إفاضته صلى الله عليه وسلم بالبركات
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:
حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني *** هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا
كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ *** لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا
يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
إِفَاضَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالبَرَكَاتِ وَالخَيْرَاتِ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَيَّاضَاً بِالخَيْرَاتِ وَالبَرَكَاتِ، وَالأَسْرَارِ وَالأَنْوَارِ، عَلَى القَوَابِلِ المُسْتَعِدَّةِ، وَالمُتَوَجِّهَةِ المُسْتَمِدَّةِ.
رَوَى البُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: ضَمَّنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى صَدْرِهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الكِتَابَ».
فَقَدْ نَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِهَذِهِ الضَّمَّةِ وَالدَّعْوَةِ فَهْمَاً عَظِيمَاً في كِتَابِ اللهِ تعالى.
وَرَوَى البُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لَأَسْمَعُ مِنْكَ حَدِيثَاً كَثِيرَاً أَنْسَاهُ!
قَالَ: «ابْسُطْ رِدَاءَكَ».
فَبَسَطْتُهُ، قَالَ: فَغَرَفَ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «ضُمَّهُ» فَضَمَمْتُهُ، فَمَا نَسِيتُ شَيْئَاً بَعْدُ. هَذَا لَفْظُ البُخَارِيِّ.
وَعِنْدَ غَيْرِهِ: ثُمَّ قَالَ: «ضُمَّهُ إِلَى صدرِكَ» فَضَمَمْتُهُ، فَمَا نَسِيتُ حَدِيثَاً بَعْدُ.
وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «أَلَا تَسْأَلُنِي مِنْ هَذِهِ الْغَنَائِمِ».
قُلْتُ: أَسْأَلُكَ أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عَلَّمَكَ اللهُ.
قَالَ: فَنَزَعَ نَمِرَةً عَلَى ظَهْرِي، وَوَسَّطَهَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَحَدَّثَنِي، حَتَّى إِذَا اسْتَوْعَبْتُ حَدِيثَهُ، قَالَ: «اجْمَعْهَا فَصُرْهَا إِلَيْكَ».
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَأَصْبَحْتُ لَا أُسْقِطُ حَرْفَاً مِمَّا حَدَّثَنِي. (انْظُرِ الإِصَابَةَ، وَمَا فِيهَا مِنْ أَنْوَاعِ الرِّوَايَاتِ في ذَلِكَ).
وَفِي هَذَا إِفَاضَةُ الحِفْظِ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، حَتَّى إِنَّهُ مَا نَسِيَ حَدِيثَاً بَعْدُ.
وَمِنْ ذَلِكَ إِفَاضَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ العِلْمَ بِالقَضَاءِ عَلَى سَيِّدِنَا عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ تعالى وَجْهَهُ حِينَ أَرْسَلَهُ إلى اليَمَنِ:
فَفِي المُسْنَدِ وَالسُّنَنِ وَكَذَلِكَ رَوَى البَيْهَقِيُّ وَالحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، تَبْعَثُنِي وَأَنَا شَابٌّ أَقْضِي بَيْنَهُمْ، وَلَا أَدْرِي مَا القَضَاءُ؟
فَضَرَبَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ قَلْبَهُ، وَثَبِّتْ لِسَانَهُ».
فَوَالذي فَلَقَ الحَبَّةَ، مَا شَكَكْتُ فِي قَضَاءٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ بَعْدُ.
وَأَوْرَدَهُ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ في البِدَايَةِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي يَعْلَى.
وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: إِنِّي لَا أَثْبُتُ عَلَى الخَيْلِ، فَضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ، وَاجْعَلْهُ هَادِيَاً مَهْدِيَّاً» كَمَا في المُسْنَدِ.
وَمِنْ ذَلِكَ إِفَاضَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القُوَّةَ عَلَى سَفِينَةَ وَسَمَّاهُ سَفِينَةَ حَيْثُ قَالَ لَهُ: «احْمِلْ، فَإِنَّمَا أَنْتَ سَفِينَةُ».
قَالَ: فَلَوْ حَمَلْتُ يَوْمَئِذٍ وِقْرَ بَعِيرٍ أَوْ بَعِيرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ سِتَّةٍ أَوْ سَبْعَةٍ مَا ثَقُلَ عَلَيَّ. كَمَا في مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ.
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَغْمِسُ يَدَهُ في المَاءِ، لِتَحُلَّ فِيهِ البَرَكَةُ وَالشِّفَاءُ:
رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الغَدَاةَ جَاءَ خَدَمُ المَدِينَةِ بِآنِيَتِهِمْ، فِيهَا المَاءُ، فَلَا يَأْتُونَهُ بِإِنَاءٍ إِلَّا غَمَسَ يَدَهُ فِيهَا، وَرُبَّمَا جَاؤُوهُ بِالغَدَاةِ البَارِدَةِ، فَيَغْمِسُ يَدَهُ فِيهَا.
فَكَانُوا يَتَبَرَّكُونَ بِذَلِكَ المَاءِ وَيَسْتَشْفُونَ بِهِ.
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَغْسِلُ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ، وَيَمُجُّ في المَاءِ، وَيَأْمُرُ بِالشُّرْبِ مِنْهُ وَالإِفْرَاغِ عَلَى الوَجْهِ:
رَوَى الشَّيْخَانُ ـ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ ـ عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَازِلٌ بِالْجِعْرَانَةِ، بَيْنَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ، وَمَعَهُ بِلَالٌ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: أَلَا تُنْجِزُنِي يَا مُحَمَّدُ مَا وَعَدْتَنِي؟
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَبْشِرْ».
فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: قَدْ أَكْثَرْتَ عَلَيَّ مِنْ أَبْشِرْ.
(أَقُولُ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ: هَذَا كَلَامُ مَنْ لَمْ يَتَمَكَّنِ الإِيمَانُ مِنْ قَلْبِهِ، فَهَذَا كَلَامُ رَجُلٍ مِنْ أَشْرَافِ العَرَبِ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْلِفُ قَلْبَهُ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ رَجُلٌ مِنَ الرِّجَالِ الذينَ نَزَلَ فِيهِمْ قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرَاً لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
هَذَا الكَلَامُ لَو صَدَرَ مِنْ مُسْلِمٍ لَصَارَ بِهِ كَافِرَاً مُرْتَدَّاً، لِأَنَّ فِيهِ تُهْمَةً للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتِخْفَافَاً بِصِدْقِ قَوْلِهِ وَوَعْدِهِ) اهـ.
فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي مُوسَى وَبِلَالٍ كَهَيْئَةِ الغَضْبَانِ، فَقَالَ لَهُمَا: «إِنَّ هَذَا قَدْ رَدَّ البُشْرَى، فَاقْبَلَا أَنْتُمَا».
قَالَا: قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ.
ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ وَمَجَّ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: «اشْرَبَا مِنْهُ، وَأَفْرِغَا عَلَى وُجُوهِكُمَا وَنُحُورِكُمَا وَأَبْشِرَا».
فَأَخَذَا القَدَحَ، فَفَعَلَا مَا أَمَرَهُمَا بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَنَادَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ: أَنْ أَفْضِلَا لِأُمِّكُمَا في إِنَائِكُمَا، فَأَفْضَلَا لَهَا مِنْهُ طَائِفَةً.
وَفِي هَذَا تَكْرِيمٌ لِأَبِي مُوسَى وَبِلَالٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، لِأَنَّ في غُسَالَةِ أَطْرَافِهِ أَسْرَارَاً وَأَنْوَارَاً، وَبَرَكَاتٍ وَرَحَمَاتٍ.
وَرَوَى البُخَارِيُّ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي، وَأَنَا مَرِيضٌ لَا أَعْقِلُ، فَتَوَضَّأَ وَصَبَّ عَلَيَّ مِنْ وَضُوئِهِ، فَعَقَلْتُ (أَيْ: أَفَقْتُ مِنَ الإِغْمَاءِ) فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَنِ المِيرَاثُ؟ إِنَّمَا يَرِثُنِي كَلَالَةٌ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الفَرَائِضِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالهَاجِرَةِ (أَيْ: الظَّهِيرَةِ) فَأُتِيَ بِوَضُوءٍ، فَتَوَضَّأَ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَأْخُذُونَ مِنْ فَضْلِ وَضُوئِهِ فَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ، وَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ .. الحَدِيثَ.
وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: رَأَيْتُ قُبَّةً حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ ـ أَيْ: مِنْ جِلْدٍ ـ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَرَأَيْتُ بِلَالَاً خَرَجَ بِوَضُوئِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِيَصُبَّهُ ـ أَيْ: لِيُرِيقَهُ ـ فَابْتَدَرَهُ النَّاسُ، فَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئَاً تَمَسَّحَ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مِنْهُ شَيْئَاً أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي مِرْدَاسٍ السُّلَمِيِّ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا بِطَهُورٍ، فَغَمَسَ يَدَهُ فَتَوَضَّأَ، فَتَتَبَّعْنَاهُ ـ أَيْ: مَاءَ الوُضُوءِ ـ فَحَسَوْنَاهُ ـ أَيْ: شَرِبْنَاهُ ـ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى مَا فَعَلْتُمْ بِهِ؟».
قُلْنَا: حُبُّ اللهِ وَرَسُولِهِ.
قَالَ: «فَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ يُحِبَّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ: فَأَدُّوا إِذَا ائْتُمِنْتُمْ، وَاصْدُقُوا إِذَا حُدِّثْتُمْ، وَأَحْسِنُوا جِوَارَ مَنْ جَاوَرَكُمْ».
فَكَانَتِ الصَّحَابَةُ يَحْرِصُونَ عَلَى غُسَالَةِ أَطْرَافِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى مَاءِ وُضُوئِهِ، حُبَّاً في اللهِ وَرَسُولِهِ، وَإِيمَانَاً مِنْهُمْ بِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ التي خَصَّهُ اللهُ تعالى بِهَا، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُقِرُّهُمْ عَلَى ذَلِكَ دُونَ إِنْكَارٍ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
** ** **
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:
حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني *** هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا
كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ *** لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا
يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
إِفَاضَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالبَرَكَاتِ وَالخَيْرَاتِ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَيَّاضَاً بِالخَيْرَاتِ وَالبَرَكَاتِ، وَالأَسْرَارِ وَالأَنْوَارِ، عَلَى القَوَابِلِ المُسْتَعِدَّةِ، وَالمُتَوَجِّهَةِ المُسْتَمِدَّةِ.
رَوَى البُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: ضَمَّنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى صَدْرِهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الكِتَابَ».
فَقَدْ نَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِهَذِهِ الضَّمَّةِ وَالدَّعْوَةِ فَهْمَاً عَظِيمَاً في كِتَابِ اللهِ تعالى.
وَرَوَى البُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لَأَسْمَعُ مِنْكَ حَدِيثَاً كَثِيرَاً أَنْسَاهُ!
قَالَ: «ابْسُطْ رِدَاءَكَ».
فَبَسَطْتُهُ، قَالَ: فَغَرَفَ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «ضُمَّهُ» فَضَمَمْتُهُ، فَمَا نَسِيتُ شَيْئَاً بَعْدُ. هَذَا لَفْظُ البُخَارِيِّ.
وَعِنْدَ غَيْرِهِ: ثُمَّ قَالَ: «ضُمَّهُ إِلَى صدرِكَ» فَضَمَمْتُهُ، فَمَا نَسِيتُ حَدِيثَاً بَعْدُ.
وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «أَلَا تَسْأَلُنِي مِنْ هَذِهِ الْغَنَائِمِ».
قُلْتُ: أَسْأَلُكَ أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عَلَّمَكَ اللهُ.
قَالَ: فَنَزَعَ نَمِرَةً عَلَى ظَهْرِي، وَوَسَّطَهَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَحَدَّثَنِي، حَتَّى إِذَا اسْتَوْعَبْتُ حَدِيثَهُ، قَالَ: «اجْمَعْهَا فَصُرْهَا إِلَيْكَ».
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَأَصْبَحْتُ لَا أُسْقِطُ حَرْفَاً مِمَّا حَدَّثَنِي. (انْظُرِ الإِصَابَةَ، وَمَا فِيهَا مِنْ أَنْوَاعِ الرِّوَايَاتِ في ذَلِكَ).
وَفِي هَذَا إِفَاضَةُ الحِفْظِ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، حَتَّى إِنَّهُ مَا نَسِيَ حَدِيثَاً بَعْدُ.
وَمِنْ ذَلِكَ إِفَاضَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ العِلْمَ بِالقَضَاءِ عَلَى سَيِّدِنَا عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ تعالى وَجْهَهُ حِينَ أَرْسَلَهُ إلى اليَمَنِ:
فَفِي المُسْنَدِ وَالسُّنَنِ وَكَذَلِكَ رَوَى البَيْهَقِيُّ وَالحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، تَبْعَثُنِي وَأَنَا شَابٌّ أَقْضِي بَيْنَهُمْ، وَلَا أَدْرِي مَا القَضَاءُ؟
فَضَرَبَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ قَلْبَهُ، وَثَبِّتْ لِسَانَهُ».
فَوَالذي فَلَقَ الحَبَّةَ، مَا شَكَكْتُ فِي قَضَاءٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ بَعْدُ.
وَأَوْرَدَهُ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ في البِدَايَةِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي يَعْلَى.
وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: إِنِّي لَا أَثْبُتُ عَلَى الخَيْلِ، فَضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ، وَاجْعَلْهُ هَادِيَاً مَهْدِيَّاً» كَمَا في المُسْنَدِ.
وَمِنْ ذَلِكَ إِفَاضَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القُوَّةَ عَلَى سَفِينَةَ وَسَمَّاهُ سَفِينَةَ حَيْثُ قَالَ لَهُ: «احْمِلْ، فَإِنَّمَا أَنْتَ سَفِينَةُ».
قَالَ: فَلَوْ حَمَلْتُ يَوْمَئِذٍ وِقْرَ بَعِيرٍ أَوْ بَعِيرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ سِتَّةٍ أَوْ سَبْعَةٍ مَا ثَقُلَ عَلَيَّ. كَمَا في مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ.
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَغْمِسُ يَدَهُ في المَاءِ، لِتَحُلَّ فِيهِ البَرَكَةُ وَالشِّفَاءُ:
رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الغَدَاةَ جَاءَ خَدَمُ المَدِينَةِ بِآنِيَتِهِمْ، فِيهَا المَاءُ، فَلَا يَأْتُونَهُ بِإِنَاءٍ إِلَّا غَمَسَ يَدَهُ فِيهَا، وَرُبَّمَا جَاؤُوهُ بِالغَدَاةِ البَارِدَةِ، فَيَغْمِسُ يَدَهُ فِيهَا.
فَكَانُوا يَتَبَرَّكُونَ بِذَلِكَ المَاءِ وَيَسْتَشْفُونَ بِهِ.
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَغْسِلُ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ، وَيَمُجُّ في المَاءِ، وَيَأْمُرُ بِالشُّرْبِ مِنْهُ وَالإِفْرَاغِ عَلَى الوَجْهِ:
رَوَى الشَّيْخَانُ ـ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ ـ عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَازِلٌ بِالْجِعْرَانَةِ، بَيْنَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ، وَمَعَهُ بِلَالٌ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: أَلَا تُنْجِزُنِي يَا مُحَمَّدُ مَا وَعَدْتَنِي؟
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَبْشِرْ».
فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: قَدْ أَكْثَرْتَ عَلَيَّ مِنْ أَبْشِرْ.
(أَقُولُ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ: هَذَا كَلَامُ مَنْ لَمْ يَتَمَكَّنِ الإِيمَانُ مِنْ قَلْبِهِ، فَهَذَا كَلَامُ رَجُلٍ مِنْ أَشْرَافِ العَرَبِ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْلِفُ قَلْبَهُ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ رَجُلٌ مِنَ الرِّجَالِ الذينَ نَزَلَ فِيهِمْ قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرَاً لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
هَذَا الكَلَامُ لَو صَدَرَ مِنْ مُسْلِمٍ لَصَارَ بِهِ كَافِرَاً مُرْتَدَّاً، لِأَنَّ فِيهِ تُهْمَةً للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتِخْفَافَاً بِصِدْقِ قَوْلِهِ وَوَعْدِهِ) اهـ.
فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي مُوسَى وَبِلَالٍ كَهَيْئَةِ الغَضْبَانِ، فَقَالَ لَهُمَا: «إِنَّ هَذَا قَدْ رَدَّ البُشْرَى، فَاقْبَلَا أَنْتُمَا».
قَالَا: قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ.
ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ وَمَجَّ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: «اشْرَبَا مِنْهُ، وَأَفْرِغَا عَلَى وُجُوهِكُمَا وَنُحُورِكُمَا وَأَبْشِرَا».
فَأَخَذَا القَدَحَ، فَفَعَلَا مَا أَمَرَهُمَا بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَنَادَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ: أَنْ أَفْضِلَا لِأُمِّكُمَا في إِنَائِكُمَا، فَأَفْضَلَا لَهَا مِنْهُ طَائِفَةً.
وَفِي هَذَا تَكْرِيمٌ لِأَبِي مُوسَى وَبِلَالٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، لِأَنَّ في غُسَالَةِ أَطْرَافِهِ أَسْرَارَاً وَأَنْوَارَاً، وَبَرَكَاتٍ وَرَحَمَاتٍ.
وَرَوَى البُخَارِيُّ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي، وَأَنَا مَرِيضٌ لَا أَعْقِلُ، فَتَوَضَّأَ وَصَبَّ عَلَيَّ مِنْ وَضُوئِهِ، فَعَقَلْتُ (أَيْ: أَفَقْتُ مِنَ الإِغْمَاءِ) فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَنِ المِيرَاثُ؟ إِنَّمَا يَرِثُنِي كَلَالَةٌ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الفَرَائِضِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالهَاجِرَةِ (أَيْ: الظَّهِيرَةِ) فَأُتِيَ بِوَضُوءٍ، فَتَوَضَّأَ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَأْخُذُونَ مِنْ فَضْلِ وَضُوئِهِ فَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ، وَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ .. الحَدِيثَ.
وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: رَأَيْتُ قُبَّةً حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ ـ أَيْ: مِنْ جِلْدٍ ـ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَرَأَيْتُ بِلَالَاً خَرَجَ بِوَضُوئِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِيَصُبَّهُ ـ أَيْ: لِيُرِيقَهُ ـ فَابْتَدَرَهُ النَّاسُ، فَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئَاً تَمَسَّحَ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مِنْهُ شَيْئَاً أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي مِرْدَاسٍ السُّلَمِيِّ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا بِطَهُورٍ، فَغَمَسَ يَدَهُ فَتَوَضَّأَ، فَتَتَبَّعْنَاهُ ـ أَيْ: مَاءَ الوُضُوءِ ـ فَحَسَوْنَاهُ ـ أَيْ: شَرِبْنَاهُ ـ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى مَا فَعَلْتُمْ بِهِ؟».
قُلْنَا: حُبُّ اللهِ وَرَسُولِهِ.
قَالَ: «فَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ يُحِبَّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ: فَأَدُّوا إِذَا ائْتُمِنْتُمْ، وَاصْدُقُوا إِذَا حُدِّثْتُمْ، وَأَحْسِنُوا جِوَارَ مَنْ جَاوَرَكُمْ».
فَكَانَتِ الصَّحَابَةُ يَحْرِصُونَ عَلَى غُسَالَةِ أَطْرَافِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى مَاءِ وُضُوئِهِ، حُبَّاً في اللهِ وَرَسُولِهِ، وَإِيمَانَاً مِنْهُمْ بِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ التي خَصَّهُ اللهُ تعالى بِهَا، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُقِرُّهُمْ عَلَى ذَلِكَ دُونَ إِنْكَارٍ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
** ** **
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin