..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: (درة العشاق) محمد صلى الله عليه وسلم ـ الشّاعر غازي الجَمـل
 كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الخامس Emptyاليوم في 17:10 من طرف Admin

» كتاب: الحب في الله ـ محمد غازي الجمل
 كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الخامس Emptyاليوم في 17:04 من طرف Admin

» كتاب "قطائف اللطائف من جواهر المعارف" - الجزء الأول ـ إعداد: غازي الجمل
 كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الخامس Emptyاليوم في 16:59 من طرف Admin

» كتاب "قطائف اللطائف من جواهر المعارف" - الجزء الثاني ـ إعداد: غازي الجمل
 كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الخامس Emptyاليوم في 16:57 من طرف Admin

» كتاب : الفتن ـ نعيم بن حماد المروزي
 كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الخامس Empty7/11/2024, 09:30 من طرف Admin

» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (1) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
 كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الخامس Empty19/10/2024, 11:12 من طرف Admin

» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (2) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
 كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الخامس Empty19/10/2024, 11:10 من طرف Admin

» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (3) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
 كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الخامس Empty19/10/2024, 11:06 من طرف Admin

» كتاب: تحفة المشتاق: أربعون حديثا في التزكية والأخلاق ـ محب الدين علي بن محمود بن تقي المصري
 كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الخامس Empty19/10/2024, 11:00 من طرف Admin

» كتاب: روح الأرواح ـ ابن الجوزي
 كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الخامس Empty19/10/2024, 10:51 من طرف Admin

» كتاب: هدية المهديين ـ العالم يوسف اخي چلبي
 كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الخامس Empty19/10/2024, 09:54 من طرف Admin

» كتاب: نخبة اللآلي لشرح بدء الأمالي ـ محمد بن سليمان الحلبي الريحاوي
 كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الخامس Empty19/10/2024, 09:50 من طرف Admin

» كتاب: الحديقة الندية شرح الطريقة المحمدية - عبد الغني النابلسي ـ ج1
 كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الخامس Empty19/10/2024, 09:18 من طرف Admin

» كتاب: البريقة شرح الطريقة ـ لمحمد الخادمي ـ ج2
 كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الخامس Empty19/10/2024, 08:56 من طرف Admin

» كتاب: البريقة شرح الطريقة ـ لمحمد الخادمي ـ ج1
 كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الخامس Empty19/10/2024, 08:55 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الخامس

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68495
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

     كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الخامس Empty كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الخامس

    مُساهمة من طرف Admin 6/7/2020, 08:41


    02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الخامس
    فقال الشيخ: تريد وجه المسألة في مذهبك أو في مذهبي؟
    ثم أجاب على الوجهين، و قال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات:
    إن العارف عارف بجميع المذاهب و الملل، فإنهم أخذوا من حيث أخذ الملك الرسول، فافهم .
    فإنه من هذا الذوق الذي نحن بصدد بيانه، و هو: أي الرائي الشيخ رضي الله عنه (موضع اللبنة الذهبية في الباطن) لأنه يرى الغيب كالشهادة مكشوفا بلا لبس، و هو ممن ارتضى من رسول، بل وارث الرسول.
    كما قال: لست بنبي و لا رسول، (فإنه أخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إلى الرسول )، إنما قال رضي الله عنه ذلك لأنه في هذا المقام يثبت بهذا القدر و المساواة، بل السبق، و إلا أين الملك الكريم من الإنسان الكامل الذي على خلق عظيم، و هم قد اعترفوا بذلك حيث قالوا: "وما مِنّا إلّا لهُ مقامٌ معْلومٌ" [ الصافات: 164]، و للخاتم كما للخاتم صلوات الله عليهما مقام : " إن لي مع الله وقتا لا يسعني فيها ملك مقرّب، و لا نبيّ مرسل ". و أنت صاحب المقام عمن لا مقام له .
    و التنبيه على ذلك في الكتاب لكفاهم التنبيه من أولي الألباب قوله: "يا أهْل يثرب لا مُقام لكُمْ"[ الأحزاب: 13]،فختم الختم أولى بذلك الخطاب.
    قال رضي الله عنه في الفتوحات:
    لا يخلص من المقامات إلا الوارث المحمّدي الصرف، الذي أتاه الحكم بفصل الخطاب، و أوتي جوامع الكلم، و علم الأسماء كلها: أي المؤثرات في الكون و غيرها، و لم يستأثر فكل صيد في الفراء .
    ( فإن فهمت ما أشرت إليه) من أن أخذ الخاتم العلم من المعدن، و أخذ الأولياء العلم منه قاطبة، إنما قال رضي الله عنه ما أشرت به لأنه رضي الله عنه ما صرّح في الخاتم المساواة في الإفادة في بيان إفادة العلم، بل قال: سبقت لهذا العبد هذه المساواة، و لم يقل أي عبد .
    ( فقد حصل لك) بالفهم لهذا الأمر الواقع على هذه المثابة (العلم النافع )، و جعلك من الصديقين، بل ألحقك بالصدّيق الأكبر .
    و بيان ذلك: إن من صادق العلم في ظنه كان نعته العلم في نفس الأمر، و هذا هو نتيجة الإيمان بالأنبياء عليهم السلام و هذا الذوق .
    قال صلى الله عليه و سلم لشخص من الصحابة حين سأله عن أي آية في القرآن أعظم، فقال الرجل و أظن أنه أبي بن كعب: آية الكرسي، فضرب صلى الله عليه و سلم على صدره وقال: " ليهنك العلم يا أبا المنذر" يعني: أصبت و صادفت حقيقة الأمر .
    وكيف لا إذا كان الفجر عن درك الإدراك إدراك؟
    فكيف لا تكون الإصابة علما، و ما ظنك بالمصادفة؟ .

    قال رضي الله عنه في الفتوحات: من صادق العلم في ظنه كما في نفس الأمر، فقد حصل له العلم في نفسه كما هو في نفس الأمر، و لا يكون ذلك إلا بإعلام الحق، و إعلام من أعلمه عند من يعتقد فيه أنّ الله تعالى و ما عدا ذلك فلا علم بغيب أصلا انتهى كلامه .
    أما ترى أن الله مدح من يؤمن بالغيب و يعمل بمقتضاه، قال تعالى:" الّذِين يـؤْمِنون بالغيْبِ و يقِيمُون الصّلاة" [ البقرة: 3].
    فما أقاموها إلا من علمهم و تصديقهم بالغيب، فالأمر قائم بالصادق، و الصديق صاحب عيان، و صاحب إيمان، و ما وراء ذلك خسران و حرمان، فافهم إن هذا فصل الخطاب لأولي الألباب، فطوبى لهم و حسن مآب .

    قال رضي الله عنه في الفتوحات: من قعد مع هذه الطائفة و لا يصدقهم فيما قالوه، يخاف عليه من سوء الخاتمة.
    فإذا فهمت ما قرره رضي الله عنه علمت الأمر على ما هو عليه بإعلام صاحب أوسع الكشوفات، و الأذواق المحمدية، و ليهنك العلم .
    ( فكل نبيّ من لدن آدم إلى آخر نبي، ما منهم أحد يأخذ إلا من مشكاة خاتم النبيين، و إن تأخر وجود طينته فإنه بحقيقته موجود، و هو قوله : " كنت نبيا و آدم بين الماء و الطين."
    ورد في الخبر الصحيح : " أول خلق خلقة روح نبيك يا جابر " و هو المعبر عنه بلسان الحقائق القلم الأعلى .
    و ورد في الخبر بلسان الولاية : "أول شيء خلقه القلم، فقال له: اكتب؟ قال: يا رب ما أكتب؟ قال تعالى: مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة، من مات على غير هذا فليس مني . " رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه .
    و في رواية:" أول شيء خلقه الله القلم، فأمره فكتب كل شيء يكون "
    . رواه ابن عباس رضي الله عنهما، ذكرهما الأسيوطي في جمع الجوامع .
    فأخذ الأنبياء عليهم السلام من هذا الروح المحمّدي المسمّى بالعلم الظاهر في الوجود بالوجود الكلي الممتاز عن الموجودات أزلا، فالأنبياء عليهم السلام يأخذون منه بحسب استعدادهم، و هو يعطيهم مقاديرهم بمقتضى ذواتهم بحسب أوقاتهم، و قابليتهم قبل الوجود، و عند الوجود، و بعد الوجود، و من لم يعتقد ما قلناه و قررناه بهذا النمط مات ميتة الجاهلية، و ليس منا المحمديين .
    أما ترى قوله صلى الله عليه و سلم أنه قال في آخر الحديث: »من مات على غير هذا، فليس مني«
    لأنه ما آمن بما جاء به كله بل آمن بما فهم، و كفر بما خفي عليه و لم يفهم، فإن كان خلى للصلح مجالا كان به أولى، فأوله برأيه المشئوم، و يحسب أنه في التنزيه، و هو كما قربه .

    فإذا فهمت هذا السرد الذي سردته لك سردا سائغا، فاعلم أنّ نظير هذا الأخذ قد ثبت بالكشف أن الأولياء يأخذون من الغيب.
    فمنهم من يأخذ من اللوح، ومنهم من يأخذ من القلم، ومنهم من يأخذ من تخطيط القلم، ومنهم من حركة التخطيط من القلم، و منهم من إجمال الدواة المعبر عنها بلسان الشرع بالنون .
    قال تعالى: "ن والقلمِ و ما يسْطرُون" [ القلم: 1] .
    فالأنبياء عليهم السلام أولى بهذا الأخذ القويم القديم، و قد ذكرت تفصيل الأخذ في الفص الآدمي في سر الولد الأكبر، و لا يعرفها إلا عارف أو مؤمن، كما يعرف أخذ الذرية من ظهر آدم حين أشهدهم على أنفسهم، و نحن نؤمن يقينا .
    سئل شخص من العارفين، كأنه ذو النون قدّس سره عن علم الميثاق قوله : " ألسْتُ بربِّكُمْ" [ الأعراف: 172] فقال: كأنه في أذني الآن .
    وآخر قال حين سئل عنه: سمعت سبعا من المواثيق .
    و آخر قال: إنه صدق في كليات المواثيق أنها سبعة، وأما جزئياتها فغير متناهية، فأنا مؤمن بذلك كله .
    فمأخذ الأنبياء عليهم السلام قبل وجودهم و بعد وجودهم وعند وجودهم من هذا المقام المحمدي الذي ختم به و يختمه، فافهم .
    فإني قربت إليك الأمر البعيد لتفهم ولا تقف، إنّ أكثر من هذا البيان لا يمكن لي إنّ هذا إلا سحر يؤثر، هذا سحر حلال، و لا تتبع القيل و القال .
    ورد في الخبر: " إن الله ينهاكم عن كثرة السؤال، وإضاعة المال، وعن اتباع القيل ."
    . رواه مسلم بن عبد الله بن سره عن أبيه رضي الله عنه، و نحن ما أخذنا هذه المعاني إلا من صاحب أوسع الكشوف .
    ورد في الحديث : " إن هذا العلم دين فانظر ممن تأخذونه " .رواه أبو نصر السجزي في الإبانة، و الديلمي عن أبي هريرة رضي الله عنه .
    و في حديث أنس رضي الله عنه: "فلينظر أحدكم ممن يأخذ دينه، و على الله قصد السبيل"
    ( و غيره من الأنبياء ما كان نبيا إلا حين بعث) لأنه صلى الله عليه و سلم من حيث الروح و الحقيقة كان كليا، بل كلّا قائما بذاته، لذا المسمى بالروح الأعظم، و العقل الأول، و باصطلاح الحكماء بالعقل الكل، كالكلي الطبيعي.
    فإنه موجود في الخارج عند الحليم بل إنه جوهر قائم بذاته، و قيوم لغيره بخلاف سائر الأنبياء عليهم السلام، فإنّ أرواحهم جزئية تابعة للأمزجة بحسب مزاجها، تقع الأبدان منها كلي في الجملة، و منها جزئي.
    (و كذلك خاتم الأولياء كان وليا و آدم بين الماء و الطين) :
    و ذلك لكليته، و التفضيل كالتفضيل، »مولى القوم منهم، و العبد من طينة مولاه« .
    و العبد مقداره في جاه سيده فلا يزال بستر العز مستورا و قد قررناه غير مرة صريحا و كناية و إفهاما و إبهاما، و بكل وجه بل بأحسن الوجوه و أسناها .
    إنّ الولاية باطن النبوة، والولي بطانة نبيه، وحسنة من حسناته، فإذا رجع الأمر إلى الباطن فيرجع الحكم إلى الباطن، و هو ظهور الكامل الكل بوحدة الحقيقة، و أي الحقيقة الكلية المتميزة عن الحقائق الجزئية علما و وجودا، فهي لخاتم النبوة باعتبار، و هي عين خاتم الخاتم باعتبار.
    فإن ابتداء الخاتم انتهاء خاتم الخاتم، و الأمر بينهما لأنهما فاتحان و خاتمان لأمر العلم و الوجود، فظهرا في الوجود بكلتيهما، كما كان في العلم، و التفضيل كالتفضيل.

    (وغيره من الأولياء ما كان وليا إلا بعد تحصيله شرائط الولاية) التي هي تابعة للمزاج و بحسبه و ذلك لأنّ دورة العبودية في الخلافة تمت بعيسى عليه السلام، و فتح باب السيادة في الخلافة بمحمد صلى اللّه عليه و سلم.
    و تحصيل الشرائط (من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها) بعد إن لم تكن بحسب السلوك و الرياضيات، كان شرطا في الولاية و النبوة بحسب القابلية المزاجية الطالبة صفة الكمال.
    وذلك التخلق ( من كون الله تسمّى بالولي الحميد )، فأراد أن يتخلق بأخلاقه حتى يتسمّى وليا فيكون محمودا بذلك التخلق فإنه سمع أنه تعالى يحب أن يحمد فتخلق بالولاية ليحمد.
    روي في حديث طويل: "و ما من أحد أحب إليه المدح من الله من ذلك وعد الجنة." . رواه مغيرة بن شعبة، ذكره في جمع الجوامع .

    "" قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح عنه، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ألا تعجبون من غيرة سعد؟ فوالله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شخص أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث الله المرسلين مبشرين ومنذرين، ولا شخص أحب إليه المدح من الله، من أجل ذلك وعد الله الجنة» صحيح ابن حبان
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس أحد أحب إليه المدح من الله، فلذلك مدح نفسه، وليس أحد أغير من الله، فلذلك حرم الفواحش». صحيح ابن حبان ""
    إنما قال: (حميد )، و هو فعيل، فعم اسم الفاعل و اسم المفعول بالدلالة الوضعية عليهما، فهو الحامد المحمود لأنه صيغة مبالغة بمعنى: فاعل و مفعول، فإما أن يعطي الأمر الواحد بقرينة حال، و قد أثنى على نفسه .

    ( فخاتم الرسل من حيث ولايته نسبته الأنبياء و الرسل معه ): أي مع الرسل بأنّ أخذهم منه و هو باطنهم، و هكذا الأمر في الولاية، فإنها باطن النبوة و الرسالة، فمن حيث الظاهر يأخذ من الباطن لأنّ الباطن غيب يتنزل الأمر من الغيب إلى الشهادة، فإنّ الحقيقة الواحدة الغير المنقسمة لها اعتباران: ظهور و بطون .
    فمن حيث الظاهر ختم على الظاهر المحمّدي، و من حيث الباطن ختم على الباطن المحمّدي، و الأمر ما خرج منها، فمن الظاهر مستفيض، و من حيث الباطن مفيض، بل هو الظاهر و الباطن، فيأخذ ظاهره من باطنه و لا غير، فافهم حتى تتخلص من شرك الوهم و قيده، و اعرف أنك ما تتخلص منه لأنه وضع إلهيّ ما يرتفع أبدا، إلا من أخلصه اللّ ه بمحض العناية و المنة لله تعالى.

    فلما عرفت أنّ كل نبيّ ما أخذ من هذا العلم إلا من مشكاة خاتم النبوة، كذلك كل وليّ ما أخذ هذا العلم و ما رأى ما رآه إلا من مشكاة خاتم الولاية المحمّدية، و عرفت أنّ نسبة النبي الختم مع الأنبياء عليهم السلام: أي كما أنهم يأخذون منه،كذلك النبي الختم يأخذ من جهة الولاية من وليه الختم.

    فأراد رضي الله عنه أن يبين بأسمائهم و أسماء مراتبهم التي تأخذ و تعطي، و تستفيد و تفيد و تستفيض .
    فقال: (فإنه ): أي خاتم الرسالة هو (الولي) من حيث الباطن، و هو جهة الاستفادة و الاستفاضة من خاتم ولايته، (الرسول النبي) من حيث الظاهر، و هو وجه الإفادة و الإفاضة من أحكام الشرائع و الدين.
    (و خاتم الأولياء) أيضا، كذلك (الولي) الذي يفيد من هذا الوجه (الوارث) من الله.
    إنما قلنا: (من الله) لسرّ ذكرناه في الخطبة في قوله: و لكني وارث (الأخذ عن الأصل )، كما فهمت إن فهمت تفصيلنا.
    ( المشاهد للمراتب) المتفرج المبتهج بنفسه و ذاته فإنه يرى مراتب العالم في نفسه نبيا و وليا، مؤمنا صديقا، و كافرا ملحدا، زنديقا حيوانا نباتا فلكا و ملكا، فافهم .

    "" قال الشيخ الأكبر في الباب الثالث والسبعون وثلاثمائة في معرفة منزل ثلاثة أسرار :
    مقامات تنص على اتساق ..... لأرواح منباة كرام
    أفوه بها ولا يدري جليسي ..... لأن النور في عين الظلام
    فلو لا ظلمة ما كان نور ..... فعين النقص يظهر بالتمام
    إذا علم الإضافة من يراها ..... تقيد بالعقود وبالقيام
    يرى أن الوجود له انتهاء ..... وأن البدء يظهر بالختام
    فحال بين بدء وانقضاء ..... وجود لا يزال مع الدوام
    اعلم أيدك الله أن العالم كله كتاب مسطور في رَقٍّ مَنْشُورٍ.
    وهو الوجود فهو ظاهر مبسوط غير مطوي ليعلم ببسطه أنه مخلوق للرحمة وبظهوره يعقل ويعلم ما فيه وما يدل عليه.

    وجعله كتابا لضم حروفه بعضها إلى بعض وهو ترتيب العالم على الوجوه التي ذكرناها وضم معانيه إلى حروفه مأخوذ من كتيبة الجيش.
    وإنما قلنا في بسطة إنه للرحمة لأنه منها نزل كما قال تعالى: "تَنْزِيلٌ من الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ".
    وقال تعالى : "مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ" (23)" سورة الحديد
    وقال تعالى في ذلك "كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ من لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ" [ هود :1 ].
    فأحكام الآيات فيه وتفصيلها لا يعرفه إلا من آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب وصورة الحكمة التي أعطاها الحكيم الخبير لأهل العناية علم مراتب الأمور وما تستحقه الموجودات والمعلومات من الحق الذي هو لها.
    وهو إعطاء كل شيء خلقه إعطاء إلهيا ليعطي كل خلق حقه إعطاء كونيا بما آتانا الله.
    فنعلم بالقوة ما يستحقه كل موجود في الحدود ونفصله بعد ذلك آيات بالفعل لمن يعقل كما أعطانيه الخبير الحكيم.
    فننزل الأمور منازلها ونعطيها حقها ولا نتعدى بها مرتبتها فتفصيل الآيات والدلالات من المفصل إذا جعلها في أماكنها بهذا الشرط.
    لأنه ما كل مفصل حكيم دليل على أنه قد أوتي الحكمة وعلم أحكام الآيات ورحمته بالآيات والموجودات التي هي الكتاب الإلهي وليس إلا العالم دليل على علمه بمن أنزله وليس إلا الرحمن الرحيم.
    وخاتمة الأمر ليست سوى عين سوابقها وسوابقها الرحمن الرحيم فمن هنا تعلم مراتب العالم ومآله إنه إلى الرحمة المطلقة وإن تعب في الطريق وأدركه العناء والمشقة.

    فمن الناس من ينال الرحمة والراحة بنفس ما يدخل المنزل الذي وصل إليه وهم أهل الجنة.
    ومنهم من يبقى معه تعب الطريق ومشقته ونصب بحسب مزاجه وربما مرض واعتل زمانا ثم انتقل من دائه واستراح وهم أهل النار الذين هم أهلها .
    ما هم الذين خرجوا منها إلى الجنة فمستهم النار بقدر خطاياهم مع كونهم أماتهم الله فيها إماتة فإن أولئك ليست النار منزلا لهم يعمرونه ويقيمون فيه مع أهليهم.
    وإنما النار لهؤلاء منهل من المناهل التي ينزلها المسافر في طريقه حتى يصل إلى منزله الذي فيه أهله .
    فهذا معنى الحكمة والتفصيل فإن الأمور أعني الممكنات متميزة في ذاتها في حال عدمها ويعلمها الله سبحانه وعلى ما هي عليه في نفسها .
    ويراها ويأمرها بالتكوين وهو الوجود فتتكون عن أمره فما عند الله إجمال كما أنه ليس في أعيان الممكنات إجمال .
    بل الأمر كله في نفسه وفي علم الله مفصل وإنما وقع الإجمال عندنا وفي حقنا وفينا ظهر فمن كشف التفصيل في عين الإجمال علما أو عينا أو حقا .
    فذلك الذي أعطاه الله الحكمة وفصل الخطاب وليس إلا الرسل والورثة خاصة وأما الحكماء أعني الفلاسفة فإن الحكمة عندهم عارية فإنهم لا يعلمون التفصيل في الإجمال .""
    ( فهو) في فتح هذا الباب (حسنة من حسنات خاتم الرسل محمد صلى اللّه عليه و سلم) .
    بل هو إجابة دعائه صلى الله عليه و سلم حيث دعا : " اللهم بارك على محمد و على آل محمد،كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم".
    و من بركته أنه فيه خاتم النبوة خير المرسلين، و هكذا من بركة آل محمد أن فيه خاتم الولاية المحمّدية خير الوارثين.
    (مقدم الجماعة ): أي جماعة الأسماء الإلهية، أو جماعة الأنبياء عليهم السلام، أو الجماعة من آدم إلى الخاتم (و سيد ولد آدم )، و إن كان لسان مرتبته يقول :
    و إني و إن كنت ابن آدم صورة فلي فيه معنى شاهد بأبوتي فلهذا يقول في حديثه و لا فخر (في فتح باب الشفاعة الكبرى) .

    قال رضي الله عنه في الباب العشرين و أربعمائة من الفتوحات :
    و أما المقام المحمود فهو مقام الشفاعة في الشافعين عند الله أن يشفعوا من ملك، و رسول، و نبي، و ولي، و مؤمن.
    (فعين حالا خاصّا )، إنه سيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة، كما كان فتح باب الوجود أعم لأنه ليس منهم و لا من جنسهم، و التنبيه عليه في الكتاب العزيز قوله تعالى: "ما كان مُحمّدٌ أبا أحدٍ مِنْ رجالكُمْ ولكِنْ رسُول اللّهِ وخاتم النّبيِّين وكان اللّهُ بكُل شيْءٍ عليماً" [ الأحزاب: 40] .
    قال رضي الله عنه في الفتوحات: إنّ الله تعالى أراد بهذا النفي: أي ليس من جنسكم، أما ترى قوله صلى الله عليه و سلم حيث يقول: " أنا سيد ولد آدم و لا فخر".
    لما قال رضي الله عنه في رسالة القدس ذكر في المفاضلة بين الإنسان و الملك: إنّ التفاضل ما يقع إلا من جنس واحد، و الإنسان الكامل قد خرج أن يكون جنس العالم، فافهم .
    و لأن المفاخرة لا تكون له في هذا، بل هذا تنزل عنه صلى الله عليه و سلم، كما يقول : " أنا بشر مثلكم "
    قال تعالى:"عزيزٌ عليْهِ ما عنتُّمْ حريصٌ عليْكُمْ بالمُؤْمِنين رؤُفٌ رحِيمٌ" [ التوبة: 128] .

    إشارة إلى أنّ (ما) في (عنتم) مصدرية: أي عنتكم و مشقتكم، حريص عليكم : أي أن تهتدوا بالمؤمنين رؤوف رحيم، و على هذا التنبيه أشار الحديث الشريف : " لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي " الحديث . و في رواية : " لست كأحدكم" الحديث .
    ( وفي هذا الحال الخاص ): أي في وقت الشفاعة (تقدم على الأسماء أيضا )، كما تقدم على (مظاهر الإلهية )، فإنه شفع قبل الرحمن، فإن (الرحمن ما شفع عند المنتقم في أهل البلاء إلا بعد شفاعة الشافعين) .
    قال تعالى: "ما مِنْ شفِيعٍ إلّا مِنْ بعْدِ إذْنهِ" [ يونس: 3]، (فقال محمد صلى الله عليه و سلم بالسيادة في هذا المقام الخاص) المتصف بالتقدم على الأسماء الإلهية، (فمن فهم المراتب) إنها كلها لله رفيع الدرجات و المقامات، إنها كلها لظهور حقيقة الحقائق المسمّاة بالحقيقة المحمدية في إجمالها و تفصيلها.
    (لم يحسر عليه قبول مثل هذا الكلام ): أي إنّ أخذ الكل من الختم لأن الجاهل بحقيقة الأمر يظن أن هذا كمال يثبت لغير الله و رسوله، و لا غير في جميع المراتب بل ظهورات حقيقة واحدة إجمالا و تفصيلا، و تفصلا و إجمالا و لكن هنا جزئية أخرى، فسأذكرها لك على سبيل الإشارة، قوله تعالى: "وإنّها لكبيرٌة إلّا على الخاشِعِين" [ البقرة: 45] لعلك أن تتذكر أو تخشى، و هي أنه كل تجلّ تأخر وجوده في الظهور، فإذا ظهر يتضمّن جميع
    ما مضى من التجليات و العلوم، فإن ... الآخر كل الأول مع الزيادة، و من هنا قيل: لو أقبل مقبل على الله ألف سنة، ثم أعرض عنه ساعة، فالذي فاته أكثر مما ناله .
    من هنا برقت بارقة أن الولاية الطامة أتم من النبوة التامة لأنها آخر الدورة من التجليات الكمالية، وانختم الأمر بها، فافهم .
    و ذلك لهذا السر الذي أو مأت إليه، فافهم و لا تكن الغليظ القدم الأبهم، فإن أمثال هذه الأسرار من لسان الحقائق، فلا تتقيد .

    قال الشيخ المصنف رضي الله عنه :
    (وأما المنح الأسمائية فاعلم أن منح الله تعالى خلقه رحمة منه بهم، و هي كلها من الأسماء. فأما رحمة خالصة كالطيب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، و يعطى ذلك الاسم الرحمن فهو عطاء رحماني، و إما رحمة ممتزجة كشرب الدواء الكره الذي يعقب شربه الراحة، و هي عطاء إلهي فإن العطايا الإلهية، لا يمكن إطلاق عطائه منه من غير أن يكون على يدي سادن من سدنة الأسماء .
    فتارة يعطي الله تعالى العبد على يدي الرحمن، فيخلص العطاء من الشرب الذي لا يلائم الطبع في الوقت أو لا ينيل الغرض و ما أشبه ذلك .
    و تارة يعطي الله على يدي الواسع فيعم . أوعلى يدي الحكيم فينظر في الأصلح في الوقت .
    أو على يدي الوهاب فيعطي لينعم و لا يكون مع الواهب تكليف المعطى له فينظر في الموطن و ما يستحقه .
    أو على يدي الغفار فينظر في المحل و ما هو عليه فإن كان على حال يستحق العقوبة فيستره عنها، أو على حال لا يستحق العقوبة فيستره، عن حال يستحق العقوبة فيسمى معصوما و معتنى به و محفوظا . وغير ذلك مما يشاكل هذا النوع) .

    قال الشارح رضي الله عنه:
    فلما جعل رضي الله عنه المنح و العطايا على قسمين: ذاتية و أسمائية، و فرغ من بيان الذاتيات و أحكامها، فأراد أن يذكر أحكام المنح الأسمائية.
    فقال : ( و أما المنح الأسمائية ): أي الصادرة من الأسماء، و حضرات العطايا الأسمائية كثيرة، كالوهب و الجود و الكرم و السخاء و الإيثار، و هو عطاء الفتوة، و سيجي ء بيانها في المتن .

    و عجّلت إليك أيها الطالب بذكر هذا التفصيل :
    فالوهب: عطاء بمجرد الإنعام، و هو الذي لا يقترن به طلب معاوضة، و لا يريد جزاء و لا شكورا .
    و الكرم: عطاء بعد السؤال .
    و الجود: عطاء قبل السؤال .
    و السخاء: عطاء بقدر الحاجة .
    و الإيثار: عطاء ما هو المعطي محتاج إليه في الحال و الاستقبال .
    و لكل عطاء اسم إلهي إلا الإيثار، و هذا العطاء من أغمض الأعطيات و المنح، و أصنعها تصورا في الإلهيات .
    قال رضي الله عنه في الفتوحات : إن هذا الذي يسمّى إيثارا يمنعه جميع الناس، إلا نحن نقول به، و ما رأينا أحدا أثبت هذا في الإلهيات، و ما يثبته إلا من علم معنى اسمه الغني. انتهى كلامه رضي الله عنه .
    و كيف لا؟! و قد ظهر لأرباب الشهود، و صرّح به أصحاب الوجود، إنه ما من شي ء في الوجود إلا له استناد إلى أصل إلهيّ، و هو نظيره في الإلهيات، و الله مستند ذلك الفرع بل هو كله بهذا هو مد الظل .

    فالإيثار الذي في الكون يطلب الاستناد و لا بدّ، فما يكون و كيف تصوره في الإلهيات، فاعلم أنه ثبت في الصحيح أن العبد يصل بالاتباع: أي باتباع السّنة إلى مقام المحبة، كما جاء في الأثر : "فاتبعوني يحببكم الله"
    ومن المحبة إلى مقام قرب النوافل حتى تكون هوية الحق عين قواه من مقام: " كنت سمعه و بصره " ، وهو سبحانه غني لذاته الذي لا يمكن إزالته عنه، فإذا أقام العبد في هذا المقام فقد أعطاه صفة الغنى عنه وعن كل شي ء لأن هويته هي أعيان قوى هذا العبد المغتني المقتني.
    وليس ذلك في تقاسيم العطاء، إلا الإيثار فقد أثر عبده بما هو له، و لما كان الإيثار فضلا يرجع إلى المعطى المؤثر كان الحق سبحانه أحق بصفة الفضل، فعطاء الإيثار أحق في حق الحق، و أتم في حق الخلق، فافهم .
    و إذا عرفت هذا اعلم أن المنح الأسمائية: أي المنح الأسمائية و عطائها (خلقه رحمة منه بهم )، بل من حضرة المنح و العطايا أوجد العالم، و أنزل النواميس و الشرائع، فهي الخير المحض بما فيها من الأمور المؤلمة المنازعة، لا يتعلق به الأعراض النفسية التي خلقها الله بالرحمة، كخلق الأدوية الكريمة البعضية للمزاج الخاص، و أغرب من ذلك أن المزاج الصحيح المعتدل بخروجه عن الاعتدال، و وقوعه في الانحراف و المرض، قد يلتذ بأكثر من صحيح المزاج، كمن يلتذ بالحكاك قريب الإنزال، و يعرف ذلك من ذاقه و جربه، إنه يمكنه أن يدرك مطلوبه بأمر غير ملائم المزاج، فافهم .
    فهذا كله عطاء إلهي كلا نمد هؤلاء، و هؤلاء أصحاب الجنة، و هؤلاء أصحاب النار، من عطاء ربك، فعم الجميع معاختلاف الأذواق، و ما كان عطاء ربك محظورا: أي ممنوعا لإحدى الطائفتين، واحد يريد اللذة في الجنان فأعطاه سؤله، وآخر يريد العذوبة في العذاب، و اللذة في النيران فأعطاه سؤله.

    ومن هذا الذوق ما ذكر الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات عن أبي يزيد الأكبر قدّس سره أنه قال :
    و كلّ ما ربي قد نلت منها سوى ملذوذ وجدي في العذاب ما أراد قدّس سره المحن بل أراد المنح على خرق العادة، فعلمنا أن كله من عطائه، و هو عين الرحمة قد سبقت و عمّت و وسعت كل شيء من مكروه عادة، و غير مكروه، فافهم .
    ( و هي كلها من الأسماء الإلهية ): أي كل المنح من الأسماء، و لا يخرج من الله الحكيم إلا بواسطة سادة و خادم، لا من حيث الذات، بل الباعث فيه اسم من الأسماء يطلب منه عين من الأعيان ذلك المطلوب .
    فذلك الاسم رب لتلك العين، مستشفع إلى الله تعالى، فإنه حكيم كريم يعطي كل ذي حقّ حقه، (فأما ): أي تلك الرحمة (رحمة خالصة) من الكدورات الطبيعية، ( كالطيب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة) .
    قال تعالى: "قلْ هِي للّذِين آمنوا في الحياةِ ُّ الدنيا" [ الأعراف: 32]، ممزوجة بالأكدار و الغصص، و هي لهم في الآخرة طيبة مخلصة من الأكدار، سواء كان من كدورة الاشتراك أو غيره، فإن النفس لا تقبل الشرك في أمر بل تريد التفرد في الكمال، أما ترى قول سليمان عليه السلام أنه سأل ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، فإنه من هذا المقام، فافهم .
    ( و يعطي ذلك الاسم ): أي النوع من الرحمة الخاصة الرحمن، (فهو عطاء رحماني) من رحمة خالصة مختصة في الدنيا و الآخرة، كما قال تعالى: "هذا عطاؤُنا فامْننْ أوْ أمْسِكْ بغيْرِ حِسابٍ "[ ص: 39]: أي لا حساب عليك في ذلك .
    هذا هو العطاء الرحماني، و هو في الدنيا لذّة بلا منغصة، و في الآخرة لا حساب عليه ولا منغصة، هذا عطاء غير مجذوذ، فافهم.
    ( و أما رحمة ممتزجة )، قال الله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام أنه قال لأبيه آزر : "يا أبتِ إنِّي أخافُ أنْ يمسّك عذابٌ مِن الرّحْمنِ فتكُون للشّيْطانِ وِليا" [مريم:45]

    فلا يكون عذاب من الرحمن إلا من الرحمة الممتزجة لأنه منذر منه، و » كُلٌّ يعْملُ على شاكلتهِ « ، (كشرب الدواء، و الكريم الذي يعقب شربه الراحة )، و زوال ما يتلائم بحسب المآل، قال تعالى: "وعسى أنْ تكْ رهُوا شيْئاً وهُو خيْـرٌ لكُمْ " [ البقرة: 216].
    ( و هو عطاء) أسماء (إلهي) و إنما قلنا: إنّ كلها من الأسماء: أي لا يكون ظهور تلك الرحمة إلا على يد اسم من الأسماءالإلهية هذا تعليل لقوله: (و هي كلها من الأسماء )، (فإنّ العطاء ): أي لأنّ العطاء الأسمائي (الإلهي لا يتمكن إطلاق عطائه منه ): أي من الحق سبحانه (من غير أن يكون على يد سادن ): أي خادم يخدمه لأنّ في مفهوم العطاء إخراج شيء لشيء، و ذلك لا يكون لذاته بذاته لأنّ الذات من حيث هي لا تقتضي أمرا بل الاقتضاء و الاقتضاء فيها سواء، و كيف لا و قد قلنا الذات بلا اعتبار، و الاقتضاء من الاعتبارات بل الذات من هذا الاعتبار متنزهة عن الإدراك، و كيف إدراك الاعتبارات فيها لا يقع العطايا و المنن على البرايا؟ .
    و ذلك (سادن من سدنة الأسماء ): أي خدمها لأنها خدم ذات مرتبة الألوهية، و عندها خزانة كل شيء، كقوله تعالى: "وإنْ مِنْ شيْءٍ إلّا عِنْدنا خزائنهُ" [ الحجر: 21] .

    و هي كالوهاب، و المنعم، و الكريم، و الجواد، و السخي، و المقيت لأنّ المقيت حضرة تعين أوقات الأقوات الروحانية و الجسمانية، و موازينها و تقديرها بحسب طلب الأعيان، (فتارة يعطي الله العبد) تلك الرحمة الممتزجة .
    ( على يد الرحمن، فيخلص ): أي يخلص الرحمة الممتزجة (من الشوب الذي لا يلائم الطبع و المزاج )، كشرب الماء البارد في العطش الكاذب فإنه ضرر في المآل، و مطبوع (في الوقت) و الحال، (أو لا ينيل الغرض ): أي مخلص من الشرب الذي يمنع إنالة الغرض المشتهي بإعطاء التوفيق، و هو جعل الأسباب موافقة في التسبب.

    ( و ما أشبه ذلك من الأمثال) التي هي موجبات ما يعطي الهناء العاجل، و ترفع موانع الوصول إلى حصول الغرض العاجل و الآجل .
    وعلى الجملة أنّ الرحمن تارة يخلص العطايا من شرب المكروه، إما عاجلا كما في ملائم الطبع والغرض، و إن كانت فيها عائلة في الآخرة، فإنه يملي لهم برحمته إياهم في هذه الدار، و استدراجه بهم للطف الخفي كما قال تعالى: "سنسْتدْرجُهُمْ مِنْ حيْثُ لا يعْلمُون" [ القلم: 44] .
    لأنّ الإنسان خلق هلوعا جزوعا، حريصا شحيحا، ظلوما جهولا كنودا، فالحكمة اقتضت المسايسة بالرهبات و الرغبات .
    و إما آجلا، كالصبر على البلايا للمجازاة الأخروية، فإنّ الصبر من عطايا الرحمن، و إما فيها كما مرّ في الرحمة الخالصة في الدنيا والآخرة، فافهم.
    ( و تارة يعطي الله على يدي الواسع فيعم )، كما قال الله تعالى: "واللّهُ واسِعٌ عليمٌ"[ البقرة: 247]: أي واسع بعموم الرحمة، فلا يخلص من الشوب، فيكون حكمها الامتزاج في العاجل و الآجل .
    فلما جاء الغضب في الوجود وجد الرحمة قد سبقته، و لا بدّ من وجوده، فكان مع الرحمة كالماء مع اللبن إذا شابه و خالطه، فلم يخلص الماء من اللبن، كذلك لم يخلص الغضب من الرحمة .

    أما ترى أبا يزيد قدّس سره لما سمع القارئ يقرأ: "إنّ بطش ربِّك لشدِيدٌ" [ البروج: 12].
    فقال: "بطشي أشد" لأنّ بطشه غير مخلوط بالرحمة، فالضار يكون نافعا في ضرره، و المانع معط في منعه .
    و يشير إلى ذلك المقام سيدنا سيد العارفين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في بعض مناجاته: اشتدت نقمته على أعدائه في سعة رحمته، و اتسعت رحمته لأوليائه في شدة نعمته، ذكره في نهج البلاغة .
    أو (على يد الحكيم، فينظر في الأصلح في الوقت) .
    و قد ورد: "إنّ الحقّ إذا أحبّ صورة عبده في دعائه إياه أخّر الإجابة عنه حتى يتكرّر عنه ذلك حبّ ا فيه لا إعراضا عنه فإنه حكيم يضع الأشياء مواضعها."

    . و ورد في الحديث القدسي أنه تعالى قال : "إن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الغنى و لو أفقرته لأفسده ذلك" الحديث.
    قيل عن أنس رضي الله عنه أنه كان يقول: "إني من عبادك الذين لا يصلحهم إلا الغنى فلا تفقرني ".
    فإن كان من الكشف فهو منه و هو أهله، و إلا هو غني محمود مقبول، ثم اعلم أنّ الرحمن أعطي العالم الوجود، أولا عموما، و هو الخبر الخالص، ثم لم يزل يعطي ما يستحقه الوجود مما به قوامه و صلاحه بحكمته البالغة، كان ما كان، فهو صلاح في حقه .
    فما ثم إلا خير، سواء سر أو أساء، فالسرور هو المطلوب، و قد لا يجئ إلا بعد إساءته لما يقتضيه مزاج ذلك التركيب، قال ذائق :
    في الخلق من لا يرتجي نفعه ..... إلّا إذا مسّ بإصرار
    كالعود لا يطمع في غرفه ...... إلّا إذا أحرق بالنار
    (أو على يد الواهب فيعطي لينعم، لا يكون مع الواهب تكليف المعطي له بعوض على ذلك من شكر أو عمل) .
    في قوله تعالى: "لا نريدُ مِنْكُمْ جزاءً ولا شُكُورًاً " [ الإنسان: 9] .
    أو على يد الجبار، فينظر في الموطن و ما يستحقه إن كان موطن الجبر كما في المنكسرة القلوب، فيخبرها وهو جبار .
    ورد في الحديث القدسي أنه قال تعالى: " أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي ."
    و إن كان موطن الجبارين المتكبرين، فيكسر صورتهم بوضع القدم عليهم، كما في الحديث الشريف .

    يقول المعطي له: (قط قط حسبي حسبي كفى كفى) .
    و كما قال النائب القطب الذي له قدم صدق: (إنّ قدمي على رقبة كل وليّ صاحب كبرياء و جبروت) .
    فإنّ هذا عطاء من هذا الخبر من هذا المقام، (أو على يد الغفار فينظر المحل و ما هو عليه، فإن كان على حال يستحق العقوبة، فيستره عنها) حتى لا يراها دنيا أو آخرة أو فيهما.
    (أو على حال لا يستحق العقوبة، فيستره عن حال يستحق العقوبة )، إما بالعصمة (فيسمّى ): أي صاحب العصمة (معصوما )، و يسمّى (معتنى به و محفوظا كالولي) .
    ( و غير ذلك مما يشاكل هذا النوع كثير ): أي من السدنة فإنها كثير بل غير متناه كالعقور، فإنه صيغة مبالغة في الغفران لعمومها، فهي رجاء مطلق للعصاة على طبقاتهم، ذكره رضي الله عنه في الفتوح .

    و كالمانع فإنه سدنة الرحمن، (فالمعطي) كما قيل :
    إذا ما قلت لم تعطا ..... فقد أعطيت لم تعطا
    فلا تكذب ولا تجحد ...... فإنك لم تزل تعطا
    فإن أمسك إلا ليعطيك سؤالك، راقب علمه بالمصالح فيك، تجد ما قلنا إنه رقيب حكيم، فإذا عرفت هذا عرفت أنّ منعه قد ملئ عطاء، و ما ثمّ إلا عطاؤه، و لكن بصورة منع، و منع بصورة عطاء، يقول الله تعالى: "وما كان عطاءُ ربِّ ك محْظورًاً" [ الإسراء: 20] .
    فمن كان منعه عطاء، فذلك هو الجواد، بل حضرة المنع أنت، فإنّ الجود مطلق و الوهب عام تام، فالمنع منك بعدم قبولك إياه لأنه لا يلائم مزاجك، و لا يقبله انحرافك، فمنعه تابع امتناعك بل هو عينه، هذه خيرة العبد التي اختار لنفسه: "و ربُّك يخْلقُ ما يشاءُ ويخْتارُ ما كان لهُمُ الخِيرُة" [ القصص: 68] .

      الوقت/التاريخ الآن هو 9/11/2024, 17:54