..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: ينابيع المودة ـ الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "244 - 253"البقرة Emptyأمس في 19:59 من طرف Admin

» كتاب: إيثار الحق على الخلق ـ للإمام عز الدين محمد بن إبراهيم بن الوزير الحسنى
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "244 - 253"البقرة Emptyأمس في 19:56 من طرف Admin

» كتاب: الذين رأوا رسول الله في المنام وكلّموه ـ حبيب الكل
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "244 - 253"البقرة Emptyأمس في 19:51 من طرف Admin

» كتاب: طيب العنبر فى جمال النبي الأنور ـ الدكتور عبدالرحمن الكوثر
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "244 - 253"البقرة Emptyأمس في 19:47 من طرف Admin

» كتاب: روضة الأزهار فى محبة الصحابة للنبي المختار ـ الدكتور عبدالرحمن الكوثر
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "244 - 253"البقرة Emptyأمس في 19:42 من طرف Admin

» كتاب: دلائل المحبين فى التوسل بالأنبياء والصالحين ـ الشيخ فتحي سعيد عمر الحُجيري
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "244 - 253"البقرة Emptyأمس في 19:39 من طرف Admin

» كتاب: ريحانة الارواح في مولد خير الملاح لسيدي الشيخ علي أمين سيالة
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "244 - 253"البقرة Emptyأمس في 19:37 من طرف Admin

» كتاب: قواعد العقائد فى التوحيد ـ حجة الإسلام الإمام الغزالي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "244 - 253"البقرة Emptyأمس في 19:35 من طرف Admin

» كتاب: سر الاسرار باضافة التوسل ـ الشيخ أحمد الطيب ابن البشير
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "244 - 253"البقرة Emptyأمس في 19:33 من طرف Admin

» كتاب: خطوتان للحقيقة ـ الأستاذ محمد مرتاض ــ سفيان بلحساين
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "244 - 253"البقرة Emptyأمس في 19:27 من طرف Admin

» كتاب: محمد صلى الله عليه وسلم مشكاة الأنوار ـ الشيخ عبدالله صلاح الدين القوصي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "244 - 253"البقرة Emptyأمس في 19:25 من طرف Admin

» كتاب: النسمات القدوسية شرح المقدمات السنوسية الدكتور النعمان الشاوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "244 - 253"البقرة Emptyأمس في 19:23 من طرف Admin

» كتاب: المتمم بأمر المعظم صلى الله عليه وآله وسلم ـ الشيخ ناصر الدين عبداللطيف ناصر الدين الخطيب
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "244 - 253"البقرة Emptyأمس في 19:20 من طرف Admin

» كتاب: الجواهر المكنونة فى العلوم المصونة ـ الشيخ عبدالحفيظ الخنقي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "244 - 253"البقرة Emptyأمس في 19:16 من طرف Admin

» كتاب: الرسالة القدسية في أسرار النقطة الحسية ـ ابن شهاب الهمداني
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "244 - 253"البقرة Emptyأمس في 19:09 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "244 - 253"البقرة

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68472
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "244 - 253"البقرة Empty من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "244 - 253"البقرة

    مُساهمة من طرف Admin 19/4/2020, 22:40

    كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن من كلمات الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي
    سورة البقرة ( 2 ) : الآيات 244 إلى 245
    وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( 244 ) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ( 245 )
    فقالت طائفة من اليهود إن رب محمد يطلب منّا القرض ، وما طلب اللّه منك القرض وأنت تعلم أنه ما طلبه منك إلا ليعود به وبأضعافه عليك من جهة من تعطيه إياه من المخلوقين ، فمن أقرض أحدا من خلق اللّه فإنما أقرض اللّه ، وليس الحسن في القرض إلا أن ترى يد اللّه هي القابضة لذلك القرض لا غير ، فتعلم عند ذلك في يد من جعلت ذلك ، وهو الحفيظ الكريم ، وما خرج عن الملك شيء حتى يحكم فيه القبض ، وإنما يقال ذلك بالفرض ، ما خرج شيء عنه ، فالكل به وإليه ومنه ، الحق له الغنى ، ومن أقرضه بلغ المنى ، ودع اللجاج ، فما هو محتاج ، أنت من جملة خزائنه ، فما خرج الشيء عن معادنه ، فما أعطى إلا من خزانته ، لما أعطته حقيقة مكانته ، وحصلت أنت على الأجر ، إن فهمت الأمر « واللّه يقبض ويبسط » إن للّه يدين مباركتين مبسوطتين فيهما الرحمة ، فلم يقرن بهما شيئا من العذاب ، فيعطي رحمة يبسطها ويعطي رحمة يقبضها ، فإن القبض ضم إليه ، والبسط



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ »في هذه الآية رد على الأشاعرة في استدلالهم على رؤية اللّه بالأبصار بقوله : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ )أن الرؤية إذا اقترنت بها كلمة [ إلى ] كانت بالبصر ، تقول : نظرت إلى كذا ، أي شاهدته ببصري ، ونظرت في كذا ، أي فكرت فيه ، ونظرت لكذا ، أي رحمته ، ونظرت كذا ، أي قابلته ، واحتجوا بذلك على نفاة الرؤية ، فقد جاءت الرؤية هنا بإلى وليست هنا الرؤية بالبصر بلا شك ، فإنه خطاب لمحمد صلّى اللّه عليه وسلم ومن خوطب ، عن أمم قد مضوا ، وما رأيناهم حال خروجهم ولا حال موتهم ولا حال إحيائهم ، وكذلك قوله : ( أَ لَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ )فجاء بإلى ومعناه هنا الفكر ، أن يتفكر في ذلك مع وجود [ إلى ] فإنه معلوم في هذه الآية أن واحدا منا ما رأى ربه وهو يمد الظل ، فيعرف كيفية ذلك المد بوساطة مشاهدة البصر ، فبطل ما استشهدوا به من هذه الآية لتقييدها بحرف [ إلى ] فالرؤية في هذه الآية بمعنى التعجب والاعتبار إذا فكرت فيهم

    ص 363

    انفساح فيه ، واللّه يقبض بمنع غضبه ، ويبسط ببسط رحمته ، ويقول أبو عبد اللّه « 1 » : واللّه يقبض القرض ، ويبسط الأجر ، واعلم أن الفرق بين الحضرتين القبض والبسط ، أن القبض لا يكون أبدا إلا عن بسط ، والبسط قد يكون عن قبض وقد يكون ابتداء ، فالابتداء سبق الرحمة الإلهية الغضب الإلهي ، والرحمة بسط ، والغضب قبض ، والبسط الذي يكون بعد قبض كالرحمة التي يرحم اللّه بها عباده بعد وقوع العذاب بهم ، فهذا بسط بعد قبض ، وهذا



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    وعلمت قصتهم وحديثهم ، فإن الخبر الصدق والمعاينة على السواء في التصديق بذلك ، ولا أصدق من اللّه حديثا ، وهو المخبر بقصة هؤلاء الذين أخبر عنهم ، فلا فرق عندنا بين أن نشهدهم بأعيننا في هذه الآية وبين هذا الخبر الإلهي ، بل أتم وأوضح ، وقوله :« وَهُمْ أُلُوفٌ »أي متألفون ، جمع ألف ، كجالس وجلوس ، وقد يمكن أن يكون من العدد ، ويكون الأمران معا ، فأخبر اللّه تعالى أنهم خرجوا فرارا من الموت ، وهو أن الطاعون كان نزل بهم ، فأراهم اللّه أنه لا ينجي حذر من قدر ، قال تعالى : ( أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ )« فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا »فماتوا ميتة رجل واحد« ثُمَّ أَحْياهُمْ »ليعتبروا ، فإن الأجل المسمى ما كان وصل وقته ، وإنما كان هذا موت اعتبار وإحياء اعتبار لهم ولنا من بعدهم ، ليعلموا أن اللّه على كل شيء قدير ، وأنه لا راد لأمره ، ويخرج على هذا قوله تعالى : ( لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى )يريد في الأولى التي هي الدار الدنيا ، فحذف حرف الجر ، فإن هؤلاء حصل لهم في الدنيا موتتان ، ولأمثالهم ، ثم قال :« إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ »منه هذا وأمثاله« وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ »أي يكفرون بنعم اللّه عليهم ، هؤلاء القوم الذين أخبر اللّه عنهم كانوا من بني إسرائيل ، وكان ذو الكفل نبيهم الذي بعث إليهم ، وهو حزقيل بن روم ، وقيل حزقيا بن روم ، وكان اللّه قد أمره أن يخرج بقومه لقتال عدوهم ، وكان الطاعون كثيرا ، ما يكون بأرض عدوهم ، فخاف قومه من القدوم على تلك الأرض ، فأبوا عليه ، فابتلاهم اللّه بالطاعون ، فخرجوا من مدينتهم حذر الموت ، فدعا اللّه حزقيل عليه السلام ربه أن يريهم آية يعرفون بها أنه لا ينجيهم حذرهم من قدر اللّه ، فقال لهم اللّه : موتوا ، فماتوا ميتة رجل واحد ، وجيفوا وانتثرت لحومهم عن عظامهم ، ثم دعا اللّه حزقيل أن يحييهم فأحياهم ، فلما رأوا ذلك تحققوا أن الفرار من قدر اللّه لا ينجيهم ، ثم قال تعالى : ( 245 )« وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ »يحتمل أن يكون المخاطب هؤلاء القوم بالقتال ، فيكون إخبارا لنا من الحق بتمام القصة وبما أمرهم به ، ويحتمل أن يكون المؤمنون المخاطبين بهذه الآية بعد فراغ القصة ، تحريضا للمؤمنين على جهاد عدوهم ، ولا يقولوا مثل ما قال هؤلاء الذين أبوا على نبيهم ، فإن اللّه« سَمِيعٌ »لكل ما يتكلمون



    ( 1 ) أبو عبد اللّه هو الجامع لهذا التفسير .

    ص 364

    لبسط الثاني محال أن يكون بعده ما يوجب قبضا يؤلم العبد ، ومن يدعو إلى اللّه على بصيرة يدعو من باب البسط من يعلم أن البسط يعين على الإجابة من المدعو ، ويدعو من باب



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    به ،« عَلِيمٌ »بما يضمرونه في صدورهم وإن لم يتكلموا به ، وقد يكون قوله :« عَلِيمٌ »إعلام بما هي الحقائق عليه ، فإن السمع متعلقه الكلام من حيث ما هو كلام لا من حيث ما يدل عليه من المعاني ، فيكون قوله :« عَلِيمٌ »بما دل عليه الكلام المسموع ، فجعل له تعلقين : تعلق السمع والعلم ( 246 )« مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً »نزلت في أبي الدحداح عمرو بن الدحداح من الأنصار ، لما سمع النبي صلّى اللّه عليه وسلم يقول : من تصدق بصدقة فله مثلها في الجنة ، وكان لأبي الدحداح حديقة ، فقال : يا رسول اللّه إن تصدقت بحديقتي فلي مثلها ؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : نعم ، قال : وأم الدحداح معي ؟ قال : نعم ، قال : والصبية ؟ قال : نعم ، قال : فتصدق بحديقته ، فأنزل اللّه هذه الآية فيه ، وضاعف اللّه أجره على صدقته ، فقال :« مَنْ ذَا الَّذِي »يقول : أي إنسان كان من المؤمنين لم يخص به واحدا دون آخر« يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً »القرض السلف ، لما كان السلف يعود إلى معطيه بعد ذلك جعل الحق سبحانه ما يتصدق به من أجله قرضا ، لأنه يعيد مثله وأكثر من ذلك على من أقرضه ، ولو قال ذلك بغير لفظة القرض ما أعطى هذا المعنى ، وإذا علم المعطي أن متاعه يعود إليه مضاعفا سارع إلى إعطائه لمن يسأل منه ذلك ، وقوله :« حَسَناً »يقول طيبة بذلك نفسه ، ببسط وجه للسائل وبشاشة وفرح ، كان الحسن صلوات اللّه عليه إذا وقف السائل ببابه يسارع بالصدقة إليه بيده فرحا مستبشرا به ، ويقول : مرحبا بحامل زادي إلى الآخرة ، ومن القرض الحسن رؤية النعمة من اللّه عند العطاء ، وقوله :« قَرْضاً حَسَناً »أي من وجه ، من المال يجوز له التصدق به مما ملكه اللّه إياه بوجه صحيح يرضاه اللّه ، وقوله :« فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً »هو قوله : ( مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ )وقوله عليه السلام : [ إن الصدقة تقع بيد الرحمن فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله ] ومن القرض الحسن أن لا يتبعه أذى ولا منة ، قال تعالى : ( ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً )وقال : ( لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى )والشيء إذا كثره اللّه فلا أكثر منه ، وأقل الكثرة دوامه ، فكيف إذا انضاف إلى ذلك وجود الكثرة في الأمثال ، مثل قوله : ( فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها )لكان مبالغة في الكثرة « واللّه يقبض ويبسط » يريد هنا في الرزق ، يوسع الرزق على قوم ويضيقه على قوم بقدر ما يعلمه من المصلحة في حق ذلك العبد ، وإن كان شقيا فإنه مرحوم به في شقائه بوجه ما ، فإن رحمته وسعت كل شيء ، قال تعالى : ( وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ )يعني الرزق ، وقال : ( وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ )فمن أعطاه اللّه
    ص 365


    القبض من يعلم أن القبض يعين على إجابة المدعو ، فيدعو بالقبض والبسط ، فإنه يراعي المصلحة ويدفع بالتي هي أحسن في حق المدفوع عنه وفي حق نفسه ، والبسط مطلب النفوس فليحذر غوائلها« وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ » .


    سورة البقرة ( 2) : الآيات 246 إلى 247
    أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلاَّ تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلاَّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ( 246 ) وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ( 247 )
    لما كانت الحضرة الإلهية لا تقتضي التكرار لما هي عليه من الاتساع ، وكان العلم صفة



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    علم ذلك فقد اعتنى به ، وقد علم شيئا من سر القدر ، ثم قال :« وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ »ليوفيكم ما أقرضتموه في دار الكرامة ، وليندم من لم يقرضه في هذه الدار حين طلب منهم ذلك بالوجه الذي يصح فيه التصرف ، فهو قوله : ( يَوْمُ التَّغابُنِ )للمعطي والمانع ، والمعطي من غير وجهه ، فيود المعطي المقبول لو أعطى جميع ما عنده ، ويود المانع لو أعطى وما منع ، ويود المعطي من غير وجهه أنه أعطى من الوجه الذي يليق ويكون معه القبول كما تقدم ، ولما خرج أبو الدحداح عن حديقته صدقة للّه تعالى ، جاء إلى حديقته التي تصدق بها ليسلمها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، فوجد أم الدحداح والصبية فيها ، فامتنع من الدخول فيها ، فقال : يا أم الدحداح ، قالت له لبيك ، قال إني جعلت حديقتي هذه صدقة واشترطت مثلها في الجنة وأنت وأولادنا معنا فيها ، فقالت له أم الدحداح : بارك اللّه لك فيما شريت وفيما اشتريت ، فخرجوا منها وسلم أبو الدحداح الحديقة

    ص 366

    إحاطته ، قرن معه السعة ، واشتق له اسما منها كما اشتق من العلم ، فقال تعالى :« وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ »فإن الحق له الاتساع الذي لا ينبغي إلا له ، والاسم الواسع من أعظم الأسماء إحاطة ،



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    للنبي صلّى اللّه عليه وسلم ، كم نخلة مدلى عذوقها لأبي الدحداح في الجنة ، ما رأيت أعرف من أم الدحداح حيث دعت بالبركة فيما باع وما اشترى ، فأما البركة فيما باعه ، فهو قوله عليه السلام في الصدقة ، تقع بيد الرحمن فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله ، حتى تصير مثل جبل أحد وإن كانت غاية في الصغر ، فهذه بركته فيما باع ، فإن الجزاء يقع عليها يوم يقع على قدر ما انتهت إليه من العظم في التربية الإلهية ، لا على قدر الوقت الذي أعطاها ، والبركة التي تكون في المشتري هو ما لم يدخل تحت التعريف ، مضافا إلى القدر الذي زاد على ما كان جزاء للصدقة في أول إعطائها قبل التربية ، فهذا من أدل دليل على علمها بذلك ، ومن جملة القرض النفقة في سبيل اللّه لتجهيز الضعفاء الذين لا مال لهم إلى قتال عدوهم في قوله :« وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ » *ونفقتهم على أنفسهم في ذلك ، فوقعت النسبة بين الآيتين ، ثم قال : ( 247 )« أَ لَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى »الآية ، يقول ألم تعلم بما أخبرتك به مما كان من وجوه بني إسرائيل من بعد موت موسى ابن عمران« إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ »قيل هو شموئيل ، وهو بالعربية إسماعيل بن بالي بن علقمة بن برخام بن البهر بن يهرص بن علقمة بن ناحب بن عموط بن عزريا بن صفية بن علقمة بن أبي يأسف بن قارون بن يصهر بن فاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن ، وقيل هذا النبي هو شمعون ، وقيل هو يوشع بن نون بن أفراييم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم الخليل ، قالوا له :« ابْعَثْ لَنا مَلِكاً »يقولون يتقدم علينا ويملك أمرنا ونسمع له ونطيع ليجمعنا على قتال عدونا الذي جلانا عن أهلنا وبلادنا ، وهو جالوت وأصحابه ، فهو قوله :« نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ »« قالَ »فقال لهم نبيهم :« هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا »كما قال تعالى لنا : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ )وعسى من اللّه ومن رسوله واجبة ، لأن الأنبياء قلوبهم محفوظة من الخواطر المذمومة ، فما يقع في قلوبهم إلا الحق ، وكذلك كان ، لما كتب عليهم القتال تولوا وأعرضوا إلا قليلا منهم ، كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر خاصة ، فالمعنى يقول لهم نبيهم : الأقرب من أحوالكم إن كتب عليكم القتال أنكم لا تقاتلون وتكرهون ذلك ، لأن كلمة عسى من أفعال المقاربة « قالوا » فقالوا في جواب قوله :« وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ »يقولون وما يمنعنا من ذلك ونحن نطلب ثأرا من عدونا ، فقالوا :« وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا »لما ظهر علينا عدونا جالوت ، قال :« فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا »أي أعرضوا كما ظنه فيهم نبيهم صلّى اللّه عليه وسلم« إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ »فكأن فعل المقاربة إنما دخل من أجل من أطاع منهم


    ص 367
    وهو الاسم الذي يتضمن الأسماء الإلهية التي تطلبها الأكوان كلها لاتساعه ، وهي أكثر من أن تحصى كثرة .



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    ولم يتول عن القتال ، فكأنهم قاربوا أن يتولوا بأجمعهم لولا أن اللّه اعتنى بالطائفة التي استثنى منهم ، قال :« وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ »وعيد وتهديد ، وتحقيق أن اللّه يعلم ما يكون من الظالم من الظلم قبل وقوعه ، فأنطق اللّه بذلك نبيه عليه السلام ، وعرفنا اللّه بهذا كله تنبيها لنا وتذكرة لئلا نكون مثلهم فيما يأمرنا به سبحانه ، وتعزية للنبي محمد صلّى اللّه عليه وسلم ، وتثبيتا لفؤاده إن وقع منا في أمر اللّه ما وقع من هؤلاء ، قال تعالى : ( وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ )ثم قال : ( 248 )« وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً »يقول : لما سأل ملأ بني إسرائيل نبيهم أن يبعث لهم ملكا يقاتلون معه عدوهم ، قيل أوحى اللّه إلى نبيه بقارورة فيها دهن مقدس ، فقال له ربه : إذا دخل عليك رجل فينشّ الدهن عند دخوله فذلك هو الملك الذي نبعثه لهم ، فدخل عليه طالوت يوما يرجو بركة دعائه في أن يرد اللّه عليه حمرا ضلت له ، فلما دخل نش الدهن في القارورة ، فدهنه به ، وكان رجلا دباغا حقيرا في قومه من سبط بنيامين ، ولم يكن في ذلك السبط نبوة ولا ملك ، وكان طالوت من أدنى بيت فيه ، وسمي طالوت لفضله عليهم في العلم والجسم من الطول وهو الفضل ، واسمه بالسريانية شانك بن قيس بن إنبال بن ضرار ابن يحرب بن أفثح بن إيش بن يامين بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل ، فقال له شمويل :
    إن اللّه قد أمرني أن أبعثك ملكا لهؤلاء القوم تقاتل بهم عدوهم ، ودهنه بدهن القدس ، وأعلمه أن اللّه يوحي إليه إذا كان في مكان كذا وكذا ، ثم قال لقومه :« إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً »« قالُوا أَنَّى يَكُونُ »يقولون كيف يكون :« لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا »وليس هو من سبط فيه نبوة ولا ملك« وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ »يقولون وما له مال واسع يكون به ملكا« قالَ » 247لهم نبيهم« إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ »أي اختاره« عَلَيْكُمْ »يقول : يكون ملكا عليكم يملك أمركم« وَزادَهُ »عليكم« بَسْطَةً »أي اتساعا« فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ »أي منظره عظيم حسن ، ومخبره مثل ذلك ، وأحسن الناس من عظم منظرا ومخبرا ، وقيل كان سقاء يستقي الماء على حمار له« وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ »يقول : الملك للّه سبحانه ليس لكم فيعطيه لمن يشاء من عباده ، قال تعالى : ( قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ )ثم قال :« وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ »لما قالوا : ولم يؤت سعة من المال ، أخبرهم اللّه بأني واسع العطاء إذا شئت أغنيته بالمال ، وقوله :« عَلِيمٌ »في هذا الموضع ، يقول : عليم بمن يصلح من عبادي للنيابة عني في خلقي والتقدم عليهم ، ولما أخبرهم نبيهم بأن اللّه اصطفى عليهم طالوت بالملك ، قالوا : ما آية ذلك ؟
    ص 368

    سورة البقرة ( 2 ) : آية 248
    وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ( 248 )
    اعلم أن المعاني التي تتصف بها القلوب قد يجعل اللّه علامة على حصولها في نفوس من شاء من عباده أن يحصلها ، فيه علامات من خارج ، تسمى تلك العلامة باسم ذلك المعنى الذي يحصل في نفسه من اللّه ، وإنما يسميه به ليعلم أن تلك العلامة لحصول هذا المعنى



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    ( 249 )« وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ »فقال لهم :« إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ »أي علامة إعطاء اللّه له الملك« أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ »وكان عند أنبياء بني إسرائيل تابوتا قد جعل اللّه لهم فيه آية يسكنون إليها تدل على نصرهم على عدوهم ، فكانوا إذا قاتلوا عدوهم قدموا التابوت أمام الجيش واستنصروا به ربهم ، فيعطيهم النصر ، فهذا معنى قوله :« فِيهِ سَكِينَةٌ »كما يقال : اقبل هذا الأمر فإن فيه فرجا لك ، وكان اللّه قد رفع التابوت من بني إسرائيل لما فشت فيهم المخالفات والكفر ، فقيل أخذه منهم عدوهم ، وقيل بل رفعه اللّه إليه ، ولا شك أن هذا الملأ من بني إسرائيل إنما أوتوا في إنكارهم الملك على طالوت لكونهم ما طلبوا قتال عدوهم لأن تكون كلمة اللّه هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى إيثارا لجناب الحق تعالى ، واللّه أغنى الشركاء عن الشرك ، فقالوا : ( وما لنا أن لا نقاتل في سبيل اللّه وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا ) فذكروا العلة فما قاتلوا إلا لحظوظ نفوسهم لا لجناب اللّه ، فبعدوا من اللّه فضعفوا في نفوسهم ، فلم يقبلوا فرض القتال عليهم ، ونازعوا اللّه في ولاية طالوت عليهم ، فجاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والأرض وهم ينظرون إليه حتى أنزلته في بيت طالوت ، فحينئذ سمعوا له وأطاعوا رغبة في النصر على عدوهم ، وقوله :« فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ »أي فيه آية تدل على النصر ، فيسكن إليه من كان عنده في حال قتال عدوه ، يقال سكن إلى هذا الأمر يسكن سكونا وسكينة ، على أنه قد قيل في هذه السكينة أقوال ، كلها ترجع إلى ما ذكرناه ، فقالوا كانت السكينة التي فيه ريحا هفافة ، لها وجه كوجه الإنسان ، وقيل غير ذلك ، وسميت سكينة لما ذكرناه ، ولا فرق بين أن تكون الآية حضور التابوت عندهم أو تكون ما ذكروه ، قال تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ )ويحتمل أن تكون السكينة عبارة عن الملائكة الذين مع التابوت ينصرهم اللّه بهم مددا ودعاء ، فإنه قد ورد في الصحيح أن بعض الصحابة
    ص 369
    نصبت ، مثل قوله تعالى في تابوت بني إسرائيل إن اللّه قد جعل فيه سكينة ، وهي صورة على شكل حيوان من الحيوانات ، اختلف الناس في أي صورة حيوان كانت ، ولا فائدة لنا في ذكر ما ذكروه من صورتها ، فكانت تلك الصورة إذا هفت أو ظهرت منها حركة خاصة بصروا ، فسكن قلبهم عند رؤية تلك العلامة من تلك الصورة التي سماها سكينة ، وأن السكينة المعلومة إنما محلها القلوب ، ولم يجعل لهذه الأمة المحمدية علامة خارجة عنهم على حصولها ، فليس لهم علامة في قلوبهم سوى حصولها ، فهي الدليل على نفسها ، ما تحتاج إلى دليل من خارج كما كان في بني إسرائيل .



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    كان يقرأ القرآن وله فرس فجعلت الفرس تضرب بيديها وتنفر ، فنظر الرجل فإذا غمامتان قد نزلتا من السماء ، فلما سكت عن القراءة ارتفعتا ، فذكر ذلك للنبي صلّى اللّه عليه وسلم ، فقال : تلك السكينة نزلت للقرآن وكانت الملائكة في الغمامتين ، وقوله :« وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ »يعني الأنبياء« تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ »فيقال كان فيه عصا موسى وعمامته وشيء من التوراة وثياب موسى ورضراض الألواح والطست الذي كان يغسل فيه قلوب الأنبياء ، ثم قال :« إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ »وهذا دليل على مغايرة العلم للإيمان كما قدمنا ، فإن الدليل يعطي العلم لذاته ولا يعطي الإيمان ، فالإيمان نور يقذفه اللّه في قلب من خصه من عباده ، وقوله :« إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ »أي مصدقين بأن النصر يكون مع التابوت ، والآية كانت في إتيانه لا فيه ، فقوله :« ذلِكَ »إشارة إلى الإتيان ، فجعله دليلا على صدق شمويل أن اللّه بعث لهم طالوت ملكا ، فأضيفت الآية للملك المضاف إلى طالوت لأنه محل النزاع ، وقوله :« لَآيَةً لَكُمْ »يدل على أنه علم سبحانه أنهم اتخذوا الإتيان دليلا ، لأنه من لم يتقرر عنده كون هذا الأمر دليلا على كذا لا يكون عنده دليلا ، وإن كان في نفس الأمر دليلا ، ولكن هنا غموض ، فإنه إذا حصل هذا الدليل عند الناظر فيه من جميع وجوهه باستيفاء أركانه ، فلا بد أن يكون عنده دليلا لأنه لذاته يدل ، ويرتبط بمدلوله ، فليس الدليل بالإضافة ، فالجهل إنما حصل من كون الناظر ما استوفى النظر فيه ، ولهذا انقسم الناظرون في آيات الأنبياء إلى قسمين : قسم لم يحصل لهم العلم بالدليل فكفروا بالمدلول ، وقسم حصل لهم العلم بذلك فجحدوا بالآية واستيقنتها أنفسهم ، فيختلف الحكم عليهم في الآخرة من عند اللّه لاختلاف أحوالهم وإن جمعهم اسم الكفر ، فلما رأت بنو إسرائيل إتيان الملائكة بالتابوت إلى بيت طالوت على حد ما ذكره نبيهم سمعوا له وأطاعوا ، فخرج بهم طالوت لقتال عدوهم ، وهو قوله : ( 250 )« فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ »من خرج من
    ص 370

    سورة البقرة ( 2 ) : آية 249
    فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ( 249 )
    من ذلك يعلم أن الصدق سيف اللّه في الأرض ، ما قام بأحد ولا اتصف به إلا نصره اللّه ، لأن الصدق نعته والصادق اسمه ، فينصر اللّه المؤمن الذي لم يدخله خلل في إيمانه على



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    شيء فقد فصل عنه فصولا ، فقال تعالى :« فَلَمَّا فَصَلَ »أي خرج من بيته بجنوده يطلب عدوه ، وكان في زمان الحر ،« قالَ »لهم :« إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ »قيل هو نهر الأردن الخارج من بحيرة طبرية الواقعة في بحيرة لوط ، فابتلاهم اللّه أي اختبر صدقهم في اتباع طالوت بالشرب من النهر ، إذ التكليف إنما يقع ويتعلق بفعل المكلف« فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ »يقول : من كرع فيه فشرب منه أكثر مما يسد به عطشه خاصة ، وهو الضروري من ذلك ، الذي تبقى به حياة الإنسان وإن أحس بالعطش ، يقول : فمن فعل ذلك« فَلَيْسَ مِنِّي »يقول :« وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ »وصبر على عطشه« فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ »وهو قدر الضرورة الداعية إليه فإنه مني ، وقوله :« فَلَيْسَ مِنِّي »أي الشرب منه ليس من سنتي ، كما ورد [ من غشنا فليس منا ] أي ليس من سنتنا الغش ، قال :« فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ »وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر ، وما عدا هؤلاء فإنهم شربوا حتى رووا منه ، قال تعالى :« فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ »يعني طالوت « والذين معه » يعني عسكره ، أبصروا عسكر جالوت وكثرته وشدة بأسه ، ونظروا إلى ضعفهم وقلتهم« قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ »وهؤلاء القائلون منهم هم الذين شربوا وهم الذين وقع عليهم الشرط بقوله : ( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ )وهم الذين قالوا : ( وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا )فكرهوا أن يخرجوا من أنفسهم أيضا بالقتل ، فجبنوا عن قتال عدوهم ، وضعفوا عن الإيمان بالنصر المقترن بحضور التابوت ، فما كان فيه في حق هؤلاء سكينة ، لأن نفوسهم ما سكنت إليه في ذلك

    ص 371

    من دخله خلل في إيمانه ، فإن اللّه يخذله على قدر ما دخله من الخلل ، أي مؤمن كان من المؤمنين ، فالمؤمن الكامل الإيمان منصور أبدا ، ولهذا ما انهزم نبي قط ولا ولي ، ألا ترى يوم حنين لما ادعت الصحابة رضي اللّه عنهم توحيد اللّه ، ثم رأوا كثرتهم فأعجبتهم كثرتهم فنسوا اللّه عند ذلك ، فلم تغن عنهم كثرتهم شيئا ، مع كون الصحابة مؤمنين بلا شك ، ولكن دخلهم الخلل باعتمادهم على الكثرة ، ونسوا قول اللّه« كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ »فما أذن اللّه هنا إلا للغلبة فأوجدها ، فغلبتهم الفئة القليلة بها عن إذن اللّه -[ الا من اغترف غرفة ]
    إشارة - لما جرى نهر البلوى ، بين العدوتين الدنيا والقصوى ، وكان الاضطرار ، وقع الابتلاء والاختبار ، لما كان الظما ، اختبر الإنسان بالماء ، فلم يحصل له أمان الغرفة ، إلا من قنع في شربه بالغرفة ، فمن اغترف نال الدرجات ، ومن شرب ليرتوي عمر الدركات ، فما ارتوى من شرب ، وروي من اغترف غرفة بيده وطرب ، فمن رضي بالقليل ، عاش في ظل ظليل ، في خير مستقر وأحسن مقيل


    سورة البقرة ( 2 ) : الآيات 250 إلى 251
    وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ ( 250 ) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ ( 251 )
    الحكمة هي علم النبوة ، والحكماء على الحقيقة هم العلماء باللّه وبكل شيء ومنزلة ذلك



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    « قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ »فقال القليل منهم ، وهم الذين يظنون أنهم ملاقوا اللّه ، وقد تقدم الكلام في الظن في هذه السورة« كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً »الفئة الجماعة ، وقوله :« بِإِذْنِ اللَّهِ »أي الغلب لا يقع إلا بإذن اللّه ، أي بأمره ، فإنه شيء ، وقد قال : ( إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )وقال تعالى : ( وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى )وقوله :« وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ »قد تقدم الكلام عليه في هذه السورة ثم قال : ( 251 )« وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ »


    ص 372

    الشيء المعلوم ، وهم على الحقيقة الرسل والأولياء« وَلَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ »ولبطلت السنة والفرض .


    سورة البقرة ( 2 ) : الآيات 252 إلى 253
    تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ( 252 ) تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ ( 253 )
    الرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر رسول ، منهم الفاضل والأفضل ، وإن سبح الكل في فلك الرسالة ، لأن كل صنف أشخاصه يفضل بعضهم بعضا ، ولا تفاضل إلا بالعلم ، فهؤلاء



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    يقول : ولما برزوا أي ظهروا إلى عدوهم ، دعوا اللّه أن يصب عليهم الصبر والثبات في الحرب ، والنصر على الأعداء ، وكيف يسألون النصر وهم قد علموا وقوع النصر لهم على أعدائهم بكون التابوت معهم ؟ فالجواب من وجهين : الوجه الواحد ، الأدب مع الحق والاعتماد عليه لا على الأسباب ، وما هم على يقين أن التابوت يكون معه النصر كما كان لمن تقدم ، لتغير الأحوال ، ومجيئه إنما كان آية على ملك طالوت لا على نصره على عدوهم ، وما يقتضيه أيضا جبلة الإنسان من الجبن ، فاستعان بالدعاء للهلع الذي قام به ، قال تعالى : ( إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً ) ،والوجه الآخر ، منقول عن السكينة ، فإنهم قالوا إنها كانت آية لها رأس كرأس الهر ، فإذا صاحت علموا أنهم قد نصروا ، وإذا سكتت علموا أنهم لا ينصرون ، وهم لا يدرون هل تصيح فينصرون أم لا ؟ فاستعانوا بالدعاء للّه والتضرع في النصر على أعدائهم ، فأجاب اللّه دعاءهم ، فأخبر تعالى وقال : ( 252 )« فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ »كما قال أولا بإذن اللّه ، تصديقا لهم حيث قالوا : ( غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ )« وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ »يريد داود النبي صلّى اللّه عليه وسلم وجالوت هو الملك« وَآتاهُ اللَّهُ »يعني داود« الْمُلْكَ »الذي كان لطالوت« وَالْحِكْمَةَ »الزبور الذي أنزل عليه« وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ »ما أراده من العلوم التي فيها سعادته وشرفه« وَلَوْ لا
    ص 373


    مع اجتماعهم في الرسالة والكمال يفضل بعضهم بعضا فيما لهم من الأخلاق الخاصة بهم ، وهي مائة وسبعة عشر خلقا ،[ مكانه محمد ( ص ) ]
    وقد جمعها كلها محمد صلّى اللّه عليه وسلم ، جمعت له عناية أزلية ، فإن اللّه تعالى لما خلق الخلق خلقهم أصنافا ، وجعل في كل صنف خيارا ، واختار من الخيار خواصا وهم المؤمنون ، واختار من المؤمنين خواصا وهم الأولياء ، واختار من هؤلاء الخواص خلاصة وهم الأنبياء ، واختار من الخلاصة نقاوة وهم أنبياء الشرائع المقصورة عليهم ، واختار من النقاوة شرذمة قليلة هم صفاء النقاوة المروقة وهم الرسل أجمعهم ، واصطفى واحدا من خلقه هو منهم وليس منهم ، هو المهيمن على جميع الخلائق ، جعله عمدا



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ »أي ولولا دفاع اللّه الناس بعضهم ببعض ، أي ولولا أن اللّه يدفع بأوليائه شر أعدائه وفسادهم الذي يرمونه في دين اللّه وأوليائه« لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ »أي لظهر الفساد في الأرض« وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ »أي ذو منة وعناية على العالمين ، يعني عباده ، ثم قال لنبيه صلّى اللّه عليه وسلم : ( 253 )« تِلْكَ آياتُ اللَّهِ »يعني جميع ما ذكره من هذه القصة« نَتْلُوها عَلَيْكَ »أي نعرفك بها« بِالْحَقِّ »أنها حق« وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ »يقول : كما أرسل هؤلاء ، وأنك ستلقى مثل ما لقي هؤلاء ، وتعزية له لما لقيه من بني قريظة والنضير ، ولما كانت الأنبياء قد جعلها اللّه صنفين : صنف أرسلهم إلى الخلق مبشرين ومنذرين ، وصنف لم يرسلهم بل نبأهم وجعلهم على شريعة من عنده تعبدهم بها ، قال لمحمد عليه السلام :« وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ »منهم ، أي من الصنف الذي أرسل ، وكان صلّى اللّه عليه وسلم أعظم الرسل ، إذ كان الرسالة إلى كافة الناس ، فجميع بني آدم من زمان رسالته إلى يوم القيامة من أمته ، من آمن منهم ومن كفر ، فميزانه أرجح الموازين ، وسواد أمته أكثر سوادا يوم القيامة من سائر الأمم ، فهو المكاثر الذي لا يكاثر ، ثم نرجع إلى ذكر القصة بعد انقضاء التفسير فنقول : إن بني إسرائيل لما استولى عليهم جالوت وأخرجهم من ديارهم وحال بينهم وبين أبنائهم بالأسر والجلاء والقتل ، وأخذ التابوت الذي كانت تستنصر به الأنبياء على أعدائها في القتال ، وكان موسى لما مات في التيه ترك التابوت عند يوشع بن نون بن أفراييم ابن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل ، وأوصاه به ، وما زال التابوت ينتقل من نبي إلى نبي بالوصية عليه ، إلى أن كفرت بنو إسرائيل وضلوا ، سلط اللّه عليهم جالوت فاتكا فيهم ، فقيل إن التابوت رفعه اللّه ، وقيل إن جالوت استولى عليه وأخذه منهم وبقي عنده ما شاء اللّه ، ولما رأت بنو إسرائيل ما جرى عليها ، اجتمع وجوههم إلى النبي الذي كان عندهم في ذلك الوقت وهو شمويل ، فقالوا له : إن عدونا استولى علينا وليس لنا ملك ولا رأس نرجع له ونسمع له


    ص 374


    أقام عليه قبة الوجود ، جعله أعلى المظاهر وأسناها ، صح له المقام تعيينا وتعريفا ، فعلمه قبل وجود طينة البشر ، وهو محمد صلّى اللّه عليه وسلم ، لا يكاثر ولا يقاوم ، هو السيد ومن سواه سوقة ، قال عن نفسه : أنا سيد الناس ولا فخر ، بالراء والزاي ، روايتان ، أي أقولها غير



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    ونطيع ، فكان يغزو بنا عدونا ولا نبقى ضميمة يفتك بنا بسيفه ورجاله ، فقال لهم نبيهم :
    أنا أسأل اللّه في ذلك ، ولكني أخاف عليكم إن فرض عليكم القتال ألا تقاتلوا ، وكانت الأمم تنزل عليهم الأحكام على قدر سؤالاتهم ، فقالوا لشمويل : يا رسول اللّه وكيف نتخلف عن قتال عدونا وقد أخرجنا من ديارنا وحال بيننا وبين أبنائنا ؟ وذهلوا عن الذي قال لهم شمويل من فرض القتال عليهم لما كانوا فيه من شدة الحرص على قتال عدوهم ، فما طلبوا إلا ملكا يدبر أمرهم ، لا أن يفرض عليهم القتال فيعصون بتركه ، فلما أجاب اللّه نبيه شمويل فيما سأل من ذلك ، فرض اللّه عليهم القتال ، فقال لهم نبيهم شمويل : إن اللّه قد فرض عليكم قتال عدوكم ، فلما سمع القوم بأن ذلك على جهة الفرض صعب عليهم لما في التكليف من المشقة ، فأعرض أكثرهم ورجع عن سؤاله ، وآمنت طائفة بما فرض اللّه عليها من قتال عدوها ، فكان الذين آمنوا ثلاثمائة وثلاثة عشر ، ثم قال لهم شمويل صلوات اللّه عليه : إنني سألت اللّه في أن يبعث لكم ملكا يرجع أمركم في قتال عدوكم إليه ، فأوحى اللّه إلى شمويل ونزل عليه جبريل بقارورة فيها دهن القدس ، وقال له : يا شمويل انظر إلى هذا الدهن في هذه القارورة فأي رجل دخل إليك ونش هذا الدهن لدخوله ، فهو الملك الذي قد قضيت أن أبعثه لبني إسرائيل ، وكان في زمن شمويل رجل يسقي الماء على حمار له ، وقيل بل كان دباغا ولم يكن من بيت فيه نبوة ولا ملك ولا من أشراف بيته ، وقد ذكرنا نسبه وبيته ، فضاع حماره فخرج في طلبه ، فمر بمنزل شمويل ، فدخل عليه يرجو بركة دعائه في وجدان حماره ، فلما دخل عليه نش الدهن في القارورة ، فنظر إليه شمويل وقال له :
    ادنه ، فدنا منه طالوت ، فدهن رأسه بذلك الدهن وبرّك عليه ، وقال له : يا طالوت إن اللّه قد أعطاك ملك بني إسرائيل وقدمك عليهم ، وكان طالوت ذا منظر حسن وهيبة وامتداد قامة ، وكان قد آتاه اللّه علما بالحروب وترتيب الجيوش والمكايد التي يحتاج إليها في الحرب ، فقال شمويل لبني إسرائيل : إن اللّه قد بعث لكم طالوت ملكا ، وكانوا يعرفون طالوت بينهم وأنه فقير حقير مهان في عشيرته ، وعشيرته في العشائر حقيرة غير معتبرة ، فأنفوا أن يتقدم عليهم مثل ذلك ، وقالوا لشمويل : نحن أحق بالملك منه ، فإنه رجل لا أصل له فينا يرجع إليه من ملك ولا نبوة ، ولا مال له ينفقه فينا ، فقال لهم شمويل : إن اللّه قد فضله عليكم بما تحتاجون إليه في قتال عدوكم وبما ينبغي أن يكون عليه الملك ، وأعطاه اللّه العلم بالقتال والمغالبة والحروب ، وأعطاه البسطة والجمال في

    ص 375

    متبجح بباطل ، أي أقولها ولا أقصد الافتخار على من بقي من العالم ، وإن كنت أعلى المظاهر الإنسانية فأنا أشد الخلق تحققا بعيني« تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ »فمن حيث ما هي رسالة فلا فضل إذ الاسم يعم هذه الحالة ، ومن حيث ما هي رسالة بأمر ما وقع
    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    صورته بحيث إذا رآه عدوه هابه ، وأما المال فإنّ اللّه بيده خزائن الأرض ومقاليدها ، فهو يعطيه ويهبه ما ينفقه فيكم ، فقالوا له : إن كان اللّه اختاره لنا وبعثه ملكا علينا كما زعمت فما علامة ذلك ، وكانت بنو إسرائيل كثيرا ما تطلب الآيات من أنبيائها ، فقال لهم : إن علامة ملكه فيكم أن يرجع إليكم التابوت الذي أخذ منكم ، وتأتي به الملائكة تحمله في الهواء وأنتم تنظرون إليه حتى تنزله في بيت طالوت ، ففرحوا برد التابوت ورضوا بهذه الآية ، فبينما هم جلوس وإذا بالتابوت بين السماء والأرض تحمله الملائكة وهم ينظرون إليه ، حتى نزلت به الملائكة في بيت طالوت ، وكان في التابوت صورة يقال لها السكينة ، لها رأس كرأس الهر ووجه كوجه الإنسان وجناحان ، فإذا لقوا العدو نظروا إليها وهي في التابوت ، فإذا أنّت وصوتت وفتحت جناحيها أيقنوا بالنصر ، وسار التابوت بحركتها قدما تجاه العدو ، وسار الجيش خلف التابوت ، فيدبر عدوهم منهزما ، فلما رأت بنو إسرائيل التابوت قد نزل عند طالوت علموا أن اللّه قد أعطاه الملك عليهم ، فسمعوا له وأطاعوا واجتمعوا عليه ، فخرج بهم يطلب جالوت ، وكان عدوهم بين فلسطين وديار مصر ، وكان من عبدة الأوثان ، فلما جاء الغور وكان زمان قيظ واشتد عليهم الحر ، وأخذهم العطش ، أخرج اللّه لهم نهرا من بحيرة طبرية يجري مع طول الغور إلى أن يصب في بحيرة لوط ، يقال له الأردن ، فقال لهم طالوت : إن اللّه يختبركم بهذا النهر مع عطشكم ، فمن لم يطعمه صحبني وكان معي ، ومن شرب منه وأخذ منه فوق حاجته فليس يتبعني ولا يكون معي ، إلا من أخذ منه قدر الحاجة ، وهي الغرفة بيده ليسد بها رمقه إذا خاف الهلاك من العطش ، فشرب منه كل من تولى حين فرض عليهم القتال ، ولم يشرب منه الثلاثمائة والثلاثة عشر ، فلما جاوز النهر طالوت وعسكره ولحقوا بجالوت وعسكره ، قال أصحاب طالوت الذين شربوا من النهر : لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده ، لما رأوه من العدة والعدد ، فقال الثلاثمائة والثلاثة عشر : لا تقولوا هكذا فإن النصر من عند اللّه ، ما هو بكثرة الجموع ، فكم رأينا وسمعنا من جماعة قليلة ضعيفة في العدة والعدد هزمت بإذن اللّه - لما ثبتت وصبرت - جماعة كثيرة قوية في العدة والعدد ، واللّه مع من يثبت في الحرب ، ولا يبرح معين له وناصر ، وكان طالوت لما بشره شمويل بالملك قال له : إني أعطيك درعا يكون معك ، تخلعه على قاتل جالوت ، وتزوجه بنتك وتعطيه نصف ملكك ، وإن هذا الدرع لا يلبسه ويكون على قده إلا قاتل جالوت ، وهذه علامة لك على ذلك ، وكان داود عليه

      الوقت/التاريخ الآن هو 24/9/2024, 01:23