مع الحبيب المصطفى: «سَتَكُونُ لَهُ طَاعَةٌ فِيمَا تَحْتَقِرُونَ»
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
167ـ وقفة مع خطبة حجة الوداع (6)
«سَتَكُونُ لَهُ طَاعَةٌ فِيمَا تَحْتَقِرُونَ»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: لقد قَطَعَ الشَّيطَانُ على نَفْسِهِ عَهْدَاً، وأَعلَنَ هذا العَهْدَ بِكِبْرِهِ وعُتُوِّهِ أَمَامَ اللهِ تعالى، كَمَا قَالَ تعالى عَنهُ: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾.
فَقَعَدَ الشَّيطَانُ لابنِ آدَمَ في كُلِّ طَرِيقٍ يَعرِضُ عَلَيهِ غِوَايَاتِهِ بِأَشكَالٍ شَتَّى، وكُلَّمَا رَدَّ ابنُ آدَمَ شَيئَاً مِنهَا عَرَضَ عَلَيهِ شَيئَاً آخَرَ، حَتَّى يُصِيبَ مِنهُ مَقتَلاً، يَنفُذُ مِنهُ إلى مَا وَرَاءَهُ، فإنْ سَارَعَ العَبدُ للدَّوَاءِ الْتَأَمَ الجُرْحُ، وإلا اتَّسَعَ الخَرقُ على الرَّاقِعِ، وصَدَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِندَمَا قَالَ: «المُؤمِنُ وَاهٍ رَاقِعٌ، فَسَعِيدٌ من هَلَكَ على رَقعِهِ» رواه البَزَّارُ والطَّبَرَانِيُّ في الصَّغِيرِ والأَوسَطِ عَن جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. مَعنَى وَاهٍ: مُذنِبٌ؛ وَرَاقِعٌ: تَائِبٌ مُستَغفِرٌ.
«سَتَكُونُ لَهُ طَاعَةٌ فِيمَا تَحْتَقِرُونَ»:
أيُّها الإخوة الكرام: في حَجَّةِ الوَدَاعِ، وَقَفَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُحَذِّرُ الأُمَّةَ من الشَّيطَانِ، ويُخبِرُهُم أَنَّهُ أَيِسَ أنْ يَعبُدَ النَّاسُ الأَصنَامَ، ولكِنَّهُ رَضِيَ مِنهُم دُونَ الشِّرْكِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا وَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ مِنْ أَنْ يُعْبَدَ فِي بِلَادِكُمْ هَذِهِ أَبَداً، وَلَكِنْ سَتَكُونُ لَهُ طَاعَةٌ فِيمَا تَحْتَقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَسَيَرْضَى بِهِ» رواه الترمذي عن عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
أيُّها الإخوة الكرام: غَايَةُ الشَّيطَانِ التي يُرِيدُهَا من البَشَرِ هيَ أن يَصِيرُوا إلى النَّارِ جَمِيعَاً، قال تعالى عَنهُ: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوَّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾. وقال تعالى: ﴿وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيداً﴾.
فإنْ لَم يَصِلْ إلى غَايَتِهِ، وإنْ لَم يَقدِرْ على إِكفَارِ النَّاسِ، فإنَّهُ لا يَيأَسُ، بل يَرضَى بِبَعْضِ أَبوَابِ الغِوَايَةِ والتَّقصِيرِ.
روى الإمام أحمد والنسائي عَنْ سَبْرَةَ بْنِ أَبِي فَاكِهٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ لَهُ: أَتُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ وَآبَاءِ أَبِيكَ؟
فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ؛ ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: أَتُهَاجِرُ وَتَذَرُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ، وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ؟
فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ؛ ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ، فَقَالَ لَهُ: هُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ، فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ، فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ وَيُقَسَّمُ الْمَالُ.
فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ».
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَمَاتَ، كَانَ حَقًّاً عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ قُتِلَ كَانَ حَقَّاً عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ غَرِقَ كَانَ حَقَّاً عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ كَانَ حَقَّاً عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ».
«أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ»:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد أَوقَعَ الشَّيطَانُ الكَثِيرَ من النَّاسِ في كَثِيرٍ من المُخَالَفَاتِ، أَوقَعَهُم في الصَّغَائِرِ، ثمَّ في الكَبَائِرِ، وبذلكَ حَقَّقَ أَهدَافَهُ، وقد يَتَسَاءَلُ الإنسَانُ عن نِسبَةِ نَجَاحِ الشَّيطَانِ في تَحقِيقِ أَهدَافِهِ، وتَأتِي الإجَابَةُ المُذهِلَةُ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الشيخان عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ.
فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ.
فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ.
قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟
قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ ﴿وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ﴾.
عَدَاوَةُ الشَّيطَانِ للإنسَانِ قَدِيمَةٌ:
أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ عَدَاوَةَ الشَّيطَانِ للإنسَانِ قَدِيمَةٌ، نَشَأَت مُنذُ أنْ خَلَقَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا آدَمَ عَلَيهِ السَّلامُ، ونَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ، قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ * قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ﴾.
فهوَّ العَدُوُّ اللَّدُودُ للإنسَانِ، ولذلكَ وَجَبَ على المُسلِمِ أن يَتَذَكَّرَ هذهِ العَدَاوَةَ، وأن يَجعَلَهَا نُصْبَ عَينَيهِ، وأن لا يَنسَى أَبَدَاً أنَّ هُنَاكَ قَرِينَاً من الشَّيطَانِ مُلازِمَاً لَهُ لا يُفَارِقُهُ، يَتَرَبَّصُ بِهِ من يَومِ وِلادَتِهِ إلى يَومِ فِرَاقِهِ للحَيَاةِ، يُحَاوِلُ إضْلالَهُ وإبَعَادَهُ عن سَبِيلِ اللهِ تعالى، كذلكَ وَجَبَ عَلَيهِ أن يَتَّخِذَهُ عَدُوَّاً لَهُ، قال تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوَّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾.
العِصْمَةُ من مَكَائِدِ الشَّيطَانِ:
أيُّها الإخوة الكرام: بَعدَ أن بَيَّنَ اللهُ تعالى لَنَا عَدَاوَةَ الشَّيطَانِ للإنسَانِ بَيَّنَ اللهُ تعالى لَنَا مَا يَعصِمُنَا من مَكَائِدِهِ وَوَسَاوِسِهِ، ومن الأسبَابِ التي تَعصِمُنَا من الشَّيطَانَ:
أولاً: الإيمَانُ بالله تعالى والتَّوَكُّلُ عَلَيهِ، قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾.
ثانياً: التَّحَقُّقُ بالعِبَادَةِ للهِ عزَّ وجلَّ، قال تعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾.
ثالثاً: التَّحَقُّقُ بالإخلاصِ، قال تعالى عن إبلِيسَ الرَّجِيمِ: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾.
رابعاً: التَّعَوُّذُ باللهِ تعالى من شَرِّ الشَّيطَانِ، قال تعالى: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ باللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: لِنَكُنْ على حَذَرٍ من الشَّيطَانِ ومن طَاعَتِهِ، قال تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾.
ولنَكُنْ على يَقِينٍ بأنَّ الشَّيطَانَ يَسعَى في تَحسِينِ الذُّنُوبِ للعَبدِ حَتَّى يَقَعَ فِيهَا، قال تعالى: ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
ولنَكُنْ على يَقِينٍ بأنَّ الشَّيطَانَ حَرِيصٌ كُلَّ الحِرْصِ على التَّحرِيشِ فِيمَا بَينَ النَّاسِ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ».
اللَّهُمَّ وَفِّقنَا لِمُعَادَاتِهِ، وأَعِنَّا على مُخَالَفَتِهِ، وأَجِرنَا من وَسَاوِسِهِ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
167ـ وقفة مع خطبة حجة الوداع (6)
«سَتَكُونُ لَهُ طَاعَةٌ فِيمَا تَحْتَقِرُونَ»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: لقد قَطَعَ الشَّيطَانُ على نَفْسِهِ عَهْدَاً، وأَعلَنَ هذا العَهْدَ بِكِبْرِهِ وعُتُوِّهِ أَمَامَ اللهِ تعالى، كَمَا قَالَ تعالى عَنهُ: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾.
فَقَعَدَ الشَّيطَانُ لابنِ آدَمَ في كُلِّ طَرِيقٍ يَعرِضُ عَلَيهِ غِوَايَاتِهِ بِأَشكَالٍ شَتَّى، وكُلَّمَا رَدَّ ابنُ آدَمَ شَيئَاً مِنهَا عَرَضَ عَلَيهِ شَيئَاً آخَرَ، حَتَّى يُصِيبَ مِنهُ مَقتَلاً، يَنفُذُ مِنهُ إلى مَا وَرَاءَهُ، فإنْ سَارَعَ العَبدُ للدَّوَاءِ الْتَأَمَ الجُرْحُ، وإلا اتَّسَعَ الخَرقُ على الرَّاقِعِ، وصَدَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِندَمَا قَالَ: «المُؤمِنُ وَاهٍ رَاقِعٌ، فَسَعِيدٌ من هَلَكَ على رَقعِهِ» رواه البَزَّارُ والطَّبَرَانِيُّ في الصَّغِيرِ والأَوسَطِ عَن جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. مَعنَى وَاهٍ: مُذنِبٌ؛ وَرَاقِعٌ: تَائِبٌ مُستَغفِرٌ.
«سَتَكُونُ لَهُ طَاعَةٌ فِيمَا تَحْتَقِرُونَ»:
أيُّها الإخوة الكرام: في حَجَّةِ الوَدَاعِ، وَقَفَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُحَذِّرُ الأُمَّةَ من الشَّيطَانِ، ويُخبِرُهُم أَنَّهُ أَيِسَ أنْ يَعبُدَ النَّاسُ الأَصنَامَ، ولكِنَّهُ رَضِيَ مِنهُم دُونَ الشِّرْكِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا وَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ مِنْ أَنْ يُعْبَدَ فِي بِلَادِكُمْ هَذِهِ أَبَداً، وَلَكِنْ سَتَكُونُ لَهُ طَاعَةٌ فِيمَا تَحْتَقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَسَيَرْضَى بِهِ» رواه الترمذي عن عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
أيُّها الإخوة الكرام: غَايَةُ الشَّيطَانِ التي يُرِيدُهَا من البَشَرِ هيَ أن يَصِيرُوا إلى النَّارِ جَمِيعَاً، قال تعالى عَنهُ: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوَّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾. وقال تعالى: ﴿وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيداً﴾.
فإنْ لَم يَصِلْ إلى غَايَتِهِ، وإنْ لَم يَقدِرْ على إِكفَارِ النَّاسِ، فإنَّهُ لا يَيأَسُ، بل يَرضَى بِبَعْضِ أَبوَابِ الغِوَايَةِ والتَّقصِيرِ.
روى الإمام أحمد والنسائي عَنْ سَبْرَةَ بْنِ أَبِي فَاكِهٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ لَهُ: أَتُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ وَآبَاءِ أَبِيكَ؟
فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ؛ ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: أَتُهَاجِرُ وَتَذَرُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ، وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ؟
فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ؛ ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ، فَقَالَ لَهُ: هُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ، فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ، فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ وَيُقَسَّمُ الْمَالُ.
فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ».
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَمَاتَ، كَانَ حَقًّاً عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ قُتِلَ كَانَ حَقَّاً عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ غَرِقَ كَانَ حَقَّاً عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ كَانَ حَقَّاً عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ».
«أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ»:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد أَوقَعَ الشَّيطَانُ الكَثِيرَ من النَّاسِ في كَثِيرٍ من المُخَالَفَاتِ، أَوقَعَهُم في الصَّغَائِرِ، ثمَّ في الكَبَائِرِ، وبذلكَ حَقَّقَ أَهدَافَهُ، وقد يَتَسَاءَلُ الإنسَانُ عن نِسبَةِ نَجَاحِ الشَّيطَانِ في تَحقِيقِ أَهدَافِهِ، وتَأتِي الإجَابَةُ المُذهِلَةُ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الشيخان عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ.
فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ.
فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ.
قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟
قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ ﴿وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ﴾.
عَدَاوَةُ الشَّيطَانِ للإنسَانِ قَدِيمَةٌ:
أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ عَدَاوَةَ الشَّيطَانِ للإنسَانِ قَدِيمَةٌ، نَشَأَت مُنذُ أنْ خَلَقَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا آدَمَ عَلَيهِ السَّلامُ، ونَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ، قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ * قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ﴾.
فهوَّ العَدُوُّ اللَّدُودُ للإنسَانِ، ولذلكَ وَجَبَ على المُسلِمِ أن يَتَذَكَّرَ هذهِ العَدَاوَةَ، وأن يَجعَلَهَا نُصْبَ عَينَيهِ، وأن لا يَنسَى أَبَدَاً أنَّ هُنَاكَ قَرِينَاً من الشَّيطَانِ مُلازِمَاً لَهُ لا يُفَارِقُهُ، يَتَرَبَّصُ بِهِ من يَومِ وِلادَتِهِ إلى يَومِ فِرَاقِهِ للحَيَاةِ، يُحَاوِلُ إضْلالَهُ وإبَعَادَهُ عن سَبِيلِ اللهِ تعالى، كذلكَ وَجَبَ عَلَيهِ أن يَتَّخِذَهُ عَدُوَّاً لَهُ، قال تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوَّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾.
العِصْمَةُ من مَكَائِدِ الشَّيطَانِ:
أيُّها الإخوة الكرام: بَعدَ أن بَيَّنَ اللهُ تعالى لَنَا عَدَاوَةَ الشَّيطَانِ للإنسَانِ بَيَّنَ اللهُ تعالى لَنَا مَا يَعصِمُنَا من مَكَائِدِهِ وَوَسَاوِسِهِ، ومن الأسبَابِ التي تَعصِمُنَا من الشَّيطَانَ:
أولاً: الإيمَانُ بالله تعالى والتَّوَكُّلُ عَلَيهِ، قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾.
ثانياً: التَّحَقُّقُ بالعِبَادَةِ للهِ عزَّ وجلَّ، قال تعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾.
ثالثاً: التَّحَقُّقُ بالإخلاصِ، قال تعالى عن إبلِيسَ الرَّجِيمِ: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾.
رابعاً: التَّعَوُّذُ باللهِ تعالى من شَرِّ الشَّيطَانِ، قال تعالى: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ باللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: لِنَكُنْ على حَذَرٍ من الشَّيطَانِ ومن طَاعَتِهِ، قال تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾.
ولنَكُنْ على يَقِينٍ بأنَّ الشَّيطَانَ يَسعَى في تَحسِينِ الذُّنُوبِ للعَبدِ حَتَّى يَقَعَ فِيهَا، قال تعالى: ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
ولنَكُنْ على يَقِينٍ بأنَّ الشَّيطَانَ حَرِيصٌ كُلَّ الحِرْصِ على التَّحرِيشِ فِيمَا بَينَ النَّاسِ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ».
اللَّهُمَّ وَفِّقنَا لِمُعَادَاتِهِ، وأَعِنَّا على مُخَالَفَتِهِ، وأَجِرنَا من وَسَاوِسِهِ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin