..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ رقة قلبه الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (1) ـ أحمد شريف النعسان Empty12/9/2024, 18:39 من طرف Admin

»  كتاب اللطف الخفي في شرح رباعيات الجعفي - الشيخ عبد العزيز الجعفي الشاذلي
كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ رقة قلبه الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (1) ـ أحمد شريف النعسان Empty12/9/2024, 18:25 من طرف Admin

» كتاب: نقض كتاب تثليث الوحدانية للإمام أحمد القرطبي
كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ رقة قلبه الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (1) ـ أحمد شريف النعسان Empty12/9/2024, 18:23 من طرف Admin

» كتاب: الشيخ سيدي محمد الصوفي كما رأيته و عرفته تأليف تلميذه الأستاذ عتو عياد
كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ رقة قلبه الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (1) ـ أحمد شريف النعسان Empty12/9/2024, 18:21 من طرف Admin

» كتاب تجلّيّات السَّادات ، مخطوط نادر جدا للشيخ محمد وفا الشاذلي
كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ رقة قلبه الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (1) ـ أحمد شريف النعسان Empty12/9/2024, 18:15 من طرف Admin

» كتاب: النسوة الصوفية و حِكمهن ـ قطفها أحمد بن أشموني
كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ رقة قلبه الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (1) ـ أحمد شريف النعسان Empty12/9/2024, 18:13 من طرف Admin

» كتاب: مرآة العرفان و لبه شرح رسالة من عرف نفسه فقد عرف ربه ـ ابن عربي
كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ رقة قلبه الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (1) ـ أحمد شريف النعسان Empty12/9/2024, 18:09 من طرف Admin

» كتاب: إتحاف أهل العناية الربانية في اتحاد طرق أهل الله وإن تعددت مظاهرها - للشيخ فتح الله بناني
كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ رقة قلبه الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (1) ـ أحمد شريف النعسان Empty12/9/2024, 18:06 من طرف Admin

» كتاب: مجموع الرسائل الرحمانية ـ سيدي محمد بن عبد الرحمن الأزهري
كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ رقة قلبه الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (1) ـ أحمد شريف النعسان Empty12/9/2024, 18:04 من طرف Admin

» كتاب: المواقف الإلهية للشيخ قضيب البان و يليه رسالة تحفة الروح و الأنس ورسالة الأذكار الموصلة إلى حضرة الأنوار للبلاسي
كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ رقة قلبه الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (1) ـ أحمد شريف النعسان Empty12/9/2024, 18:00 من طرف Admin

» كتاب: مجالس شيخ الإسلام سيدي عبد القادر الجيلاني المسماة جلاء الخواطر
كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ رقة قلبه الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (1) ـ أحمد شريف النعسان Empty12/9/2024, 17:55 من طرف Admin

» كتاب: كيف أحفظ القرآن الكريم ـ للشيخ السيد البلقاسي
كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ رقة قلبه الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (1) ـ أحمد شريف النعسان Empty12/9/2024, 14:40 من طرف Admin

» كتاب: الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية تفسير القرآن العظيم ـ للإمام سليمان الصرصري
كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ رقة قلبه الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (1) ـ أحمد شريف النعسان Empty12/9/2024, 14:20 من طرف Admin

» كتاب: تربيع المراتب و الأصول .. نتائج أفكار الفحول من أرباب الوصول للشيخ إبراهيم البثنوي
كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ رقة قلبه الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (1) ـ أحمد شريف النعسان Empty11/9/2024, 18:44 من طرف Admin

» كتاب: الوصول إلى معاني وأسرار القول المقبول ـ للشيخ عبد القادر بن طه دحاح البوزيدي
كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ رقة قلبه الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (1) ـ أحمد شريف النعسان Empty11/9/2024, 18:42 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ رقة قلبه الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (1) ـ أحمد شريف النعسان

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68406
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ رقة قلبه الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (1) ـ أحمد شريف النعسان Empty كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ رقة قلبه الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (1) ـ أحمد شريف النعسان

    مُساهمة من طرف Admin 30/9/2020, 15:58

    مع الحبيب المصطفى: رقة قلبه الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (1)
    مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم



    مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

    189ـ رقة قلبه الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (1)

    مقدمة الكلمة:

    الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

    فيا أيُّها الإخوة الكرام: القَلبُ مَوضِعُ نَظَرِ الرَّبِّ سُبحَانَهُ وتعالى، لأنَّهُ سَيِّدُ الأَعضَاءِ، روى الشيخان عَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ».

    وسَلامَةُ القَلبِ عَلامَةٌ من عَلامَاتِ النَّجَاةِ يَومَ القِيَامَةِ، ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾.

    وصَاحِبُ القَلبِ الرَّقِيقِ سَابِقٌ إلى الخَيرَاتِ، مُشَمِّرٌ في الطَّاعَاتِ والقُرُبَاتِ، صَاحِبُ القَلبِ الرَّقِيقِ إذا ذُكِّرَ باللهِ تَذَكَّرَ، وإذا بُصِّرَ بِهِ تَبَصَّرَ، ومَا رَقَّ قَلبٌ للهِ تعالى إلا كَانَ أَبعَدَ مَا يَكُونُ عن مَعَاصِي اللهِ تعالى.

    أيُّها الإخوة الكرام: القُلُوبُ بَينَ أُصبُعَينِ من أَصَابِعِ الرَّحمَنِ، روى الإمام أحمد عن النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْكِلَابِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا وَهُوَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، إِنْ شَاءَ أَنْ يُقِيمَهُ أَقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُزِيغَهُ أَزَاغَهُ».

    وإذا أَرَادَ اللهُ تعالى بِعَبدِهِ خَيرَاً أَرسَلَ على قَلبِهِ رَحمَةً تَتَغَلغَلُ فِيهِ، وتُحَوِّلُهُ من القَسْوَةِ إلى الرِّقَّةِ، ومن الغَفلَةِ إلى اليَقَظَةِ، ومن الفَظَاظَةِ إلى اللِّينِ، ومن البُعدِ عن اللهِ تعالى إلى القُرْبِ مِنهُ تَبَارَكَ وتعالى.

    أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ رِقَّةَ القَلبِ هيَ من أَجَلِّ وأَعظَمِ نِعَمِ اللهِ تعالى على العَبدِ، ومَا من قَلبٍ يُحرَمُ هذهِ النِّعمَةَ إلا كَانَ صَاحِبُهُ مَوعُودَاً بِعَذَابِ اللهِ تعالى، قال تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾.

    صُوَرٌ من رِقَّةِ قَلبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

    أيُّها الإخوة الكرام: يَقُولُ مَولانَا تَبَارَكَ اسمُهُ: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً﴾. نَحنُ اليَومَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى أن نَتَعَرَّفَ على أَخلاقِ وسِيرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي كَانَ أَكمَلَ النَّاسِ خَلْقَاً وخُلُقَاً، حَتَّى وَسِعَتْ أَخلاقُهُ جَمِيعَ النَّاسِ، ومَا ذَاكَ إلا لِرِقَّةِ قَلبِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

    من رِقَّةِ قَلبِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ كَانَ دَائِمَ البِشْرِ، سَهْلَ الخُلُقِ، لَيِّنَ الجَانِبِ، لَيسَ بِفَظٍّ ولا غَلِيظٍ، ولا صَخَّابٍ ولا فَحَّاشٍ، ولا عَتَّابٍ ولا مَدَّاحٍ، ولا عَجَبَ؛ فَقَد أَثنَى اللهُ تعالى عَلَيهِ في القُرآنِ العَظِيمِ بِقَولِهِ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾.

    أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ الرِّقَّةَ التي كَانَت في قَلبِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَت رِقَّةً مِثَالِيَّةً لَم يَحْظَ بِهَا أَحَدٌ من النَّاسِ، ولَم تَكُنْ وَصْفَاً في كَمَالِهَا لِغَيرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، من مَظَاهِرِ رِقَّةِ قَلبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

    أولاً: «أَنُزِعَتْ مِنْك الرَّحْمَةُ يَا بِلَالُ؟»:

    أيُّها الإخوة الكرام: من مَظَاهِرِ رِقَّةِ قَلبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَمَا جَاءَ في كُتُبِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ، أنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَاتَبَ بِلالاً رَضِيَ اللهُ عَنهُ لأنَّهُ مَرَّ بِأَسِيرَاتٍ يَهُودِيَّاتٍ على قَتلَى رِجَالِهِنَّ.

