..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثاني Empty12/9/2024, 18:39 من طرف Admin

»  كتاب اللطف الخفي في شرح رباعيات الجعفي - الشيخ عبد العزيز الجعفي الشاذلي
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثاني Empty12/9/2024, 18:25 من طرف Admin

» كتاب: نقض كتاب تثليث الوحدانية للإمام أحمد القرطبي
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثاني Empty12/9/2024, 18:23 من طرف Admin

» كتاب: الشيخ سيدي محمد الصوفي كما رأيته و عرفته تأليف تلميذه الأستاذ عتو عياد
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثاني Empty12/9/2024, 18:21 من طرف Admin

» كتاب تجلّيّات السَّادات ، مخطوط نادر جدا للشيخ محمد وفا الشاذلي
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثاني Empty12/9/2024, 18:15 من طرف Admin

» كتاب: النسوة الصوفية و حِكمهن ـ قطفها أحمد بن أشموني
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثاني Empty12/9/2024, 18:13 من طرف Admin

» كتاب: مرآة العرفان و لبه شرح رسالة من عرف نفسه فقد عرف ربه ـ ابن عربي
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثاني Empty12/9/2024, 18:09 من طرف Admin

» كتاب: إتحاف أهل العناية الربانية في اتحاد طرق أهل الله وإن تعددت مظاهرها - للشيخ فتح الله بناني
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثاني Empty12/9/2024, 18:06 من طرف Admin

» كتاب: مجموع الرسائل الرحمانية ـ سيدي محمد بن عبد الرحمن الأزهري
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثاني Empty12/9/2024, 18:04 من طرف Admin

» كتاب: المواقف الإلهية للشيخ قضيب البان و يليه رسالة تحفة الروح و الأنس ورسالة الأذكار الموصلة إلى حضرة الأنوار للبلاسي
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثاني Empty12/9/2024, 18:00 من طرف Admin

» كتاب: مجالس شيخ الإسلام سيدي عبد القادر الجيلاني المسماة جلاء الخواطر
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثاني Empty12/9/2024, 17:55 من طرف Admin

» كتاب: كيف أحفظ القرآن الكريم ـ للشيخ السيد البلقاسي
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثاني Empty12/9/2024, 14:40 من طرف Admin

» كتاب: الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية تفسير القرآن العظيم ـ للإمام سليمان الصرصري
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثاني Empty12/9/2024, 14:20 من طرف Admin

» كتاب: تربيع المراتب و الأصول .. نتائج أفكار الفحول من أرباب الوصول للشيخ إبراهيم البثنوي
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثاني Empty11/9/2024, 18:44 من طرف Admin

» كتاب: الوصول إلى معاني وأسرار القول المقبول ـ للشيخ عبد القادر بن طه دحاح البوزيدي
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثاني Empty11/9/2024, 18:42 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثاني

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68406
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثاني Empty كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف Admin 6/7/2020, 08:29

    02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثاني
    ( و إنما يمنع هؤلاء من السؤال ): أي الذين يسألون سؤالا لفظيا .
    ( علمهم بأن لله فيهم) فكل مقدرات بلا سؤال، و يرون أن السؤال مطلقا إلحاف .
    قال الله تعالى في حق طائفة مدحا لهم: " لا يسْئلون النّاس إلحافاً " [ البقرة : 273] فإن كل سؤال إلحاف .
    قيل عن إبراهيم عليه السلام من هذا المقام أنه قال: علمه بحالي أغناني عن سؤالي .
    فهم قد هيئوا محلهم بعد ما علموا القبول ما يرد منه، و قد غابوا عن نفوسهم و أغراضهم هذه الغيبة هي التمني لحضرة القبول .
    قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : (و من هؤلاء من يعلم أن يعلم الله به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، و يعلم أن الحق لا يعطيه إلا ما أعطته عينه من العلم به و هو ما كان عليه في حال ثبوته، فيعلم علم الله به من أين حصل،
    و ما ثمة صنف من أهل الله أعلى و أكشف من هذا الصنف فهم الواقفون على سرّ القدر .
    و هم على قسمين: منهم من يعلم ذلك مجملا، و منهم من يعلمه مفصلا، و الذي يعلمه مفصلا أعلى و أتم من الذي يعلمه مجملا، فإنه يعلم ما في علم الله فيه إما بإعلام الله إياه بما أعطاه من العلم به .
    و إما أن يكشف له عن عينه الثابتة و انتقالات الأحوال عليها إلى ما لا يتناهى .
    و هو أعلى فإنه يكون في علمه بنفسه بمنزلة علم الله به لأن الأخذ من معدن واحد هو العين المعلومة . إلا أنه من جهة العبد عناية من الله سبقت له هي من جملة أحوال عينه الثابتة يعرفها صاحب هذا الكشف إذا أطلعه الله على ذلك .
    فإنه ليس في وسع المخلوق إذا أطلعه الله على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود عليها أن يطلع في هذه الحال على إطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها نسب ذاتية لا صورة لها .
    فبهذا القدر نقول: إن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه المساواة في إفادة العلم .
    و من هنا يقول الله تعالى: حتّى نعْلم [ محمد: 31] و هي كلمة محققة المعنى ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشرب ) .

    ومن هؤلاء من للتبعيض، و يظهر بالقدرة ما قضي و رفعت الدواوين و جف القلم من يعلم (أنّ علم الله به في جميع أحواله) و هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، و هو من أهل الحضور بالعلم و الشعور و تفصيل الأمور مع نوع من الإجمال و يعلم أنّ الحق لا يعطيه إلا ما أعطاه عينه.
    أي بالاستعداد الذاتي من العلم به بنفسه، و هو ما كان عليه في حال ثبوته: أي في عدمه لا زائدا و لا ناقصا، فإذا علم نفسه و عرفها كما هى هى، فيعلم علم الله به: أي بالعلم بنفسه .

    و قد ورد في الخبر : " و من عرف نفسه فقد عرف ربه"
    فيعلم تعلق علم الله به من أين حصل، و هذا غاية العلم بالله و بالنفس .
    ذكر الشيخ رضي الله عنه في كتابه المسمّى بالمشاهد أنه تعالى قال له في بعض المنازلات :
    أنت الأصل و أنا الفرع، انتهى كلامه .
    و هو محتمل لوجوه شتى منها أن يعلّمه بنا منا لا منه، وعند أكثر النظار منه لامنا، و الكشف يعطي كما قلنا .

    ذكر رضي الله عنه في الفتوحات في الباب الثامن وخمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله الله وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ من الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ:
    فولاية العبد ربه وولاية الرب عبده في قوله: "إِنْ تَنْصُرُوا الله يَنْصُرْكُمْ " .
    وبين الولايتين فرق دقيق فجعل تعالى نصره جزاء وجعل مرتبة الإنشاء إليك كما قدمك في العلم بك على العلم به .
    وذلك لتعلم من أين علمك فتعلم علمه بك كيف كان لأنه قال : "ولَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ " وقد ذكرنا في كتاب المشاهد القدسية أنه قال لي: "أنت الأصل وأنا الفرع" . على وجوه منها علمه بنا منا لا منه .
    فانظر فإن هنا سرا غامضا جدا وهو عند أكثر النظار منه لا منا أوقعهم في ذلك حدوثنا والكشف يعطي ما ذكرناه وهو الحق الذي لايسعنا جهله.
    ولما سألني عن هذه اللفظة مفتي الحجاز أبو عبد الله محمد بن أبي الصيف اليمني نزيل مكة ذكرت له أن علمنا به فرع عن علمنا بنا إذ نحن عين الدليل يقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم : "من عرف نفسه عرف ربه". كما إن وجودنا فرع عنه ووجوده أصل .
    فهو أصل في وجودنا فرع في علمنا به .
    وهو من مدلول هذه اللفظة فسر بذلك وابتهج رحمه الله وهذا الوجه الآخر من مدلولها أيضا .
    وهو أعلى ولكن ما ذكرناه له رحمه الله في ذلك المجلس لأنه ما يحتمله ولا يقدر أن ينكره .
    وما ثم ذلك الايمان القوي عنده ولا العلم ولا النظر السليم .
    فكان يحار فأبرزنا له من الوجوه ما يلائم مزاج عقله وهو صحيح .
    فإنه ما ثم وجه إلا وهو صحيح في الحق وليس الفضل إلا العثور على ذلك فالله ولي المؤمن والمؤمن ولي الله .
    سئل رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فقيل له من أولياء الله فقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم : "الذين إذا رأوا ذكر الله" .
    فذكر وعلم وشهد برؤيتنا إياهم فجعلهم أولياء الله كما جاء عن الله أنه "وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا".
    فالمؤمن من أعطى الأمان في الحق أن منه يضيف إليه ما لا يستحق جلاله أن يوصف به مما ذكر تعالى أن ذلك ليس له بصفة كالذلة والافتقار .
    وهذه أرفع الدرجات أن نصف العبد بأنه مؤمن فإن المؤمن أيضا من يعطي الأمان نفوس العالم بإيصال حقوقهم إليهم فهم في أمان منه من تعديه فيها ومتى لم يكن كذا فليس بمؤمن فالولاية مشتركة بين الله وبين المؤمنين. والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ.أهـ "" فافهم .

    و (ما ثم صنف من أهل الله أعلى و اكشف من هذا الصنف) لأنهم أحاطوا بالعلم الإلهي بعلمهم بأنفسهم .
    قال تعالى: "ولا يحِيطون بشيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلّا بما شاء" [ البقرة: 255]، علق الإحاطة بالمشيئة ما شاء الله، كان قد أحاط الله بكل شيء علما .

    ( و هم الواقفون على سر القدّر) و القدّر توقيت ما عليه الأشياء في عينها من غير مزيد من حضرة المقيت فأنه يقدر أوقات الأوقات صورية و معنوية، فما حكم القضاء قدره هذا الاسم تقدير العزيز الحكيم و هذا هو عين سر القدر .
    فهمّ الواقفون الحاضرون لهذا التوقيت على مقتضى الاستعداد، و المطلعون على أصله و فرعه، و لهذا المقام إجمال و تفصيل، منهم من يعلم ذلك تفصيلا .

    فقال رضي الله عنه: مريدا لإظهار مراتبهم (و هم على قسمين) منهم من يعلم ذلك مجملا: أي يعلم سر القدر على الإجمال، و منهم من يعلمه مفصّلا و الذي يعلمه مفصّلا أعلى و أتم من الذي بعلمه مجملا فإنه يعلم: أي بذلك العلمي التفصيلي ما في علم الله فيه: أي في نفسه و ذاته .
    ( إما بإعلام الله تعالى إياه بما أعطاه عينه من العلم ): أي بنفسه فهذا العلم: أي الذي يكون بالإعلام يسمّى: العلم التعليمي فإنه من تعريف الله إياه بإلقاء روحي أو قلبي أو كلاهما هذا دون الكشف في النتيجة و الشرف .
    (وإما بأن يكشف له عن عينيه الثاقبة وانتقالات الأحوال عليها إلى ما يتناهى) هذا علم التجلي بكشف الساق يعني: كشف الغيوب على القلوب، وهو أعلى: أي الذي بالكشف أعلى من الذي بالإعلام و التعريف .
    كما قال تعالى: "و فوق كُل ذِي عِلْمٍ عليمٌ " [ يوسف: 76] .

    فإنه: أي العلم بالكشف يكون في علمه (بنفسه منزلة علم الله به لأن الأخذ من معدن واحد) و المعدن هو العين الثابتة لأنّ الحق سبحانه يأخذ منها و هي تعطي العلم على ما هو عليه، فإذا رجع العبد إلى عقبه فقهري بالتجليات التحليلية المعروفة عند أرباب السبك و التحليل برجعته إلى أصله و إطلاقه، فيكشف له عن ساق فيرى أحواله على ما هو عليه بلا زيادة و نقصان فيجاري علمه علم الحق لهذا الوجه، و لكن هنا فرق آخر لطيف أشار إليه الحديث أيضا و هو"و من عرف نفسه فقد عرف ربه".
    أنه اتبع العلم به تعالى بالعلم بالنفس، فجعل العلم بالنفس هو الأصل في المعرفة و هو أصل معروف غير متكرر .

    كما ذكر الشيخ رضي الله عنه في المشاهد و قد نقلته سابقا بعبارته رضي الله عنه التي ذكرها في بعض المنازلات، و ذلك لأنه و إن كان الأخذ من معدن واحد و لكن للعبد ذاتي أصلي لأنه عينه ما جاء من خارج بل قرة عين أخفيت له فيها .
    ( إلا أنه من جهة العبد ): أي ذلك الأخذ من جهة العبد يسمّي عناية من الله سبقت له الحسنى من الفيض الأقدس، فلما قال رضي الله عنه: إن أخذ العبد من عينه كأخذ الله من عينه و أنّ الآخذين من المعدن الواحد و هم المساواة، فاعتذر بأن أخذ العبد بالعناية، و هي أنّ تلك العناية أيضا .

    ( من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا الكشف ): أي الذي كشف له عن عينه الثابتة رأى العناية ذاتية له بلا جعل الجاعل .

    ( إذا أطلعه الله تعالى على ذلك ): أي على أحوال عينه أنه يشاهد أنّ العناية ذاتية له من جملة أحوال عينه، و أمّا إطلاعه و علمه ما في علم الله فيه من حيث أنها شئون ذاتية لا من حيث أنها أعيان لا يكون إلا بالعناية كقوله تعالى: "و لا يحِيطون بشيْ ءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلّا بما شاء" [ البقرة: 255] .

    و تلك المشيئة عين العناية التي سبقت، (فإنه ليس في وسع المخلوق إذا أطلعه الله على أحوال عينه الثابتة ): أي من حيث أنه عين ثابتة لا من حيث أنه حق و إنما قلنا ذلك لأن الأعيان لها اعتباران .

    اعتبار كونه عينا من الأعيان الممكنة و حقيقة من حقائقها.
    و اعتبار آخر من حيث أنها صور علمية بلا شئون ذاتية، و هي بهذا الاعتبار عين الذات لا صورة لها في الوجود و لا في العلم بخلاف الأول، فإنها صورة علمية و لها في الخارج صور خارجية يتعين بها في الخارج إذا ظهرت في الخارج .

    ( و هي التي تقع صورة الوجود عليها) و ذلك لا يكون إلا من حيث أنها أعيان ثابتة لا من حيث أنها شئون ذاتية للحق سبحانه .

    فإنها عين الذات فليس في وسع العبد (أن يطلع في هذا الحال ): أي حال كونه مطلعا على عينه و مقيدا بهذا الاطلاع الجزئي أن يطلع كليا على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها: أي لأنّ الأعيان الثابتة في حال عدمها .

    ( نسب ذاتية) مجردة عن الأسماء و الصفات لا صورة لها، يدرك غير الذات و لا تميز و لا فرق بينها و بين الذات بل هي نسب و خصوصيات لحضرة الذات تسمى باصطلاحهم شئون ذاتية، و هي عين ذاتها فإذا اطلع العبد المعتني به على الأعيان الذاتية من حيث أنها شئون، فيرى شئونا ذاتية لا صورة لها في ذاتها، بل يرى أنها عين الذات .

    ( فبهذا القدر ): أي بقدر هذا الاطلاع على الذات و ما فيها (نقول: العناية الإلهية سبقت في الأزل) لهذا العبد الفرد كاشف عينه الثابتة و أخذ العلم بنفسه في نفسه بهذه المساواة في إفادة العلم أنه يفيد من حيث أفاد الحق سبحانه و يفيض من عين ما أفاضه تقدّس و تعالى .

    و إنما قلنا سبقت له بسبب هذه المساواة التي هي الأخذ من المعدن الواحد في الإفادة و هي العلم بما في علم الله فيه، و هي العناية المختصة بالفرد لأنه فوق مقام عينه بل هو في إطلاق الذات و لا عين له في الأعيان كالحق تعالى .
    و من هذا المقام و المشهد من يشهد الحكم و يراها قبل أن يكون الحق فيها، و هو الذي يشاهدها في حال عدمها كما يشهدها الحق، و هو أعلى المدارك و أسناها و أشرفها .

    قال الشيخ رضي الله عنه الصديق الأكبر رضي الله عنه أشار في قوله:
    ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله إلى هذا التجلي: أي التجلي في لا شيء و ما فيه أحد فيما وصل إلينا على هذا الوجه، و ما يتكون منه في قلب المعتكف على شهوده إلا أبو بكر الصديق رضي الله عنه .

    ذكر الشيخ رضي الله عنه في الباب السادس و التسعين و ثلاثمائة من الفتوحات:
    وذلك لأنّ الإدراك بهذا النمط للممكن ممكن .
    وهو إدراك في حال عدمها فإذا جاء الأمر الإلهي بالتكوين لم يجد إلا وجود الحق فظهر فيه لنفسه، فرأى الحق قبل رؤية نفسه فلما ألبسه وجوده تعالى رأى نفسه عند ذلك.
    فقال: ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله: أي قبل أن يتكون فيه فيقبل الحق صورة ذلك الشيء وهذا من مقام التجلي لأنه رأى الحق قبل الكون فيرى صدور ذلك منه تعالى و تقدّس .
    (و من هنا يقول الله): أي من أنه يعلم أنّ الحق لا يعطيه إلا ما أعطته عينه من العلم به فإن الأعيان عالمه مفيدة معطية والأسماء مستفيدة، فالله تعالى العالم أزلا و أبدا لأنه تعالى عين الكل، (حتى نعلم و هي كلمة محققة المعنى) .
    كما ورد في الخبر: " إنه ينزل إلى سماء الدنيا ويقول هل من مستغفر".
    وهذا عين ما قررناه في هذا المقام، وكيف لا؟
    ومن أسمائه المؤمن ومن معقوليته المؤمن فإنه المصدق بالغيب أن يكون هناك غيب.
    فنبه تعالى عليه في قوله: "حتّى نعْلم المُجاهِدِين مِنْكُمْ" [ محمد: 31] .

    و أيضا ورد في الخبر حديث: "المؤمن فإنه المصدق بالغيب أن يكون هناك غيب مرآة المؤمن". رواه ابن أبي عاصم، و الطبراني في الأوسط، و الضياء المقدسي عن أنس ذكره في جمع الجوامع .
    فالمؤمن الحق مرآة المؤمن الخلق فيرى فيها نفسه وذاته بحكم المرآة، وكذلك صفاته كالعلم في القديم قديم.
    و كذلك المؤمن الخلق فيرى فيها نفسه و ذاته بحكم المرآة و كذلك صفاته كالعلم، فظهر من هنا حكم حتى نعلم، فافهم.
    فإنّ من أعجب العجاب في الوجود أن يكون من أعطاك العلم بنفسه لا يعلم نفسه إلا بك لأنّ الممكنات أعطت العلم بأنفسها الحق، ولا يعلم شيء منها نفسه إلا بالحق، فإنه يعلم بك كما تعلم به فهو حسبك، لأنه الغاية و أنت حسبه، لأنه ما تم بعده إلا أنت و منك عملك وما بقى إلا الحال، وهو عين العدم المحض، فافهم.

    ( ما هي كما يتوهمه) أنه لو جعلنا حتى نعلم على ما به بصرافته، فيلزم الحدوث في العلم بحصول علمه بعد إن لم يكن، و ذلك ذوق (من ليس له هذا المشرب) و لم يعلم صاحب هذا المشرب أنّ العلم و لو كان إحدى الصفة و لكن من حيث هو هو .
    فإنه نسبة من النسب الاعتباري، فلا معدوم ولا موجود ولا قديم ولا حادث، وأمّا بحكم المتعلق فيحدث له أحكام، حتى يقول فيه أنه في القديم قديم، و في الحادث حادث، كالوجود .
    فلهذا قيل: إنّ التعلق حادث و حدوث التعلق ما جاءه إلا من حدوث المتعلق لأنه لو كان المتعلق قديما فتعلق العلم بهقديما فلا يكون صفة القدم للعلم إلا بقدم المتعلق كالعلم بالذاتيات و الأسماء الإلهية و صفة الحدوث لها بحدوث تعلقه وحدوثه بحدوث المتعلق، كما أنّ في القديم قدم التعلق لقدم المتعلق، فافهم .

    قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : (و غاية المنزه أن يجعل ذلك الحدوث في العلم للتعلق و هو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقله في هذه المسألة، لو لا أنه أثبت العلم زائدا على الذات فجعل التعلق له لا للذات . و بهذا انفصل عن المحقق من أهل الله صاحب الكشف و الوجود . ثم نرجع إلى الأعطيات فنقول إن الأعطيات إما ذاتية أو أسمائية .
    فأما المنح و الهبات و العطايا الذاتية فلا تكون أبدا إلا عن تجل إلهي .
    و التجلي من الذات لا يكون أبدا إلا بصورة استعداد المتجلي له، غير ذلك لا يكون، فإذا المتجلي له ما رأى سوى صورته في مرآة الحق .
    و ما رأى الحق و لا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إلا فيه كالمرآة في الشاهد إذا رأيت الصور فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصور أو صورتك إلا فيها . فأبرز الله ذلك مثالا نصبه لتجليه الذاتي ليعلم المتجلي له أنه ما رآه .
    و ما ثمة مثال أقرب و لا أشبه بالرؤية و التجلي من هذا .
    و اجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرم المرآة لا تراه أبدا البتة حتى أن بعض من أدرك مثل هذا في صور المريا ذهب إلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي و بين المرآة . و هذا أعظم ما قدر عليه من العلم، و الأمر كما قلناه و ذهبنا إليه . و قد بينا هذا في الفتوحات المكية) .

    قال الشارح رضي الله عنه :
    ( وغاية المنزه) الذي ينزه الحق بنظره و فكره، رأى في هذه المسألة أن يجعل ذلك الحدوث في العلم: أي الحدوث المفهوم .
    (من اللفظ المتعلق): أي جعل الحدوث للتعلق لا للعلم من قولهم: إنّ العلم قديم و التعلق حادث، وهو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقله في هذه المسألة .
    ومع هذا ليس بمرضي لأرباب العقول السليمة سيما أهل الحقائق قدّس سرهم لأنّ الأمر على خلاف ذلك.
    قال جلال الملة و الدين الدواني رحمه الله في شرح العقائد العضوية في قوله: و هو عالم بجميع المعلومات، إنّ القول بأنّ العلم قديم و التعلق حادث لا يسمن و لا يغني من جوع إذ العلم ما لم يتعلق بالمعلوم لا يصير عالما و لا ذلك المعلوم معلوما، فهو يقضي إلى نفي كونه عالما بالحوادث في الأزل تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، انتهى كلامه .

    قالوا: لو تعلق العلم بما من شأنه أن سيكون كائنا أو قد كان فقد علم الشي ء على خلاف ما هو به وعليه، وكذلك لو علم ماهر كائن أنّ قد كان أو سيكون لكان هذا جهلا كله و الله تعالى منزه عن ذلك .
    فادخلوا على الله الزمان، من حيث لا يشعرون، و إنما التقدم و التأخر في الأشياء لا في العلم، و علموا أنّ الله يشهد الأشياء و يعلمها على ما هي عليه في أنفسها، و الأزمنة التي لها من جملة معلوماتها مستلزمة لها و أحوالها و أمكنتها، إن كانت لها و محالها ، إن كانت مما يطلب المحال و إخبارها، كل ذلك مشهود و للحق في غير زمان لا يتصف بالقدم و التأخر و لا بالآن، فافهم .
    فإنّ هذا من شؤم التفكر و فضول العقل الذي منعوه عنه و ما امتنع، فإنه حريص على ما منع و تحقيق ذلك أنّ الأشياء ليست إلا صورا تعقبت صورا، و العلم بها يسترسل عليها بقوله حتى يعلم مع علمه بها قبل تفصيلها إجمالا، فلو علمها مفصّلا في حال إجمالها، ما علمها مجملة، فالعلم لا يكون علما بل يكون جهلا، حتى يكون تعلقه بما هو المعلوم هو الذي يعطي العلم بذاته .
    و المعلوم هنا غير مفصّل إلا أنه تعالى يعلم التفضيل في الإجمال، و مثل هذا لا يدل على أن المجمل مفصّل بل إنما يدل على أنه مجمل يقبل التفصيل، إذا فصل بالفعل .

    ""قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه في الرد على السؤال الثالث والثلاثون فما سبب علم القدر الذي طوى عن الرسل فمن دونهم؟:
    ولما جعل الظلمة ظرفا للخلق كذلك قال هناك فأتى بما يدل على الظرف فهم قابلون للتقدير وإن كان قوله في ظلمة في موضع الحال من الخالق فيكون المراد به العماء الذي ما فوقه هواء وما تحته هواء .
    الذي أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة للحق تعالى حين قيل له :
    أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق ؟
    فقال صلى الله عليه وسلم : كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء
    فنزه أن يكون تصريفه للأشياء على الأهواء فإنه لما كنى عن ذلك الوجود بما هو اسم للسحاب محل تصريف الأهواء نفى أن يكون فوق ذلك العماء هواء أو تحته هواء فله الثبوت الدائم لا على هواء ولا في هواء .
    فإن السؤال وقع بالاسم الرب ومعناه الثابت يقال رب بالمكان إذا أقام فيه وثبت فطابق الجواب العماء كالوجود: قديم في القديم حادث في المحدث
    وقال تعالى : "مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) سورة الحديد
    ولم يصف الحق نفسه في مخلوقاته إلا بقوله " يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ "
    وقال "كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ".فتخيل من لا فهم له تغير الأحوال عليه وهو يتعالى ويتقدس عن التغيير بل الحالات هي متغيرة ما هو يتغير بها.
    فإنه الحاكم ولا حكم عليه فجاء الشارع بصفة الثبوت الذي لا تقبل التغيير فلا تصرف آياته يد الأهواء لأن عماءه لا يقبل الأهواء .
    وذلك العماء هو الأمر الذي ذكرنا أنه يكون في القديم قديما وفي المحدث محدثا .
    وهو مثل قولك أو عين قولك في الوجود إذا نسبته إلى الحق قلت قديم وإذا نسبته إلى الخلق قلت محدث.

    فالعماء من حيث هو وصف للحق هو وصف إلهي ومن حيث هو وصف للعالم هو وصف كياني. فتختلف عليه الأوصاف لاختلاف أعيان الموصوفين
    [الكلام القديم والذكر المحدث قال تعالى في كلامه القديم الأزلي "ما يَأْتِيهِمْ من ذِكْرٍ من رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ" فنعته بالحدوث لأنه نزل على محدث لأنه حدث عنده ما لم يكن يعلمه فهو محدث عنده بلا شك ولا ريب .
    وهذا الحادث هل هو محدث في نفسه أو ليس بمحدث فإذا قلنا فيه إنه صفة الحق التي يستحقها جلاله قلنا بقدمها بلا شك فإنه يتعالى أن تقوم الصفات الحادثات به .
    فكلام الحق قديم في نفسه قديم بالنسبة إليه محدث أيضا كما قال عند من أنزل عليه كما أنه أيضا من وجوه قدمه نسبته إلى الحدوث بالنظر إلى من أنزل عليه .
    فهو الذي أيضا أوجب له صفة القدم إذ لو ارتفع الحدوث من المخلوق لم يصح نسبة القدم ولم تعقل فلا تعقل النسب التي لها أضداد إلا بأضدادها فقصة الخلق في الظلمة التهيؤ والقبول في الأعيان لظهور الحق في صور الوجود لهذه الأعيان. ""

    "" قال الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : "العماء حيرة ، وأعظمه الحيرة في العلم بالله".
    وقال : " العماء هو بخار رحماني ، فيه الرحمة ، بل هو عين الرحمة ، فكان ذلك أول ظرف قبله وجود الحق " .
    وقال " العماء هو الأمر الذي يكون في القديم قديما ، وفي المحدث محدثا ، وهو مثل قولك أو عين قولك في الوجود إذا نسبته إلى الحق قلت : قديم ، وإذا نسبته إلى الخلق ، قلت : محدث .
    فالعماء من حيث هو ، وصف للحق هو وصف إلهي ، ومن حيث هو وصف للعالم هو وصف كياني ، فتختلف عليه الأوصاف لاختلاف أعيان الموصوفين " .
    ويقول : "العماء هو مستوى الاسم الرب كما كان العرش مستوى الرحمن ".
    والعماء " هو أول الأينيات ، ومنه ظهرت الظروف المكانيات ، والمراتب فيمن لم يقبل المكان وقبل المكانة ، ومنه ظهرت المحال القابلة للمعاني الجسمانية حسا وخيالا ، وهو موجود شريف ، الحق معناه وهو الحق المخلوق به كل موجود سوى الله ، وهو المعنى الذي ثبتت فيه واستقرت أعيان الممكنات ، ويقبل حقيقة الأين وظرفية المكان ورتبة المكانة واسم المحل ".
    والعماء : هو البرزخ والحقيقة الإنسانية الكاملة ، ومرتبة أهل الكمال ، وموقف الأعراف ، ومنزل الإشراف على الأطراف ، ومقام المطلع.
    قال الشيخ صدر الدين القونوي :"العماء هي مرتبة التنزل الرباني ليتصف الرب فيها بالصفات العبدانية ، ومرتبة الارتقاء العبداني ليتصف العبد فيها بالصفات الربانية ، فهي البرزخ . ""

    قال تعالى في كلامه القديم الأزلي: "ما يَأْتِيهِمْ من ذِكْرٍ من رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ" فنعته بالحدوث لأنه نزل على محدث لأنه حدث عنده ما لم يكن يعلمه فهو محدث عنده بلا شك ولا ريب .
    وهذا الحادث هل هو محدث في نفسه أو ليس بمحدث ، فإذا قلنا فيه إنه صفة الحق التي يستحقها جلاله قلنا بقدمها بلا شك فإنه يتعالى أن تقوم الصفات الحادثات به .
    فكلام الحق قديم في نفسه قديم بالنسبة إليه محدث أيضا كما قال عند من أنزل عليه كما أنه أيضا من وجوه قدمه نسبته إلى الحدوث بالنظر إلى من أنزل عليه .أهـ ""
    قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه في الباب الثالث و الثمانين و أربعمائة من الفتوحات :
    إنّ هذا الذي ذكرناه هو معنى حتى نعلم فخلاصة، الكلام كما قلنا آنفا أنّ العلم في القديم قديم و في الحادث حادث، كالوجود و هما الله تعالى و ليس موجودا سواه، فافهم .
    كما ورد في الخبر :" لا تخف إن الله معنا"
    لو لا أنه: أي المتكلم بذلك: أي قدم العلم و حدوث التعلق .
    ( أثبت العلم زائدا على الذات فجعل التعلق له لا بالذات): أي لو لا كذلك ما أمكنه ذلك لأنّ الذات من حيث هي هيفي حجاب العزة و حمى الكبرياء، لا تعلق لها و لا نسبة لها مع العالم أصلا، و هي في غناء ذاتي، فأثبت المتكلم بذلكالعلم الزائد و علقه بالمعلومات .
    قال رضي الله عنه: من قال بزيادة الصفة على الذات؟ قال: ما قاله اليهود بحسن العبارة، و هو قولهم بأفواههم أنّ الله فقير و نحن أغنياء، و الله هو الغني الحميد، فافهم .

    إنّ هذا سر الحقيقة، و هو أن يعلم أنّ العلم ليس بأمر زائد على العالم، و أنه يعلم الأشياء بذاته
    ذكر الشيخ رضي الله عنه في الباب التاسع و التسعين و مائة من الفتوحات:
    وأما سر الحقيقة فهو إن تعلم أن العلم ليس بأمر زائد على ذات العالم وأنه يعلم الأشياء بذاته لا بما هو مغاير لذاته أو زائد على ذاته .
    فسر الحقيقة يعطي أن العين والحكم مختلف
    وسر الحال يلبس فيقول القائل بسر الحال " أنا الله" "وسبحاني" "وأنا من أهوى ومن أهوى أنا"
    وسر العلم يفرق بين العلم والعالم .
    فبسر العلم تعلم أن الحق سمعك وبصرك ويدك ورجلك مع نفوذ كل واحد من ذلك وقصوره وأنك لست هو عينه .
    وبسر الحال ينفذ سمعك في كل مسموع في الكون إذا كان الحق سمعك حالا وكذلك سائر قواك. وبسر الحقيقة تعلم أن الكائنات لا تكون إلا لله وإن الحال لا أثر له فإن الحقيقة تأباه.
    فإن السبب وإن كان ثابت العين وهو الحال فما هو ثابت الأثر .
    فللحقيقة عين تشهد بها ما لا يشهد بعين الحال . وتشهده عين الحال وعين العلم .
    وللعلم عين يشهد بها ما لا يشهده بعين الحال وتشهد ما يشهده عين الحال .
    فعين الحال أبدا تنقص عن درجة عين العلم وعين الحقيقة .
    ولهذا لا تتصف الأحوال بالثبوت فإن العلم يزيلها والحقيقة تأباها .
    ولذلك الأحوال لا تتصف بالوجود ولا بالعدم فهي صفات لموجود لا تتصف بالعدم ولا بالوجود
    فبالحال يقع التلبيس في العالم . وبالعلم يرتفع التلبيس . وكذلك بالحقيقة
    فهذا سر العلم وسر الحال وسر الحقيقة قد علمت الفرقان بينهم في الحكم هذا معنى السر عند الطائفة. فافهم .

    ( وبهذا انفصل ): أي بإثبات العلم زائد على الذات، أو يجعل الحدوث في العلم للتعلق انفصل صاحب النظر و الفكر بالجهل و التخمين عن المحقق بالتحقيق و اليقين .
    قال تعالى: "و خسِر هُنالك المُبْطِلون" [ غافر: 78] حيث فاز المحقّق بالحق .
    ( من أصل الله صاحب الكشف والوجود) و المتحقق بالعين و الشهود المحقق .
    ورد في الخبر الصحيح : " إنّ الشاهد يرى ما لا يرى الغائب" رواه ابن سعد عن علي رضي الله عنه، ذكره السيوطي في جمع الجوامع .
    لا يقال أنّ القائل زيادة الصفة غير الأشعري، و لا نعبأ بهم و بكلامهم لأننا نقول إما قد قيل، و أيضا من قال: إنها لا عينه، يلزم عليه أن يكون غيره و إن لم يصرّح بذلك.
    بل بقوله: لا غيره و لا عينه يلزم عليه إما جمع النقيضين، أو رفعهما،
    و أمّا الاحتمال الثالث الذي أريد منه لا يشفي عليلا و لا يشفي غليلا .
    قال رضي الله عنه في الفتوحات : إنه كلام لا روح له، فافهم .
    فلما قسّم رضي الله عنه الأعطيات من حيث الذات ذاتية و أسمائية.
    ثم أدخل تقاسيم العطايا من حيث السائلين استطرادا، فأراد الرجوع إلى أصل التقسيم للعطايا من حيث ذواتها و أنفسها .
    فقال: (ثم نرجع إلى الأعطيات) بفتح الهمزة و تخفيف الياء جمع الأعطية جمع عطاء، فيكون جمع الجمع كأغطية و غطاء، أو بضم الهمزة و تشديد الياء المثناة التحتانية جمع أعطية كأمنية.
    ( فنقول أنّ الأعطيات إما ذاتية أو أسمائية، فأما المنح و الهبات و العطايا الذاتية فلا تكون إلا عن تجل إلهي ): أي لا يكون إلا عن تعريف و لا عن نظر و فكر .
    فإذا كانت منحصرة في التجلي فقط، و التجلي من الذات لا يكون أبدا إلا بصورة استعداد المتجلى له لأنّ تجليه تابع مشيئته، و مشيئته تابع عمله، و عمله تابع استعداد المعلوم المتجلي له، و ذلك لأرباب المقامات و المقيدين بها .

    فأمّا الوارث المحمدي الذي أتاه الله جوامع الكلم، و علم الأسماء كلها، و علم علم الأولين و الآخرين، فكل الصيد في جوف الفراء فقد خلص من حكم المقامات عليه، فهو يحكم بها بحسّب ما تعطيه الأحوال، فإنه العليم الحكيم، و هذا مقام من لا مقام له و هو قابل التجلي الذاتي لا يتبع الاستعداد أو يتبعه، فافهم .

    ذكر رضي الله عنه هذه المسألة في الباب العشرين و أربعمائة من الفتوحات:
    وقد قال بعضهم شهود الحق فناء ما فيه لذة لا في الدنيا ولا في الآخرة فليس التفاضل ولا الفضل في التجلي وإنما التفاضل والفضل فيما يعطي الله لهذا المتجلي له من الاستعداد وعين حصول التجلي عين حصول العلم لا يعقل بينهما بون كوجه الدليل في الدليل سواء بل هذا أتم وأسرع في الحكم وأما التجلي الذي يكون معه البقاء والعقل وإلا لالتذاذ والخطاب والقبول فذلك التجلي الصوري ومن لم ير غيره ربما حكم على التجلي بذلك مطلقا من غير تقييد والذي ذاق الأمرين فرق ولا بد.
    وبلغني عن الشيخ المسن شهاب الدين السهروردي ابن أخي أبي النجيب أنه يقول بالجمع بين الشهود والكلام فعلمت مقامه وذوقه عند ذلك.
    فما أدري هل ارتقى بعد ذلك أم لا وعلمنا أنه في مرتبة التخيل وهو المقام العام الساري في العموم.
    وأما الخواص فيعلمونه ويزيدون بأمر ما هو ذوق العامة وهو ما أشار إليه السياري ونحن ومن جرى مجرانا في التحقيق من الرجال.أهـ
    أشار إلى هذا الفناء أبو العباس قدّس سره حيث قال: ما التذّ عاقل بمشاهدة قط لأنها فناء .
    و أمّا من قال بجمع الكلام و الشهود كأنه أشار إلى الأول الذي نحن بصدد بيانه الآن كما نقل عن الشيخ شهاب الدين السهروردي فإنه قال بجمعهما غير ذلك لا يكون لأنّ الحكمة أعطت الحكيم ذلك .
    قال الله تعالى لموسى عليه السلام: "لنْ تراني" [ الأعراف: 143].

    أي أبدا لأنّ الرائي ما يرى منه إلا قدر منزلته و رتبته فما رآه بل ما رأى إلا نفسه، و لو لا كذلك ما وقع التفاضل في الرؤية أصلا، و قد وقع التفاضل فيها كالرؤية المحمدية و هي أكمل رؤية يرى فيها الحق و بها، فيرفعه بها منزلا لا يناله إلا المحمديون، و هو منزلة الهوية .
    ( فإذن المتجلي له ما رأى سوى صورته في مرآة الحق) وهو مجلي رؤيته نفسه، وما رأى الحق اشتغل الرامي برؤية نفسه عن رؤية المجلي.
    الذي هو المجلي الحق، فلو لم تبد للرأي صورته أو صورة كون ربما كان يراه فما حجبنا عنه إلا نفوسنا فيه فلو زلنا عنه أيضا ما رأيناه لأنه ما كان يبقى ثمة بزوالنا من يراه .
    فنحن لم نزل ما نراه بل نرى فيه نفوسنا، و لا يمكن أن يراه لأننا مقيدون بعدة قيود و الله تعالى مطلق لا يتقيد، فلا مناسبة بل لا يرى المطلق إلا المطلق و لكن المطلق قد يتقيد بحسب الاعتقاد، فلا يكون مطلقا فما رأيته مطلقا بل رأيت نفسك .

    فإذا رأيت نفسك عرفت من أنت فتعلم عند ذلك هل أنت هو أو لست هو ؟
    فإنه هنا يحصل لك العلم الصحيح فإنّ الدليل قد يكون خلاف المدلول و قد يكون عين المدلول، فلا شيء أول على الشيء من نفسه. " من عرف نفسه فقد عرف ربه" ، ثم تبعد الدلالة بقدر المناسبة و أقرب الشيء إلى الشيء نفسه .
    قال تعالى: "تعلمُ ما في نفْسِي و لا أعْلمُ ما في نفْسِك" [ المائدة: 117] .
    لأنها لك و لا أعلم ما فيها مما أخفيت من قرة أعين لأنه غيب عنه صلى الله عليه و سلم و ذلك من بعد المناسبة بين العبد و بين ربه مع علمه .

    ( بأنها رأى صورته إلا فيه) و الذي رأى فيه صورته لا غير و ذلك لأنه رأى الوجود كالمرآة لم يكد يراه و رأى عينه فيه محصورة بحكم .
    كما قال الله تعالى: "وما مِنّا إلّا لهُ مقامٌ معْلومٌ " [ الصافات: 164] .

    فالحصر عمّ الوجود و محصور يحصر ما، مع أنه يعلم أنه عينه من حيث كونه عدما له إطلاق صرف، و لكن يحكم الاتصاف بالوجود و الظهور فيه، أعطي للعين الحصر و انحصرت فيه لأنّ الحصر من لوازم أحكام الوجود، فيعلم أن التي رآها ليست صورته، فيحكم الأمر أنّ المتناقضان المتضادان في آن واحد .

    ( كالمرآة في الشاهد) أراد رضي الله عنه لتوضيح الأمر أن يقيس الغائب على الشاهد، و ضرب مثل (إذا رأيت الصور فيها لا تراها ): أي لا ترى نفس المرآة و جرمها و عينها: أي حين نظرك صورته لم تر صورة المرآة، كما قيل لا يصدر من الواحد إلا الواحد .
    أما ترى جرم المرآة ما ترى نفسك و صورتك فيها مع علمك أنك مهما رأيت الصور أو صورتك إلا فيها مثله كمثل الضوء أنه يرى به كل شيء، و هو لا يرى بل ولا يمكننا أن نشير إليه .
    فهو تعالى غائب حاضر منظور ناظر، باطن ظاهر، إنّ هذا لشي ء عجاب و لله المثل الأعلى، و هو العزيز الذي لا يرى من حيث هويته الحكيم، حتى يقال: إنه يرى من حيث ذاته .

    ( فأبرز الله ذلك ): أي حكم المرآة مثالا نصبه لتجلي الذات: أي أنّ الله تعالى قد ضرب الأمثال.
    فقال تعالى: "كذلك يضْربُ اللّهُ الْأمثال" [ الرعد: 17] .
    فالعالم كله بما فيه ضرب مثلا واحد ليعلم أنه هو يجعله دليلا عليه وأمرنا بالنظر فيه .
    فما ضرب الله في العالم المثل صورة المرآة .
    ( ليعلم المتجلي له ما رآه ): أي الذي أراد أنه لا هو لا غيره، و ما ثم مثال محسوس أقرب من حيث الأخذ و الفهم أنه قريب المآخذ و الفهم و لا أشبه بالرؤية و المتجلي المعقولين من هذا المثل المحسوس فإنك إذا رأيت الصورة الظاهرة في الجسم الصقيل و حققت رؤيتك، فتجد تلك الصورة حالت بينك و بين إدراكك عين الجسم الصقيل الذي هو مجلاها فلا تراه أبدا، و الحق جلي صور الممكنات فلم ير العالم إلا العالم في الحق، فافهم .

      الوقت/التاريخ الآن هو 19/9/2024, 22:48