مع الحبيب المصطفى:إطلاعه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على بعض المغيبات
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
237ـ إطلاعه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على بعض المغيبات
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: رَبُّنَا جَلَّ جَلالُهُ هُوَ العَالِمُ بالغَيْبِ وَحْدَهُ، وَقَد أَمَرَ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعَلِّمَ الأُمَّةَ هذهِ الحَقِيقَةَ، بِأَنَّهُ لا يَعْلَمُ أَحَدٌ من أَهْلِ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ الغَيْبَ إلا اللهُ تعالى وَحْدَهُ، فَهُوَ المُتَفَرِّدُ بِذَلِكَ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، قَالَ تعالى: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾.
وقَالَ تعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾.
وقَالَ تعالى: ﴿وللهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾.
وقَالَ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: لَقَد نَفَى اللهُ تعالى عَن كُلِّ أَحَدٍ مَهْمَا عَلا قَدْرُهُ، وَعَظُمَتْ مَنْزِلَتُهُ، مَعْرِفَتَهُ بالغَيْبِ إلا بِمَا أَطْلَعَهُ اللهُ تعالى عَلَيْهِ، قَالَ تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدَاً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدَاً﴾. فَاللهُ تعالى يُطْلِعُهُم على مَا شَاءَ هُوَ، لا مَا شَاؤُوا هُم، يُطْلِعُ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ مَن شَاءَ على مَا يَشَاءُ.
إِظْهَارُ اللهِ تعالى لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على بَعْضِ المُغَيَّبَاتِ:
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: لَقَد أَظْهَرَ اللهُ تعالى لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ المُغَيَّبَاتِ، وَذَلِكَ لِمَا فِيهَا من مَصَالِحِ الأُمَّةِ في حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ.
«هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟»:
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: روى الشيخان عَنْ أُسَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَشْرَفَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْـمَدِينَةِ ثُمَّ قَالَ: «هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ إِنِّي لَأَرَى مَوَاقِعَ الْفِتَنِ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ».
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: لَقَد أَطْلَعَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على بَعْضِ الفِتَنِ التي سَتَقَعُ على الأُمَّةِ، وَذَلِكَ من أَجْلِ أَنْ نَحْذَرَهَا، لِهَذَا فَقَد حَذَّرَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأُمَّةَ من كُلِّ شَرٍّ يَعْتَرِضُ طَرِيقَهَا من جَمِيعِ الفِتَنِ صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا، وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ نَاصِحَاً لِأُمَّتِهِ مُشْفِقَاً عَلَيْهَا: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقَّاً عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضَاً، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْـمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي؛ ثُمَّ تَنْكَشِفُ، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْـمُؤْمِنُ: هَذِهِ هَذِهِ؛ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَن النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ باللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ» رواه الإمام مسلم عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنهُما.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: وَهَا نَحْنُ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ اليَوْمَ لِلأَخْذِ بِحَدِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَخَاصَّةً بهذا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ، أَنْ يَأْتِيَ أَحَدُنَا للنَّاسِ مَا يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى لَهُ، إِذَا أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَن النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، وَأَنْ يَثْبُتَ على ذَلِكَ مَهْمَا اشْتَدَّتِ الأَزْمَةُ وَقَسَتْ، هذا خَيْرٌ لَهُ من أَنْ يَغْمِسَ يَدَهُ أَو لِسَانَهُ في سَفْكِ دِمَاءِ المُسْلِمِينَ.
«يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْـجَنَّةِ»:
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: روى الإمام أحمد عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كُنَّا جُلُوسَاً مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ».
فَطَلَعَ رَجُلٌ مِن الْأَنْصَارِ، تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ، قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ.
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ؛ فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْـمَرَّةِ الْأُولَى.
فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضَاً، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الْأُولَى.
فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَبِعَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ: إِنِّي لَاحَيْتُ أَبِي (خَاصَمْتُ) فَأَقْسَمْتُ أَنْ لَا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلَاثَاً، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ فَعَلْتَ.
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ أَنَسٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثَ، فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِن اللَّيْلِ شَيْئَاً، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَبَّرَ، حَتَّى يَقُومَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ: غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلَّا خَيْرَاً؛ فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلَاثُ لَيَالٍ وَكِدْتُ أَنْ أَحْتَقِرَ عَمَلَهُ قُلْتُ: يَا عَبْدَ اللهِ، إِنِّي لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي غَضَبٌ وَلَا هَجْرٌ، ثَمَّ وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلَاثَ مِرَارٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ لِأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ فَأَقْتَدِيَ بِهِ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ.
قَالَ: فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ، غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِن الْـمُسْلِمِينَ غِشَّاً وَلَا، أَحْسُدُ أَحَدَاً عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاهُ.
فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: الإِنْسَانُ المُؤْمِنُ الحَقُّ هُوَ إِنْسَانٌ تَمْتَدُّ مَشَاعِرُ حُبِّهِ، فَتَغْمُرُ مَا حَوْلَهُ، وَتَفِيضُ على الآخَرِينَ سَلامَاً وَأَمْنَاً، والجَمَاعَةُ المُؤْمِنَةُ هِيَ التي تَقُومُ على عَوَاطِفِ الحُبِّ المُشْتَرَكِ، والوُدِّ النَّافِعِ، والتَّعَاوُنِ المُتَبَادَلِ، المُؤْمِنُونَ حَقَّاً هُم مَن انْطَبَقَ عَلَيْهِم قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلَّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: المُسْلِمُ الذي يَعِيشُ مَعَ الآخَرِينَ وَقَد امْتَلَأَ قَلْبُهُ غِلَّاً وَحِقْدَاً وَحَسَدَاً عَلَيْهِم، وَيُوَسِّعُ صَدْرَهُ بالأَحْقَادِ عَلَيْهمِ، فَإِنَّهُ يَشُلُّ إِيمَانَهُ، وَيُسْقِطُ مُرُوءَتَهُ، وَيَسْتَوْجِبُ اللَّعْنَةَ والطَّرْدَ من رَحْمَةِ اللهِ تعالى.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: لَقَد عَجِزَ الشَّيْطَانُ أَنْ يَجْعَلَ من الرَّجُلِ العَاقِلِ عَابِدَ صَنَمٍ، وَلَكِنْ مَا عَجِزَ عَن إِغْوَائِهِ وَإِيرَادِهِ المَهَالِكَ، مَا عَجِزَ عَن المُبَاعَدَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، وَمَا عَجِزَ عَن إِيقَاعِهِ في الذُّنُوبِ والخَطَايَا والكَبَائِرِ، وَمَا عَجِزَ عَن إِيقَادِ نَارِ العَدَاوَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِخْوَانِهِ، حَتَّى إِذَا مَا اشْتَعَلَتْ نَارُ العَدَاوَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِخْوَانِهِ اسْتَمْتَعَ الشَّيْطَانُ بِرُؤْيَتِهَا وَهيَ تَحْرِقُ الأَخْضَرَ واليَابِسَ، وَتَحْرِقُ حَاضِرَ المُسْلِمِينَ وَمُسْتَقْبَلَهُم.
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: مَنْ أَكْرَمَهُ اللهُ تعالى بِسَلامَةِ قَلْبِهِ نَحْوَ العِبَادِ، طَابَ حَدِيثُهُ وَطَابَ الحَدِيثُ مَعَهُ، وَأَنِسَ بِهِ جَلِيسُهُ، وَأَحَبَّتْهُ النُّفُوسُ الطَّيِّبَةُ، وَاشْتَاقَتْ إِلَيْهِ الأَرْوَاحُ والقُلُوبُ، وَسُعِدَ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ.
وَكَيْفَ لا يَكُونُ هذا حَالُهُ وَهُوَ كَالنَّحْلَةِ تَلْتَقِطُ خَيْرَاً وَتُلْقِي شَهْدَاً؟
كَيْفَ لا يَحْظَى بِهَذِهِ المَنْزِلَةِ، ولا يَفُوزُ بِهَذِهِ البِشَارَةِ، وَرَبُّنَا عزَّ وجلَّ يَقُولُ: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾؟
أَسْأَلُ اللهَ تعالى سَلامَةَ القُلُوبِ، وَحُبَّ الخَيْرِ للآخَرِينَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
237ـ إطلاعه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على بعض المغيبات
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: رَبُّنَا جَلَّ جَلالُهُ هُوَ العَالِمُ بالغَيْبِ وَحْدَهُ، وَقَد أَمَرَ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعَلِّمَ الأُمَّةَ هذهِ الحَقِيقَةَ، بِأَنَّهُ لا يَعْلَمُ أَحَدٌ من أَهْلِ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ الغَيْبَ إلا اللهُ تعالى وَحْدَهُ، فَهُوَ المُتَفَرِّدُ بِذَلِكَ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، قَالَ تعالى: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾.
وقَالَ تعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾.
وقَالَ تعالى: ﴿وللهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾.
وقَالَ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: لَقَد نَفَى اللهُ تعالى عَن كُلِّ أَحَدٍ مَهْمَا عَلا قَدْرُهُ، وَعَظُمَتْ مَنْزِلَتُهُ، مَعْرِفَتَهُ بالغَيْبِ إلا بِمَا أَطْلَعَهُ اللهُ تعالى عَلَيْهِ، قَالَ تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدَاً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدَاً﴾. فَاللهُ تعالى يُطْلِعُهُم على مَا شَاءَ هُوَ، لا مَا شَاؤُوا هُم، يُطْلِعُ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ مَن شَاءَ على مَا يَشَاءُ.
إِظْهَارُ اللهِ تعالى لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على بَعْضِ المُغَيَّبَاتِ:
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: لَقَد أَظْهَرَ اللهُ تعالى لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ المُغَيَّبَاتِ، وَذَلِكَ لِمَا فِيهَا من مَصَالِحِ الأُمَّةِ في حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ.
«هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟»:
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: روى الشيخان عَنْ أُسَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَشْرَفَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْـمَدِينَةِ ثُمَّ قَالَ: «هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ إِنِّي لَأَرَى مَوَاقِعَ الْفِتَنِ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ».
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: لَقَد أَطْلَعَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على بَعْضِ الفِتَنِ التي سَتَقَعُ على الأُمَّةِ، وَذَلِكَ من أَجْلِ أَنْ نَحْذَرَهَا، لِهَذَا فَقَد حَذَّرَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأُمَّةَ من كُلِّ شَرٍّ يَعْتَرِضُ طَرِيقَهَا من جَمِيعِ الفِتَنِ صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا، وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ نَاصِحَاً لِأُمَّتِهِ مُشْفِقَاً عَلَيْهَا: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقَّاً عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضَاً، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْـمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي؛ ثُمَّ تَنْكَشِفُ، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْـمُؤْمِنُ: هَذِهِ هَذِهِ؛ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَن النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ باللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ» رواه الإمام مسلم عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنهُما.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: وَهَا نَحْنُ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ اليَوْمَ لِلأَخْذِ بِحَدِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَخَاصَّةً بهذا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ، أَنْ يَأْتِيَ أَحَدُنَا للنَّاسِ مَا يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى لَهُ، إِذَا أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَن النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، وَأَنْ يَثْبُتَ على ذَلِكَ مَهْمَا اشْتَدَّتِ الأَزْمَةُ وَقَسَتْ، هذا خَيْرٌ لَهُ من أَنْ يَغْمِسَ يَدَهُ أَو لِسَانَهُ في سَفْكِ دِمَاءِ المُسْلِمِينَ.
«يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْـجَنَّةِ»:
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: روى الإمام أحمد عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كُنَّا جُلُوسَاً مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ».
فَطَلَعَ رَجُلٌ مِن الْأَنْصَارِ، تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ، قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ.
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ؛ فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْـمَرَّةِ الْأُولَى.
فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضَاً، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الْأُولَى.
فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَبِعَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ: إِنِّي لَاحَيْتُ أَبِي (خَاصَمْتُ) فَأَقْسَمْتُ أَنْ لَا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلَاثَاً، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ فَعَلْتَ.
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ أَنَسٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثَ، فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِن اللَّيْلِ شَيْئَاً، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَبَّرَ، حَتَّى يَقُومَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ: غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلَّا خَيْرَاً؛ فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلَاثُ لَيَالٍ وَكِدْتُ أَنْ أَحْتَقِرَ عَمَلَهُ قُلْتُ: يَا عَبْدَ اللهِ، إِنِّي لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي غَضَبٌ وَلَا هَجْرٌ، ثَمَّ وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلَاثَ مِرَارٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ لِأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ فَأَقْتَدِيَ بِهِ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ.
قَالَ: فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ، غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِن الْـمُسْلِمِينَ غِشَّاً وَلَا، أَحْسُدُ أَحَدَاً عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاهُ.
فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: الإِنْسَانُ المُؤْمِنُ الحَقُّ هُوَ إِنْسَانٌ تَمْتَدُّ مَشَاعِرُ حُبِّهِ، فَتَغْمُرُ مَا حَوْلَهُ، وَتَفِيضُ على الآخَرِينَ سَلامَاً وَأَمْنَاً، والجَمَاعَةُ المُؤْمِنَةُ هِيَ التي تَقُومُ على عَوَاطِفِ الحُبِّ المُشْتَرَكِ، والوُدِّ النَّافِعِ، والتَّعَاوُنِ المُتَبَادَلِ، المُؤْمِنُونَ حَقَّاً هُم مَن انْطَبَقَ عَلَيْهِم قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلَّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: المُسْلِمُ الذي يَعِيشُ مَعَ الآخَرِينَ وَقَد امْتَلَأَ قَلْبُهُ غِلَّاً وَحِقْدَاً وَحَسَدَاً عَلَيْهِم، وَيُوَسِّعُ صَدْرَهُ بالأَحْقَادِ عَلَيْهمِ، فَإِنَّهُ يَشُلُّ إِيمَانَهُ، وَيُسْقِطُ مُرُوءَتَهُ، وَيَسْتَوْجِبُ اللَّعْنَةَ والطَّرْدَ من رَحْمَةِ اللهِ تعالى.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: لَقَد عَجِزَ الشَّيْطَانُ أَنْ يَجْعَلَ من الرَّجُلِ العَاقِلِ عَابِدَ صَنَمٍ، وَلَكِنْ مَا عَجِزَ عَن إِغْوَائِهِ وَإِيرَادِهِ المَهَالِكَ، مَا عَجِزَ عَن المُبَاعَدَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، وَمَا عَجِزَ عَن إِيقَاعِهِ في الذُّنُوبِ والخَطَايَا والكَبَائِرِ، وَمَا عَجِزَ عَن إِيقَادِ نَارِ العَدَاوَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِخْوَانِهِ، حَتَّى إِذَا مَا اشْتَعَلَتْ نَارُ العَدَاوَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِخْوَانِهِ اسْتَمْتَعَ الشَّيْطَانُ بِرُؤْيَتِهَا وَهيَ تَحْرِقُ الأَخْضَرَ واليَابِسَ، وَتَحْرِقُ حَاضِرَ المُسْلِمِينَ وَمُسْتَقْبَلَهُم.
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: مَنْ أَكْرَمَهُ اللهُ تعالى بِسَلامَةِ قَلْبِهِ نَحْوَ العِبَادِ، طَابَ حَدِيثُهُ وَطَابَ الحَدِيثُ مَعَهُ، وَأَنِسَ بِهِ جَلِيسُهُ، وَأَحَبَّتْهُ النُّفُوسُ الطَّيِّبَةُ، وَاشْتَاقَتْ إِلَيْهِ الأَرْوَاحُ والقُلُوبُ، وَسُعِدَ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ.
وَكَيْفَ لا يَكُونُ هذا حَالُهُ وَهُوَ كَالنَّحْلَةِ تَلْتَقِطُ خَيْرَاً وَتُلْقِي شَهْدَاً؟
كَيْفَ لا يَحْظَى بِهَذِهِ المَنْزِلَةِ، ولا يَفُوزُ بِهَذِهِ البِشَارَةِ، وَرَبُّنَا عزَّ وجلَّ يَقُولُ: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾؟
أَسْأَلُ اللهَ تعالى سَلامَةَ القُلُوبِ، وَحُبَّ الخَيْرِ للآخَرِينَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin