مع الحبيب المصطفى: القلوب وحشية، فمن تألفها أقبلت عليه
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
288ـ القلوب وحشية، فمن تألفها أقبلت عليه
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَلِمَةُ خَفْضِ الجَنَاحِ تَأْسِرُ القُلُوبَ، وَتَسْتَثِيرُ العَوَاطِفَ؛ خَفْضُ الجَنَاحِ يَجْمَعُ القُلُوبَ المُتَنَافِرَةَ، وَيُؤَلِّفُهَا، وَيَجْعَلُ الكَلِمَةَ مَسْمُوعَةً وَمَقْبُولَةً وَمَحْبُوبَةً.
رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ خَاطَبَ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: نَحْنُ بِحَاجَةٍ إلى لَمِّ شَمْلِ النَّاسِ جَمِيعَاً فَضْلَاً عَنِ المُؤْمِنِينَ، بِحَاجَة إلى تَأْلِيفِ قُلُوبِهِمْ أَجْمَعِينَ، وَلَيْسَ هُنَاكَ مَدْخَلٌ إلى القُلُوبِ أَسْمَى وَأَرْقَى مِنَ الرِّفْقِ، فَالرِّفْقُ مَا وُجِدَ في شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَمَا فُقِدَ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ.
يَقُولُ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: القُلُوبُ وَحْشِيَّةٌ، فَمَنْ تَأَلَّفَهَا أَقْبَلَتْ عَلَيْهِ.
هَذِهِ هِيَ طَبِيعَةُ النُّفُوسِ، مُتَنَافِرَةٌ وَمُتَبَاعِدَةٌ، كَأَنَّهَا حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ، لَا تَعْرِفُ الرِّقَّةَ في طَبْعِهَا، فَمَنْ كَانَ صَاحِبَ خُلُقٍ وَتَوَاضُعٍ وَفِطْنَةٍ، رَوَّضَ تِلْكَ النُّفُوسَ وَتَأَلَّفَهَا، حَتَّى يَجْعَلَ مِنْهَا بِإِذْنِ اللهِ تعالى قُلُوبَاً مُحِبَّةً وَصَادِقَةً.
القُلُوبُ تَحْتَاجُ إلى رِفْقٍ وَلِينٍ وَخُلُقٍ حَسَنٍ، حَتَّى تُصْبِحَ مُحِبَّةً وَمُقْبِلَةً، قَالَ تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾.
فَالحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ وَسَاقَنِي هَذَا المَساقَ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَمْ نَحْنُ اليَوْمَ بِحَاجَةٍ إلى خُلُقِ التَّوَاضُعِ وَخُلُقِ اللِّينِ وَالرِّفْقِ في دَعْوَتِنَا إلى اللهِ تعالى؟ كَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ إلى تَأْلِيفِ القُلُوبِ المُتَنَافِرَةِ، وَالبَعِيدَةِ عَنْ شَرِيعَةِ اللهِ تعالى؟ كَمْ نَحْنُ اليَوْمَ بِحَاجَةٍ إلى الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ نَحْوَ العُصَاةِ المُذْنِبِينَ؟ كَمْ نَحْنُ اليَوْمَ بِحَاجَةٍ إلى نَيْلِ أَجْرِ هِدَايَةِ وَاحِدٍ شَارِدٍ عَنِ اللهِ تعالى، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَوَاللهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلَاً وَاحِدَاً خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ» رواه الشيخان عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
كَمْ نَحْنُ اليَوْمَ بِحَاجَةٍ إلى أَنْ نَتَخَلَّقَ بِأَخْلَاقِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الدَّعْوَةِ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟
روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: جَلَسَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الْجُمَحِيُّ مَعَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بَعْدَ مُصَابِ أَهْلِ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْحِجْرِ بِيَسِيرٍ، وَكَانَ مِمَّنْ يُؤْذِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ وَيَلْقَوْنَ مِنْهُمْ عَنَتَاً إِذْ هُمْ بِمَكَّةَ، وَكَانَ ابْنُهُ وَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ فِي أُسَارَى أَصْحَابِ بَدْرٍ قَالَ: فَذَكَرُوا أَصْحَابَ الْقَلِيبِ بَمَصَائِبِهِمْ، فَقَالَ صَفْوَانُ: وَاللهِ إِنْ فِي الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ.
وَقَالَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ: صَدَقْتَ وَاللهِ، لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيَّ لَيْسَ عِنْدِي قَضَاؤُهُ، وَعِيَالٌ أَخْشَى عَلَيْهِمُ الضَّيْعَةَ بَعْدِي، لَرَكِبْتُ إِلَى مُحَمَّدٍ حَتَّى أَقْتُلَهُ، فَإِنَّ لِي فِيهِمْ عِلَّةً، ابْنِي عِنْدَهُمْ أَسِيرٌ فِي أَيْدِيهِمْ.
فَاغْتَنَمَهَا صَفْوَانُ فَقَالَ: عَلَيَّ دَيْنُكَ أَنَا أَقْضِيهِ عَنْكَ، وَعِيَالُكَ مَعَ عِيَالِي أُسْوَتُهُمْ مَا بَقُوا لَا يَسَعَهُمْ شَيْءٌ نَعْجِزُ عَنْهُمْ.
قَالَ عُمَيْرٌ: اكْتُمْ عَلَيَّ شَأْنِي وَشَأْنَكَ.
قَالَ: أَفْعَلُ.
قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ عُمَيْرٌ بِسَيْفِهِ فَشُحِذَ وَسُمَّ، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى المَدِينَةِ؛ فَبَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالمَدِينَةِ فِي نَفَرٍ مِنَ المُسْلِمِينَ يَتَذَاكَرُونَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَمَا أَكْرَمَهُمُ اللهُ بِهِ، وَمَا أَرَاهُمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ، إِذْ نَظَرَ إِلَى عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ قَدْ أَنَاخَ بِبَابِ المَسْجِدِ مُتَوَشِّحَ السَّيْفِ.
فَقَالَ: هَذَا الْكَلْبُ عَدُوُّ اللهِ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ مَا جَاءَ إلَّا لِشَرٍّ، هَذَا الَّذِي حَرَّشَ بَيْنَنَا وَحَزَرَنَا لِلْقَوْمِ يَوْمَ بَدْرٍ.
ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا عَدُوُّ اللهِ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ قَدْ جَاءَ مُتَوَشِّحَاً السَّيْفَ قَالَ: «فَأَدْخِلْهُ».
فَأَقْبَلَ عُمَرُ حَتَّى أَخَذَ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فِي عُنُقِهِ فَلَبَّبَهُ بِهَا، وَقَالَ عُمَرُ لِرِجَالٍ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الْأَنْصَارِ: ادْخُلُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فاجْلِسُوا عِنْدَهُ وَاحْذَرُوا هَذَا الْكَلْبَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ.
ثُمَّ دَخَلَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَعُمَرُ آخِذٌ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فَقَالَ: «أَرْسِلْهُ يَا عُمَرُ، ادْنُ يَا عُمَيْرُ».
فَدَنَا فَقَالَ: أَنْعِمُوا صَبَاحَاً ـ وَكَانَتْ تَحِيَّةَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ بَيْنَهُمْ ـ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أكْرَمَنَا اللهُ بِتَحِيَّةٍ خَيْرٍ مِنْ تَحِيَّتِكَ يَا عُمَيْرُ، السَّلَامُ تَحِيَّةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ».
فَقَالَ: أَمَا وَاللهِ يَا مُحَمَّدُ إِنْ كُنْتَ لَحَدِيثَ الْعَهْدِ بِهَا.
قَالَ: «فَمَا جَاءَ بِكَ».
قَالَ: جِئْتُ لِهَذَا الْأَسِيرِ الَّذِي فِي أَيْدِيكُمْ فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِ.
قَالَ: «فَمَا بَالُ السَّيْفِ فِي عُنُقِكَ؟».
قَالَ: قَبَّحَهَا اللهُ مِنْ سُيُوفٍ فَهَلْ أَغْنَتْ شَيْئَاً.
قَالَ: «اصْدُقْنِي مَا الَّذِي جِئْتَ لَهُ؟».
قَالَ: مَا جِئْتُ إِلَّا لِهَذَا.
قَالَ: «بَلْ قَعَدْتَ أَنْتَ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ فِي الْحِجْرِ فَتَذَاكَرْتُما أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ فَقُلْتَ: لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيَّ وَعِيَالِي لَخَرَجْتُ حَتَّى أَقْتُلَ مُحَمَّدَاً، فَتَحَمَّلَ صَفْوَانُ لَكَ بِدَيْنِكَ وَعِيَالِكَ عَلَى أَنْ تَقْتُلَنِي، وَاللهُ حَائِلٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذَلِكَ».
قَالَ عُمَيْرٌ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ؛ قَدْ كُنَّا يَا رَسُولَ اللهِ، نُكَذِّبُكَ بِمَا كُنْتَ تَأْتِينَا بِهِ مِنْ خَبَرِ السَّمَاءِ وَمَا يَنْزِلُ عَلَيْكَ مِنَ الْوَحْيِ، وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يَحْضُرْهُ إِلَّا أَنَا وَصَفْوَانُ فَوَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ مَا أَنْبَأَكَ بِهِ إِلَّا اللهُ، فَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ وَسَاقَنِي هَذَا المَساقَ، ثُمَّ شَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَقِّهُوا أَخَاكُمْ فِي دِينِهِ وَأَقْرِئُوهُ الْقُرْآنَ، وَأَطْلِقُوا لَهُ أسِيرَهُ».
ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ جَاهِدَاً عَلَى إِطْفَاءِ نُورِ اللهِ، شَدِيدَ الْأَذَى عَلَى مَنْ كَانَ عَلَى دِينِ اللهِ، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَأْذَنَ لِي فَأَقْدَمَ مَكَّةَ فَأَدْعُوَهُمْ إِلَى اللهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ لَعَلَّ اللهَ يَهْدِيهِمْ، وَإِلَّا آذَيْتُهُمْ كَمَا كُنْتُ أُؤْذِي أَصْحَابَكَ فِي دِينِهِمْ.
فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَلَحِقَ بِمَكَّةَ، وَكَانَ صَفْوَانُ حِينَ خَرَجَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ قَالَ لِقُرَيْشٍ: أَبْشِرُوا بِوَاقِعَةٍ تَأْتِيكُمُ الْآنَ تُنْسِيكُمْ وَقْعَةَ بَدْرٍ، وَكَانَ صَفْوَانُ يَسْأَلُ عَنْهُ الرُّكْبَانَ حَتَّى قَدِمَ رَاكِبٌ فَأَخْبَرَهُ عَنْ إِسْلَامِهِ، فَحَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ أَبَدَاً، وَلَا يَنْفَعَهُ بِنَفْعٍ أَبَدَاً؛ فَلَمَّا قَدِمَ عُمَيْرٌ مَكَّةَ أَقَامَ بِهَا يَدْعُو إِلَى الْإِسْلَامِ ويُؤْذِي مَنْ يُخَالِفُهُ أَذَىً شَدِيدَاً، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ نَاسٌ كَثِيرٌ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: انْظُرُوا إلى الرِّفْقِ وَإلى رَحْمَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الرَّجُلِ، مَعَ أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَعْلَمُ حَقِيقَةَ أَمْرِهِ، وَرَغْمَ ذَلِكَ لَمْ يَأْمُرْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِإِيذَائِهِ، وَلَو قَتَلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَتَلَهُ بِحَقٍّ، وَكَانَ المَصِيرُ إلى نَارِ جَهَنَّمَ، وَلَكِنْ صَدَقَ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾.
لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَرِيصَاً عَلَى هِدَايَتِهِ، فَسَلَكَ مَعَهُ المَسْلَكَ الذي عَلَّمَهُ إِيَّاهُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾.
الدَّعْوَةُ إلى اللهِ تعالى تَحْتَاجُ إلى سَمْتٍ طَيِّبٍ وَمُعَامَلَةٍ حَسَنَةٍ، حَتَّى تُجْذَبَ قُلُوبُ النَّاسِ إلى اللهِ تعالى، وَلَا بُدَّ مِنَ المُبَالَغَةِ في ذَلِكَ، لِأَنَّ النُّفُوسَ مُخْتَلِفَةٌ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: العُصَاةُ يَحْتَاجُونَ إلى قُلُوبٍ كَبِيرَةٍ، وَصُدُورٍ حَانِيَةٍ، العُصَاةُ اليَوْمَ يَحْتَاجُونَ إلى صُدُورٍ تَبْكِي عَلَيْهَا لِتُزِيحَ عَنْهَا هُمُومَ الذُّنُوبَ وَالمَعَاصِي وَحَيَاةَ الشَّقَاءِ وَالضَّنْكِ، يَحْتَاجُونَ اليَوْمَ إلى وُجُوهٍ بَشُوشَةٍ، وَإلى أَصْحَابِ كَلِمَةٍ حَسَنَةٍ.
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا أَحْسَنَ الأَخْلَاقِ وَالأَعْمَالِ، فَإِنَّهُ لَا يَرْزُقُ أَحْسَنَهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنَّا سَيِّئَهَا، فَإِنَّهُ لَا يَصْرِفُ سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ. آمين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
288ـ القلوب وحشية، فمن تألفها أقبلت عليه
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَلِمَةُ خَفْضِ الجَنَاحِ تَأْسِرُ القُلُوبَ، وَتَسْتَثِيرُ العَوَاطِفَ؛ خَفْضُ الجَنَاحِ يَجْمَعُ القُلُوبَ المُتَنَافِرَةَ، وَيُؤَلِّفُهَا، وَيَجْعَلُ الكَلِمَةَ مَسْمُوعَةً وَمَقْبُولَةً وَمَحْبُوبَةً.
رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ خَاطَبَ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: نَحْنُ بِحَاجَةٍ إلى لَمِّ شَمْلِ النَّاسِ جَمِيعَاً فَضْلَاً عَنِ المُؤْمِنِينَ، بِحَاجَة إلى تَأْلِيفِ قُلُوبِهِمْ أَجْمَعِينَ، وَلَيْسَ هُنَاكَ مَدْخَلٌ إلى القُلُوبِ أَسْمَى وَأَرْقَى مِنَ الرِّفْقِ، فَالرِّفْقُ مَا وُجِدَ في شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَمَا فُقِدَ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ.
يَقُولُ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: القُلُوبُ وَحْشِيَّةٌ، فَمَنْ تَأَلَّفَهَا أَقْبَلَتْ عَلَيْهِ.
هَذِهِ هِيَ طَبِيعَةُ النُّفُوسِ، مُتَنَافِرَةٌ وَمُتَبَاعِدَةٌ، كَأَنَّهَا حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ، لَا تَعْرِفُ الرِّقَّةَ في طَبْعِهَا، فَمَنْ كَانَ صَاحِبَ خُلُقٍ وَتَوَاضُعٍ وَفِطْنَةٍ، رَوَّضَ تِلْكَ النُّفُوسَ وَتَأَلَّفَهَا، حَتَّى يَجْعَلَ مِنْهَا بِإِذْنِ اللهِ تعالى قُلُوبَاً مُحِبَّةً وَصَادِقَةً.
القُلُوبُ تَحْتَاجُ إلى رِفْقٍ وَلِينٍ وَخُلُقٍ حَسَنٍ، حَتَّى تُصْبِحَ مُحِبَّةً وَمُقْبِلَةً، قَالَ تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾.
فَالحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ وَسَاقَنِي هَذَا المَساقَ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَمْ نَحْنُ اليَوْمَ بِحَاجَةٍ إلى خُلُقِ التَّوَاضُعِ وَخُلُقِ اللِّينِ وَالرِّفْقِ في دَعْوَتِنَا إلى اللهِ تعالى؟ كَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ إلى تَأْلِيفِ القُلُوبِ المُتَنَافِرَةِ، وَالبَعِيدَةِ عَنْ شَرِيعَةِ اللهِ تعالى؟ كَمْ نَحْنُ اليَوْمَ بِحَاجَةٍ إلى الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ نَحْوَ العُصَاةِ المُذْنِبِينَ؟ كَمْ نَحْنُ اليَوْمَ بِحَاجَةٍ إلى نَيْلِ أَجْرِ هِدَايَةِ وَاحِدٍ شَارِدٍ عَنِ اللهِ تعالى، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَوَاللهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلَاً وَاحِدَاً خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ» رواه الشيخان عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
كَمْ نَحْنُ اليَوْمَ بِحَاجَةٍ إلى أَنْ نَتَخَلَّقَ بِأَخْلَاقِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الدَّعْوَةِ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟
روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: جَلَسَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الْجُمَحِيُّ مَعَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بَعْدَ مُصَابِ أَهْلِ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْحِجْرِ بِيَسِيرٍ، وَكَانَ مِمَّنْ يُؤْذِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ وَيَلْقَوْنَ مِنْهُمْ عَنَتَاً إِذْ هُمْ بِمَكَّةَ، وَكَانَ ابْنُهُ وَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ فِي أُسَارَى أَصْحَابِ بَدْرٍ قَالَ: فَذَكَرُوا أَصْحَابَ الْقَلِيبِ بَمَصَائِبِهِمْ، فَقَالَ صَفْوَانُ: وَاللهِ إِنْ فِي الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ.
وَقَالَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ: صَدَقْتَ وَاللهِ، لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيَّ لَيْسَ عِنْدِي قَضَاؤُهُ، وَعِيَالٌ أَخْشَى عَلَيْهِمُ الضَّيْعَةَ بَعْدِي، لَرَكِبْتُ إِلَى مُحَمَّدٍ حَتَّى أَقْتُلَهُ، فَإِنَّ لِي فِيهِمْ عِلَّةً، ابْنِي عِنْدَهُمْ أَسِيرٌ فِي أَيْدِيهِمْ.
فَاغْتَنَمَهَا صَفْوَانُ فَقَالَ: عَلَيَّ دَيْنُكَ أَنَا أَقْضِيهِ عَنْكَ، وَعِيَالُكَ مَعَ عِيَالِي أُسْوَتُهُمْ مَا بَقُوا لَا يَسَعَهُمْ شَيْءٌ نَعْجِزُ عَنْهُمْ.
قَالَ عُمَيْرٌ: اكْتُمْ عَلَيَّ شَأْنِي وَشَأْنَكَ.
قَالَ: أَفْعَلُ.
قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ عُمَيْرٌ بِسَيْفِهِ فَشُحِذَ وَسُمَّ، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى المَدِينَةِ؛ فَبَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالمَدِينَةِ فِي نَفَرٍ مِنَ المُسْلِمِينَ يَتَذَاكَرُونَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَمَا أَكْرَمَهُمُ اللهُ بِهِ، وَمَا أَرَاهُمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ، إِذْ نَظَرَ إِلَى عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ قَدْ أَنَاخَ بِبَابِ المَسْجِدِ مُتَوَشِّحَ السَّيْفِ.
فَقَالَ: هَذَا الْكَلْبُ عَدُوُّ اللهِ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ مَا جَاءَ إلَّا لِشَرٍّ، هَذَا الَّذِي حَرَّشَ بَيْنَنَا وَحَزَرَنَا لِلْقَوْمِ يَوْمَ بَدْرٍ.
ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا عَدُوُّ اللهِ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ قَدْ جَاءَ مُتَوَشِّحَاً السَّيْفَ قَالَ: «فَأَدْخِلْهُ».
فَأَقْبَلَ عُمَرُ حَتَّى أَخَذَ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فِي عُنُقِهِ فَلَبَّبَهُ بِهَا، وَقَالَ عُمَرُ لِرِجَالٍ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الْأَنْصَارِ: ادْخُلُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فاجْلِسُوا عِنْدَهُ وَاحْذَرُوا هَذَا الْكَلْبَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ.
ثُمَّ دَخَلَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَعُمَرُ آخِذٌ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فَقَالَ: «أَرْسِلْهُ يَا عُمَرُ، ادْنُ يَا عُمَيْرُ».
فَدَنَا فَقَالَ: أَنْعِمُوا صَبَاحَاً ـ وَكَانَتْ تَحِيَّةَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ بَيْنَهُمْ ـ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أكْرَمَنَا اللهُ بِتَحِيَّةٍ خَيْرٍ مِنْ تَحِيَّتِكَ يَا عُمَيْرُ، السَّلَامُ تَحِيَّةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ».
فَقَالَ: أَمَا وَاللهِ يَا مُحَمَّدُ إِنْ كُنْتَ لَحَدِيثَ الْعَهْدِ بِهَا.
قَالَ: «فَمَا جَاءَ بِكَ».
قَالَ: جِئْتُ لِهَذَا الْأَسِيرِ الَّذِي فِي أَيْدِيكُمْ فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِ.
قَالَ: «فَمَا بَالُ السَّيْفِ فِي عُنُقِكَ؟».
قَالَ: قَبَّحَهَا اللهُ مِنْ سُيُوفٍ فَهَلْ أَغْنَتْ شَيْئَاً.
قَالَ: «اصْدُقْنِي مَا الَّذِي جِئْتَ لَهُ؟».
قَالَ: مَا جِئْتُ إِلَّا لِهَذَا.
قَالَ: «بَلْ قَعَدْتَ أَنْتَ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ فِي الْحِجْرِ فَتَذَاكَرْتُما أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ فَقُلْتَ: لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيَّ وَعِيَالِي لَخَرَجْتُ حَتَّى أَقْتُلَ مُحَمَّدَاً، فَتَحَمَّلَ صَفْوَانُ لَكَ بِدَيْنِكَ وَعِيَالِكَ عَلَى أَنْ تَقْتُلَنِي، وَاللهُ حَائِلٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذَلِكَ».
قَالَ عُمَيْرٌ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ؛ قَدْ كُنَّا يَا رَسُولَ اللهِ، نُكَذِّبُكَ بِمَا كُنْتَ تَأْتِينَا بِهِ مِنْ خَبَرِ السَّمَاءِ وَمَا يَنْزِلُ عَلَيْكَ مِنَ الْوَحْيِ، وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يَحْضُرْهُ إِلَّا أَنَا وَصَفْوَانُ فَوَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ مَا أَنْبَأَكَ بِهِ إِلَّا اللهُ، فَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ وَسَاقَنِي هَذَا المَساقَ، ثُمَّ شَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَقِّهُوا أَخَاكُمْ فِي دِينِهِ وَأَقْرِئُوهُ الْقُرْآنَ، وَأَطْلِقُوا لَهُ أسِيرَهُ».
ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ جَاهِدَاً عَلَى إِطْفَاءِ نُورِ اللهِ، شَدِيدَ الْأَذَى عَلَى مَنْ كَانَ عَلَى دِينِ اللهِ، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَأْذَنَ لِي فَأَقْدَمَ مَكَّةَ فَأَدْعُوَهُمْ إِلَى اللهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ لَعَلَّ اللهَ يَهْدِيهِمْ، وَإِلَّا آذَيْتُهُمْ كَمَا كُنْتُ أُؤْذِي أَصْحَابَكَ فِي دِينِهِمْ.
فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَلَحِقَ بِمَكَّةَ، وَكَانَ صَفْوَانُ حِينَ خَرَجَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ قَالَ لِقُرَيْشٍ: أَبْشِرُوا بِوَاقِعَةٍ تَأْتِيكُمُ الْآنَ تُنْسِيكُمْ وَقْعَةَ بَدْرٍ، وَكَانَ صَفْوَانُ يَسْأَلُ عَنْهُ الرُّكْبَانَ حَتَّى قَدِمَ رَاكِبٌ فَأَخْبَرَهُ عَنْ إِسْلَامِهِ، فَحَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ أَبَدَاً، وَلَا يَنْفَعَهُ بِنَفْعٍ أَبَدَاً؛ فَلَمَّا قَدِمَ عُمَيْرٌ مَكَّةَ أَقَامَ بِهَا يَدْعُو إِلَى الْإِسْلَامِ ويُؤْذِي مَنْ يُخَالِفُهُ أَذَىً شَدِيدَاً، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ نَاسٌ كَثِيرٌ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: انْظُرُوا إلى الرِّفْقِ وَإلى رَحْمَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الرَّجُلِ، مَعَ أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَعْلَمُ حَقِيقَةَ أَمْرِهِ، وَرَغْمَ ذَلِكَ لَمْ يَأْمُرْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِإِيذَائِهِ، وَلَو قَتَلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَتَلَهُ بِحَقٍّ، وَكَانَ المَصِيرُ إلى نَارِ جَهَنَّمَ، وَلَكِنْ صَدَقَ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾.
لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَرِيصَاً عَلَى هِدَايَتِهِ، فَسَلَكَ مَعَهُ المَسْلَكَ الذي عَلَّمَهُ إِيَّاهُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾.
الدَّعْوَةُ إلى اللهِ تعالى تَحْتَاجُ إلى سَمْتٍ طَيِّبٍ وَمُعَامَلَةٍ حَسَنَةٍ، حَتَّى تُجْذَبَ قُلُوبُ النَّاسِ إلى اللهِ تعالى، وَلَا بُدَّ مِنَ المُبَالَغَةِ في ذَلِكَ، لِأَنَّ النُّفُوسَ مُخْتَلِفَةٌ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: العُصَاةُ يَحْتَاجُونَ إلى قُلُوبٍ كَبِيرَةٍ، وَصُدُورٍ حَانِيَةٍ، العُصَاةُ اليَوْمَ يَحْتَاجُونَ إلى صُدُورٍ تَبْكِي عَلَيْهَا لِتُزِيحَ عَنْهَا هُمُومَ الذُّنُوبَ وَالمَعَاصِي وَحَيَاةَ الشَّقَاءِ وَالضَّنْكِ، يَحْتَاجُونَ اليَوْمَ إلى وُجُوهٍ بَشُوشَةٍ، وَإلى أَصْحَابِ كَلِمَةٍ حَسَنَةٍ.
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا أَحْسَنَ الأَخْلَاقِ وَالأَعْمَالِ، فَإِنَّهُ لَا يَرْزُقُ أَحْسَنَهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنَّا سَيِّئَهَا، فَإِنَّهُ لَا يَصْرِفُ سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ. آمين.
اليوم في 19:59 من طرف Admin
» كتاب: إيثار الحق على الخلق ـ للإمام عز الدين محمد بن إبراهيم بن الوزير الحسنى
اليوم في 19:56 من طرف Admin
» كتاب: الذين رأوا رسول الله في المنام وكلّموه ـ حبيب الكل
اليوم في 19:51 من طرف Admin
» كتاب: طيب العنبر فى جمال النبي الأنور ـ الدكتور عبدالرحمن الكوثر
اليوم في 19:47 من طرف Admin
» كتاب: روضة الأزهار فى محبة الصحابة للنبي المختار ـ الدكتور عبدالرحمن الكوثر
اليوم في 19:42 من طرف Admin
» كتاب: دلائل المحبين فى التوسل بالأنبياء والصالحين ـ الشيخ فتحي سعيد عمر الحُجيري
اليوم في 19:39 من طرف Admin
» كتاب: ريحانة الارواح في مولد خير الملاح لسيدي الشيخ علي أمين سيالة
اليوم في 19:37 من طرف Admin
» كتاب: قواعد العقائد فى التوحيد ـ حجة الإسلام الإمام الغزالي
اليوم في 19:35 من طرف Admin
» كتاب: سر الاسرار باضافة التوسل ـ الشيخ أحمد الطيب ابن البشير
اليوم في 19:33 من طرف Admin
» كتاب: خطوتان للحقيقة ـ الأستاذ محمد مرتاض ــ سفيان بلحساين
اليوم في 19:27 من طرف Admin
» كتاب: محمد صلى الله عليه وسلم مشكاة الأنوار ـ الشيخ عبدالله صلاح الدين القوصي
اليوم في 19:25 من طرف Admin
» كتاب: النسمات القدوسية شرح المقدمات السنوسية الدكتور النعمان الشاوي
اليوم في 19:23 من طرف Admin
» كتاب: المتمم بأمر المعظم صلى الله عليه وآله وسلم ـ الشيخ ناصر الدين عبداللطيف ناصر الدين الخطيب
اليوم في 19:20 من طرف Admin
» كتاب: الجواهر المكنونة فى العلوم المصونة ـ الشيخ عبدالحفيظ الخنقي
اليوم في 19:16 من طرف Admin
» كتاب: الرسالة القدسية في أسرار النقطة الحسية ـ ابن شهاب الهمداني
اليوم في 19:09 من طرف Admin