..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: تنبيه السالكين إلى غرور المتشيخين للشيخ حسن حلمي الدغستاني
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "46 - 103"آل عمران Emptyأمس في 20:03 من طرف Admin

» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "46 - 103"آل عمران Emptyأمس في 20:02 من طرف Admin

» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "46 - 103"آل عمران Emptyأمس في 19:42 من طرف Admin

» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "46 - 103"آل عمران Emptyأمس في 19:39 من طرف Admin

» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "46 - 103"آل عمران Emptyأمس في 19:37 من طرف Admin

» كتاب: نُسخة الأكوان في معرفة الإنسان ويليه رسائل أخرى ـ الشّيخ محيي الدين بن عربي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "46 - 103"آل عمران Emptyأمس في 19:34 من طرف Admin

» كتاب: كشف الواردات لطالب الكمالات للشيخ عبد الله السيماوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "46 - 103"آل عمران Emptyأمس في 19:31 من طرف Admin

» كتاب: رسالة الساير الحائر الواجد إلى الساتر الواحد الماجد ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "46 - 103"آل عمران Emptyأمس في 19:28 من طرف Admin

» كتاب: رسالة إلى الهائم الخائف من لومة اللائم ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "46 - 103"آل عمران Emptyأمس في 19:26 من طرف Admin

» كتاب: التعرف إلى حقيقة التصوف للشيخين الجليلين أحمد العلاوي عبد الواحد ابن عاشر
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "46 - 103"آل عمران Emptyأمس في 19:24 من طرف Admin

» كتاب: مجالس التذكير في تهذيب الروح و تربية الضمير للشيخ عدّة بن تونس
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "46 - 103"آل عمران Emptyأمس في 19:21 من طرف Admin

» كتاب غنية المريد في شرح مسائل التوحيد للشيخ عبد الرحمن باش تارزي القسنطيني الجزائري
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "46 - 103"آل عمران Emptyأمس في 19:19 من طرف Admin

» كتاب: القوانين للشيخ أبي المواهب جمال الدين الشاذلي ابن زغدان التونسي المصري
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "46 - 103"آل عمران Emptyأمس في 19:17 من طرف Admin

» كتاب: مراتب الوجود المتعددة ـ الشيخ عبد الواحد يحيى
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "46 - 103"آل عمران Emptyأمس في 19:14 من طرف Admin

» كتاب: جامع الأصول في الأولياء و دليل السالكين إلى الله تعالى ـ للسيد أحمد النّقشبندي الخالدي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "46 - 103"آل عمران Emptyأمس في 19:12 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "46 - 103"آل عمران

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "46 - 103"آل عمران Empty من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "46 - 103"آل عمران

    مُساهمة من طرف Admin 19/4/2020, 22:28

    كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ج 1 من كلام الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي جمع وتأليف محمود محمود الغراب
    سورة آل‌عمران ( 3 ) : آية 46
    وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ ( 46 )
    كان كلام عيسى عليه السلام في المهد دلالة على براءة أمه مما نسب إليها :

    سورة آل‌عمران ( 3 ) : آية 47
    قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ( 47 )
    وقال تعالى : ( إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )وأصمنا الحق عن إدراك هذا القول إلا بطريق الإيمان ، وأعمانا عن توجهه على إيجاد الأشياء ، بما نصب من الأسباب ، فيحتاج السمع إلى شق هذه الحجب حتى يسمع قول كن ، فخلق في المؤمن قوة الإيمان ، فسرت في سمعه فأدرك قول كن ، وسرت في بصره فشاهد المكون للأسباب :

    سورة آل‌عمران ( 3 ) : الآيات 48 إلى 49
    وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ ( 48 ) وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ( 49 )
    هذه الآية دالة على أنه ما من موجود خلقه اللّه عند سبب إلا بتجل إلهي خاص لذلك الموجود ، لا يعرفه السبب ، فيتكون هذا الموجود ، وهو قوله سبحانه وتعالى :« فَأَنْفُخُ فِيهِ »فلم يكن للسبب غير النفخ« فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ »فالطائر إنما كان لتوجه أمر اللّه عليه بالكون ، وهو قوله تعالى( كُنْ )بالأمر الذي يليق بجلاله ، فالعامل في قوله تعالى« بِإِذْنِ

