مع الحبيب المصطفى: يا فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
40ـ يا فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: إنَّ ارتِباطَ الوالِدَينِ بالوَلَدِ يكادُ أن يكونَ ارتِباطاً عُضوِيَّاً، كارتِباطِ الأطرافِ بالجَسَدِ، إذا اشتَكى منهُ عُضوٌ تَداعى لهُ سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والحُمَّى.
قال تعالى مُخاطِباً سيِّدَنا آدمَ عليهِ السَّلامُ: ﴿فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى﴾. لم يَقُل مولانا: (فَتَشقَيانِ) بل قال: ﴿فَتَشْقَى﴾. وممَّا لا شَكَّ فيهِ بأنَّ شَقاءَ الزَّوجِ شَقاءٌ للزَّوجَةِ، وكذلكَ شَقاءُ الوَلَدِ مُتعِبٌ لِوالِدَيهِ.
أيُّها الإخوة الكرام: أشقى النَّاسِ من جَمَعَ مالاً، وكانَ له جاهُ وسِيادَةٌ ورِيادَةٌ، ولكنَّ وَلَدَهُ ليسَ كما يَتَمَنَّاهُ، لأنَّ قُرَّةَ العينِ لا تَكونُ بِعَرَضٍ من أعراضِ الدُّنيا، بل تكونُ بالذُّرِّيَّةِ الصَّالِحَةِ التي تُدخِلُ على القَلبِ الفَرحَةَ والسُّرورَ، قال تعالى حِكايَةً عن عِبادِ الرَّحمنِ: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾.
كم هيَ فَرحَةُ الوالِدَينِ بالوَلَدِ الصَّالِحِ الذي يَخافُ اللهَ تعالى ربَّ العالَمينَ، الذي يَقرأُ القُرآنَ العَظيمَ ويَحفَظُهُ، الذي يُصَلِّي ويَصومُ ويأكُلُ الحَلالَ، الذي سُمعَتُهُ طَيِّبَةٌ يُثني النَّاسُ عَلَيهِ خَيراً، الذي يُشارُ إليهِ بالبَنانِ بأنَّهُ من أهلِ التَّقوى والصَّلاحِ والإصلاحِ والسِّيرَةِ العَطِرَةِ؟
﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً﴾:
أيُّها الإخوة الكرام: من أرادَ أن تَكونَ ذُرِّيَّتُهُ قُرَّةَ عَينٍ لهُ فَعَليهِ أن يُرَبِّيَها تَربِيَةً صالِحَةً من خِلالِ قَولِ الله عزَّ وجلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون﴾. ومن خِلالِ قَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» وعَدَّ منها: «وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
اِهتَمَّ بِتَربِيَةِ الوَلَدِ من حيثُ عَقيدَتُهُ وعِبادَتُهُ وأخلاقُهُ وسُلوكُهُ كاهتِمامِكَ بِدِراسَتِهِ، اِهتَمَّ بهِ أن تَكونَ له مَكانَةٌ عِندَ الله عزَّ وجلَّ كاهتِمامِكَ بِمَكانَتِهِ عِندَ الخَلقِ، ولا تَقتَصِر على تَربِيَتِهِ الدُّنيَوِيَّةِ.
حَطَّمَ مِيزانَ التَّفاخُرِ بالنَّسَبِ دونَ العَمَلِ:
أيُّها الإخوة الكرام: أدِّبوا أبناءَكُم على تَحطيمِ مِيزانِ التَّفاخُرِ بالنَّسَبِ دونَ العَمَلِ، أدِّبوهُمُ على أنَّ مِيزانَ التَّفاخُرِ هوَ تَقوى الله عزَّ وجلَّ، أدِّبوهُم على قَولِ الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِير﴾.
أدِّبوهُم على أنَّ النَّسَبَ دونَ العَمَلِ لا يُغني يومَ القِيامَةِ عن الفاجِرِ شيئاً، قال تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءلُون﴾. ماذا يَنفَعُ الفاجِرَ نَسَبُهُ يومَ القِيامَةِ؟ وهوَ الذي يَتَمَنَّى أن يُحرَقَ الجَميعُ في نارِ جَهَنَّمَ لِيَنجُوَ بِنَفسِهِ، قال تعالى: ﴿يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيه * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيه * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويه * وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيه * كَلا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى﴾.
أدِّبوهُم على تَوجيهِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القائِلِ: «لَيَدَعَنَّ ـ لَيَترُكَنَّ ـ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ، إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى الله مِن الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتْنَ ـ دُوَيْبَةٌ سَوْدَاءُ تُدِيرُ الْغَائِطَ بأنفِها ـ» رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
والقائِلِ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ ـ أي: فَخْرهَا وَتَكَبُّرهَا وَنَخْوَتهَا ـ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَنْتَهِيَنَّ ـ أي: لَيَترُكَنَّ ـ أَقْوَامٌ فَخْرَهُمْ بِرِجَالٍ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ ـ أي: أذَلَّ ـ عَلَى الله مِنْ عِدَّتِهِمْ مِن الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتْنَ ـ أي: دُوَيْبَةٌ سَوْدَاءُ تُدِيرُ الْغَائِطَ بأنفها ـ» رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
أدِّبوهُم على أنَّ أكرَمَ النَّاسِ هوَ أتقاهُم لله عزَّ وجلَّ، روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ، قِيلَ: يَا رَسُولَ الله، مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟
قَالَ: «أَتْقَاهُمْ».
فَقَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ.
قَالَ: «فَيُوسُفُ نَبِيُّ الله، ابْنُ نَبِيِّ الله، ابْنِ نَبِيِّ الله، ابْنِ خَلِيلِ الله».
قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ.
قَالَ: «فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِي، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا».
الجَزاءُ من جِنسِ العَمَلِ:
أيُّها الإخوة الكرام: الجَزاءُ من جِنسِ العَمَلِ ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرَّاً يَرَه﴾.
الجَزاءُ من جِنسِ العَمَلِ «واعمَلْ ما شِئتَ فَإنِّكَ مَجزِيٌّ بِهِ» رواه الحاكم عن سَهلِ بنِ سَعدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
الجَزاءُ من جِنسِ العَمَلِ ﴿جَزَاءً وِفَاقاً﴾.
ربُّنا عزَّ وجلَّ جَعَلَ نَسَباً، فقال: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقَاكُمْ﴾. وبَيَّنَ هذا سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَولِهِ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى، أَبَلَّغْتُ؟»
قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي نَضْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
فمن رَفَعَ نَسَبَ الله تعالى في الحَياةِ الدُّنيا رَفَعَهُ اللهُ تعالى، ومن وَضَعَ نَسَبَ الله تعالى ورَفَعَ نَسَبَهُ في الحَياةِ الدُّنيا وَضَعَ اللهُ تعالى نَسَبَهُ يومَ القِيامَةِ.
روى الحاكم والطبراني في الكبير عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَمَرَ اللهُ مُنَادِياً يُنَادِي: أَلا إِنِّي جَعَلْتُ نَسَباً، وَجَعَلْتُمْ نَسَباً، فَجَعَلْتُ أَكْرَمَكُمْ أَتْقَاكُمْ، فَأَبَيْتُمْ إِلا أَنْ تَقُولُوا: فُلانُ بن فُلانٍ خَيْرٌ مِنْ فُلانِ بن فُلانٍ، فَأَنَا الْيَوْمَ أَرْفَعُ نَسَبِي، وَأَضَعُ نَسَبَكُمْ، أَيْنَ الْمُتَّقُونَ؟».
مَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ:
أيُّها الإخوة الكرام: المُعَوَّلُ عَلَيهِ يومَ القِيامَةِ هوَ العَمَلُ لا النَّسَبُ، قال تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون﴾. كيفَ يكونُ النَّسَبُ هوَ المُعَوَّلَ عَلَيهِ وهوَ وَهْبٌ لا عَمَلَ للإنسانَ فيهِ؟
لذلكَ أوضَحَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هذه الحَقيقَةَ بَقَولِهِ: «وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
وهذا سيِّدُنا نوحٌ عَلَيهِ السَّلامُ يَسألُ ربَّنا عزَّ وجلَّ من أجلِ وَلَدِهِ، فَيقولُ: ﴿رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِين﴾. فَيَأتي الجَوابُ من ربِّنا عزَّ وجلَّ: ﴿يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِين﴾.
وهذا سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُنذِرُ عَشيرَتَهُ وقَومَهُ، فَيَقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ـ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا ـ اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِن الله شَيْئاً».
ثمَّ يُخاطِبُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الفَخذَ الذي يَنتَسِبُ إليهِ، فَيَقولُ: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِن الله شَيْئاً».
ثمَّ يُخاطِبُ عَمَّهُ وعَمَّتَهُ، فَيَقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكَ مِن الله شَيْئاً، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ الله، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِن الله شَيْئاً».
ثمَّ يُخاطِبُ فَلذَةَ كَبِدِهِ، والتي هيَ بِضعَةٌ منهُ، فَيَقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِن الله شَيْئاً» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
وفي روايةٍ في مسند البزار عن حُذَيفَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «يا فاطِمَةُ بِنتَ رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، اِعمَلِي لله خَيراً، إنِّي لا أُغني عَنكِ من الله شَيئاً يومَ القِيامَةِ».
ثمَّ قال: «يا عَبَّاسُ بنَ عَبدِ المطَّلِبِ، يا عَمَّ رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، اِعمَل لله خَيراً إنِّي لا أُغني عَنكَ يومَ القِيامَةِ من الله شَيئاً».
وقد ورد في الأثر أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «يَا بَنِي هَاشِمْ، لَا يَأْتِينِي النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ وَتَأْتُونِي بِأَنْسَابِكُمْ، إنِّي لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِن الله شَيْئاً».
وفي رواية للطَّبرانيِّ في الكبير عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اعْمَلِي وَلا تَتَّكِلِي، فَإِنَّ شَفَاعَتِي لِلْهَالِكِينَ مِنْ أُمَّتِي».
تَجاوُزُ الصِّراطِ يومَ القِيامَةِ على حَسبِ العَمَلِ:
أيُّها الإخوة الكرام: نحنُ نَعيشُ هذهِ الأزمَةَ التي شَغَلَتِ النَّاسَ عن بَعضِهِمُ البَعضِ، وكادَ كُلُّ واحِدٍ يقولُ: نَفْسي نَفْسي، ولكن هل تَعلَمونَ أنَّ الأزمَةَ الأشَدَّ والأخطَرَ هيَ عِندَ مُجاوَزَةِ الصِّراطِ المُستَقيمِ يومَ القِيامَةِ؟
النَّاسُ يَمشونَ على الصِّراطِ يومَ القِيامَةِ على حَسبِ أعمالِهِم، لا حَسبَ أنسابِهِم بدونِ عَمَلٍ، فهُناكَ من يَتَجاوَزُهُ كالبَرقِ الخاطِفِ، وهُناكَ من يَتَجَاوَزُهُ كالرِّيحِ المُرسَلَةِ، وهُناكَ من يَتَجَاوَزُهُ بِسُرعَةِ الجَوادِ، وهُناكَ من يَركُضُ رَكضاً، وهُناكَ من يَزحَفُ على وَجهِهِ، فَيَقولُ هذا العبدُ: أي رَبِّ، لِمَاذا أَبْطَأْتَ بِي؟
فَيَقُولُ اللهُ تعالى: لَمْ أُبْطِئْ بِكَ، إِنَّمَا أَبْطَأَ بِكَ عَمَلُكَ. كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواهُ الحاكم عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: «يَأْمُرُ اللهُ بِالصِّرَاطِ فَيُضْرَبُ عَلَى جَهَنَّمَ، فَيَمُرُّ النَّاسُ عَلَيْهِ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، أَوَّلُهُمْ كَلَمْحِ الْبَرْقِ، ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَأَسْرَعِ الْبَهَائِمِ، ثُمَّ كَذَلِكَ، حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ سَعْياً، حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ مَاشِياً، ثُمَّ يَكُونُ آخِرُهُمْ يَتَلَبَّطُ عَلَى بَطْنِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ، لِمَ أَبْطَأْتَ بِي؟ فَيَقُولُ: لَمْ أُبْطِئْ بِكَ، إِنَّمَا أَبْطَأَ بِكَ عَمَلُكَ».
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: أدَِّبوا أبناءَكُم على التَّقوى، وعَرِّفوهُم بأنَّ النَّسَبَ هوَ نَسَبُ التَّقوى، فلا يَنفَعُ الأصلُ إذا كانَتِ النُّفوسُ خَبيثَةً، عَرِّفوهُم بأنَّ أبا لَهَبٍ هوَ عَمُّ رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قال تعالى فيه: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَب * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَب * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَب﴾.
وعَرِّفوهُم بأنَّ سيِّدَنا سَلمانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ فارِسِيُّ الأصلِ، ولكنَّهُ بالتَّقوى رَفَعَهُ اللهُ تعالى، فقالَ فيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ» رواه الحاكم والطَّبرانيُّ عَنْ كَثِيرِ بن عَبْدِ الله الْمُزَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
عَرِّفوهُم بأنَّ سيِّدَنا أبا ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ الذي لا يُدانيهِ واحِدٌ منَّا في عَمَلِهِ الصَّالِحِ، ولن يَستَطيعَ أحَدٌ أن يَصِلَ إلى مُستَواهُ، حيثُ شَرَّفَهُ اللهُ تعالى فَجَعَلَهُ من أصحابِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لمْ يَرضَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أن تَصدُرَ منهُ كَلِمَةٌ من كَلِماتِ الجاهِلِيَّةِ، روى الإمام البخاري عَن الْمَعْرُورِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ.
فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ».
وفي رواية البيهقي عن أبي أمامَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: عَيَّرَ أبو ذَرٍّ بِلالاً بأمِّهِ، فقال: يا ابنَ السَّوداءِ، وإنَّ بِلالاً أتَى رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فأخبَرَهُ، فَغَضِبَ، فَجَاءَ أبو ذَرٍّ ولم يَشعُرْ، فأعرَضَ عنهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فقال: ما أعرَضَكَ عنِّي إلا شَيءٌ بَلَغَكَ يا رسولَ الله.
قال: «أنتَ الذي تُعَيِّرُ بِلالاً بِأمِّهِ؟ والذي أنزَلَ الكِتابَ على مُحَمَّدٍ ما لأحَدٍ عَلَيَّ فَضلٌ إلا بِعَمَلٍ، إن أنتُم إلا كَطَفِّ الصَّاعِ». أي: كَقُربِ المُمتَلِئِ مِنهُ نَاقِصٌ عنِ المِلءِ.
أيُّها الإخوة الكرام: اِجعَلوا تَأديبَ أبنائِكُم مُستَمَدَّاً من سِيرَةِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حيثُ كانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المُؤَدِّبَ الأوَّلَ في الدُّنيا لأبنائِهِ، وبذلكَ سادَ أهلُ بيتِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بعدَ شَرَفِ نَسَبِهِمِ لِحَضرَةِ الحَبيبِ المُصطَفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
وفي الخِتامِ أقولُ لِنَفْسي ولِكُلِّ واحِدٍ فينا: راعوا النَّسَبَ الذي تَنتَسِبونَ إليهِ، راعوا النَّسَبَ المادِّيَّ الذي يَصِلُكُم بأبينا آدمَ عليهِ السَّلامُ، وراعوا النَّسَبَ المَعنَوِيَّ الذي يَصِلُكُم بسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
اللَّهُمَّ وَفِّقنا لما تُحِبُّهُ وتَرضاهُ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
40ـ يا فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: إنَّ ارتِباطَ الوالِدَينِ بالوَلَدِ يكادُ أن يكونَ ارتِباطاً عُضوِيَّاً، كارتِباطِ الأطرافِ بالجَسَدِ، إذا اشتَكى منهُ عُضوٌ تَداعى لهُ سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والحُمَّى.
قال تعالى مُخاطِباً سيِّدَنا آدمَ عليهِ السَّلامُ: ﴿فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى﴾. لم يَقُل مولانا: (فَتَشقَيانِ) بل قال: ﴿فَتَشْقَى﴾. وممَّا لا شَكَّ فيهِ بأنَّ شَقاءَ الزَّوجِ شَقاءٌ للزَّوجَةِ، وكذلكَ شَقاءُ الوَلَدِ مُتعِبٌ لِوالِدَيهِ.
أيُّها الإخوة الكرام: أشقى النَّاسِ من جَمَعَ مالاً، وكانَ له جاهُ وسِيادَةٌ ورِيادَةٌ، ولكنَّ وَلَدَهُ ليسَ كما يَتَمَنَّاهُ، لأنَّ قُرَّةَ العينِ لا تَكونُ بِعَرَضٍ من أعراضِ الدُّنيا، بل تكونُ بالذُّرِّيَّةِ الصَّالِحَةِ التي تُدخِلُ على القَلبِ الفَرحَةَ والسُّرورَ، قال تعالى حِكايَةً عن عِبادِ الرَّحمنِ: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾.
كم هيَ فَرحَةُ الوالِدَينِ بالوَلَدِ الصَّالِحِ الذي يَخافُ اللهَ تعالى ربَّ العالَمينَ، الذي يَقرأُ القُرآنَ العَظيمَ ويَحفَظُهُ، الذي يُصَلِّي ويَصومُ ويأكُلُ الحَلالَ، الذي سُمعَتُهُ طَيِّبَةٌ يُثني النَّاسُ عَلَيهِ خَيراً، الذي يُشارُ إليهِ بالبَنانِ بأنَّهُ من أهلِ التَّقوى والصَّلاحِ والإصلاحِ والسِّيرَةِ العَطِرَةِ؟
﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً﴾:
أيُّها الإخوة الكرام: من أرادَ أن تَكونَ ذُرِّيَّتُهُ قُرَّةَ عَينٍ لهُ فَعَليهِ أن يُرَبِّيَها تَربِيَةً صالِحَةً من خِلالِ قَولِ الله عزَّ وجلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون﴾. ومن خِلالِ قَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» وعَدَّ منها: «وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
اِهتَمَّ بِتَربِيَةِ الوَلَدِ من حيثُ عَقيدَتُهُ وعِبادَتُهُ وأخلاقُهُ وسُلوكُهُ كاهتِمامِكَ بِدِراسَتِهِ، اِهتَمَّ بهِ أن تَكونَ له مَكانَةٌ عِندَ الله عزَّ وجلَّ كاهتِمامِكَ بِمَكانَتِهِ عِندَ الخَلقِ، ولا تَقتَصِر على تَربِيَتِهِ الدُّنيَوِيَّةِ.
حَطَّمَ مِيزانَ التَّفاخُرِ بالنَّسَبِ دونَ العَمَلِ:
أيُّها الإخوة الكرام: أدِّبوا أبناءَكُم على تَحطيمِ مِيزانِ التَّفاخُرِ بالنَّسَبِ دونَ العَمَلِ، أدِّبوهُمُ على أنَّ مِيزانَ التَّفاخُرِ هوَ تَقوى الله عزَّ وجلَّ، أدِّبوهُم على قَولِ الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِير﴾.
أدِّبوهُم على أنَّ النَّسَبَ دونَ العَمَلِ لا يُغني يومَ القِيامَةِ عن الفاجِرِ شيئاً، قال تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءلُون﴾. ماذا يَنفَعُ الفاجِرَ نَسَبُهُ يومَ القِيامَةِ؟ وهوَ الذي يَتَمَنَّى أن يُحرَقَ الجَميعُ في نارِ جَهَنَّمَ لِيَنجُوَ بِنَفسِهِ، قال تعالى: ﴿يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيه * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيه * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويه * وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيه * كَلا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى﴾.
أدِّبوهُم على تَوجيهِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القائِلِ: «لَيَدَعَنَّ ـ لَيَترُكَنَّ ـ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ، إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى الله مِن الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتْنَ ـ دُوَيْبَةٌ سَوْدَاءُ تُدِيرُ الْغَائِطَ بأنفِها ـ» رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
والقائِلِ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ ـ أي: فَخْرهَا وَتَكَبُّرهَا وَنَخْوَتهَا ـ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَنْتَهِيَنَّ ـ أي: لَيَترُكَنَّ ـ أَقْوَامٌ فَخْرَهُمْ بِرِجَالٍ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ ـ أي: أذَلَّ ـ عَلَى الله مِنْ عِدَّتِهِمْ مِن الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتْنَ ـ أي: دُوَيْبَةٌ سَوْدَاءُ تُدِيرُ الْغَائِطَ بأنفها ـ» رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
أدِّبوهُم على أنَّ أكرَمَ النَّاسِ هوَ أتقاهُم لله عزَّ وجلَّ، روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ، قِيلَ: يَا رَسُولَ الله، مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟
قَالَ: «أَتْقَاهُمْ».
فَقَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ.
قَالَ: «فَيُوسُفُ نَبِيُّ الله، ابْنُ نَبِيِّ الله، ابْنِ نَبِيِّ الله، ابْنِ خَلِيلِ الله».
قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ.
قَالَ: «فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِي، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا».
الجَزاءُ من جِنسِ العَمَلِ:
أيُّها الإخوة الكرام: الجَزاءُ من جِنسِ العَمَلِ ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرَّاً يَرَه﴾.
الجَزاءُ من جِنسِ العَمَلِ «واعمَلْ ما شِئتَ فَإنِّكَ مَجزِيٌّ بِهِ» رواه الحاكم عن سَهلِ بنِ سَعدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
الجَزاءُ من جِنسِ العَمَلِ ﴿جَزَاءً وِفَاقاً﴾.
ربُّنا عزَّ وجلَّ جَعَلَ نَسَباً، فقال: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقَاكُمْ﴾. وبَيَّنَ هذا سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَولِهِ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى، أَبَلَّغْتُ؟»
قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي نَضْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
فمن رَفَعَ نَسَبَ الله تعالى في الحَياةِ الدُّنيا رَفَعَهُ اللهُ تعالى، ومن وَضَعَ نَسَبَ الله تعالى ورَفَعَ نَسَبَهُ في الحَياةِ الدُّنيا وَضَعَ اللهُ تعالى نَسَبَهُ يومَ القِيامَةِ.
روى الحاكم والطبراني في الكبير عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَمَرَ اللهُ مُنَادِياً يُنَادِي: أَلا إِنِّي جَعَلْتُ نَسَباً، وَجَعَلْتُمْ نَسَباً، فَجَعَلْتُ أَكْرَمَكُمْ أَتْقَاكُمْ، فَأَبَيْتُمْ إِلا أَنْ تَقُولُوا: فُلانُ بن فُلانٍ خَيْرٌ مِنْ فُلانِ بن فُلانٍ، فَأَنَا الْيَوْمَ أَرْفَعُ نَسَبِي، وَأَضَعُ نَسَبَكُمْ، أَيْنَ الْمُتَّقُونَ؟».
مَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ:
أيُّها الإخوة الكرام: المُعَوَّلُ عَلَيهِ يومَ القِيامَةِ هوَ العَمَلُ لا النَّسَبُ، قال تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون﴾. كيفَ يكونُ النَّسَبُ هوَ المُعَوَّلَ عَلَيهِ وهوَ وَهْبٌ لا عَمَلَ للإنسانَ فيهِ؟
لذلكَ أوضَحَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هذه الحَقيقَةَ بَقَولِهِ: «وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
وهذا سيِّدُنا نوحٌ عَلَيهِ السَّلامُ يَسألُ ربَّنا عزَّ وجلَّ من أجلِ وَلَدِهِ، فَيقولُ: ﴿رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِين﴾. فَيَأتي الجَوابُ من ربِّنا عزَّ وجلَّ: ﴿يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِين﴾.
وهذا سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُنذِرُ عَشيرَتَهُ وقَومَهُ، فَيَقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ـ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا ـ اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِن الله شَيْئاً».
ثمَّ يُخاطِبُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الفَخذَ الذي يَنتَسِبُ إليهِ، فَيَقولُ: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِن الله شَيْئاً».
ثمَّ يُخاطِبُ عَمَّهُ وعَمَّتَهُ، فَيَقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكَ مِن الله شَيْئاً، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ الله، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِن الله شَيْئاً».
ثمَّ يُخاطِبُ فَلذَةَ كَبِدِهِ، والتي هيَ بِضعَةٌ منهُ، فَيَقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِن الله شَيْئاً» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
وفي روايةٍ في مسند البزار عن حُذَيفَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «يا فاطِمَةُ بِنتَ رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، اِعمَلِي لله خَيراً، إنِّي لا أُغني عَنكِ من الله شَيئاً يومَ القِيامَةِ».
ثمَّ قال: «يا عَبَّاسُ بنَ عَبدِ المطَّلِبِ، يا عَمَّ رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، اِعمَل لله خَيراً إنِّي لا أُغني عَنكَ يومَ القِيامَةِ من الله شَيئاً».
وقد ورد في الأثر أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «يَا بَنِي هَاشِمْ، لَا يَأْتِينِي النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ وَتَأْتُونِي بِأَنْسَابِكُمْ، إنِّي لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِن الله شَيْئاً».
وفي رواية للطَّبرانيِّ في الكبير عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اعْمَلِي وَلا تَتَّكِلِي، فَإِنَّ شَفَاعَتِي لِلْهَالِكِينَ مِنْ أُمَّتِي».
تَجاوُزُ الصِّراطِ يومَ القِيامَةِ على حَسبِ العَمَلِ:
أيُّها الإخوة الكرام: نحنُ نَعيشُ هذهِ الأزمَةَ التي شَغَلَتِ النَّاسَ عن بَعضِهِمُ البَعضِ، وكادَ كُلُّ واحِدٍ يقولُ: نَفْسي نَفْسي، ولكن هل تَعلَمونَ أنَّ الأزمَةَ الأشَدَّ والأخطَرَ هيَ عِندَ مُجاوَزَةِ الصِّراطِ المُستَقيمِ يومَ القِيامَةِ؟
النَّاسُ يَمشونَ على الصِّراطِ يومَ القِيامَةِ على حَسبِ أعمالِهِم، لا حَسبَ أنسابِهِم بدونِ عَمَلٍ، فهُناكَ من يَتَجاوَزُهُ كالبَرقِ الخاطِفِ، وهُناكَ من يَتَجَاوَزُهُ كالرِّيحِ المُرسَلَةِ، وهُناكَ من يَتَجَاوَزُهُ بِسُرعَةِ الجَوادِ، وهُناكَ من يَركُضُ رَكضاً، وهُناكَ من يَزحَفُ على وَجهِهِ، فَيَقولُ هذا العبدُ: أي رَبِّ، لِمَاذا أَبْطَأْتَ بِي؟
فَيَقُولُ اللهُ تعالى: لَمْ أُبْطِئْ بِكَ، إِنَّمَا أَبْطَأَ بِكَ عَمَلُكَ. كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواهُ الحاكم عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: «يَأْمُرُ اللهُ بِالصِّرَاطِ فَيُضْرَبُ عَلَى جَهَنَّمَ، فَيَمُرُّ النَّاسُ عَلَيْهِ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، أَوَّلُهُمْ كَلَمْحِ الْبَرْقِ، ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَأَسْرَعِ الْبَهَائِمِ، ثُمَّ كَذَلِكَ، حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ سَعْياً، حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ مَاشِياً، ثُمَّ يَكُونُ آخِرُهُمْ يَتَلَبَّطُ عَلَى بَطْنِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ، لِمَ أَبْطَأْتَ بِي؟ فَيَقُولُ: لَمْ أُبْطِئْ بِكَ، إِنَّمَا أَبْطَأَ بِكَ عَمَلُكَ».
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: أدَِّبوا أبناءَكُم على التَّقوى، وعَرِّفوهُم بأنَّ النَّسَبَ هوَ نَسَبُ التَّقوى، فلا يَنفَعُ الأصلُ إذا كانَتِ النُّفوسُ خَبيثَةً، عَرِّفوهُم بأنَّ أبا لَهَبٍ هوَ عَمُّ رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قال تعالى فيه: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَب * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَب * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَب﴾.
وعَرِّفوهُم بأنَّ سيِّدَنا سَلمانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ فارِسِيُّ الأصلِ، ولكنَّهُ بالتَّقوى رَفَعَهُ اللهُ تعالى، فقالَ فيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ» رواه الحاكم والطَّبرانيُّ عَنْ كَثِيرِ بن عَبْدِ الله الْمُزَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
عَرِّفوهُم بأنَّ سيِّدَنا أبا ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ الذي لا يُدانيهِ واحِدٌ منَّا في عَمَلِهِ الصَّالِحِ، ولن يَستَطيعَ أحَدٌ أن يَصِلَ إلى مُستَواهُ، حيثُ شَرَّفَهُ اللهُ تعالى فَجَعَلَهُ من أصحابِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لمْ يَرضَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أن تَصدُرَ منهُ كَلِمَةٌ من كَلِماتِ الجاهِلِيَّةِ، روى الإمام البخاري عَن الْمَعْرُورِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ.
فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ».
وفي رواية البيهقي عن أبي أمامَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: عَيَّرَ أبو ذَرٍّ بِلالاً بأمِّهِ، فقال: يا ابنَ السَّوداءِ، وإنَّ بِلالاً أتَى رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فأخبَرَهُ، فَغَضِبَ، فَجَاءَ أبو ذَرٍّ ولم يَشعُرْ، فأعرَضَ عنهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فقال: ما أعرَضَكَ عنِّي إلا شَيءٌ بَلَغَكَ يا رسولَ الله.
قال: «أنتَ الذي تُعَيِّرُ بِلالاً بِأمِّهِ؟ والذي أنزَلَ الكِتابَ على مُحَمَّدٍ ما لأحَدٍ عَلَيَّ فَضلٌ إلا بِعَمَلٍ، إن أنتُم إلا كَطَفِّ الصَّاعِ». أي: كَقُربِ المُمتَلِئِ مِنهُ نَاقِصٌ عنِ المِلءِ.
أيُّها الإخوة الكرام: اِجعَلوا تَأديبَ أبنائِكُم مُستَمَدَّاً من سِيرَةِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حيثُ كانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المُؤَدِّبَ الأوَّلَ في الدُّنيا لأبنائِهِ، وبذلكَ سادَ أهلُ بيتِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بعدَ شَرَفِ نَسَبِهِمِ لِحَضرَةِ الحَبيبِ المُصطَفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
وفي الخِتامِ أقولُ لِنَفْسي ولِكُلِّ واحِدٍ فينا: راعوا النَّسَبَ الذي تَنتَسِبونَ إليهِ، راعوا النَّسَبَ المادِّيَّ الذي يَصِلُكُم بأبينا آدمَ عليهِ السَّلامُ، وراعوا النَّسَبَ المَعنَوِيَّ الذي يَصِلُكُم بسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
اللَّهُمَّ وَفِّقنا لما تُحِبُّهُ وتَرضاهُ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
أمس في 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin