مع الحبيب المصطفى: الوصايا الربانية للحبيب ﷺ (5)
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
49ـ الوصايا الربانية للحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (5)
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: يَقولُ اللهُ تعالى: ﴿رُسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾.
لماذا إرسالُ الرُّسُلِ، والإنسانُ يَرجِعُ إلى أبيهِ آدمَ الذي خَلَقَهُ اللهُ بِيَدَيهِ؟
لماذا إرسالُ الرُّسُلِ، وكُلُّ مَولودٍ يُولَدُ على الفِطرَةِ؟
لماذا إرسالُ الرُّسُلِ، واللهُ تعالى أخَذَ العَهدَ على بَني آدمَ وهُم في عالَمِ الذَّرِّ؟
الجَوابُ باختِصارٍ: لأنَّ الشَّياطينَ اجتالَتهُم، وفَرَّقَتْهُم، وجَعَلَت بَعضَهُم يُنكِرونَ وُجودَ الله تعالى، وبَعضَهُم يُشرِكونَ به، وبَعضَهُم يَقَعونَ في المُوبِقاتِ والمُهلِكاتِ، وربُّنا عزَّ وجلَّ أخبَرَنا عن الشَّيطانِ بِقَولِهِ عِندَما قالَ لِرَبِّنا عزَّ وجلَّ:﴿فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين * إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِين﴾. وقالَ لهُ: ﴿لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيم﴾.
فمن فَضْلِ الله عزَّ وجلَّ على الخَلقِ أنَّهُ لم يَترُكْهُم تائِهينَ ضالِّينَ، بل اقتَضَت رَحمَتُهُ تعالى وعَدالَتُهُ أن يُرسِلَ لهُم رُسُلاً يَهدونَهُم سَواءَ السَّبيلِ، ويَرُدُّونَهُم إلى الجادَّةِ القَويمَةِ مُوَحِّدينَ، ورَسَمَ للرُّسُلِ مِنهَجَ التَّأثيرِ في النَّاسِ.
ومن هذا المِنهَجَ للتَّأثيرِ في النَّاسِ البِشارَةُ بالجَنَّةِ لمن أطاعَ، والنِّذارَةُ بالنَّارِ لمن عَصى، البِشارَةُ بالحَياةِ الطَّيِّبَةِ لمن أطاعَ، والنِّذارَةُ بِحَياةِ الشَّقاءِ والضَّنكِ لمن عَصى.
الوَصِيَّةُ الرَّبَّانِيَّةُ الخامِسَةُ للحَبيبِ الأعظَمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: من هذا المُنطَلَقِ تأتي الوَصِيَّةُ الرَّبَّانِيَّةُ الخامِسَةُ في سورَةِ الحِجرِ للحَبيبِ الأعظَمِ سيِّدِنا محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَولِهِ تعالى:
﴿وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِين﴾
أيُّها الإخوة الكرام: الإنذارُ هوَ تَخويفٌ بِشَيءٍ يَنالُ منكَ في المُستَقبَلِ، وعليكَ أن تُعِدَّ العُدَّةَ لِتَبتَعِدَ بِنَفسِكَ عن هذا الشَّيءِ المُخيفِ، وهذا الإنذارُ هوَ في الحَقيقَةِ عَينُ الرَّحمَةِ، لأنَّهُ إنذارٌ بالعُقوبَةِ قَبلَ وُقوعِها، وهوَ من نِعَمِ الله تعالى على عَبدِهِ، قال تعالى: ﴿يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَان * فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان﴾. أينَ تَكمُنُ النِّعمَةُ هُنا؟ بالإنذارِ قَبلَ وُقوعِ العُقوبَةِ.
إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ:
أيُّها الإخوة الكرام: جاءَ في الحديثِ الصَّحيحِ الذي رواهُ الشَّيخان عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْماً فَقَالَ: يَا قَوْمِ، إِنِّي رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَيَّ، وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ، فَالنَّجَاءَ.
فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ فَأَدْلَجُوا، فَانْطَلَقُوا عَلَى مَهَلِهِمْ فَنَجَوْا، وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ، فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ، فَصَبَّحَهُمْ الْجَيْشُ فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ.
فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي وَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ، وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي وَكَذَّبَ مَا جِئْتُ بِهِ مِن الْحَقِّ».
أنذِرِ الأقرَبَ فالأقرَبَ:
أيُّها الإخوة الكرام: ولكن يَجِبُ علينا أن نَعلَمَ أنَّهُ قَبلَ إنذارِ الآخَرينَ علينا أن نُنذِرَ أنفُسَنا أولاً، ثمَّ الأقرَبَ فالأقرَبَ، وهذا أدعى للطَّاعَةِ والقَبولِ، أمَّا إذا أنذَرتَ من المُخالَفَةِ وأنتَ واقِعٌ فيها فهذا لا يَنفَعُ، بل قد يُوقِعُ الآخَرينَ في الشَّكِّ من هذا الإنذارِ.
ولذلكَ لو قَرَأنا القُرآنَ العَظيمَ بِتَدَبُّرٍ، فإنَّا نَجِدُ الحَقَّ جلَّ جلالُهُ يأمُرُ سيِّدَنا محمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أن يُنذِرَ الأقرَبينَ أولاً، فَيَقولُ تعالى: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِين﴾. وهذا لِكُلِّ داعٍ للصَّلاحِ والإصلاحِ.
روى الإمام البخاري عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾. صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا، فَجَعَلَ يُنَادِي:
«يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ» ـ لِبُطُونِ قُرَيْشٍ ـ حَتَّى اجْتَمَعُوا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولاً لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ.
فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟».
قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقاً.
قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ».
فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبَّاً لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟
فَنَزَلَتْ: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾.
وروى الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾. قَامَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا.
فَقَالَ: «يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، يَا صَفِيَّةُ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِن الله شَيْئاً، سَلُونِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتُمْ».
وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾. دَعَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشاً فَاجْتَمَعُوا، فَعَمَّ وَخَصَّ.
فَقَالَ: «يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِن النَّارِ.
يَا بَنِي مُرَّةَ بنِ كَعْبٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِن النَّارِ.
يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِن النَّارِ.
يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِن النَّارِ.
يَا بَنِي هَاشِمٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِن النَّارِ.
يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِن النَّارِ.
يَا فَاطِمَةُ، أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِن النَّارِ.
فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِن الله شَيْئاً، غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِماً، سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا» يعني: أصلُكُم في الدُّنيا، ولا أغني عنكُم من الله شيئاً.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: أنذِروا أنفُسَكُم وحَذِّروها من سَخَطِ الله تعالى، ثمَّ ابدَؤوا بالأقرَبِ فالأقرَبِ منكُم، لأنَّ هذا أدعى للقَبولِ والطَّاعَةِ، ويا دُعاةَ الصَّلاحِ والإصلاحِ أرُوا الآخَرينَ من أنفُسِكُم نَموذَجاً صالِحاً، أرُوا الآخَرينَ مِمَّن حَولَكُم نَموذَجاً صالِحاً، وتَذَكَّروا قَولَ سيِّدِنا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عِندَما كانَ يُريدُ أن يُقَرِّرَ شيئاً للأمَّةِ: لقد شاءَ اللهُ أن أُقَرِّرَ كذا وكذا، فمن خالَفَني منكُم في شَيءٍ من هذا جَعَلَهُ نكالاً لعامَّةِ المُسلِمينَ.
اللَّهُمَّ وَفِّقنا لما تُحِبُّهُ وتَرضاهُ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
49ـ الوصايا الربانية للحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (5)
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: يَقولُ اللهُ تعالى: ﴿رُسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾.
لماذا إرسالُ الرُّسُلِ، والإنسانُ يَرجِعُ إلى أبيهِ آدمَ الذي خَلَقَهُ اللهُ بِيَدَيهِ؟
لماذا إرسالُ الرُّسُلِ، وكُلُّ مَولودٍ يُولَدُ على الفِطرَةِ؟
لماذا إرسالُ الرُّسُلِ، واللهُ تعالى أخَذَ العَهدَ على بَني آدمَ وهُم في عالَمِ الذَّرِّ؟
الجَوابُ باختِصارٍ: لأنَّ الشَّياطينَ اجتالَتهُم، وفَرَّقَتْهُم، وجَعَلَت بَعضَهُم يُنكِرونَ وُجودَ الله تعالى، وبَعضَهُم يُشرِكونَ به، وبَعضَهُم يَقَعونَ في المُوبِقاتِ والمُهلِكاتِ، وربُّنا عزَّ وجلَّ أخبَرَنا عن الشَّيطانِ بِقَولِهِ عِندَما قالَ لِرَبِّنا عزَّ وجلَّ:﴿فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين * إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِين﴾. وقالَ لهُ: ﴿لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيم﴾.
فمن فَضْلِ الله عزَّ وجلَّ على الخَلقِ أنَّهُ لم يَترُكْهُم تائِهينَ ضالِّينَ، بل اقتَضَت رَحمَتُهُ تعالى وعَدالَتُهُ أن يُرسِلَ لهُم رُسُلاً يَهدونَهُم سَواءَ السَّبيلِ، ويَرُدُّونَهُم إلى الجادَّةِ القَويمَةِ مُوَحِّدينَ، ورَسَمَ للرُّسُلِ مِنهَجَ التَّأثيرِ في النَّاسِ.
ومن هذا المِنهَجَ للتَّأثيرِ في النَّاسِ البِشارَةُ بالجَنَّةِ لمن أطاعَ، والنِّذارَةُ بالنَّارِ لمن عَصى، البِشارَةُ بالحَياةِ الطَّيِّبَةِ لمن أطاعَ، والنِّذارَةُ بِحَياةِ الشَّقاءِ والضَّنكِ لمن عَصى.
الوَصِيَّةُ الرَّبَّانِيَّةُ الخامِسَةُ للحَبيبِ الأعظَمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: من هذا المُنطَلَقِ تأتي الوَصِيَّةُ الرَّبَّانِيَّةُ الخامِسَةُ في سورَةِ الحِجرِ للحَبيبِ الأعظَمِ سيِّدِنا محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَولِهِ تعالى:
﴿وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِين﴾
أيُّها الإخوة الكرام: الإنذارُ هوَ تَخويفٌ بِشَيءٍ يَنالُ منكَ في المُستَقبَلِ، وعليكَ أن تُعِدَّ العُدَّةَ لِتَبتَعِدَ بِنَفسِكَ عن هذا الشَّيءِ المُخيفِ، وهذا الإنذارُ هوَ في الحَقيقَةِ عَينُ الرَّحمَةِ، لأنَّهُ إنذارٌ بالعُقوبَةِ قَبلَ وُقوعِها، وهوَ من نِعَمِ الله تعالى على عَبدِهِ، قال تعالى: ﴿يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَان * فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان﴾. أينَ تَكمُنُ النِّعمَةُ هُنا؟ بالإنذارِ قَبلَ وُقوعِ العُقوبَةِ.
إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ:
أيُّها الإخوة الكرام: جاءَ في الحديثِ الصَّحيحِ الذي رواهُ الشَّيخان عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْماً فَقَالَ: يَا قَوْمِ، إِنِّي رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَيَّ، وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ، فَالنَّجَاءَ.
فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ فَأَدْلَجُوا، فَانْطَلَقُوا عَلَى مَهَلِهِمْ فَنَجَوْا، وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ، فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ، فَصَبَّحَهُمْ الْجَيْشُ فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ.
فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي وَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ، وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي وَكَذَّبَ مَا جِئْتُ بِهِ مِن الْحَقِّ».
أنذِرِ الأقرَبَ فالأقرَبَ:
أيُّها الإخوة الكرام: ولكن يَجِبُ علينا أن نَعلَمَ أنَّهُ قَبلَ إنذارِ الآخَرينَ علينا أن نُنذِرَ أنفُسَنا أولاً، ثمَّ الأقرَبَ فالأقرَبَ، وهذا أدعى للطَّاعَةِ والقَبولِ، أمَّا إذا أنذَرتَ من المُخالَفَةِ وأنتَ واقِعٌ فيها فهذا لا يَنفَعُ، بل قد يُوقِعُ الآخَرينَ في الشَّكِّ من هذا الإنذارِ.
ولذلكَ لو قَرَأنا القُرآنَ العَظيمَ بِتَدَبُّرٍ، فإنَّا نَجِدُ الحَقَّ جلَّ جلالُهُ يأمُرُ سيِّدَنا محمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أن يُنذِرَ الأقرَبينَ أولاً، فَيَقولُ تعالى: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِين﴾. وهذا لِكُلِّ داعٍ للصَّلاحِ والإصلاحِ.
روى الإمام البخاري عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾. صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا، فَجَعَلَ يُنَادِي:
«يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ» ـ لِبُطُونِ قُرَيْشٍ ـ حَتَّى اجْتَمَعُوا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولاً لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ.
فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟».
قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقاً.
قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ».
فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبَّاً لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟
فَنَزَلَتْ: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾.
وروى الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾. قَامَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا.
فَقَالَ: «يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، يَا صَفِيَّةُ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِن الله شَيْئاً، سَلُونِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتُمْ».
وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾. دَعَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشاً فَاجْتَمَعُوا، فَعَمَّ وَخَصَّ.
فَقَالَ: «يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِن النَّارِ.
يَا بَنِي مُرَّةَ بنِ كَعْبٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِن النَّارِ.
يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِن النَّارِ.
يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِن النَّارِ.
يَا بَنِي هَاشِمٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِن النَّارِ.
يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِن النَّارِ.
يَا فَاطِمَةُ، أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِن النَّارِ.
فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِن الله شَيْئاً، غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِماً، سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا» يعني: أصلُكُم في الدُّنيا، ولا أغني عنكُم من الله شيئاً.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: أنذِروا أنفُسَكُم وحَذِّروها من سَخَطِ الله تعالى، ثمَّ ابدَؤوا بالأقرَبِ فالأقرَبِ منكُم، لأنَّ هذا أدعى للقَبولِ والطَّاعَةِ، ويا دُعاةَ الصَّلاحِ والإصلاحِ أرُوا الآخَرينَ من أنفُسِكُم نَموذَجاً صالِحاً، أرُوا الآخَرينَ مِمَّن حَولَكُم نَموذَجاً صالِحاً، وتَذَكَّروا قَولَ سيِّدِنا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عِندَما كانَ يُريدُ أن يُقَرِّرَ شيئاً للأمَّةِ: لقد شاءَ اللهُ أن أُقَرِّرَ كذا وكذا، فمن خالَفَني منكُم في شَيءٍ من هذا جَعَلَهُ نكالاً لعامَّةِ المُسلِمينَ.
اللَّهُمَّ وَفِّقنا لما تُحِبُّهُ وتَرضاهُ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin