..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "125 - 136"البقرة Empty20/11/2024, 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "125 - 136"البقرة Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "125 - 136"البقرة Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "125 - 136"البقرة Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "125 - 136"البقرة Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "125 - 136"البقرة Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "125 - 136"البقرة Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "125 - 136"البقرة Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "125 - 136"البقرة Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "125 - 136"البقرة Empty18/11/2024, 22:41 من طرف Admin

» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "125 - 136"البقرة Empty18/11/2024, 22:34 من طرف Admin

» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "125 - 136"البقرة Empty18/11/2024, 22:23 من طرف Admin

» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "125 - 136"البقرة Empty18/11/2024, 22:21 من طرف Admin

» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "125 - 136"البقرة Empty18/11/2024, 21:50 من طرف Admin

» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "125 - 136"البقرة Empty18/11/2024, 21:38 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "125 - 136"البقرة

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "125 - 136"البقرة Empty من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "125 - 136"البقرة

    مُساهمة من طرف Admin 19/4/2020, 23:16

    تفسير آلآيات من "125 - 136" من سورة البقرة .كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
    كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن من كلام الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي
    سورة البقرة ( 2 ) : آية 125
    وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ( 125 )
    « وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى »وهما الركعتان بعد الطواف لننال ما ناله إبراهيم عليه السلام من الخلة على قدر ما يعطيه حالنا ، فإن من مقامه عليه السلام قوله تعالى فيه :« وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى »ومن مقامه عليه السلام أنه كان أواها حليما ، فيكون هذا أيضا من قصدنا مقام إبراهيم لنتخذه مصلى ، أي موضع دعاء في صلاة ، أو إثر صلاة لنيل هذا المقام والصفة ، التي هي نعت إبراهيم خليل اللّه وحاله ومقامه ، ومن مقام إبراهيم عليه السلام



    التبليغ ، وشروط الإمامة كثيرة ، فهي من الابتلاء الشديد ويحتمل أن يكون ذلك على جهة التشريف والتكريم ، لما قام بالكلمات حق القيام على التمام والكمال كان أهلا للإمامة ، فشرفه اللّه بأن قدّمه على خلقه ليأتموا به ويهتدوا بهديه ، إذ قد آنس منه الرشد فيما ابتلي به ، فدفع الإمامة إليه ، كما أمرنا في الأيتام في دفع أموالهم لهم واستحقاقهم لها بإيناس الرشد منهم ، فقال : ( وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ )وهو أحد الشرطين( فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ )« قالَ »إبراهيم« وَمِنْ ذُرِّيَّتِي »« قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ »طلب إبراهيم من ربه أن يجعل من ذريته أئمة ، وهذا الطلب دليل على أنّ جعله إماما كان تشريفا وكرامة به لا ابتلاء ، فترجح أحد الوجهين ، ولو فهم بقرائن الأحوال أن الإمامة كانت على طريق الابتلاء ما طلب مثلها لذريته ، وإن كانت ابتلاء من حيث ما يتعلق بها ، ولكن إذا عرف الإمام بتعريف اللّه أنه معان معصوم كانت إمامته تشريفا بلا شك ، ويبقى ما فيها من الابتلاء في حق من وليها من المؤمنين الذين جهلوا أحوالهم فيها ، وأما قوله :« لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ »يقول لا أعطي الإمامة للظالم بوحي منزل فيه أسميه بعينه ، مثل ما سميت الرسل بأسمائهم وخصصتهم من سائر الخلق بالخطاب بالعهد والإمامة ، مثل قولنا : ( يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ )ولإبراهيم( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً )وهكذا جميع الرسل ، فهذا هو العهد الذي لا يناله الظالم من عبادي ، وأما من نصبه الناس إماما فأئمتهم رجلان : ظالم وعادل ، فالعادل هو الذي يقوم فيهم بسنة نبيهم وهديه ، ويسلك بهم أوامر الحق المشروع لهم من عندنا ، وهم أئمة الهدى الذين يأمرون بالقسط من الناس ، فنحن أيضا شرعنا لهم بالوحي المنزل على الرسل تولية مثل هؤلاء الإمامة ، فهم ممن ينال عهدي ، وطائفة

    ص 195
    أيضا : أنه كان أمة قانتا للّه حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم ، ومن مقامه عليه السلام : أنه أوتي الحجة على قومه بتوحيد اللّه ، ومن مقامه عليه السلام أيضا : أنه كان مسلما ، ومن مقامه عليه السلام أيضا : الصلاح .
    ومن مقام إبراهيم عليه السلام : أن اللّه آتاه أجره في الدنيا ، وأنه في الآخرة لمن الصالحين . فهذا كله من مقام إبراهيم الذي أمرنا أن نتخذه مصلى فقال :« وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى »أي موضع دعاء إذا صليتم فيه أن ندعو في نيل هذه المقامات التي حصلت لإبراهيم الخليل عليه السلام .
    واعلم أن مكة خير وسيلة عبادية ، وأشرف منزلة جمادية ترابية ، وأنه قد طاف بهذا البيت



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    أخرى نصبهم الناس فظلموا ، وضلوا وأضلوا ، وعدلوا عن الحق ، فهؤلاء هم الذين لم ينالوا عهدي بحكم تعيينهم بالأمر بالتقدم ، ولكن نحن جعلناهم أئمة يدعون إلى النار بقضائنا لا بأمرنا ، قال تعالى : ( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ )وفي هذه الآية دليل على أن إمامة الظالم لا تصح شرعا ، فإن اللّه قد نفى عنه الإمامة ، ويتقوى مذهب من يقول إن الإمام إذا فسق انعزل شرعا وإن تعذر خلعه ، والكلام في هذه المسألة يطول ، والوجه عندي في هذه المسألة واللّه أعلم ، أن الظلم هنا كما فسره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لما نزل قوله تعالى : ( وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ )
    قالت الصحابة : [ وأينا لم يلبس إيمانه بظلم ؟ فقال عليه السلام : ليس كما زعمتم ، وإنما الظلم هنا ما قاله لقمان لابنه : يا بني لا تشرك باللّه إن الشرك لظلم عظيم ] فهذا مثل ذلك ، وأما المسلمون وإن جاروا وظلموا فإن النبي عليه السلام قد أمرنا أن لا نخرج أيدينا من طاعة ، فإن جاروا فلنا وعليهم ، وإن عدلوا فلنا ولهم ، وقال : أطيعوهم ما أقاموا الصلاة ، لما تكلموا في جورهم ، وقال تعالى : ( وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً )أي خيارا عدلا( لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ )فقد نص اللّه على عدالتنا بمجرد الإيمان ، وإن كان قد علم أنه يقع منا الجور والظلم والتعدي للحدود المشروعة ، مع حفظ الإيمان بتحليل ما أحل اللّه ، وتحريم ما حرم اللّه ، فلم يخرج اللّه العصاة والظلمة من أهل الإيمان من الإمامة ، ولا سيما في قوله : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ )مع كونه مصطفى ، ونحن نقول إن الظالم إذا حكم بأمر فسّق فيه قد انعزل شرعا عن حكم اللّه في تلك النازلة ، فإنه بمعزل عن حكم اللّه فيها ، وهو مأثوم ، ولكن أقول إذا اتفق أن يتمكن الناس من خلع الظالم وإقامة العادل من غير ضرر فادح يصيب الناس وتهلك فيه النفوس والأموال فلهم ذلك ، وهل يجب أو لا يجب ؟ فيه عندي نظر ، وأنا الآن في محل التردد في ذلك لتعارض الأدلة ، وما ترجح عندي في ذلك شيء ، واعلم أن
    ص 196
    مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي سوى الأولياء ، وما من نبي ولا ولي إلا وله همة متعلقة بهذا البيت وهذا البلد الحرام ، لأنه البيت الذي اصطفاه اللّه على سائر البيوت وله سر الأولية في المعابد ، كما قال تعالى :« إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً »من كل مخوف إلى غير ذلك من



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    الأئمة رجلان : إمام يقتدى به وهم الرسل ، قال تعالى : ( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ )وسيأتي في ترجمتها في موضعها ما يتعلق بها من الحكم ، فإذا كانت الإمامة يراد بها الاقتداء ، أن يقتدى بها ، فلا تجوز الإمامة إلا لمنصوص على عصمته ، وذلك هم الرسل خاصة ، ولا خلاف بين أهل الإسلام في إمامة من جهلت عصمته أو من ليس بمعصوم ، إلا شرذمة قليلة لا يحكى قولهم ، والرجل الآخر ، إمام لا يقتدى به ، ولكن يسأل في النوازل إذا كان من أهل الذكر ، فلا بد أن يكون عالما ، بما يحكم به بين الناس ، ولا يقتدى به في أفعاله وإن كانت أفعاله مستقيمة ولكن اقتداءك إنما هو بمن اقتدى هو به وهو الشرع لا به ، فإن الكل أتباع الرسل ، فيكون نصب الإمام هنا لوجود المصالح التي يقوم بها معاشهم ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم وأزواجهم ، فإن اللّه يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ، ثم قال : ( 126 )« وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً »يقول : نصبنا البيت بمعنى الكعبة ، مثابة للناس يحجون إليه في كل عام بجد وعزم ومحبة تؤديهم إلى أن يثوبوا إلى قصده من جميع البلاد بسرعة ، من الوثب ، وإن تناءت بلادهم وهلكت في قصده أموالهم ، فإن ذلك يهون عليهم ولا يبطئ بهم عن قصده لما جعل اللّه في نفوسهم من محبته ، فهوّن عليهم الشدائد في طريقه ، وهي بشارة من اللّه لعبده إذ أوجد في قلبه تهوين الشدائد ، من بذل المال وتعب البدن ومفارقة الأهل والوطن في طلب قصده والوصول إليه ، أنه مؤمن ممن اعتنى اللّه به ، وإن وجد غير ذلك فليعزّ نفسه ، فإن اللّه قد سلب عنه الإيمان وهذا من سر اللّه في قلوب العباد ، وهو من قوله : ( فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ )وأية آية أعظم من هذا ، وقوله :« وَأَمْناً »أي جعل في قلوبهم أن يشرعوا الأمان لكل من دخله ولاذ به ، جعل ذلك في قلوب المشركين وغيرهم ، قال اللّه تعالى : ( أَ وَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً )فنسب ذلك الجعل إليه وأطبق قلوب الكفار على ذلك ، ثم قال :« وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى »على الأمر إذا كسرت الخاء ، وعلى الخبر إذا فتحتها ، وقد يرد الخبر ويراد به الأمر ، فمن جعله خبرا يقول : جعلنا في قلوبهم أن يتخذوه موضعا للدعاء فاتخذوه ، فأخبر أنهم اتخذوه ، ومن جعله أمرا جعل اتخاذه مشروعا على جهة الندب لا على الوجوب ، واختلف الناس في هذه الآية في « المقام » ما المراد به ؟ وفي كيفية اتخاذه مصلى ، وما معنى « مصلى » فأما المقام فلا خلاف أن الحجر الذي قام

    ص 197

    الآيات« وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ »أمر إبراهيم وإسماعيل بتطهير البيت للطائفين عناية بمحمد صلّى اللّه عليه وسلم ، سيد المرسلين ، فأكرمهما ببناء البيت وتطهيره إنما كان لكونهما حملا النبي صلّى اللّه عليه وسلم في ظهورهما ، واختص إسماعيل دون بنيه بذلك وبالابتلاء لكونه كان من آباء النبي عليه السلام ، قال « أنا ابن الذبيحين » وإنما كانت الفضيلة لهما في البيت لكونهما طهراه وبنياه عن أمر إلهي فقال تعالى :« أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ »في بيت خاص نسبة إذ كان بيت اللّه بلا واسطة منذ خلق الدنيا ما جرت عليه يد مخلوق ، والطائفون كالحافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم ، والبيت في الأرض كالعرش المنسوب إلى استواء الرحمن« وَالْعاكِفِينَ »الاعتكاف : الإقامة بمكان مخصوص ، وفي الشرع على عمل مخصوص ، بحال مخصوص على نية القربة إلى اللّه جل جلاله وهو مندوب إليه شرعا واجب بالنذر . وللمعتكف أن يفعل جميع أفعال البر التي لا تخرجه عن الموضع الذي أقام فيه ، فإن خرج فليس بمعتكف ، ولا يثبت عندي فيه الاشتراط .



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    عليه إبراهيم حين بنى البيت ودعا الناس بالحج إليه الذي هو اليوم في البيت يتبرك به لموضع أقدامه فيه أنه مقام إبراهيم ، واختلفوا فيما سوى ذلك في المذكور في هذه الآية ، فأعمها قولا مناسك الحج كلها في الحل والحرم ، وأخصها ما ذكرناه ، وما بين هذين القولين أقوال كثيرة في تعيين بعض الأماكن من الحرم ، وأما قوله :« مُصَلًّى »فقد يريد به مدّعى ، أن يدعو الناس فيه ، وقد يريد به الصلاة المعلومة في الشرع ، وقد يريد الأمرين وهو الأوجه إذ لا تناقض في ذلك ، وأما كيفية اتخاذه مصلى فليس بعد شرح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في ذلك شرح ، وينبغي الوقوف عنده ، فإنه أعلم بمعنى ما أنزل اللّه عليه ، وذلك أنه صح عنه صلّى اللّه عليه وسلم أنه لما فرغ من الطواف صلى خلف المقام وجعل المقام الذي هو الحجر بينه وبين القبلة ، وصلى وتلا« وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى »وليس بعد هذا البيان بيان ، ومن خالف بعد هذا البيان فما اقتدى ، ثم قال :« وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ »أي أمرناهم حتما جزما ، وشرك إسماعيل مع إبراهيم في ذلك العهد لما فيه من الشرف والرفعة حيث أهلهما لتطهير بيت أضافه إليه ، وجعله مقصدا لعباده إلى يوم القيامة من ملك وجن وإنس ، والإنسان مجبول أن يحب لابنه من الخير أكثر مما يحب لنفسه ، فأكرم اللّه إبراهيم بأن يشرك ابنه معه في ذلك ، ووجه آخر ، وذلك أن يكون لمحمد عليه السلام نصيب من هذا التشريف حيث كان انتقل إلى إسماعيل من إبراهيم ، فشرف الوالد لشرف الولد ، لأنه حامله في ذلك الوقت ، لأنه كان يتردد في الأصلاب منحدرا
    ص 198
    سورة البقرة ( 2 ) : آية 126
    وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ( 126 )
    دعا إبراهيم عليه السلام لمكة بالبركات ، فإنه إذا بورك في الأم بورك في البنات .



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    في ارتقاء وتطهير ، وأحسن بيت رأيته ورويته أن يليق برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قول بعضهم :
    [ تخيرك اللّه من آدم . . . فما زلت منحدرا ترتقي ]
    فأمرهما اللّه أن يطهراه من الأقذار المحسوسة كما صب النبي عليه السلام الماء على بول الأعرابي ، وبيّن أن المساجد لا تصلح لشيء من هذا ، وغير المحسوسة أيضا ، وهو تطهيره من هجر القول وسوئه وجعل الأوثان فيه والأصنام ودخول المشركين فيه ، وجميع ما يقع عليه اسم تطهير شرعا وعرفا ، مطلقا من غير تخصيص ، فإنه سبحانه ما خصص لنا ، وقوله :« لِلطَّائِفِينَ »الذين يطوفون بهذا البيت من جميع أصناف الطائفين ، ثم قال :« وَالْعاكِفِينَ »يريد المقيمين فيه من المجاورين ومن أهله ، وأرجو إن شاء اللّه أن يكون أجرهم أجر المعتكف الاعتكاف المشروع ، ولا سيما على مذهب بعضهم حيث جوز للمعتكف في غير المسجد مباشرة النساء ، وقد يستروح من هذا أنه من أراد الاعتكاف في نفس البيت لا يمنع ، وأن المعتكف في الحرم أي المقيم فيه من غير طواف ولا صلاة أنه في عبادة بمجرد الإقامة ، وقوله :« وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ »يريد المصلين والساجدين في التلاوة ، والراكعين الخاضعين وإن لم يكونوا مصلين إذ الركوع الخضوع .
    ثم قال : ( 127 )« وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً »لما أخبر اللّه تعالى نبيه إبراهيم أن اللّه جعل بيته أمنا لمن عاد به وجاوره ، دعا إبراهيم ربه أن يجعل البيت أيضا آمنا في نفسه من تسليط الجبابرة عليه بالهدم والتخريب لغير المصلحة وعدم الاحترام ، فما زال محترما عند كل جبار ، ومن قصده لانتهاك حرمته وهدمه فإنه لا يقدر على ذلك ، كأصحاب الفيل وغيرهم ، حتى يأتي وعد اللّه عند قرب الساعة فيسلط عليه الأحابشة ، وأما الحجاج فما قصد إلا عبد اللّه بن الزبير بتأويل رآه ، ونحن إنما تكلمنا فيمن قصده لعينه الذي دعا فيه إبراهيم ، وقوله :« وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ »لما رآه واديا غير ذي زرع ، فهو تجبى إليه ثمرات كل شيء من أداني القرى وأقاصيها رزقا من عند اللّه لدعوة إبراهيم ، وقوله :« مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ »أدبا مع اللّه حيث قال له من قبل لما سأله فقال : ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ
    ص 199

    سورة البقرة ( 2 ) : آية 127
    وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( 127 )
    دعا إسماعيل بالقبول ، فأظهر النقص ليصح كمال الخليل ، إذ الواجب على كل بنيه ، أن يضع من قدره عند قدر أبيه ، فأظهر إسماعيل صفة الافتقار ، وظهر بها احتراما لأبيه وأدبا معه .



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    لا ينال عهدي الظالمين ) ومثله من يتأدب ويقف عندما نبهه عليه ربه ، وأيضا لما علم إبراهيم عليه السلام أن سبب خصب البلاد وإنزال الرزق إنما هو لأجل عناية اللّه بالصالحين من عباده وبدعائهم ، إذ هم المقصودون للحق من العالم ، وأن الكافر يرزق بحكم التبعية لا بحكم العناية ، كما يهلك الصالح بنزول العذاب الذي أنزل من أجل المفسدين فنال الصالح بحكم التبعية لا بحكم العقوبة ، فلهذا أيضا لم يذكر أرزاق الكافر ، وقوله :« قالَ وَمَنْ كَفَرَ »سؤال من إبراهيم فيكون في الكلام حذف ، كأنه لما قال ذلك قال اللّه :« وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ »فتكون الفاء جواب شرط محذوف دل عليه الكلام ، وقد يكون قوله :« وَمَنْ كَفَرَ »مبتدأ ويكون القائل اللّه ومن شرط وجوابه« فَأُمَتِّعُهُ »يقول والكافر أرزقه« قَلِيلًا »يعني الحياة الدنيا ، قال تعالى : ( قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ )أي التمتع بها قليل ، ثم قال :« ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ »لا ينبغي أن يجعل الاضطرار بمعنى الإكراه لأنه ما قال إلى النار ، وإنما قال :« إِلى عَذابِ النَّارِ »وإنما الإكراه إنما يكون في سوقهم إلى النار ودخولها ابتداء بالجبر ، فإذا حطوا فيها كما قال : ( وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ )وسيأتي شرحه ومعنى سوقهم( وِرْداً )ما معناه ، واللّه يبقي علينا فهمه في وقت الترجمة عنه ، فاعلم أن الاضطرار هو أن يقصد المضطر ما يحتاج إليه لا ما يكره عليه ، فإن الإكراه ضد الاضطرار ، فإن حالة الاضطرار تزيل الكراهة عند المضطر من الشيء الذي كانت عنده في حال الاختيار ، واعلم أن جهنم تحتوي على عذابين حرور وزمهرير إلى غير ذلك ، فإذا كان الشقي في حرور النار ومسّت منه ما آلمه ونظر إلى الزمهرير الذي في مقابلته رمى نفسه إليه مضطرا من عذاب إلى عذاب ، وكذلك إذا جاع اضطر إلى دفع الجوع بما يأكله ، فينظر إلى شجرة الزقوم ، فيتوهم بالعادة من أكل الثمر أنه مزيل لجوعه ، فيضطر إلى قطعها فإذا ازدردها قطعت أمعاءه ، وناله من العذاب فوق ما كان يجده ، وهكذا في الشراب وغيره ، فهذا معنى الاضطرار ، وقال فيه تعالى :« وَبِئْسَ الْمَصِيرُ »كلمة ذم ، كما أن نعم كلمة مدح ، فذم اللّه ذلك المصير الذي صار
    ص 200

    سورة البقرة ( 2 ) : آية 128
    رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ( 128 )
    اعلم أن توبة اللّه مقطوع لها بالقبول ، وتوبة العبد في محل الإمكان ، لما فيها من العلل وعدم العلم باستيفاء حدودها وشروطها وعلم اللّه فيها ، فالعارف يسأل ربه أن يتوب عليه ، فإن الرجوع إلى اللّه بطريق العهد وهو لا يعلم ما في علم اللّه فيه خطر عظيم ، فإنه إن كان قد بقي عليه شيء من مخالفة فلا بد من نقض ذلك العهد .



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    إليه أهل النار من البؤس ، ثم قال : ( 128 )« وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا »الآية ، يحتمل رفع القواعد وجهين : الوجه الواحد« وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ »ما قعد من البيت ، أي استوطئ فرفعه إبراهيم ، والوجه الآخر ، أنه أخذ القواعد وهي الحجارة التي هي أصلا وأساسا للبناء عليها ، وقد تكون تلك القواعد قبل ذلك له على ما روي ، وقد تكون حجارة أنشأها ابتداء واختارها للأساس ، ومعنى يرفعها وذلك إذا جعلت القاعدة على المكان الذي تريد البناء عليه فقد رفعتها على ذلك المكان بلا شك ، فأراد وضعها وإسماعيل ، وقوله :« مِنَ الْبَيْتِ »من أجل بناء البيت ، وإسماعيل يرفعه معه ، ذلك لأنهما أمرا بالبناء معا ، ففي أي شغل كان من البناء فقد حصل الامتثال لأمر اللّه ، وقد يحتمل أن يكون قوله مبتدأ في وقت رفع القواعد يقول إسماعيل« رَبَّنا »أي يدعو بهذا الدعاء ، أو ما في معناه مما يتضمن طلب القبول من اللّه فيما كلفاه من العمل« إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ »لدعائنا« الْعَلِيمُ »بعملنا وامتثال أمرك في ذلك ( 129 )« رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ »يقولان في دعائهما : ربنا واجعلنا مسلمين ، يعني نفسه وابنه ، أي منقادين لأمرك متى أمرتنا بكل وجه« وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ »أي منقادة لأمرك أيضا ، وتأدب في ذلك ولم يقل كل ذريتي ، فإنه قد قيل له إن فيهم ظالمين : فقال : أمة منهم ، فكان كما دعا ، فجعل من ذريته رسلا ومؤمنين وصالحين إجابة لدعوتهما ، ثم قال :« وَأَرِنا مَناسِكَنا »قد تكون الرؤية بمعنى العلم ، ولا يكون العلم بمعنى الرؤية ، فلما كان موضوع الرؤية أعم جاء بها ، لأن من المناسك ما يحتاج فيه إلى الرؤية ، كالأماكن ، فلا بد من تعيينها للبصر ، ومن المناسك ما يكون فعلا ، كأكثر أفعال الحج مما يعلم ولا يرى ، وهو الحكم بما يجوز من ذلك وما لا يجوز ، فلهذا أتى بقوله :« أَرِنا »وقوله :« وَتُبْ عَلَيْنا »أما إبراهيم فمن قوله : ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي )في طلب الإمامة وأشياء لا يعرفها ، وكذلك إسماعيل ، وقد تكون التوبة هنا بمعنى
    ص 201

    سورة البقرة ( 2 ) : آية 129
    رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( 129 )
    الحكمة ليست مطلوبة إلا من أجل ما تدل عليه ، واعلم أن الحكيم من العباد الذي ينزل كل شيء منزلته ، ولا يتعدى به مرتبته ، ويعطي كل ذي حق حقه ، لا يحكم في شيء بغرضه ولا بهواه ، ولا تؤثر فيه الأعراض الطارئة ، فينظر الحكيم إلى هذه الدار التي قد أسكنه اللّه فيها إلى أجل ، وينظر إلى ما شرع اللّه له من التصرف فيها من غير زيادة ولا نقصان ، فيجري على الأسلوب الذي قد أبين له ، ولا يضع من يده الميزان الذي قد وضع له ، في هذا الموطن ، فإنه إن وضعه جهل المقادير فإما يخسر في وزنه أو يطفف ، وقد ذم اللّه الحالتين ، وجعل تعالى للتطفيف حالة خاصة يحمد فيها التطفيف ، فيطفف هناك على علم فإنه رجحان الميزان ويكون مشكورا عند اللّه في تطفيفه ، فإذا علم هذا ولم يبرح الميزان من يديه لم يخط شيئا من حكمة اللّه في خلقه ويكون بذلك إمام وقته ، ومن الحكمة عدم إظهار الحق لعباده ، وتعريف الخلق به ، في الموطن الذي يؤدي ذكره إلى أذى اللّه ورسوله ، ومن الحكمة أن لا يعرض الحكيم بذكر اللّه ، ولا بذكر رسوله ، ولا أحد ممن له قدر في الدين عند اللّه ، في الأماكن التي يعرفها هذا الحكيم إذا ذكر اللّه فيها أو رسوله أو أحدا ممن اعتنى اللّه به ، كالصحابة عند الشيعة ، فإن ذلك داع إلى ثلب المذكور ، وشتمه ، وإدخال الأذى في حقه ، ففي مثل هذا الموطن لا يذكره .



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    الرجوع إليه في كل حال ، وهذا التفسير على معنى ( فتاب عليهم ليتوبوا ) وأما على ظاهر اللفظ فليس فيه توبة منهم ، فمعناه إذا تاب اللّه عليهم لم تقع منهم فيما بعد مخالفة ، فإن توبة العبد قد يرجع عنها ، ومن تاب اللّه عليه فلا يرجع ، ووجه آخر وهو قولهما :« وَتُبْ عَلَيْنا »أي ارجع علينا في كل حال بالرحمة والعطف واللطف والتوفيق والرشد والاستعمال في محابك ومرضاتك« إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ » ،ثم قال : ( 130 )« رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ »فالسؤال في أن يكون الرسول منهم« يَتْلُوا عَلَيْهِمْ »ذلك الرسول« آياتِكَ »ما أنزلت عليه من الصحف والكتب« وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ »أي ما في الكتاب مما خاطبتهم به ، أو يأمرهم بتعليم الكتاب حتى

    ص 202
    سورة البقرة ( 2 ) : آية 130
    وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ( 130 )
    إلى الهوى يرجع السفه ، ودع عنك كلام من موّه . العقل عن السفاهة منزه ، وما هو بعاقل حتى يتنبه« وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ »الصلاح أشرف مقام يصل إليه العبد ، ويتصف به في الدنيا والآخرة ، فإن الصلاح صفة امتن اللّه بها على من وصفه بها من خاصته ، وهي صفة يسأل نيلها كل نبي ورسول ، والصلاح صفة ملكية روحانية ، فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول فيها : إذا قال العبد في التشهد « السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين » أصابت كل عبد صالح للّه في السماء والأرض .



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    يعرفوا ما كتب لهم في الصحف المنزلة ، « والحكمة » أن يضعوا العبادات التي كلفتهم مواضعها ، ويرتبوها كما شرعتها زمانا وحالا ومكانا وقولا وفعلا وعقدا ، فإن الحكيم هو الذي يضع الأشياء مواضعها ، قال :« وَيُزَكِّيهِمْ »أي يطهرهم ويكثر الخير لهم ، قال تعالى : ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها )ثم قال :« إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ »الذي لا تغالب ولا يمتنع عليك شيء فإنه يقول : لا راد لأمره ، ثم نعته ب« الْحَكِيمُ »تسليما له في فعله لعلمه بالأمور ، فإن اقتضت حكمته سبحانه فيما دعاه به خليله أجابه ، وإن لم يكن فالأمر إليه ، فهو سبحانه أعلم بمصالح عباده ، ولا سيما وقد تقدم له عليه السلام قوله : ( لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )في سؤاله الأول في الإمامة لذريته ، ثم قال : ( 131 )« وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ »يقال :
    رغبت عن كذا إذا زهدت فيه ، واللّه تعالى يقول : ( اتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً ) *فقال :« وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ »عن الدين الحنيفي الذي هو الإسلام إلا سفيه في نفسه ، أي سخيف ضعيف الرأي والعقل ، ليس عنده رشد ، والسفه في اللسان الخفة ، والضمير في نفسه يعود على من سفه نفسه في موضع رفع ، وانتصب على التمييز ، كقوله غبن رأيه ، أي غبن رأيا ، وسفه نفسا ، والمعنى في ذلك واضح ، وقوله :« وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا »وقد علمتم أنا اصطفيناه أي صفيناه من الصفوة واجتبيناه واخترناه للخلة والإمامة في الدنيا« وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ »أي من الذين أدوا حقوق اللّه على التمام والكمال من غير أن يتخللها ما يفسدها ، المعنى
    ص 203

    سورة البقرة ( 2 ) : آية 131
    إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ ( 131 )
    الإسلام : أن يكون العبد منقادا إلى اللّه عند كل دعاء يدعوه إليه من غير توقف .« لِرَبِّ الْعالَمِينَ »اعلم أن الربوبية نعت إضافي لا ينفرد به أحد المتضايفين عن الآخر فهي موقوفة على اثنين ، فمالك بلا ملك لا يكون وجودا وتقديرا ، ومليك بلا ملك لا يكون ، كذلك الرب بلا مربوب ، لا يصح وجودا وتقديرا .
    سورة البقرة ( 2 ) : آية 132
    وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( 132 ).
    أي في حال حياتهم ، أي اثبتوا على حالكم الذي ارتضاه الدين لكم في المستقبل ، فأمرهم بالإسلام في المستقبل أي بالثبوت عليه .



    أنه في هذه الزمرة التي بهذه الصفة يحشر يوم القيامة ، ثم قال : ( 132 )« إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ »العامل في« إِذْ »اصطفيناه ، يقول : إن اصطفاءه في وقت أن قال له أسلم لما رأى الشمس آفلة قال : ( يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ )« قال له ربه يا إبراهيم أسلم » بما ألقى إليه من النداء في سره ، أو بملك أرسله إليه مبلغا قول ربه له أسلم ، قال :« أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ »( إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ )الآية ، وقال فيها : ( وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ )وسيأتي إن شاء اللّه الكلام عليها في موضعها ومعنى« أَسْلِمْ »اخضع لي منقادا ، قال من غير توقف :« أَسْلَمْتُ »أي انقدت وخضعت« لِرَبِّ الْعالَمِينَ »أي سيد العالم ومصلحهم ومالكهم ، وقد مضى تفسيره في الفاتحة ، ثم قال : ( 133 )« وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ »الضمير في« بِها »يعود على ملة إبراهيم ، يقول : وصى بها إبراهيم عليه السلام أولاده ، وكذلك يعقوب أيضا وصى بها أولاده ، فقال لهم :« يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ »أن يا بني فحذف أن ، والعامل فيها وصى لأنه في معنى القول ، ولو ظهر القول هنا في موضع وصى لم يصلح أن يكون هناك حرف أن ، فقولهم إن أن محذوفة لأن وصى في معنى القول ، ولو كان القول لم يحسن وجودها تخبيط ، والأولى أنه هكذا نطقت العرب ، فهي لغة محكية ، ودعوى الحذف فيها قول بلا برهان ، وقوله :« يا بَنِيَّ »إلى آخر الآية تفسير الوصية ،

    ص 204
    سورة البقرة ( 2 ) : الآيات 133 إلى 136
    أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ( 133 ) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ ( 134 ) وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ( 135 ) قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ( 136 )
    أمة محمد صلّى اللّه عليه وسلم المؤمنون به أتباع كل نبي ، وكل كتاب ، وكل صحيفة ، جاء أو أنزل



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    فقالا :" إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ " أي اختار لكم الدين الذي هو الإسلام ، وهو ملة إبراهيم ، فالألف واللام للعهد ،« فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ »فنهاهم عن الصفة لا عن الموت ، فإن الموت متحقق ، يقول مت وأنت موحد ، فليس الأمر بالموت ، وإنما الأمر بموت على هذه الصفة ، وفيه تنبيه على ملازمة هذا الدين أيام حياتهم ، لأن وقت الموت مجهول ، والحيوان في كل نفس ينتظره ، ولما كان الأمر هكذا ، خرج الكلام بالنهي عن الموت على غير صفة الإسلام مخرج الزموا هذا الدين أيام حياتكم ( 134 )« أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ »الآية ، لما زعمت اليهود أن يعقوب أوصى بنيه عند الموت أن يموتوا على اليهودية ، فقيل لهم ، أتدعون على الأنبياء اليهودية في قولكم هذا ، أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت ؟ فتكون« أَمْ »على هذا متصلة ، ومن جعلها منقطعة جعل الهمزة للإنكار ، والمعنى أي ما كنتم حاضرين يعقوب إذ حضر يعقوب الموت ، وقد يمكن أن يقال فيه أيضا إن الهمزة للاستفهام ، والمعنى أكنتم شهداء ؟ واستفهم بأم ،
    ص 205
    من عند اللّه ، في الإيمان به - لا بالعمل بالحكم - ، فالشرائع كلها أنوار ، وشرع محمد صلّى اللّه عليه وسلم بين هذه الأنوار كنور الشمس بين أنوار الكواكب ، فإذا ظهرت الشمس خفيت أنوار



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    فإنه يستفهم بها كثيرا في الكلام المستأنف على كلام سبق ، فكأنه يقول : ما كنتم حاضرين ، فلم يبق إلا أن تعلموا ذلك من كتابكم أن يعقوب وإبراهيم كانا على اليهودية ، وأنتم تعلمون أن كتابكم ينطق بخلاف ما تزعمون ، وأنه قيل لكم : ( ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )فما أوصى إبراهيم بنيه الذي يعقوب منهم - فإنه ولد ولده - إلا بالملة الحنيفية وهو دين الإسلام ، فقولكم يناقض علمكم ، وقوله :« إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي »فأتى بما فإنها تنطلق على كل شيء بخلاف من ، فكأنه يقول : أي شيء تعبدون من بعدي ؟ وأما استفهامه بنيه لعلمه بأن قلوب الخلق بيد اللّه يقلبها كيف يشاء ، ولعلمه بأن أولاد الأنبياء قد يخرجون عن دين آبائهم ، وقد وقع هذا كله قبل يعقوب فيمن تقدم ، فأراد أن يرى ما يصرون عليه في قلوبهم بعد موته لينقلب مسرورا إن كان خيرا في جوابهم ، وإن سمع منهم غير ذلك فيدعو اللّه لهم - ما دام حيا - أن يجمعهم على الإسلام ، ولهذا قال« مِنْ بَعْدِي »فإنهم في هذا الوقت على دين أبيهم ، فقالوا :« نَعْبُدُ إِلهَكَ »أي نذل له بالطاعة لأمره ونوحده« وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ »تهمموا بتقديمه لما علموا من اصطفاء اللّه له بالخلة ، ولسنه ، ولأن ذلك مما يسر يعقوب ، وتلوه بإسماعيل ، فقالوا :« وَإِسْماعِيلَ »لأنه أسن من إسحاق ، وجعلوا العم هنا أبا فإن أبا يعقوب إسحاق ، وذلك أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال : عم الرجل صنو أبيه ، فإن الأخوين من أب واحد كصنوان النخل« وَإِسْحاقَ »كل ذلك عطف بيان على« آبائِكَ »ثم قالوا :« إِلهاً واحِداً »لئلا يتوهم السامع الكثرة ، فهو بدل من إلهك وإله آبائك ، وقد قيل إن نصبه على الاختصاص ، أي نريد بقولنا إلهك وإله آبائك ، إلها واحدا« وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ »منقادون لما يأمرنا به وينهانا عنه ، وإنما قدموا يعقوب بالذكر على آبائه لحضوره ، وللحاضر مزية على الغائب عند المخاطب ، وربما ذكروه بالقصد الأول على وجه الاقتصار عليه ، ثم إنهم لما ذكروه خطر لهم أن يذكروا آباءه ، ينبهوه أنك كما عبدت إله آبائك كذلك نحن نعبد ما كانوا يعبدون ، إذ كان شرع اسم الإسلام لإبراهيم ، ( 135 )« تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ »الآية .
    تدل هذه الإشارة أن واحدا منهم قال : إنه ينتفع بانتسابه إلى آبائه الذين كانوا مع الأنبياء المتقدمين على دينهم ، فرد اللّه ذلك بقوله :« تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ »أي انقضت مدتها وذهبت بعملها ، يقال خلى الرجل إذا صار إلى مكان ليس فيه غيره ، ومنه الخلوة والخلاء ، لانفراد الشخص فيه ، وقوله :« لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ »يؤيد من يقول إنه لا ينوب أحد عن أحد في
    ص 206
    الكواكب واندرجت أنوارها في نور الشمس ، فكان خفاؤها نظير ما نسخ من الشرائع بشرعه صلّى اللّه عليه وسلم مع وجود أعيانها ، كما يتحقق وجود أنوار الكواكب ، ولهذا ألزمنا في شرعنا العام أن نؤمن بجميع الرسل ، وجميع شرائعهم أنها حق ، فلم ترجع بالنسخ باطلا ، ذلك



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    الأعمال البدنية ، ويحتج بقوله تعالى : ( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى )وقوله :« ما كَسَبَتْ »من الخير والشر ، أي ما عملته من ذلك ، والذي أذهب إليه في هذه المسألة أن ليس للإنسان أن يطلب جزاءه إلا عن ما سعى فيه ، وليس له بطريق الجزاء إلا ما عمله ، وأما عمل غيره فلا يتعدى له من حيث هو عمل ، فإن العمل لا يتصف به إلا عامله وهو الصحيح ، وإنما الجزاء الذي عيّن اللّه على ذلك لعامله هو رحله يتصرف فيه كيف يشاء ، فيمسكه لنفسه ويهبه إن شاء لمن يريد ، فالذي يوهب له ذلك الثواب فليس هو له جزاء ، لأنه وصل إليه من غير عمل عمله ، ولكن من باب الهدية والمنة من صاحبه ، كالرجل يأخذ أجرة عمله فإن شاء أكلها ، وإن شاء تصدق بها ، وقد ورد في الشرع ما يؤيد قولنا ، وهذا نقول به في الخير ، وأما في الشر فلا ، فإن الشرع منع من ذلك ، قال تعالى : ( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) *( وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها ) .
    ثم قال :« وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ »أيضا ولا يسألون عما كنتم تعملون ( 136 )« وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا »- الآية - قولهم :« تَهْتَدُوا »أي تصيبوا طريق الحق ، المعنى أي يتبين لكم الحق ، إذا كنتم على اليهودية تقول اليهود ، وتقول النصارى كونوا نصارى ، وهما دينان مختلفان لأنه دين عن أهوائهم لا دين أنبيائهم ، فقال اللّه تعالى لنبيه :« قُلْ »لهم« بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ »أي نتبع نحن وأنتم كلمة بيننا وبينكم سواء( أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً ، وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ )فهذه هي ملة إبراهيم ، وقد أخبرنا اللّه تعالى وهو في كتابكم أن إبراهيم ما كان يهوديا ولا نصرانيا ، ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ، وأنتم معشر اليهود تقولون : عزير ابن اللّه وأنتم معشر النصارى تقولون : المسيح ابن اللّه ، والمسيح هو اللّه ، فأشركتكم ، فكيف نتبعكم وأنتم ما اتبعتم ما أنزل إليكم ؟ والقرآن مما أنزل إليكم فإني رسول إليكم جميعا ( 137 )« قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ »لما قالت اليهود لنا : ( كُونُوا هُوداً )وقالت النصارى : ( كونوا نصارى ) قيل لنا :« قُولُوا »لهم« آمَنَّا بِاللَّهِ »أي بوحدانيته وبوجوده« وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا »وهو القرآن« وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ »من الصحف والوحي« وَما أُوتِيَ مُوسى »وهو التوراة« وَعِيسى »وهو الإنجيل« وَما أُوتِيَ »أعطي« النَّبِيُّونَ »الألف واللام لاستغراق الجنس .« مِنْ رَبِّهِمْ »من عند ربهم من الكتب والشرائع« لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ »كما فرقتم ، فآمنتم ببعضهم
    ص 207
    ظن الذين جهلوا ، والأنبياء مائة وأربعة وعشرون ألف نبي ، ولم يبعث عاما سوى محمد صلّى اللّه عليه وسلم ، وما سواه فبعثه خاص ، فنعلم من ذلك أن المحمدي مطلق الدعاء بكل لسان ، لأنه مأمور بالإيمان بالرسل وبما أنزل إليهم ، فما وقف الولي المحمدي مع وحي خاص إلا في الحكم بالحلال والحرام ، وأما في الدعاء ، وما سكت عنه ، ولم ينزل فيه شيء في شرع محمد صلّى اللّه عليه وسلم يؤذن بتركه ، فلا يتركه إذا نزل به وحي على نبي من الأنبياء عليهم السلام ، رسولا كان أو غير رسول .

      الوقت/التاريخ الآن هو 24/11/2024, 17:12