضربوها بسيوف النوى.
فلما طاشت العقول وقيدها الثقيل، ودعاها داعي الاشتياق، وحركتها دواعي الأشواق.
رامت الخروج إليه عشقا، فلم تستطع، فذابت في أماكنها الضيقة ومسالكها الوعرة وجدا وشوقا.
واشتد أنينها، وطال حزنها وحنينها، ولم يبق إلا النفس الخافت، والإنسان الباهت.
ورئي لها العدو والشامت، فأذابها الأرق، وأتلفها القلق، وأنضجتها الواعج الحرق.
وفتك فيها الفراق بحسامه ، وجرعها مضاضة كأس مدامه .
واستولى عليها سلطان البين، فمحق الأثر والعين.
ونزلت بفنائها عساكر الأسف، وجردت عليها سيوف التلف.
وأيقنت بالهلاك، وعاينت مصارع الهلاك ، وما خافت ألم الموت، وإنما خافت حسرة الفوت.
فنادت يا جميل يا محسان، يا من قال : وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان .
يا من تيمني بحبه، وهيمني بين بعده وقربه ، تجليت فأبليت، وعشقت فأرقت. وأعرضت فأمرضت، فياليتك
مرضت، وأفرطت فقنطت، وأسست فأسست.
وأيست فأيأست، وقربت فدنوت، وبعدت فأبعدت،
وأجلست فآنست، وأسمعت فأطمعت، وكلمت فأكلمت، وخاطبت فأتعبت، وملكت فهتكت،
وأمل?ت فأهلكت، وأتهمت "تعنى :تنزلت ودنوت" ففرحت، وأنجدت" تعنى: تعاليت وارتفعت" فأترحت.
ونوهت فولهت، وزينت فأفتنت، وألهت فتيهت .
وفوهت فتوهت، وغلطت فنشطت، وعززت فعجژت، وأسلبت فأغفلت، وأمسكت فنسكت، ووسعت فجمعت،
وضيقت ففرقت، وأحرمت فأحللت، وأحللت فحرمت.
وهذا كله سهل إذا ما أنت أقبلت، فياليتني لم أخلق، وإذا خلقت لم أتحقق، وإذا تحققت لم أعشق.
وإذا عشقت لم أهجر، وإذا هجر لم أقبر، وإذا قبرث لم أنشر، وإذا نشرت لم أحشر.
وإذا حشرت لم أعتب، وإذا عوتبت لم أزجر، وإذا زجرت لم أطرد، وإذا طردت لم تسعر بي النار التي فيها على الحجب أن أنظر.
فلا سمع ندائي، وتقلبي في أنواع بلائي، بادر الحجاب، إلى رفع الحجاب، وتجلى المراد.
فنعمت العين والفؤاد، جعلنا الله وإياكم ممن عشق فلحق، وصبر فظفر. اللهم آمين
وهذا الكتاب يشرح ويفصل ما أجمله الشيخ الأكبر رضي الله عنه في هذا الكلام، ويضع بين يدي القارىء میزان يقيمه لنفسه وعليها، ليعلم أين هو من الحب؟
وهل أحب أو عرف الحب؟
فرحم الله عبدأ علمني الحب، أو دلني على من يعلمني الحب.
لا، لا تتعب نفسك ولا تتعنى، فإنها مواهب لا مكاسب، وهي من فيض العناية الإلهية ، جعلنا الله وإياكم أهلا لها ومحلا. اللهم آمين
مقدمة كتاب الحب والمحبة الإلهية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، رأس المحبين والمحبوبين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد، اعلم وفقك الله تعالى لمحبته ، أنه لا يوجد شيء من جوهر ولا عرض، ولا وصف ولا صفة في الوجود الحادث، إلا وهو مستند إلى حقيقة إلهية ، من حيث نسبتها إلى الموجود القديم سبحانه وتعالى ، ولولا ذلك لما صح لها أن تظهر، ولا أن تعلم.
ومن ذلك الحب في الأكوان ، فإنه على اختلاف مراتبه يستند إلى حقيقة الحب الإلهي، الذي هو أصل وجود الحب في العالم، ولكن لما طال الأمد وقست القلوب ، اختلطت على الناس الأمور، فقد اندرست المباني، وضاعت المعاني، وغابت الجسوم، وبقيت الرسوم.
وأصبح المنكر معروفا، والمعروف منكرا، لا بل أمر بالمنكر ونهي عن المعروف، فأصبحت القيم لا معنى لها، وإن بقيت باهتة، وصارت توزن بموازين الزمان، عندما ضاع الميزان ، فلا يفرق الإنسان بين الإيمان العلمي والإيمان الذوقي، ولا بين الحب الحقيقي والحب الوهمي، ولا بين العلم بالصفة وبين قيامها بالموصوف، كما لا يفرق بين الجوع الحقيقي والجوع الكاذب، أو بين الحمل الطبيعي والحمل الكاذب، مثال ذلك الإيمان العلمي، وهو ما أمر به الحق سبحانه وأمر به نبيه بقوله : "فاعلم أنه لا إله إلا الله". وقوله تعالى : " وليعلموا إنما هو إله واحد" والدليل على هذا الإيمان وشاهده ، قول العبد "لا إله إلا الله".
قال صلى الله عليه وسلم :" أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم، وحسابهم على الله".
أما الإيمان الذوقي فينبه الحق تعالى عليه بقوله " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون، الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون، أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق ?ریم ".
وقوله تعالى: " والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا، لهم مغفرة ورزق ?ریم ".
فشهد سبحانه وتعالى للمهاجرين والأنصار بالإيمان
حقا، ويقول تعالى:" هو الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ".
وأقام الحق الشواهد على الإيمان ولم يتركه دعوی بلا بينة فقال تعالى:" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ".
وقال تعالى:" ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ".
وقال تعالى :" فلا تخافوهم وخافون إن ?نتم مؤمنين " . و " وعلى الله توكلوا إن كنتم مؤمنين " و "واتقوا الله إن ?نتم مؤمنين " .
وقال تعالى :" فأوفوا الكيل والميزان، ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين ".
"وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله. ورسوله إن كنتم مؤمنين ". و " أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين ".
هذه دلائل وبراهين على الإيمان الذوقي، عرفتها الأمم السابقة، لذلك قال هرقل لأبي سفيان عندما سأله عن أتباع النبي ، الذين اتبعوه في أول الدعوة ، فقال له: " سألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب» وقد صدق هرقل في ذلك.
إذ يقول تعالى عندما ذكر لنا قصة أصحاب الأخدود "قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود، وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود ".
فلم يرتد أحد عن دينه وهو يشاهد بعينيه عذاب النار، كل هذه موازين حسية وقلبية تشهد للعبد بالإيمان، لا يحتاج فيها إلى میزان من خارج " بل الإنسان على نفسه بصيرة" فمن تحقق في باطنه بها ذكره الله تعالى من شروط، وشهد له ظاهره مصدقا لباطنه، فقد رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.
لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ذاق طعم حلاوة الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا "- الحديث.
فجعل للإيمان شاهد الذوق، وشاهد الطعم، وشاهد الحلاوة فهذا هو الإيمان الذوقي لا الإيمان العلمي.
فأهل الإيمان الذوقي هم المؤمنون حقا، الذين ضمن لهم الله تعالى النصر والنصرة فقال تعالى :" وكان حقا علينا نصر المؤمنين".
فقابل حقا بحق، كذلك جميع المقامات، من صحبة وتو?ل وزهد وورع وخوف ورجاء وحياء وأمانة، إلى غير ذلك من المقامات كلها لها موازين وبراهين، غابت عن أكثر الناس.
ومن ذلك الحب فله موازينه وشواهده،
أتي بذلك القرآن الكريم والسنة المطهرة، قال تعالى :" فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ". و " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله" .
فلم يجعل الحق سبحانه حب العبد له دعوى بلا شاهد ولا برهان ، ?ما اشترط في حبه العبد الاتباع للرسول صلى الله عليه وسلم ، فقد قال صلى الله عليه وسلم :«لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وولده وأهله ونفسه التي بين جنبيه» .
وقال عن ربه في الحديث القدسي: «لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه» - الحديث.
وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مولاه ثوبان وقد اصفر وذبل، من فرط حبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وظنه أنه لا يجتمع به صلى الله عليه وسلم في الجنة .
فطمأنه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله «المرء مع من أحب» .
وكذا شاهد محبة أبي بكر الصديق بوضع قدمه على جحر الحية، حتى لدغته حماية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلى غير ذلك ما جاء في الصحاح وكتب الحديث والسير.
وقد سمعت شيخي الشيخ أحمد الحارون قدس الله سره يقول: سمعت أحد المجاذيب بدمشق واسمه محمد الساطي ينشد ويقول:
شفيعي مني دموع عيني وحسن ظني …. فبالذي قادني إليك ذليلا إلا عفوت عني
ورحم الله الإمام أبا حامد الغزالي إذ يقول: إذا قيل لك أتحب الله ورسوله؟
فاسكت. فإنك إن قلت: لا، كفرت. وإن قلت: نعم، طولبت بالدليل.
لذلك عملت على جمع هذا الكتاب من كلام الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي، في المحبة عموما والمحبة الإلهية خصوصا.
وأرجو الله تعالى أن يكون فيه بيان للناس وهدى لمن أراد أن يصدق مع نفسه، وهو میزان عام في الحب أيا كان تعلقه.
ولم أجد ما أقدم به هذا الكتاب أجمل ولا أكمل من كلام محب صادق، فتح الله عليه بالعبارة، وجعل البيان طوع بنانه ، ألا وهو الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الذي يقول:
الحمد لله الذي جعل الهوى حرما تحج إليه قلوب الأدباء، وكعبة تطوف بها أسرار ألباب الظرفا.
وجعل الفراق أمر كأس تذاق، وجعل التلاق عذب الجنی طيب المذاق، تجلى اسمه الجميل
سبحانه فألهي الألباب ، فلا غرقت في بحر حبه أغلق دونها الباب، وأمر أجناد الهوى، أن يضربوها بسيوف النوى.
فلما طاشت العقول وقيدها الثقيل، ودعاها داعي الاشتياق، وحركتها دواعي الأشواق.
رامت الخروج إليه عشقا، فلم تستطع، فذابت في أماكنها الضيقة ومسالكها الوعرة وجدا وشوقا.
واشتد أنينها، وطال حزنها وحنينها، ولم يبق إلا النفس الخافت، والإنسان الباهت.
ورئي لها العدو والشامت، فأذابها الأرق، وأتلفها القلق، وأنضجتها الواعج الحرق.
وفتك فيها الفراق بحسامه ، وجرعها مضاضة كأس مدامه .
واستولى عليها سلطان البين، فمحق الأثر والعين.
ونزلت بفنائها عساكر الأسف، وجردت عليها سيوف التلف.
وأيقنت بالهلاك، وعاينت مصارع الهلاك ، وما خافت ألم الموت، وإنما خافت حسرة الفوت.
فنادت يا جميل يا محسان، يا من قال : وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان .
يا من تيمني بحبه، وهيمني بين بعده وقربه ، تجليت فأبليت، وعشقت فأرقت. وأعرضت فأمرضت، فياليتك
مرضت، وأفرطت فقنطت، وأسست فأسست.
وأيست فأيأست، وقربت فدنوت، وبعدت فأبعدت،
وأجلست فآنست، وأسمعت فأطمعت، وكلمت فأكلمت، وخاطبت فأتعبت، وملكت فهتكت،
وأمل?ت فأهلكت، وأتهمت "تعنى :تنزلت ودنوت" ففرحت، وأنجدت" تعنى: تعاليت وارتفعت" فأترحت.
ونوهت فولهت، وزينت فأفتنت، وألهت فتيهت .
وفوهت فتوهت، وغلطت فنشطت، وعززت فعجژت، وأسلبت فأغفلت، وأمسكت فنسكت، ووسعت فجمعت،
وضيقت ففرقت، وأحرمت فأحللت، وأحللت فحرمت.
وهذا كله سهل إذا ما أنت أقبلت، فياليتني لم أخلق، وإذا خلقت لم أتحقق، وإذا تحققت لم أعشق.
وإذا عشقت لم أهجر، وإذا هجر لم أقبر، وإذا قبرث لم أنشر، وإذا نشرت لم أحشر.
وإذا حشرت لم أعتب، وإذا عوتبت لم أزجر، وإذا زجرت لم أطرد، وإذا طردت لم تسعر بي النار التي فيها على الحجب أن أنظر.
فلا سمع ندائي، وتقلبي في أنواع بلائي، بادر الحجاب، إلى رفع الحجاب، وتجلى المراد.
فنعمت العين والفؤاد، جعلنا الله وإياكم ممن عشق فلحق، وصبر فظفر. اللهم آمين
وهذا الكتاب يشرح ويفصل ما أجمله الشيخ الأكبر رضي الله عنه في هذا الكلام، ويضع بين يدي القارىء میزان يقيمه لنفسه وعليها، ليعلم أين هو من الحب؟
وهل أحب أو عرف الحب؟
فرحم الله عبدأ علمني الحب، أو دلني على من يعلمني الحب.
لا، لا تتعب نفسك ولا تتعنى، فإنها مواهب لا مكاسب، وهي من فيض العناية الإلهية ، جعلنا الله وإياكم أهلا لها ومحلا. اللهم آمين
أمس في 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin