مع الحبيب المصطفى: قلبه الشريف ألين القلوب
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
242ـ قلبه الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ألين القلوب
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْرِفَ عَظَمَةَ خَيرِ الخَلْقِ عِنْدَ اللهِ تعالى، يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْرِفَ الذي اصْطَفَاهُ اللهُ تعالى من سَائِرِ خَلْقِهِ، يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْرِفَ مَنْ قَالَ اللهُ تعالى في حَقِّهِ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْـمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾. وَمَنْ قَالَ عَن ذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ: «فَأَنَا مِنْ خِيَارٍ إِلَى خِيَارٍ» رواه الإمام الحاكم والطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما.
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْرِفَ شَيْئَاً عَن قَلْبِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ جُبِلَ قَلْبُهُ الشَّرِيفُ، لَعَلَّ اللهَ تعالى أَنْ يُكْرِمَنَا بِحُسْنِ التَّأَسِّي والاقْتِدَاءِ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ تعالى مُعَرِّفَاً على قَلْبِهِ الشَّرِيفِ: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾. فَلَمْ يَكُنْ قَلْبُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ غَلِيظَاً، بَلْ كَانَ لَيِّنَاً جُبِلَتِ الرَّحْمَةُ فِيهِ، حَتَّى كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَرْحَمَ خَلْقِ اللهِ تعالى بِخَلْقِ اللهِ تعالى، وَكَانَ قَلْبُهُ الـشَّرِيفُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَحَبَّ القُلُوبِ إلى اللهِ تعالى، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الطَّبَرَانِيُّ في مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ عَن أَبِي عِنَبَةَ الْخَوْلَانِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ للهِ آنِيَةً من أَهْلِ الأَرْضِ، وَآنِيَةُ رَبِّكُم قُلُوبُ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، وَأَحَبُّهَا إِلَيْهِ أَلْيَنُهَا وَأَرَقُّهَا». وَهَلْ هُنَاكَ أَلْيَنُ وَأَرَقُّ من قَلْبِ الحَبِيبِ الأَعْظَمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد كَانَ سَيِّدُنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَقِيقَ القَلْبِ لَيِّنَهُ، وَلِذَلِكَ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُؤَثِّرَاً في النَّاسِ؛ كَمَا قَالَ ابْنُ عَطَاءِ الله السَّكَنْدَرِيُّ: كُلُّ كَلامٍ يَبْرُزُ وَعَلَيْهِ كِسْوَةُ القَلْبِ الذي مِنْهُ بَرَزَ.
بِلِينِ قَلْبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَذَبَ القُلُوبَ إِلَيْهِ، بِلِينِ قَلْبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَقَنَ الدِّمَاءَ، بِلِينِ قَلْبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ شَمْلَ الأُمَّةِ، بِلِينِ قَلْبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَسَا العَارِي، وَأَطْعَمَ الجَائِعَ، وَمَسَحَ على رَأْسِ اليَتِيمِ، وَفَرَّجَ كُرُبَاتِ المَكْرُوبِينَ، وَجَعَلَ الأُمَّةَ المُحَمَّدِيَّةَ كَمَا قَالَ تعالى عَنْهَا: ﴿رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾. لِأَنَّهُ لا إِيمَانَ إلا بِالرَّحْمَةِ.
القَلْبُ هُوَ أَسَاسُ الصَّلاحِ وَالإِصْلاحِ:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: القَلْبُ هُوَ أَسَاسُ الصَّلاحِ وَالإِصْلاحِ، ولا يَكُونُ العَبْدُ صَالِحَاً ولا مُصْلِحَاً إلا إِذَا كَانَ قَلْبُهُ مَجْبُولَاً عَلَى الرَّحْمَةِ وَالرِّفْقِ وَاللِّينِ، وإلا فَالحَقُّ لا يُفْرَضُ على النَّاسِ بِقُوَّةِ السِّلاحِ مَا لَمْ تَكُنِ القُلُوبُ الرَّحِيمَةُ حَوْلَ هَذَا الحَقِّ سِيَاجَاً تَحُوطُهُ وَتَحْمِيهِ.
