مع الحبيب المصطفى: قوة وعظه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
230ـ قوة وعظه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَتَكَلَّمُ بِكَلامٍ مُفَصَّلٍ مُبَيَّنٍ، بِحَيْثُ لَوْ أَرَادَ مُسْتَمِعُهُ أَنْ يَعُدَّهُ لَأَمْكَنَهُ ذَلِكَ، لِوُضُوحِهِ وَبَيَانِهِ.
تَقُولُ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ. (أَيْ: لَمْ يَكُنْ يُتَابِعُ الْحَدِيثَ اِسْتِعْجَالَاً بَعْضَهَ إِثْرَ بَعْضٍ، لِئَلَّا يَلْتَبِسَ عَلَى الْمُسْتَمِعِ).
وَقَالَتْ رَضِيَ اللهُ عَنها: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحَدِّثُ حَدِيثَاً لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لَأَحْصَاهُ. (أَيْ: لَوْ عَدَّ كَلِمَاتِهِ أَوْ مُفْرَدَاتِهِ أَوْ حُرُوفَهُ لَأَطَاقَ ذَلِكَ وَبَلَغَ آخِرَهَا، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّرْتِيلِ وَالتَّفْهِيمِ). رواهما الشيخان.
وَزَادَ الإِسْمَاعِيلِيُّ في رِوَايَتِهِ: إِنَّمَا كَانَ حَدِيثُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَهْمَاً تَفْهَمُهُ القُلُوبُ.
وروى أبو داود عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها قَالَتْ: كَانَ كَلَامُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَلَامَاً فَصْلَاً، يَفْهَمُهُ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ. (أَيْ: مَفْصُولَاً بَيْن أَجْزَائِهِ وَوَاضِحَاً).
وروى أبو داود عَن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: كَانَ فِي كَلَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَرْتِيلٌ أَوْ تَرْسِيلٌ. (أَيْ: تَأَنٍّ وَتَمَهُّلٍ مَعَ تَبْيِينِ الْحُرُوفِ وَالْحَرَكَاتِ، بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ السَّامِعُ مِنْ عَدِّهَا).
وروى الإمام البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثَاً حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ، وَإِذَا أَتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلَاثَاً (أي يَسْتَأذِنَ ثَلاثاً).
وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَتَكَلَّمُ بِكَلامٍ فَصْلٍ، لا هَزْرَ ولا نَزْرَ، وَيَكْرَهُ الثَّرْثَرَةَ في الكَلامِ، والتَّشَدُّقَ بِهِ.
وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُ التَّنَطُّعَ (التَّكَلُّف) في الكَلامِ والتَّكَلُّفَ في فَصَاحَتِهِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُما، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ يَبْغَضُ الْبَلِيغَ مِن الرِّجَالِ (أَيْ: الْمُبَالِغَ فِي فَصَاحَةِ الْكَلَامِ وَبَلَاغَتِهِ) الَّذِي يَتَخَلَّلُ بِلِسَانِهِ كَمَا تَتَخَلَّلُ الْبَقَرَةُ» (أَيْ: يُدِير لِسَانَهُ حَوْلَ أَسْنَانِهِ مُبَالَغَةً فِي إِظْهَارِ بَلَاغَتِهِ).
خُطْبَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِدُونِ خَلَلٍ ولا مَلَلٍ:
أيُّها الإخوة الكرام: روى الإمام مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَتْ صَلَاتُهُ قَصْدَاً، وَخُطْبَتُهُ قَصْدَاً. (أَي: وَسَطَاً)
وروى أبو داود عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ السُّوَائِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَا يُطِيلُ الْمَوْعِظَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِنَّمَا هُنَّ كَلِمَاتٌ يَسِيرَاتٌ.
وروى أبو داود عَن شُعَيْبِ بْنِ زُرَيْقٍ الطَّائِفِيِّ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى رَجُلٍ لَهُ صُحْبَةٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يُقَالُ لَهُ: الْحَكَمُ بْنُ حَزْنٍ الْكُلَفِيُّ، فَأَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا، قَالَ: وَفَدْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَابِعَ سَبْعَةٍ، أَوْ تَاسِعَ تِسْعَةٍ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، زُرْنَاكَ، فَادْعُ اللهَ لَنَا بِخَيْرٍ.
فَأَمَرَ بِنَا، أَوْ أَمَرَ لَنَا بِشَيْءٍ مِن التَّمْرِ، وَالشَّأْنُ إِذْ ذَاكَ دُونٌ (أَيْ: الْحَالُ يَوْمَئِذٍ كَانَتْ ضَعِيفَةٌ) فَأَقَمْنَا بِهَا أَيَّامَاً، شَهِدْنَا فِيهَا الْجُمُعَةَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ مُتَوَكِّئَاً عَلَى عَصَاً أَوْ قَوْسٍ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، كَلِمَاتٍ خَفِيفَاتٍ طَيِّبَاتٍ مُبَارَكَاتٍ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ لَنْ تُطِيقُوا، أَوْ لَنْ تَفْعَلُوا كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ، وَلَكِنْ سَدِّدُوا وَأَبْشِرُوا».
وروى الإمام مسلم عَنْ وَاصِلِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ: قَالَ أَبُو وَائِلٍ: خَطَبَنَا عَمَّارٌ فَأَوْجَزَ وَأَبْلَغَ، فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ، لَقَدْ أَبْلَغْتَ وَأَوْجَزْتَ، فَلَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْتَ (أَيْ: أَطَلْتَ قَلِيلَاً).
فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ، وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ، مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ (أَيْ: عَلَامَةٌ) فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ، وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ، وَإِنَّ مِن الْبَيَانِ سِحْرَاً (هُوَ مِنْ الْفَهْمِ وَذَكَاءِ الْقَلْبِ)».
حَالُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَثْنَاءَ الخُطْبَةِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَثْنَاءَ خُطْبَةِ الجُمُعَةِ يَتَغَيَّرُ حَالُهُ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ في وَجْهِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، روى الإمام مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ.
وَرَوَى البَزَّارُ بِإسنَادٍ حَسَنٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ الْوَحْيُ أَوْ وَعَظَ، قُلْتَ: نَذِيرُ قَوْمٍ أَتَاهُمُ الْعَذَابُ، فَإِذَا ذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ رَأَيْتَ أَطْلَقَ النَّاسِ وَجْهاً، وَأَكْثَرَهُمْ ضَحِكاً، وَأَحْسَنَهُمْ بِشْراً.
وروى الإمام أحمد عَنْ عَلِيٍّ أَوْ عَنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَا: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُنَا، فَيُذَكِّرُنَا بِأَيَّامِ اللهِ، حَتَّى نَعْرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَكَأَنَّهُ نَذِيرُ قَوْمٍ يُصَبِّحُهُمُ الْأَمْرُ غُدْوَةً، وَكَانَ إِذَا كَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِجِبْرِيلَ لَمْ يَتَبَسَّمْ ضَاحِكَاً حَتَّى يَرْتَفِعَ عَنْهُ.
قُوَّةُ وَعْظِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَتَأْثِيرُهُ في الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم:
أيُّها الإخوة الكرام: كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَعَظَ أَصْحَابَهُ الكِرَامَ رَضِيَ اللهُ عَنهُم أَثَّرَ ذَلِكَ في قُلُوبِهِم، وَطَيَّبَ نُفُوسَهُم، حَتَّى إِنَّ دُمُوعَهُم لَتَسِيلُ على خُدُودِهِم، وَتَرِقُّ وَتَخْشَعُ قُلُوبُهُم، بَلْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَرْتَقِي بِحَالِهِم رَضِيَ اللهُ عَنهُم إلى أَنْ يَصِلُوا إلى مَقَامٍ كَأَنَّهُم يُشَاهِدُونَ عَالَمِ الغَيْبِ بِبَصَائِرِهِم.
روى الإمام مسلم عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ ـ وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟
قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ.
قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! مَا تَقُولُ؟
قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيَ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا (أَيْ: عَالَجْنَا مَعَايِشَنَا وَحُظُوظَنَا) الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ (وَهِيَ : مَعَاشُ الرَّجُلِ مِنْ مَالٍ أَوْ حِرْفَةٍ أَوْ صِنَاعَةٍ) فَنَسِينَا كَثِيرَاً.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا.
فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللهِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا ذَاكَ؟».
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيَ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرَاً.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ، وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ، سَاعَةً وَسَاعَةً ـ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ـ».
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: رُوِيَ عن وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: فِي حِكْمَةِ آلِ دَاوُدَ حَقٌّ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لا يُشْغَلَ عَنْ أَرْبَعِ سَاعَاتٍ، سَاعَةٍ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ، وَسَاعَةٍ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ، وَسَاعَةٍ يَخْلُو فِيهَا إِلَى إِخْوَانِهِ الَّذِينَ يُخْبِرُونَهُ بِعُيُوبِهِ وَيَصْدُقُونَهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَسَاعَةٍ يُخَلِّي فِيهَا بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَ لَذَّاتِهَا فِيمَا يَحِلُّ وَيَجْمُلُ، فَإِنَّ هَذِهِ السَّاعَةَ عَوْنٌ عَلَى هَذِهِ السَّاعَاتِ وَإِجْمَامٌ لِلْقُلُوبِ وَفَضْلٌ يَلْقَاهُ.
أيُّها الإخوة الكرام: وفي هذا الحَدِيثِ دَلِيلٌ على أَنَّ الإِيمَانَ يَزِيدُ بِفِعْلِ الطَّاعَاتِ وَبِمُجَالَسَةِ الصَّالِحِينَ، وَأَنَّهُ يَنْقُصُ بِمُجَالَسَةِ الأَشْرَارِ، وارْتِكَابِ المُخَالَفَاتِ المَعَاصِي والمُنْكَرَاتِ، وهذا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ، قَالَ تعالى: ﴿لِيَزْدَادُوا إِيمَانَاً مَعَ إِيمَانِهِمْ وللهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمَاً حَكِيمَاً﴾. وقَالَ تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدَىً * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾.
هذهِ الآيَاتُ الكَرِيمَاتُ، والحَدِيثُ الشَّرِيفُ، تُوَضِّحُ تَوْضِيحَاً لا لَبْسَ فِيهِ ولا غُمُوضَ أَنَّ الإِيمَانَ يَزِيدُ بالطَّاعَاتِ وَبِمُجَالَسَةِ أَهْلِ الطَّاعَاتِ، وَيَنْقُصُ بالذُّنُوبِ والآثَامِ والزَّلَّاتِ، وَبِمُجَالَسَةِ أَهْلِ الذُّنُوبِ والآثَامِ والزَّلَّاتِ.
بُكَاءُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم تَأَثُّرَاً من مَوَاعِظِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد كَانَتْ مَوْعِظَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَهَا أَثَرَاً بَلِيغَاً في قُلُوبِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، حَتَّى لَتَظْهَرُ آثَارُ المَوْعِظَةِ على وُجُوهِهِم بالبُكَاءِ.
روى الحاكم وابن ماجه عَن الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يَقُولُ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ.
فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَعَظْتَنَا مَوْعِظَةَ مُوَدِّعٍ، فَاعْهَدْ إِلَيْنَا بِعَهْدٍ.
فَقَالَ: «عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدَاً حَبَشِيَّاً، وَسَتَرَوْنَ مِنْ بَعْدِي اخْتِلَافَاً شَدِيدَاً، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْأُمُورَ الْمُحْدَثَاتِ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ».
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: لا غَرَابَةَ إِذَا كَانَتْ مَوْعِظَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تُؤَثِّرُ في نُفُوسِ صَحَابَتِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، لأَنَّ مَوْعِظَتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تُؤَثِّرُ في الجَمَادَاتِ.
روى الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعَاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾.
وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هَكَذَا بِيَدِهِ، وَيُحَرِّكُهَا يُقْبِلُ بِهَا وَيُدْبِرُ: «يُمَجِّدُ الرَّبُّ نَفْسَهُ: أَنَا الْجَبَّارُ، أَنَا الْمُتَكَبِّرُ، أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْعَزِيزُ، أَنَا الْكَرِيمُ» فَرَجَفَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرُ، حَتَّى قُلْنَا: لَيَخِرَّنَّ بِهِ. (أَيْ: لَيَسْقُطُ وَيَهْوِي بهِ)
أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد كَانَ المِنْبَرُ يَتَأَثَّرُ بِمَوْعِظَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَيَا حَسْرَةً على قُلُوبٍ تَسْمَعُ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثمَّ لا تَتَأَثَّرُ بِوَصِيَّتِهِ ولا بِمَوْعِظَتِهِ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ لِسَانَاً ذَاكِرَاً، وَقَلْبَاً شَاكِرَاً، وَعَيْنَاً دَامِعَةً، وَعَمَلَاً مُتَقَبَّلَاً. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
230ـ قوة وعظه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَتَكَلَّمُ بِكَلامٍ مُفَصَّلٍ مُبَيَّنٍ، بِحَيْثُ لَوْ أَرَادَ مُسْتَمِعُهُ أَنْ يَعُدَّهُ لَأَمْكَنَهُ ذَلِكَ، لِوُضُوحِهِ وَبَيَانِهِ.
تَقُولُ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ. (أَيْ: لَمْ يَكُنْ يُتَابِعُ الْحَدِيثَ اِسْتِعْجَالَاً بَعْضَهَ إِثْرَ بَعْضٍ، لِئَلَّا يَلْتَبِسَ عَلَى الْمُسْتَمِعِ).
وَقَالَتْ رَضِيَ اللهُ عَنها: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحَدِّثُ حَدِيثَاً لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لَأَحْصَاهُ. (أَيْ: لَوْ عَدَّ كَلِمَاتِهِ أَوْ مُفْرَدَاتِهِ أَوْ حُرُوفَهُ لَأَطَاقَ ذَلِكَ وَبَلَغَ آخِرَهَا، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّرْتِيلِ وَالتَّفْهِيمِ). رواهما الشيخان.
وَزَادَ الإِسْمَاعِيلِيُّ في رِوَايَتِهِ: إِنَّمَا كَانَ حَدِيثُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَهْمَاً تَفْهَمُهُ القُلُوبُ.
وروى أبو داود عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها قَالَتْ: كَانَ كَلَامُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَلَامَاً فَصْلَاً، يَفْهَمُهُ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ. (أَيْ: مَفْصُولَاً بَيْن أَجْزَائِهِ وَوَاضِحَاً).
وروى أبو داود عَن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: كَانَ فِي كَلَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَرْتِيلٌ أَوْ تَرْسِيلٌ. (أَيْ: تَأَنٍّ وَتَمَهُّلٍ مَعَ تَبْيِينِ الْحُرُوفِ وَالْحَرَكَاتِ، بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ السَّامِعُ مِنْ عَدِّهَا).
وروى الإمام البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثَاً حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ، وَإِذَا أَتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلَاثَاً (أي يَسْتَأذِنَ ثَلاثاً).
وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَتَكَلَّمُ بِكَلامٍ فَصْلٍ، لا هَزْرَ ولا نَزْرَ، وَيَكْرَهُ الثَّرْثَرَةَ في الكَلامِ، والتَّشَدُّقَ بِهِ.
وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُ التَّنَطُّعَ (التَّكَلُّف) في الكَلامِ والتَّكَلُّفَ في فَصَاحَتِهِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُما، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ يَبْغَضُ الْبَلِيغَ مِن الرِّجَالِ (أَيْ: الْمُبَالِغَ فِي فَصَاحَةِ الْكَلَامِ وَبَلَاغَتِهِ) الَّذِي يَتَخَلَّلُ بِلِسَانِهِ كَمَا تَتَخَلَّلُ الْبَقَرَةُ» (أَيْ: يُدِير لِسَانَهُ حَوْلَ أَسْنَانِهِ مُبَالَغَةً فِي إِظْهَارِ بَلَاغَتِهِ).
خُطْبَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِدُونِ خَلَلٍ ولا مَلَلٍ:
أيُّها الإخوة الكرام: روى الإمام مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَتْ صَلَاتُهُ قَصْدَاً، وَخُطْبَتُهُ قَصْدَاً. (أَي: وَسَطَاً)
وروى أبو داود عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ السُّوَائِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَا يُطِيلُ الْمَوْعِظَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِنَّمَا هُنَّ كَلِمَاتٌ يَسِيرَاتٌ.
وروى أبو داود عَن شُعَيْبِ بْنِ زُرَيْقٍ الطَّائِفِيِّ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى رَجُلٍ لَهُ صُحْبَةٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، يُقَالُ لَهُ: الْحَكَمُ بْنُ حَزْنٍ الْكُلَفِيُّ، فَأَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا، قَالَ: وَفَدْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَابِعَ سَبْعَةٍ، أَوْ تَاسِعَ تِسْعَةٍ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، زُرْنَاكَ، فَادْعُ اللهَ لَنَا بِخَيْرٍ.
فَأَمَرَ بِنَا، أَوْ أَمَرَ لَنَا بِشَيْءٍ مِن التَّمْرِ، وَالشَّأْنُ إِذْ ذَاكَ دُونٌ (أَيْ: الْحَالُ يَوْمَئِذٍ كَانَتْ ضَعِيفَةٌ) فَأَقَمْنَا بِهَا أَيَّامَاً، شَهِدْنَا فِيهَا الْجُمُعَةَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ مُتَوَكِّئَاً عَلَى عَصَاً أَوْ قَوْسٍ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، كَلِمَاتٍ خَفِيفَاتٍ طَيِّبَاتٍ مُبَارَكَاتٍ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ لَنْ تُطِيقُوا، أَوْ لَنْ تَفْعَلُوا كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ، وَلَكِنْ سَدِّدُوا وَأَبْشِرُوا».
وروى الإمام مسلم عَنْ وَاصِلِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ: قَالَ أَبُو وَائِلٍ: خَطَبَنَا عَمَّارٌ فَأَوْجَزَ وَأَبْلَغَ، فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ، لَقَدْ أَبْلَغْتَ وَأَوْجَزْتَ، فَلَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْتَ (أَيْ: أَطَلْتَ قَلِيلَاً).
فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ، وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ، مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ (أَيْ: عَلَامَةٌ) فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ، وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ، وَإِنَّ مِن الْبَيَانِ سِحْرَاً (هُوَ مِنْ الْفَهْمِ وَذَكَاءِ الْقَلْبِ)».
حَالُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَثْنَاءَ الخُطْبَةِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَثْنَاءَ خُطْبَةِ الجُمُعَةِ يَتَغَيَّرُ حَالُهُ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ في وَجْهِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، روى الإمام مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ.
وَرَوَى البَزَّارُ بِإسنَادٍ حَسَنٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ الْوَحْيُ أَوْ وَعَظَ، قُلْتَ: نَذِيرُ قَوْمٍ أَتَاهُمُ الْعَذَابُ، فَإِذَا ذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ رَأَيْتَ أَطْلَقَ النَّاسِ وَجْهاً، وَأَكْثَرَهُمْ ضَحِكاً، وَأَحْسَنَهُمْ بِشْراً.
وروى الإمام أحمد عَنْ عَلِيٍّ أَوْ عَنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَا: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُنَا، فَيُذَكِّرُنَا بِأَيَّامِ اللهِ، حَتَّى نَعْرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَكَأَنَّهُ نَذِيرُ قَوْمٍ يُصَبِّحُهُمُ الْأَمْرُ غُدْوَةً، وَكَانَ إِذَا كَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِجِبْرِيلَ لَمْ يَتَبَسَّمْ ضَاحِكَاً حَتَّى يَرْتَفِعَ عَنْهُ.
قُوَّةُ وَعْظِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَتَأْثِيرُهُ في الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم:
أيُّها الإخوة الكرام: كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَعَظَ أَصْحَابَهُ الكِرَامَ رَضِيَ اللهُ عَنهُم أَثَّرَ ذَلِكَ في قُلُوبِهِم، وَطَيَّبَ نُفُوسَهُم، حَتَّى إِنَّ دُمُوعَهُم لَتَسِيلُ على خُدُودِهِم، وَتَرِقُّ وَتَخْشَعُ قُلُوبُهُم، بَلْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَرْتَقِي بِحَالِهِم رَضِيَ اللهُ عَنهُم إلى أَنْ يَصِلُوا إلى مَقَامٍ كَأَنَّهُم يُشَاهِدُونَ عَالَمِ الغَيْبِ بِبَصَائِرِهِم.
روى الإمام مسلم عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ ـ وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟
قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ.
قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! مَا تَقُولُ؟
قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيَ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا (أَيْ: عَالَجْنَا مَعَايِشَنَا وَحُظُوظَنَا) الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ (وَهِيَ : مَعَاشُ الرَّجُلِ مِنْ مَالٍ أَوْ حِرْفَةٍ أَوْ صِنَاعَةٍ) فَنَسِينَا كَثِيرَاً.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا.
فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللهِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا ذَاكَ؟».
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيَ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرَاً.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ، وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ، سَاعَةً وَسَاعَةً ـ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ـ».
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: رُوِيَ عن وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: فِي حِكْمَةِ آلِ دَاوُدَ حَقٌّ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لا يُشْغَلَ عَنْ أَرْبَعِ سَاعَاتٍ، سَاعَةٍ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ، وَسَاعَةٍ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ، وَسَاعَةٍ يَخْلُو فِيهَا إِلَى إِخْوَانِهِ الَّذِينَ يُخْبِرُونَهُ بِعُيُوبِهِ وَيَصْدُقُونَهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَسَاعَةٍ يُخَلِّي فِيهَا بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَ لَذَّاتِهَا فِيمَا يَحِلُّ وَيَجْمُلُ، فَإِنَّ هَذِهِ السَّاعَةَ عَوْنٌ عَلَى هَذِهِ السَّاعَاتِ وَإِجْمَامٌ لِلْقُلُوبِ وَفَضْلٌ يَلْقَاهُ.
أيُّها الإخوة الكرام: وفي هذا الحَدِيثِ دَلِيلٌ على أَنَّ الإِيمَانَ يَزِيدُ بِفِعْلِ الطَّاعَاتِ وَبِمُجَالَسَةِ الصَّالِحِينَ، وَأَنَّهُ يَنْقُصُ بِمُجَالَسَةِ الأَشْرَارِ، وارْتِكَابِ المُخَالَفَاتِ المَعَاصِي والمُنْكَرَاتِ، وهذا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ، قَالَ تعالى: ﴿لِيَزْدَادُوا إِيمَانَاً مَعَ إِيمَانِهِمْ وللهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمَاً حَكِيمَاً﴾. وقَالَ تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدَىً * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾.
هذهِ الآيَاتُ الكَرِيمَاتُ، والحَدِيثُ الشَّرِيفُ، تُوَضِّحُ تَوْضِيحَاً لا لَبْسَ فِيهِ ولا غُمُوضَ أَنَّ الإِيمَانَ يَزِيدُ بالطَّاعَاتِ وَبِمُجَالَسَةِ أَهْلِ الطَّاعَاتِ، وَيَنْقُصُ بالذُّنُوبِ والآثَامِ والزَّلَّاتِ، وَبِمُجَالَسَةِ أَهْلِ الذُّنُوبِ والآثَامِ والزَّلَّاتِ.
بُكَاءُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم تَأَثُّرَاً من مَوَاعِظِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد كَانَتْ مَوْعِظَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَهَا أَثَرَاً بَلِيغَاً في قُلُوبِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، حَتَّى لَتَظْهَرُ آثَارُ المَوْعِظَةِ على وُجُوهِهِم بالبُكَاءِ.
روى الحاكم وابن ماجه عَن الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يَقُولُ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ.
فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَعَظْتَنَا مَوْعِظَةَ مُوَدِّعٍ، فَاعْهَدْ إِلَيْنَا بِعَهْدٍ.
فَقَالَ: «عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدَاً حَبَشِيَّاً، وَسَتَرَوْنَ مِنْ بَعْدِي اخْتِلَافَاً شَدِيدَاً، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْأُمُورَ الْمُحْدَثَاتِ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ».
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: لا غَرَابَةَ إِذَا كَانَتْ مَوْعِظَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تُؤَثِّرُ في نُفُوسِ صَحَابَتِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، لأَنَّ مَوْعِظَتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تُؤَثِّرُ في الجَمَادَاتِ.
روى الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعَاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾.
وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هَكَذَا بِيَدِهِ، وَيُحَرِّكُهَا يُقْبِلُ بِهَا وَيُدْبِرُ: «يُمَجِّدُ الرَّبُّ نَفْسَهُ: أَنَا الْجَبَّارُ، أَنَا الْمُتَكَبِّرُ، أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْعَزِيزُ، أَنَا الْكَرِيمُ» فَرَجَفَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرُ، حَتَّى قُلْنَا: لَيَخِرَّنَّ بِهِ. (أَيْ: لَيَسْقُطُ وَيَهْوِي بهِ)
أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد كَانَ المِنْبَرُ يَتَأَثَّرُ بِمَوْعِظَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَيَا حَسْرَةً على قُلُوبٍ تَسْمَعُ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثمَّ لا تَتَأَثَّرُ بِوَصِيَّتِهِ ولا بِمَوْعِظَتِهِ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ لِسَانَاً ذَاكِرَاً، وَقَلْبَاً شَاكِرَاً، وَعَيْنَاً دَامِعَةً، وَعَمَلَاً مُتَقَبَّلَاً. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin