الشريعة والهوى
جاء في الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ»؛ والحديث فيه كلام عند أهل الحديث، من حيث الإسناد؛ فمنهم من صححه ومنهم من حسنه ومنهم من ضعّفه. لكنّ معنى الحديث صحيح، لا يختلف في ذلك اثنان.
والهوى هو ميل القلب إلى الشيء من الخير أو الشر؛ فكأن القلب خلق على الاعتدال، فحدث له الهوى؛ فكان الحكم عليه بما هوى إليه. فهو في المعنى، كقول الله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} [البقرة: 213]. فلولا النبيون، ما انماز الأخيار من الأشرار. وقد غلبت تسمية الهوى على الميل إلى الشهوات، لكثرة حدوثه في الناس. ومنه قول الله تعالى: {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات: 40]؛ فهو تخصيص في معنى الهوى، بسبب الشيوع.
وأما دلالة الحديث على صيرورة الهوى تابعا للشريعة، فهو علامة على كمال الإيمان. ولا يكون هذا، حتى يصفو القلب من كل النوازع النفسية التي حض الشرع على الانتهاء عنها. وهذا لا يتم إلا بعد التخليص الذي يكون نتيجة للتزكية. وإذا وصل القلب إلى حال الصفاء، وانتفى الهوى بالمعنى المذموم، عاد إلى حال الاعتدال الأول، وتخلص من الجاذبية الأرضية (بالمعنى الباطن). فإذا بلغ هذه الحال، صار حر الحركة، يميل حيث أشار عليه العقل. والعقل لا يشير أبدا إلا باتباع الشرع، حيث تمام تحصيل النفع.
والمعنى المُبطَن في الحديث، هو أن العمل الشرعي الذي يكون صحيحا من حيث الصورة، يُمكن أن يكون محمولا على الهوى، فيفسُد على صاحبه. وهذا كثير الحدوث. والمريدون (كسائر الناس) معرّضون لهذا الانحراف، بسبب عدم خلوصهم؛ لذا وجب عليهم تمحيص بواطنهم بالمراقبة أو بالرجوع إلى الشيخ. ومن هذا الباب، كل الآفات التي دخلت على الأمة، والتي كانت السبب في بعدها عن الحق، ودخولها في دائرة الفتن.
يتضح مما سبق، أن العمل وفق الشرع يتطلب علما خاصا، زيادة على العلم بالأحكام الأصلي؛ وغياب هذا العلم في زماننا، هو ما يجعل بعض الأغرار يقعون في المنكر، وهم يتذرعون بالحرص على موافقة الشرع. ومن ذلك الجهاد الذي صار قتلا للناس بغير حق؛ وتكفير الناس الذي يستبطن الربوبية وغمط الناس؛ واحتقار المسلمين بدعوى النيابة عنهم في الفهم والاختيار. كل هذا، أصبح وبالا على الأمة، وهي لا تستطيع إنكاره جل الأحيان، بسبب تلبُّسه في الظاهر بصورة الشرع، رغم أن حقيقته هوى.
وأهل النور الذين ينظرون بنور الله، لا تنطلي عليهم هذه التلفيقات، ويرون قبيح باطنها من أول نظرة، فيُحذّرون منها. فإذا وقع منهم ذلك، ظن المحجوب أنهم يُخالفون الشريعة، فبادر إلى تبديعهم وإلى تفسيقهم؛ فحُرم خيرهم، وربما تسبب في حرمان غيره أيضا.
وأما علامة أن يبلغ العبد مرتبة أن يكون هواه تبعا للشرع، فهو فناء نفسه بالكلية، بحيث يصير أجنبيا عنها، يشاهدها من خارج كما يشاهد غيره من الناس؛ ويكون الله هو متولي قلبه وهواه، فيصرفه إلى ما أمر به سبحانه، فضلا منه ومنة. وهذا هو معنى الولاية. وكما أن الهوى قد يلبس صورة الشرع، كما سبق أن ذكرنا، فكذلك قد يكون الشرع حيث صورة الهوى أحيانا. فإذا نظر الغافل العبد الرباني، على غير ما يعلم من صورة الشرع، ظنه تابعا لهواه؛ وهو في الحقيقة مع الشرع الذي تحت صورة الهوى. وهذا باب واسع من العلم، لا يدخله إلا أهل النور. ونحن إنما أشرنا إلى أصوله، ليتنبه العباد إلى كون الأمر لا ينحصر فيما يُعلم بالاشتراك.
{وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [الأحزاب: 4].
جاء في الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ»؛ والحديث فيه كلام عند أهل الحديث، من حيث الإسناد؛ فمنهم من صححه ومنهم من حسنه ومنهم من ضعّفه. لكنّ معنى الحديث صحيح، لا يختلف في ذلك اثنان.
والهوى هو ميل القلب إلى الشيء من الخير أو الشر؛ فكأن القلب خلق على الاعتدال، فحدث له الهوى؛ فكان الحكم عليه بما هوى إليه. فهو في المعنى، كقول الله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} [البقرة: 213]. فلولا النبيون، ما انماز الأخيار من الأشرار. وقد غلبت تسمية الهوى على الميل إلى الشهوات، لكثرة حدوثه في الناس. ومنه قول الله تعالى: {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات: 40]؛ فهو تخصيص في معنى الهوى، بسبب الشيوع.
وأما دلالة الحديث على صيرورة الهوى تابعا للشريعة، فهو علامة على كمال الإيمان. ولا يكون هذا، حتى يصفو القلب من كل النوازع النفسية التي حض الشرع على الانتهاء عنها. وهذا لا يتم إلا بعد التخليص الذي يكون نتيجة للتزكية. وإذا وصل القلب إلى حال الصفاء، وانتفى الهوى بالمعنى المذموم، عاد إلى حال الاعتدال الأول، وتخلص من الجاذبية الأرضية (بالمعنى الباطن). فإذا بلغ هذه الحال، صار حر الحركة، يميل حيث أشار عليه العقل. والعقل لا يشير أبدا إلا باتباع الشرع، حيث تمام تحصيل النفع.
والمعنى المُبطَن في الحديث، هو أن العمل الشرعي الذي يكون صحيحا من حيث الصورة، يُمكن أن يكون محمولا على الهوى، فيفسُد على صاحبه. وهذا كثير الحدوث. والمريدون (كسائر الناس) معرّضون لهذا الانحراف، بسبب عدم خلوصهم؛ لذا وجب عليهم تمحيص بواطنهم بالمراقبة أو بالرجوع إلى الشيخ. ومن هذا الباب، كل الآفات التي دخلت على الأمة، والتي كانت السبب في بعدها عن الحق، ودخولها في دائرة الفتن.
يتضح مما سبق، أن العمل وفق الشرع يتطلب علما خاصا، زيادة على العلم بالأحكام الأصلي؛ وغياب هذا العلم في زماننا، هو ما يجعل بعض الأغرار يقعون في المنكر، وهم يتذرعون بالحرص على موافقة الشرع. ومن ذلك الجهاد الذي صار قتلا للناس بغير حق؛ وتكفير الناس الذي يستبطن الربوبية وغمط الناس؛ واحتقار المسلمين بدعوى النيابة عنهم في الفهم والاختيار. كل هذا، أصبح وبالا على الأمة، وهي لا تستطيع إنكاره جل الأحيان، بسبب تلبُّسه في الظاهر بصورة الشرع، رغم أن حقيقته هوى.
وأهل النور الذين ينظرون بنور الله، لا تنطلي عليهم هذه التلفيقات، ويرون قبيح باطنها من أول نظرة، فيُحذّرون منها. فإذا وقع منهم ذلك، ظن المحجوب أنهم يُخالفون الشريعة، فبادر إلى تبديعهم وإلى تفسيقهم؛ فحُرم خيرهم، وربما تسبب في حرمان غيره أيضا.
وأما علامة أن يبلغ العبد مرتبة أن يكون هواه تبعا للشرع، فهو فناء نفسه بالكلية، بحيث يصير أجنبيا عنها، يشاهدها من خارج كما يشاهد غيره من الناس؛ ويكون الله هو متولي قلبه وهواه، فيصرفه إلى ما أمر به سبحانه، فضلا منه ومنة. وهذا هو معنى الولاية. وكما أن الهوى قد يلبس صورة الشرع، كما سبق أن ذكرنا، فكذلك قد يكون الشرع حيث صورة الهوى أحيانا. فإذا نظر الغافل العبد الرباني، على غير ما يعلم من صورة الشرع، ظنه تابعا لهواه؛ وهو في الحقيقة مع الشرع الذي تحت صورة الهوى. وهذا باب واسع من العلم، لا يدخله إلا أهل النور. ونحن إنما أشرنا إلى أصوله، ليتنبه العباد إلى كون الأمر لا ينحصر فيما يُعلم بالاشتراك.
{وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [الأحزاب: 4].
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin