مع الحبيب المصطفى: رقة قلبه الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (2)
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
190ـ رقة قلبه الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (2)
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ الرِّجَالَ العِظَامَ كُلَّمَا ارتَفَعُوا إلى آفَاقِ الكَمَالِ، اتَّسَعَتْ صُدُورُهُم، وامتَدَّ حِلْمُهُم، والتَمَسُوا للنَّاسِ الأَعذَارَ لأغلاطِهِم، وأَخَذُوهُم بالرِّفقِ، ومَا ذَاكَ إلا لِرِقَّةِ قُلُوبِهِم.
ولَيسَ هُنَاكَ عَظِيمٌ في الأخلَاقِ أَعظَمُ من سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي ارتَقَى إلى أَعلَى دَرَجَاتِ الكَمَالِ، فَكَانَ صَدْرُهُ الشَّرِيفُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أوسَعَ الصُّدُورِ، وكَانَ قَلبُهُ الشَّرِيفُ أَرَقَّ القُلُوبِ، وظَهَرَتْ رِقَّةُ قَلبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في أَشَدِّ الأَوقَاتِ، وأَحلَكِ الظُّرُوفِ، فَفِي يَومِ أُحُدٍ شُجَّ رَأسُهُ الشَّرِيفُ، وكُسِرَتْ رُبَاعِيَّتُهُ، فَقِيلَ لَهُ وهوَ في هذا المَوقِفِ العَصِيبِ: ألا تَدْعُو اللهَ على المُشْرِكِينَ؟
فَمَا كَانَ جَوَابُ صَاحِبِ القَلبِ الرَّحِيمِ، الذي امتَلأَ رِقَّةً على خَلْقِ اللهِ أَجمَعِينَ، إلا أن قَالَ: «إنَّ اللهَ تَعالى لَم يَبْعَثْنِي طَعَّانَاً ولا لَعَّانَاً، ولكن بَعَثَنِي دَاعِيَةً وَرَحمَةً، اللَّهُمَّ اهْدِ قَومِي فَإِنَّهُم لا يَعلَمُونَ» رواه البيهقي عَن عَبدِ اللهِ بنِ عُبَيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. وفي مَقَامٍ آخَرَ قَالَ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّاناً، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
أيُّها الإخوة الكرام: صَاحِبُ القَلبِ الكَبِيرِ الذي امتَلأَ رِقَّةً، لا تَسْتَجِيشُهُ القَسْوَةُ عن التَّعَقُّلِ والحِلْمِ، بَل يَكُونُ إلى العَفوِ والصَّفحِ أَقرَبَ من الانتِقَامِ والبَطْشِ.
روى الإمام البخاري عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ.
فَقَالَ لَهُم النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «دَعُوهُ، وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ ـ أَوْ ذَنُوباً مِنْ مَاءٍ ـ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ».
وفي رِوَايَةٍ أُخرَى للإمام البخاري أيضَاً قَالَ الأَعرَابِيُّ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّداً، وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَداً.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعاً» يُرِيدُ رَحْمَةَ اللهِ.
إِنَّهَا رِقَّةٌ في القَلبِ الذي عَرَفَ اللهَ تعالى، إِنَّهَا رِقَّةٌ في القَلبِ لِمَن كَانَ يَشْعُرُ بِأَنَّهُ بِحَاجَةٍ إلى رَحمَةِ اللهِ.
رِقَّةُ القَلبِ ثَمَرَةُ الخَشْيَةِ من اللهِ تعالى:
أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ رِقَّةَ القَلبِ ثَمَرَةٌ من ثِمَارِ الخَشْيَةِ من اللهِ تعالى، فَكُلَّمَا عَظُمَتِ الخَشْيَةُ من اللهِ تعالى كُلَّمَا عَظُمَتِ الرِّقَّةُ في القَلبِ، والعَكسُ بالعَكسِ، فَكُلَّمَا قَلَّ الخَوفُ من اللهِ تعالى كُلَّمَا قَسَا القَلبُ.
أيُّها الإخوة الكرام: على قَدْرِ الإِيمَانِ باللهِ تعالى، والعِلْمِ بِهِ، تَكُونُ الرِّقَّةُ في القَلبِ، فَلَو وَقَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا على هذهِ المُعَادَلَةِ، ونَظَرَ في نَفسِهِ، هَل قَلبُهُ رَقِيقٌ أم قَاسٍ؟
أيُّها الإخوة الكرام: لِيَتَذَكَّرْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا قَولَ اللهِ تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾.
صُوَرٌ من رِقَّةِ قَلبِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: سَيِّدُنا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أُسوَتُنَا وقُدوَتُنَا، فَلْيَضَعْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا نَفسَهُ في مِيزَانِ الحَبِيبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
بُكَاؤُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على أُمَّتِهِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ من رِقَّةِ قَلبِ سَيِّدِنا رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ بَكَى على أُمَّتِهِ خَوفَاً عَلَيهَا من يَومِ القِيَامَةِ.
روى الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَلَا قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِن النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي» وَبَكَى.
فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟
فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام، فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ.
فَقَالَ اللهُ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ.
أيُّها الإخوة الكرام: أَينَ مَن يَبكِي على هذهِ الأُمَّةِ التي سُفِكَت دِمَاؤُهَا، وسُلِبَت أَموَالُهَا، وتَدَاعَت عَلَيهَا الأُمَمُ من كُلِّ حَدْبٍ وصَوْبٍ؟ أَينَ رِقَّةُ قُلُوبِ حَمَلَةِ رِسَالَةِ سَيِّدِنا رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذينَ يُشَاهِدُونَ على شَاشَاتِ التِّلفَازِ مَا يَجرِي في هذا البَلَدِ؟ هَل أَصبَحَت قُلُوبُهُم أَقسَى من الحَجَرِ؟
تَقبِيلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ للحَسَنِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ من رِقَّةِ قَلبِ سَيِّدِنا رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُ الطِّفلَ الصَّغِيرَ.
روى الشيخان عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَبَّلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، وَعِنْدَهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِساً.
فَقَالَ الْأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِن الْوَلَدِ، مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَداً.
فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: «مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ».
وفي رِوَايَةٍ للإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَوَ أَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ».
أيُّها الإخوة الكرام: أَينَ رِقَّةُ القَلبِ فِينَا؟ أَينَ رِقَّةُ قُلُوبِكُم يَا قَومُ؟ أَطفَالُنَا تُقتَلُ على مَرأَى من عُيُونِ الآبَاءِ والأُمَّهَاتِ، فَهَل نُزِعَتِ الرَّحمَةُ من القُلُوبِ، فَصَارَت أَقسَى من الحَجَرِ؟ أَمَا كَفَانَا مَا جَرَى في هذا البَلَدِ؟ أَمَا كَفَانَا سَفْكٌ لدِمَاءِ الأَطفَالِ الأَبرِيَاءِ؟ فإذا كَانَتِ الرَّحمَةُ نُزِعَت من قُلُوبِكُم، فَإِنَّا قَد شَكَونَاكُم إلى اللهِ تعالى أَرحَمِ الرَّاحِمِينَ.
رِقَّةُ قَلبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى في الحُرُوبِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَقِيقَ القَلبِ نَحْوَ خَلْقِ اللهِ جَمِيعَاً، حَتَّى بَلَغَت رِقَّةُ قَلبِهِ إلى أَعدَائِهِ أَثنَاءَ الحَربِ.
روى أبو داود عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذا بَعَثَ جَيشَاً قَالَ: «انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللهِ، وباللهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ، وَلَا تَقْتُلُوا شَيْخاً فَانِياً، وَلَا طِفْلاً، وَلَا صَغِيراً، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا تَغُلُّوا، وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ، وَأَصْلِحُوا، وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ».
أيُّها الإخوة الكرام: هذا هوَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وهذا هوَ تَوجِيهُهُ لأُمَّتِهِ، فَأَينَ نَحنُ من أَقوَالِهِ وأَفعَالِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ رِقَّةَ القُلُوبِ سَبَبٌ لِسَعَادَةِ العَبدِ في الدُّنيَا والآخِرَةِ، كَمَا أنَّ قَسْوَةَ القُلُوبِ سَبَبٌ لِشَقَاءِ العَبدِ في الدُّنيَا والآخِرَةِ.
لقد أَعطَانَا سَيِّدُنا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صُورَتَينِ، صُورَةً لِمَن كَانَ رَقِيقَ القَلبِ، وصُورَةً لِمَن كَانَ قَاسِيَ القَلبِ.
روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ رَجُلاً رَأَى كَلْباً يَأْكُلُ الثَّرَى مِن الْعَطَشِ، فَأَخَذَ الرَّجُلُ خُفَّهُ، فَجَعَلَ يَغْرِفُ لَهُ بِهِ الْمَاءَ حَتَّى أَرْوَاهُ.
فَشَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ، فَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ».
وروى الإمام البخاري عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «دَخَلَت امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ».
أيُّها الإخوة الكرام: ألا نَحتَاجُ إلى رَحمَةِ اللهِ تعالى؟ فَلْنَنْزَعِ القَسْوَةَ من قُلُوبِنَا تُجَاهَ هذا البَلَدِ، وأَهلِ هذا البَلَدِ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ من قَلبٍ لا يَخشَعُ، ومن عَينٍ لا تَدمَعُ، ومن دُعَاءٍ لا يُسمَعُ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
190ـ رقة قلبه الشريف صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (2)
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ الرِّجَالَ العِظَامَ كُلَّمَا ارتَفَعُوا إلى آفَاقِ الكَمَالِ، اتَّسَعَتْ صُدُورُهُم، وامتَدَّ حِلْمُهُم، والتَمَسُوا للنَّاسِ الأَعذَارَ لأغلاطِهِم، وأَخَذُوهُم بالرِّفقِ، ومَا ذَاكَ إلا لِرِقَّةِ قُلُوبِهِم.
ولَيسَ هُنَاكَ عَظِيمٌ في الأخلَاقِ أَعظَمُ من سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي ارتَقَى إلى أَعلَى دَرَجَاتِ الكَمَالِ، فَكَانَ صَدْرُهُ الشَّرِيفُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أوسَعَ الصُّدُورِ، وكَانَ قَلبُهُ الشَّرِيفُ أَرَقَّ القُلُوبِ، وظَهَرَتْ رِقَّةُ قَلبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في أَشَدِّ الأَوقَاتِ، وأَحلَكِ الظُّرُوفِ، فَفِي يَومِ أُحُدٍ شُجَّ رَأسُهُ الشَّرِيفُ، وكُسِرَتْ رُبَاعِيَّتُهُ، فَقِيلَ لَهُ وهوَ في هذا المَوقِفِ العَصِيبِ: ألا تَدْعُو اللهَ على المُشْرِكِينَ؟
فَمَا كَانَ جَوَابُ صَاحِبِ القَلبِ الرَّحِيمِ، الذي امتَلأَ رِقَّةً على خَلْقِ اللهِ أَجمَعِينَ، إلا أن قَالَ: «إنَّ اللهَ تَعالى لَم يَبْعَثْنِي طَعَّانَاً ولا لَعَّانَاً، ولكن بَعَثَنِي دَاعِيَةً وَرَحمَةً، اللَّهُمَّ اهْدِ قَومِي فَإِنَّهُم لا يَعلَمُونَ» رواه البيهقي عَن عَبدِ اللهِ بنِ عُبَيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. وفي مَقَامٍ آخَرَ قَالَ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّاناً، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
أيُّها الإخوة الكرام: صَاحِبُ القَلبِ الكَبِيرِ الذي امتَلأَ رِقَّةً، لا تَسْتَجِيشُهُ القَسْوَةُ عن التَّعَقُّلِ والحِلْمِ، بَل يَكُونُ إلى العَفوِ والصَّفحِ أَقرَبَ من الانتِقَامِ والبَطْشِ.
روى الإمام البخاري عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ.
فَقَالَ لَهُم النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «دَعُوهُ، وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ ـ أَوْ ذَنُوباً مِنْ مَاءٍ ـ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ».
وفي رِوَايَةٍ أُخرَى للإمام البخاري أيضَاً قَالَ الأَعرَابِيُّ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّداً، وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَداً.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعاً» يُرِيدُ رَحْمَةَ اللهِ.
إِنَّهَا رِقَّةٌ في القَلبِ الذي عَرَفَ اللهَ تعالى، إِنَّهَا رِقَّةٌ في القَلبِ لِمَن كَانَ يَشْعُرُ بِأَنَّهُ بِحَاجَةٍ إلى رَحمَةِ اللهِ.
رِقَّةُ القَلبِ ثَمَرَةُ الخَشْيَةِ من اللهِ تعالى:
أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ رِقَّةَ القَلبِ ثَمَرَةٌ من ثِمَارِ الخَشْيَةِ من اللهِ تعالى، فَكُلَّمَا عَظُمَتِ الخَشْيَةُ من اللهِ تعالى كُلَّمَا عَظُمَتِ الرِّقَّةُ في القَلبِ، والعَكسُ بالعَكسِ، فَكُلَّمَا قَلَّ الخَوفُ من اللهِ تعالى كُلَّمَا قَسَا القَلبُ.
أيُّها الإخوة الكرام: على قَدْرِ الإِيمَانِ باللهِ تعالى، والعِلْمِ بِهِ، تَكُونُ الرِّقَّةُ في القَلبِ، فَلَو وَقَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا على هذهِ المُعَادَلَةِ، ونَظَرَ في نَفسِهِ، هَل قَلبُهُ رَقِيقٌ أم قَاسٍ؟
أيُّها الإخوة الكرام: لِيَتَذَكَّرْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا قَولَ اللهِ تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾.
صُوَرٌ من رِقَّةِ قَلبِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: سَيِّدُنا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أُسوَتُنَا وقُدوَتُنَا، فَلْيَضَعْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا نَفسَهُ في مِيزَانِ الحَبِيبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
بُكَاؤُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على أُمَّتِهِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ من رِقَّةِ قَلبِ سَيِّدِنا رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ بَكَى على أُمَّتِهِ خَوفَاً عَلَيهَا من يَومِ القِيَامَةِ.
روى الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَلَا قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِن النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي» وَبَكَى.
فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟
فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام، فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ.
فَقَالَ اللهُ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ.
أيُّها الإخوة الكرام: أَينَ مَن يَبكِي على هذهِ الأُمَّةِ التي سُفِكَت دِمَاؤُهَا، وسُلِبَت أَموَالُهَا، وتَدَاعَت عَلَيهَا الأُمَمُ من كُلِّ حَدْبٍ وصَوْبٍ؟ أَينَ رِقَّةُ قُلُوبِ حَمَلَةِ رِسَالَةِ سَيِّدِنا رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذينَ يُشَاهِدُونَ على شَاشَاتِ التِّلفَازِ مَا يَجرِي في هذا البَلَدِ؟ هَل أَصبَحَت قُلُوبُهُم أَقسَى من الحَجَرِ؟
تَقبِيلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ للحَسَنِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ من رِقَّةِ قَلبِ سَيِّدِنا رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُ الطِّفلَ الصَّغِيرَ.
روى الشيخان عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَبَّلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، وَعِنْدَهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِساً.
فَقَالَ الْأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِن الْوَلَدِ، مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَداً.
فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: «مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ».
وفي رِوَايَةٍ للإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَوَ أَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ».
أيُّها الإخوة الكرام: أَينَ رِقَّةُ القَلبِ فِينَا؟ أَينَ رِقَّةُ قُلُوبِكُم يَا قَومُ؟ أَطفَالُنَا تُقتَلُ على مَرأَى من عُيُونِ الآبَاءِ والأُمَّهَاتِ، فَهَل نُزِعَتِ الرَّحمَةُ من القُلُوبِ، فَصَارَت أَقسَى من الحَجَرِ؟ أَمَا كَفَانَا مَا جَرَى في هذا البَلَدِ؟ أَمَا كَفَانَا سَفْكٌ لدِمَاءِ الأَطفَالِ الأَبرِيَاءِ؟ فإذا كَانَتِ الرَّحمَةُ نُزِعَت من قُلُوبِكُم، فَإِنَّا قَد شَكَونَاكُم إلى اللهِ تعالى أَرحَمِ الرَّاحِمِينَ.
رِقَّةُ قَلبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى في الحُرُوبِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَقِيقَ القَلبِ نَحْوَ خَلْقِ اللهِ جَمِيعَاً، حَتَّى بَلَغَت رِقَّةُ قَلبِهِ إلى أَعدَائِهِ أَثنَاءَ الحَربِ.
روى أبو داود عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذا بَعَثَ جَيشَاً قَالَ: «انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللهِ، وباللهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ، وَلَا تَقْتُلُوا شَيْخاً فَانِياً، وَلَا طِفْلاً، وَلَا صَغِيراً، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا تَغُلُّوا، وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ، وَأَصْلِحُوا، وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ».
أيُّها الإخوة الكرام: هذا هوَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وهذا هوَ تَوجِيهُهُ لأُمَّتِهِ، فَأَينَ نَحنُ من أَقوَالِهِ وأَفعَالِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ رِقَّةَ القُلُوبِ سَبَبٌ لِسَعَادَةِ العَبدِ في الدُّنيَا والآخِرَةِ، كَمَا أنَّ قَسْوَةَ القُلُوبِ سَبَبٌ لِشَقَاءِ العَبدِ في الدُّنيَا والآخِرَةِ.
لقد أَعطَانَا سَيِّدُنا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صُورَتَينِ، صُورَةً لِمَن كَانَ رَقِيقَ القَلبِ، وصُورَةً لِمَن كَانَ قَاسِيَ القَلبِ.
روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ رَجُلاً رَأَى كَلْباً يَأْكُلُ الثَّرَى مِن الْعَطَشِ، فَأَخَذَ الرَّجُلُ خُفَّهُ، فَجَعَلَ يَغْرِفُ لَهُ بِهِ الْمَاءَ حَتَّى أَرْوَاهُ.
فَشَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ، فَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ».
وروى الإمام البخاري عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «دَخَلَت امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ».
أيُّها الإخوة الكرام: ألا نَحتَاجُ إلى رَحمَةِ اللهِ تعالى؟ فَلْنَنْزَعِ القَسْوَةَ من قُلُوبِنَا تُجَاهَ هذا البَلَدِ، وأَهلِ هذا البَلَدِ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ من قَلبٍ لا يَخشَعُ، ومن عَينٍ لا تَدمَعُ، ومن دُعَاءٍ لا يُسمَعُ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
12/9/2024, 18:39 من طرف Admin
» كتاب اللطف الخفي في شرح رباعيات الجعفي - الشيخ عبد العزيز الجعفي الشاذلي
12/9/2024, 18:25 من طرف Admin
» كتاب: نقض كتاب تثليث الوحدانية للإمام أحمد القرطبي
12/9/2024, 18:23 من طرف Admin
» كتاب: الشيخ سيدي محمد الصوفي كما رأيته و عرفته تأليف تلميذه الأستاذ عتو عياد
12/9/2024, 18:21 من طرف Admin
» كتاب تجلّيّات السَّادات ، مخطوط نادر جدا للشيخ محمد وفا الشاذلي
12/9/2024, 18:15 من طرف Admin
» كتاب: النسوة الصوفية و حِكمهن ـ قطفها أحمد بن أشموني
12/9/2024, 18:13 من طرف Admin
» كتاب: مرآة العرفان و لبه شرح رسالة من عرف نفسه فقد عرف ربه ـ ابن عربي
12/9/2024, 18:09 من طرف Admin
» كتاب: إتحاف أهل العناية الربانية في اتحاد طرق أهل الله وإن تعددت مظاهرها - للشيخ فتح الله بناني
12/9/2024, 18:06 من طرف Admin
» كتاب: مجموع الرسائل الرحمانية ـ سيدي محمد بن عبد الرحمن الأزهري
12/9/2024, 18:04 من طرف Admin
» كتاب: المواقف الإلهية للشيخ قضيب البان و يليه رسالة تحفة الروح و الأنس ورسالة الأذكار الموصلة إلى حضرة الأنوار للبلاسي
12/9/2024, 18:00 من طرف Admin
» كتاب: مجالس شيخ الإسلام سيدي عبد القادر الجيلاني المسماة جلاء الخواطر
12/9/2024, 17:55 من طرف Admin
» كتاب: كيف أحفظ القرآن الكريم ـ للشيخ السيد البلقاسي
12/9/2024, 14:40 من طرف Admin
» كتاب: الإشارات الإلهية إلي المباحث الأصولية تفسير القرآن العظيم ـ للإمام سليمان الصرصري
12/9/2024, 14:20 من طرف Admin
» كتاب: تربيع المراتب و الأصول .. نتائج أفكار الفحول من أرباب الوصول للشيخ إبراهيم البثنوي
11/9/2024, 18:44 من طرف Admin
» كتاب: الوصول إلى معاني وأسرار القول المقبول ـ للشيخ عبد القادر بن طه دحاح البوزيدي
11/9/2024, 18:42 من طرف Admin