..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: (درة العشاق) محمد صلى الله عليه وسلم ـ الشّاعر غازي الجَمـل
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثاني عشر Emptyاليوم في 17:10 من طرف Admin

» كتاب: الحب في الله ـ محمد غازي الجمل
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثاني عشر Emptyاليوم في 17:04 من طرف Admin

» كتاب "قطائف اللطائف من جواهر المعارف" - الجزء الأول ـ إعداد: غازي الجمل
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثاني عشر Emptyاليوم في 16:59 من طرف Admin

» كتاب "قطائف اللطائف من جواهر المعارف" - الجزء الثاني ـ إعداد: غازي الجمل
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثاني عشر Emptyاليوم في 16:57 من طرف Admin

» كتاب : الفتن ـ نعيم بن حماد المروزي
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثاني عشر Empty7/11/2024, 09:30 من طرف Admin

» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (1) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثاني عشر Empty19/10/2024, 11:12 من طرف Admin

» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (2) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثاني عشر Empty19/10/2024, 11:10 من طرف Admin

» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (3) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثاني عشر Empty19/10/2024, 11:06 من طرف Admin

» كتاب: تحفة المشتاق: أربعون حديثا في التزكية والأخلاق ـ محب الدين علي بن محمود بن تقي المصري
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثاني عشر Empty19/10/2024, 11:00 من طرف Admin

» كتاب: روح الأرواح ـ ابن الجوزي
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثاني عشر Empty19/10/2024, 10:51 من طرف Admin

» كتاب: هدية المهديين ـ العالم يوسف اخي چلبي
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثاني عشر Empty19/10/2024, 09:54 من طرف Admin

» كتاب: نخبة اللآلي لشرح بدء الأمالي ـ محمد بن سليمان الحلبي الريحاوي
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثاني عشر Empty19/10/2024, 09:50 من طرف Admin

» كتاب: الحديقة الندية شرح الطريقة المحمدية - عبد الغني النابلسي ـ ج1
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثاني عشر Empty19/10/2024, 09:18 من طرف Admin

» كتاب: البريقة شرح الطريقة ـ لمحمد الخادمي ـ ج2
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثاني عشر Empty19/10/2024, 08:56 من طرف Admin

» كتاب: البريقة شرح الطريقة ـ لمحمد الخادمي ـ ج1
كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثاني عشر Empty19/10/2024, 08:55 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثاني عشر

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68495
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثاني عشر Empty كتاب: حكم الفصوص وحكم الفتوحات الشيخ الشريف ناصر بن الحسن الحسيني السبتي الكيلاني ـ 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثاني عشر

    مُساهمة من طرف Admin 6/7/2020, 09:26

    01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثاني عشر
    قال الشيخ قدس الله سره : [فلا تنسب إليه الأولية مع كونه الأول ولهذا قيل فيه الآخر. فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها. وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوليته، والأول في عين آخريته.]
    ( انتفت الأولية التي افتتاح الوجود عن عدم فلا ينسب إليه ): أي الأولية بهذا المعنى فهو افتتاح الوجود عن العدم مع كونه الأول و لكن بمعنى آخر، و هو كونه مبدأ لما سواه، كما أنّ آخريته عبارة عن كونه يرجع إليه عواقب الأمور .
    قال تعالى: "إنّ إلى ربِّك ُّالرجْعى" [ العلق: 8] .
    و قال: "وأنّ إلى ربِّك المُنْتهى" [ النجم: 42] .
    اعلم أنّ معقولية الأولية للواجب المطلق نسبة وصفية لا يعقل لها العقل سوى استناد الممكن إليه، فيكون أولا بهذا الاعتبار، و لو قدّر عدم وجود الممكن قوة و فعلا لانتفت هذه النسبة الأولية إذ لا تجد متعلقا .
    و أمّا معقولية الأولية للواجب الوجود بالغير نسبة سلبية عن وجود كون الوجوب المطلق، فهو أوّل بكل مقيد إذ يستحيل أن يكون هناك قدم لأحد فافهم .
    ( و لهذا ): أي لأن أوليته ليست أولية افتتاح الوجود من العدم .
    ( قيل فيه: الآخر فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد لا أنه لا آخر للممكن لأنّ الممكنات غير متناهية) لعدم تناهي الحقائق، و عدم تناهيها لعدم تناهي أعيانها الثابتة، وهي المعلومات الإلهية، والتناهي في المعلومات محال .
    قال رضي الله عنه في الباب الثالث و الثمانين و ثلاثمائة من "الفتوحات ": إني علمت أنّ في العالم من يقول بانتهاء علم الله تعالى في خلقه، و إنّ الممكنات متناهية و أنّ الأمر لا بد أن يلحق بالعدم و الدّثور، و يبقى الحق حقّا لنفسه و لا عالم .
    و رأيت بهذا قائلا بمكة المشرفة معتقدا له من أهل السوس من بلاد المغرب، حجّ معنا و خدمنا، و كان يصر على هذا المذهب حتى صرّح عندنا و لا قدرت على ردّه و لا أدري بعد فراقه هل رجع أو مات عليه؟
    و كان لديه علوم جمة و فضل إلا أنه لم يكن له دين، و إنما كان يقيمه صورة عصمة لدمه و ليس في الجهل أعظم من هذا الجهل، عصمنا الله و إياكم منه .
    ( فلا آخر لها ): أي دنيا و أخرى، إنما قلنا ذلك حتى لا يلزم الفساد المتوهم علينا فافهم .
    و إنما كان آخر الرجوع الأمر كله إليه) قال تعالى: "ألا إلى اللّهِ تصِيرُ الْأمُورُ" [ الشورى: 53] "و إليْهِ تُـرجعون" [ البقرة: 245] عمّ هذا النص الشريف ما حمد، و ما ذمّ و ما ثمّة إلا محمود، قال تعالى: "للّهِ الْأمْرُ مِنْ قبْلُ و مِنْ بعْدُ" [ الروم: 4] و هكذا الأمر، فافهم .
    ( بعد نسبة ذلك ): أي الأمر كالصفات على ما قررناه أنها تؤخذ بعد نسبة تلك الصفات (إلينا )، و بهذا يتحقق معنى الرجوع لأن الوجود و توابعه له تعالى بالأصالة .
    ( فهو الآخر في عين أوليته و الأول في عين آخريته ): أي إذا كان الأول و الآخر لهذين الاعتبارين المذكورين صحّ عند العقل أن يقول: إنه الأول في عين آخريته، و الآخر في عين أوليته، و لا جمع للأضداد التي لم تجتمع فإنّ له شروطا حتى يحكم العقل عليه بعدم الاجتماع منها: وحدة العين و وحدة النسبة و الاعتبار من جميع الوجوه، و في مسألتنا هذه أنه أوّل بمعنى: إنه مبدأ كل شيء و آخر كلّ شيء بمعنى رجوع كلّ شيء إليه، فجمع الأولية في عين الآخرية بالاعتبارين و لا ضد فافهم، فإذا عرفت هذا اعلم أنه .
    قال الشارح الجامي قدّس سره في بيان هذا المتن: جمع بإطلاق هويته بين الأضداد، و هو ظاهر بها أزل الآزال و أبد الآباد، انتهى كلامه .
    كأنه أعطي هذا القول حكم النص حيث قال: هو الأول و الآخر و الظاهر الباطن أنه الأول في عين الأول، في عين الآخرية، في عين الأولية، من جميع الأضداد التي يرميها العقل، و يراها صاحب الكشف بالشهود .
    و من هذا المذاق ما نقل عن الخراز قدّس سره: عرفت الله بجمع الأضداد لأنه لو كانت معقولية الأولية و الآخرية إلى الحق تعالى كمعقولية نسبتهما إلينا، لما كان ذلك مدحا في الجناب الإلهي و لا استعظمه العارف بالله و بحقائق الأسماء حتى قال: عرفت الله به ثم تلا: "هُو الْأوّلُ والْآخِرُ والظّاهِرُ والباطِنُ وهُو بكُل شيْءٍ عليمٌ" [ الحديد: 3] .
    فإنّ العبد يصل إذا تحقق بالحق إلى أن ينسب الأضداد من عين واحدة و نسبة واحدة كالحق تعالى و لا يختلف النسب، و هذا المدرك عزيز المنال، صعب الارتقاء، يتعذّر تصوّره على من لا أنس له بالعلوم الإلهية التي يعطيها الكشف و التجلي، ولا يخفي أنّ هذا ذوق غير الذوق الذي نحن في معرض بيانه .
    فإنّ الأولية في عين الآخرية اللتين نحن بصدد بيانهما ليس من عين واحدة و نسبة واحدة، حتى يكون من محالات العقل بل إنما ذكرها رضي الله عنه لتأنيس العاقل وصاحب النظر والفكر، فإنه ما يخالف ذوقهم وأصلهم .
    ثمّ لتعلم بعد ما علمت فيما تقدّم أنّ الأوصاف مشتركة، أراد رضي الله عنه أن ينبه بكيفية الاستدلال، فإنه تعالى أرانا آيات أسمائه وصفاته في العالم وفينا، و جعل فينا ما نعرفه به لنستدل بناءا عليه، و يتمكّن السالك من الوصول إليه فلو لم يصف نفسه بنعوتنا ما عرفناه، فهو المعروف في الحالين و الموصوف بالنعتين، و بهذا من كل شيء زوجين ليكون لأحد
    الزوجين العلو و التأثير و هو الذكر، و للآخر السفالة و الانفعال والتأثير وهو الأنثي ليظهر ما بينهما إذا اجتمعا وجود أعيان ذلك النوع على صورتهما .

    قال الشيخ قدس الله سره : [ثم لتعلم أن الحق وصف نفسه بأنه ظاهر باطن، فأوجد العالم عالم غيب وشهادة لندرك الباطن بغيبنا والظاهر بشهادتنا. ووصف نفسه بالرضا والغضب، وأوجد العالم ذا خوف ورجاء فيخاف غضبه ويرجو رضاه. ووصف نفسه بأنه جميل وذو جلال فأوجدنا على هيبة وأنس. وهكذا جميع ما ينسب إليه تعالى ويسمى به. فعبر عن هاتين الصفتين باليدين اللتين توجهنا منه على خلق الإنسان الكامل لكونه الجامع لحقائق العالم ومفرداته.]
    قال الشارح رضي الله عنه :
    ( ثم لتعلم إنّ الحق وصف نفسه بأنه ظاهر و باطن فأوجد العالم عالم غيب و شهادة) .
    قال الله تعالى: "هُو اللّهُ الّذِي لا إله إلّا هُو عالمُ الغيْبِ والشّهادةِ هُو الرّحْمنُ الرّحِيمُ" [ الحشر: 22] .
    و قال تعالى: "هُو الْأوّلُ والْآخِرُ والظّاهِرُ والباطِنُ وهُو بكُل شيْءٍ عليمٌ" [ الحديد: 3] فعلم المحقّقون من خاصته، و المعتني بهم من أهل قربه و كرامته بما كشف لهم، و أطلعهم عليه من أسرار وجوده أولا.
    وبما أخبر ثانيا: إنّ المراتب و إن كثرت فإنها ترجع إلى هاتين المرتبتين و هما الغيب والشهادة والحقيقة جامعة بينهما، فكل شيء له ظاهر، فهو صورته و شهادته وباطن، وهو روحه وغيبه.
    فنسبته جميع الصور على اختلاف أنواعها الخفية و الجلية إلى الاسم الظاهر المنعوت بالشهادة، ونسبة جميع المعاني و الحقائق المجردة التي هي أصول لما ظهر من الصور الجزئية المتعينة، أو أسباب و شروط كيف شئت؟
    قلت: إلى الغيب و الاسم الباطن، فإذا عرفت هذا .
    فنسبته جميع الصور على اختلاف أنواعها الخفية والجلية إلى الاسم الظاهر المنعوت بالشهادة، و نسبة جميع المعاني و الحقائق المجردة التي هي أصول لما ظهر من الصور الجزئية المتعينة، أو أسباب و شروط كيف شئت؟ قلت: إلى الغيب والاسم الباطن، فإذا عرفت هذا.
    فاعلم أنّ العالم عالمان ما ثم ثالث عالم يدركه الحس وهو: المعبر عنه بالشهادة، وعالم لا يدركه الحس وهو: المعبر عنه بعالم الغيب المطلق.
    فإن كان مغيبا في وقت للحسّ فلا يسمّى ذلك غيبا، و إنما الغيب ما لا يمكن أن يدركه الحس أصلا لكن يعقل بالعقل إمّا بالدليل القاطع، و إمّا بالخبر الصادق و هو إدراك الإيمان، فالشهادة مدركها الحس و هو طريق العلم ما هو عين العلم، و ذلك يختص بكل ما سوى الله ممن له إدراك حسّي، و الغيب مدرك العلم عينه فافهم .
    فهذا الغيب الذي أثبتناه: هو الغيب المطلق الحقيقي الذي لا يظهر لأحد أصلا و لا لمن ارتضى من رسول لأنه حضرة ذاته و هويته تعالت و تقدّست عن أن يحاط و أن يتعلق بها بها الإدراك أصلا من حيث هي هي، فإنه من المتفق عليه أن حقيقته لا تحاط بالعلم و لا تتقيد بالوصف، سبحانك! ما عرفناك حق معرفتك .
    و هذا القدر من المعرفة المتعلقة بهذا الغيب المطلق إنما هي معرفة إجمالية حاصلة بالكشف الأجليّ و التعريف الإلهيّ الأعلى الذي لا واسطة فيه غير نفس التجلي المتعين من هذه الحضرة الغيبية المطلقة الغير متعينة فالغيب المتعلق صار دليلا على الغيب المطلق لأنه الأصل، فالمتعين منه دليل عليه من حيث غير متعين، فكان هو الدليل و المدلول .
    قال تعالى إشارة إلى هذا المقام: أي الغيب المتعين المقيد عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا .
    قال تعالى: عالمُ الغيْبِ فلا يظهِرُ على غيْبهِ أحداً إلّا منِ ارتضى مِنْ رسُولٍ فِإنّهُ يسْلكُ مِنْ بيْنِ يديهِ ومِنْ خلْفِهِ رصداً "[ الجن: 26، 27] .
    و إنما قلنا بالغيب الحقيقي المطلق لأنه رضي الله عنه ذكره في الباب السابع و الأربعين و أربعمائة من "الفتوحات ": إن له في نفسه ما لا يصح أن يعلم أصلا هو الذي له بنفسه المشار إليه بقوله: "اللّه غني عنِ العالمِين" [ آل عمران: 97] .
    فقوله تعالى: "عالمُ الغيْبِ والشّهادةِ " [ الحشر: 22] أراد الغيب بالنسبة إلينا و إلا لا غيب له، و الذي هو غيب بالنسبة إلينا بحلم الشهادة له تعالى.
    أو نقول: إنه عالم الغيب أو عالم بأنه غيب لا يصح أن يعلم أصلا .
    قال رضي الله عنه: و هذا الذي نبهناك عليه من العلم بالله ما أظهرناه اختبارا و لكن حكم الخبر علينا، فتحفّظ و لا تغفل عنه فإنه يعلمك الأدب مع الله، انتهى كلامه رضي الله عنه .
    هذا هو الغيب الحقيقي و بقية الغيوب كلها إضافي، فافهم .
    فإن الإنسان إذا أراد إدراك الغيب و الشهادة الإضافيين اللذين نحن بصدد بيانهما، و أراد أن يتميز في علميهما، فينبغي ألا يقيد نفسه إلا بالله وحده و هو التقييد الذاتي الذي لا يصح له الإنفكاك عنه جملة واحدة و هي عبودية صرفة محضة لا تقبل الحرية أبدا .
    فإذا قيده بالله الذي "خلقهُ فقدّرُه ثمّ السّبيل يسّرُه" [ عبس: 19، 20] .
    فلا يقف إلا في البرزخ و هو المقام المتوهّم بين عالم الشهادة و الغيب مطلعا على الطرفين كأصحاب الأعراف فلا يخرج منها شيء إلا و هو مطلع عليه، فإذا وقف في هذا المقام و هو محل العثور على الطرفين.
    استشرف على الغيبين الغيب الذي يوجد منه، واستشرف على عالم الشهادة لأنه إذا وقف في المقام المتوهّم على أنه معتنى به حيث شغله الله تعالى بمطالعة الانفعالات عنه تعالى.
    و إيجاد الأعيان من قدرته تعالى، و اتصافها بالوجود في حضرة إمكانها، و ما أخرجها منها، و لا حال بينها و بين موطنها، و لكنه كساها خلقة الوجود و حلة الظهور، فاتصفت بهما بعد أن كانت موصوفة بالعدم مع ثبوت العين في الحالتين.
    و بقي الكلام في ذلك الوجود الذي كساه الحقّ فيك الآمر و هو كالصورة التي في المرآة ما هي عين الرائي و لا غير عينه، و لكنه المحلّ المرئي مع الرائي، والمواجهة أعطت هذا الحكم الذي تراه، فعلمت المرآة والرائي والصورة الحادثة بينهما، فأدركت بالغيب الباطن و بالشهادة الظاهر، وحصل المقصود .
    وهنا مبحث آخر وهو من لطائف العلم بالله، فأذكره لك :
    لا يفوتك علما فإنه ورد في الخبر : "إن أفضل الهدية و أكمل العطية الكلمة من كلام الحكمة يسمعها العبد ثم يعلمها أخاه خير له من عبادة سنة على نيتها" رواه تمام، و ابن عساكر رضي الله عنه، ذكره في جمع الجوامع .
    فاعلم أيدك الله و إيانا بروح منه أن العالم ينقسم إلى: ظاهر و إلى باطن .
    فـ (الظاهر) هو عالم الشهادة، و (الباطن) هو عالم الغيب، وقد سمّى الله تعالى الباطن بالأمر والظاهر بالخلق، وقال: "ألا لهُ الخلْقُ والْأمْرُ" [ الأعراف: 54] . وقال تعالى: " قلِ ُّالروحُ مِنْ أمْرِ ربِّي" [ الإسراء: 85] .
    فـ (عالم الأمر) هو عالم الغيب الذي هو الأسماء الذاتية، و يليها أمهات أسماء الألوهية و توابعها، و كل واحد منها حجاب عن الآخر، وصف نفسه تعالى باعتبار هاتين العالمين: أي الظاهر و الباطن، أو الغيب و الشهادة .
    بأن له الحجب النورية التي هي الأرواح، و الظلمانية التي هي الأجسام، فكل واحد منهما حجاب عن الآخر، فإذا اعتبرتهما خلقا و أمرا، و لطيفا و كثيفا إنما اعتبرتهما من حيث الأسماء، و هي سلسلة الترتيب و الوسائط المتكثرة .
    فبهذا الوجه يكثر الوجود و هو ظاهر الخلافة التي منه تكثر، و أمّا إذا اعتبرتهما أي العالمين الخلق الأمر، و إن شئت قلت:
    عالم الغيب و الشهادة حقّا أعني من الوجه الخاص زالت الكثرة و ارتفعت الوسائط، و ذلك باعتبار أن (الاسم) عين المسمّى، و (الذات) هي السارية في الكل كتعين الأسماء من حيث عدم التغاير، فاتحدّ الكل من حيث أن الساري في الكل هو الذات، فهذا باطن الخلافة، و التجلي منه تجلّ أقدس .
    و على هذا صحّ أن القرآن غير مخلوق من حيث ارتفاع الوسائط، و من حيث الإضافة إلى الاسم الذي عين المسمّى، فصحّ له الوحدة مع تكثر الألفاظ و الحروف و الآيات و السور، و بذلك تكثر في وحدته و لم يوصف بالمخلوقية مع التكثر لأنه ظهور الذات في المراتب بلا كيف.
    فالعالمان الغيب و الشهادة أو الخلق و الأمر إذا أضيفا إلى الذات بلا واسطة بطريق الوجه الخاص فهما واحد.
    و إذا أضيفا إلى الأسماء فالشهادة: الخلق، و الغيب: الأمر، فبهذا الاعتبار قلنا:
    إن الإنسان الكامل له الأخذ من الله تعالى بواسطة باعتبار الإضافة إلى الاسم، و بلا واسطة باعتبار الأخذ من الوجه الخاص.
    وإنما قلنا: الوجه الخاص لأنه مخصوص بالإنسان الكامل من دون الموجودات كالملك وغيره، فإن له الإطلاق في الأخذ و غيره لكل منهم مقام معلوم لا يتعدّون مقاماتهم و ذلك لأن الإنسان الكامل كل الوجود، فافهم .
    ( لندرك الباطن بغيبنا، و الظاهر بشهادتنا)
    فلمّا أراد تعالى ظهورنا بالصورة: أي بصورة الحق و لها الغيب و الشهادة، فأوجدنا ذا غيب و شهادة ذا جسم و روح فعالم الجسوم شهادتنا، و عالم الأرواح غيبنا فالكون كله جسم و روح و بهما قامت نشأة الوجود، فالعالم للحق كالجسم للروح فلا يعرف الحق إلا من العالم كما لا تعرف الروح إلا من الجسم .
    "" أضاف المحقق : قال سيدي محمد وفا في المعاريج: وأما الأرواح فإنها مخلوقة من النور الإفاضي العرشي، ولها التقدم في الخلق على الأجساد بألفي عام ما شهد به الخبر النبوي.
    وأما الأرواح النورانية السعيدة فإنها تعرج إلى مقامها العلى، ومحلها البهی، ضمنها لطيفي الجسم النوراني، والهيكل الإنسان.
    فأرواح السعداء ظاهرة أنوارها، باطنة نفوسها، مستهلكة الأجسام ضمن الأرواح، فالأجسام باطن الأرواح في دار البرزخ، ودار المحشر.
    وفي دار الدنيا جسم ظاهر ، والروح باطن.
    فالأرواح النورانية في داري الدنيا والبرزخ، يكشف بعضها بعضا، ويشهد بعضها البعض لما بينهن من المناسبة والتعارف.
    وقد نبه رسول الله على ذلك بقوله: «خلق الله الأرواح أجناد مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف».
    وكذلك النفوس في مجانستها و مناسبتها، فالأرواح أنوار للسعداء، وظلم للأشقياء، وأجسام السعداء منعمة بتنعيم نفوسها، وأجسام الأشقياء والعذاب مشترك بين النفوس والأجسام، وهذا ظهر لهذا، وهذا بطن هذا.
    فإنتشار البشرية ظهور صفات النفس الطبيعية، التي لا انفكاك للصفة الآدمية الإنسانية منها، ولا خروج لها منها، وهذا أمر الله تبارك وتعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقول : " قل إنما أنا بشر مثلكم فامتثل أمر ربه عز وجل وقال: "قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنا إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشتركين" (فصلت: 6).
    كما أمر "من الله عز وجل" قال صلى الله عليه وسلم ولم يقل: (إنما أنا بشر مثلكم).
    فهو مأمور ببلاغ ما ينزل إليه من ربه كما أنزل، من غير زيادة ولا نقصان.
    قال الله تبارك وتعالى: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا تهدي القوم الكافرين" [المائدة: 67] .
    فأجسام الأصفياء و المرسلين والأنبياء والصديقين والصالحين نورانية.
    و نفوس الأشقياء و أرواحهم وأجسامهم مظلمة، فإنها هابطة في الدركات إلى أسفل سافلين. ع?س نفوس السعداء؛ فإنها عارجة إلى عليين. فالطبيعة أثر الترابية، والبشرية أثر الطبيعة.
    فهي سماء الطبيعة، ولها النشور من الحشر بالخروج إلى فضاء البسط.
    فالحشر صفة قبض، والنشر صفة بسط.
    والله يقبض ويبسط فالنفوس بالتزكية تخرج من حشرها إلى نشرها البسطي النوري، والنفس الشقية ترد على عقبها، فتدس من نشرها، وتحشر في عوالم طبيعتها.
    قال الله تعالى: "قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها" [لشمس: 9، 10] . ""
    فإنا لما نظرنا فيه، و رأينا صورته مع بقائها تزول عنها أحكام كنا نشاهدها من الجسم و صورته من إدراك المحسوسات و المعاني، فعلمنا أن وراء هذا الظاهر معنى آخر هو الذي أعطى أحكام الإدراكات معرفتنا غيبنا بشهادتنا، و سمّيناه روحا لهذا الجسم الظاهر، و كذلك ما علمنا أن لنا أمرا يحرّك أرواحنا كما كانت الأرواح تحرّك أجسامنا و هو روح الأرواح يحكم فيها بما يشاء حتى نظرنا في أنفسنا، و عرفنا منها و بها ربنا .
    و بهذا أخبر الوحي النبوي : “من عرف نفسه فقد عرف ربه”.
    و قال تعالى: "سنريهِمْ آياتنا في الْآفاقِ وفي أنْـفُسِهِمْ حتّى يتبيّن لهُمْ أنّهُ الحق أولمْ يكْفِ بربِّك أنّهُ على كُل شيْءٍ شهِيدٌ" [ فصلت: 53] .
    حتى عرفنا الغيب بالغيب، و الشهادة بالشهادة، فمن جمع هذين العلمين فظهر بالصورتين، و علم علم الغيب و الشهادة قال تعالى: "وهُو بكُل شيْءٍ عليمٌ" [ الحديد: 3] .
    قال تعالى: "عالمُ الغيْبِ فلا يظهِرُ على غيْبهِ أحداً * إلّا منِ ارتضى مِنْ رسُولٍ فِإنّهُ يسْلكُ مِنْ بيْنِ يديهِ ومِنْ خلْفِهِ رصداً " [ الجن: 26، 27] .
    لتعلم أنه تعالى بالحكم الذي صحّت به الربوبية الموجبة للمكاسبة الرابطة بينه و بين خلقه أثر في العالم من الأحوال، فيتصف تعالى عند ذلك بالرضا و السخط .
    ( ووصف نفسه بالرضا و الغضب) و هما من الصفات التشبيهية لأن للعالم مع الحقّ أحكاما لو لا تعريفه إيانا ما عرفنا، و ذلك إذا اتبعنا رسوله فيما جاءنا به من الطاعة أحبنا و أرضيناه فرضي عنا .
    قال تعالى: "رضِي اللّهُ عنْـهُمْ ورضُوا عنْهُ وأعدّ لهُمْ جنّاتٍ تجْري تحتها الْأنهارُ خالدِين فيها أبداً ذلك الفوْزُ العظِيمُ" [ التوبة: . [100
    و إذا خالفوه و لم يمتثل أمره أخبر أنهم أسخطوه و أغضبوه، فغضب الله عليهم، فالرضى أثر الطاعة، و الغضب أثر العصيان، فافهم .
    ( وأوجد العالم ذا خوف و رجاء) بسبب المناسبة التي بينه و بين الحق و بها كان خلفا له و منسوبا إليه، فارتبط به تعالى ارتباط منفعل عن فاعل، فخرج العالم على صورته، فيتحوّل بتحولها فإذا تحوّلت بصورة الرضا أثرت فيه، فتحوّل بصورة النعيم، و إذا تحوّلت بصورة الغضب أثّ رت فيه فتحوّل بصورة العذاب .
    وهكذا الأمر في الوجود إنما غير الأسلوب المطلوب ههنا، وما قال: ذا رضا وغضب تنبيها على المقصود الأولى الذي هو بيان الارتباط من الجانبين حتى لا تنسى، أما ترى الأبيات الثلاث الآتية بعد هذا؟ فإنه ذكر فيها الارتباط، فافهم مع أن المقصود حاصل بهذا فيما نحن بصدد بيانه الآن و هو العلم به تعالى بالمقايسة لأن الرضا و الغضب لو لم يكن ذوق الراجي و الخائف فما خاف و ما ارتجى، فأثبت باللازم مع ملاحظة أخرى، فافهم .
    ( فأوجدنا على هيبة و أنس الهيبة) من أثر الجمال، و الأنس من أثر الجلال، و لما كان الجمال مهوبا، فأوجدنا قابلا للهيبة حتى نهاب منه، و لما وصف نفسه بالحياء من عبده إذا لقيه، فقام الحياء لله مقام الهيبة في مخلوق، فأوجدنا قابلا للأنس، و أرسل حجاب الجلال بيننا و بينه ليرتفع عنا أثر هيبة الجمال، و تكون النشأة جامعة للصفتين .
    هذا البيان بطريق اللف والنشر المرتبين على ذوق الشيخ رضي الله عنه، فإنه قال في بعض رسائله: إن أكثر هذا التصرف جعلوا الأنس بالجمال مربوطا، والهيبة بالجلال منوطا، وليس كما قالوه.
    وهو أيضا كما قالوه بوجه، وما ذلك إلا أن الجلال والجمال وصفان لله تعالى، والهيبة والأنس وصفان للإنسان، فإذا شاهدت حقائق العارفين الجلال هبت وانقبضت، وإذا شاهدت الجمال أنست وانبسطت فجعلوا الجلال للقهر، والجمال للرحمة، وحكموا في ذلك بما وجدوه في أنفسهم.
    و أريد إن شاء الله تعالى أن أبين هاتين الحقيقتين على قدر ما يساعدني به في العبارة، فأقول أولا: إن (الجدال لله تعالى) معنى يرجع إليه، و هو الذي يمنعنا من المعرفة به تعالى .
    و (الجمال) معنى يرجع منه إلينا، وهو الذي أعطانا هذه المعرفة وزنا "لنزن بها المعاني في" و التنزلات و المشاهدات و الأحوال .
    و له فينا أمران: الهيبة و الأنس، و ذلك أن لهذا الجمال علوّا و دنوّا فـ (العلوّ ) يسمّيه جلال الجمال، و فيه يتكلم العارفون، و هو الذي يتجلى لهم، و يتخيلون أنهم يتكلمون في الجلال الأوّل الذي ذكرناه، و هذا جلال الجمال قد اقترن معه منا الأنس .
    و الجمال الذي هو الدنو قد اقترنت معه منا الهيبة، فإذا تجلى لنا جلال الجمال أنسنا، و لو لا ذلك لهلكنا، فإن الجلال و الهيبة لا يبقى لسلطانهما شيء، فقابل ذلك
    الجلال منه بالأنس منا لتكون في المشاهدة على الاعتدال حتى نفعل ما نرى، و لا نذهل، و إذا تجلى لنا الجمال متنا فإن الجمال مباسطة الحق لنا، و الجلال عزته عنا، فيقابل بسطه معنا في جماله بالهيبة، فإن البسط مع البسط يؤدي إلى سوء الأدب، و سوء الأدب في الحضرة سبب الطرد و البعد .
    و لهذا قال المحققون ممن عرف هذا المعنى و حضره: قف على البساط و إياك و الانبساط!
    فكشف أصحابنا صحيح، و حكمهم بأن الجلال يقبضهم و الجمال يبسطهم غلط، و إذا كان الكشف صحيحا فلا نبالي فهذا هو الجلال و الجمال كما تعطيه الحقائق، انتهى كلامه رضي الله عنه .
    أو نقول بعكس الأول أنه أوجدنا على هيبة حتى نرى عظمة الجلال تدركنا الهيبة لما نرى أنفسنا عليها من الافتقاد و البعد عن إلتفات ما يعطيه مقام العظمة، و من هذه الحضرة كانت الألوهية،
    فيعلم سرنا لما فينا من نسبة الباطن، و جهرنا لما فينا من نسبة الظاهر، فعظم ذلك في نفس الرائي .
    أما الأنس فلأن السامع إذا أخذ الجلال على العظمة أدركه القنوط عن اللحوق لما يرى في نفسه الافتقار و البعد، فيزيل الله هذا القنوط عن وهمه بظهور الجمال، فإنه جميل يحب الجمال، فجامل و وهب و أعطى و جاد و امتنّ به من جزيل الهبات و المنح، و آنسه فاستأنس به فأزال الله حكم القابض و نسخه بحكم الباسط و ظهر بصورة كل شي ء إلى عباده في طلب الكرم منهم إلى الظهور بصفة الحاجة و أيّ أنس أكبر من هذا! فافهم .
    و الجميل يتبع الجليل و يلازمه، قال تعالى: "و يبقى وجْهُ ربِّك ذو الجلالِ والِإكْراِم" [الرحمن: 27] .
    قال تعالى: "تبارك اسْمُ ربِّك ذِي الجلالِ والِإكْراِم" [ الرحمن: 78] ربما يجدون في نفوسهم حرجا، و هيبة من عظمة الجليل، فإن الله أحرجهم بإقران الجميل و الأنس و الإكرام بالجلال اعتناءا بهم فلهذا قارن رضي الله عنه بين الجمال و الجلال و أحكامهما، و قدّم الهيبة و أخرّ الأنس لأن الاعتبار بالخواتيم، فافهم .
    ( و هكذا جميع ما ينسب إليه تعالى) و يسمّى به من الأسماء المتقابلة، و أوجد فينا مثلها، و بين لنا أن في أرض العالم نجدين نجد التنزيه، و نجد التشبيه و هما عالمان متقابلان في العلوّ، و إن لكل سرّ في العالم وجهين بحكم القبضين من اليدين، و لا بد من الدارين، و لا بد من برزخ بين كل اثنتين .
    قال تعالى: "ومِنْ كُل شيْءٍ خلقنا زوْجيْنِ" [ الذاريات: 49] لأنه مخلوق عن صفتين إرادة و قول و هما اللذان شهدهما كلّ مخلوق من الحقّ، فإن العالم نتيجة، و النتيجة لا تكون إلا عن مقدمتين و هذا هو التناسل كوجود الابن بين الأبوين على صورة الأبوين، فافهم .
    و هذا كله حتميّ بنا لا بأمر خارج عنا لأن الشيء لا يعرف إلا بما به الاشتراك إلا بما به الامتياز، فافهم .
    ( فعبر عن هاتين الصفتين و النسبتين المتقابلتين) تقابل تنزيه و تشبيه باليدين، و ما هو إلا عين جمعه بين الصورتين صورة العالم، و صورة الحق و هما يد الحق إذ بهما يتمّ الوجود و تكمل الأفعال و الآثار للربوبية، كما باليدين يتمكّن الإنسان من الأخذ و المنع.
    قال تعالى: "يداهُ مبْسُوطتانِ" [ المائدة: 64]: أي في العطاء و المنع .
    و في الحديث : "الصدقة تقع في يد الرحمن" . كناية عن الأخذ و القبول اللتين توجهتا منه أي: من الحق تعالى . ( على خلق الإنسان الكامل) .
    قال تعالى: "ما منعك أنْ تسْجُد لما خلقْتُ بيديّ أسْتكْبرْت أمْ كُنْت مِن العالين" [ ص: 75] .
    و إنما خصّ الإنسان الكامل لأن غيره ما خلق إلا بقول (كن فكان) كالملائكة عليهم السلام .
    ورد في الحديث الصحيح : " إنّ الملائكة عليهم السلام قالوا: ربنا خلقتنا و ما خلقت بني آدم فجعلتهم يأكلون الطعام و يشربون الشراب و يلبسون الثياب و يأتون النساء و يركبون الدواب و ينامون و يستريحون و لم تجعل لنا من ذلك شيئا، فاجعل لهم الدنيا و لنا الآخرة.
    فقال تعالى: لا أجعل من خلقته بيدي و نفخت فيه من روحي كمن قلت له كن فكان" رواه ابن عساكر .
    اعلم أن للحق في مشاهدة عباده إياه نسبتين: نسبة تنزيه، و نسبة تشبيه فنسبة التنزيه تجليه في: "ليس كمِثلهِ شيْءٌ" [ الشورى: 11].
    و النسبة الأخرى تجليه في قوله صلى الله عليه و سلم : "إن تعبد الله كأنك تراه".
    و قوله صلى الله عليه و سلم : "إن الله في قبلة المصلي".
    و قوله تعالى:" فأينما تولُّوا فثمّ وجْهُ اللّهِ" [ البقرة: 115] ذاته .
    و الأحاديث الواردة لو لم تستصحب بمعانيها الموضوعة لها المفهومة من الاصطلاح، فما معنى قوله تعالى: " و ما أرسلْنا مِنْ رسُولٍ إلّا بلِسانِ قوْمِهِ" [ إبراهيم: 4].
    فما وقعت الفائدة بذلك عند المخاطب لها خصوص العموم من الناس، فإذا تقرّر عندك هاتين النسبتين للحق المشروعتين و أنت المطلوب بالتوجّه بقلبك و بعبادتك إلى هاتين النسبتين، فلا تعدل عنهما إن كنت ناصحا نفسك.
    فإن الإنسان ما جمع الحقائق المذكورة إلا بهاتين النسبتين، فلمّا توجّهت هاتان النسبتان فخرج بنو آدم لهذا على ثلاث مراتب :
    ( كامل) و هو الجامع للنسبتين.
    أو (واقف) مع دليل عقله و نظره و فكره و هو المنزه خاصة.
    أو (مشبه) بما أعطاه اللفظ الوارد، و لا رابع لهم .
    فـ (الاعتدال و الكمال) هو القول بالأمرين و الاتصاف بالوجهين أعني الظهور بحقائق الأسماء الإلهية الوجوبية في حقائق الصفات الكونية على الكشف و العيان، فلا تزال حقيته في خليقته حاكمة على خليقته شهودا و كشفا بل ذوقا محقّقا .
    و أما (الانحراف) فإمّا تنزيه، و إمّا تشبيه فهو لا جهلوا و هو لا جهلوا، حيث فاز بالحق أهل الاعتدال، فافهم أمة وسط بين غنى و فقر لا يتركه الفقر أن يطغى، و لا يتركه الغنى أن يغنى فقد تعرى بهذين الحكمين عن هاتين الصفتين، أما ترى أنه تعالى جعل له عينين لينظر بالواحدة إلى الغنى الذاتي من كونه غنيا عن العالمين فلا يراه في شيء لأنه لا يرى شيئا، بل و لا يرى نفسه كما في التجلي في لا شيء، فإن المقام مقام فناء كل شيء كان ما كان، و هذا هو الغنى الذاتي، و هو نهاية الكامل، و حظه في الاتصاف بالصفات التنزيهية.
    و ينظر بالعين الأخرى افتقاره الذاتي إلى كلّ شيء من حيث ما هي الأشياء، أسماء الحق تعالى لا من حيث أعيانها، فلا يرى أفقر من نفسه إلى العالم لأنه مسخرته، ولو لا افتقاره إليه لما سخر له لأن المسخر حكيم عليم، و هو نهاية الكامل، وحظه في الاتصاف بالصفات التشبيهية فإذا اتصفت فقلدت ربك منزها مشبها و كل ذلك أنت لأنهما تجليان إلهيان وأنت جامعهما .
    ( لكونه الجامع لحقائق العالم و مفرداته) اللام تعليل المتوجّه باليدين لأن الإنسان الكامل بجميع حقائق العالم، وهي الأمور الكلية المعقولة التي لها الآثار، و الأحكام على مفردات الأعيان الخارجية لأن أحدية جمع الجميع علما و عينا .
    قال رضي الله عنه في "الفتوحات": إن الحقائق التي جمعها الإنسان فكان من جمعيتها الإنسان انتهى كلامه رضي الله عنه.
    فجمع له بين يديه، و أعطاه جميع نسبته و تجلى له في الأسماء كلها جماليا، و لكن لا يعلم ذلك إلا الراسخون، إن الراسخ في العلم والكشف يرى و يعلم أن العلم بأنواعه و أفراده أجزاؤه .
    و مع هذا واحد في نفسه و أحديته، ولم يحكم عليه النسب بالتعداد الانقسام في ذاته من حيث حقيقته و لطيفته، و يقابل بذاته الحق من حيث نسبته التنزيهية، وبذلك الوجه يقابل الحق تعالى من حيث التشبيه و لا له وجهان متغايران كالحق سبحانه أنه الموصوف بهاتين الصفتين، و هو واحد في نفسه و أحديته و هذا الكمال المطلق متفاوت بين الأنبياء الأولياء من الأناسي صلوات الله عليهم أجمعين المستغرق له في كل عصر بالذات، والمرتبة و العلم، والحال و الفعل في جميع الأسماء و الصفات الإلهية، و الحقائق الكونية، و الأحكام الكلية و الجزئية .
    فجمع له بين يديه، و أعطاه جميع نسبته و تجلى له في الأسماء كلها جماليا، و لكن لا يعلم ذلك إلا الراسخون، إن الراسخ في العلم و الكشف يرى و يعلم أن العلم بأنواعه و أفراده أجزاؤه و مع هذا واحد في نفسه و أحديته، و لم يحكم عليه النسب بالتعداد الانقسام في ذاته من حيث حقيقته و لطيفته، و يقابل بذاته الحق من حيث نسبته التنزيهية.
    و بذلك الوجه يقابل الحق تعالى من حيث التشبيه و لا له وجهان متغايران كالحق سبحانه أنه الموصوف بهاتين الصفتين، و هو واحد في نفسه و أحديته و هذا الكمال المطلق متفاوت بين الأنبياء الأولياء من الأناسي صلوات الله عليهم أجمعين المستغرق له في كل عصر بالذات، و المرتبة و العلم، و الحال و الفعل في جميع الأسماء و الصفات الإلهية، و الحقائق الكونية، و الأحكام الكلية و الجزئية .
    و هو من حيث أنه برزخ البرازخ الجامع بين الغيب الذاتي المطلق الواجب و بين أحكام الألوهية و الكونية و الإمكانية هو خليفة الله و خليفة الخليفة المسمّى ب (القطب) و لمن دونه تكون الخلافة على قدره و يشير إليه قوله صلى الله عليه و سلم : "كلكم راع" الحديث فافهم .
    فالعالم و هو ما سوى الله تعالى على اختلاف أنواعه و أشخاصه روحا و مثالا و جسما شهادة لأنها من أحكام الظاهر، و الخليفة من حيث أنه خليفة لا من حيث أنه إنسان غيب حقيقيّ من أحكام الباطن لأنه سرّ العالم.
    والسر من ثنائه أن يكون غيبا. فلو ظهر لم يكن سرا حقيقيا، و قد قلنا أنه سرّ العالم و هو أحدية جمعه و هو روح العالم و مدبره و هويته لا تزال غيبا "فلا يظهِرُ على غيْبهِ أحداً" [ الجن: 26] أبدا .
    هذا وهنا إشارات لا يمكن إظهارها، وأسرار لا يقبل إبرازها، ومن هذا المقام ما ورد عن بعض المجاذيب العقلاء: إنه سكر و باح و قال: أما عرفته؟ وأمّا هو ما أعرفه هل عرفني أم لا؟
    يشير إلى هذا الغيب المطلق، فافهم .
    فهو يعلم غيب ربه، يعلم غيبه بنفسه، فمن عرف نفسه فقد عرف ربه .
    قال تعالى: "عالمُ الغيْبِ فلا يظهِرُ على غيْبهِ أحداً . إلّا منِ ارتضى مِنْ رسُولٍ فِإنّهُ يسْلكُ مِنْ بيْنِ يديهِ ومِنْ خلْفِهِ رصداً" [ الجن: 26، 27] .
    قال تعالى: "وعلّم آدم الْأسْماء كُلّها" [ البقرة: 31] و منها (الاسم الباطن)
    و هو الغيب، و لهذا: أي لأجل عزة المرتبة بحجب السلطان لأن المرتبة أمر اعتباريّ لا عين لها في الخارج، فهو مستور عن أعين الشهادة لعزة المنصب بالمشاكلة .

      الوقت/التاريخ الآن هو 9/11/2024, 17:26