مع الحبيب المصطفى:أحرج ساعة في حياته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
256ـ أحرج ساعة في حياته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مِنْ أَعْظَمِ الفَوَارِقِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلَفِنَا الصَّالِحِ، أَنَّ الوَاحِدَ مِنْهُمْ مَا كَانَ يَتَشَاءَمُ، بَلْ كَانَ يَتَفَاءَلُ بِوَعْدِ اللهِ تعالى الذي لَا يُخْلَفُ، طَالَ الزَّمَنُ أَمْ قَصُرَ، فَكَانَ عِنْدَهُمْ عِلْمُ اليَقِينِ، وَعَيْنُ اليَقِينِ، وَحَقُّ اليَقِينِ بِأَنَّ العَاقِبَةَ للمُتَّقِينَ، وَبِأَنَّ كَيْدَ الكَائِدِينَ وَمَكْرَ المَاكِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ ﴿وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾. لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئَاً﴾.
أَمَّا حَالُنَا اليَوْمَ؛ فَقَدْ بَلَغَ اليَأْسُ وَالقُنُوطُ مِنَّا مَبْلَغَاً، حَتَّى أَصْبَحَ الوَاحِدُ مِنَّا يَنْظُرُ إلى الأُمَّةِ وَقَدْ سُفِكَتْ دِمَاؤُهَا، وَهُدِّمَتْ بُيُوتُهَا، وَرُمَّلَتْ نِسَاؤُهَا، وَيُتِّمَ أَطْفَالُهَا، وَشُرِّدَ شَبَابُهَا، وَبِوُسْعِهِ أَنْ يَقُومَ بِفِعْلِ خَيْرٍ وَلَو كَانَ قَلِيلَاً، فَإِنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ، وَلَا يَنْبِسُ بِبِنْتِ شَفَةٍ، وَلَا يَقُولُ كَلِمَةَ خَيْرٍ، بَلْ عَجِزَ بَعْضُهُمْ عَنِ التَّفَاؤُلِ، وَالأَسْوَأُ حَالَاً مِنْهُ مَنْ عَجِزَ عَنِ الدُّعَاءِ.
مَا مَرَّ اليَأْسُ على قَلْبِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: إِذَا سَكَنَ اليَأْسُ في النُّفُوسِ، وَحَلَّ بِهَا التَّشَاؤُمُ وَالقُنُوطُ، شُلَّتْ جَوَارِحُ ذَاكَ العَبْدِ فَلَا تَتَحَرَّكُ، وَشُلَّ عَقْلُهُ فَلَا يُفَكِّرُ، وَشُلَّ لِسَانُهُ فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْطِقَ بِالخَيْرِ وَالتَّفَاؤُلِ، وَمَا ذَاكَ إلا للبُعْدِ عَنْ مَنْهَجِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: هَذَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، تَمُرُّ عَلَيْهِ أَحْرَجُ سَاعَةٍ في حَيَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ فُرْصَةً ذَهَبِيَّةً بِالنِّسْبَةِ للمُشْرِكِينَ، وَلَمْ يَتَوَانَ المُشْرِكُونَ في انْتِهَازِ تِلْكَ الفُرْصَةِ، فَقَدْ رَكَّزُوا حَمْلَتَهُمْ على النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَطَمِعُوا في القَضَاءِ عَلَيْهِ؛ رَمَاهُ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ بِالحِجَارَةِ فَوَقَعَ لِشِقِّهِ، وَأُصِيبَتْ رَبَاعِيَتُهُ اليُمْنَى السَّفْلَى، وَكَلِمَتُ شَفَتِهِ السُّفْلَى، وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللِه بْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، فَشَجَّهُ في جَبْهَتَهِ، وَجَاءَ فَارِسٌ عَنِيدٌ هُوَ عَبْدُ اللِه بْنُ قَمِئَةَ فَضَرَبَ على عَاتِقِهِ بِالسَّيْفِ ضَرْبَةً عَنِيفَةً، شَكَا لِأَجْلِهَا أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ هَتْكِ الدِّرْعَيْنِ، ثمَّ ضَرَبَ على وَجْنَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ضَرْبَةً أُخْرَى عَنِيفَةً كَالأُولَى، حَتَّى دَخَلَتْ حَلَقَتَانِ مِنْ حِلَقِ المِغْفَرِ في وَجْنَتِهِ، وَقَالَ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ قَمِئَةَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَهُ وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ: «أَقْمَأَكَ اللهُ» (أَيْ: أَذَلَّكَ وَأَهْلَكَكَ).
وَقَدْ سَمِعَ اللهُ تعالى دُعَاءِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِ تَيْسَ جَبَلٍ، فَلَمْ يَزَلْ يَنْطَحُهُ حَتَّى قَطَعَهُ قِطْعَةً قِطْعَةً. رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ.
وروى الترمذي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شُجَّ فِي وَجْهِهِ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وَرُمِيَ رَمْيَةً عَلَى كَتِفِهِ، فَجَعَلَ الدَّمُ يَسِيلُ عَلَى وَجْهِهِ، وَهُوَ يَمْسَحُهُ وَيَقُولُ: «كَيْفَ تُفْلِحُ أُمَّةٌ فَعَلُوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ؟».
فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾.
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: هَلْ يَئِسَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في هَذَا المَوْقِفِ؟ هَلْ تَشَاءَمَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ على العَكْسِ مِنْ ذَلِكَ تَمَامَاً.
روى الإمام أحمد عَنْ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَفَأَ الْـمُشْرِكُونَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: « اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِيَ عَلَى رَبِّي». فَصَارُوا خَلْفَهُ صُفُوفَاً.
فَقَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللَّهُمَّ لَا قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلَا بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ، وَلَا هَادِيَ لِمَنْ أَضْلَلْتَ، وَلَا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ، وَلَا مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ، اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْـمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ، وَالْأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ، اللَّهُمَّ إِنِّي عَائِذٌ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرِّ مَا مَنَعْتَ، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ، وَالْفُسُوقَ، وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ، وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ، غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مَفْتُونِينَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ، اللهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ؛ إِلَهَ الْحَقِّ».
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: المُؤْمِنُ لَا يَعْرِفُ اليَأْسَ وَلَا القُنُوطَ وَلَا التَّشَاؤُمَ، وَهَكَذَا كَانَ سَلَفُنَا الصَّالِحُ رَضِيَ اللهُ عَنهُم الذينَ قَالَ اللهُ تعالى فِيهِمْ: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانَاً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾.
أَشَدُّ مَا ابْتُلِيَتْ بِهِ الأُمَّةُ اليَوْمَ:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: إِنَّ أَشَدَّ مَا ابْتُلِيَتْ بِهِ الأُمَّةُ اليَوْمَ، لَا سِيَّمَا في هَذِهِ الأَزْمَةِ، التَّشَاؤُمُ مِنَ الوَضْعِ الذي تَمُرُّ بِهِ الأُمَّةُ، وَاليَأْسُ وَالقُنُوطُ مِنْ تَحَوُّلِ هَذَا الحَالِ، وَنَسِيَتِ الأُمَّةُ ـ إلا مَنْ رَحِمَ اللهُ تعالى ـ تَوْجِيهَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي هُوَ مُضَادٌّ للتَّشَاؤُمِ.
روى أبو داود عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: ذُكِرَتِ الطِّيَرَةُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ: «أَحْسَنُهَا الْفَأْلُ، وَلَا تَرُدُّ مُسْلِمَاً، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ».
وروى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الْفَأْلُ الْحَسَنُ، وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ.
لَقَدْ عَلَّمَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُحِبَّ الفَأْلَ الحَسَنَ، لِأَنَّ النَّاسَ يَكُونُونَ بِخَيْرٍ إِذَا أَمَّلُوا مَا عِنْدَ اللهِ تعالى، وَرَجَوا عَوَائِدَهُ عِنْدَ كُلِّ سَبَبٍ، أَمَّا إِذَا قَطَعُوا آمَالَهُمْ وَرَجَاءَهُمْ كَانَ ذَلِكَ شَرَّاً عَلَيْهِمْ، أَلَمْ يَقُلِ اللهُ تعالى في الحدِيثِ القُدْسِيِّ: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: التَّشَاؤُمُ وَاليَأْسُ سُوءُ ظَنٍّ بِاللهِ تعالى، وَتَوَقُّعٌ للبَلَاءِ؛ لِذَلِكَ بَيَّنَ لَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الطِّيَرَةَ لَا تَرُدُّ مُسْلِمَاً عَنِ المُضِيِّ في حَاجَتِهِ، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ طَالِبَاً لَهَا مِنَ اللهِ تعالى، بَلْ شَأْنُ المُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ مُتَوَكِّلَاً على اللهِ تعالى في جَمِيعِ أُمُورِهِ، فَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ.
«اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ»:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَائِمَاً وَأَبَدَاً مُتَفَائِلَاً، وَحَاشَاهُ أَنْ يَكُونَ في لَحْظَةٍ مِنَ اللَّحَظَاتِ مُتَشَائِمَاً، وَتَدَبَّرُوا هَذَا الدُّعَاءَ الذي دَعَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ، بِأَبِي جَهْلٍ، أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ» رواه الإمام أحمد والترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا.
وَقَدِ اشْتُهِرَ على الأَلْسُنِ: (بِأَحَبِّ العُمَرَيْنِ). وَهَذَا لَا أَصْلَ لَهُ.
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: إِنَّ الهُمُومَ وَالأَحْزَانَ وَالشَّدَائِدَ وَالابْتِلَاءَاتِ بِمَا فِيهَا مِنْ أَلَمٍ وَمَرَارَةٍ تَغرِسُ في قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ رُوحَ التَّفَاؤُلِ وَالإِيمَانِ وَالتَّطَلُّعِ إلى غَدٍ مُشْرِقٍ، لِأَنَّ اللهَ تعالى يَقُولُ: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾. فَلَا يَدْرِي أَحَدُنَا مَاذَا يَحْمِلُ الغَدُ لَنَا؛ مَنْ كَانَ يَتَصَوَّرُ إِسْلَامَ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ؟
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَبْعَثَ التَّفَاؤُلَ في الأُمَّةِ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ سِيرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ خِلَالِ سِيرَةِ الصَّحَابَةِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، الذينَ كَانُوا دَائِمَاً وَأَبَدَاً مُتَفَائِلِينَ، وَلَمْ يَكُونُوا مُتَشَائِمِينَ، لِأَنَّهُمْ على يَقِينٍ بِأَنَّ قُلُوبَ العِبَادِ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ، وَلِأَنَّهُمْ على يَقِينٍ بِأَنَّ المَشِيئَةَ العُلْيَا هِيَ النَّافِذَةُ ﴿وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾.
هَؤُلَاءِ هُمْ سَلَفُنَا الصَّالِحُ الذينَ نَتَعَلَّمُ مِنْهُمُ التَّفَاؤُلَ، وَنَبْذَ التَّشَاؤُمِ وَاليَأْسِ، جَزَاهُمُ اللهُ تعالى عَنَّا خَيْرَ الجَزَاءِ.
اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدَّاً جَمِيلَاً. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
256ـ أحرج ساعة في حياته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مِنْ أَعْظَمِ الفَوَارِقِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلَفِنَا الصَّالِحِ، أَنَّ الوَاحِدَ مِنْهُمْ مَا كَانَ يَتَشَاءَمُ، بَلْ كَانَ يَتَفَاءَلُ بِوَعْدِ اللهِ تعالى الذي لَا يُخْلَفُ، طَالَ الزَّمَنُ أَمْ قَصُرَ، فَكَانَ عِنْدَهُمْ عِلْمُ اليَقِينِ، وَعَيْنُ اليَقِينِ، وَحَقُّ اليَقِينِ بِأَنَّ العَاقِبَةَ للمُتَّقِينَ، وَبِأَنَّ كَيْدَ الكَائِدِينَ وَمَكْرَ المَاكِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ ﴿وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾. لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئَاً﴾.
أَمَّا حَالُنَا اليَوْمَ؛ فَقَدْ بَلَغَ اليَأْسُ وَالقُنُوطُ مِنَّا مَبْلَغَاً، حَتَّى أَصْبَحَ الوَاحِدُ مِنَّا يَنْظُرُ إلى الأُمَّةِ وَقَدْ سُفِكَتْ دِمَاؤُهَا، وَهُدِّمَتْ بُيُوتُهَا، وَرُمَّلَتْ نِسَاؤُهَا، وَيُتِّمَ أَطْفَالُهَا، وَشُرِّدَ شَبَابُهَا، وَبِوُسْعِهِ أَنْ يَقُومَ بِفِعْلِ خَيْرٍ وَلَو كَانَ قَلِيلَاً، فَإِنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ، وَلَا يَنْبِسُ بِبِنْتِ شَفَةٍ، وَلَا يَقُولُ كَلِمَةَ خَيْرٍ، بَلْ عَجِزَ بَعْضُهُمْ عَنِ التَّفَاؤُلِ، وَالأَسْوَأُ حَالَاً مِنْهُ مَنْ عَجِزَ عَنِ الدُّعَاءِ.
مَا مَرَّ اليَأْسُ على قَلْبِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: إِذَا سَكَنَ اليَأْسُ في النُّفُوسِ، وَحَلَّ بِهَا التَّشَاؤُمُ وَالقُنُوطُ، شُلَّتْ جَوَارِحُ ذَاكَ العَبْدِ فَلَا تَتَحَرَّكُ، وَشُلَّ عَقْلُهُ فَلَا يُفَكِّرُ، وَشُلَّ لِسَانُهُ فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْطِقَ بِالخَيْرِ وَالتَّفَاؤُلِ، وَمَا ذَاكَ إلا للبُعْدِ عَنْ مَنْهَجِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: هَذَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، تَمُرُّ عَلَيْهِ أَحْرَجُ سَاعَةٍ في حَيَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ فُرْصَةً ذَهَبِيَّةً بِالنِّسْبَةِ للمُشْرِكِينَ، وَلَمْ يَتَوَانَ المُشْرِكُونَ في انْتِهَازِ تِلْكَ الفُرْصَةِ، فَقَدْ رَكَّزُوا حَمْلَتَهُمْ على النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَطَمِعُوا في القَضَاءِ عَلَيْهِ؛ رَمَاهُ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ بِالحِجَارَةِ فَوَقَعَ لِشِقِّهِ، وَأُصِيبَتْ رَبَاعِيَتُهُ اليُمْنَى السَّفْلَى، وَكَلِمَتُ شَفَتِهِ السُّفْلَى، وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللِه بْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، فَشَجَّهُ في جَبْهَتَهِ، وَجَاءَ فَارِسٌ عَنِيدٌ هُوَ عَبْدُ اللِه بْنُ قَمِئَةَ فَضَرَبَ على عَاتِقِهِ بِالسَّيْفِ ضَرْبَةً عَنِيفَةً، شَكَا لِأَجْلِهَا أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ هَتْكِ الدِّرْعَيْنِ، ثمَّ ضَرَبَ على وَجْنَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ضَرْبَةً أُخْرَى عَنِيفَةً كَالأُولَى، حَتَّى دَخَلَتْ حَلَقَتَانِ مِنْ حِلَقِ المِغْفَرِ في وَجْنَتِهِ، وَقَالَ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ قَمِئَةَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَهُ وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ: «أَقْمَأَكَ اللهُ» (أَيْ: أَذَلَّكَ وَأَهْلَكَكَ).
وَقَدْ سَمِعَ اللهُ تعالى دُعَاءِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِ تَيْسَ جَبَلٍ، فَلَمْ يَزَلْ يَنْطَحُهُ حَتَّى قَطَعَهُ قِطْعَةً قِطْعَةً. رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ.
وروى الترمذي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شُجَّ فِي وَجْهِهِ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وَرُمِيَ رَمْيَةً عَلَى كَتِفِهِ، فَجَعَلَ الدَّمُ يَسِيلُ عَلَى وَجْهِهِ، وَهُوَ يَمْسَحُهُ وَيَقُولُ: «كَيْفَ تُفْلِحُ أُمَّةٌ فَعَلُوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ؟».
فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾.
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: هَلْ يَئِسَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في هَذَا المَوْقِفِ؟ هَلْ تَشَاءَمَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ على العَكْسِ مِنْ ذَلِكَ تَمَامَاً.
روى الإمام أحمد عَنْ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَفَأَ الْـمُشْرِكُونَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: « اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِيَ عَلَى رَبِّي». فَصَارُوا خَلْفَهُ صُفُوفَاً.
فَقَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللَّهُمَّ لَا قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلَا بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ، وَلَا هَادِيَ لِمَنْ أَضْلَلْتَ، وَلَا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ، وَلَا مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ، اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْـمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ، وَالْأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ، اللَّهُمَّ إِنِّي عَائِذٌ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرِّ مَا مَنَعْتَ، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ، وَالْفُسُوقَ، وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ، وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ، غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مَفْتُونِينَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ، اللهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ؛ إِلَهَ الْحَقِّ».
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: المُؤْمِنُ لَا يَعْرِفُ اليَأْسَ وَلَا القُنُوطَ وَلَا التَّشَاؤُمَ، وَهَكَذَا كَانَ سَلَفُنَا الصَّالِحُ رَضِيَ اللهُ عَنهُم الذينَ قَالَ اللهُ تعالى فِيهِمْ: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانَاً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾.
أَشَدُّ مَا ابْتُلِيَتْ بِهِ الأُمَّةُ اليَوْمَ:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: إِنَّ أَشَدَّ مَا ابْتُلِيَتْ بِهِ الأُمَّةُ اليَوْمَ، لَا سِيَّمَا في هَذِهِ الأَزْمَةِ، التَّشَاؤُمُ مِنَ الوَضْعِ الذي تَمُرُّ بِهِ الأُمَّةُ، وَاليَأْسُ وَالقُنُوطُ مِنْ تَحَوُّلِ هَذَا الحَالِ، وَنَسِيَتِ الأُمَّةُ ـ إلا مَنْ رَحِمَ اللهُ تعالى ـ تَوْجِيهَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي هُوَ مُضَادٌّ للتَّشَاؤُمِ.
روى أبو داود عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: ذُكِرَتِ الطِّيَرَةُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ: «أَحْسَنُهَا الْفَأْلُ، وَلَا تَرُدُّ مُسْلِمَاً، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ».
وروى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الْفَأْلُ الْحَسَنُ، وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ.
لَقَدْ عَلَّمَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُحِبَّ الفَأْلَ الحَسَنَ، لِأَنَّ النَّاسَ يَكُونُونَ بِخَيْرٍ إِذَا أَمَّلُوا مَا عِنْدَ اللهِ تعالى، وَرَجَوا عَوَائِدَهُ عِنْدَ كُلِّ سَبَبٍ، أَمَّا إِذَا قَطَعُوا آمَالَهُمْ وَرَجَاءَهُمْ كَانَ ذَلِكَ شَرَّاً عَلَيْهِمْ، أَلَمْ يَقُلِ اللهُ تعالى في الحدِيثِ القُدْسِيِّ: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: التَّشَاؤُمُ وَاليَأْسُ سُوءُ ظَنٍّ بِاللهِ تعالى، وَتَوَقُّعٌ للبَلَاءِ؛ لِذَلِكَ بَيَّنَ لَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الطِّيَرَةَ لَا تَرُدُّ مُسْلِمَاً عَنِ المُضِيِّ في حَاجَتِهِ، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ طَالِبَاً لَهَا مِنَ اللهِ تعالى، بَلْ شَأْنُ المُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ مُتَوَكِّلَاً على اللهِ تعالى في جَمِيعِ أُمُورِهِ، فَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ.
«اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ»:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَائِمَاً وَأَبَدَاً مُتَفَائِلَاً، وَحَاشَاهُ أَنْ يَكُونَ في لَحْظَةٍ مِنَ اللَّحَظَاتِ مُتَشَائِمَاً، وَتَدَبَّرُوا هَذَا الدُّعَاءَ الذي دَعَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ، بِأَبِي جَهْلٍ، أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ» رواه الإمام أحمد والترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا.
وَقَدِ اشْتُهِرَ على الأَلْسُنِ: (بِأَحَبِّ العُمَرَيْنِ). وَهَذَا لَا أَصْلَ لَهُ.
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: إِنَّ الهُمُومَ وَالأَحْزَانَ وَالشَّدَائِدَ وَالابْتِلَاءَاتِ بِمَا فِيهَا مِنْ أَلَمٍ وَمَرَارَةٍ تَغرِسُ في قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ رُوحَ التَّفَاؤُلِ وَالإِيمَانِ وَالتَّطَلُّعِ إلى غَدٍ مُشْرِقٍ، لِأَنَّ اللهَ تعالى يَقُولُ: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾. فَلَا يَدْرِي أَحَدُنَا مَاذَا يَحْمِلُ الغَدُ لَنَا؛ مَنْ كَانَ يَتَصَوَّرُ إِسْلَامَ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ؟
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَبْعَثَ التَّفَاؤُلَ في الأُمَّةِ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ سِيرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ خِلَالِ سِيرَةِ الصَّحَابَةِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، الذينَ كَانُوا دَائِمَاً وَأَبَدَاً مُتَفَائِلِينَ، وَلَمْ يَكُونُوا مُتَشَائِمِينَ، لِأَنَّهُمْ على يَقِينٍ بِأَنَّ قُلُوبَ العِبَادِ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ، وَلِأَنَّهُمْ على يَقِينٍ بِأَنَّ المَشِيئَةَ العُلْيَا هِيَ النَّافِذَةُ ﴿وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾.
هَؤُلَاءِ هُمْ سَلَفُنَا الصَّالِحُ الذينَ نَتَعَلَّمُ مِنْهُمُ التَّفَاؤُلَ، وَنَبْذَ التَّشَاؤُمِ وَاليَأْسِ، جَزَاهُمُ اللهُ تعالى عَنَّا خَيْرَ الجَزَاءِ.
اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدَّاً جَمِيلَاً. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
اليوم في 20:03 من طرف Admin
» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
اليوم في 20:02 من طرف Admin
» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
اليوم في 19:42 من طرف Admin
» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
اليوم في 19:39 من طرف Admin
» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
اليوم في 19:37 من طرف Admin
» كتاب: نُسخة الأكوان في معرفة الإنسان ويليه رسائل أخرى ـ الشّيخ محيي الدين بن عربي
اليوم في 19:34 من طرف Admin
» كتاب: كشف الواردات لطالب الكمالات للشيخ عبد الله السيماوي
اليوم في 19:31 من طرف Admin
» كتاب: رسالة الساير الحائر الواجد إلى الساتر الواحد الماجد ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
اليوم في 19:28 من طرف Admin
» كتاب: رسالة إلى الهائم الخائف من لومة اللائم ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
اليوم في 19:26 من طرف Admin
» كتاب: التعرف إلى حقيقة التصوف للشيخين الجليلين أحمد العلاوي عبد الواحد ابن عاشر
اليوم في 19:24 من طرف Admin
» كتاب: مجالس التذكير في تهذيب الروح و تربية الضمير للشيخ عدّة بن تونس
اليوم في 19:21 من طرف Admin
» كتاب غنية المريد في شرح مسائل التوحيد للشيخ عبد الرحمن باش تارزي القسنطيني الجزائري
اليوم في 19:19 من طرف Admin
» كتاب: القوانين للشيخ أبي المواهب جمال الدين الشاذلي ابن زغدان التونسي المصري
اليوم في 19:17 من طرف Admin
» كتاب: مراتب الوجود المتعددة ـ الشيخ عبد الواحد يحيى
اليوم في 19:14 من طرف Admin
» كتاب: جامع الأصول في الأولياء و دليل السالكين إلى الله تعالى ـ للسيد أحمد النّقشبندي الخالدي
اليوم في 19:12 من طرف Admin