مع الحبيب المصطفى : خير زاد ليوم المعاد سلامة الصدر
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
273ـ خير زاد ليوم المعاد سلامة الصدر
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الفَارِقُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلَفِ الأُمَّةِ لَيْسَ في غَزَارَةِ العِلْمِ، وَلَكِنْ في نَقَاءِ القُلُوبِ وَصَفَائِهَا، وفي عُمْقِ وَدِقَّةِ فِقْهِهِمْ، وفي عُلُوِّ وَرِفْعَةِ هِمَّتِهِمْ، يَقُولُ الفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: بِئْسَ الزَّادُ إِلَى المَعَادِ الْعُدْوَانُ عَلَى الْعِبَادِ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَمْ هُوَ الفَارِقُ كَبِيرٌ بَيْنَ زَادٍ حَمَلَهُ العَبْدُ لِيَوْمِ المَعَادِ مِنْ خَطِيئَةٍ وَإِثْمٍ في قَلْبِهِ في حَقِّ العِبَادِ، وَبَيْنَ زَادٍ حَمَلَهُ العَبْدُ لِيَوْمِ المَعَادِ في قَلْبِهِ مِنْ إِيمَانٍ وَحُبٍّ للمُؤْمِنِينَ، وَحُبٍّ لِخَلْقِ اللهِ تعالى جَميعَاً، وَنُصْحٍ وَإِرْشَادٍ.
فَرِيقٌ حَقُودٌ حَسُودٌ شَغَلَ لِسَانَهُ بِالغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالوَقِيعَةِ في الأَعْرَاضِ، وَشَغَلَ قَلْبَهُ بِالبَغْضَاءِ وَالشَّحْنَاءِ؛ وَفَرِيقٌ مُحِبٌّ رَحِيمٌ شَغَلَ لِسَانَهُ بِذِكْرِ اللهِ تعالى وَتِلَاوَةِ القُرْآنِ وَالنُّصْحِ وَالإِرْشَادِ، وَشَغَلَ قَلْبَهُ بِالشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ؛ هَلْ يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾؟
بِئْسَ زَادُ الفَرِيقِ الأَوَّلِ، وَنِعْمَ زَادُ الفَرِيقِ الثَّانِي، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يَعْلَمُ الزَّادَ الذي يَحْمِلُهُ لِيَوْمِ المَعَادِ ﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾.
مَيْدَانٌ مِنْ مَيَادِين التَّنَافُسِ الإِيمَانِيِّ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى التَّنَافُسِ في مَيَادِينِ الإِيمَانِ، وَالتَّرْبِيَةِ الحَقِيقِيَّةِ التي رَبَّى عَلَيْهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الصَّحْبَ الكِرَامَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ: «لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئَاً؛ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ» رواه الترمذي وأبو داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
المُؤْمِنُ حَرِيصٌ كُلَّ الحِرْصِ على سَلَامَةِ صَدْرِهِ وَقَلْبِهِ نَحْوَ الآخَرِينَ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾. وَنَقْلُ الكَلَامِ الذي يُفْسِدُ العَلَاقَاتِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الإِنْسَانِ المُؤْمِنِ.
لَقَدْ كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يَتَنَافَسُونَ في هَذَا المَيْدَانِ، مَيْدَانِ سَلَامَةِ القُلُوبِ وَالصُّدُورِ، بِنَاءً على قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ».
كَتَبَ رَجُلٌ لِأَخِيهِ في اللهِ، قَالَ لَهُ: تَثَبَّتْ مِمَّا تَقُولُ عِنْدَ نَقْلِكَ لِلْكَلَامِ، فَلَا تَنْقُلْ كَلَامَاً لِأَحَدٍ إِلَّا إِذَا كُنْتَ مُتَأَكِّدَاً مِنْهُ تَمَامَاً، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كَفَى بِالمَرْءِ كَذِبَاً أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَلَا تَجْعَلِ الكَلَامَ يَنْتَقِلُ عَنْ طَرِيقِ الأَلْسِنَةِ دُونَ إِمْرَارِهِ على العَقْلِ، للتَّفْكِيرِ فِيهِ وَتَحْكِيمِ الـشَّرْعِ فِيهِ، حَتَّى لَا نُصِيبَ قَوْمَاً بِجَهَالَةٍ فَنُصْبِحَ كَمَا قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمَاً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾.
وَكَمَا قَالَ تعالى في حَادِثَةِ الإِفْكِ: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنَاً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ﴾.
فَإِذَا بَلَغَكَ شَيْءٌ عَنِّي وَحَاكَ في صَدْرِكَ، وَلَا تُرِيدُ أَنْ تُصَارِحَنِي بِهِ، فَلَا تُحَدِّثْ أَحَدَاً مِنْ حَوْلِكَ، وَاسْلُكْ سَبِيلَ المُؤْمِنِينَ في ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾.
ثمَّ قَالَ لَهُ: أَخِي في اللهِ، لَا تَنْقُلْ إِلَيَّ عَنْ إِخْوَانِي إِلَّا الطَّيِّبَ، حَتَّى لَا أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ وَفِي صَدْرِي شَيْءٌ تُجَاهَهُمْ، فَكَمَا تَعْلَمُ يَا أَخِي أَنَّ أَدْنَى دَرَجَاتِ الأُخُوَّةِ سَلَامَةُ الصَّدْرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئَاً؛ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ».
سَلَامَةُ صَدْرِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَوْسَعَ النَّاسِ صَدْرَاً وَسَلَامَةً، وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَحْلَمَ النَّاسِ وَأَلْيَنَهُمْ عَرِيكَةً، وَأَدْمَثَهُمْ خُلُقَاً، وَأَلْطَفَهُمْ عِشْرَةً.
لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِسَلَامَةِ صَدْرِهِ يَكْظِمُ غَيْظَهُ، وَيَعْفُو وَيَصْفَحُ، وَيَغْفِرُ لِمَنْ زَلَّ، وَيَتَنَازَلُ عَنْ حُقُوقِهِ الخَاصَّةِ، مَا لَمْ تَكُنْ حُقُوقَاً للهِ عَزَّ وَجَلَّ.
مَا كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ حَاشَاهُ ـ حَقُودَاً وَلَا حَسُودَاً، بَلْ كَانَ سَلِيمَ الصَّدْرِ، مُحِبَّ الخَيْرِ لِخَلْقِ اللهِ جَمِيعَاً؛ حِينَ وَقَفَ سُفْيَانُ بْنُ الحَارِثِ أَمَامَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَقَدْ كَانَ آذَاهُ أَشَدَّ الإِيذَاءِ، قَالَ لَهُ: ﴿تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾.
فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: بَلَّغَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَلَامَاً قِيلَ في حَقِّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ.
روى الشيخان عَنْ عَبْدَ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَسْمَاً، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ.
فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَغَضِبَ حَتَّى رَأَيْتُ الغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: «يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى، قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ».
سَلَامَةُ صَدْرٍ مَا شَهِدَتِ البَشَرِيَّةُ مِثْلَهَا، فَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ أَخْلَاقِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
إِذَا أَرَدْنَا سَلَامَةَ الصَّدْرِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا أَرَدْنَا سَلَامَةَ صُدُورِنَا، لِكَيْ نُفْلِحَ يَوْمَ المَعَادِ، فَعَلَيْنَا أَنْ نُخَاطِبَ كُلَّ مَنْ جَالَسْنَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئَاً».
إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَحْمِلَ مَعَنَا زَادَاً إلى يَوْمِ المَعَادِ يُبَيِّضُ الوَجْهَ، وَيُسْعِدُ العَبْدَ، فَلْنُلْزِمْ أَنْفُسَنَا بِهَذَا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي ذَكَرْنَاهُ، وَلْنَقُلْ لِكُلِّ مَنْ يَنْقُلُ كَلَامَاً يُوغِرُ الصَّدْرَ:
تَذَكَّرْ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ مَا الْعَضْهُ؟ هِيَ النَّمِيمَةُ الْقَالَةُ بَيْنَ النَّاسِ» رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَتَذَكَّرْ قَوْلَ سَيِّدِنَا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، حِينَ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ، فَذَكَرَ لَهُ عَنْ رَجُلٍ شَيْئَاً، فَقَالَ لَهُ سَيِّدُنَا عُمَرُ: إِنْ شِئْتَ نَظَرْنَا فِي أَمْرِكَ؛ إِنْ كُنْتَ كَاذِبَاً فَأَنْتَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ﴾.
وَإِنْ كُنْتَ صَادِقَاً فَأَنْتَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾.
وَإِنْ شِئْتَ عَفَوْنَا عَنْكَ.
فَقَالَ: الْعَفْوَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، لَا أَعُودُ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ جَاءَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِيَسُدَّ مَنَافِذَ الفُرْقَةِ وَالاخْتِلَافِ، وَيَصُونَ عَوَامِلَ الوَحْدَةِ وَالائْتِلَافِ؛ جَاءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُقَوِّيَ أَوَاصِرَ الوُدِّ وَالائْتِلَافِ بَيْنَ النَّاسِ، وَكَانَ حَرِيصَاً كُلَّ الحِرْصِ على أَنْ تَكُونَ العَلَاقَةُ بَيْنَ النَّاسِ مَتِينَةً، صُلْبَةً، لَا يُكَدِّرُهَا غَيْمٌ، وَلَا يُوهِنُهَا كَيْدٌ، لِذَا حَذَّرَ الأُمَّةَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئَاً؛ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ».
فَهَلْ مِنْ سَامِعٍ وَمُطِيعٍ لِتَوْجِيهِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى».
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟
قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى».
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: خَيْرُ زَادٍ لِيَوْمِ المَعَادِ سَلَامَةُ الصَّدْرِ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِطَاعَتِكَ، وَطَاعَةِ رَسُولِكَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَارْزُقْنَا سَلَامَةَ الصَّدْرِ، وَأَكْرِمْنَا بِخَيْرِ زَادٍ لِيَوْمِ المَعَادِ. آمين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
273ـ خير زاد ليوم المعاد سلامة الصدر
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الفَارِقُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلَفِ الأُمَّةِ لَيْسَ في غَزَارَةِ العِلْمِ، وَلَكِنْ في نَقَاءِ القُلُوبِ وَصَفَائِهَا، وفي عُمْقِ وَدِقَّةِ فِقْهِهِمْ، وفي عُلُوِّ وَرِفْعَةِ هِمَّتِهِمْ، يَقُولُ الفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: بِئْسَ الزَّادُ إِلَى المَعَادِ الْعُدْوَانُ عَلَى الْعِبَادِ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَمْ هُوَ الفَارِقُ كَبِيرٌ بَيْنَ زَادٍ حَمَلَهُ العَبْدُ لِيَوْمِ المَعَادِ مِنْ خَطِيئَةٍ وَإِثْمٍ في قَلْبِهِ في حَقِّ العِبَادِ، وَبَيْنَ زَادٍ حَمَلَهُ العَبْدُ لِيَوْمِ المَعَادِ في قَلْبِهِ مِنْ إِيمَانٍ وَحُبٍّ للمُؤْمِنِينَ، وَحُبٍّ لِخَلْقِ اللهِ تعالى جَميعَاً، وَنُصْحٍ وَإِرْشَادٍ.
فَرِيقٌ حَقُودٌ حَسُودٌ شَغَلَ لِسَانَهُ بِالغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالوَقِيعَةِ في الأَعْرَاضِ، وَشَغَلَ قَلْبَهُ بِالبَغْضَاءِ وَالشَّحْنَاءِ؛ وَفَرِيقٌ مُحِبٌّ رَحِيمٌ شَغَلَ لِسَانَهُ بِذِكْرِ اللهِ تعالى وَتِلَاوَةِ القُرْآنِ وَالنُّصْحِ وَالإِرْشَادِ، وَشَغَلَ قَلْبَهُ بِالشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ؛ هَلْ يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾؟
بِئْسَ زَادُ الفَرِيقِ الأَوَّلِ، وَنِعْمَ زَادُ الفَرِيقِ الثَّانِي، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يَعْلَمُ الزَّادَ الذي يَحْمِلُهُ لِيَوْمِ المَعَادِ ﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾.
مَيْدَانٌ مِنْ مَيَادِين التَّنَافُسِ الإِيمَانِيِّ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى التَّنَافُسِ في مَيَادِينِ الإِيمَانِ، وَالتَّرْبِيَةِ الحَقِيقِيَّةِ التي رَبَّى عَلَيْهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الصَّحْبَ الكِرَامَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ: «لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئَاً؛ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ» رواه الترمذي وأبو داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
المُؤْمِنُ حَرِيصٌ كُلَّ الحِرْصِ على سَلَامَةِ صَدْرِهِ وَقَلْبِهِ نَحْوَ الآخَرِينَ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾. وَنَقْلُ الكَلَامِ الذي يُفْسِدُ العَلَاقَاتِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الإِنْسَانِ المُؤْمِنِ.
لَقَدْ كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يَتَنَافَسُونَ في هَذَا المَيْدَانِ، مَيْدَانِ سَلَامَةِ القُلُوبِ وَالصُّدُورِ، بِنَاءً على قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ».
كَتَبَ رَجُلٌ لِأَخِيهِ في اللهِ، قَالَ لَهُ: تَثَبَّتْ مِمَّا تَقُولُ عِنْدَ نَقْلِكَ لِلْكَلَامِ، فَلَا تَنْقُلْ كَلَامَاً لِأَحَدٍ إِلَّا إِذَا كُنْتَ مُتَأَكِّدَاً مِنْهُ تَمَامَاً، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كَفَى بِالمَرْءِ كَذِبَاً أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَلَا تَجْعَلِ الكَلَامَ يَنْتَقِلُ عَنْ طَرِيقِ الأَلْسِنَةِ دُونَ إِمْرَارِهِ على العَقْلِ، للتَّفْكِيرِ فِيهِ وَتَحْكِيمِ الـشَّرْعِ فِيهِ، حَتَّى لَا نُصِيبَ قَوْمَاً بِجَهَالَةٍ فَنُصْبِحَ كَمَا قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمَاً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾.
وَكَمَا قَالَ تعالى في حَادِثَةِ الإِفْكِ: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنَاً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ﴾.
فَإِذَا بَلَغَكَ شَيْءٌ عَنِّي وَحَاكَ في صَدْرِكَ، وَلَا تُرِيدُ أَنْ تُصَارِحَنِي بِهِ، فَلَا تُحَدِّثْ أَحَدَاً مِنْ حَوْلِكَ، وَاسْلُكْ سَبِيلَ المُؤْمِنِينَ في ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾.
ثمَّ قَالَ لَهُ: أَخِي في اللهِ، لَا تَنْقُلْ إِلَيَّ عَنْ إِخْوَانِي إِلَّا الطَّيِّبَ، حَتَّى لَا أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ وَفِي صَدْرِي شَيْءٌ تُجَاهَهُمْ، فَكَمَا تَعْلَمُ يَا أَخِي أَنَّ أَدْنَى دَرَجَاتِ الأُخُوَّةِ سَلَامَةُ الصَّدْرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئَاً؛ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ».
سَلَامَةُ صَدْرِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَوْسَعَ النَّاسِ صَدْرَاً وَسَلَامَةً، وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَحْلَمَ النَّاسِ وَأَلْيَنَهُمْ عَرِيكَةً، وَأَدْمَثَهُمْ خُلُقَاً، وَأَلْطَفَهُمْ عِشْرَةً.
لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِسَلَامَةِ صَدْرِهِ يَكْظِمُ غَيْظَهُ، وَيَعْفُو وَيَصْفَحُ، وَيَغْفِرُ لِمَنْ زَلَّ، وَيَتَنَازَلُ عَنْ حُقُوقِهِ الخَاصَّةِ، مَا لَمْ تَكُنْ حُقُوقَاً للهِ عَزَّ وَجَلَّ.
مَا كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ حَاشَاهُ ـ حَقُودَاً وَلَا حَسُودَاً، بَلْ كَانَ سَلِيمَ الصَّدْرِ، مُحِبَّ الخَيْرِ لِخَلْقِ اللهِ جَمِيعَاً؛ حِينَ وَقَفَ سُفْيَانُ بْنُ الحَارِثِ أَمَامَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَقَدْ كَانَ آذَاهُ أَشَدَّ الإِيذَاءِ، قَالَ لَهُ: ﴿تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾.
فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: بَلَّغَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَلَامَاً قِيلَ في حَقِّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ.
روى الشيخان عَنْ عَبْدَ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَسْمَاً، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ.
فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَغَضِبَ حَتَّى رَأَيْتُ الغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: «يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى، قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ».
سَلَامَةُ صَدْرٍ مَا شَهِدَتِ البَشَرِيَّةُ مِثْلَهَا، فَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ أَخْلَاقِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
إِذَا أَرَدْنَا سَلَامَةَ الصَّدْرِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا أَرَدْنَا سَلَامَةَ صُدُورِنَا، لِكَيْ نُفْلِحَ يَوْمَ المَعَادِ، فَعَلَيْنَا أَنْ نُخَاطِبَ كُلَّ مَنْ جَالَسْنَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئَاً».
إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَحْمِلَ مَعَنَا زَادَاً إلى يَوْمِ المَعَادِ يُبَيِّضُ الوَجْهَ، وَيُسْعِدُ العَبْدَ، فَلْنُلْزِمْ أَنْفُسَنَا بِهَذَا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي ذَكَرْنَاهُ، وَلْنَقُلْ لِكُلِّ مَنْ يَنْقُلُ كَلَامَاً يُوغِرُ الصَّدْرَ:
تَذَكَّرْ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ مَا الْعَضْهُ؟ هِيَ النَّمِيمَةُ الْقَالَةُ بَيْنَ النَّاسِ» رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَتَذَكَّرْ قَوْلَ سَيِّدِنَا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، حِينَ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ، فَذَكَرَ لَهُ عَنْ رَجُلٍ شَيْئَاً، فَقَالَ لَهُ سَيِّدُنَا عُمَرُ: إِنْ شِئْتَ نَظَرْنَا فِي أَمْرِكَ؛ إِنْ كُنْتَ كَاذِبَاً فَأَنْتَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ﴾.
وَإِنْ كُنْتَ صَادِقَاً فَأَنْتَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾.
وَإِنْ شِئْتَ عَفَوْنَا عَنْكَ.
فَقَالَ: الْعَفْوَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، لَا أَعُودُ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ جَاءَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِيَسُدَّ مَنَافِذَ الفُرْقَةِ وَالاخْتِلَافِ، وَيَصُونَ عَوَامِلَ الوَحْدَةِ وَالائْتِلَافِ؛ جَاءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُقَوِّيَ أَوَاصِرَ الوُدِّ وَالائْتِلَافِ بَيْنَ النَّاسِ، وَكَانَ حَرِيصَاً كُلَّ الحِرْصِ على أَنْ تَكُونَ العَلَاقَةُ بَيْنَ النَّاسِ مَتِينَةً، صُلْبَةً، لَا يُكَدِّرُهَا غَيْمٌ، وَلَا يُوهِنُهَا كَيْدٌ، لِذَا حَذَّرَ الأُمَّةَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئَاً؛ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ».
فَهَلْ مِنْ سَامِعٍ وَمُطِيعٍ لِتَوْجِيهِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى».
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟
قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى».
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: خَيْرُ زَادٍ لِيَوْمِ المَعَادِ سَلَامَةُ الصَّدْرِ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِطَاعَتِكَ، وَطَاعَةِ رَسُولِكَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَارْزُقْنَا سَلَامَةَ الصَّدْرِ، وَأَكْرِمْنَا بِخَيْرِ زَادٍ لِيَوْمِ المَعَادِ. آمين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin