مع الحبيب المصطفى :ما خرج صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عن الصدق والحق
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
259ـ ما خرج صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عن الصدق والحق قيد أنملة
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ أَسْبَابِ وَدَوَاعِي الإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ، أَنْ تَجِدَ كُلَّ قَوْلٍ أَو فِعْلٍ يَصْدُرُ عَمَّنْ تُؤْمِنُ بِهِ وَتُصَدِّقُهُ لَا يَخْرُجُ عَنِ الصِّدْقِ وَالحَقِّ قَيْدَ أُنْمُلَةٍ، وَإِذَا قَرَأَ الإِنْسَانُ سِيرَةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّه لَا يَرَى فِيهَا إلا الحَقَّ وَالصِّدْقَ في سَائِرِ أَحْوَالِهِ، في جِدِّهِ وَمُزَاحِهِ، في غَضَبِهِ وَسُرُورِهِ، في حِلِّهِ وَتَرْحَالِهِ، في بَيْتِهِ مَعَ أَهْلِهِ، وَمَعَ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنِ الجَمِيعِ، بَلْ لَا يَرَى الإِنْسَانُ في سِيرَتِهِ العَطِرَةِ إلا الحَقَّ وَالصِّدْقَ حَتَّى مَعَ أَعْدَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
لَقَدْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَا يَقُولُ إلا صِدْقَاً، وَلَا يفْعَلُ إلا حَقَّاً، كَانَ صَادِقَ الوَعْدِ وَالعَهْدِ مَعَ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ، بَلْ وَحَتَّى مَعَ أَعْدَائِهِ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا عَرَفَتِ البَشَرِيَّةُ شَخْصِيَّةً كَشَخْصِيَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مَا نَطَقَتْ إلا بِالصِّدْقِ، وَمَا فَعَلَتْ إلا الحَقَّ، روى الإمام أحمد والحاكم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ، وَقَالُوا: تُكْتَبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ، يَتَكَلَّمُ فِي الرِّضَاءِ وَالْغَضَبِ؟
قَالَ: فَأَمْسَكْتُ؛ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ: «اكْتُبْ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا خَرَجَ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ» وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ.
نَمَاذِجُ مِنْ صِدْقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في مُزَاحِهِ وَمُدَاعَبَتِهِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ مِنْ عِظَمِ شَخْصِيَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ نَمُوذَجَاً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْيَا حَيَاةً طَيِّبَةً مِنْ خِلَالِ شَرْعِ اللهِ تعالى.
إِنَّ عَادَةَ النَّاسِ بِشَكْلٍ عَامٍّ أَنَّهُمْ لَا يَلْتَزِمُونَ بِالصِّدْقِ في مُزَاحِهِمْ، أَمَّا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ كَانَ صَادِقَاً حَتَّى في مُزَاحِهِ، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ وَهُوَ القَائِلُ عَنْ فَمِهِ الـشَّرِيفِ: «مَا خَرَجَ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ». وَذَلِكَ بَعْدَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾؟
«إِنِّي حَامِلُكَ عَلَى وَلَدِ النَّاقَةِ»:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ دَاعَبَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ وَمَازَحَهُمْ وَمَا خَرَجَ عَنْ دَائِرَةِ الصِّدْقِ في ذَلِكَ، وَمَا ذَاكَ إلا لِتَلْزَمَ أُمَّتُهُ الصِّدْقَ في كُلِّ حَالٍ.
روى الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَجُلَاً اسْتَحْمَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنِّي حَامِلُكَ عَلَى وَلَدِ النَّاقَةِ».
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَصْنَعُ بِوَلَدِ النَّاقَةِ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَهَلْ تَلِدُ الإِبِلَ إِلَّا النُّوقُ؟».
«بَلَى إِنَّ بِعَيْنِه بَيَاضَاً»:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ صُوَرِ مُزَاحِهِ اللَّطِيفَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مَا رواه ابن أبي الدنيا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ أَيْمَنَ قَالَتْ للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ زَوْجِي يَدْعُوكَ.
قَالَ: «وَمَنْ هُوَ، أَهُوَ الَّذِي بِعَيْنِهِ بَيَاضٌ؟».
قَالَتْ: وَاللهِ مَا بِعَيْنِه بَيَاضٌ!
فَقَالَ: «بَلَى إِنَّ بِعَيْنِه بَيَاضَاً».
فَقَالَتْ: لَا وَاللهِ.
فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَبِعَيْنِهِ بَيَاضٌ».
«إِنَّ الْـجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا عَجُوزٌ»:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ صُوَرِ مُزَاحِهِ اللَّطِيفَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مَا رواه الطَّبَرَانِيُّ في الأَوْسَطِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَتَتْهُ عَجُوزٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ.
فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ: «إِنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا عَجُوزٌ».
فَذَهَبَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ كَلِمَتِكَ مَشَقَّةً وَشِدَّةً.
فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، إِنَّ اللهَ إِذَا أَدْخَلَهُنَّ الْجَنَّةَ حَوَّلَهُنَّ أَبْكَارَاً».
«إِنَّ زَاهِرَاً بَادِيَتُنَا، وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ»:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ صُوَرِ مُزَاحِهِ اللَّطِيفَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مَا رواه الإمام أحمد عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَجُلَاً مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَانَ اسْمُهُ زَاهِرَاً، وَكَانَ يُهْدِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْهَدِيَّةَ مِنَ الْبَادِيَةِ، فَيُجَهِّزُهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ زَاهِرَاً بَادِيَتُنَا، وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ».
وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّهُ، وَكَانَ رَجُلَاً دَمِيمَاً، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَاً وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ، فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَلَا يُبْصِرُهُ الرَّجُلُ.
فَقَالَ: أَرْسِلْنِي، مَنْ هَذَا؟
فَالْتَفَتَ، فَعَرَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ لَا يَأْلُو مَا أَلْصَقَ ظَهْرَهُ بِصَدْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حِينَ عَرَفَهُ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ؟».
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِذَاً وَاللهِ تَجِدُنِي كَاسِدَاً.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَكِنْ عِنْدَ اللهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ ـ أَوْ قَالَ: لَكِنْ عِنْدَ اللهِ أَنْتَ غَالٍ ـ».
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَمْزَحُ وَلَا يَقُولُ إلا حَقَّاً، روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا.
قَالَ: «إِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقَّاً».
خُطُورَةُ الكَذِبِ وَلَوْ في المُزَاحِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: آفَةُ العَصْرِ اليَوْمَ الكَذِبُ، الكَذِبُ انْتَشَرَ انْتِشَارَاً كَبِيرَاً في أَوْسَاطِ النَّاسِ، لَا أَقُولُ في هَزْلِهِمْ وَمُزَاحِهِمْ، بَلْ في جِدِّهِمْ، على العَكْسِ تَمَامَاً مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مَعَ مَعْرِفَةِ النَّاسِ خُطُورَةَ الكَذِبِ بِشَكْلٍ عَامٍّ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابَاً» رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وَهَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ مِصْدَاقُ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ * وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ﴾. فَالكَذَّابُ في جَحِيمٍ وَفِي عَذَابٍ أَلِيمٍ في الدُّنْيَا وَالبَرْزَخِ، ثمَّ القَرَارُ في نَارِ جَهَنَّمَ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى.
لِذَا حَذَّرَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الكَذِبِ حَتَّى في المُزَاحِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ بِالحَدِيثِ لِيُضْحِكَ بِهِ القَوْمَ فَيَكْذِبُ، وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ» رواه الترمذي عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ آمَنَتِ الأُمَّةُ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِيمَانَاً مُطْلَقَاً، لِأَنَّ كُلَّ مَا صَدَرَ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلٍ وَفِعْلٍ مَا خَرَجَ عَنِ الصِّدْقِ وَالحَقِّ قَيْدَ أُنْمُلَةٍ.
لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَادِقَاً حَقَّاً في جَمِيعِ تَـصَرُّفَاتِهِ، وَفِي جَمِيعِ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ، حَتَّى في مُزَاحِهِ، لِذَا عَشِقَهُ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ، وَعَشِقَهُ كُلُّ مَنْ تَبِعَهُ بِحَقٍّ، وَآمَنُوا بِهِ حَقَّ الإِيمَانِ، وَصَدَّقُوهُ حَقَّ التَّصْدِيقِ في كُلِّ مَا أَخْبَرَ، وَخَاصَّةً في الأُمُورِ الغَيْبِيَّةِ، فَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ سِيرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ فَهَلَّا تَرَكَتِ الأُمَّةُ بِدَايَةً الكَذِبَ في مُزَاحِهَا، لَعَلَّهَا أَنْ تَتْرُكَهُ في جِدِّهَا؟!
اللَّهُمَّ وَفِّقَنَا لِحُسْنِ الاقْتِدَاءِ وَالاتِّبَاعِ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
259ـ ما خرج صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عن الصدق والحق قيد أنملة
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ أَسْبَابِ وَدَوَاعِي الإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ، أَنْ تَجِدَ كُلَّ قَوْلٍ أَو فِعْلٍ يَصْدُرُ عَمَّنْ تُؤْمِنُ بِهِ وَتُصَدِّقُهُ لَا يَخْرُجُ عَنِ الصِّدْقِ وَالحَقِّ قَيْدَ أُنْمُلَةٍ، وَإِذَا قَرَأَ الإِنْسَانُ سِيرَةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّه لَا يَرَى فِيهَا إلا الحَقَّ وَالصِّدْقَ في سَائِرِ أَحْوَالِهِ، في جِدِّهِ وَمُزَاحِهِ، في غَضَبِهِ وَسُرُورِهِ، في حِلِّهِ وَتَرْحَالِهِ، في بَيْتِهِ مَعَ أَهْلِهِ، وَمَعَ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنِ الجَمِيعِ، بَلْ لَا يَرَى الإِنْسَانُ في سِيرَتِهِ العَطِرَةِ إلا الحَقَّ وَالصِّدْقَ حَتَّى مَعَ أَعْدَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
لَقَدْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَا يَقُولُ إلا صِدْقَاً، وَلَا يفْعَلُ إلا حَقَّاً، كَانَ صَادِقَ الوَعْدِ وَالعَهْدِ مَعَ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ، بَلْ وَحَتَّى مَعَ أَعْدَائِهِ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا عَرَفَتِ البَشَرِيَّةُ شَخْصِيَّةً كَشَخْصِيَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مَا نَطَقَتْ إلا بِالصِّدْقِ، وَمَا فَعَلَتْ إلا الحَقَّ، روى الإمام أحمد والحاكم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ، وَقَالُوا: تُكْتَبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ، يَتَكَلَّمُ فِي الرِّضَاءِ وَالْغَضَبِ؟
قَالَ: فَأَمْسَكْتُ؛ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ: «اكْتُبْ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا خَرَجَ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ» وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ.
نَمَاذِجُ مِنْ صِدْقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في مُزَاحِهِ وَمُدَاعَبَتِهِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ مِنْ عِظَمِ شَخْصِيَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ نَمُوذَجَاً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْيَا حَيَاةً طَيِّبَةً مِنْ خِلَالِ شَرْعِ اللهِ تعالى.
إِنَّ عَادَةَ النَّاسِ بِشَكْلٍ عَامٍّ أَنَّهُمْ لَا يَلْتَزِمُونَ بِالصِّدْقِ في مُزَاحِهِمْ، أَمَّا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ كَانَ صَادِقَاً حَتَّى في مُزَاحِهِ، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ وَهُوَ القَائِلُ عَنْ فَمِهِ الـشَّرِيفِ: «مَا خَرَجَ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ». وَذَلِكَ بَعْدَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾؟
«إِنِّي حَامِلُكَ عَلَى وَلَدِ النَّاقَةِ»:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ دَاعَبَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ وَمَازَحَهُمْ وَمَا خَرَجَ عَنْ دَائِرَةِ الصِّدْقِ في ذَلِكَ، وَمَا ذَاكَ إلا لِتَلْزَمَ أُمَّتُهُ الصِّدْقَ في كُلِّ حَالٍ.
روى الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَجُلَاً اسْتَحْمَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنِّي حَامِلُكَ عَلَى وَلَدِ النَّاقَةِ».
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَصْنَعُ بِوَلَدِ النَّاقَةِ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَهَلْ تَلِدُ الإِبِلَ إِلَّا النُّوقُ؟».
«بَلَى إِنَّ بِعَيْنِه بَيَاضَاً»:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ صُوَرِ مُزَاحِهِ اللَّطِيفَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مَا رواه ابن أبي الدنيا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ أَيْمَنَ قَالَتْ للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ زَوْجِي يَدْعُوكَ.
قَالَ: «وَمَنْ هُوَ، أَهُوَ الَّذِي بِعَيْنِهِ بَيَاضٌ؟».
قَالَتْ: وَاللهِ مَا بِعَيْنِه بَيَاضٌ!
فَقَالَ: «بَلَى إِنَّ بِعَيْنِه بَيَاضَاً».
فَقَالَتْ: لَا وَاللهِ.
فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَبِعَيْنِهِ بَيَاضٌ».
«إِنَّ الْـجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا عَجُوزٌ»:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ صُوَرِ مُزَاحِهِ اللَّطِيفَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مَا رواه الطَّبَرَانِيُّ في الأَوْسَطِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَتَتْهُ عَجُوزٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ.
فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ: «إِنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا عَجُوزٌ».
فَذَهَبَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ كَلِمَتِكَ مَشَقَّةً وَشِدَّةً.
فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، إِنَّ اللهَ إِذَا أَدْخَلَهُنَّ الْجَنَّةَ حَوَّلَهُنَّ أَبْكَارَاً».
«إِنَّ زَاهِرَاً بَادِيَتُنَا، وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ»:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ صُوَرِ مُزَاحِهِ اللَّطِيفَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مَا رواه الإمام أحمد عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَجُلَاً مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَانَ اسْمُهُ زَاهِرَاً، وَكَانَ يُهْدِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْهَدِيَّةَ مِنَ الْبَادِيَةِ، فَيُجَهِّزُهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ زَاهِرَاً بَادِيَتُنَا، وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ».
وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّهُ، وَكَانَ رَجُلَاً دَمِيمَاً، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَاً وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ، فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَلَا يُبْصِرُهُ الرَّجُلُ.
فَقَالَ: أَرْسِلْنِي، مَنْ هَذَا؟
فَالْتَفَتَ، فَعَرَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ لَا يَأْلُو مَا أَلْصَقَ ظَهْرَهُ بِصَدْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حِينَ عَرَفَهُ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ؟».
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِذَاً وَاللهِ تَجِدُنِي كَاسِدَاً.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَكِنْ عِنْدَ اللهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ ـ أَوْ قَالَ: لَكِنْ عِنْدَ اللهِ أَنْتَ غَالٍ ـ».
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَمْزَحُ وَلَا يَقُولُ إلا حَقَّاً، روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا.
قَالَ: «إِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقَّاً».
خُطُورَةُ الكَذِبِ وَلَوْ في المُزَاحِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: آفَةُ العَصْرِ اليَوْمَ الكَذِبُ، الكَذِبُ انْتَشَرَ انْتِشَارَاً كَبِيرَاً في أَوْسَاطِ النَّاسِ، لَا أَقُولُ في هَزْلِهِمْ وَمُزَاحِهِمْ، بَلْ في جِدِّهِمْ، على العَكْسِ تَمَامَاً مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مَعَ مَعْرِفَةِ النَّاسِ خُطُورَةَ الكَذِبِ بِشَكْلٍ عَامٍّ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابَاً» رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وَهَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ مِصْدَاقُ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ * وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ﴾. فَالكَذَّابُ في جَحِيمٍ وَفِي عَذَابٍ أَلِيمٍ في الدُّنْيَا وَالبَرْزَخِ، ثمَّ القَرَارُ في نَارِ جَهَنَّمَ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى.
لِذَا حَذَّرَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الكَذِبِ حَتَّى في المُزَاحِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ بِالحَدِيثِ لِيُضْحِكَ بِهِ القَوْمَ فَيَكْذِبُ، وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ» رواه الترمذي عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ آمَنَتِ الأُمَّةُ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِيمَانَاً مُطْلَقَاً، لِأَنَّ كُلَّ مَا صَدَرَ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلٍ وَفِعْلٍ مَا خَرَجَ عَنِ الصِّدْقِ وَالحَقِّ قَيْدَ أُنْمُلَةٍ.
لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَادِقَاً حَقَّاً في جَمِيعِ تَـصَرُّفَاتِهِ، وَفِي جَمِيعِ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ، حَتَّى في مُزَاحِهِ، لِذَا عَشِقَهُ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ، وَعَشِقَهُ كُلُّ مَنْ تَبِعَهُ بِحَقٍّ، وَآمَنُوا بِهِ حَقَّ الإِيمَانِ، وَصَدَّقُوهُ حَقَّ التَّصْدِيقِ في كُلِّ مَا أَخْبَرَ، وَخَاصَّةً في الأُمُورِ الغَيْبِيَّةِ، فَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ سِيرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ فَهَلَّا تَرَكَتِ الأُمَّةُ بِدَايَةً الكَذِبَ في مُزَاحِهَا، لَعَلَّهَا أَنْ تَتْرُكَهُ في جِدِّهَا؟!
اللَّهُمَّ وَفِّقَنَا لِحُسْنِ الاقْتِدَاءِ وَالاتِّبَاعِ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
أمس في 20:03 من طرف Admin
» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
أمس في 20:02 من طرف Admin
» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
أمس في 19:42 من طرف Admin
» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
أمس في 19:39 من طرف Admin
» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
أمس في 19:37 من طرف Admin
» كتاب: نُسخة الأكوان في معرفة الإنسان ويليه رسائل أخرى ـ الشّيخ محيي الدين بن عربي
أمس في 19:34 من طرف Admin
» كتاب: كشف الواردات لطالب الكمالات للشيخ عبد الله السيماوي
أمس في 19:31 من طرف Admin
» كتاب: رسالة الساير الحائر الواجد إلى الساتر الواحد الماجد ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
أمس في 19:28 من طرف Admin
» كتاب: رسالة إلى الهائم الخائف من لومة اللائم ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
أمس في 19:26 من طرف Admin
» كتاب: التعرف إلى حقيقة التصوف للشيخين الجليلين أحمد العلاوي عبد الواحد ابن عاشر
أمس في 19:24 من طرف Admin
» كتاب: مجالس التذكير في تهذيب الروح و تربية الضمير للشيخ عدّة بن تونس
أمس في 19:21 من طرف Admin
» كتاب غنية المريد في شرح مسائل التوحيد للشيخ عبد الرحمن باش تارزي القسنطيني الجزائري
أمس في 19:19 من طرف Admin
» كتاب: القوانين للشيخ أبي المواهب جمال الدين الشاذلي ابن زغدان التونسي المصري
أمس في 19:17 من طرف Admin
» كتاب: مراتب الوجود المتعددة ـ الشيخ عبد الواحد يحيى
أمس في 19:14 من طرف Admin
» كتاب: جامع الأصول في الأولياء و دليل السالكين إلى الله تعالى ـ للسيد أحمد النّقشبندي الخالدي
أمس في 19:12 من طرف Admin