..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثالث Empty12/9/2024, 18:39 من طرف Admin

»  كتاب اللطف الخفي في شرح رباعيات الجعفي - الشيخ عبد العزيز الجعفي الشاذلي
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثالث Empty12/9/2024, 18:25 من طرف Admin

» كتاب: نقض كتاب تثليث الوحدانية للإمام أحمد القرطبي
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثالث Empty12/9/2024, 18:23 من طرف Admin

» كتاب: الشيخ سيدي محمد الصوفي كما رأيته و عرفته تأليف تلميذه الأستاذ عتو عياد
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثالث Empty12/9/2024, 18:21 من طرف Admin

» كتاب تجلّيّات السَّادات ، مخطوط نادر جدا للشيخ محمد وفا الشاذلي
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثالث Empty12/9/2024, 18:15 من طرف Admin

» كتاب: النسوة الصوفية و حِكمهن ـ قطفها أحمد بن أشموني
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثالث Empty12/9/2024, 18:13 من طرف Admin

» كتاب: مرآة العرفان و لبه شرح رسالة من عرف نفسه فقد عرف ربه ـ ابن عربي
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثالث Empty12/9/2024, 18:09 من طرف Admin

» كتاب: إتحاف أهل العناية الربانية في اتحاد طرق أهل الله وإن تعددت مظاهرها - للشيخ فتح الله بناني
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثالث Empty12/9/2024, 18:06 من طرف Admin

» كتاب: مجموع الرسائل الرحمانية ـ سيدي محمد بن عبد الرحمن الأزهري
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثالث Empty12/9/2024, 18:04 من طرف Admin

» كتاب: المواقف الإلهية للشيخ قضيب البان و يليه رسالة تحفة الروح و الأنس ورسالة الأذكار الموصلة إلى حضرة الأنوار للبلاسي
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثالث Empty12/9/2024, 18:00 من طرف Admin

» كتاب: مجالس شيخ الإسلام سيدي عبد القادر الجيلاني المسماة جلاء الخواطر
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثالث Empty12/9/2024, 17:55 من طرف Admin

» كتاب: كيف أحفظ القرآن الكريم ـ للشيخ السيد البلقاسي
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثالث Empty12/9/2024, 14:40 من طرف Admin

» كتاب: الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية تفسير القرآن العظيم ـ للإمام سليمان الصرصري
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثالث Empty12/9/2024, 14:20 من طرف Admin

» كتاب: تربيع المراتب و الأصول .. نتائج أفكار الفحول من أرباب الوصول للشيخ إبراهيم البثنوي
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثالث Empty11/9/2024, 18:44 من طرف Admin

» كتاب: الوصول إلى معاني وأسرار القول المقبول ـ للشيخ عبد القادر بن طه دحاح البوزيدي
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثالث Empty11/9/2024, 18:42 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثالث

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68406
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثالث Empty كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثالث

    مُساهمة من طرف Admin 6/7/2020, 08:34



    الفقرة الثالثة :
    ( و اجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرم المرآة لا تراه أبدا البتة) قد ذكرنا بيانه آنفا في المتن السابق .
    ( حتى أن بعض من أدرك مثل هذا في الصور المرائي ذهب إلى أن الصورة المرئية) هي التي حالت بين الرائي و المرآة عند المقابلة هذا أعظم ما قدر عليه من العلم في الخبرة .
    و الأمر كما قلناه و قررناه و ذهبنا إليه و هو أنّ الإنسان يدرك صورة في المرآة و يعلم قطعا أنه أدرك صورته بوجه، و يعلم قطعا بلا مرآته ما أدركها بوجه لأنه يرى من الدقة و الرقة، إذا كان جرم المرآة صغير، أو يعلم أنّ صورته أكبر من التي رآه بما لا يتقارب .
    و إذا كان جرم المرآة كبيرا فيرى صورته في غاية الكبر، و يقطع إنّ صورته أصغر من ذلك و لا يقدر أن ينكر أنه ما رأى صورته، و يعلم أنه ليس في المرآة صورته، و لا هي بينه و بين المرآة، و لا هي انعكاس شعاع البصر إلى الصورة المرئية فيها من خارج سواء كان صورته أو غيرها، إذ لو كانت كذلك لأدرك الصورة على قدرها و ما هي عليه، فليس بصادق و لا كاذب في قوله: إنه رأى صورته .


    فما تلك الصورة المرئية؟ و أين محلها؟ و ما شأنها؟
    فهي منفية ثابتة، معدومة موجودة، معلومة مجهولة .
    أظهر الله سبحانه هذه الحقيقة الجزائية لعبده، ضرب مثال ليعلم أنه عجز و حار في محسوس مرئي مخلوق فهو بالخالق أعجز و أكثر حيرة .
    و هذا من البيان الذي قال رضي الله عنه، و قد بينا هذا في الفتوحات المكية ، ذكره في الباب الثالث و الستين منها .


    و ذكر في الباب السابع و العشرين و ثلاثمائة من الفتوحات:
    إنّ صورة الناظر في المرآة ما هي عينه، لا هي غيره ولكن حقيقة الجسم الصقيل مع النظر من الناظر أعطى هذه الصورة و لهذا يختلف باختلاف المرآة لا بالناظر، فالحكم في الصورة الكبرى لصورة المجلي لا للمتجلي .
    كذلك الصورة الإنسانية في حضرة الإمكان لما قبلت الصورة الإلهية لم تظهر على حكم المتجلي من جميع الوجوه فحكم عليها حضرة المجلي، و هو الإمكان بخلاف حضرة الواجب الوجود لنفسه، فظهر المقدار و الشكل الذي لا يقبله الواجب الوجود عند العقل و هو الناظر في هذه المرآة فهو من حيث حقائقه كلها هو هو، و من حيث مقداره و شكله ما هو هو و إنما هو من أثر حضرة الإمكان فيه، الذي هو في المرآة ينبوع شكلها في نفسها و مقدارها في الكبر و الصغر .

    و لمّا كان الظاهر بالصورة لا يكون إلا في حال نظر الناظر الذي هو المتجلي، لذلك نسبت الصورة إلى محل الظهور و إلى النظر.
    فكانت الصورة الظاهرة برزخية بين المحل و الناظر و لكل واحد منهما أثر فيهما، يخرج منهما اللؤلؤ و هو ما كبر من الجوهر و المرجان، و هو ما ضعر منه، و هو أثر الحضرة المرآتية الإمكانية لا أثر الناظر فلمّا أثر المجلي المتجلى فيه في الصورة الكامنة من الشكل و المقدار الذي لا يقبله المتجلي الناظر من حيث ما هو عليه في ذاته، و إن ظهر به حكم فذلك حكم عين الممكن في عين وجوده، فافهم .


    قال المصنف رضي الله عنه : (و إذا ذقت هذا ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق . فلا تطمع و لا تتعب نفسك في أن ترقى في أعلى من هذا الدّرج فما هو ثم أصلا، و ما بعده إلا العدم المحض .
    فهو مرآتك في رؤيتك نفسك، و أنت مرآته في رؤيته أسماءه و ظهور أحكامها .
    و ليست سوى عينه . فاختلط الأمر و انبهم فمنا من جهل في علمه . بل أعطاه العلم السكوت كما أعطاه العجز .
    و هذا هو أعلى عالم بالله، و ليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل و خاتم الأولياء، و لا يراه أحد من الأنبياء الرسل إلا من مشكاة الرسول الخاتم، و لا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه متى رأوه إلا من مشكاة خاتم الأولياء .
    فإن الرسالة و النبوة أعنى نبوة التشريع و رسالته تنقطعان، و الولاية لا تنقطع أبدا .
    فالمرسلون من كونهم أولياء لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء، فكيف من دونهم من الأولياء ؟. و إن كان خاتم الأولياء تابعا في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه و لا يناقض ما ذهبنا إليه، فإنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى. و قد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إليه في فضل عمر في أسارى بدر بالحكم فيهم و في تأبير النخل .
    فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل شي ء وفي كل مرتبة، وإنما نظر الرجل إلى التقدم في رتب العلم بالله: هنالك مطلبهم.
    و أما حوادث الأكوان فلا تعلق لخواطرهم بها، فتحقق ما ذكرناه .
    و لما مثل النبي صلى الله عليه و سلم النبوة بالحائط من اللبن، و قد كمل سوى موضع لبنة واحدة، فكان صلى الله عليه و سلم تلك اللبنة غير أنه صلى الله عليه و سلم لا يراها إلا كما قال لبنة واحدة .
    و أما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا فيرى ما مثله به رسول الله صلى الله عليه و سلم و يرى في الحائط موضع لبنتين و اللبنتان من ذهب و فضة. فيرى اللبنتين ينقص الحائط عنهما و يكمل بهما، لبنة ذهب و لبنة فضة فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين، فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين فيكمل الحائط).
    قال الشارح رضي الله عنه :
    ( فإذا ذقت هذا ): أي أدركت بطريق الذوق و الوجود: أي لا بمجرد العلم و العرفان: أي مقام التجلي الذاتي على صورتك: أي رؤية نفسك في الحق كأنك أنت و لا أنت، كأنه هو و لا هو .
    ( ذقت الغاية التي ليس فوقها غيره في حق المخلوق) و هي الحيرة الكبرى .

    كما قال الصديق الأكبر رضي الله عنه: العجز عن درك الإدراك، إدراك و بيان ذلك أنّ الحضرة التي وقعت الرؤية فيها برزخية خيالية و سلطانها من الألفاظ، كأنه أشار إلى هذا المعنى الحديث الشريف الذي يقول : " أن تعبد الله كأنك تراه".
    يعني: كأنك بكاف التشبيه هذه أتم من أن تراه بالنسبة إلى العابد لأنّ الرؤية تغطي الحجاب و الاثنينية، لا بد بخلاف كان، فإنّ فيها رائحة الكشف و بيان الواقع لأنه أمر برزخي بين فاصل، بين معلوم و مجهول، معدوم و موجود .
    و ليس ذلك إلا الخيال فإنك أدركت شيئا وجوديا بأن وقع بصرك عليه و تعلم قطعا بالدليل أنه ما ثم شي ء رأسا لأنّ كل شي ء هالك في ذاته و في نفسه و رأيت شيئا قد علمته أنه لا شيء، فأثبتت وجودا نفيه في حال إثباتك إياه في الخيال .
    كما قررناه في المثل المضروب في المرآة، فتقع في الرائي حيرة حتى نقول هل بهذا
    المرئي ماهية أولا ماهية له بل يرى العين كالسميائي، فإنه يرى رأي العين ما لا وجود له، مع أنه لا يلحقه بالعدم المحض .

    و قد أدرك البصر شيئا ما و لا بالوجود المحض، و قد علم باليقين أنه ما ثم شي ء و لا بالإمكان المحض لأنه حكمه غير محكم، لا مكان الناظر إلى الحرباء في اختلاف الألوان عليها .
    فذلك بعين الخيال بلا شك ما ما هو عين الحس، فأدركت الخيال كما في الحديث الشريف :
    " الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا" أخرجه ابن عساكر عن رضي الله عنه ذكره السيوطي في شرح الصدور .
    قال الشيخ رضي الله عنه: و قليل من يتفطن إلى هذا الإدراك.
    يعني: الخيال كما رئي جبريل بصورة (دحية الكلبي) و هم ما رأوه بعين الحسن و لكن شبه عليهم، و علم من علم و جهل .
    و إنما قال رضي الله عنه في حق المخلوق: ليخرج من يدرك الأشياء بالحق إمّا من قرب النوافل أو من قرب الفرائض أو منهما و هو مقام أو أدنى .
    و أما من يدرك الأشياء بحسب استعداده يقول بالغاية لأنه كشفه و رؤيته على قدر استعداده و لا يقول بالغاية إلا من يكون كشفه في اللوح المحفوظ، المعتكف على النظر فيه أو من كان كشفه في نظرته ما هو الوجود عليه، ثم يسدل الحجاب دونه و يرى التناهي، إذ كل ما دخل في الوجود متناه، فمن رأى الغاية قال بالرأي، و علق همته بالغاية .
    و هؤلاء أرباب الاستعداد الجزئية أو الكلية في الجملة، و لم يمكن لهم أن يقبلوا من الحق إلا ما يعطيه استعدادهم فحصل الاكتفاء بما قبله استعداد القابل، و ضاق المحل عن الزيادة من ذلك .
    و أما بالنسبة إلى المطلق التام، أين الغاية و الأمور كلها بدايات لا نهاية لها، و صاحب هذا التجلي كشارب ماء البحر، يقول: هل من مزيد؟ .

    قال أبو يزيد قدّس سره في هذا المشرب :
    شربت الحب كأسا بعد كأس ..... فما نفد الشّراب و لا رويت
    فإن قيل ورد في الخبر عن الكوثر : " إنه من شربه لا يظمأ أبدا".

    فقال : بالرائي.
    قلنا ذلك بالنسبة إلى نتائج الأعمال و قد وقفت إلى السدرة المنتهى، فرأى الرائي من هذا الوجه أما ترى صاحب أوسع الكشوفات أمر بأن يقول: رب زدني علما، فإن كل علم يعطي استعداد و علم آخر، و هلم جرا.

    فإذا أردت أن تميز بين المراتب:
    فاعلم أن الرؤية قد يكون الحق فيها بمنزلة المرآة للعبد و هو ناظر فيها، فلينظر ما يرى فيها من الصور، فإن رأى فيها صورة باطنة مشكلة بشكل جسدي مع تعقله، أنّ ثمة أمرا ما هو عينه فتلك صورة حق و أنّ العبد في ذلك الوقت قد تحقق، بأنّ الحق قواه ليس هو.
    و إن كان الحق هو المتجلي فيها الناظر إليها، فلينظر العبد من كونه مرآة ما تجلى فيه .
    فإن تجلى فيه ما يقيده بشكله، فالحكم للمرآة لا للحق، فإنّ الرائي قد يتقيد بحقيقة شكل المرآة من طول و عرض و استدارة و انحناء و كبر و صغر، فترد الرائي إليها و لها الحكم فيه، فيعلم أنه الحق الذي هو بكل شي ء محيط، فافهم، ذلك ذكره رضي الله عنه في بيان اسم السلام من حضرة السلامة .

    ( و لا تطمع) من حيث تقيدك بالصفات البشرية و تلبسك بالكمالات الجزئية، أكثر مما ذكرناه، فافهم .
    ( و لا تتعب نفسك في إن كثر في أعلى من هذا الدرج) لأنه فوق استعدادك المقيد المقيد، فما هو ثمة أصلا: أي ليس الحق هناك بل أنه معك حيث أنت، وأنت ما تتعدى استعدادك لا معه لأنّ الحق في نفس الأمر مع كل معتقد بل هو صورة كل معتقد و استعداد لا يتعدى عنه فأدرج نفسك و لا تتعب إنك معه كما هو معك، و إن لم يشعر بذلك .
    كما قال تعالى: "و فوق كُل ذِي عِلْمٍ عليمٌ " [ يوسف: 76] .
    و كما ورد في الخبر : " كلّ ميسّر لما خلق له" . خذ ما أتاك و كن من الشاكرين لعل بالشكر تزيد النعم فافهم .
    ( و ما بعده ): أي بعد الترقي بهذا الدرج المذكورة إلا (العدم المحض ): أي الخالص المطلق بلا شوب الوجود لا حق و لا خلق البتة، إنما أضاف رضي الله عنه العدم بالمحض حتى لا يطن الظان الطالب أنه العدم الإضافي فإن فيه مجال الطالب بخلاف العدم الصرف.

    و هو العدم المطلق ظلمة لا نور فيه، فلا تتعب الطالب المريد في الطلب فيها فافهم، فإذا علمت بل فهمت أن التجلي على قدر المتجلي، فهو مرآتك في رؤيتك نفسك، و أنت مرآته في رؤية أسمائه و ظهور أحكامها فيك و على قدرك لا تزيد و لا تنقص، و ليست سوى عينه مع أن الأمر ليس بخارج منك، بل أنت عينه لا غيره، فهو الرائي و هو المراد، و هو الصورة لا غير فيها .

    ( فاختلط الأمر ): أي أمر الوجود و أيهم فإنه لأحب لوائح القدم في صفائح العدم، فظهرت أشياء في مجالي الحق صورا في الوجود، فتداخلت الصفات و الأسماء الإلهية و الكونية، فأنبهم الأمر، و التفت الساق بالساق و صارت الحيرة الكبرى المساق .
    و بيان ذلك أنه لما صحّ على الحادث من حيث هو حادث أنه فقير متأخر، و أنه مرآة القديم الواجب في رؤية أسمائه .
    و على القديم أنه مرآة الحادث في رؤية نفسه: أي في بروزه له و ليس أحدهما غير الآخر من حيث الوجود، فاختلط الأمر (و أنبهم) على أهل الأفكار و العقول المعقولة، فقصروا عن هذا الإدراك، و هم لا يشعرون أن فضورهم من نسبة تجلي الذات لها باسم من أسمائها التي ظهر الكون بهم، و هو الاسم المانع، فبطن هذا العلم عنهم، فكان لهم غيبا .

    فلهذا قال رضي الله عنه: قمنا: أي من الكمل من جهل في علمه: أي علمه بأنه عينه، فقال: و العجز عن درك الإدراك بإدراك الحق الحيرة بالإدراك و العلم لأنه علم أنه لم يعلم، فلمّا علم من علوم مقام الحيرة لأهل التجلي، فأعطاه مقام العلم .
    ورد في الخبر الصحيح : " رب زدني فيك تحيرا".
    و لو لا التحير علم لما سأل صلى الله عليه و سلم الزيادة فيه لأنه أمر يقل رب زدني علما، هذا إذا كان الإدراك بمجرد الاستدلال أو بالتعريف الإلهي،
    و أما إذا كان يتجلى إلهي، إمّا من قرب النوافل أو قرب الفرائض فلم يعجز عن الإدراك .

    قال رضي الله عنه في الباب الخامس و الثلاثين و ثلاثمائة:

    فالقول بالعجز و إن كان هذا القدر هو المسمى بمعرفة الله، و لكن لوجودي بقوله صاحب هذا القول، فإنه لا يرى الله أبدا، كما لا يعلمه أصلا، إلا أنه يبدي له من الله ما لم يكن يحتسب و يعلم ما لم يعلم، و يرى ما لا يراه كما ورد في الأثر : " إنه يرى ما لا رأت عين"

    فإنه يرى و يعلم أنه هو، فإن الصحيح: إنه تعالى يعلم و يرى و لو بعد حين، و يتصف العبد بالعجز عن العلم به إلا من أخذ العلم بالدليل لا به .

    فلهذا قال رضي الله عنه: (و منا من علم و ذلك) من مقام المشاهدة التي هي الصمت و الخرس و السكوت، (فلم يقل مثل هذا ): أي بالعجز .
    ورد في الأثر الصحيح أنه قال صلى الله عليه و سلم: " إن الله ليلوم على العجز فأنل من نفسك الجهد فإن غلبت فقل توكلت على الله أو حسبي الله ونعم الوكيل ". الحديث رواه عوف بن مالك رضي الله عنه، ذكره في جمع الجوامع . والطبراني في مسند الشاميين
    و في حديث: "أحزان الله ليلوم على العجز قاتل من نفسك الجهد" الحديث . رواه أبو إمامة ذكره في جمع الجوامع لأنّ القول بالعجز دعوى القوة و المقابلة من حيث لم يشعر بل هذا مقام ليس له لسان لأنه من مقام توحيده إياه توحيده .
    و كما قيل: إنّ التوحيد بحر و الكلام ساحله، و توحيده الحقيقي توحيده لنفسه بنفسه من غير أثر لسواه إذ لا سوى هناك، فافهم .
    ( و هو على القول ): أي القول و الذهاب إلى ترك القول أعلى القول لأن المقام ما يعطي القول و الكلام، فإنه خروج عن المتصد
    بل أعطاه العلم بأنه عينه السكوت و هو العجز عن القول لا العجز عن الإدراك، فافهم .
    حتى تفرق بين العجزين عجز هو عين القوة، و عجز استفيد منه .
    كما ورد في الخبر: " أعوذ بك من العجز و الكسل". الحديث

    و إنما قال رضي الله عنه: السكوت و لم يقل: الصمت، و الخرس للمغلوب بخلاف السكوت فإنه لصاح قادر علىالكلام، و سكوته لحكمه أرادها، و كما أعطاه العجز : أي العجز عن درك الإدراك، فافهم .
    فإني ترجمان لسان الحقائق لا يقيدها بالعلل و الأعراض و لأنه نسبها بالأغراض و لا يتقيد بالإنكار و الأعراض .
    ( و هذا أعلى عالم بالله) لأنه علم الحق بعلمه بنفسه، فعلم ما في نفسه سبحانه كما علم ما في نفسه، و لم يصرح بالعجز لأنه ما حاول أمر العجز عن حمله و إدراكه، و كيف لا! و قد قال تعالى: "وما خلقْتُ الجِنّ والِإنس إلّا ليعْبدُونِ" [الذاريات: 56] .
    قال العارف بالله: أي ليعرفون كلامه إمّا للغاية وإمّا للحكمة، فلو كانت المعرفة محالة فلم تقع غاية الخلق مع أنه ورد في الحديث: " من عرف نفسه فقد عرف ربه".
    و أعرفكم بالنفس أعرفكم بالله، و أمثال هذا كثيرة في القرآن و الأحاديث .
    كما ورد في الحديث عنه صلى الله عليه و سلم : » انتقال أن هذا الأمر إلى الله فمن يسّره للهدى تيسر و من يسّره للضلالة كان فيها« رواه الواقدي و ابن عساكر عن سعد بن عمر و الهذلي مرسلا، ذكره السيوطي في جمع الجوامع .

    والضلالة هي: الحيرة كما ورد في القرآن: "إنّك لفِي ضللاك القدِيمِ" [ يوسف: 95]: أي حيرتك القديمة، فافهم .
    ( و ليس هذا العلم ): أي العلم الذي أعطي العالم به السكوت إلا لخاتم الرسل بالأصالة و خاتم الأولياء بالجمعية، و هو المعتني الفرد الذي انفرد بهذا العلم من أقرانه و إخوانه من المخمدين .
    ( و ما يراه ): أي العلم الذي يعطي السكوت، و هو العلم بأنه عينه أحد من الأنبياء و الرسل من حيث أنهم أنبياء و رسل إلا من مشكاة الرسول الختم، و لا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم هذه أسوة حسنة للخاتم في الخاتم .

    و ذلك من مقام باطن النبوة المحمدية و هي: الشعرة التي في خاتم الولاية من خاتم الرسل صلى الله عليه و سلم بل في ذلك يقع الميراث .

    قال رضي الله عنه في الفتوحات الباب التاسع والسبعون وثلاثمائة في معرفة منزل الحل والعقد والإكرام والإهانة ونشأة الدعاء في صورة الإخبار وهو منزل محمدي :
    ومن نور مشكاتهم عرفناه لأن الله رزقنا الاتباع الإلهي والاتباع النبوي.
    فأما الاتباع الإلهي فهو قوله تعالى "وهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ" فالله في هذه المعية يتبع العبد حيث كان فنحن أيضا تتبعه تعالى حيث ظهر بالحكم.
    فنحن وقوف حتى يظهر بأمر يعطي ذلك الأمر حكما خاصا في الوجود فنتبعه فيه .
    ولا نظهر في العامة بخلافه كسكوتنا عن التعريف به أنه هو إذا تجلى في صورة ينكر فيها مع معرفتنا به. فهو المقدم بالتجلي .
    وحكم الإنكار فنحن نتبعه بالسكوت وإن لم ننكر ولا نقر فهذا هو الاتباع الإلهي .
    وأما الاتباع النبوي الذي رزقنا الله فهو قوله "لَقَدْ كانَ لَكُمْ في رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ" [ الأحزاب: 21] .
    ثم إنه أتبعنا وتأسى بنا في صلاته إذا صلى بالجماعة فيكون فيها الضعيف والمريض وذو الحاجة فيصلي بصلاتهم فهو صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم المتبع والمتبع اسم مفعول واسم فاعل .
    ثم أمرنا أن نصلي إذا كنا أئمة بصلاة إلاضعف فاتبعنا الرحمن بما ذكرناه فنحن التابعون .
    واتبعنا الرحمن بما تعطيه حقائقنا من الاحتياج والفاقة فيمشي بما نحن عليه فنحن المتبوعون فانظر ما ذا تعطي حقائق السيادة في العبيد وحقائق العبادة والعبودية في السيادة .أهـ انتهى كلامه رضي الله عنه .

    ( حتى أن الرسل) الذين هم الأفضلون على الإطلاق إلا من مشكاة خاتم الأولياء لأنه خارج الولايات المحمدية و الهبات و العطايا الختمية، و كما عرفت أنه قد أحاط بكل شيء علما و وجودا بل هو عين الأشياء علما و وجودا لأنه تجلى له كل شي ء في كل شيء فعلم كل شيء بعلمه بنفسه، ثم يعلمه بنفسه علم الحق لأنه تعالى عين كل شيء .
    و قال خاتم الأولياء رضي الله عنه كما قال سيده خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم : " إنه تجلى له كل شيء فعرف كل شيء"
    كما ورد في الحديث بلفظه، فاستحق خاتم الخاتم بهذا الأمر بإتمام مكارم الأخلاق مع الله تعالى و هو إمام قد جعل الله تعالى أمور الخلق طرا بيده من خليفة إلى عريف و وضيع و شريف وصاحب و صاحبه ووالد ووالده و خادم ودابة وحيوان ونبات وجماد في ذات وصفات وجوهر وعرض.
    فراعى جميع ذلك مراعاة الصاحب في السفر و الخليفة في الأهل فما صرف الأخلاق الإلهية إلا في سيده .
    فلما كان بهذه المثابة قيل فيه ما قيل في خاتم الرسل: "و إنّك لعلى خُلقٍ عظِيمٍ" [ القلم: 4] فكان ذا خلق و لم يكن ذا تخلق .

    ذكر رضي الله عنه في الباب الرابع و الثلاثين و خمسمائة من الفتوحات:
    إنّ هذه الآية تليت علينا تلاوة تنزّل إلهي من أول السورة إلى قوله:"عتل بعْد ذلك زِنيمٍ" [ القلم: 13] عرّفنا الحق في هذه التلاوة المنزلة من عند الله في المبشرة التي أبقاها الله علينا من الوحي النبوي وراثة نبوية لله الحمد، ورثته فيها من قوله تعالى: "ولا تكُ في ضيْقٍ مِمّا يمْكُرون" [ النحل: 127] .
    و في قوله تعالى: "و لقدْ نعْلمُ أ نّك يضِيقُ صدْرك بما يقُولون" [ الحجر: 97] .
    و قوله تعالى: "فأعْرضْ عنْ منْ توّلى عنْ ذكْرنا ولمْ يردْ إلّا الحياة ُّ الدنيا" [ النجم: 29] .
    فشكرت الله على ما حققني به من حقائق الورث النبوي، و أرجو أن أكون ممن لا ينطق عن هوى نفسه، جعلنا الله منهم، فإنّ ذلك من عين العصمة الإلهية انتهى كلامه .
    ( فإنّ الرسالة و النبوة) أعني: نبوة التشريع ينقطعان بانقطاع النبي و الرسول و الولاية لا تنقطع أبدا، و هنالك الولاية لله الحق و بقاؤها ببقائه، و الله الولي الحميد فالأخذ من هذا الوجه: أي وجه الولاية لم ينقطع فالاستمداد دائم، و إمداد أتم فالأخذ يكون بواسطة أوسع التعينات فإنه باق ببقائه لا بإبقائه .
    فقوله رضي الله عنه: لا تنقطع أبدا: أي في الدنيا و الآخرة، أشار إلى رتبته السنية الذهبية الباقية فإنه ورد في الخبر: " إنّ الناس كالمعادن فمنهم من معدن الذهب و منهم من معدن الفضة"
    و غير ذلك لأنه حامل الأخلاق المحمدية و قيوم نواميس الأحمدية فلا تنقطع و لا تنسخ أبدا .
    و هو كما أشار رضي الله عنه: إنّ قطبا من الأقطاب المحمدي الحامل لوائه لا يموت أبدا و به قوام الدين المحمدي كأنه يشير إلى رتبة الخاتم، خاتم الولاية المحمدية الصرفة، فإنّ له رتبة الولاية الذهبية و لها البقاء، و أمثال هذا سائغ في التعريفات الإلهية .

    قال تعالى: " ولا تحْسبنّ الّذِين قتلوا في سبيلِ اللّهِ أمْواتاً بلْ أحْياءٌ عِنْد ربِّهِمْ يـرْزقون" [ آل عمران: 169] .
    و شائع في النبوات كإدريس عليه السلام رفعه الله مكانا عليا، و كعيسى عليه السلام رفعه الله إليه،وخضر عليه السلام فإنه حي يرزق، و أمثالها كثيرة.
    قال رضي الله عنه في الباب السادس و الستين و ثلاثمائة:
    وكذلك خضر واسمه بليا بن ملكان بن فالغ بن غابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام كان في جيش فبعثه أمير الجيش يرتاد لهم ماء وكانوا قد فقدوا الماء فوقع بعين الحياة فشرب منه فعاش إلى الآن وكان لا يعرف ما خص الله به من الحياة شارب ذلك الماء
    ولقيته بإشبيلية وأفادني التسليم للشيوخ وأن لا أنازعهم وكنت في ذلك اليوم قد نازعت شيخا لي في مسألة وخرجت من عنده . فلقيت الخضر بقوس الحنية فقال لي سلم إلى الشيخ مقالته.
    فرجعت إلى الشيخ من حيني فلما دخلت عليه منزله فكلمني قبل إن أكلمه وقال لي يا محمد أحتاج في كل مسألة تنازعني فيها أن يوصيك الخضر بالتسليم للشيوخ .
    فقلت له يا سيدنا ذلك هو الخضر الذي أوصاني؟ . قال نعم .
    قلت له الحمد لله هذي فائدة ومع هذا فما هو الأمر إلا كما ذكرت لك .
    فلما كان بعد مدة دخلت على الشيخ فوجدته قد رجع إلى قولي في تلك المسألة وقال لي إني كنت على غلط فيها وأنت المصيب .

    فقلت له يا سيدي علمت الساعة أن الخضر ما أوصاني إلا بالتسليم ما عرفني بأنك مصيب في تلك المسألة فإنه ما كان يتعين على نزاعك فيها فإنها لم تكن من الأحكام المشروعة التي يحرم السكوت عنها .
    وشكرت الله على ذلك وفرحت للشيخ الذي تبين له الحق فيها وهذا عين الحياة ماء خص الله به من الحياة شارب ذلك الماء ثم عاد إلى أصحابه فأخبرهم بالماء فسارع الناس إلى ذلك الموضع ليستقوا منه فأخذ الله بأبصارهم عنه فلم يقدروا عليه فهذا ما أنتج له سعيه في حق الغير .
    وكذلك من والى في الله وعادى في الله وأحب في الله وأبغض في الله فهو من هذا الباب. أهـ

    ( فالمرسلون من كونهم أولياء لا يرون ما ذكرناه ): أي الحق و فيوضه، إلا من مشكاة خاتم الأولياء كما كانوا يأخذون علوم الوحي من كونهم رسلا من جبريل أو من روح، و كما أخذ موسى في البقعة المباركة من الشجرة قال رضي الله عنه: إنّ الحكمة فيما أخذ بني رسول من الشجرة و تكون لسان حق و كلمة صدق أنه استضعف لقبول السامعين حيث إنهم يجوزون أخذ بني رسول من جماد و لا يرضون من الإنسان الكامل المسمى بالولي، أن يكون لسان حق مع أنه ورد في الخبر: إن الله قال على لسان عبده .
    و قال: إنّ الله قال على لسان ذلك إلا الجمود و الحسد على أبناء جنسه غير هذا إما يكون .
    ترى ما حكى لنا الحق حكاية خضر عليه السلام، و موسى عليه السلام، و هي إلا تنبيها له في هذه المسألة فإنّ موسى كليم الله و نبيه و رسوله، أخذ من خضر عليه السلام علما لم يكن عنده، و قال لموسى عليه السلام : " أنا على علم علمنيه الله تعالى لا تعلمه أنت " .
    و هذا عين ما نحن فيه و في صدد بيانه، بل إنه ما أظهر عنده عليه السلام إلا علم كون من الأكوان من علوم الكشف، و من أحوال المريد من أصحاب السلوك، فكيف لو كان من العلوم المتعلقة بالجناب الإلهي، أو من العلم المحكم أو المتشابه، بل إنه عليه السلام قال لبعض المحمّدين من الأولياء: إني عينت له عليه السلام ألف مسألة من هذا القبيل، فما صبر عن ثلاثة، فلهذا قال صلى الله عليه و سلم : " رحم الله أخي موسى لو صبر ". و هكذا الأمر ورد في الخبر الصحيح : " إن لله عبادا ليسوا بأنبياء و لا رسلا و يغبطهم الأنبياء "
    قال رضي اللّه عنه: و ذلك للعلوم التي عندهم.
    بل قيل: إن الأنبياء عليهم السلام كانوا يلحون أولياؤهم أن يدعوا لهم، و كان داود عليه السلام إذا عرضت له حاجة جاء بزهاد أمته المجاهدين، و أقامهم في محاريبهم، و وّكّل بكل واحد منهم صاحب مزمار ليقطع قلب المصلي بلذة نغمته عن الشواغل، حتى يتفرغ لحاجته عليه السلام فتسرع الإجابة.
    وهكذا نبينا صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نسأل له الوسيلة، وأمر صلى الله عليه و سلم عمر وعليا أن يسألا من أويس القرني رضي الله عنهم أن يدعو لهما و للأمة .
    و هذا كله عين ما قلناه من أخذ الفاضل من المفضول، بل إذا ثبت أن العلم تابع المعلوم، و المعلومات من حيث أعيانها تعطي العلم الصحيح بذواتها.
    فأنت قلت: إنه بالعلم متى، بحيث لم يشعر به، فكيف تستنكف بالخلق أن يقال فيه فاضل يأخذ من المفضول، و قد أثبت مثل هذا الأخذ في الإلهيات فافهم.

    (فكيف من دونهم من الأولياء ): أي إذا الأنبياء و الرّسل عليهم السلام من حيث بواطنهم، يأخذون من خاتم الخاتم مع شرفهم، و علو مقامهم، فكيف يسع من دونهم من الأولياء أن يستنكف من ذلك: "أكان للنّاسِ عجباً أنْ أوْحيْنا إلى رجُلٍ مِنْـهُمْ " [ يونس: 2].
    فإن قيل: قال الله تعالى في عبده: " وعلّمْناهُ مِنْ لدُنّا عِلْماً" [ الكهف: 65]، الظاهر أنه بلا واسطة .
    وأخبر الشيخ رضي الله عنه أن العبد يأخذ العطايا والمنح بلا واسطة بينه وبين الحق، بل من الوجه الخاص أطلق و لم يقيد، فكيف الجمع بينه و بين الذي قال الآن رضي الله عنه: إن العلم الذي يعطي السكوت خالصة للخاتمين خاصة، و لا يراه أحدا إلا من مشكاة خاتم الولاية المحمّدية، و غيرهما يأخذ من مشكاة ختم الختم عامة.
    قلنا: إن المراد من العطايا والمنح التي بواسطة وبلا واسطة هي العطايا الشيئية، ويكون علم خضر عليه السلام من
    جملتها أيضا، لا من الذي نحن إلا بصدد بيانه لأنه مخصوص بمحمد ومحمدي صرف صلى الله عليه وسلم.
    أو نقول: إن أخذ الأولياء على الإطلاق من مشكاة الخاتم لأنه تحقق بالعينية، و هو الفرض الذي انفرد من العالم، و هو ختم الدورة المحمّدية العامة التامة، و خاتم الدائرة الكلية الطامة، خرج من الذات و تحقق بالأسماء و الصفات، ثم رجع إلى ما خرج منه بأحدية سيره، و وترية نوره، و فردية رجعه و دوره.
    و من حيث صدوره من غيب ذاته إلى حضرة أسمائه و صفاته، لم يتعوق من حيث حقيقته و روحانيته في عالم من العالم، و لا في حضرة من الحضرات، شاهدا ما مرّ عليه، آخذا و معطيا، مفيدا و مستفيدا، هذا هو الفرض الذي انفرد بالوترية، فلهذا يحبه الله » فإنه وتر يحب الوتر «

    فهو من حيث التعيين الذاتي خازن الذاتيات و خاتمها، و من حيث الأسماء خازن، فإن هذا من الذي ما خطر على قلب بشر، و لله الأمر من قبل و من بعد، فما ظنك فيما بينهما فافهم .
    ( و إن كان خاتم الأولياء تابعا في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع )، و هو تابع متبوع، كما ذكرنا في خاتم الرسل و خاتم الأنبياء، فإنه تابع متبوع جميع الأنبياء عليهم السلام من حيث الإفاضة، و تابع ملة إبراهيم من حيث الاستفاضة، و إنه تأسى بنا في الصلاة بالجماعة و خفف، قيل: إن أبا طالب قال ذات يوم، كأنه رأى سرعة إجابة الدعاء من الله تعالى له صلى الله عليه و سلم، فقال :"ما أطوعك ربك يا محمد، فقال صلى الله عليه و سلم: إذا أطعته أطاعك يا عم الأمر"، هكذا فإن الولي من شدة الاتباع جعلته متبعا .

    قال رضي الله عنه: لو اتبع متبع السّنة في جميع أموره، و أحل بواحدة فيما أبيح له الاتباع فيه بلا ضرورة، فما اتبعه قط، و إنما اتبع هوى نفسه لأنه تعالى قال:"إنْ كُنْتمْ تحِبُّون اللّه فاتّبعوني يحببكم الله" [ آل عمران: 31]، فجعل الاتباع دليلا، وما قال في شيء دون شيء .

    و قال تعالى: " لقدْ كان لكُمْ في رسُولِ اللّهِ أسْوةٌ حسنةٌ" [ الأحزاب: 21]، وهو الاتباع، وكمال الاتباع أن يكون القرآن خلقه كما كان خلقه صلى الله عليه وسلم .
    قال رضي الله عنه في أول الفتوحات: لما شاهدته صلى الله عليه و سلم في مكاشفة قلبية في حضرة غيبية قال لي: "إن فيك شعرة مني لا صبر لها عني هي السلطانة في ذاتيتك، فلا ترجع إليّ إلا بكليتيك، فلا بدّ من الرجوع إليه ". انتهى كلامه رضي الله عنه .

    و بعد الرجوع فبقدر رجوعه إليه يكون رجوعه إليه، (فذلك ): أي كونه تابعا لما جاء به الرسول (لا يقدح في مقامه )، و هو البطون من الظهور المحمّدي، و الأخذ منه ظاهرا (لا يناقض ما ذهبنا إليه) لأن الباطن يأخذ من الظاهر ما ظهر من الأحكام لأن له أحكاما مختصّة بالظهور من مقام (حتى نعلم )، و الظاهر يأخذ من الباطن .

    ترى إشارة قوله تعالى:" يدُ اللّهِ فوْق أيدِيهِمْ " [ الفتح: 10]، و ما كان سوى يد محمد صلى الله عليه وسلم أنه الظاهرفي العالم بختم النبوة و الرسالة، و الباطن عنه بختم الولاية، فجمع الأول و الآخر، و الظاهر و الباطن، فلما ظهر له وجهان له يدان فقلنا ( من وجه يكون أنزل ): أي من حيث الأخذ، (كما أنه من وجه يكون أعلا) .
    ورد في الخبر أن : " اليد العليا خير من اليد السّفلى "
    ولا نعرف لها الخيرية سوى أنها معطية و السفلى آخذة، مع أن الآخذة كانت يد الرحمن، قال تعالى: " ألمْ يعْلمُوا أنّ اللّه هُو يقْبلُ التّـوْبة عنْ عِبادِهِ و يأخُذُ الصّدقاتِ" [ التوبة: 104] .
    ( وقد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إليه )، و هو أخذ الفاضل من المفضول، كما ظهر (في فضل عمر رضي الله عنه في أسارى بدر بالحكم فيهم) .
    حتى قال صلى الله عليه و سلم : " لو أنزل الله بلاء لهذا الحكم ما كان ينجو منه سوى عمر" ، و الحكاية مشهورة .
    قال تعالى: "وشاورهُمْ في الْأمْرِ" [ آل عمران: 159]، و ما كانت امتحانا لهم، قال صلى الله عليه و سلم :" إنما أنا بشر مثلكم"، و إن الظن يخطئ و يصيب، و لكن ما قلت: قال الله فلن أكذب على الله ". رواه ابن ماجه، و أحمد بن حنبل عن طلحة، ذكره الأسيوطي في جمع الجوامع.

    ( و في تأبير النخل )، قال : " أنتم أعلم بأمور دنياكم "
    . وأخذ الأنبياء عليهم السلام من أوليائهم: " ليس بمستنكر " ، كما يقع الشيخ أن يأخذ بعض الأمور من التلميذ، و مثل ما وقع للنبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لعمر رضي الله عنه : " أشكرني في دعائك، أو اجعلني في بالك" ، أو قريبا من هذه العبارة .
    وهكذا روي عن جابر بن عبد الله، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    فقال: «ناد في الناس: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة».
    فخرج فلقيه عمر في الطريق، فقال: أين تريد؟
    قلت: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا،
    قال: ارجع، فأبيت، فلهزني لهزة في صدري ألمها، فرجعت ولم أجد بدا.
    قال: يا رسول الله، بعثت هذا بكذا وكذا؟ قال: «نعم»، قال: يا رسول الله، إن الناس قد طمعوا وخشوا، فقال صلى الله عليه وسلم: «اقعد». رواه ابن حبان و الحكاية مشهورة .
    و ورد في الخبر أنه قال: "جبريل أقرأ عمر السلام، وأعلمه أن رضاه حكم، وغضبه عزّ".
    ، ذكره ابن عدي في الكامل عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، ذكره في جمع الجوامع .
    ( فما يلزم الكامل أن يكون له تقدم في كل شيء، و في كل مرتبة )، بلى و لا يمكن أن يكون كذلك لأن كل تجلي إلهي يختص بعلوم ليس في الآخر لأنه لا تكرار في التجلي، فبهذا الاعتبار كل شخص يختص بكمال شخصي ليس للآخر.
    فالتفاضل بين الخلق من هذا الوجه، عموم و خصوص من وجه، فالكل فاضل مفضول، فلا يقع التفضيل على الإطلاق أصلا. هذا مذهب أبي القاسم القسي، صاحب خلع النعلين .
    أما ترى صاحب علم واحد في فنه قد يكون أفضل من صاحب الفنون، فهذا أفضل في جميعته، و كلما قلناه في الملك و البشر.
    (و إنما نظر الرجال إلى التقدّم في رتبة العلم بالله هنالك مطلبهم) . أما ترى قوله صلى الله عليه و سلم في التأبير : "أنتم أعلم بأمور دنياكم "
    و قوله صلى الله عليه و سلم :" إذا أمرتكم بشي ء من أمر دنياكم فخذوه"

    ( و أما حوادث الأكوان فلا تعلق لخواطرهم بها )، قال رضي الله عنه: "إني قط ما طلبت من الله تحقيق حادث الأكوان، إلا أن يعلمني الله به ابتداء، لا عن طلب".
    ( فتحقق ما ذكرناه )، و هو أن أخذ العلم بالله لا يكون إلا ممن وراء الخاتم، و ما وراء الله المنتهى لأن الأمر مختوم، و الأخذ منه مختوم، "و ما ننِّزلهُ إلّا بقدرٍ معْلوٍم" [ الحجر: 21].
    والمؤمن بهم ينبغي أن يحقق ما قاله، و يعامل الموطن بما عامله به صاحب الكشف، و إلا ليس بمؤمن حقّا لأن لكل حقّ حقيقة، و ليست الحقيقة التي لكل حقّ إلا إنزاله منزلة المشهود المدرك بالبصر، حيث لو كشف الغطاء ما ازداد يقينا في العلم .

    ترى في الحديث حيث قال صلى الله عليه وسلم: » إن لكل حقّ حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟ فقال الرجل: كأني أنظر إلى عرش ربي بارزا" ففسّر الحقيقة بالرؤية والنظر، وجعله بـ (كأن )، فافهم .

    ( فلما مثل النبي صلى الله عليه و سلم النبوة بالحائط من اللبن، و قد كمل سوى لبنة، فكان صلى الله عليه و سلم لا يراها إلا كما قال: "لبنة واحدة ") لأنه صلى الله عليه و سلم رأى حائط النبوة قد انختم بها.
    و لا بدّ أن يكون أيضا لبنة فضة، فإنها مبطونة الذهب، و في ظهورها ذهبا فتنة للعموم، و مقام النبوة مقام رحمة عامة بلا فتنة و لا محنة، فلا يقضي سوى رحمة خالصة .
    أما ترى إجراء الله العادة في العموم المعاملة بالفضة عامة لأنها أقرب إلى القبول، بل يحتمل أن يكون بلدا وأناسا لا يقبلون الذهب في المعاملة وذلك لعدم الفهم، وعدم الفهم به.
    و هكذا أمر الولاية فإنها باطن النبوة، وصورة الفضة كصورة الشريعة، ظاهرها شريعة و باطنها حقيقة، ولو لا الشريعة وهي الصورة الفضية لانفضوا من حوله، وتركوه قائما، ولم يقبلوا إلا قليلا .

    "" أضاف المحقق : قال السيد مصطفى البكري في السيوف الحداد:
    اعلم أن الشريعة في الباب واللباب، التي تمدي إلى صواب الصواب، وأول واجباتها معرفة رب الأرباب على طبق السنة والكتاب، وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام: معرفة عوام و خواص، وخواص الخواص.
    فالأولى : معرفة ما يجب وما يجوز وما يستحيل في حقه تعالى، وكذلك في حق رسله، وهذه واجبة على كل مكلف؛ لئلا يشتبه عليه الحال فيقع في الخيال، وليسلم من ورطة التقليد في التوحيد.


      الوقت/التاريخ الآن هو 19/9/2024, 23:03