    لَمّا فَتَحَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حِصْنَ بَنِي أَبِي حُقَيْقٍ من خَيبَرَ، أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وبامرَأَةٍ أُخرَى، فَمَرَّ بِهِمَا بِلَالٌ عَلَى قَتْلَى يَهُودَ، فَلَمَّا رَأَتْهُمُ الجَارِيَةُ التِي مَعَ صَفِيَّةَ صَاحَتْ، وَصَكَّتْ وَجْهَهَا، وَحَثَّتِ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهَا.

    فَلَمَّا رَأى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِتِلكَ الجَارِيَةِ مَا رَأَى قَالَ: «أَنُزِعَتْ مِنْك الرَّحْمَةُ يَا بِلَالُ، حِينَ تَمُرُّ بِامْرَأَتَيْنِ عَلَى قَتْلَى رِجَالِهِمَا؟».

    أَينَ هذهِ الرِّقَّةُ في قُلُوبِنَا، لا على يَهُودَ وأَهلِ كِتَابٍ، بل على بَعضِنَا البَعضِ؟

    ثانياً: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا»:

    أيُّها الإخوة الكرام: من مَظَاهِرِ رِقَّةِ قَلبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أنَّهُ نَهَى عن التَّفرِيقِ بَينَ الأَقَارِبِ من السَّبْيِ في البَيعِ، كالأُمِّ وَوَلَدِهَا، والوَلَدِ مَعَ أَبِيهِ، وبَينَ الأَخَوَينِ الصَّغِيرَينِ، شَفَقَةً عَلَيهِمَا.

    روى الترمذي عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: وَهَبَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ، فَبِعْتُ أَحَدَهُمَا.

    فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَلِيُّ، مَا فَعَلَ غُلَامُكَ؟».

    فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: «رُدَّهُ رُدَّهُ».

    وفي رِوَايَةٍ للإمام أحمد عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَبِيعَ غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ، فَبِعْتُهُمَا، فَفَرَّقْتُ بَيْنَهُمَا.

    فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَدْرِكْهُمَا، فَارْتَجِعْهُمَا، وَلَا تَبِعْهُمَا إِلَّا جَمِيعاً، وَلَا تُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا».

    وروى الترمذي عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا، فَرَّقَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

    أَينَ هذهِ الرِّقَّةُ في قُلُوبِنَا تُجَاهَ الأَبنَاءِ والبَنَاتِ؟

    ثالثاً: «هَلَّا تَرَكْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا آتِيهِ فِيهِ»:

    أيُّها الإخوة الكرام: من مَظَاهِرِ رِقَّةِ قَلبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، شَفَقَتُهُ على أَبِي قُحَافَةَ وَالِدِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، حَيثُ جَاءَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يَقُودُهُ إلى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وهوَ رَجُلٌ مُسِنٌّ كَبِيرٌ أَعمَى، لِيُعلِنَ إِسلامَهُ بَينَ يَدَيْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَظَهَرَتْ رِقَّةُ قَلبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

    روى الإمام أحمد عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَتْ: لَمَّا وَقَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِذِي طُوىً قَالَ أَبُو قُحَافَةَ لِابْنَةٍ لَهُ مِنْ أَصْغَرِ وَلَدِهِ: أَيْ بُنَيَّةُ، اظْهَرِي بِي عَلَى أَبِي قَبِيسٍ.

    قَالَتْ ـ وَقَدْ كُفَّ بَصَرُهُ ـ قَالَتْ: فَأَشْرَفْتُ ـ أَقبلَتُ ـ بِهِ عَلَيْهِ.

    فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ، مَاذَا تَرَيْنَ؟

    قَالَتْ: أَرَى سَوَاداً مُجْتَمِعاً.

    قَالَ: تِلْكَ الْخَيْلُ.

    قَالَتْ: وَأَرَى رَجُلاً يَسْعَى بَيْنَ ذَلِكَ السَّوَادِ مُقْبِلاً وَمُدْبِراً.

    قَالَ: يَا بُنَيَّةُ، ذَلِكَ الْوَازِعُ ـ يَعْنِي الَّذِي يَأْمُرُ الْخَيْلَ، وَيَتَقَدَّمُ إِلَيْهَا ـ.

    ثُمَّ قَالَتْ: قَدْ واللهِ انْتَشَرَ السَّوَادُ.

    فَقَالَ: قَدْ واللهِ إِذَا دَفَعَتِ الْخَيْلُ فَأَسْرِعِي بِي إِلَى بَيْتِي، فَانْحَطَّتْ بِهِ وَتَلَقَّاهُ الْخَيْلُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى بَيْتِهِ، وَفِي عُنُقِ الْجَارِيَةِ طَوْقٌ لَهَا مِنْ وَرِقٍ ـ فِضَّةٍ ـ فَتَلَقَّاهُ الرَّجُلُ، فَاقْتَلَعَهُ مِنْ عُنُقِهَا.

    قَالَتْ: فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، أَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ بِأَبِيهِ يَعُودُهُ.

    فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «هَلَّا تَرَكْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا آتِيهِ فِيهِ».

    قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، هُوَ أَحَقُّ أَنْ يَمْشِيَ إِلَيْكَ مِنْ أَنْ تَمْشِيَ أَنْتَ إِلَيْهِ.

    قَالَ: فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ صَدْرَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «أَسْلِمْ» فَأَسْلَمَ.

    أَينَ هذهِ الرِّقَّةُ في قُلُوبِنَا تُجَاهَ المُسِنِّينَ؟

    خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

    أيُّها الإخوة الكرام: لقد قَسَتْ قُلُوبُنَا إلا من رَحِمَ اللهُ تعالى، حُرِمَتْ كَثِيرٌ من القُلُوبِ الرِّقَّةَ بِسَبَبِ انشِغَالِ القُلُوبِ بالدُّنيَا، التي هيَ أَعظَمُ الأَسبَابِ لِقَسْوَةِ القَلبِ.

    أيُّها الإخوة الكرام: من الأَسبَابِ التي تُعِينُ على رِقَّةِ القَلبِ أن نَتَذَكَّرَ الآخِرَةَ وأَهوَالَهَا، والجَنَّةَ ونَعِيمَهَا، والنَّارَ وجَحِيمَهَا، وأنَّ الحَيَاةَ الدُّنيَا زَائِلَةٌ، وأنَّ مَتَاعَهَا قَلِيلٌ.

    التَّفَكُّرُ في اليَومِ الآخِرِ يَقُودُ النُّفُوسَ إلى رَبِّهَا، ويُرَقِّقُ القُلُوبَ بَعدَ قَسْوَتِهَا، لأنَّ يَومَ القِيَامَةِ هوَ يَومُ الحَسَرَاتِ، إنَّهُ يَومٌ خَوَّفَ اللهُ تعالى بِهِ عِبَادَهُ، قال تعالى: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾. وأَيُّ حَسْرَةٍ أَعظَمُ من أنَّ الذي نُزِعَتْ من قَلبِهِ الرِّقَّةُ والرَّحمَةُ لن يُرحَمَ؟

    أيُّها الإخوة الكرام: من تَذَكَّرَ يَومَ القِيَامَةِ، اليَومَ المَهِيبَ الذي تَشْخَصُ فِيهِ الأَبصَارُ، وتَشِيبُ فِيهِ الوِلدَانُ، هَانَ عَلَيهِ أن يَتَخَلَّقَ بِأَخلاقِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وخَاصَّةً في رِقَّةِ القَلبِ عِندَمَا يَتَعَامَلُ مَعَ الآخَرِينَ.

    مَا حَلَّ بِنَا مَا حَلَّ إلا بِسَبَبِ قَسْوَةِ القَلبِ، ونَزْعِ الرِّقَّةِ والرَّحمَةِ مِنهُ، ومن لا يَرحَمُ لا يُرحَمُ.

    أَسأَلُ اللهَ تعالى أن يَرُدَّنَا إلى دِينِهِ رَدَّاً جَمِيلاً. آمين.

    وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.


      الوقت/التاريخ الآن هو 20/9/2024, 06:36