مع الحبيب المصطفى : نسبه الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
231ـ نسبه الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: في عُنُقِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا دَيْنٌ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هُوَ قَائِدُنَا إلى جَنَّةِ اللهِ تعالى في الدُّنْيَا والآخِرَةِ، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هَادِينَا إلى رَبِّنَا عزَّ وجلَّ، فَبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَتَمَّ اللهُ تعالى عَلَيْنَا بِنِعْمَةِ الرِّسَالَةِ، وَأَسْبَغَ بِهِ عَلَيْنَا الرَّحْمَةَ، وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَنَا الكِتَابَ والحِكْمَةَ وَزَكَّانَا، وَهَدَانَا إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَنَا من الضَّلالَةِ، وَعَلَّمَنَا مَا لَمْ نَكُنْ نَعْلَمُ، وَأَخْرَجَنَا من الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ، بِإِذْنِ رَبِّنَا جَلَّ جَلالُهُ، فَجَزَاهُ اللهُ تعالى عَنَّا خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيَّاً عَن أُمَّتِهِ.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: من حَقِّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا أَنْ نَتَعَرَّفَ على سِيرَتِهِ العَطِرَةِ، وَأَنْ نُحِبَّهُ أَكْثَرَ من أَنْفُسِنَا، وَأَنْ نُطِيعَهُ بِدُونِ تَرَدُّدٍ ولا تَوَقُّفٍ في مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وفي يُسْرِنَا وَعُسْرِنَا، وفي أَمْنِنَا وَخَوْفِنَا، وفي رَفْعِنَا وَخَفْضِنَا، وفي عِزِّنَا وَذُلِّنَا، وفي سَائِرِ أَحْوَالِنَا حَتَّى نَلْقَى اللهَ عزَّ وجلَّ.
من حَقِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا أَنْ نَتَّبِعَهُ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً، وَأَنْ نَتَخَلَّقَ بِأَخْلاقِهِ، وَأَنْ نُثْنِيَ عَلَيْهِ، وَنُصَلِّيَ وَنُسَلِّمَ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَيْلَنَا وَنَهَارَنَا، كَمَا أَمَرَنَا رَبُّنَا عزَّ وجلَّ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمَاً﴾.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: كَمَا يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَشْكُرَ رَبَّنَا عزَّ وجلَّ الذي مَنَّ عَلَيْنَا بِبِعْثَتِهِ، وَمَنَّ عَلَيْنَا بالإِيمَانِ بِهِ، وَمَنَّ عَلَيْنَا بِأَنْ أَرْسَلَهُ رَحْمَةً لَنَا وَنُورَاً وَهُدَىً، قَالَ تعالى: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولَاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ * فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾.
نَسَبُهُ الشَّرِيفُ، وَأَصْلُهُ المَنِيفُ (العَالِي):
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾. فَهُوَ سُبْحَانَهُ تعالى العَلِيمُ بِمَنْ يَصْلُحُ لِحَمْلِ هذهِ الأَمَانَةِ، وَبِمَنْ يَصْلُحُ لهذا الفَضْلِ وَيَلِيقُ بِهِ، وَيَثْمُرُ بِهِ وَيَزْكُو، قَالَ تعالى مُشِيرَاً إلى هذا المَعْنَى: ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: النِّعَمُ تَحْتَاجُ إلى شُكْرٍ للهِ تعالى، وَخَاصَّةً نِعْمَةَ النُّبُوَّةِ والرِّسَالَةِ، واللهُ تَبَارَكَ وتعالى هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ يَعْرِفُ قَدْرَ هذهِ النِّعْمَةِ وَيَشْكُرُهُ عَلَيْهَا، لِذَا اخْتَارَ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِحَمْلِ هذهِ الرِّسَالَةِ، وَكَانَ بِحَقٍّ شَاكِرَاً للهِ تعالى على هذهِ النِّعْمَةِ العَظِيمَةِ، وَقَد صَرَّحَ بِذَلِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدَاً شَكُورَاً» رواه الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُا. وَكَانَ هذا بَعْدَ قِيَامِهِ باللَّيْلِ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ الشَّرِيفَتَانِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ، قَرْنَاً فَقَرْنَاً، حَتَّى كُنْتُ مِن الْقَرْنِ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ».
وروى الإمام مسلم عَن وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشَاً مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ».
وروى الحاكم عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ اخْتَارَ العَرَبَ، ثمَّ اخْتَارَ من العَرَبِ قُرَيْشَاً، ثمَّ اخْتَارَ من قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، ثمَّ اخْتَارَنِي من بَنِي هَاشِمٍ، فَأَنَا خِيَرَةٌ من خِيَرَةٍ».
وروى الحاكم والطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ سَبْعَاً، فَاخْتَارَ الْعُلْيَا مِنْهَا فَسَكَنَهَا، وَأَسْكَنَ سَمَاوَاتِهِ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، وَخَلَقَ الأَرْضَ سَبْعَاً، فَاخْتَارَ الْعُلْيَا مِنْهَا فَأَسْكَنَهَا مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، وَخَلَقَ الْخَلْقَ فَاخْتَارَ مِنَ الْخَلْقِ بني آدَمَ، وَاخْتَارَ مِنْ بني آدَمَ الْعَرَبَ، وَاخْتَارَ مِنَ الْعَرَبِ مُضَرَ، وَاخْتَارَ مِنْ مُضَرَ قُرَيْشَاً، وَاخْتَارَ مِنْ قُرَيْشٍ بني هَاشِمٍ، وَاخْتَارَنِي مِنْ بني هَاشِمٍ، فَأَنَا مِنْ خِيَارٍ إِلَى خِيَارٍ، فَمَنْ أَحَبَّ الْعَرَبَ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَ الْعَرَبَ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ».
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: فَسَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعبِ بْنِ لؤَيِّ بْنِ غالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ. كَمَا جَاءَ في صَحِيحِ الإِمَامِ البُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: (بَابُ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ).
مَن الذي سَمَّاهُ مُحَمَّدَاً؟
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: جَاءَ في كَنْزِ العُمَّالِ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: لَـمَّا وُلِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عَنْهُ بِكَبْشٍ عَبْدُ المُطَّلِبِ وَسَمَّاهُ مُحَمَّدَاً.
فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا الحَارِثِ! مَا حَمَلَكَ على أَنْ سَمَّيْتَهُ مُحَمَّدَاً وَلَمْ تُسَمِّهِ بِاسْمِ آبَائِهِ؟
قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ يَحْمَدَهُ اللهُ في السَّمَاءِ، وَيَحْمَدَهُ النَّاسُ في الأَرْضِ.
وَقَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ: بَلْ سَمَّتْهُ أُمُّهُ قَبْلَ ذَلِكَ مُحَمَّدَاً، لِمَا رَأَتْهُ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رواه البيهقي عَن ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: فَكَانَتْ آمِنَةُ بِنْتُ وَهبٍ أُمُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تُحَدِّثُ أَنَّهَا أُتِيَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ لَهَا: إِنَّكِ قَد حَمَلْتِ بِسَيِّدِ هذهِ الأُمَّةِ، فَإِذَا وَقَعَ إلى الأَرْضِ فَقُولِي: أُعِيذُهُ بالوَاحِدِ من شَرِّ كُلِّ حَاسِدٍ، من كُلِّ بَرٍّ عَاهِدٍ، وَكُلِّ عَبْدٍ رَائِدٍ يَرُودُ غَيْرَ رَائِدٍ، فَإِنَّهُ عَبْدُ الحَمِيدِ المَاجِد، حَتَّى أَرَاهُ قَد أَتَى المَشَاهِدَ.
قَالَ: آيَةُ ذَلِكَ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ نُورٌ يَمْلَأُ قُصُورَ بُصْرَى من أَرْضِ الشَّامِ، فَإِذَا وَقَعَ فَسَمِّيهِ مُحَمَّدَاً، فَإِنَّ اسْمَهُ في التَّوْرَاةِ أَحْمَد، يَحْمَدُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَأَهْلُ الأَرْضِ، وَاسْمُهُ في الإِنْجِيلِ أَحْمَد، يَحْمَدُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَأَهْلُ الأَرْضِ، وَاسْمُهُ في الفُرْقَانِ مُحَمَّدٌ، فَسَمَّيْتُهُ بِذَلِكَ.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: ولا تَعَارُضَ في ذَلِكَ، لِأَنَّ السَّيِّدَةَ آمِنَةَ نَقَلَتْ إلى عَبْدِ المُطَّلِبِ مَا رَأَتْهُ، فَسَمَّاهُ مُحَمَّدَاً، فَوَقَعَتِ التَّسْمِيَةُ مِنْهُ بِسَبَبِهَا، وَإِذَا كَانَ بِسَبَبِهَا صَحَّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهَا سَمَّتْهُ مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فَضْلُ نَسَبِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: فَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خِيرَةُ اللهِ تعالى، وَصَفْوَتُهُ من جَمِيعِ خَلْقِهِ، وهذا مَا أَقَرَّتْ بِهِ الأَعْدَاءُ قَبْلَ الأَحِبَّاءُ.
روى الإمام البخاري عَن ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ ـ قَبْلَ إِسْلامِهِ ـ فَسَأَلَهُ هِرَقْلُ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟
قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ.
قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ؟
قُلْتُ: لَا.
قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟
قُلْتُ: لَا.
قَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ، أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟
فَقُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ.
قَالَ: أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟
قُلْتُ: بَلْ يَزِيدُونَ.
قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟
قُلْتُ: لَا.
قَالَ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟
قُلْتُ: لَا.
قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟
قُلْتُ: لَا، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا؛ قَالَ: وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئَاً غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ.
قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟
قُلْتُ: الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ، يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ.
قَالَ: مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟
قُلْتُ: يَقُولُ: اعْبُدُوا اللهَ وَحْدَهُ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئَاً، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّدْقِ، وَالْعَفَافِ، وَالصِّلَةِ.
فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ: قُلْ لَهُ: سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا.
وروى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ الْـمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْـمُطَّلِبِ قَالَ: أَتَى نَاسٌ مِن الْأَنْصَارِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: إِنَّا لَنَسْمَعُ مِنْ قَوْمِكَ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ مِنْهُمْ: إِنَّمَا مِثْلُ مُحَمَّدٍ مِثْلُ نَخْلَةٍ نَبَتَتْ فِي كِبَاءٍ (الْكِبَاءُ: الْكُنَاسَةُ).
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ أَنَا؟».
قَالُوا: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: «أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْـمُطَّلِبِ ـ قَالَ: فَمَا سَمِعْنَاهُ قَطُّ يَنْتَمِي قَبْلَهَا ـ أَلَا إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ خَلْقَهُ، فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِ خَلْقِهِ، ثُمَّ فَرَّقَهُمْ فِرْقَتَيْنِ، فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِ الْفِرْقَتَيْنِ، ثُمَّ جَعَلَهُمْ قَبَائِلَ، فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِهِمْ قَبِيلَةً، ثُمَّ جَعَلَهُمْ بُيُوتَاً، فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِهِمْ بَيْتَاً، وَأَنَا خَيْرُكُمْ بَيْتَاً، وَخَيْرُكُمْ نَفْسَاً» صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد ذَكَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَكَارِمَ أُصُولِهِ، وَشَرَافَتَهُم، وَنَقَاوَةَ أَنْسَابِهِم، تَحَدُّثَاً بِنِعْمَةِ اللهِ تعالى، وَشُكْرَاً لَهُ، وَتَعْرِيفَاً بِمَنَازِلِهِم وَمَرَاتِبِهِم، وَلَيْسَ ذَلِكَ من بَابِ الاسْتِطَالَةِ والتَّكَبُّرِ ـ حَاشَاهُ من ذَلِكَ ـ لِأَنَّ التَّفَاخُرَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعَاً، لِأَنَّهُ يُـفْضِي إلى التَّكَبُّرِ واحْتِقَارِ الآخَرِينَ.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: مَعَ عُلُوِّ قَدْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَرِفْعَةِ شَأْنِهِ، كَانَ مُتَوَاضِعَاً، جَاءَ في كِتَابِ الوَفَا بِتَعْرِيفِ حُقُوقِ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، عَن ابْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: بَلَغَ أَكْثَمَ بْنَ صَيْفَيٍّ مَخْرَجُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَرَادَ أَنْ يَأْتِيَهُ، فَأَبَى قَوْمُهُ أَنْ يَدَعُوهُ.
فَقَالَ: مَنْ يُبَلِّغُهُ عَنِّي، وَيُبَلِّغُنِي عَنْهُ؟
فَانْتَدَبَ رَجُلَانِ، فَأَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَا: نَحْنُ رُسُلُ أَكْثَمَ بْنِ صَيْفِيٍّ، وَهُوَ يَسْأَلُك: مَنْ أَنْتَ، وَمَا أَنْتَ، وَبِمَ جِئْتَ؟
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَأَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ». ثمَّ تَلَا عَلَيْهِمَا: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإْحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْـمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
فَقَالَا: رُدَّ عَلَيْنَا هذا القَوْلَ؛ فَرَدَّهُ عَلَيْهِم حَتَّى حَفِظُوهُ.
وَأَتَيَا أَكْثَمَ فَقَالَا: سَأَلْنَاهُ عَن نَسَبِهِ، فَوَجَدْنَاهُ وَاسِطَ النَّسَبِ في مُضَرَ، وَقَد رَمَى إِلَيْنَا كَلِمَاتٍ.
فَلَمَّا سَمِعَهُنَّ أَكْثَمُ قَالَ: يَا قَوْمُ، أَرَاهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخْلَاقِ، وَيَنْهَى عَن مَلائِمِهَا، فَكُونُوا في الأَمْرِ رُؤُوسَاً، ولا تَكُونُوا أَذْنَابَاً، وَكُونُوا فِيهِ أُوَلَاً، ولا تَكُونُوا آخِرَاً؛ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ.
فَقَالَ أَكْثَمُ: وَيْلٌ للشَّجِيِّ من الخَلِيِّ، يَا لَهْفَ نَفْسِي على أَمْرٍ لَمْ أُدْرِكْهُ وَلَمْ يَفُتْنِي، مَا آسَى عَلَيْك، بَلْ على العَامَّةِ، يَا مَالِكُ، إِنَّ الحَقَّ إِذَا قَامَ دَفَعَ البَاطِلَ.
فَتَبِعَهُ مِائَةُ نَفْسٍ، وَخَرَجَ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَانَ في بَعْضِ الطَّرِيقِ عَمَدَ حُبَيْشٌ إلى رَوَاحِلِهِم، فَنَحَرَهَا وَشَقَّ مَا كَانَ مَعَهُم من مَزَادَةٍ وَهَرَبَ، فَجَهَدَ أَكْثَمَ العَطَشُ، فَمَاتَ وَأَوْصَى مَنْ مَعَهُ بِاتِّبَاعِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَشْهَدَهُم أَنَّهُ أَسْلَمَ.
فَأُنْزِلَ فِيهِ: ﴿وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الأٌّرْضِ مُرَاغَمَاً كَثِيرَاً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرَاً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْـمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ اللهِ وَكَانَ اللهُ غَفُورَاً رَّحِيمَاً﴾.
اللَّهُمَّ خَلِّقْنَا بِأَخْلاقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
231ـ نسبه الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: في عُنُقِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا دَيْنٌ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هُوَ قَائِدُنَا إلى جَنَّةِ اللهِ تعالى في الدُّنْيَا والآخِرَةِ، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هَادِينَا إلى رَبِّنَا عزَّ وجلَّ، فَبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَتَمَّ اللهُ تعالى عَلَيْنَا بِنِعْمَةِ الرِّسَالَةِ، وَأَسْبَغَ بِهِ عَلَيْنَا الرَّحْمَةَ، وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَنَا الكِتَابَ والحِكْمَةَ وَزَكَّانَا، وَهَدَانَا إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَنَا من الضَّلالَةِ، وَعَلَّمَنَا مَا لَمْ نَكُنْ نَعْلَمُ، وَأَخْرَجَنَا من الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ، بِإِذْنِ رَبِّنَا جَلَّ جَلالُهُ، فَجَزَاهُ اللهُ تعالى عَنَّا خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيَّاً عَن أُمَّتِهِ.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: من حَقِّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا أَنْ نَتَعَرَّفَ على سِيرَتِهِ العَطِرَةِ، وَأَنْ نُحِبَّهُ أَكْثَرَ من أَنْفُسِنَا، وَأَنْ نُطِيعَهُ بِدُونِ تَرَدُّدٍ ولا تَوَقُّفٍ في مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وفي يُسْرِنَا وَعُسْرِنَا، وفي أَمْنِنَا وَخَوْفِنَا، وفي رَفْعِنَا وَخَفْضِنَا، وفي عِزِّنَا وَذُلِّنَا، وفي سَائِرِ أَحْوَالِنَا حَتَّى نَلْقَى اللهَ عزَّ وجلَّ.
من حَقِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا أَنْ نَتَّبِعَهُ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً، وَأَنْ نَتَخَلَّقَ بِأَخْلاقِهِ، وَأَنْ نُثْنِيَ عَلَيْهِ، وَنُصَلِّيَ وَنُسَلِّمَ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَيْلَنَا وَنَهَارَنَا، كَمَا أَمَرَنَا رَبُّنَا عزَّ وجلَّ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمَاً﴾.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: كَمَا يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَشْكُرَ رَبَّنَا عزَّ وجلَّ الذي مَنَّ عَلَيْنَا بِبِعْثَتِهِ، وَمَنَّ عَلَيْنَا بالإِيمَانِ بِهِ، وَمَنَّ عَلَيْنَا بِأَنْ أَرْسَلَهُ رَحْمَةً لَنَا وَنُورَاً وَهُدَىً، قَالَ تعالى: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولَاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ * فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾.
نَسَبُهُ الشَّرِيفُ، وَأَصْلُهُ المَنِيفُ (العَالِي):
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾. فَهُوَ سُبْحَانَهُ تعالى العَلِيمُ بِمَنْ يَصْلُحُ لِحَمْلِ هذهِ الأَمَانَةِ، وَبِمَنْ يَصْلُحُ لهذا الفَضْلِ وَيَلِيقُ بِهِ، وَيَثْمُرُ بِهِ وَيَزْكُو، قَالَ تعالى مُشِيرَاً إلى هذا المَعْنَى: ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: النِّعَمُ تَحْتَاجُ إلى شُكْرٍ للهِ تعالى، وَخَاصَّةً نِعْمَةَ النُّبُوَّةِ والرِّسَالَةِ، واللهُ تَبَارَكَ وتعالى هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ يَعْرِفُ قَدْرَ هذهِ النِّعْمَةِ وَيَشْكُرُهُ عَلَيْهَا، لِذَا اخْتَارَ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِحَمْلِ هذهِ الرِّسَالَةِ، وَكَانَ بِحَقٍّ شَاكِرَاً للهِ تعالى على هذهِ النِّعْمَةِ العَظِيمَةِ، وَقَد صَرَّحَ بِذَلِكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدَاً شَكُورَاً» رواه الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُا. وَكَانَ هذا بَعْدَ قِيَامِهِ باللَّيْلِ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ الشَّرِيفَتَانِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ، قَرْنَاً فَقَرْنَاً، حَتَّى كُنْتُ مِن الْقَرْنِ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ».
وروى الإمام مسلم عَن وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشَاً مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ».
وروى الحاكم عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ اخْتَارَ العَرَبَ، ثمَّ اخْتَارَ من العَرَبِ قُرَيْشَاً، ثمَّ اخْتَارَ من قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، ثمَّ اخْتَارَنِي من بَنِي هَاشِمٍ، فَأَنَا خِيَرَةٌ من خِيَرَةٍ».
وروى الحاكم والطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ سَبْعَاً، فَاخْتَارَ الْعُلْيَا مِنْهَا فَسَكَنَهَا، وَأَسْكَنَ سَمَاوَاتِهِ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، وَخَلَقَ الأَرْضَ سَبْعَاً، فَاخْتَارَ الْعُلْيَا مِنْهَا فَأَسْكَنَهَا مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، وَخَلَقَ الْخَلْقَ فَاخْتَارَ مِنَ الْخَلْقِ بني آدَمَ، وَاخْتَارَ مِنْ بني آدَمَ الْعَرَبَ، وَاخْتَارَ مِنَ الْعَرَبِ مُضَرَ، وَاخْتَارَ مِنْ مُضَرَ قُرَيْشَاً، وَاخْتَارَ مِنْ قُرَيْشٍ بني هَاشِمٍ، وَاخْتَارَنِي مِنْ بني هَاشِمٍ، فَأَنَا مِنْ خِيَارٍ إِلَى خِيَارٍ، فَمَنْ أَحَبَّ الْعَرَبَ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَ الْعَرَبَ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ».
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: فَسَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعبِ بْنِ لؤَيِّ بْنِ غالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ. كَمَا جَاءَ في صَحِيحِ الإِمَامِ البُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: (بَابُ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ).
مَن الذي سَمَّاهُ مُحَمَّدَاً؟
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: جَاءَ في كَنْزِ العُمَّالِ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: لَـمَّا وُلِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عَنْهُ بِكَبْشٍ عَبْدُ المُطَّلِبِ وَسَمَّاهُ مُحَمَّدَاً.
فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا الحَارِثِ! مَا حَمَلَكَ على أَنْ سَمَّيْتَهُ مُحَمَّدَاً وَلَمْ تُسَمِّهِ بِاسْمِ آبَائِهِ؟
قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ يَحْمَدَهُ اللهُ في السَّمَاءِ، وَيَحْمَدَهُ النَّاسُ في الأَرْضِ.
وَقَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ: بَلْ سَمَّتْهُ أُمُّهُ قَبْلَ ذَلِكَ مُحَمَّدَاً، لِمَا رَأَتْهُ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رواه البيهقي عَن ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: فَكَانَتْ آمِنَةُ بِنْتُ وَهبٍ أُمُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تُحَدِّثُ أَنَّهَا أُتِيَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ لَهَا: إِنَّكِ قَد حَمَلْتِ بِسَيِّدِ هذهِ الأُمَّةِ، فَإِذَا وَقَعَ إلى الأَرْضِ فَقُولِي: أُعِيذُهُ بالوَاحِدِ من شَرِّ كُلِّ حَاسِدٍ، من كُلِّ بَرٍّ عَاهِدٍ، وَكُلِّ عَبْدٍ رَائِدٍ يَرُودُ غَيْرَ رَائِدٍ، فَإِنَّهُ عَبْدُ الحَمِيدِ المَاجِد، حَتَّى أَرَاهُ قَد أَتَى المَشَاهِدَ.
قَالَ: آيَةُ ذَلِكَ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ نُورٌ يَمْلَأُ قُصُورَ بُصْرَى من أَرْضِ الشَّامِ، فَإِذَا وَقَعَ فَسَمِّيهِ مُحَمَّدَاً، فَإِنَّ اسْمَهُ في التَّوْرَاةِ أَحْمَد، يَحْمَدُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَأَهْلُ الأَرْضِ، وَاسْمُهُ في الإِنْجِيلِ أَحْمَد، يَحْمَدُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَأَهْلُ الأَرْضِ، وَاسْمُهُ في الفُرْقَانِ مُحَمَّدٌ، فَسَمَّيْتُهُ بِذَلِكَ.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: ولا تَعَارُضَ في ذَلِكَ، لِأَنَّ السَّيِّدَةَ آمِنَةَ نَقَلَتْ إلى عَبْدِ المُطَّلِبِ مَا رَأَتْهُ، فَسَمَّاهُ مُحَمَّدَاً، فَوَقَعَتِ التَّسْمِيَةُ مِنْهُ بِسَبَبِهَا، وَإِذَا كَانَ بِسَبَبِهَا صَحَّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهَا سَمَّتْهُ مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فَضْلُ نَسَبِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: فَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خِيرَةُ اللهِ تعالى، وَصَفْوَتُهُ من جَمِيعِ خَلْقِهِ، وهذا مَا أَقَرَّتْ بِهِ الأَعْدَاءُ قَبْلَ الأَحِبَّاءُ.
روى الإمام البخاري عَن ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ ـ قَبْلَ إِسْلامِهِ ـ فَسَأَلَهُ هِرَقْلُ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟
قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ.
قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ؟
قُلْتُ: لَا.
قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟
قُلْتُ: لَا.
قَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ، أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟
فَقُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ.
قَالَ: أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟
قُلْتُ: بَلْ يَزِيدُونَ.
قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟
قُلْتُ: لَا.
قَالَ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟
قُلْتُ: لَا.
قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟
قُلْتُ: لَا، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا؛ قَالَ: وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئَاً غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ.
قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟
قُلْتُ: الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ، يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ.
قَالَ: مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟
قُلْتُ: يَقُولُ: اعْبُدُوا اللهَ وَحْدَهُ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئَاً، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّدْقِ، وَالْعَفَافِ، وَالصِّلَةِ.
فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ: قُلْ لَهُ: سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا.
وروى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ الْـمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْـمُطَّلِبِ قَالَ: أَتَى نَاسٌ مِن الْأَنْصَارِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: إِنَّا لَنَسْمَعُ مِنْ قَوْمِكَ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ مِنْهُمْ: إِنَّمَا مِثْلُ مُحَمَّدٍ مِثْلُ نَخْلَةٍ نَبَتَتْ فِي كِبَاءٍ (الْكِبَاءُ: الْكُنَاسَةُ).
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ أَنَا؟».
قَالُوا: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: «أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْـمُطَّلِبِ ـ قَالَ: فَمَا سَمِعْنَاهُ قَطُّ يَنْتَمِي قَبْلَهَا ـ أَلَا إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ خَلْقَهُ، فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِ خَلْقِهِ، ثُمَّ فَرَّقَهُمْ فِرْقَتَيْنِ، فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِ الْفِرْقَتَيْنِ، ثُمَّ جَعَلَهُمْ قَبَائِلَ، فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِهِمْ قَبِيلَةً، ثُمَّ جَعَلَهُمْ بُيُوتَاً، فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِهِمْ بَيْتَاً، وَأَنَا خَيْرُكُمْ بَيْتَاً، وَخَيْرُكُمْ نَفْسَاً» صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد ذَكَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَكَارِمَ أُصُولِهِ، وَشَرَافَتَهُم، وَنَقَاوَةَ أَنْسَابِهِم، تَحَدُّثَاً بِنِعْمَةِ اللهِ تعالى، وَشُكْرَاً لَهُ، وَتَعْرِيفَاً بِمَنَازِلِهِم وَمَرَاتِبِهِم، وَلَيْسَ ذَلِكَ من بَابِ الاسْتِطَالَةِ والتَّكَبُّرِ ـ حَاشَاهُ من ذَلِكَ ـ لِأَنَّ التَّفَاخُرَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعَاً، لِأَنَّهُ يُـفْضِي إلى التَّكَبُّرِ واحْتِقَارِ الآخَرِينَ.
أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: مَعَ عُلُوِّ قَدْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَرِفْعَةِ شَأْنِهِ، كَانَ مُتَوَاضِعَاً، جَاءَ في كِتَابِ الوَفَا بِتَعْرِيفِ حُقُوقِ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، عَن ابْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: بَلَغَ أَكْثَمَ بْنَ صَيْفَيٍّ مَخْرَجُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَرَادَ أَنْ يَأْتِيَهُ، فَأَبَى قَوْمُهُ أَنْ يَدَعُوهُ.
فَقَالَ: مَنْ يُبَلِّغُهُ عَنِّي، وَيُبَلِّغُنِي عَنْهُ؟
فَانْتَدَبَ رَجُلَانِ، فَأَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَا: نَحْنُ رُسُلُ أَكْثَمَ بْنِ صَيْفِيٍّ، وَهُوَ يَسْأَلُك: مَنْ أَنْتَ، وَمَا أَنْتَ، وَبِمَ جِئْتَ؟
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَأَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ». ثمَّ تَلَا عَلَيْهِمَا: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإْحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْـمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
فَقَالَا: رُدَّ عَلَيْنَا هذا القَوْلَ؛ فَرَدَّهُ عَلَيْهِم حَتَّى حَفِظُوهُ.
وَأَتَيَا أَكْثَمَ فَقَالَا: سَأَلْنَاهُ عَن نَسَبِهِ، فَوَجَدْنَاهُ وَاسِطَ النَّسَبِ في مُضَرَ، وَقَد رَمَى إِلَيْنَا كَلِمَاتٍ.
فَلَمَّا سَمِعَهُنَّ أَكْثَمُ قَالَ: يَا قَوْمُ، أَرَاهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخْلَاقِ، وَيَنْهَى عَن مَلائِمِهَا، فَكُونُوا في الأَمْرِ رُؤُوسَاً، ولا تَكُونُوا أَذْنَابَاً، وَكُونُوا فِيهِ أُوَلَاً، ولا تَكُونُوا آخِرَاً؛ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ.
فَقَالَ أَكْثَمُ: وَيْلٌ للشَّجِيِّ من الخَلِيِّ، يَا لَهْفَ نَفْسِي على أَمْرٍ لَمْ أُدْرِكْهُ وَلَمْ يَفُتْنِي، مَا آسَى عَلَيْك، بَلْ على العَامَّةِ، يَا مَالِكُ، إِنَّ الحَقَّ إِذَا قَامَ دَفَعَ البَاطِلَ.
فَتَبِعَهُ مِائَةُ نَفْسٍ، وَخَرَجَ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَانَ في بَعْضِ الطَّرِيقِ عَمَدَ حُبَيْشٌ إلى رَوَاحِلِهِم، فَنَحَرَهَا وَشَقَّ مَا كَانَ مَعَهُم من مَزَادَةٍ وَهَرَبَ، فَجَهَدَ أَكْثَمَ العَطَشُ، فَمَاتَ وَأَوْصَى مَنْ مَعَهُ بِاتِّبَاعِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَشْهَدَهُم أَنَّهُ أَسْلَمَ.
فَأُنْزِلَ فِيهِ: ﴿وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الأٌّرْضِ مُرَاغَمَاً كَثِيرَاً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرَاً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْـمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ اللهِ وَكَانَ اللهُ غَفُورَاً رَّحِيمَاً﴾.
اللَّهُمَّ خَلِّقْنَا بِأَخْلاقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
أمس في 17:10 من طرف Admin
» كتاب: الحب في الله ـ محمد غازي الجمل
أمس في 17:04 من طرف Admin
» كتاب "قطائف اللطائف من جواهر المعارف" - الجزء الأول ـ إعداد: غازي الجمل
أمس في 16:59 من طرف Admin
» كتاب "قطائف اللطائف من جواهر المعارف" - الجزء الثاني ـ إعداد: غازي الجمل
أمس في 16:57 من طرف Admin
» كتاب : الفتن ـ نعيم بن حماد المروزي
7/11/2024, 09:30 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (1) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:12 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (2) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:10 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (3) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:06 من طرف Admin
» كتاب: تحفة المشتاق: أربعون حديثا في التزكية والأخلاق ـ محب الدين علي بن محمود بن تقي المصري
19/10/2024, 11:00 من طرف Admin
» كتاب: روح الأرواح ـ ابن الجوزي
19/10/2024, 10:51 من طرف Admin
» كتاب: هدية المهديين ـ العالم يوسف اخي چلبي
19/10/2024, 09:54 من طرف Admin
» كتاب: نخبة اللآلي لشرح بدء الأمالي ـ محمد بن سليمان الحلبي الريحاوي
19/10/2024, 09:50 من طرف Admin
» كتاب: الحديقة الندية شرح الطريقة المحمدية - عبد الغني النابلسي ـ ج1
19/10/2024, 09:18 من طرف Admin
» كتاب: البريقة شرح الطريقة ـ لمحمد الخادمي ـ ج2
19/10/2024, 08:56 من طرف Admin
» كتاب: البريقة شرح الطريقة ـ لمحمد الخادمي ـ ج1
19/10/2024, 08:55 من طرف Admin