..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: ينابيع المودة ـ الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "41 - 57"البقرة Emptyاليوم في 19:59 من طرف Admin

» كتاب: إيثار الحق على الخلق ـ للإمام عز الدين محمد بن إبراهيم بن الوزير الحسنى
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "41 - 57"البقرة Emptyاليوم في 19:56 من طرف Admin

» كتاب: الذين رأوا رسول الله في المنام وكلّموه ـ حبيب الكل
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "41 - 57"البقرة Emptyاليوم في 19:51 من طرف Admin

» كتاب: طيب العنبر فى جمال النبي الأنور ـ الدكتور عبدالرحمن الكوثر
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "41 - 57"البقرة Emptyاليوم في 19:47 من طرف Admin

» كتاب: روضة الأزهار فى محبة الصحابة للنبي المختار ـ الدكتور عبدالرحمن الكوثر
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "41 - 57"البقرة Emptyاليوم في 19:42 من طرف Admin

» كتاب: دلائل المحبين فى التوسل بالأنبياء والصالحين ـ الشيخ فتحي سعيد عمر الحُجيري
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "41 - 57"البقرة Emptyاليوم في 19:39 من طرف Admin

» كتاب: ريحانة الارواح في مولد خير الملاح لسيدي الشيخ علي أمين سيالة
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "41 - 57"البقرة Emptyاليوم في 19:37 من طرف Admin

» كتاب: قواعد العقائد فى التوحيد ـ حجة الإسلام الإمام الغزالي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "41 - 57"البقرة Emptyاليوم في 19:35 من طرف Admin

» كتاب: سر الاسرار باضافة التوسل ـ الشيخ أحمد الطيب ابن البشير
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "41 - 57"البقرة Emptyاليوم في 19:33 من طرف Admin

» كتاب: خطوتان للحقيقة ـ الأستاذ محمد مرتاض ــ سفيان بلحساين
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "41 - 57"البقرة Emptyاليوم في 19:27 من طرف Admin

» كتاب: محمد صلى الله عليه وسلم مشكاة الأنوار ـ الشيخ عبدالله صلاح الدين القوصي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "41 - 57"البقرة Emptyاليوم في 19:25 من طرف Admin

» كتاب: النسمات القدوسية شرح المقدمات السنوسية الدكتور النعمان الشاوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "41 - 57"البقرة Emptyاليوم في 19:23 من طرف Admin

» كتاب: المتمم بأمر المعظم صلى الله عليه وآله وسلم ـ الشيخ ناصر الدين عبداللطيف ناصر الدين الخطيب
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "41 - 57"البقرة Emptyاليوم في 19:20 من طرف Admin

» كتاب: الجواهر المكنونة فى العلوم المصونة ـ الشيخ عبدالحفيظ الخنقي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "41 - 57"البقرة Emptyاليوم في 19:16 من طرف Admin

» كتاب: الرسالة القدسية في أسرار النقطة الحسية ـ ابن شهاب الهمداني
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "41 - 57"البقرة Emptyاليوم في 19:09 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "41 - 57"البقرة

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68472
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "41 - 57"البقرة Empty من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "41 - 57"البقرة

    مُساهمة من طرف Admin 19/4/2020, 23:28

    كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن من كلام الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي
    سورة البقرة ( 2 ) : الآيات 41 إلى 42
    وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ ( 41 ) وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ( 42 )
    العلم حاكم ، فإن لم يعمل العامل بعلمه فليس بعالم ، العلم لا يمهل ولا يهمل ، العلم أوجب الحكم ، لما علم الخضر حكم ، ولما لم يعلم صاحبه اعترض عليه ونسي ما كان قد



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    حتى نفي بما عاهدنا عليه اللّه ، وهذا من لطفه سبحانه بنا في الخطاب ، فهو مثل القائل ( إياك أعني فاسمعي يا جاره ) فهذا تكليف بتعريف ، وقوله« أُوفِ بِعَهْدِكُمْ »جزاء بطريق المناسبة ، وفاء بوفاء ، فإنه عهد إلينا إذا آمنا به ووقفنا عند حدوده ، أن يدخلنا دار كرامته في جواره وينجينا من عذابه ، قال عليه السلام ( فمن جاء بهن - يعني الصلوات - لم يضع من حقهن شيئا ، كان له عند اللّه عهد أن يدخله الجنة ، ومن لم يأت بهن استخفافا بحقهن ، فليس له عند اللّه عهد ، إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة ) فجعل لعبده عهدا عنده سبحانه ، وقوله« وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ »من الرهب والرهبانية ، وإن كانتا ترجعان إلى معنى واحد ، وإياي فخافوني وفاعبدوني ، ولهذا رفع عنهم الخوف في قوله ( لا خوف عليهم ) وهو خصوص وصف في العبودية ، ثم قال ( 42 )« وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ »الآية ، الضمير في آمنوا ، يحتمل أن يعود علينا وعلى غيرنا من أهل الكتاب وغيرهم ، لأنه قال« وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ »مصدقا حال لأنزلت ، فلنا من هذا الخطاب الإيمان بما أنزل من قبلنا مصدقا لما معنا ، مما أنزل إلينا وهو القرآن ، ولأهل الكتاب من هذا الخطاب ، وآمنوا بما أنزلت على محمد مصدقا لما معكم مما أنزلته عليكم ، ولغير أهل الكتاب ،
    ص 126

    التزمه فالتزم ، لما علّم آدم الأسماء علم وتبرز في صدر الخلافة وتقدم ، العلم بالأسماء كان العلامة ، على حصول الإمامة :العلم يحكم والأقدار جارية * وكل شيء له حد ومقدارإلا العلوم التي لا حد يحصرها * لكن لها في قلوب الخلق آثارفحدها ما لها في القلب من أثر * وعينها فيه أنجاد وأغوار.
    سورة البقرة ( 2 ) : آية 43
    وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ( 43 )
    إقامة الصلاة - راجع آية رقم 4 -« وَآتُوا الزَّكاةَ »سميت الزكاة زكاة لما فيها من



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    وآمنوا بما أنزلت من كل كتاب ، مصدقا لما معكم من الأدلة والبراهين على وحدانيتي في ألوهيتي ، وما ينبغي لي من صفات الجلال ، فيكون إيمانكم بما أنزلت مضافا لما معكم من العلوم المستفادة من البراهين ، فهو خطاب يعم الجميع ، وهذا من جوامع الكلم ، وقوله« وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ »صفة لمحذوف ، يعني كل مخاطب به في كل زمان ، حتى يبقى العموم في الضمير على أصله ، فيكونون أولا في أهل زمانهم في الكفر به ، أي بما أنزل ، قال تعالى( فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ )وإن كان له وجود قبل مجيئه إليهم ، وقوله« وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا »لما كانوا هم أهل الكتاب حيث أنزله الحق إليهم ، فصار ملكا لهم ، ولما كان الكتاب حاكما عليهم بالانقياد والسمع والطاعة لمن جاء به وهم الرسل ، وفي المخاطبين رؤساء وأكابر وممن يسمع له ويطاع ، وصعب عليهم أن ينقادوا لما أمرهم به في الكتاب المنزل ، فاستبدلوا به رئاسة الدنيا ، فإن البيع والشراء استبدال ومعاوضة ، فاختاروا برئاسة الدنيا على رئاسة الآخرة التي أعطتهم اتباع هذا الكتاب ، فأقام الآيات مقام ما تدل عليه من رئاسة الآخرة وغيرها لمن عمل بها ، فكانوا كمن اشترى الحصى بالياقوت ، والتراب بالمسك والعنبر ، وجعله ثمنا قليلا لكونه ينقطع بالموت أو بالعزل ، ورئاسة الآخرة باقية دائمة ، ثم قال« وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ »أي اتخذوني وقاية ، وهو قوله( وَاتَّقُوا اللَّهَ ) *قال صلّى اللّه عليه وسلم ( أعوذ برضاك من سخطك ) فجعل الرضاء وقاية من السخط ، وقال ( وبمعافاتك من عقوبتك ) فجعل المعافاة وقاية تحول بينه وبين العقوبة ، ولما عزت أسماء الحق تعالى أن تنخرط مع الآثار في سلك واحد قال ( وبك منك ) وإنما أحدث لنا استعاذة أخرى ، فقال عليه السلام ( وأعوذ بك ) فجعله وقاية ، وليس له سبحانه ما يقابله ، والاستعاذة تستدعي
    ص 127
    الربو والزيادة ، ولذلك تعطي قليلا وتجدها كثيرا ، والزكاة طهارة للأموال من حيث إضافة المال إلى العبيد ، وطهارة لأربابها من صفة البخل .
    سورة البقرة ( 2 ) : آية 44
    أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ ( 44 )
    العقل قيد وما خاطب تعالى إلا العقلاء ، وهم الذين تقيدوا بصفاتهم وميزوها عن صفات خالقهم ، ولهذا أدلة العقول تميز بين الحق والعبد ، والخالق والمخلوق ، فقال تعالى :« أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ »البر هو الإحسان والخير« وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ »ولا يتمكن لعبد التزم



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    مستعاذا منه ، فقال ( منك ) فجعله سبحانه في مقابلة نفسه إذ لا مثل له ، وهو قوله تعالى( كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ )فهو المتكبر سبحانه الجبار ، والعبد إذا اتصف بما تناقض حقيقته من أوصاف العظمة والكبرياء التي تستحقها الربوبية [ يقع في سخط اللّه ] « * » فلهذا قال ( منك ) أي أن أكون متكبرا جبارا ، فهو يستعيذ من كبريائه أن يقوم به بكبريائه سبحانه ، ثم قال تعالى ( 43 )« وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ »الآية ، يقول : لا تخلطوا الحق بالباطل ، وهو قوله سبحانه عنهم( نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ )وهو الحق( وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ )وهو الباطل فخلطوا بينهما« وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ »حال من الضمير وهو الأوجه ، أي لا تلبسوا الحق بالباطل كاتمين للحق ، ويؤيد هذا قوله« وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ »أنه الحق ، قال تعالى( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ ، وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ )وهم هؤلاء( لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ )يقول : إن الحق أبلج ، لا لبس فيه لقوة الدلالة عليه ، ولذلك قال( ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ )أي لا شك ولا لبس ، فهم يتخيلون أن الحق يختلط بالباطل وليس كذلك ، ولذلك كثيرا ما يصف سبحانه الآيات أنها بينات ومبينات ، اسم فاعل واسم مفعول ، وهو قوله« وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ »أنه الحق وأنه لا يلتبس ، فهما معلومان لهم ، ثم قال ( 44 )« وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ »الآية ، تقدم الكلام في إقامة الصلاة في أول السورة« وَآتُوا الزَّكاةَ »المفروضة عليكم ، التي يؤدي إعطاؤها إلى نمو أموالكم وزيادتها ، وإلى تطهيركم مما يلزمكم من إمساكها ، وقوله« وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ »أي صلوا في الجماعة ، ففي ذلك الحث على حضور الجماعة في الصلاة ، وإن كان الضمير يعود على أهل الكتاب ، فإن صلاتهم على ما قيل لا ركوع فيها ، فيقال لهم صلوا صلاة المسلمين ، وقد يريد« ارْكَعُوا »أي انقادوا لهذا الدين كانقياد المؤمنين ، إذ الركوع الانقياد والخضوع ، ( 45 )« أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ »الآية ، خطاب لكل من أمر بالبر ولم يعمل به ، البر الإحسان أجمعه ، وكل من أحسن لمن أمر



    ( * ) [ . . . ] ساقطة من الأصل .
    ص 128

    الحياء من اللّه أن يأمر أحدا ببر وينسى نفسه منه ، بل يبتدئ بنفسه ، فقد قال له ربه على لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلم : ابدأ بنفسك ، وشرع له ذلك حتى في الدعاء إذا دعا اللّه لأحد أن يبدأ بنفسه ، فإن جميع الخيرات صدقة على النفوس ، أي خير كان حسا ومعنى ، فينبغي للمؤمن أن يتصرف في ذلك بشرع ربه لا بهواه ، فإنه عبد مأمور تحت أمر سيده ، فإن تعدى شرع ربه في ذلك لم يبق له تصرف إلا هوى نفسه ، فسقط عن تلك الدرجة العلية إلى ما هو دونها عند العامة من المؤمنين ، وأما عند الأكابر العارفين فهو عاص ، فإذا خرج الإنسان بصدقته فأول محتاج يلقاه نفسه ، قبل كل نفس محتاجة ، وهو إنما أخرج الصدقة للمحتاجين ، فإن تعدى أول محتاج فذلك لهواه لا للّه ، فإن اللّه قال : ابدأ بنفسك وهو أول من يلقاه من أهل الحاجة ، وقد شرع له في الإحسان أي يبدأ بالجار الأقرب فالأقرب ، فإن رجح الأبعد في الجيران على الأقرب مع التساوي في الحاجة فقد اتبع هواه ، وما وقف عند حد ربه ، وهذا سار في جميع أفعال البر ، وسبب ذلك الغفلة عن اللّه تعالى ، فأمر العبد بالصفة التي تحضره مع اللّه وهي الصلاة ، فهي مناجاة العبد لربه ، وتشير هذه الآية إلى توبيخ اللّه لمن أمر غيره بإقامة الصلاة ، وإتمام نشأتها ونسي نفسه ، وجعله إياه بمنزلة من لا عقل له . والبر من جملة أحوال الصلاة فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول : أقرت الصلاة بالبر والسكينة« وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ »فإنكم تجدون فيه قوله« كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ »وهذه حالة من أمر بالبر غيره ونسي نفسه ، فالغافل القليل الحياء من اللّه يأمر غيره بالطاعات وهو على الفجور ، وينسى نفسه فلا يأمرها بذلك« أَ فَلا تَعْقِلُونَ »يقول :
    أما لكم عقول تنظرون بها قبيح ما أنتم عليه ؟ فإذا قلت خيرا ، أو دللت على خير ، فكن أنت أول عامل به ، والمخاطب بذلك الخير ، وانصح نفسك فإنها آكد عليك ، فإن نظر الخلق إلى فعل الشخص أكثر من نظرهم إلى قوله ، والاهتداء بفعله أعظم من الاهتداء بقوله ، فإن اللّه تعالى يقول في نقصان عقل من هذه صفته :« أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    بالإحسان إليه فقد أحسن لنفسه ، والأمر بالإحسان من الإحسان ، فقال تعالى منكرا على من يأمر بالإحسان ولا يأتيه« أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ »أي غيركم« بِالْبِرِّ »بالأفعال الحسنة« وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ »أي وتتركون أنفسكم ، يقول : ألا تأمرون أنفسكم بالفعل الحسن« وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ »أي تجدون في الكتاب إذا قرأتموه أنكم مخاطبون بأن تأتوا البر في كل حال ،« أَ فَلا تَعْقِلُونَ »
    ص 129
    وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ »فإذا تلا الإنسان القرآن ولا يرعوي إلى شيء منه ، فإنه من شرار الناس بشهادة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، فإن الرجل يقرأ القرآن والقرآن يلعنه ، ويلعن نفسه فيه ، يقرأ« أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ »وهو يظلم فيلعن نفسه ، ويقرأ « لعنة اللّه على الكاذبين » وهو يكذب فيلعنه القرآن ، ويلعن نفسه في تلاوته ، ويمر بالآية فيها ذم الصفة وهو موصوف بها فلا ينتهي عنها ، ويمر بالآية فيها حمد الصفة فلا يعمل بها ولا يتصف بها ، فيكون القرآن حجة عليه لا له ، قال صلّى اللّه عليه وسلم في الثابت عنه : « القرآن حجة لك أو عليك ، كل الناس يغدو فبائع نفسه ، فمعتقها أو موبقها » .
    سورة البقرة ( 2 ) : آية 45
    وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ ( 45 )
    فأمر من هذه صفته بأن يستعين بالصبر يعني بالصبر على الصلاة ، فقدّم حبس النفس عليها ، ثم ذكر الصلاة فقال :« وَالصَّلاةِ »فإن المصلي يناجي ربه ، فإذا ما حصل العبد في محل المناجاة مع ربه استلزمه الحياء من اللّه فلا يتمكن له أن يأمر أحدا ببر وينسى نفسه منه ، بل يبتدئ بنفسه . ثم ذكر خشوع الصلاة فقال :« وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ »يعني الصلاة ثقيلة شاقة« إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ »وخشوع كل خاشع على قدر علمه بربه ، وقد جعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم الخشوع للقلب ولا سيما في الصلاة فقال : لو خشع قلبه لخشعت جوارحه ، والخشوع لا يكون إلا للّه فمن لم يخشع في صلاته فما صلى .



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    يقول : ليس لكم عقل تفهمون به عن اللّه ما أنزله في كتابه إليكم ، والنسيان الترك عن غفلة ، فكأنه يقول : وتغفلون عن أنفسكم ، وإذا لم يكن عن غفلة فهو التناسي ( 46 )« وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ »الآية ، لما كان من قول العبد فيما شرع له( وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )بيّن الحق له ما يقع له به المعونة على عدوه إبليس ، فقال لعباده« وَاسْتَعِينُوا »على عدوكم" بِالصَّبْرِ " يقول :
    بحبس نفوسكم على طاعتي وامتثال ما أمرتكم به ونهيتكم عنه مطلقا ، فإن ذلك مما يقمع عدوكم« وَالصَّلاةِ »فإنه ما ثم عبادة ذكر فيها أنه فيها مناج ربه غير الصلاة ، فلهذا خصها بالذكر دون جميع الأعمال ، ليثابر العبد عليها ، فيكون ممن قال اللّه( الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ )وفي موضع آخر( عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ )فإن الشيطان لا يتمكن له التمكن من قلب العبد في حال مناجاته ، لأن أنوار هيبة الحضرة تحرقه ، ولقد نشاهد هذا فيمن يحادث منا ملكا عظيما ذا جلال وكبرياء ،
    ص 130
    سورة البقرة ( 2 ) : آية 46
    الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ ( 46 )
    فظن خيرا تلقه ، فإن اللّه ما يوجد إلا عند ظن العبد به فليظن به خيرا .
    سورة البقرة ( 2 ) : الآيات 47 إلى 48
    يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ ( 47 ) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ ( 48 )
    وهي فروض الأعيان لا تجزى نفس عن نفس شيئا ، فإن الفروض حقوق اللّه ، وحق اللّه أحق بالقضاء .



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    لا يقدر أحد يقطع عليه كلامه ، ولا يدخل بينه وبين الملك ، لما تقتضيه الحضرة من الهيبة والجلال ، فجناب الحق أولى بهذه الصفة ، ولهذا جاء إبليس لعنه اللّه إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلم بقبس من نار فرماه في وجهه وهو في الصلاة ، لما لم يكن له سبيل إلى قلبه لما ذكرناه من حضوره مع الحق ومناجاته ،.
    ثم قال« وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ »يقول : إن المتكبرين يستكبرونها حيث تنزلهم عن كبريائهم ، وأما الخاشع فما تطأمن وخضع وذل إلا لتجلي الحق على قلبه في كبريائه وعظمته ، فلا يكبر على الخاشع الوقوف عند أوامر سيده ، ثم وصفهم فقال ( 47 )« الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ »الآية ، العلم القطع على أحد الأمرين ، والشك التردد بين الأمرين من غير ترجيح ، والظن ترجيح أحد الأمرين من غير قطع ، والظن هنا على بابه ، وله وجهان هنا ، الوجه الواحد أن المؤمنين قاطعون بأنهم إلى ربهم راجعون ، فإنه قال( وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ) والكافر والمؤمن كلهم يرجعون إلى اللّه ، غير أنه ما كل من يرجع إليه يلقاه ، قال تعالى( كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ )فلذا قيل فيهم« الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ »أي يغلب على ظنهم أن اللّه بكرمه يختم لهم بما هم عليه من أعمال أهل السعادة ، فيكونون ممن يلقى ربه ، والوجه الآخر أنهم يظنون أنهم ملاقوا ربهم من حيث هذا الاسم ، فإن العبد المطيع لسيده يغلب على ظنه أن سيده لا يلقاه بمكروه ، فإن مدلول هذا الاسم خير كله ، فإنه يجوز أن يلقوا يوم القيامة الاسم المنتقم أو الضار ، فالأدب والمعرفة حكمت عليهم بأن يظنوا« وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ »فإن عاد الضمير في « إليه »
    ص 131
    سورة البقرة ( 2 ) : الآيات 49 إلى 52
    وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ( 49 ) وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ( 50 ) وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ ( 51 ) ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( 52 )
    الشكر هنا : هو الثناء على اللّه بما يكون منه خاصة ، لصفة هو عليها من حيث ما هو مشكور ، فإن شكر المنعم يجب عقلا وشرعا ، ولا يصح الشكر إلا على النعم .



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    إِلَيْهِ راجِعُونَ »فتكون واو العطف تشرك في الظن ، وإن كان الضمير يعود عليه من كونه إلها ، فيكون« وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ »الواو بمعنى مع ، أي مع علمهم بأنهم إليه راجعون ، وقد تكون الجملة في موضع الحال ، تقدير الكلام : يظنون أنهم ملاقوا ربهم في حال رجوعهم إليه الذي لا بد منه ، ثم قال ( 48 )« يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا »الآية - ذكرهم بهذا النسب نعمته عليهم فيه حيث نسبهم بالبنوة إلى صفوته وهو يعقوب ، وحظنا من التعريف أن نذكر نعمته علينا أيضا ، فلهذا عرفنا فقال« اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ »ولها وجهان ، الأول اذكروا أي تذكروا ولا تغفلوا ولا تنسوا ذلك ، والوجه الآخر اذكروا ، من الذكر ، أن تحدّثوا بما أنعمت عليكم ، قال تعالى( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ )والنعم التي أنعم بها على بني إسرائيل مذكورة في القرآن ، فلا أحتاج إلى ذكرها ، وقوله« وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ »فيه إنباه لنا أن نذكر ذلك في قوله( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ )وأما قوله لبني إسرائيل أنه فضلهم على العالمين ، أي زادهم أمورا ظهرت عامة ، لم يعط عمومها لسائر الملل ، وإن لخواص هذه الأمة ما أعطى سائر الأمم ، من الكشف وطي الأرض والمشي على الماء وفي الهواء وتظليل الغمام والطير وتسخير الرياح وتفجير المياه ، وقد رأينا كثيرا من هذا على المنقطعين من عباد اللّه في حال سياحاتي وطلبي الاجتماع بهم ، وكان ذلك في بني إسرائيل يظهر للعام والخاص ، فالفضيلة في هذا ، ثم قال ( 49 )« وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي »الآية ، الخطاب عام لجميع العباد ، فالضمير عام ، وقوله« يَوْماً »يريد يوم القيامة ، وفي الحقيقة الأيام كلها بهذه المثابة ، وأنه ما أراد اللّه إمضاءه في خلقه لا تقتضيه نفس عن نفس شيئا ، وقوله« لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً »هو قوله( إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً )بل كل نفس بما
    ص 132
    سورة البقرة ( 2 ) : الآيات 53 إلى 55
    وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ( 53 ) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ( 54 ) وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ( 55 )
    الصواعق أهوية محترقة لا شعلة فيها فما تمر بشيء إلا أثرت فيه .



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    كسبت رهينة ،( وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى )وقوله( وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ )فذلك يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ، وقوله« وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ »أي من شفع من أجلها لا تقبل شفاعته فيها ، فإنهم في ذلك اليوم يعرفون - بل عند موتهم - أنهم ليسوا ممن يقبل كلامهم ، فثبت ما قلناه ، وهو قوله( فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ ) ،وقوله« وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ »يقول : فداء ، تعريفا لهم هنا ، وهو قوله( فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ )وقوله( فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) ،وقوله« وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ »هو قوله( وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ )أي لا ناصر لهم ، فإن الآخذ هو اللّه ولا مقاوم له سبحانه( إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ )( وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ) *( 50 )« وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ »الآية ، ثم رجع إلى ذكر ما أنعم به عليهم ، فقال : واذكروا« إِذْ نَجَّيْناكُمْ »قوله( يا بَنِي إِسْرائِيلَ )وضمير الخطاب ، يحتمل أن يكون من اللّه إخبارا لنا على الحكاية بما خاطبهم به في زمانهم بما أنعم عليهم ، ويمكن أن يكون الضمير يعود على بني إسرائيل الحاضرين في زمان النبي عليه السلام ، يعدد عليهم ما أنعم به على أسلافهم ومن مضى من آبائهم في زمان موسى عليه السلام ، وقد يكون للحاضرين هذا الخطاب حيث أنعم عليهم إذ لم يوجدهم في زمان من أولى أسلافهم سوء العذاب ، وقد يكون ذلك كله مرادا للّه تعالى في الخطاب ، واللّه أعلم ، وقوله تعالى« مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ »ولم يقل من فرعون ، لأن آله كانوا المباشرين لعذابهم ، ولم يكن لفرعون إلا الأمر بذلك ، وكذا جرت العادة في الرؤساء والملوك ولهذا جوزوا ، فقال تعالى( أَدْخِلُوا آلَ
    ص 133
    سورة البقرة ( 2 ) : الآيات 56 إلى 57
    ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( 56 ) وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ( 57 )
    يعني يظلمون أنفسهم بما كانوا عليه في سابق العلم .

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    فرعون ) الذين تولوا عذابهم( أَشَدِّ الْعَذابِ ) *في مقابلة سوء ، وقرئ بكسر الخاء ، فقد يمكن أن يقال لبني إسرائيل يوم القيامة ذلك ليولوهم أشد العذاب بأنفسهم ، كما فعلوا هم بهم في الدنيا حين ساموهم سوء العذاب ، وآل الرجل أهله وخوله وأنصاره وأتباعه ، سمعت شيخنا الإمام أوحد زمانه في معرفة كلام العرب ، أبا ذر مصعب بن محمد بن مسعود الخطيب يقول : الآل لا يضاف إلا للأكابر الزعماء ، وأما من دونهم فيقال أهل فلان ، وقوله« يَسُومُونَكُمْ سُوءَ »يقول يولونكم ما يسوؤكم من« الْعَذابِ »فمن ذلكم قتل أولادهم ذبحا ، وجعل إبقاء النساء عذابا لهم ، مع أن إبقاءهم ينبغي أن يكون من فرعون نعمة عليهم ، وذلك أن الرجل في الغالب يسرع إليه ذهاب الحزن منه بخلاف النساء ، فأبقى النساء حتى يتجدد على الآباء العذاب بما يجدونه من الحزن لحزن نسائهم وبكائهم على أولادهم دائما ، وشغلهم بذلك عن مصالح أزواجهم ، فيتجدد العذاب عليهم ، هذا يسوغ في إبقاء الأمهات ، وأما إبقاء الإناث فيزيد بذلك من قتل ولده حسرة إلى حسرته ، وحزنا إلى حزنه ، قال تعالى« يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ »قال تعالى« وَفِي ذلِكُمْ »خطاب لنا« بَلاءٌ »أي ابتلاء« مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ » ،نشكر أو نكفر ، كما قال سليمان عليه السلام( لِيَبْلُوَنِي أَ أَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ )فكل عذاب في الدنيا يكون بلاء إذ كانت دار اختبار( إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ )وأما في الدار الآخرة فلا يقال له بلاء وإنما هو عذاب خالص . ولهذا ما أظن واللّه أعلم أن اللّه ذكر عذاب الآخرة بلفظ البلاء ، على أني ما بحثت على ذلك ، لما لم تكن دار تكليف ، وكان سبب قتل الأبناء أنه رأى ورئي له أن مولودا من بني إسرائيل يولد في دولته يكون هلاكه وهلاك أتباعه على يديه ، ثم من نعمة اللّه على بني إسرائيل قوله ( 51 )« وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ »الآية ، وهذا يؤيد ما ذكرناه أنه سبحانه يحكي ما خاطبهم به في زمانهم من تقرير النعم عليهم ، فمن ذلك« وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ »أي بسببكم« الْبَحْرَ »لتنجوا من عدوكم ، فزال البحر بعضه عن بعض وافترق ، فظهرت الأرض وسكن البحر عن جريته« فَأَنْجَيْناكُمْ »بما أهلكنا به
    ص 134

      الوقت/التاريخ الآن هو 23/9/2024, 23:20