..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "198 - 212"البقرة Empty20/11/2024, 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "198 - 212"البقرة Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "198 - 212"البقرة Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "198 - 212"البقرة Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "198 - 212"البقرة Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "198 - 212"البقرة Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "198 - 212"البقرة Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "198 - 212"البقرة Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "198 - 212"البقرة Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "198 - 212"البقرة Empty18/11/2024, 22:41 من طرف Admin

» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "198 - 212"البقرة Empty18/11/2024, 22:34 من طرف Admin

» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "198 - 212"البقرة Empty18/11/2024, 22:23 من طرف Admin

» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "198 - 212"البقرة Empty18/11/2024, 22:21 من طرف Admin

» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "198 - 212"البقرة Empty18/11/2024, 21:50 من طرف Admin

» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "198 - 212"البقرة Empty18/11/2024, 21:38 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "198 - 212"البقرة

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "198 - 212"البقرة Empty من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "198 - 212"البقرة

    مُساهمة من طرف Admin 19/4/2020, 22:49

    كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن من كلمات الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي
    سورة البقرة ( 2 ) : آية 198
    لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ( 198 )
    رفع اللّه الحرج عمن يبتغي فضلا من ربه ، وهي التجارة« فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ »ولم يخص مكانا من مكان ، وعرفات كلها موقف ، وعرنة من عرفات ، فمن وقف بعرنة فحجه تام إلا أنه ناقص الفضيلة ، فإنه موقف إبليس ، فهو موضع مكروه الوقوف به من

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    مخالف في الإعراب للفسوق والرفث ، فكان الحكم فيه أشد ، وقد قيل في تفسير ذلك وجوه :
    أولاها وأحسنها وأوجهها أن العرب كانت تختلف في ذلك كثيرا ، وهو قوله تعالى : ( إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ )فكانت العرب تحج وقتا في المحرّم ووقتا في ذي الحجة ، لتجمع بين حجتين في سنة ، وتنقل أسماء الأشهر بعضها لبعض في وقت ، ثم ترد أسماءها عليها في وقت آخر ، فتقول في صفر وربيع الأول صفران ، وفي ربيع الآخر وجمادى الأولى ربيعان ، وفي جمادى الآخرة ورجب جمادان ، وتسمي شعبان رجب ، وتسمي رمضان شعبان ، وتسمي شوالا رمضان ، وتسمي ذا القعدة شوالا ، وتسمي ذا الحجة ذا القعدة ، وتسمي المحرم ذا الحجة ، فتحج في المحرم تلك السنة ثم ترد أسماء الشهور عليها ، فتقول لصفر صفر ، ولربيعين ربيعان ، ولجمادين جمادان ، ولرجب رجب ، وكذلك شعبان ورمضان ثم شوال ، ثم ذو القعدة ثم ذو الحجة ، فتحج فيه ، فتكون لها حجتان في اثني عشر شهرا ، فقال تعالى :« لا جِدالَ فِي الْحَجِّ »فنفى أن يعدل باسم الشهر عن مسماه ، وقال النبي عليه السلام في ذلك : إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلقه اللّه ، السنة اثنا عشر شهرا في كتاب اللّه يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ، ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر ، الذي بين جمادى وشعبان ، وأبطل النسأة ، فلا جدال في ذلك ، ثم قال :« وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ »هذا من كرمه ولطفه التصريح بالخير والإغضاء عن الشر ، ولا شك أن من المعلوم أنه من يعلم الخير يعلم الشر ، فأخبر عن علمه بالخير ليتحقق العبد الجزاء عليه ، وكف عن التعريف بالعلم بالشر مع كونه عالما به ، ليعلم العبد من كرم اللّه أنه قد لا يؤاخذ به ويعفو ، على أنه قد كان من العرب من يعتقد ما اعتقده بعض النظار من أن اللّه لا يعلم الجزئيات ، ولكن باعتبار آخر غير اعتبار النظار ، وقد كان بعض العرب يعتقد أنه إذا تكلم جهرا سمعه اللّه ، وإذا تكلم سرا لم يسمعه اللّه ، فأخبر اللّه في هذه الآية أنه عالم بكل

    ص 293

    جل مشاركة الشيطان ، فما أراد صلّى اللّه عليه وسلم بارتفاعه عن بطن عرنة إلا البعد من مجاورة الشيطان« فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ »وهو المزدلفة ، وسماها اللّه بالمشعر الحرام لنشعر بالقبول من اللّه في هذه العبادة بالعناية والمغفرة وضمان التبعات ، ووصفه بالحرمة لأنه في الحرم ، فيحرم فيه ما يحرم في الحرم كله ، فإنه من جملته ، فأمر بذكر اللّه فيه ، يعني بما ذكرناه ، فإن الشيء لا يذكر بأن يسمى ، وإنما يذكر بما يكون عليه من صفات المحمدة ، ومنها الصلاة ، فقد أجمع العلماء على أنه من بات بالمزدلفة وصلى فيها المغرب والعشاء وصلى الصبح يوم النحر ووقف بعد الصلاة إلى أن أسفر ثم دفع إلى منى أن حجه تام .

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    ما يفعله العبد من خير في هذه العبادة وغيرها ، ولم يذكر الشر لأنه لم يشرع في هذه العبادة شيئا من الشر ، فهو تأكيد لقوله :« وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ »أي لا يفعل في الحج إلا ما شرع أن يفعل في الحج ، واختلفوا في نكاح المحرم وإنكاحه بمعنى العقد لا بمعنى الوطء ما حكمه ؟ وفي هذه المسألة عندي نظر إذا وطئ قبل الوقوف بعرفة ، لأن زمان جواز وقوع الإحرام ما انصرم ، وليس هذا التفسير موضع تفريع المسائل إلا إذا تكلم في أحكام القرآن لمن يستوعب الكلام فيه بإيراد الأحاديث في الأحكام المشروعة ، إذ كان الكتاب أحد الأدلة المشروعة ، وقوله :« وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى »يحرض في هذه الآية على التكثير من الزاد لمن أراد الحج من أهل الآفاق ، وتضعيفه لطول الطريق ومفازاته ، وما يطرأ فيه من العوائق ، فيطول الزمان على الحاج فقال :« وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى »وهو ما يقي به المرء وجهه عن السؤال عند الحاجة ، فإن السؤال يذهب بماء الوجه ، ولا شك أنه من لم يتزود ولا استكثر من الزاد في الغالب فإنه ما وقى وجهه عن السؤال ، إذ كان معرضا للحاجة ، فهذا معنى التقوى هنا ، وكذا قوله : ( وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ )من هذا الباب ، غير أنه على وجه آخر ونسق غير هذا ، ثم قال مما يؤيد ما ذهبنا إليه في تفسير التقوى : « واتقوني يا أولي الألباب » فخاطب أهل العقول والاستبصار ، وهم الخاصة من عباده الذين نوّر اللّه قلوبهم بالعقل عن اللّه ، فقال لهم : « واتقوني يا أولي الألباب » إذ كان أصحاب الزاد يتخذونه اتقاء الحاجة ، فأنا أولى من يتقى ، إذ كان بيدي إنزال الحاجة ورفعها ، فالعالم العاقل عن اللّه الأديب يستكثر من الزاد في طريق الحج اتقاء اللّه أن ينزل به الحاجة إليه ، إذ العبد معرض لذلك ولو بلغ ما بلغ ، قال أيوب عليه السلام : ( مَسَّنِيَ الضُّرُّ )وقال عليه السلام : ( أخرجني الجوع ) والعامة من العباد يستكثرون من الزاد اتقاء الحاجة إليه مع الغفلة عن اللّه ، فلهذا ضمنت الآية النوعين من التقوى ، العام والخاص ، ثم قال : ( 199 )« لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ »الآية ، يقول لا إثم عليكم في هذه العبادة

    ص 294


    إشارة -[ عرفات وجمع والمزدلفة ]
    عرفات هي موقف حصول المعرفة باللّه ، فإنه لما وصل الحاج إلى البيت ، ونال من العلم باللّه ما نال ، ونال من المبايعة والمصافحة ليمين اللّه تعالى ما يجده أهل اللّه في ذلك ، وحصل من المعارف الإلهية في طوافه بالبيت وسعيه وصلاته بمنى ، أراد اللّه أن يميز له ما بين العلم الذي حصل له في الموضع المحرم ، وبين المعرفة الإلهية التي يعطيه اللّه المحل في الحل وهو عرفة ، فإن معرفة الحل تعطي رفع التحجير عن العبد ، وهو في حال إحرامه محجور عليه لأنه محرم بالحج ، فيجمع في عرفة بين معرفته باللّه من حيث ما هو محرم وبين معرفة اللّه من حيث ما هو في الحل ، فتميز العبد بالحجر لبقائه على إحرامه أنه ليس فيه من الحق المختار شيء ، وتميز الحق بالحل أنه غير محجور عليه فهو يفعل ما يريد ، ولما كان يوم عرفة ثلاثة أرباع اليوم ، من زوال يوم عرفة إلى طلوع الفجر يوم النحر ، وكان ينبغي أن لا نسمى عارفين باللّه ، حتى نعلم ذاته وما يجب لها من كونها إلها ، فإذا عرفناه على هذا الحد فقد عرفناه ، وهذا لا يكون ، فإن المعرفة باللّه على التمام والكمال لا تكون ، فإن يوم عرفة ثلاثة أرباع اليوم ، فإنا لما بحثنا بالأدلة العقلية وأصغينا إلى الأدلة الشرعية ، أثبتنا وجود الذات وجهلنا حقيقتها ، وأثبتنا الألوهة لها ، فهو نصف المعرفة بكمالها ، والربع وجودها أعني وجود الذات المنسوبة إليها الألوهة ، أما الربع الذي لا يعرف فهو معرفة حقيقتها ،

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    المشروعة لإقامة ذكر اللّه ، خرج أبو داود عن النبي عليه السلام
    [ أن المناسك شرعت لإقامة ذكر اللّه ]
    فربما يتوهم العبد أنه لا ينبغي أن يذكر اللّه فيها إلا بما يخص جنابه من الإجلال والتعظيم وما تستلزمه تلك العبادة على الخصوص ، فأباح اللّه لعباده فيها أن يطلبوا منه فضله من خير الدنيا من المال والولد والأهل ما لم يكن ، ومن خير الآخرة ، ولهذا خصه بالاسم الرب ، إذ بيده مصالح الدنيا والآخرة ، وهو مالك الملك ، وقد يريد بابتغاء الفضل هنا التجارة في هذا اليوم ، فرفع الإثم لمن اتجر فيه بحيث أن لا يمنعه ذلك من ذكر اللّه ولا يشغله عن عبادته ، ويجعل تجارته في ذلك اليوم من جملة عبادته ، ولهذا قال :« فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ »فما عرى هذا الفضل المطلوب عن الإضافة إليه ، أي لا أغيب عنكم في حال طلبكم لهذا الفضل واطلبوه مني ، فإني الذي أسوق إليكم الأرباح ، والفضل الزيادة ، والربح زيادة على رأس المال ، وما أمر اللّه بطلبه منه في ذلك اليوم إلا وهو تعالى قد علم أنه يعطيه ، فإن خسر التاجر في ذلك اليوم ونقصه من رأس ماله ، أو لم يزد عليه شيء ، فهي علامة له على غفلته عن اللّه في طلب الفضل منه في وقت تجارته وبيعه وشرائه« فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ »يقول : إذا دفعتم من عرفات ، اسم لموضع الوقوف في الحج ، ويحتمل

    ص 295


    فلم نصل إلى معرفة حقيقتها ولا يمكن الوصول إلى ذلك ، والزائد على الربع الذي جهلناه أيضا هو جهلنا بنسبة ما نسبناه إليها من الأحكام ، فإنا وإن كنا نعرف النسبة من كونها نسبة ، فقد نجهل النسبة الخاصة لجهلنا بالمنسوب إليه ، فالذي بأيدينا من المعرفة علمنا بوجود الذات وعلمنا نسبة الألوهة لها ، لا كيفية النسبة ، وهو نصف المعرفة ، وهو علم بصفات التنزيه والسلوب ، والربع الثالث المعرفة بصفات الأفعال والنسب ، أما الربع الرابع فلا يعرف أبدا ، وكذلك ما جهلنا من نسبة ما وصف الحق به نفسه من صفة التشبيه ، فلا ندري كيف ننسب إليه ، مع إيماننا به ، وإثباتنا له هذا الحكم مع جهلنا ، لكن على ما يعلمه اللّه من ذلك - أما قوله تعالى« فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ »فالمزدلفة من الزلفى وهو القرب ، فالوقوف في المزدلفة هو مقام القربة ، والاجتماع بالمعروف فيها ، وهو تجل خاص منه لقلوب عباده ، ولهذا سميت جمعا ،« وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ »والذكر في طريق اللّه لا يختص بالقول فقط ، بل تصرف العبد إذا رزق التوفيق في جميع حركاته ، لا يتحرك إلا في طاعة اللّه تعالى ، من واجب أو مندوب إليه ، ويسمى ذلك ذكر اللّه ، أي لذكره في ذلك الفعل أنه للّه بطريق القربة سمي ذكرا ، فجميع الطاعات كلها من فعل وترك إذا فعلت أو تركت لأجل اللّه فذلك من ذكر اللّه ، أن اللّه ذكر فيها ، ومن أجله فعلت أو تركت على حكم ما شرع فيها ، وهذا هو ذكر الموفقين من العلماء باللّه .

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    أن يكون علما له مسمى باسم الجمع ، أو يكون اسم جمع كمسلمات ، واحده عرفة ، يقول :« فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ »وهو المزدلفة وهو جمع ، وهو من مناسك الحج ، واختلفوا فيمن لم يدرك صلاة الصبح مع الإمام فيه ، هل فاته الحج أو لم يفته ؟ فمن جعل ذلك ركنا ، قال بفوات الحج إذا فاته ، ومن لم يجعله ركنا كان حكمه حكم ما ليس بركن ، وقوله :« عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ »جعله ظرفا للذكر فيها« وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ »هذا الذكر الآخر لا يختصّ بهذا الموضع ولا بهذه العبادة ، بل يعمّ ذكره جميع الأحوال ، وقوله :« كَما هَداكُمْ »يقول : مثل ما ذكرتم عند هدايته إياكم من الضلال الذي كنتم عليه ، فمعناه كما أنه اعتنى بكم سبحانه بما بينه لكم من الطريق التي تؤدي إلى سعادتكم وكنتم بها جاهلين ، قال تعالى : ( وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى )فاذكروه أنتم شكرا على هذه النعمة ، بقبولكم ما هداكم له ومشيكم عليه واتباعكم سبيله تعظيما له ، فإنه من أهدى إليك هدية عناية منه بك ، فقبولك إياها دون ردها ، فيه تعظيم لجناب المهدي ، وشكرك له على ذلك ثناء على ثناء ، وذكر على ذكر ، ولهذا كرره في هذا الموضع ملصقا

    ص 296

    سورة البقرة ( 2 ) : الآيات 199 إلى 200
    ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( 199 ) فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ( 200 )
    أمر اللّه بذكر اللّه في أيام التشريق ، فإن العرب كانت في هذه الأيام في الموسم تذكر أنسابها وأحسابها لاجتماع قبائل العرب في هذه الأيام ، تريد بذلك الفخر والسمعة ، فهذا معنى قوله :« كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ »أي اشتغلوا بالثناء على اللّه بما هو عليه على طريق الفخر إذ كنتم عبيده ، وفخر العبد بسيده ، فإنه مضاف إليه ، وأكبر من ذلك من كونه منه ، قال صلّى اللّه عليه وسلم : ( مولى القوم منهم ) ولا فخر للعبد بأبيه ، بل فخره بسيده ، وإن افتخر العبد بأبيه فإنما يفتخر به من حيث أن أباه كان مقربا عند سيده ، لأنه عبد مثله ، ممتثلا لأمره واقفا عند حدوده ورسومه ، فإنه أيضا عبد اللّه ، فلهذا قال :« كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ »أي أديموا

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    به ، فقال :« فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ »ومن الهداية وقوفنا بعرفات ، إذ كانت الحمس لا تقف إلا بالمزدلفة اختصاصا لها على سائر الناس ، لشرفها وتميزها بشفوفها في ذلك الموضع على سائر الناس ، فهدى اللّه نبيه إلى ما هو الحق عنده من الوقوف في ذلك اليوم بعرفة ، وهو قوله :« وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ »في وقوفكم بالمزدلفة ، وقوله : ( 200 )« ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ »الأوجه في تأويلها يخاطب الحاج ، يقول لهم : ثم أفيضوا كما أفضتم من عرفات إلى المزدلفة ، أفيضوا من المزدلفة إلى منى ، وقوله :« مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ »يريد قريشا فإن قريشا كانت تفيض من المزدلفة ، فلم تكن لهم سوى إفاضة واحدة من المزدلفة إلى منى ، والوجه الآخر : أن يكون الضمير يعود على قريش ، يقول لهم :« ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ »يعني من عرفات ، فتكون« ثُمَّ »هنا قد سيقت لترتيب الجمل اللفظية ، لا لترتيب المعنى ، إذ لم يكن في الآيات المذكورة ذكر للحمس ، وإنما خاطب في هذه الآيات كل من حج من أحمس وغيره ، فحملها على ما قلناه أولى في التأويل ، فإنه على التأويل الثاني يكون هذا التأخير يراد به التقديم ، فيكون موضعه بعد قوله : ( فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ )« ثُمَّ أَفِيضُوا »يعني الحمس ومن تحمّس« مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ »

    ص 297

    ذكر آبائكم في هذا الموطن في قلوبكم وألسنتكم ، فإن اللّه تعالى يقول : ( أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ )فما نهاهم عن ذكر آبائهم ، ولكن رجح ذكر اللّه على ذكرهم آباءهم بقوله :« أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً »وهو الموصي عباده بقوله : ( أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ )أي كونوا - أنتم من إيثار ذكر اللّه والفخر به من كونه سيدكم وأنتم عبيد له - على ما كان عليه آباؤكم .

    سورة البقرة ( 2 ) : الآيات 201 إلى 203
    وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ ( 201 ) أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ ( 202 ) وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ( 203 )
    إن الناس اختلفوا في الإعادة من المؤمنين القائلين بحشر الأجسام ، ونحن نثبت الحشر في النشأة الروحانية المعنوية مع الحشر المحسوس في الأجسام المحسوسة ، والميزان المحسوس

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    من عرفات ، ويكون الناس هنا من بقي على ملة إبراهيم في الوقوف بعرفة في ذلك اليوم ، وعلى هذا أكثر أهل التأويل ، وفيه بعد في سياق الآية وإن كان صحيح المعنى ، والذي ذهبنا إليه أقرب بالمساق ، ثم قال :« وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ »إشعار بما كان عليه من الخطأ من وقف يوم عرفة بجمع ، وقد يكون الاستغفار طلبا من العباد إلى اللّه أن يضمن التبعات عنهم لأربابها بإرضاء الخصوم ، حتى ينقلبوا من حجهم مطهرين من جميع الذنوب ، وما أمرهم بالاستغفار في هذا الموطن إلا وهو يغفر لهم ، ولو لم يكن كذلك لم يكن للاستغفار المأمور به على التعيين فائدة ، فقال :« إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ »إذا استغفر تموه« رَحِيمٌ »بكم حيث أمركم أن تستغفروه ، ثم قال :
    ( 201 )« فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ »في هذا المساق إشعار ونوع حجّة لمن لا يرى أن طواف الإفاضة ركن من أركان الحج ، لأنه ما ذكره على التعيين كما ذكر الإحرام بفرض الحج ، وذكر عرفات وذكر المزدلفة يقوي من احتج بالحديث في أنه من لم يدرك من الليل المزدلفة ولا صلى مع الإمام صلاة الصبح لم يدرك الحج ، فما ذكر إلا هؤلاء وما بقي أدخله في ذكر المناسك ، فقال :« فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ »الآية ، يقال : منسك بكسر السين وهو الاسم ومنسكا بفتح

    ص 298

    والصراط المحسوس ، والنار والجنة المحسوستين ، فإن كل ذلك حق ، وأعظم في القدرة ، فإن ثمّ نشأتين ، نشأة الأجسام ونشأة الأرواح وهي النشأة المعنوية ، ولولا أن الشرع عرّف بانقضاء هذه الدار ، وأن كل نفس ذائقة الموت ، وعرف بالإعادة ، وعرف بالدار الآخرة ،

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    السين ، يقال نسك ينسك نسكا ونسيكة ومنسكا إذا ذبح نسكه بفتح السين ، ويجمع على مناسك ، والنسك أيضا العبادة والزهد ، والمنسك الموضع المشروع للعبادة فيه ، ومناسك الحج من ذلك ، فإنها أماكن مخصوصة وأفعال مخصوصة ، وهي ما بين فرض وسنة واستحباب ، فقال تعالى :« فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ »أي الأفعال التي شرعناها لكم في أماكنها ، على حد ما شرعناها من واجب وغيره« فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ »يدل على أن عادتهم كانت جارية منهم في ذلك الزمان بعد فراغ المناسك يذكرون آباءهم ويفتخرون بأنسابهم ، ويقومون النسابون في ذلك الوقت فيذكرون الأنساب ، وحكاية أبي بكر الصديق مع الأعرابي مذكورة بحضور النبي عليه السلام ، فلما كان لهم بذكر آبائهم في ذلك الموطن شدة عناية ، قال اللّه لهم :« فَاذْكُرُوا اللَّهَ »مثل ذكركم آباءكم ، أي افتخروا باللّه واذكروا نعمه عليكم كما تذكرون آباءكم« أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً »يقول : بل أكثر ذكرا ، لأن الذي تنسبونه لآبائكم من الفخر الذي تفخرون به إنما هو من عطائي ونعمتي ، وأنا أحق بالذكر ، وإنما قرر ذكر الآباء بالخير من البر بالوالدين والإحسان لهم ، وقد قرر الشارع ذلك لعباده فقال : ( أَنِ اشْكُرْ لِي )وهو قوله :« أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً »( وَلِوالِدَيْكَ )وهو قوله :« كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ »وقال : ( وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً )( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً )ولم يخص سبحانه بهذا الذكر الذي أمرنا به ذكرا من ذكر ، لكن نبه بما ذكر بعد ذلك أن الدعاء من الذكر المطلوب هنا ، إذ كان من دعاك فقد ذكرك ، وليس كل من ذكر دعا ، فقال تعالى :« فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ »( 202 )« وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ »يقول : فمن الناس« مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا »يطلب من اللّه خيرا في الدنيا ، وما له في الدعاء في خير الآخرة« مِنْ خَلاقٍ »أي من نصيب ، وهذا حالة من اشتدت ضرورته في الدنيا حتى أنسته الآخرة ، فأخبر اللّه تعالى عنه أنه ما جعل للآخرة في دعائه نصيبا و « منهم » يعني من الناس« مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً »أي حالة حسنة في كل شيء ومن كل شيء« وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً »أي حالة حسنة كذلك ،« وَقِنا عَذابَ النَّارِ »يعم عذاب الدنيا والآخرة ، إذ يجمعهما العذاب ، فإن النار قد تكون في الدنيا رحمة لإصلاح معايش الناس ، فالمسئول الوقاية من عذابها ، ومن خصص التأويل بحسنة دون حسنة فقد قيد ما أطلقه اللّه في الإخبار عنهم ، والناس يسألون بحسب أغراضهم ،

    ص 299

    وعرف أن الإقامة فيها في النشأة الآخرة إلى غير ما نهاية ما عرفنا ذلك ، وما خرجنا في كل حال من موت وإقامة وبعث أخروي وجنان ونعيم ونار وعذاب بأكل محسوس وشرب محسوس ونكاح محسوس ولباس على المجرى الطبيعي ، فعلم اللّه أوسع وأتم ، والجمع بين العقل والحس والمعقول والمحسوس أعظم في القدرة وأتم في الكمال الإلهي ، فالأولى بكل ناصح نفسه الرجوع إلى ما قالته الأنبياء والرسل على الوجهين المعقول والمحسوس ، إذ لا دليل للعقل يحيل ما جاءت به الشرائع ، فألزم الإيمان نفسك تربح وتسعد إن شاء اللّه .

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    وأما من ذهب من أهل التأويل إلى أن القائلين« رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ »أنهم الذين لا رغبة لهم فيما عند ربهم من الأجر والثواب في الآخرة عن قصد ، فما هم بمؤمنين ولا قضى هذا منسكا مشروعا قط ، والظاهر أن الحق سبحانه ما قسم إلا الذين قضوا مناسكهم ، وقوله : ( 203 )« أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا »يعم الفريقين ، وأما الفريق الثاني فلا شك فيه ، وأما الفريق الأول الذين غفلوا عن طلب خير الآخرة لشغلهم بما غلب عليهم من ضيق الدنيا ، فأخبر تعالى أن لهم نصيبا في الآخرة مما كسبوه من الأعمال في الحج ، وما لهم من حيث دعاؤهم في الآخرة نصيب ، وأما الآخرون فلهم نصيب من أعمالهم ولهم نصيب في الآخرة أيضا من دعائهم في ذلك ، ثم نبه سبحانه بقوله :« وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ »لتعجيل نيل ما كسبوه من أعمالهم ، أخبر أنه يحاسبهم سريعا ليفضوا إلى نعيمهم ، فهي بشرى لهم سرعة الحساب لمن يحاسب ، وفيه فائدة أخرى ليتنبه طالب الدنيا بأنه محاسب على ما يؤتيه اللّه منها ، فيكون معظم طلبه ما يتعلق بجانب الآخرة ويقلل من ذكر طلب الدنيا ، إذ الدنيا جواز ليس له منها إلا سد جوعة وستر عورة بأي نوع كان ، ( 204 )« وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ »الأيام المعدودات هي أيام التشريق ، وهي أربعة أيام بيوم النحر ، وإنما أمر اللّه بالذكر في هذه الأيام فإنها كما قال عليه السلام : [ أيام أكل وشرب وبعال ]
    وهذه أسباب مؤدية إلى الغفلة عن ما يجب علينا من شكر اللّه على ما أعاننا عليه من قضاء مناسكه ، وما أسبغ علينا من نعمه التي كان حرمها علينا في حجنا ، وأمرنا بالذكر وشرع في هذه الأيام التكبير إدبار الصلوات والدعاء عند رمي الجمار ، وقسم الجمار على الأيام كلها ، كل ذلك حتى لا نغفل ، ولم يقيد الذكر في هذه الأيام المعدودات كما قيده في الأيام المعلومات على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء اللّه ، وأرسل الذكر هنا مطلقا حتى يعم جميع الأذكار بجميع النعم ، إذ كان عقيب فراغ من عبادات جمة ونعم متوالية ، فسبحان العليم الحكيم ، مرتب الأمور مواضعها ، وقوله :« فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ »يريد يومين بعد يوم

    ص 300


    سورة البقرة ( 2 ) : آية 204
    وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ ( 204 )
    الإنسان ألد الخصام حيث خاصم فيما هو ظاهر الظلم فيه ، وليس إلا الربوبية .

    سورة البقرة ( 2 ) : الآيات 205 إلى 206
    وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ ( 205 ) وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ ( 206 )
    حد جهنم بعد الفراغ من الحساب ودخول أهل الجنة الجنة من مقعر فلك الكواكب الثابتة إلى أسفل سافلين ، هذا كله يزيد في جهنم مما هو الآن ليس مخلوقا فيها ، ولكن ذلك

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    النحر ، من تعجل فيهما فنفر في اليوم الثاني فلا إثم عليه ، وفيه وجهان : الوجه الواحد أنه مغفور له سواء عجل أو أخر ، ما ينفر إلا وهو مغفور له ، والوجه الآخر ، من تعجل فنفر في اليوم الثاني فلا إثم في تعجيله حيث ترك اليوم الثالث« وَمَنْ تَأَخَّرَ »إلى اليوم الثالث« فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ »لتأخيره إذ كان التعجيل مشروعا ، وكان يمكن أن يكون منهيا عنه ، وكان التأخير مشروعا وكان يمكن أن يكون منهيا عنه ، فلما كان التعجيل والتأخير مشروعين ، ارتفع الإثم بترك كل واحد منهما لا بتركهما معا ، وقوله :« لِمَنِ اتَّقى »أي من كان تعجيله وتأخيره من حيث ما هو مشروع له فقد اتقى ، وقوله :« وَاتَّقُوا اللَّهَ »يعني في المستأنف ، فإنه مغفور له بحجه ، فليتق اللّه فيما بقي من عمره ، فأمره اللّه بذلك وأعلمه أنه إليه يحشر يوم القيامة ، فقال :« وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ »ليلزم طريق الاستقامة ، فهو إيقاظ له لئلا تجنح النفس وتسكن إلى ما تقدم من مغفرة اللّه له في حجه ( 205 )« وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا »الآيات ، إلى قوله : ( وَلَبِئْسَ الْمِهادُ )هؤلاء الآيات وإن كانت نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي ، فهي عامة في كل من هو بهذه الصفة من النفاق والفساد ، يقول :« وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ »لما فيه من اللين واللطف عندما يلقاك أو يلقى أحباءك« وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ »من غير ذلك من العداوة والبغضاء لك ، وهذا لا يكون ممن يعرف أنه نبي ويجحد ما هو متيقن بصدقه ، لقوله :« وَيُشْهِدُ اللَّهَ »أي أنه يقول لربه : اشهد عليّ أني عدو لهذا ، وأني أعتقد فيه أنه كاذب ، على

    ص 301

    معد حتى يظهر ، إلا الأماكن التي عيّنها اللّه ، فإنها ترجع إلى الجنة يوم القيامة ، مثل الروضة التي بين منبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وبين قبره صلّى اللّه عليه وسلم ، وكل مكان عينه الشارع ، وكل نهر ، فإن ذلك كله يصير إلى الجنة ، وما بقي فيعود نارا كله وهو من جهنم ، والجنة وجهنم عندنا مخلوقتان غير مخلوقتين ، فأما قولنا مخلوقة ، فكرجل أراد أن يبني دارا فأقام حيطانها كلها الحاوية عليها خاصة ، فيقال قد بنى دارا ، وغير مخلوقة هو ما يوجد فيها نتيجة أعمال العباد .

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    جهة القربة إلى اللّه ، فإنه أمكن في العداوة لاتخاذه ذلك دينا ، ولو كان يعلم أنه حق لقال : ويشهد اللّه بفتح الياء ورفع اللّه على الفاعلية« وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ »أي شديد الخصومة في الحالتين ، إذا نازعه أحد فيه صلّى اللّه عليه وسلم خاصمه أشد الخصومة تحببا للنبي صلّى اللّه عليه وسلم وتملقا له ، وإذا نازعه أحد في صدق نبوة محمد أنه على الحق في محل لا يعرف أنه يصل إليه ذلك الكلام ، خاصمه أشد الخصومة في الرد على النبي والكفر به ولهذا وصفه بما قال : ( 206 )« وَإِذا تَوَلَّى »يقول : وإذا غاب عنك« سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها »أي بالفساد« وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ »بحرق الزرع وعقر البقر« وَالنَّسْلَ »بالقتل« وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ »إبقاء على من أنزلت من أجله هذه الآية ، ليرجع إلى الإسلام ، وهو من القول اللين الذي أمر اللّه نبيه موسى وهارون أن يقولا لفرعون فقال : ( فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ )وإن كان قد علم سبحانه أنه لا يتذكر ولا يخشى ، فقال :« وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ »فنفى عن نفسه حب الفساد ، لعله يرجع عن هذه الصفة ، ولم يسمه لقوله :« وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ »لقصده التقرب بذلك إليه سبحانه ، ثم قال ينبه على شرفه في نفسه ، وتمكن الكبرياء من قلبه ، وأنه بمحل من العظمة في نفسه أن يقول له من هو في نفسه دونه اتق اللّه ، فقال : ( 207 )« وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ »كبر ذلك عليه لا تكبرا على اللّه ولكن احتقارا بالمخاطب ، فأخبر تعالى أنه« أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ »أي حمية الجاهلية« بِالْإِثْمِ »أي على الإثم الذي ينهى عنه ، فيفعله لجاجا وعزة على القائل له هذا ، فأخبر سبحانه المؤمنين ليريحوا أنفسهم من مثل هذا المتكبر ، فقال :« فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ »أي كفايته جهنم ، أي جهنم تكفيكم شره« وَلَبِئْسَ الْمِهادُ »يذم مقره فيها ، قال السدي : نزلت هذه الآيات في الأخنس بن شريق ابن عمرو بن وهب بن أبي سلمة الثقفي ، واسم أمه ريطة بنت عبد اللّه بن أبي قيس القرشي ، من بني عامر بن لؤي ، وكان حليفا لبني زهرة ، أقبل إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلم فأظهر الإسلام ، فأعجب النبي صلّى اللّه عليه وسلم ذلك منه ، وقال : إنما جئت أريد الإسلام واللّه يعلم أني لصادق ، ثم خرج من عند النبي صلّى اللّه عليه وسلم ، فمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر ، فأحرق الزرع وعقر الحمر ، فنزلت الآيات ، وقال ابن عباس : نزلت في رجال من المنافقين ، لما أصيبت السرية أصحاب خبيب بالرجيع ،

    ص 302

    سورة البقرة ( 2 ) : الآيات 207 إلى 209
    وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ ( 207 ) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ( 208 ) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( 209) .
    " فَإِنْ زَلَلْتُمْ »من زل إذا زلق« مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ »أي لا يتوصل أحد إلى معرفة كنه الألوهية أبدا ، ولا ينبغي لها أن تدرك ، عزت وتعالت علوا كبيرا« حَكِيمٌ »فإن الحق تعالى ما هو فعله مع الأغراض التي أوجدها في عباده ، وإنما هو مع ما تطلبه الحكمة ، والذي اقتضته الحكمة هو الواقع في العالم ، فعين ظهوره هو عين الحكمة ، فإن فعل اللّه لا يعلل بالحكمة بل هو عين الحكمة ، فإنه لو علل بالحكمة لكانت الحكمة هي الموجبة له ذلك ، فيكون الحق محكوما عليه ، والحق تعالى لا يكون محكوما عليه .

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    بين مكة والمدينة ، قال المنافقون : يا ويح هؤلاء المقتولين الذين هلكوا [ كذا ] ، لا هم قعدوا في بيوتهم ولا هم أدوا رسالة صاحبهم ، فأنزل اللّه هذه الآية ، ثم قال : ( 208 )« وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ »الآية ، لما باع المؤمن نفسه من اللّه ، واشتراها اللّه منه ، أخبرنا بذلك فقال :« وَمِنَ النَّاسِ »عامة« مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ »وهو المؤمن يبيع نفسه من اللّه بالجهاد في سبيله ، أو كلمة حق عند أمير جائر ، يغلب على ظنه أنه يقتله إذا أمره بمعروف أو نهاه عن منكر ، طلبا لمرضاة اللّه ، أي ليرضى اللّه عنه بذلك ،« وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ »حيث لم يعزم عليهم في ذلك ، ولا كلفهم ، بل وسع عليهم على ثلاثة أنحاء ، فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلم : [ من رأى منكم منكرا فليغيره بيده - فهذا أقواهم إيمانا - فإن لم يستطع فبلسانه - وهذا ضعف عن الأول - فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ليس وراء ذلك مثقال حبة من خردل من إيمان ] فهذا من رأفته بعباده ( 209 )« يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً »نزلت في جماعة من مؤمني أهل الكتاب ، منهم عبد اللّه بن سلام ، استأذنوا النبي صلّى اللّه عليه وسلم في أن يعملوا ببعض ما في التوراة من أمر السبت وغيره ، فنزلت« يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا »أي صدقوا بما جاء من عندنا« ادْخُلُوا »

    ص 303

      الوقت/التاريخ الآن هو 24/11/2024, 02:56