    ص 441

    اللَّهِ »يتعلق بيكون طيرا ، وأما عند مثبتي الأسباب فيتعلق بقوله« فَأَنْفُخُ »فإنه نسب الخلق إلى عيسى عليه السلام ، وهو إيجاد صورة الطائر في الطين ، ثم أمره أن ينفخ فيه ، فقامت تلك الصورة التي صورها عيسى عليه السلام طائرا حيّا ، وقوله« بِإِذْنِ اللَّهِ »يعني الأمر الذي أمره اللّه به في خلقه صورة الطائر ، والنفخ وإبراء الأكمه والأبرص وإحيائه الميت ، فأخبر أن عيسى عليه السلام لم ينبعث إلى ذلك من نفسه ، وإنما كان عن أمر اللّه ، ليكون ذلك وإحياء الموتى من آياته على ما يدعيه ، ويخرج عليه السلام ممن يدّعى فيه الخلق ، إذ يقول تعالى( قُلْ أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِأَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ ) *فلو قالوا عيسى دعي إلها من دون اللّه وقد خلق من الأرض ، لذلك قدم الحق لأجل هذا القول أن خلق عيسى للطير كان بإذن اللّه ، فكان خلقه له عبادة يتقرب بها إلى اللّه ، والمأمور عبد ، والعبد لا يكون إلها ، فكل خلق أضيف إلى خلق فمجاز وصورة حجابية ، ليعلم العالم من الجاهل ، وفضل الخلق بعضهم على بعض . واعلم أنه لما وجد عيسى من غير شهوة طبيعية ، فإنه كان من باب التمثيل في صورة البشر ، فكان غالبا على الطبيعة بخلاف من نزل عن هذه الرتبة ، ولما كان الممثل به روحا في الأصل كانت في قوة عيسى إحياء الموتى ، ألا ترى السامري لمعرفته بأن جبريل معدن الحياة حيث سلك ، أخذ من أثره قبضته فرماها في العجل فخار وقام حيا .

    سورة آل‌عمران ( 3 ) : الآيات 50 إلى 52
    وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ( 50 ) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ ( 51 ) فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ( 52 )

    الحواريون هم العلماء أتباع عيسى عليه السلام ، والحواري هو من جمع في نصرة الدين بين السيف والحجة ، فأعطي العلم والعبارة والحجة وأعطي السيف والشجاعة والإقدام ، ومقاومة التحدي في إقامة الحجة على صحة الدين المشروع .


    ص 442


    سورة آل‌عمران ( 3 ) : آية 53
    رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ ( 53 )
    فأضافوا الإيمان إليهم إيجادا . فقول اللّه لهم« آمِنُوا بِاللَّهِ »تقريرا لصحة ما نسبوه من الأفعال إليهم بهذه الإضافة ، فهي إضافة شرعية :


    سورة آل‌عمران ( 3 ) : آية 54
    وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ ( 54 )
    ومكر اللّه وهو عين مكرهم ، فرده اللّه عليهم ، فهو عين مكر اللّه بهم ، لا أنه استأنف مكرا آخر ، ومنه إرداف النعم مع المخالفة وإبقاء الحال مع سوء الأدب .

    سورة آل‌عمران ( 3 ) : الآيات 55 إلى 59
    إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ( 55 ) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ ( 56 ) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ( 57 ) ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ( 58 ) إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ( 59 )
    لما قال أهل الطبيعة إن ماء المرأة لا يتكون منه شيء ، وإن الجنين الكائن في الرحم إنما هو من ماء الرجل ، كان تكوين جسم عيسى عليه السلام تكوينا آخر ، وإن كان تدبيره في الرحم تدبير أجسام البنين ، فإن كان من ماء المرأة إذ تمثل لها الروح بشرا سويا ، أو كان عن نفخ بغير ماء ، فعلى كل وجه هو جسم رابع مغاير في النشء غيره من أجسام النوع الإنساني ،[ مثل عيسى ]
    ولذلك قال تعالى« إِنَّ مَثَلَ عِيسى »أي صفة نشء عيسى« عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ


    ص 443

    آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ »الضمير يعود على آدم ، ووقع الشبه في خلقه من غير أب ، أي صفة نشئه صفة نشء آدم ، إلا أن آدم خلقه من تراب« ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ »فشبه الكامل وهو عيسى عليه السلام بالكامل وهو آدم عليه السلام من حيث خلقه بقوله كن ، فصفته صفة آدم في صدوره عن الأمر ، فأوقع التشبيه في عدم الأبوة الذكرانية ، من أجل أنه نصبه دليلا لعيسى في براءة أمه ، ولم يوقع التشبيه بحواء وإن كان الأمر عليه ، لكون المرأة محل التهمة لوجود الحمل ، إذ كانت محلا موضوعا للولادة ، وليس الرجل بمحل لذلك ، والمقصود من الدلالة ارتفاع الشكوك ، وفي حواء من آدم لا يقع الالتباس لكون آدم ليس محلا لما صدر عنه من الولادة ، وهذا لا يكون دليلا إلا عند من ثبت عنده وجود آدم وتكوينه والتكوين منه ، وكما لا يعهد ابن من غير أب ، كذلك لا يعهد من غير أم ، فالمثل من طريق المعنى أن عيسى كحواء ، ولكن لما كان الدخل يتطرق في ذلك من المنكر لكون الأنثى كما قلنا محلا لما صدر عنها ، ولذلك كانت التهمة ، كان التشبيه بآدم لحصول براءة مريم مما يمكن في العادة ، فظهور عيسى من مريم من غير أب كظهور حواء من آدم من غير أم ، فكما وجد أنثى من ذكر وجد ذكر من أنثى ، فختم بمثل ما به بدأ في إيجاد ابن من غير أب كما كانت حواء من غير أم ، ثم أن عيسى على ما قيل لم يلبث في بطن مريم لبث البنين المعتاد ، لأنه أسرع إليه التكوين لما أراد اللّه أن يجعله آية يردّ به على الطبيعيين ، حيث حكموا على الطبيعة بما أعطتهم من العادة ، لا بما تقتضيه مما أودع اللّه فيها من الأسرار والتكوينات العجيبة - الوجه الثاني - قوله تعالى« إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ »هذا الاشتراك في الفردية ، غير أن جسد عيسى عليه السلام أخلص ، ولهذا سماه روحا ، وسمى ذلك آدم من الأدمة ، فإنه مأخوذ من أديم الأرض ، وأين الأدمة من الصفاء النوراني ، ولهذا قال« خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ »ولم يقل « خلقهما » والضمير يعود على أقرب مذكور ، ومعنى الاشتراك في الفردية هو أن فردانية اللطيفة الإنسانية ثبتت له بتقدم الاثنين ، وهو تسوية البدن وتوجه الروح الكلي ، فظهرت النفس الجزئية التي هي اللطيفة الإنسانية فكانت فردا ، فظهرت الفردية في الأجسام الإنسانية في موضعين . في آدم عليه الصلاة والسلام( فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) ، *وفي عيسى عليه الصلاة والسلام( وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا )ولهذا قال تعالى« إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ »- الوجه

    ص 444

    الثالث - لما كان عيسى عليه السلام هو الذي ستختم به الولاية المطلقة بنزوله ، نبه اللّه تعالى على ختمية الظهور به وتمام دورته بقوله سبحانه« إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ »فإن مماثلة عيسى لآدم عليهما السلام ليست من قبل المادة في خلقه ، ولذلك عرف اللّه تعالى خلق آدم بأنه من تراب ، ولكن المماثلة في ختميته الظهور الآدمي النبوي ، كما كان آدم خاتم انبساط الظهور للعالم من الغيب إلى الشهادة ، وابتداء المرآة الكاملة الإنسانية ، فهو المطلع الأول الذي هو أول مظاهر الكمال في الخلافة الظاهرة ، ثم أخذ يترقى بسطا في ذريته ، كما كان بروز الظهور في الوجود وأحكامه بالتدريج من الغيب إلى الشهادة حتى انتهى إلى آدم عليه السلام ، فلذلك أيضا كان يرتقي بسطا من آدم في ذريته حتى انتهى إلى عيسى ، فكان خاتما لظهور المرائي الإنسانية التي تنسبط بها التجلي ، الذي هو في مقابلة الغيب والشهادة ، وابتداء الرجوع إلى البطون ، فلذلك قال فيه« فَيَكُونُ »ولم يقل فكان ، لأنه تمام زوجية العالم ، فهو ينبسط فيمن بعده إلى تمام النسخة الآدمية .

    سورة آل‌عمران ( 3 ) : الآيات 60 إلى 62
    الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ( 60 ) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ( 61 ) إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( 62 )
    العبد المراقب ربه يعلم أن اللّه هو واضع الأشياء ، وهو الحكيم ، فما وضع شيئا إلا في موضعه ، ولا أنزله إلا منزلته ، فلا يعترض على اللّه فيما رتبه من الكائنات في العالم في كل وقت ، ولا يرجح نظره وفكره على حكمة ربه ، فيقول : لو كان كذا لكان أحسن ، فاللّه تعالى يعلم ما خلق ، فما رتب في الزمان إلا ما استحقه بخلقه ، فإنه أعطى كل شيء خلقه .

    ص 445

    سورة آل‌عمران ( 3 ) : الآيات 63 إلى 64
    فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ ( 63 ) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ( 64 )
    زعمت طائفة من أهل الكتاب ممن اتخذوا عيسى ربا ، قالوا : إن محمدا يطلب منا أن نعبده كما عبدنا عيسى ، فأنزل اللّه تعالى« قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا . . . »الآية فإن اللّه تعالى ما أرسل الرسل إلا ليدعوا الخلق إليه ، لا ليدعوهم إليهم .

    سورة آل‌عمران ( 3 ) : الآيات 65 إلى 67
    يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ ( 65 ) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ( 66 ) ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ( 67 )
    « حَنِيفاً »أي مائلا إلى اللّه« مُسْلِماً »منقادا إلى اللّه عند كل دعاء يدعوه إليه من غير توقف .

    سورة آل‌عمران ( 3 ) : آية 68
    إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ( 68 ).
    وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ »من كونه مؤمنا .

    سورة آل‌عمران ( 3 ) : آية 69 إلى 70
    وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ ( 69 )
    يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ( 70 )

    ص 446

    سورة آل‌عمران ( 3 ) : الآيات 71 إلى 73
    يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ( 71 ) وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ( 72 ) وَلا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ( 73 )
    الفضل لا يدخل في الجزاء وبهذا كان فضلا . فعطاء اللّه كله فضل ، لأن التوفيق منه فضل ، والعمل له وهو العامل ، فالحاصل عن العمل بالموازنة وإن كان جزاء فهو فضل بالأصالة .

    سورة آل‌عمران ( 3 ) : آية 74
    يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ( 74 )
    اعلم أن الاختصاص الإلهي لا يقبل التحجير ، ولا الموازنة ولا العمل ، وأن ذلك من فضل اللّه يختصّ برحمته من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم ، ومن هنا يتضح خطأ من قال باكتساب النبوة ، فإن الاستعداد غير مكتسب ، لا تعمّل لأحد فيه ، بل اختصّ اللّه كل واحد باستعداد . واعلم أن الاختصاص الإلهي الذي يعطي السعادة غير الاختصاص الذي يعطي كمال الصورة ، وقد يجتمعان أعني الاختصاصين في بعض الأشخاص ؛ فالاختصاص الذي يعطي السعادة هو الاختصاص بالإيمان ، والعصمة من المخالفة أو بموت عقيب توبة ، والاختصاص الذي يعطي كمال الصورة هو الذي لا يعطي إلا نفوذ الاقتدار والتحكم في العالم ، بالهمة والحس ؛ والكامل من يرزق الاختصاصين . فليس في الجنة موضع ولا في النار موضع إلا وله عمل يطلبه من فعل وترك ، إلا ما في الجنة من أمكنة الاختصاص ، وليس في النار ذلك ، ولهذا ما ورد في القرآن ( يختص بنقمته من يشاء ) وورد ( يختص برحمته من يشاء ) فالنار ينزل فيها بالأعمال ، والجنة ينزل فيها بالأعمال والاختصاص الإلهي ، ولذا

    ص 447

    قال [ سبقت رحمتي غضبي ] إلى الاختصاص .

    سورة آل‌عمران ( 3 ) : آية 75
    وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ( 75 )
    يؤاخذ الكاذب على كذبه إذا كان عالما بكذبه في المواطن التي كلف أن يصدق فيها ، وإذا أخذ من لا يعلم أنه كاذب ، إنما يؤاخذ من حيث أنه فرط في اقتناء العلم الذي يطلعه على هذا الأمر الذي كذب فيه من غير علم به أنه ليس بحق ، فما يؤاخذ إلا بتفريطه في تحصيل ما ينبغي له أن يحصله من العلم والعمل بما فيه نجاته وسعادته ، لا من جهة كذبه .

    سورة آل‌عمران ( 3 ) : الآيات 76 إلى 78
    بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ( 76 ) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ( 77 ) وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ( 78 )
    فهم الأئمة المضلون الذين شرعوا ما لم يأذن به اللّه ، وقالوا لأتباعهم هذا من عند اللّه وما هو من عند اللّه ، ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون .

    سورة آل‌عمران ( 3 ) : آية 79
    ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ( 79 )

    ص 448

    سورة آل‌عمران ( 3 ) : الآيات 79 إلى 84
    ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ( 79 ) وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَ يَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( 80 ) وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ( 81 ) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ( 82 ) أَ فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ( 83 ) قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ( 84 )
    الشرائع كلها أنوار ، وشرع محمد صلّى اللّه عليه وسلم بين هذه الأنوار كنور الشمس بين أنوار الكواكب ، فإذا ظهرت الشمس ، خفيت أنوار الكواكب ، واندرجت أنوارها في نور الشمس ؛ فكان خفاؤها نظير ما نسخ من الشرائع بشرعه صلّى اللّه عليه وسلم مع وجود أعيانها ، كما يتحقق وجود أنوار الكواكب ، ولهذا ألزمنا في شرعنا العام أن نؤمن بجميع الرسل وجميع شرائعهم أنها حق ، فلم ترجع بالنسخ باطلا ، ذلك ظن الذين جهلوا ، فرجعت الطرق كلها ناظرة إلى طريق النبي صلّى اللّه عليه وسلم . فلو كانت الرسل في زمانه لتبعوه كما تبعت شرائعهم شرعه ، لذلك فإن الولي المحمدي يجمع بمرتبته جميع ما تفرق في الرسل من الدعاء به ، فهو مطلق الدعاء بكل لسان ، لأنه مأمور بالإيمان بالرسل وبما أنزل إليهم ، فما وقف الولي المحمدي مع وحي خاص إلا في الحكم بالحلال والحرمة ، وأما في الدعاء وما سكت عنه ولم ينزل فيه شيء في شرع محمد صلّى اللّه عليه وسلم يؤذن بتركه ، فلا يتركه إذا نزل به وحي على نبي من الأنبياء عليهم السلام ، رسولا كان أو غير رسول .

    ص 449

    سورة آل‌عمران ( 3 ) : آية 85
    وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ ( 85 )
    لأنه حرم نفسه أجر الآخرة .

    سورة آل‌عمران ( 3 ) : الآيات 86 إلى 91
    كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( 86 ) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ( 87 ) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ ( 88 ) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( 89 ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ ( 90 )
    إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ ( 91 )
    هو قوله تعالى( وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ ) وقوله( فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) .

    سورة آل‌عمران ( 3 ) : آية 92
    لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ( 92 )
    كان عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما يشتري السكر ويتصدق به ويقول : إني أحبه ، عملا بهذه الآية ، وأحب ما للإنسان نفسه ، فإن أنفقها في سبيل اللّه ، نال بذلك ما في موازنتها ، فإنه من استهلك شيئا فعليه قيمته ، والحق قد استهلك نفس هذا العبد ، فإنه أمرك بإنفاق ما تحبّ ، وما لها قيمة عنده إلا الجنة ، ولهذا إذا لم تجد شيئا وجدت اللّه ، فإنه لا يوجد إلا عند عدم الأشياء التي يركن إليها ، ونفس الإنسان هي عين الأشياء كلها ، وقد هلكت ، فقيمتها ما ذكرناه .

    ص 450

    سورة آل‌عمران ( 3 ) : الآيات 93 إلى 95
    كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاَّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ( 93 ) فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ( 94 ) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ( 95 )
    أمرنا الحق أن نتبع ملة إبراهيم ، لأن العصمة مقرونة بها ، فكان الخليل حنيفا أي مائلا إلى الحق ، مسلما منقادا إليه .

    سورة آل‌عمران ( 3 ) : آية 96
    إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ ( 96 )
    البيت المكي أول بيت وضع للناس معبدا ، والصلاة فيه أفضل فيما سواه ، وهو أقدم المساجد بالزمان ، وكان البيت مذ خلق اللّه الدنيا ، فهذا البيت هو الذي اصطفاه اللّه على سائر البيوت ، وله سرّ الأولية في المعابد« مُبارَكاً »أي جعلت فيه البركة والهدى ، فقد طاف به مائة ألف نبي وعشرون ألف نبي ، سوى الأولياء ، وما من نبي ولا ولي إلا وله همة متعلقة بهذا البيت وهذا البلد الحرام ، فإن مكة خير وسيلة عبادية وأشرف منزلة جمادية ترابية ، فكما تتفاضل المنازل الروحانية ، كذلك تتفاضل الجسمانية ، فكثير بين مدينة يكون أكثر عمارتها الشهوات ، وبين مدينة يكون أكثر عمارتها الآيات البينات ، لذلك كانت مكة أشرف بقاع الأرض ، فإنها موطن لظهور يمين الحق وحضرة المبايعة . قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لمكة : [ إنك واللّه لخير أرض اللّه وأحب أرض اللّه إلى اللّه ، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت ] فمن رأى البيت ولم يجد عنده زيادة إلهية فما نال من بركة البيت شيئا ، لأن البركة الزيادة« وَهُدىً لِلْعالَمِينَ »والهدى وهو البيان ، أي يتبين له ذلك الذي زاده به من العلم به ، فما جعلت البركة في البيت إلا أن يكون يعطي خازنه للطائف به القادم عليه ، خلع البركة والقرب والعناية ، والبيان الذي هو الهدى في الأمور المشكلة في الأحوال والمسائل المبهمات الإلهية في العلم باللّه ما يليق بمثل ذلك البيت المصطفى ، محل يمين الحق ، المبايع

    ص 451


    المسجود عليه ، فإن هذا البيت خزانة اللّه من البركات والهدى ، فإنّ داخل مكة قادم على اللّه في حضرته ، ومن المحال أن ينزل أحد على كريم غني ويدخل بيته ولا يضيفه ، فمن لا يجد هذه الزيادة فما له سوى أجر الأعمال الظاهرة في الآخرة في الجنان ، وهو الحاصل لعامة المؤمنين ، فإن جاور جاور الأحجار ، وإن رجع إلى بلده رجع بخفي حنين دون زيادة علم باللّه.

    سورة آل‌عمران ( 3 ) : آية 97
    فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ ( 97 )
    فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ »فإن للأمكنة في القلوب اللطيفة تأثيرا ، ولو وجد القلب في أي موضع كان الوجود الأعم ، فوجوده بمكة أسنى وأتم ، فمن لا يجد الفرق في وجود قلبه بين السوق والمساجد ، فهو صاحب حال لا صاحب مقام ، ومن تلك الآيات البينات أن الملائكة ، وإن عمرت جميع الأرض مع تفاضلهم في المعارف والرتب ، فإن أعلاهم رتبة وأعظمهم علما ومعرفة عمرة المسجد الحرام ، وعلى قدر جلسائك يكون وجودك ، فإن لهمم الجلساء في قلب الجليس لهم تأثيرا ، وهممهم على قدر مراتبهم ، ولذلك فإن وجود القلب في مكة ليس للتراب ، ولكن لمجالسة الأتراب من الملائكة المكرمين ، أو الجن الصادقين ، أو من همة من كان يعمره وفقد ، وبقيت آثارهم فيه ، ومن الآيات البينات الحجر والملتزم والمستجار ومقام إبراهيم وزمزم إلى غير ذلك . فبيت اللّه الحرام أجمع للخيرات من سائر البيوت ، ولهذا منع حمل السلاح في مكة .« مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً »من كل خوف ، إلى غير ذلك من الآيات ، فهو سلم كله ، من دخله كان آمنا ، فإنه أقدم الحرم ، فله التقدم على كل بيت ، ويحتوي على أفعال وتروك لا تكون في غيره من العبادات ولا في بيت من البيوت ، فإنه محلّ الحج .« وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا »لا خلاف في وجوب الحج بين علماء المسلمين ، فهو عندنا واجب على كل مستطيع من الناس ، صغير وكبير ، ذكر وأنثى ، حر وعبد ، مسلم وغير مسلم ، ولا يقع بالفعل إلا بشروط معينة ، فإن الإيمان والإسلام واجب على كل إنسان ، والأحكام كلها الواجبة واجبة على كل إنسان ، ولكن يتوقف قبول فعلها أو فعلها من الإنسان على وجود الإسلام ، فلا

    ص 452

    يقبل تلبسه بشيء منها إلا بشرط وجود الإسلام عنده ، فإن لم يؤمن أخذ بالواجبين جميعا يوم القيامة : وجوب الشرط المصحح لقبول هذه العبادات ، ووجوب المشروط التي هي هذه العبادات ، فإنه ما قال « على المسلمين » ولا ذكر صفة زائدة على أعيانهم ، فأوجبها على الأعيان وجوبا إلهيا ، والطفل الرضيع يصح حجه ، ولو مات عندنا قبل البلوغ كتب اللّه له تلك الحجة عن فريضته - إشارة -[ « وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ » ]« وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ »إشارة إلى النسيان ولم يقل على بني آدم« حِجُّ الْبَيْتِ »وقرئ بكسر الحاء وهو الاسم ، وبفتحها هو المصدر ، يعني قصد هذا المكان من كونه بيتا ، ليتنبه باسمه على ما قصد به دون غيره ، لما فيه من اشتقاق المبيت . فكأنه إنما سمي بيتا للمبيت فيه ، فإنه الركن الأعظم في منافع البيت ، فراعى حكم المبيت ، والمبيت لا يكون إلا ليلا ، والليل محل التجلي فيه ، فإن الحق ما جعل تجليه لعباده في الحكم إلا في الليل ، فإن فيه ينزل ربنا ، ومن فتح الحاء وجب أن يقصد البيت ليفعل ما أمره اللّه به أن يفعله عند الوصول إليه ، في المناسك التي عيّن اللّه له أن يفعلها . ومن قرأ بالكسر وأراد الاسم ، فمعناه أن يراعي قصد البيت ، فيقصد ما يقصده البيت ، وبينهما بون بعيد . فإن العبد بفتح الحاء يقصد البيت ، وبكسرها يقصد قصد البيت ، وقصد البيت قصد حالي ، لأنه يطلب بصورته الساكن ، وما أمرك بالقصد إلى البيت لا إليه إلا لكونه جعله قصدا حسيا ، فيه قطع مسافة أقربها من بيتك الذي بمكة إلى البيت ، وهو معك أينما كنت . فلا يصح أن تقصد بالمشي الحسي من هو معك .« مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا »أي من قدر على الوصول إليه ، وحد الاستطاعة يدخل فيها كل ما يؤدي الحاج إلى السكون من الأسباب ، كالزاد والراحلة في المباشرة وما قرره الشرع بالحكم . فينبغي للإنسان أن يكون مثبتا للأسباب ، فاعلا بها غير معتمد عليها ، لأن التجرد عنها خلاف الحكمة ، والاعتماد عليها خلاف العلم ، والاستطاعة بالنيابة مع العجز عن المباشرة ثبتت شرعا عندنا ، بالأمر بالحج عمن لا يستطيع لوليه ، أو بالإجارة عليه من ماله إن كان ذا مال . ومن شرط النائب في الحج إن كان وليّا أن يكون قد قضى فريضته . وأما إذا كان النائب بالإجارة فله حكم آخر . وأما العبد فواجب عليه الحج ، وإن منعه سيده مع القدرة على تركه لذلك ، كان السيد عندنا من الذين يصدون عن سبيل اللّه . وقد ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أن العبد إذا حج عبدا ثم مات قبل العتق كتب اللّه له ذلك الحج عن فريضته ، والمرأة إن منعها زوجها
    ص 453

    فهو من الذين يصدون عن سبيل اللّه إن كان لها محرم تسافر معه ، إذا كانت آفاقية . وأما إن كانت من أهل مكة ، فلا تحتاج إلى إذن زوجها ، فإنها في محل الحج ، كما لا تستأذنه في الصلاة ولا في صوم رمضان ولا في الإسلام ولا في أداء الزكاة ، وهذه العبادة عندنا على الفور عند الاستطاعة .« وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ »اعلم أن اللّه ما هو غني عن العالم إلا لظهوره بنفسه للعالم ، فاستغنى أن يعرف بالعالم ، فلا يدل عليه الغير ، بل هو الدليل على نفسه بظهوره لخلقه ، فلا دليل عليه سواه . فإنه لا شيء أدلّ من الشيء على نفسه ، فهو غني عن العالمين ، أي سواء ظهوركم وعدمكم ، فهو غني عن الدلالة ، كأنه يقول : ما أوجدت العالم ليدل عليّ ولا أظهرته علامة على وجودي ، وإنما أظهرته ليظهر حكم حقائق أسمائي ، وليست لي علامة عليّ سوائي ، فإذا تجليت عرفت بنفس التجلي ، والعالم علامة على حقائق الأسماء لا عليّ ، وعلامة أيضا على أني مستنده لا غير ، فإن كل حكم في العالم لا بد أن يستند إلى نعت إلهي ، إلا النعت الذاتي الذي يستحقه الحق لذاته ، وبه كان غنيا عن العالمين ، والنعت الذاتي الذي للعالم بالاستحقاق وبه كان فقيرا ، بل عبدا ، فإنه أحق من نعت الفقر ، وإن كان الفقر والذلة على السواء ، فالحق تعالى هو المنزه عن أن تدل عليه علامة ، فهو المعروف بغير حد ، المجهول بالحد ، ولهذا فإن التجلي الإلهي لا يكون إلا للإله وللربّ ، ولا يكون للّه أبدا ، فإن اللّه هو الغني ، وكذا الاسم الإلهي الأحد ، فلا يتجلى في هذا الاسم ، ولا يصح التجلي فيه ، وما عدا هذين الاسمين من الأسماء المعلومات لنا ، فإن التجلي يقع فيها ، والعالمون هنا هو الدلالات على اللّه ، فهو غني عن الدلالات عليه ، فرفع أن يكون بينه وبين العالم نسبة ووجه يربطه بالعالم ، من حيث ذلك الوجه الذي هو منه غني عن العالمين ، وهو الذي يسميه أهل النظر وجه الدليل . يقول الحق : ما ثمّ دليل عليّ فيكون له وجه يربطني به ، فأكون مقيدا به ، وأنا الغني العزيز ، الذي لا تقيدني الوجوه ، ولا تدلّ عليّ أدلة المحدثات ، فالواجب الوجود غني على الإطلاق ، فلا شيء واجب الوجود لنفسه إلا هو ، فهو الغني بذاته على الإطلاق عن العالمين بالدليل العقلي والشرعي ، إذ لو أوجد العالم للدلالة عليه لما صح له الغنى عنه ، فهو أظهر وأجلى من أن يستدل عليه بغير ، أو يتقيد تعالى بسوى ، إذ لو كان الأمر كذلك ، لكان للدليل بعض سلطنة وفخر على المدلول ، فكان يبطل الغنى ، فما نصب الأدلة عليه ، وإنما

    ص 454

    نصبها على المرتبة ، ليعلم أنه لا إله إلا هو « 1 » ، ولهذا لا يصح أن يكون عليه ، وإليه الدلالة بقوله صلّى اللّه عليه وسلم : [ كان اللّه ولا شيء معه ] ، فهو غني عن الدلالة . واعلم أن معقولية كون اللّه ذاتا ، ما هي معقولية كونه إلها ، وهي مرتبة ، وليس في الوجود العيني سوى العين ، فهو من حيث هو غني عن العالمين ، ومن حيث الأسماء التي تطلب العالم لإمكانه لظهور آثارها فيه ، يطلب وجود العالم ، فلو لا الممكن ما ظهر أثر للأسماء الإلهية ، فللأسماء الإلهية أو المرتبة التي هي مرتبة المسمى إلها التصريف والحكم فيمن نعت بها ، فبها يتصرف ، ولها يتصرف ، وهو غني عن العالمين في حال تصرفه ، لا بد منه ، فالألوهية مرتبة للذات ، لا يستحقها إلا اللّه ، فطلبت مستحقها ، ما هو طلبها ، والمألوه يطلبها وهي تطلبه ، والذات غنية عن كل شيء . فاللّه من حيث ذاته ووجوده غني عن العالمين ، ومن كونه ربّا يطلب المربوب بلا شك ، فهو من حيث العين لا يطلب ، ومن حيث الربوبية يطلب المربوب وجودا وتقديرا ، فالوجود الحادث والقديم مربوط بعضه ببعضه ربط الإضافة والحكم ، لا ربط وجود العين ، وذلك تنزيه أن يقوم بالحق فقر ، أو يدل عليه دليل غير نفسه ، فإن اللّه وإن كان في ذاته غنيا عن العالمين ، فمعلوم أنه منعوت بالكرم والجود والرحمة ، فلا بد من مرحوم ومتكرم عليه ، فأوجد العالم من جوده وكرمه ، وهذا لا يشك فيه عاقل ولا مؤمن ، وأن الجود له نعت نفسي ، فإنه جواد كريم لنفسه ، فلا بد من وجود العالم ، وما حكم العلم بكونه يستحيل عدم كونه ، فهو تعالى المطلوب للعالم ، والطلب يؤذن بالافتقار في حق المحدثات ، وهو المطلوب ، فهو الغني . فمن كونه مطلوبا للموجودات صح افتقارها إليه ، والممكن في حال عدمه أشد افتقارا إلى اللّه منه في حال وجوده ، ولهذا لا تصحب الممكن دعوى في حال عدمه كما تصحبه في حال وجوده ، فإفاضة الوجود عليه في حال عدمه أعظم في الجود والكرم ، وبذلك صح غناه تعالى عن العالم . فقبوله عليه قبول جود وكرم ، ومتعلق غناه تعالى هو فيما بقي من الممكنات مما لم يوجد ، فإنها غير متناهية بالأشخاص ، فلا بد من بقاء ما لم يوجد ، فبه تتعلق صفة الغنى الإلهي عن العالم ، فإن بعض العالم يسمى عالما . فمن فهم الغنى الإلهي هكذا فقد علمه ، وأما تنزيه الحق عما تنزهه عباده مما سوى العبودية ، فلا علم لهم بما

    ص 455

    هو الأمر عليه ، فإنه يكذب ربه في كل حال يجعل الحق فيه نفسه مع عباده ، وهذا أعظم ما يكون من سوء الأدب مع اللّه ، أن ينزهه عما نسبه سبحانه إلى نفسه بما نسبه إلى نفسه ، وهذه الآية تشير من وجه أن الحق في نفسه على ما علم ، وله في نفسه ما لا يصح أن يعلم ، فهو غني عن العالمين .

    [ لم وجد العالم مع كونه غنيا ؟ ]
    فإن قلت : فلم وجد العالم ؟ قلنا : ما أظهر العالم مع الاستغناء عنه إلا لتظهر مرتبة قوة الاثنين ، لئلا يقال ما في الوجود إلا اللّه مع ظهور الممكنات والمخلوقين ، فيعلم أن اللّه غني عن العالمين مع وجود العالمين ، والاستغناء عنه معقول لبيان غنى الحق عن العالم ، وذلك معناه أن الحق غني عن وجود العالم لا عن ثبوته ، فإن العالم في حال ثبوته يقع به الاكتفاء والاستغناء عن وجوده ، لأنه وفّى الألوهية حقها بإمكانه ، ولولا طلب الممكنات وافتقارها إلى ذوق الحالات ، وأرادت أن تذوق حال الوجود كما ذاقت حال العدم ، فسألت بلسان ثبوتها واجب الوجود أن يوجد أعيانها ، ليكون العلم لها ذوقا ، فأوجدها لها لا له ، فهو الغني عن وجودها ، وعن أن يكون وجودها دليلا عليه وعلامة على ثبوته ، بل عدمها في الدلالة عليه كوجودها . فأي شيء رجح من عدم أو وجود حصل به المقصود من العلم باللّه ، فلهذا علمنا أن غناه سبحانه عن العالم عين غناه عن وجود العالم ، فهو غني عن العالمين ، والعالم ليس بغني عنه جملة واحدة ، لأنه ممكن ، والممكن فقير إلى مرجح - إشارة واعتبار -« وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ »اعلم أيدك اللّه أن الحج في اللسان تكرار القصد إلى المقصود ، والعمرة الزيارة ، وقد جعل تعالى بيته في مكة نظيرا لعرشه ، وجعل الطائفين به من البشر كالملائكة الحافين من حول العرش ، يسبحون بحمد ربهم ، أي بالثناء على ربهم تبارك وتعالى ، فقلب العبد المؤمن أعظم علما وأكثر إحاطة من كل مخلوق ، فإنه محل لجميع الصفات ، وارتفاعه بالمكانة عند اللّه لما أودع فيه من المعرفة به ، ولما كان للبيت أركان أربعة ،

    [ الخواطر الأربعة ]
    فللقلب خواطر أربعة :
    خاطر إلهي وهو ركن الحجر .
    وخاطر ملكي وهو الركن اليمني .
    وخاطر نفسي وهو الركن الشامي .
    وهذه الثلاثة الأركان هي الأركان الحقيقية للبيت من حيث أنه مكعب الشكل ، وعلى هذا الشكل قلوب الأنبياء مثلثة الشكل ، ليس للخاطر الشيطاني فيها محلّ ، ولما أراد اللّه ما أراد من إظهار الركن الرابع ، جعله للخاطر الشيطاني ، وهو الركن العراقي ، وإنما جعلنا الخاطر الشيطاني للركن العراقي لأن الشارع شرع أن يقال عنده ( أعوذ باللّه من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق ) وبالذكر
    ص 456
    المشروع في كل ركن تعرف مراتب الأركان ، وعلى هذا الشكل المربع قلوب المؤمنين وما عدا الرسل والأنبياء المعصومين ، ليميز اللّه رسله وأنبياءه من سائر المؤمنين بالعصمة التي أعطاهم وألبسهم إياها ، فليس لنبي إلا ثلاثة خواطر ، إلهي وملكي ونفسي ، وكما أن اللّه تعالى أودع في الكعبة كنزا ، كذلك جعل اللّه في قلب العارف كنز العلم باللّه ، فشهد للّه بما شهد به الحق لنفسه ، من أنه لا إله إلا اللّه ، ونفى هذه المرتبة عن كل ما سواه ، فقال( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ )فجعلها كنزا في قلوب العلماء باللّه ، فاللّه بيته قلب عبده المؤمن ، والبيت بيت اسمه تعالى ، والعرش مستوى الرحمن ، فبين القلب والعرش في المنزلة ما بين الاسم اللّه والاسم الرحمن ، فإن مشهد الألوهية أعمّ ، لإقرار الجميع ، فما أنكر أحد اللّه ، وأنكر الرحمن ، فإنهم قالوا : ( وَمَا الرَّحْمنُ )ولما كان الحج لبيت اللّه الحرام تكرار القصد في زمان مخصو

      الوقت/التاريخ الآن هو 23/9/2024, 15:38