مع الحبيب المصطفى: لماذا نريد كسب القلوب بالأخلاق الحسنة؟
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
249ـ لماذا نريد كسب القلوب بالأخلاق الحسنة؟
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى أَنْ نَسْلُكَ الطَّرِيقَ الذي سَلَكَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ للدُّخُولِ إلى قُلُوبِ الآخَرِينَ، حَتَّى تَشِيعَ الأُلْفَةُ وَالمَحَبَّةُ بَيْنَ أَفْرَادِ المُجْتَمَعِ.
نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى تَعْمِيقِ رَوَابِطِ الأُخُوَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ بَيْنَنَا، نَحْنُ بِحَاجَةٍ مَاسَّةٍ إلى تَجْسِيدِ قَوْلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في حَيَاتِنَا: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» رواه الشيخان عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ لِنَكْسِبَ قُلُوبَ بَعْضِنَا بَعْضَاً، وَأَنْ نَكْسِبَ قُلُوبَ الآخَرِينَ مِنْ غَيْرِ مِلَّتِنَا، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ حُسْنِ المُعَامَلَةِ، وَجَمِيلِ الأَخْلَاقِ، نُرِيدُ أَنْ نَكْسِبَ القُلُوبَ عَنْ طَرِيقِ مَكَارِمِ الأَخْلَاقِ، وَلَيْسَ بِالمُدَاهَنَةِ، وَلَيْسَ بِتَمْيِيعِ دِينِنَا، روى الإمام أحمد والحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ».
لِمَاذَا نُرِيدُ كَسْبَ القُلُوبِ بِالأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ؟
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: نُرِيدُ كَسْبَ القُلُوبِ بِالأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ، لَا مِنْ أَجْلِ الدُّنْيَا وَمَتَاعِهَا، وَلَا مِنْ أَجْلِ زَخَارِفِهَا وَزِينَتِهَا، وَلَا مِنْ أَجْلِ إِظْهَارِ أَنْفُسِنَا، ولَا مِنْ أَجْلِ تَوَاضُعِنَا، وَلَا مِنْ أَجْلِ تَمَلُّقِ النَّاسِ، وَطَلَبِ مَحَامِدِهِم وَثَنَائِهِم، بَلْ مِنْ أَجْلِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ القَائِلِ: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾. وَالخُلُقُ الحَسَنُ مِنَ العِبَادَةِ.
نُرِيدُ كَسْبَ القُلُوبِ بِالأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ، لِأَنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ مَعَالِيَ الأَخْلَاقِ، وَيَكْرَهُ سَفَاسِفَهَا.
نُرِيدُ كَسْبَ القُلُوبِ بِالأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ، طَلَبَاً لِحُبِّ الحَبِيبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَنَا، وَقُربِنَا مِنْهُ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسَاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقَاً، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسَاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْـمُتَشَدِّقُونَ وَالْـمُتَفَيْهِقُونَ».
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْـمُتَشَدِّقُونَ، فَمَا الْـمُتَفَيْهِقُونَ؟
قَالَ: «الْـمُتَكَبِّرُونَ».
نُرِيدُ كَسْبَ القُلُوبِ بِالأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ، تَطْبِيقَاً لِتَعَالِيمِ شَرْعِنَا الذي رَضِيَهُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى لَنَا، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينَاً﴾. وَعَمَلَاً بِآدَابِ دِينِنَا قَوْلَاً وَعَمَلَاً، سِرَّاً وَعَلَنَاً، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» رواه الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
نُرِيدُ كَسْبَ القُلُوبِ بِالأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ، شَوْقَاً لِجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ، وَتَثْقِيلَاً لِمِيزَانِ حَسَنَاتِنَا يَوْمَ القِيَامَةِ، روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ؟
فَقَالَ: «تَقْوَى اللهِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ».
وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ؟
فَقَالَ: «الْفَمُ وَالْفَرْجُ».
وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ» رواه الإمام أحمد وأبو داود عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
نُرِيدُ كَسْبَ القُلُوبِ بِالأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ، لِأَنَّ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْـمُتَوَكِّلِينَ﴾.
يُعْطِي كُلَّ جَلِيسٍ حَقَّهُ:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مِنْ مَكَارِمِ أَخْلَاقِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُشْعِرُ الجَمِيعَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّهُمْ، بَلْ إِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ جَالَسَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَشْعُرَ أَنَّهُ أَحَبُّ النَّاسِ إلى قَلْبِ الحَبِيبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
روى التِّرْمِذِي في الشَّمَائِلِ المُحَمَّدِيَّةِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُقْبِلُ بِوَجْهِهِ وَحَدِيثِهِ عَلَى أَشَرِّ الْقَوْمِ ، يَتَأَلَّفُهُمْ بِذَلِكَ، فَكَانَ يُقْبِلُ بِوَجْهِهِ وَحَدِيثِهِ عَلَيَّ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنِّي خَيْرُ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا خَيْرٌ، أَوْ أبُو بَكْرٍ؟
فَقَالَ: «أَبُو بَكْرٍ».
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا خَيْرٌ، أَمْ عُمَرُ؟
فَقَالَ: «عُمَرُ».
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا خَيْرٌ أَمْ عُثْمَانُ؟
فَقَالَ: «عُثْمَانُ».
فَلَمَّا سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَصَدَقَنِي، فَلَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ سَأَلْتُهُ.
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: هَكَذَا كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَلَسَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَقَد كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي كُلَّ جُلَسَائِهِ بنَصِيبِهِ.
روى التِّرْمِذِي في الشَّمَائِلِ عَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ في وَصْفِهِ لِمَجْلِسِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَا يَجْلِسُ وَلَا يَقُومُ، إِلاَّ عَلَى ذِكْرٍ، وَلَا يُوطِنُ الأَمَاكِنَ، وَيَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا، وَإِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْمٍ جَلَسَ حَيْثُ انْتَهَى بِهِ الْـمَجْلِسُ، وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ، يُعْطِي كُلَّ جُلَسَائِهِ بِنَصِيبِهِ، لَا يَحْسَبُ جَلِيسُهُ أَنَّ أَحَدَاً أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِنْهُ.
كَيْفَ دَخَلَ إلى قُلُوبِ النَّاسِ؟
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: قَدْ يَتَسَاءَلُ أَحَدُنَا: كَيْفَ دَخَلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قُلُوبَ النَّاسِ، حَتَّى أَحَبُّوهُ، وَدَخَلُوا في دِينِ اللهِ أَفْوَاجَاً.
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد دَخَلَ القُلُوبَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ، أَلَيْسَ هُوَ القَائِلُ: «إِنَّكُم لَا تَسَعُونَ النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلْيَسَعْهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ، وَحُسْنِ الخُلُقِ»؟ رواه الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. بِالأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ التي أَخْبَرَنَا مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ عَنْهَا بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. مِنْ هَذِهِ الأَخْلَاقِ وَالشَّمَائِلِ:
أولاً: شِدَّةُ حَيَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَقَد جَاءَ في سِيرَتِهِ العَطِرَةِ، وَشَمَائِلِهِ الزَّكِيَّةِ، أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا؛ كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رواه الشيخان عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا.
وَيَقُولُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ النَّاسِ حَيَاءً. رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ.
فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَا يُثَبِّتُ بَصَرَهُ على أَحَدٍ، وَيَقْبَلُ مَعْذِرَةَ المُعْتَذِرِينَ، وَكَانَ يَمْزَحُ وَلَا يَقُولُ إلا حَقَّاً، يَضْحَكُ مِنْ غَيْرِ قَهْقَهَةٍ، تُرْفَعُ الأَصْوَاتُ عَلَيْهِ فَيَصْبِرُ، وَلَا يَحْتَقِرُ مِسْكِينَاً لِفَقْرهِ، وَمَا ضَرَبَ أَحَدَاً بِيَدِهِ، روى الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ خَادِمَاً لَهُ قَطُّ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ شَيْئَاً قَطُّ، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلَّا كَانَ أَحَبَّهُمَا إِلَيْهِ أَيْـسَرُهُمَا، حَتَّى يَكُونَ إِثْمَاً، فَإِذَا كَانَ إِثْمَاً كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ الْإِثْمِ.
ثانياً: مَا انْتَقَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ قَطُّ، بَلْ كَانَ يَغْضَبُ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، روى الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: وَلَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ، حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَكُونَ هُوَ يَنْتَقِمُ للهِ عَزَّ وَجَلَّ.
ثالثاً: كَانَ يَبْدَأُ مَنْ لَقِيَهُ بِالسَّلامِ، وَيَبْدَؤُهُ بِالمُصَافَحَةِ، وَكَانَ يَشُدُّ قَبْضَتَهُ على مَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، روى ابن ماجه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا لَقِيَ الرَّجُلَ فَكَلَّمَهُ لَمْ يَصْرِفْ وَجْهَهُ عَنْهُ، حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَنْصَرِفُ، وَإِذَا صَافَحَهُ لَمْ يَنْزِعْ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ، حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَنْزِعُهَا، وَلَمْ يُرَ مُتَقَدِّمَاً بِرُكْبَتَيْهِ جَلِيسَاً لَهُ قَطُّ.
رابعاً: كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ المَجْلِسُ، روى التِّرْمِذِيُّ في الشَّمَائِلِ عَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ في وَصْفِهِ لِمَجْلِسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَإِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْمٍ جَلَسَ حَيْثُ انْتَهَى بِهِ الْـمَجْلِسُ، وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ.
خامساً: كَانَ أَرْأَفَ النَّاسِ بِالنَّاسِ، وَخَيْرَ النَّاسِ للنَّاسِ، روى الإمام أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ امْرَأَةً لَقِيَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْـمَدِينَةِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً.
قَالَ: «يَا أُمَّ فُلَانٍ، اجْلِسِي فِي أَيِّ نَوَاحِي السِّكَكِ شِئْتِ أَجْلِسْ إِلَيْكِ».
قَالَ: فَقَعَدَتْ، فَقَعَدَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَضَتْ حَاجَتَهَا.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ حَقِيقَةَ هَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، فَليَنْظُرْ في سِيرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْرُفَ في تَبْلِيغِ آيَةٍ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَحَلَّى بِالأَخْلَاقِ المَرْضِيَّةِ، مِنْ أَجْلِ كَسْبِ القُلُوبِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الأَخْلَاقُ فِينَا، فَلْنَحْرِصْ على اكْتِسَابِهَا وَالتَّحَلِّي بِهَا مِنْ خِلَالِ تَزْكِيَةِ النُّفُوسِ وَتَرْوِيضِهَا وَتَهْذِيبِهَا.
اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِذَلِكَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
249ـ لماذا نريد كسب القلوب بالأخلاق الحسنة؟
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى أَنْ نَسْلُكَ الطَّرِيقَ الذي سَلَكَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ للدُّخُولِ إلى قُلُوبِ الآخَرِينَ، حَتَّى تَشِيعَ الأُلْفَةُ وَالمَحَبَّةُ بَيْنَ أَفْرَادِ المُجْتَمَعِ.
نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى تَعْمِيقِ رَوَابِطِ الأُخُوَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ بَيْنَنَا، نَحْنُ بِحَاجَةٍ مَاسَّةٍ إلى تَجْسِيدِ قَوْلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في حَيَاتِنَا: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» رواه الشيخان عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ لِنَكْسِبَ قُلُوبَ بَعْضِنَا بَعْضَاً، وَأَنْ نَكْسِبَ قُلُوبَ الآخَرِينَ مِنْ غَيْرِ مِلَّتِنَا، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ حُسْنِ المُعَامَلَةِ، وَجَمِيلِ الأَخْلَاقِ، نُرِيدُ أَنْ نَكْسِبَ القُلُوبَ عَنْ طَرِيقِ مَكَارِمِ الأَخْلَاقِ، وَلَيْسَ بِالمُدَاهَنَةِ، وَلَيْسَ بِتَمْيِيعِ دِينِنَا، روى الإمام أحمد والحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ».
لِمَاذَا نُرِيدُ كَسْبَ القُلُوبِ بِالأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ؟
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: نُرِيدُ كَسْبَ القُلُوبِ بِالأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ، لَا مِنْ أَجْلِ الدُّنْيَا وَمَتَاعِهَا، وَلَا مِنْ أَجْلِ زَخَارِفِهَا وَزِينَتِهَا، وَلَا مِنْ أَجْلِ إِظْهَارِ أَنْفُسِنَا، ولَا مِنْ أَجْلِ تَوَاضُعِنَا، وَلَا مِنْ أَجْلِ تَمَلُّقِ النَّاسِ، وَطَلَبِ مَحَامِدِهِم وَثَنَائِهِم، بَلْ مِنْ أَجْلِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ القَائِلِ: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾. وَالخُلُقُ الحَسَنُ مِنَ العِبَادَةِ.
نُرِيدُ كَسْبَ القُلُوبِ بِالأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ، لِأَنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ مَعَالِيَ الأَخْلَاقِ، وَيَكْرَهُ سَفَاسِفَهَا.
نُرِيدُ كَسْبَ القُلُوبِ بِالأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ، طَلَبَاً لِحُبِّ الحَبِيبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَنَا، وَقُربِنَا مِنْهُ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسَاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقَاً، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسَاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْـمُتَشَدِّقُونَ وَالْـمُتَفَيْهِقُونَ».
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْـمُتَشَدِّقُونَ، فَمَا الْـمُتَفَيْهِقُونَ؟
قَالَ: «الْـمُتَكَبِّرُونَ».
نُرِيدُ كَسْبَ القُلُوبِ بِالأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ، تَطْبِيقَاً لِتَعَالِيمِ شَرْعِنَا الذي رَضِيَهُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى لَنَا، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينَاً﴾. وَعَمَلَاً بِآدَابِ دِينِنَا قَوْلَاً وَعَمَلَاً، سِرَّاً وَعَلَنَاً، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» رواه الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
نُرِيدُ كَسْبَ القُلُوبِ بِالأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ، شَوْقَاً لِجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ، وَتَثْقِيلَاً لِمِيزَانِ حَسَنَاتِنَا يَوْمَ القِيَامَةِ، روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ؟
فَقَالَ: «تَقْوَى اللهِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ».
وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ؟
فَقَالَ: «الْفَمُ وَالْفَرْجُ».
وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ» رواه الإمام أحمد وأبو داود عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
نُرِيدُ كَسْبَ القُلُوبِ بِالأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ، لِأَنَّ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْـمُتَوَكِّلِينَ﴾.
يُعْطِي كُلَّ جَلِيسٍ حَقَّهُ:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مِنْ مَكَارِمِ أَخْلَاقِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُشْعِرُ الجَمِيعَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّهُمْ، بَلْ إِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ جَالَسَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَشْعُرَ أَنَّهُ أَحَبُّ النَّاسِ إلى قَلْبِ الحَبِيبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
روى التِّرْمِذِي في الشَّمَائِلِ المُحَمَّدِيَّةِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُقْبِلُ بِوَجْهِهِ وَحَدِيثِهِ عَلَى أَشَرِّ الْقَوْمِ ، يَتَأَلَّفُهُمْ بِذَلِكَ، فَكَانَ يُقْبِلُ بِوَجْهِهِ وَحَدِيثِهِ عَلَيَّ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنِّي خَيْرُ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا خَيْرٌ، أَوْ أبُو بَكْرٍ؟
فَقَالَ: «أَبُو بَكْرٍ».
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا خَيْرٌ، أَمْ عُمَرُ؟
فَقَالَ: «عُمَرُ».
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا خَيْرٌ أَمْ عُثْمَانُ؟
فَقَالَ: «عُثْمَانُ».
فَلَمَّا سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَصَدَقَنِي، فَلَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ سَأَلْتُهُ.
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: هَكَذَا كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَلَسَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَقَد كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي كُلَّ جُلَسَائِهِ بنَصِيبِهِ.
روى التِّرْمِذِي في الشَّمَائِلِ عَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ في وَصْفِهِ لِمَجْلِسِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَا يَجْلِسُ وَلَا يَقُومُ، إِلاَّ عَلَى ذِكْرٍ، وَلَا يُوطِنُ الأَمَاكِنَ، وَيَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا، وَإِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْمٍ جَلَسَ حَيْثُ انْتَهَى بِهِ الْـمَجْلِسُ، وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ، يُعْطِي كُلَّ جُلَسَائِهِ بِنَصِيبِهِ، لَا يَحْسَبُ جَلِيسُهُ أَنَّ أَحَدَاً أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِنْهُ.
كَيْفَ دَخَلَ إلى قُلُوبِ النَّاسِ؟
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: قَدْ يَتَسَاءَلُ أَحَدُنَا: كَيْفَ دَخَلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قُلُوبَ النَّاسِ، حَتَّى أَحَبُّوهُ، وَدَخَلُوا في دِينِ اللهِ أَفْوَاجَاً.
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد دَخَلَ القُلُوبَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ، أَلَيْسَ هُوَ القَائِلُ: «إِنَّكُم لَا تَسَعُونَ النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلْيَسَعْهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ، وَحُسْنِ الخُلُقِ»؟ رواه الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. بِالأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ التي أَخْبَرَنَا مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ عَنْهَا بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. مِنْ هَذِهِ الأَخْلَاقِ وَالشَّمَائِلِ:
أولاً: شِدَّةُ حَيَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَقَد جَاءَ في سِيرَتِهِ العَطِرَةِ، وَشَمَائِلِهِ الزَّكِيَّةِ، أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا؛ كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رواه الشيخان عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا.
وَيَقُولُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ النَّاسِ حَيَاءً. رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ.
فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَا يُثَبِّتُ بَصَرَهُ على أَحَدٍ، وَيَقْبَلُ مَعْذِرَةَ المُعْتَذِرِينَ، وَكَانَ يَمْزَحُ وَلَا يَقُولُ إلا حَقَّاً، يَضْحَكُ مِنْ غَيْرِ قَهْقَهَةٍ، تُرْفَعُ الأَصْوَاتُ عَلَيْهِ فَيَصْبِرُ، وَلَا يَحْتَقِرُ مِسْكِينَاً لِفَقْرهِ، وَمَا ضَرَبَ أَحَدَاً بِيَدِهِ، روى الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ خَادِمَاً لَهُ قَطُّ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ شَيْئَاً قَطُّ، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلَّا كَانَ أَحَبَّهُمَا إِلَيْهِ أَيْـسَرُهُمَا، حَتَّى يَكُونَ إِثْمَاً، فَإِذَا كَانَ إِثْمَاً كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ الْإِثْمِ.
ثانياً: مَا انْتَقَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ قَطُّ، بَلْ كَانَ يَغْضَبُ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، روى الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: وَلَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ، حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَكُونَ هُوَ يَنْتَقِمُ للهِ عَزَّ وَجَلَّ.
ثالثاً: كَانَ يَبْدَأُ مَنْ لَقِيَهُ بِالسَّلامِ، وَيَبْدَؤُهُ بِالمُصَافَحَةِ، وَكَانَ يَشُدُّ قَبْضَتَهُ على مَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، روى ابن ماجه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا لَقِيَ الرَّجُلَ فَكَلَّمَهُ لَمْ يَصْرِفْ وَجْهَهُ عَنْهُ، حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَنْصَرِفُ، وَإِذَا صَافَحَهُ لَمْ يَنْزِعْ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ، حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَنْزِعُهَا، وَلَمْ يُرَ مُتَقَدِّمَاً بِرُكْبَتَيْهِ جَلِيسَاً لَهُ قَطُّ.
رابعاً: كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ المَجْلِسُ، روى التِّرْمِذِيُّ في الشَّمَائِلِ عَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ في وَصْفِهِ لِمَجْلِسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَإِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْمٍ جَلَسَ حَيْثُ انْتَهَى بِهِ الْـمَجْلِسُ، وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ.
خامساً: كَانَ أَرْأَفَ النَّاسِ بِالنَّاسِ، وَخَيْرَ النَّاسِ للنَّاسِ، روى الإمام أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ امْرَأَةً لَقِيَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْـمَدِينَةِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً.
قَالَ: «يَا أُمَّ فُلَانٍ، اجْلِسِي فِي أَيِّ نَوَاحِي السِّكَكِ شِئْتِ أَجْلِسْ إِلَيْكِ».
قَالَ: فَقَعَدَتْ، فَقَعَدَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَضَتْ حَاجَتَهَا.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ حَقِيقَةَ هَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، فَليَنْظُرْ في سِيرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْرُفَ في تَبْلِيغِ آيَةٍ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَحَلَّى بِالأَخْلَاقِ المَرْضِيَّةِ، مِنْ أَجْلِ كَسْبِ القُلُوبِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الأَخْلَاقُ فِينَا، فَلْنَحْرِصْ على اكْتِسَابِهَا وَالتَّحَلِّي بِهَا مِنْ خِلَالِ تَزْكِيَةِ النُّفُوسِ وَتَرْوِيضِهَا وَتَهْذِيبِهَا.
اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِذَلِكَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
أمس في 19:59 من طرف Admin
» كتاب: إيثار الحق على الخلق ـ للإمام عز الدين محمد بن إبراهيم بن الوزير الحسنى
أمس في 19:56 من طرف Admin
» كتاب: الذين رأوا رسول الله في المنام وكلّموه ـ حبيب الكل
أمس في 19:51 من طرف Admin
» كتاب: طيب العنبر فى جمال النبي الأنور ـ الدكتور عبدالرحمن الكوثر
أمس في 19:47 من طرف Admin
» كتاب: روضة الأزهار فى محبة الصحابة للنبي المختار ـ الدكتور عبدالرحمن الكوثر
أمس في 19:42 من طرف Admin
» كتاب: دلائل المحبين فى التوسل بالأنبياء والصالحين ـ الشيخ فتحي سعيد عمر الحُجيري
أمس في 19:39 من طرف Admin
» كتاب: ريحانة الارواح في مولد خير الملاح لسيدي الشيخ علي أمين سيالة
أمس في 19:37 من طرف Admin
» كتاب: قواعد العقائد فى التوحيد ـ حجة الإسلام الإمام الغزالي
أمس في 19:35 من طرف Admin
» كتاب: سر الاسرار باضافة التوسل ـ الشيخ أحمد الطيب ابن البشير
أمس في 19:33 من طرف Admin
» كتاب: خطوتان للحقيقة ـ الأستاذ محمد مرتاض ــ سفيان بلحساين
أمس في 19:27 من طرف Admin
» كتاب: محمد صلى الله عليه وسلم مشكاة الأنوار ـ الشيخ عبدالله صلاح الدين القوصي
أمس في 19:25 من طرف Admin
» كتاب: النسمات القدوسية شرح المقدمات السنوسية الدكتور النعمان الشاوي
أمس في 19:23 من طرف Admin
» كتاب: المتمم بأمر المعظم صلى الله عليه وآله وسلم ـ الشيخ ناصر الدين عبداللطيف ناصر الدين الخطيب
أمس في 19:20 من طرف Admin
» كتاب: الجواهر المكنونة فى العلوم المصونة ـ الشيخ عبدالحفيظ الخنقي
أمس في 19:16 من طرف Admin
» كتاب: الرسالة القدسية في أسرار النقطة الحسية ـ ابن شهاب الهمداني
أمس في 19:09 من طرف Admin