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد كَانَتْ مُهِمَّةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَظِيمَةً جِدَّاً، وَكَانَتِ الأَعْبَاءُ والتَّبِعَاتُ والتَّكَالِيفُ عَلَيْهِ عَظِيمَةً جِدَّاً، وَرَغْمَ كُلِّ هَذَا مَا كَانَ يَغْفُلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَحْظَةً وَاحِدَةً عَن الحِرْصِ على جَمْعِ القُلُوبِ على هَذِهِ الدَّعْوَةِ، وَإِزَالَةِ النُّفُورِ مِنْهَا.
روى الشيخان عَن الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَقْبِيَةٌ، فَقَالَ لِي أَبِي مَخْرَمَةُ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَيْهِ عَسَى أَنْ يُعْطِيَنَا مِنْهَا شَيْئَاً.
قَالَ: فَقَامَ أَبِي عَلَى الْبَابِ، فَتَكَلَّمَ، فَعَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ.
فَخَرَجَ وَمَعَهُ قَبَاءٌ، وَهُوَ يُرِيهِ مَحَاسِنَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: «خَبَأْتُ هَذَا لَكَ، خَبَأْتُ هَذَا لَكَ». (القَبَاءُ: ثَوْبٌ يُلْبَسُ فَوْقَ الثِّيَابِ). لَقَد فَعَلَ ذَلِكَ سَيِّدُنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ هَذَا الرَّجُلِ فِيهِ حِدَّةٌ وَشِدَّةٌ وَغِلْظَةٌ، فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَريصَاً على تَطْيِيبِ خَاطِرِهِ.
يُعْطِي المَفْضُولَ تَرْقِيقَاً لِقَلْبِهِ:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد كَانَ سَيِّدُنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من خِلالِ لِينِ قلْبِهِ الشَّرِيفِ حَرِيصَاً كُلَّ الحِرْصِ على إِنْقَاذِ النَّاسِ من عَذَابِ اللهِ تعالى، وَكَانَ يُؤَلِّفُ قُلُوبَهُم على الحَقِّ والخَيْرِ بِشَيْءٍ من لُعَاعَةِ الدُّنْيَا، روى الإمام مسلم عَن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِن الْيَمَنِ بِذَهَبَةٍ ـ وفي رِوَايَةٍ بِذُهَيْبَةٍ ـ (تَصْغِيرُ ذَهَبَةٍ، يَعْنِي: قِطْعَةً مِن الذَّهَبِ) فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ (أَيْ: جِلْدٍ مَدْبُوغٍ بالقَرَظِ) لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا (أَيْ: لَمْ تُخَلَّصْ من تُرَابِ المَعْدَنِ).
قَالَ: فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ؛ بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، وَالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ، وَزَيْدِ الْخَيْلِ، وَالرَّابِعُ إِمَّا عَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ، وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَذَا مِنْ هَؤُلَاءِ.
قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ فَقَالَ: «أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحَاً وَمَسَاءً».
قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ (أَيْ: غَارَتْ عَيْنَاهُ وَدَخَلَتَا فِي رَأْسِهِ) مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ (أَيْ: عَالِي الْخَدَّيْنِ) نَاشِزُ الْجَبْهَةِ (أَيْ: مُرْتَفِعُهَا) كَثُّ اللِّحْيَةِ (أَيْ: غَلِيظُهَا) مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، مُشَمِّرُ الْإِزَارِ (أَيْ: رَافِعُهُ) فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اتَّقِ اللهَ.
فَقَالَ: «وَيْلَكَ، أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الْأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ».
قَالَ: ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ؛ فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟
فَقَالَ: «لَا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي».
قَالَ خَالِدٌ: وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ، وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ».
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد كَانَ صَاحِبُ الخُلُقِ العَظِيمِ، وَصَاحِبُ الرَّحْمَةِ المُهْدَاةِ، وَصَاحِبُ القَلْبِ اللَّيِّنِ، حَرِيصَاً كُلَّ الحِرْصِ على تَأْلِيفِ القُلُوبِ، وَإِنْقَاذِهَا من الضَّلالِ إلى الهُدَى.
الرَّحْمَةُ والشَّفَقَةُ واللِّينُ بالمُخْطِئُ:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: من خِلالِ قَوْلِ اللهِ تعالى لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾. نَأْخُذُ فَائِدَةً وَعِبْرَةً عَظِيمَةً، وَهِيَ أَنَّ النَّاسَ يَجْتَمِعُونَ على اللِّينِ والرِّفْقِ، ولا يَجْتَمِعُونَ على الشِّدَّةِ والعُنْفِ، فَإِذَا كَانَ الخِطَابُ من اللهِ تعالى لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾. وَهَؤُلاءِ هُم خِيرَةُ خَلْقِ اللهِ تعالى بَعْدَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَكَيْفَ بِمَنْ بَعْدَهُم؟ وَكَيْفَ بِمَنْ لَيْسَ لَهُ مَقَامُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من النَّاسِ، سَوَاءٌ كَانَ من العُلَمَاءِ والدُّعَاةِ، أَو من أَصْحَابِ الرِّيَاسَةِ والجَاهِ والغِنَى؟!!
فَالرِّفْقُ واللِّينُ بِخَلْقِ اللهِ تعالى أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ وَأَسَاسِيٌّ، وَخَاصَّةً من طَلَبَةِ العِلْمِ والعُلَمَاءِ، لِأَنَّهُ لا يُمْكِنُ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ إلا على أَسَاسِ الرَّحْمَةِ والرِّفْقِ واللِّينِ ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾.
هَذَا سَيِّدُنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، يَسُبُّهُ رَجُلٌ وَيَشْتُمُهُ وَيُغْلِظُ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ لَهُ سَيِّدُنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: يَا هَذَا، لَا تُغْرِقَنَّ فِي سَبِّنَا، وَدَعْ لِلصُّلْحِ مَوْضِعَاً، فَإِنَّا لَا نُكَافِئُ مَنْ عَصَى اللهَ فِينَا بِأَكْثَرَ مِنْ أَنْ نُطِيعَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ.
وَشَتَمَ رَجُلٌ الشَّعْبِيَّ، فَقَالَ لَهُ: إنْ كُنْتُ كَمَا قُلْتَ فَغَفَرَ اللهُ لِي، وَإِنْ لَمْ أَكُنْ كَمَا قُلْتَ فَغَفَرَ اللهُ لَك.
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لِنُدَرِّبْ أَنْفُسَنَا على خُلُقِ الصَّبْرِ واللِّينِ والرِّفْقِ والمُسَامَحَةِ؛ والعَبْدُ بِالتَّحَلُّمِ يُصْبِحُ حَلِيمَاً، وَقَد جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الطَّبرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ».
خَاتِمَةٌ ـ نَسْألُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مَا هُوَ حَظُّنَا من قَوْلِهِ تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾؟
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: كُونُوا على يَقِينٍ بِأَنَّهُ لا إِيمَانَ إلا بِرَحْمَةٍ، ولا رَحْمَةَ من اللهِ تعالى إلا بالتَّرَاحُمِ فِيمَا بَيْنَنَا، سَلُوا اللهَ تعالى أَنْ يَجْعَلَنَا رَحِيمِينَ بِخَلْقِ اللهِ تعالى، لِأَنَّ اللهَ تعالى يَعْطِفُ على الرُّحَمَاءِ.
سَلُوا اللهَ تعالى أَنْ يَجْعَلَنَا رَحِيمِينَ بِخَلْقِ اللهِ تعالى، لِأَنَّ اللهَ تعالى لَطِيفٌ بِالرُّحَمَاءِ.
فَكَمْ من شَدَائِدِ الدُّنْيَا وَأَهْوَالِهَا وَنَكَبَاتِهَا صَرَفَهَا اللهُ تعالى عَمَّنْ رَحِمُوا العِبَادَ، وَمَا يَنْتَظِرُهُم في عَالَمِ البَرْزَخِ من رَحَمَاتٍ، وفي عَرَصَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، أَجَلُّ وَأَسْمَى وَأَسْنَى من رَحْمَتِهِ تعالى بِهِم في الدُّنْيَا.
اللَّهُمَّ اغْرِسْ في قُلُوبِنَا الرَّحْمَةَ والرِّفْقَ واللِّينَ على جَمِيعِ خَلْقِكَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
242ـ قلبه الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ألين القلوب
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْرِفَ عَظَمَةَ خَيرِ الخَلْقِ عِنْدَ اللهِ تعالى، يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْرِفَ الذي اصْطَفَاهُ اللهُ تعالى من سَائِرِ خَلْقِهِ، يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْرِفَ مَنْ قَالَ اللهُ تعالى في حَقِّهِ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْـمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾. وَمَنْ قَالَ عَن ذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ: «فَأَنَا مِنْ خِيَارٍ إِلَى خِيَارٍ» رواه الإمام الحاكم والطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما.
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْرِفَ شَيْئَاً عَن قَلْبِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ جُبِلَ قَلْبُهُ الشَّرِيفُ، لَعَلَّ اللهَ تعالى أَنْ يُكْرِمَنَا بِحُسْنِ التَّأَسِّي والاقْتِدَاءِ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ تعالى مُعَرِّفَاً على قَلْبِهِ الشَّرِيفِ: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾. فَلَمْ يَكُنْ قَلْبُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ غَلِيظَاً، بَلْ كَانَ لَيِّنَاً جُبِلَتِ الرَّحْمَةُ فِيهِ، حَتَّى كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَرْحَمَ خَلْقِ اللهِ تعالى بِخَلْقِ اللهِ تعالى، وَكَانَ قَلْبُهُ الـشَّرِيفُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَحَبَّ القُلُوبِ إلى اللهِ تعالى، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الطَّبَرَانِيُّ في مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ عَن أَبِي عِنَبَةَ الْخَوْلَانِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ للهِ آنِيَةً من أَهْلِ الأَرْضِ، وَآنِيَةُ رَبِّكُم قُلُوبُ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، وَأَحَبُّهَا إِلَيْهِ أَلْيَنُهَا وَأَرَقُّهَا». وَهَلْ هُنَاكَ أَلْيَنُ وَأَرَقُّ من قَلْبِ الحَبِيبِ الأَعْظَمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد كَانَ سَيِّدُنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَقِيقَ القَلْبِ لَيِّنَهُ، وَلِذَلِكَ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُؤَثِّرَاً في النَّاسِ؛ كَمَا قَالَ ابْنُ عَطَاءِ الله السَّكَنْدَرِيُّ: كُلُّ كَلامٍ يَبْرُزُ وَعَلَيْهِ كِسْوَةُ القَلْبِ الذي مِنْهُ بَرَزَ.
بِلِينِ قَلْبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَذَبَ القُلُوبَ إِلَيْهِ، بِلِينِ قَلْبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَقَنَ الدِّمَاءَ، بِلِينِ قَلْبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ شَمْلَ الأُمَّةِ، بِلِينِ قَلْبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَسَا العَارِي، وَأَطْعَمَ الجَائِعَ، وَمَسَحَ على رَأْسِ اليَتِيمِ، وَفَرَّجَ كُرُبَاتِ المَكْرُوبِينَ، وَجَعَلَ الأُمَّةَ المُحَمَّدِيَّةَ كَمَا قَالَ تعالى عَنْهَا: ﴿رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾. لِأَنَّهُ لا إِيمَانَ إلا بِالرَّحْمَةِ.
القَلْبُ هُوَ أَسَاسُ الصَّلاحِ وَالإِصْلاحِ:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: القَلْبُ هُوَ أَسَاسُ الصَّلاحِ وَالإِصْلاحِ، ولا يَكُونُ العَبْدُ صَالِحَاً ولا مُصْلِحَاً إلا إِذَا كَانَ قَلْبُهُ مَجْبُولَاً عَلَى الرَّحْمَةِ وَالرِّفْقِ وَاللِّينِ، وإلا فَالحَقُّ لا يُفْرَضُ على النَّاسِ بِقُوَّةِ السِّلاحِ مَا لَمْ تَكُنِ القُلُوبُ الرَّحِيمَةُ حَوْلَ هَذَا الحَقِّ سِيَاجَاً تَحُوطُهُ وَتَحْمِيهِ.
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد كَانَتْ مُهِمَّةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَظِيمَةً جِدَّاً، وَكَانَتِ الأَعْبَاءُ والتَّبِعَاتُ والتَّكَالِيفُ عَلَيْهِ عَظِيمَةً جِدَّاً، وَرَغْمَ كُلِّ هَذَا مَا كَانَ يَغْفُلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَحْظَةً وَاحِدَةً عَن الحِرْصِ على جَمْعِ القُلُوبِ على هَذِهِ الدَّعْوَةِ، وَإِزَالَةِ النُّفُورِ مِنْهَا.
روى الشيخان عَن الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَقْبِيَةٌ، فَقَالَ لِي أَبِي مَخْرَمَةُ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَيْهِ عَسَى أَنْ يُعْطِيَنَا مِنْهَا شَيْئَاً.
قَالَ: فَقَامَ أَبِي عَلَى الْبَابِ، فَتَكَلَّمَ، فَعَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ.
فَخَرَجَ وَمَعَهُ قَبَاءٌ، وَهُوَ يُرِيهِ مَحَاسِنَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: «خَبَأْتُ هَذَا لَكَ، خَبَأْتُ هَذَا لَكَ». (القَبَاءُ: ثَوْبٌ يُلْبَسُ فَوْقَ الثِّيَابِ). لَقَد فَعَلَ ذَلِكَ سَيِّدُنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ هَذَا الرَّجُلِ فِيهِ حِدَّةٌ وَشِدَّةٌ وَغِلْظَةٌ، فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَريصَاً على تَطْيِيبِ خَاطِرِهِ.
يُعْطِي المَفْضُولَ تَرْقِيقَاً لِقَلْبِهِ:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد كَانَ سَيِّدُنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من خِلالِ لِينِ قلْبِهِ الشَّرِيفِ حَرِيصَاً كُلَّ الحِرْصِ على إِنْقَاذِ النَّاسِ من عَذَابِ اللهِ تعالى، وَكَانَ يُؤَلِّفُ قُلُوبَهُم على الحَقِّ والخَيْرِ بِشَيْءٍ من لُعَاعَةِ الدُّنْيَا، روى الإمام مسلم عَن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِن الْيَمَنِ بِذَهَبَةٍ ـ وفي رِوَايَةٍ بِذُهَيْبَةٍ ـ (تَصْغِيرُ ذَهَبَةٍ، يَعْنِي: قِطْعَةً مِن الذَّهَبِ) فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ (أَيْ: جِلْدٍ مَدْبُوغٍ بالقَرَظِ) لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا (أَيْ: لَمْ تُخَلَّصْ من تُرَابِ المَعْدَنِ).
قَالَ: فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ؛ بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، وَالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ، وَزَيْدِ الْخَيْلِ، وَالرَّابِعُ إِمَّا عَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ، وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَذَا مِنْ هَؤُلَاءِ.
قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ فَقَالَ: «أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحَاً وَمَسَاءً».
قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ (أَيْ: غَارَتْ عَيْنَاهُ وَدَخَلَتَا فِي رَأْسِهِ) مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ (أَيْ: عَالِي الْخَدَّيْنِ) نَاشِزُ الْجَبْهَةِ (أَيْ: مُرْتَفِعُهَا) كَثُّ اللِّحْيَةِ (أَيْ: غَلِيظُهَا) مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، مُشَمِّرُ الْإِزَارِ (أَيْ: رَافِعُهُ) فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اتَّقِ اللهَ.
فَقَالَ: «وَيْلَكَ، أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الْأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ».
قَالَ: ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ؛ فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟
فَقَالَ: «لَا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي».
قَالَ خَالِدٌ: وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ، وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ».
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد كَانَ صَاحِبُ الخُلُقِ العَظِيمِ، وَصَاحِبُ الرَّحْمَةِ المُهْدَاةِ، وَصَاحِبُ القَلْبِ اللَّيِّنِ، حَرِيصَاً كُلَّ الحِرْصِ على تَأْلِيفِ القُلُوبِ، وَإِنْقَاذِهَا من الضَّلالِ إلى الهُدَى.
الرَّحْمَةُ والشَّفَقَةُ واللِّينُ بالمُخْطِئُ:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: من خِلالِ قَوْلِ اللهِ تعالى لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾. نَأْخُذُ فَائِدَةً وَعِبْرَةً عَظِيمَةً، وَهِيَ أَنَّ النَّاسَ يَجْتَمِعُونَ على اللِّينِ والرِّفْقِ، ولا يَجْتَمِعُونَ على الشِّدَّةِ والعُنْفِ، فَإِذَا كَانَ الخِطَابُ من اللهِ تعالى لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾. وَهَؤُلاءِ هُم خِيرَةُ خَلْقِ اللهِ تعالى بَعْدَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَكَيْفَ بِمَنْ بَعْدَهُم؟ وَكَيْفَ بِمَنْ لَيْسَ لَهُ مَقَامُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من النَّاسِ، سَوَاءٌ كَانَ من العُلَمَاءِ والدُّعَاةِ، أَو من أَصْحَابِ الرِّيَاسَةِ والجَاهِ والغِنَى؟!!
فَالرِّفْقُ واللِّينُ بِخَلْقِ اللهِ تعالى أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ وَأَسَاسِيٌّ، وَخَاصَّةً من طَلَبَةِ العِلْمِ والعُلَمَاءِ، لِأَنَّهُ لا يُمْكِنُ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ إلا على أَسَاسِ الرَّحْمَةِ والرِّفْقِ واللِّينِ ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾.
هَذَا سَيِّدُنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، يَسُبُّهُ رَجُلٌ وَيَشْتُمُهُ وَيُغْلِظُ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ لَهُ سَيِّدُنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: يَا هَذَا، لَا تُغْرِقَنَّ فِي سَبِّنَا، وَدَعْ لِلصُّلْحِ مَوْضِعَاً، فَإِنَّا لَا نُكَافِئُ مَنْ عَصَى اللهَ فِينَا بِأَكْثَرَ مِنْ أَنْ نُطِيعَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ.
وَشَتَمَ رَجُلٌ الشَّعْبِيَّ، فَقَالَ لَهُ: إنْ كُنْتُ كَمَا قُلْتَ فَغَفَرَ اللهُ لِي، وَإِنْ لَمْ أَكُنْ كَمَا قُلْتَ فَغَفَرَ اللهُ لَك.
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لِنُدَرِّبْ أَنْفُسَنَا على خُلُقِ الصَّبْرِ واللِّينِ والرِّفْقِ والمُسَامَحَةِ؛ والعَبْدُ بِالتَّحَلُّمِ يُصْبِحُ حَلِيمَاً، وَقَد جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الطَّبرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ».
خَاتِمَةٌ ـ نَسْألُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مَا هُوَ حَظُّنَا من قَوْلِهِ تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾؟
أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: كُونُوا على يَقِينٍ بِأَنَّهُ لا إِيمَانَ إلا بِرَحْمَةٍ، ولا رَحْمَةَ من اللهِ تعالى إلا بالتَّرَاحُمِ فِيمَا بَيْنَنَا، سَلُوا اللهَ تعالى أَنْ يَجْعَلَنَا رَحِيمِينَ بِخَلْقِ اللهِ تعالى، لِأَنَّ اللهَ تعالى يَعْطِفُ على الرُّحَمَاءِ.
سَلُوا اللهَ تعالى أَنْ يَجْعَلَنَا رَحِيمِينَ بِخَلْقِ اللهِ تعالى، لِأَنَّ اللهَ تعالى لَطِيفٌ بِالرُّحَمَاءِ.
فَكَمْ من شَدَائِدِ الدُّنْيَا وَأَهْوَالِهَا وَنَكَبَاتِهَا صَرَفَهَا اللهُ تعالى عَمَّنْ رَحِمُوا العِبَادَ، وَمَا يَنْتَظِرُهُم في عَالَمِ البَرْزَخِ من رَحَمَاتٍ، وفي عَرَصَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، أَجَلُّ وَأَسْمَى وَأَسْنَى من رَحْمَتِهِ تعالى بِهِم في الدُّنْيَا.
اللَّهُمَّ اغْرِسْ في قُلُوبِنَا الرَّحْمَةَ والرِّفْقَ واللِّينَ على جَمِيعِ خَلْقِكَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin