..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ وفاؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأهله الكرام (1) ـ أحمد شريف النعسان Empty20/11/2024, 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ وفاؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأهله الكرام (1) ـ أحمد شريف النعسان Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ وفاؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأهله الكرام (1) ـ أحمد شريف النعسان Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ وفاؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأهله الكرام (1) ـ أحمد شريف النعسان Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ وفاؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأهله الكرام (1) ـ أحمد شريف النعسان Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ وفاؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأهله الكرام (1) ـ أحمد شريف النعسان Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ وفاؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأهله الكرام (1) ـ أحمد شريف النعسان Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ وفاؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأهله الكرام (1) ـ أحمد شريف النعسان Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ وفاؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأهله الكرام (1) ـ أحمد شريف النعسان Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ وفاؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأهله الكرام (1) ـ أحمد شريف النعسان Empty18/11/2024, 22:41 من طرف Admin

» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ وفاؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأهله الكرام (1) ـ أحمد شريف النعسان Empty18/11/2024, 22:34 من طرف Admin

» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ وفاؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأهله الكرام (1) ـ أحمد شريف النعسان Empty18/11/2024, 22:23 من طرف Admin

» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ وفاؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأهله الكرام (1) ـ أحمد شريف النعسان Empty18/11/2024, 22:21 من طرف Admin

» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ وفاؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأهله الكرام (1) ـ أحمد شريف النعسان Empty18/11/2024, 21:50 من طرف Admin

» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ وفاؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأهله الكرام (1) ـ أحمد شريف النعسان Empty18/11/2024, 21:38 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ وفاؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأهله الكرام (1) ـ أحمد شريف النعسان

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ وفاؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأهله الكرام (1) ـ أحمد شريف النعسان Empty كتاب: مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ وفاؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأهله الكرام (1) ـ أحمد شريف النعسان

    مُساهمة من طرف Admin 1/10/2020, 18:39

    مع الحبيب المصطفى: وفاؤه ﷺ لأهله الكرام (1)
    مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم



    مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

    36ـ وفاؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لأهله الكرام رَضِيَ اللهُ عنهُ ـ وخاصة السيدة خديجة رَضِيَ اللهُ عنها وأرضاها (1)

    مقدمة الكلمة:

    الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

    فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: لن تَجِدوا في تاريخِ سِيَرِ الرِّجالِ من فَجرِ الخَليقَةِ إلى يَومِنا هذا، بل إلى قِيامِ السَّاعَةِ رَجُلاً يُداني أو يُضاهي سيِّدَنا رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في كمالِ خُلُقِهِ، وعَظَمَةِ شَخصِيَّتِهِ، وباهِرِ وَفائِهِ، فهوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَيرُ البَرِيَّةِ أقصاها وأدناها، وهوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أبَرُّ نَبِيٍّ للدُّنيا وأوفاهُم، وما وُجِدَ على وجهِ الأرضِ أنقى وأطهَرُ سِيرَةً وسريرَةً، وأوفى بِوَعدٍ وعَهدٍ من سيِّدِنا ومولانا محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

    لقد كانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَفِيَّاً لِوَطَنِهِ ولأهلِ وَطَنِهِ في مَكَّةَ المكَرَّمَة، ولقد كانَ وَفِيَّاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِصَحابَتِهِ ولأمَّتِهِ جَمعاءَ إلى قِيامِ السَّاعَةِ، ومن كانَ هذا وَصْفَهُ فلا شَكَّ بأنَّهُ من أوفى خَلقِ الله تعالى على الإطلاقِ لأهلِ بَيتِهِ الكِرامِ رَضِيَ اللهُ عنهُم جميعاً.

    الزَّوجَةُ من أحَقِّ النَّاسِ بالوَفاءِ:

    أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: إنَّ الزَّوجَةُ هيَ من أحَقِّ النَّاسِ بالوَفاءِ لها من قِبَلِ زوجِها، وكيفَ لا يكونُ هذا حالَ المسلِمِ، وسيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يقولُ: «أَحَقُّ مَا أَوْفَيْتُمْ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ»؟ رواه الإمام البخاري عَنْ عُقْبَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

    كيفَ لا يكونُ المسلِمُ وَفِيَّاً لِزَوجَتِهِ وقد أوصاهُ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بذلكَ، عندما قال: «اسْتوْصُوا بِالنِّساءِ خيْراً، فإِنَّ المرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوجَ ما في الضِّلعِ أَعْلاهُ، فَإِنْ ذَهبتَ تُقِيمُهُ كَسرْتَهُ، وإِنْ تركتَهُ، لمْ يزلْ أَعوجَ، فاستوْصُوا بِالنِّسَاءِ»؟ متفقٌ عليه عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنهُ.

    وعندما قال: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي»؟ رواه ابن ماجه عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.

    قُدوَةٌ في الوَفاءِ:

    أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: لقد شَهِدَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِنَفسِهِ بالوَفاءِ لأهلِهِ وبالخَيرِيَّةِ لهُم، وشَهادَتُهُ أصدَقُ من شَهادَاتِ البَشَرِ جميعاً، لأنَّ اللهَ تبارَكَ وتعالى زَكَّى لِسانَهُ بِقَولِهِ تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى﴾. فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عن ذاتِهِ الشَّريفَةِ: «وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي».

    مواقِفُ السَّيِّدَةِ خديجَة رَضِيَ اللهُ عنها وأرضاها:

    أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: قبلَ أن أتَحَدَّثَ عن وَفاءِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لأهلِهِ، وخاصَّةً للسَّيِّدَةِ خديجَة رَضِيَ اللهُ عنها وأرضاها، سَأتَحَدَّثُ عن بعضِ مواقِفِ هذهِ السَّيِّدَةِ العظيمَةِ التي قالَ عنها بعضُ العُلَماءِ: سيِّدَةٌ في قَلبِ المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

    أولاً: لا شيءَ أعَزُّ عليها من بَسمَةِ رِضاً منهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

    لقد كانت رَضِيَ اللهُ عنها وأرضاها حَريصَةً على أن تَرى بَسمَةَ رِضاً منهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فلا شيءَ مهما كانَ شاءَهُ إلا بَذَلَتْهُ له رَضِيَ اللهُ عنها وأرضاها، فلقد رَأتْهُ حَريصاً على غُلامِها زَيدِ بنِ حارِثَةَ فَسارَعَت تُقَدِّمُهُ إليهِ هَدِيَّةً، وتَهَبُهُ له مِلكاً خالِصاً.

    وعندما ضَمَّ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عليَّاً إلى كَفالَتِهِ لمَّا اشتَدَّتِ السُّنونُ بأبي طالِبٍ وضاقَت به الحالُ، تَأمَّلَ في وُدِّها ورِعايَتِها لعليٍّ حيثُ بَسَطَت يَدَهُ في مالِها، لا تُراجِعُهُ في أمرٍ، ولا تَرُدُّهُ عمَّا يَشاءُ.

    وانظُر إلى إكرامِها ولُطفِ مُعامَلَتِها معَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عندما حُبِّبَت إليهِ الخَلوَةُ، وصارَ يَتَّجِهُ إلى غارِ حِراءَ في جَبَلِ النُّورِ، يَعتَكِفُ مُتَأمِّلاً، ويَتَعَبَّدُ مُتَأمِّلاً، فلم تُعاتِبْهُ على غِيابٍ، ولم تسألْهُ عن ذَهابٍ أو إيابٍ، ولم يَكُن مَوقِفُها في هذا مَوقِفَ الرَّاضي المستَسلِمِ فَحَسْبُ، وإنَّما مَوقِفَ المُعينِ الدَّاعِمِ، تُجَهِّزُ وتُعِدُّ له ما يَحتاجُهُ في خَلوَتِهِ تلكَ من طعامٍ وشرابٍ ومِهادٍ، تُجَهِّزُهُ قبلَ خُروجِهِ، وتَحمِلُ إليهِ إن طالَت غَيبَتُهُ، وتُرسِلُ إليهِ إن تأخَّرَ، بل وتَحمِلُهُ بِنَفسِها إلى حِراءَ، الذي لا يَقِلُّ بُعدُهُ عن ثلاثَةِ أميالٍ، تَصعَدُ إلى ذُروَةِ هذا الجَبَلِ الشَّاهِقِ، حيثُ الغارُ القائِمُ إلى اليومِ، يُجهِدُ الفتى الصَّاعِدَ إليهِ، فما بالُكَ بها رَضِيَ اللهُ عنها وأرضاها، وكانَ مَكثُهُ في الغارِ بِضعَةَ أيَّامٍ قد تُكمِلُ عشرةً، وقد تزيدُ حتَّى تَبلُغَ شهراً، خاصَّةً في رمضانَ الذي كانَ كثيراً ما يُتِمُّهُ في خَلوَتِهِ.

    ثانياً: كانَ جوابُها يَصُبُّ السَّكينَةَ في الوِجدانِ:

    أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: لمَّا جاءَهُ الحَقُّ وهوَ في غارِ حِراءَ، نَزَلَ إليهِ جِبريلُ عليهِ السَّلامُ بِصُورَةِ إنسانٍ، فَقَالَ: اقْرَأْ.

    قَالَ: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي ـ ضَمَّنِي وَعَصَرَنِي، وَالْغَطُّ حَبْسُ النَّفَسِ ـ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ـ بَلَغَ الْغَطُّ مِنِّي غَايَةَ وُسْعِي ـ ثُمَّ أَرْسَلَنِي».

    فَقَالَ: اقْرَأْ.

    قُلْتُ: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي».

    فَقَالَ: اقْرَأْ.

    فَقُلْتُ: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي».

    فَقَالَ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ﴾.

    فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى السَّيِّدَةِ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وأرضاها، فَقَالَ: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي».

    فَزَمَّلُوهُ، حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي». رواه البخاري عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عنهَا.

    وهُنا تَقِفُ العُقولُ في عَجَبٍ من يقينِ هذهِ المرأةِ الفَذَّةِ وجوابِها لِزَوجِها في هذا الموقِفِ الذي يُزَلزِلُ صَناديدَ الرِّجالِ، ويَبعَثُ أوَّلَ ما يَبعَثُ في أيِّ امرأةٍ سِواها الخَوفَ والجَزَعَ.

    ولكنَّها خَديجَةُ الحازِمَةُ المتَطَلِّعَةُ إلى نَبأ الغَيبِ، المتَشَوِّقَةُ إلى أمَلِها في أن يكونَ زوجُها الحبيبُ صاحِبَ البُشرى، ومَوئِلَ النُّبُوَّةِ، ومَقصِدَ الوَحيِ من السَّماءِ، فكانَ جوابُها الذي صَبَّ في وِجدانِهِ السَّكينَةَ: (كَلَّا والله مَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَداً، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ ـ مَن لَا يَقدِرُ عَلى العَمَلِ وَالكَسبِ ـ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ ـ تَسْعَى فِي طَلَب عَاجِز تُنْعِشهُ ـ وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ). رواه الإمام البخاري عن عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها.

    ما أروَعَهُ من مَوقِفٍ مِنكِ يا أُمَّاه، وما أجَلَّ ما حَباكِ به اللهُ يا أيُّتَها الطَّاهِرَةُ من عَقلٍ وحِكمَةٍ!! وما أعظَمَ ما استَقبَلتِ به النَّبَأ الذي هَزَّ المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ورَوَّعَهُ! وهكذا جَعَلَها اللهُ تعالى عَوناً ووزيراً لِحَبيبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، تَشُدُّ أزرَهُ وتُثَبِّتُهُ ـ جَعَلَنا اللهُ تعالى على قَدَمِهِ، وجَعَلَ نِساءَنا كالسَّيِّدَةِ خديجَةَ رَضِيَ اللهُ عنها وأرضاها. آمين ـ

    أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: كم نحنُ بِحاجَةٍ إلى سِيرَةِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وخاصَّةً في هذهِ الآوِنَةِ؟ كم نحنُ الآنَ بِحاجَةٍ إلى هذهِ الصِّفاتِ المَمدوحَةِ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ: إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ؟ صِفاتٌ اجتِماعِيَّةٌ فيها معنى التَّكامُلِ والتَّكافُلِ والتَّعاوُنِ.

    اِصبِر يا ابنَ العمِّ:

    أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: لم تَكتَفِ أمُّنا السَّيِّدَةُ خديجَةُ رَضِيَ اللهُ عنها وأرضاها بهذهِ الكلماتِ التي قالَتْها لسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بل انطَلَقَت به إلى ابنِ عَمِّها وَرَقَةَ بنِ نَوفَلٍ، وكانَ شيخاً كبيراً، فقالت له: يَا ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِن ابْنِ أَخِيكَ.

    فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي، مَاذَا تَرَى؟

    فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَأَى.

    فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ ـ صَاحِبُ السِّرِّ ـ الَّذِي نَزَّلَ اللهُ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعاً، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيَّاً إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ.

    فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟».

    قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْراً مُؤَزَّراً. رواه الإمام البخاري عن عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها.

    لقد جاءَت كلاماتُ ابنِ عمِّها تأكيداً لما كانَ يُحَدِّثُها زوجُها الأمينُ، ولما كانَت تراهُ من رُؤى، وتَشعُرُ به من مَشاعِرَ، وما كانَت تَراهُ من رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وقد حُبِّبَت إليهِ الخَلوَةُ، وأصبَحَ يَميلُ إلى البُعدِ عن النَّاسِ.

    أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: كُلُّ هذهِ الأمورِ جَعَلَتْها أوَّلَ المؤمنينَ، وأسرَعَ المُصَدِّقينَ، بل وكانَت حَريصَةً على إعانَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في تَحَمُّلِ هذا العِبءِ العَظِيمِ، وكانَت رَضِيَ اللهُ عنها وأَرضَاهَا تَقولُ له: (أَبْشِرْ يَا ابْنَ الْعَمِّ، وَاثْبُتْ، فَوَالَّذِي نَفْسُ خَدِيجَةَ بِيَدِهِ، إِنِّي لَأَرْجُو أَن تَكُونَ نَبِيَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ). رواه البيهقي عن ابن إسحاق.

    خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

    أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: من فَضلِ الله تعالى على أمِّنا السَّيِّدَةِ خديجَةَ رَضِيَ اللهُ عنها وأرضاها التي وَقَفَت هذهِ المواقِفَ معَ حبيبِهِ المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أنْ جَعَلَها اللهُ تعالى أوَّلَ من آمَنَ، وأوَّلَ من صَدَّقَ، وأوَّلَ من وَقَفَ معَهُ، وأوَّلَ من آزَرَهُ، وأوَّلَ من نَصَرَهُ، وأوَّلَ من صَلَّى معَهُ قبلَ أن تُفرَضَ الفرائِضُ.

    جاءَ في المواهِبِ اللَّدُنِّيَّةِ: وقد رُوِيَ أنَّ جِبريلَ ظَهَرَ له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في أوَّلِ ما أُوحِيَ إليهِ في أحسَنِ صُورَةٍ، وأطيَبِ رائِحَةٍ وهوَ بأعلى مَكَّةَ ـ وفي روايةٍ: بجبلِ حِراءَ ـ فقال: يا محمَّد، إنَّ اللهَ يُقرئُكَ السَّلامَ ويقولُ لكَ: أنتَ رسولي إلى الجِنِّ والإنسِ، فادعُهُم إلى قَولِ لا إله إلا اللهُ، وأنَّ محمَّداً رسولُ الله.

    ثمَّ ضَرَبَ بِرِجلِهِ الأرضَ فَنَبَعَت عَينُ ماءٍ، فَتَوَضَّأ منها جِبريلُ عليهِ السَّلامُ، ورسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَنظُرُ إليه، لِيُرِيَهُ كيفِيَّةَ الطَّهورِ للصَّلاةِ.

    ثمَّ أمَرَهُ أن يَتَوَضَّأ كما رآهُ يَتَوَضَّأُ، ثمَّ قامَ جِبريلُ يُصَلِّي مُستَقبِلاً الكعبَةَ وأمَرَهُ أن يُصَلِّي معَهُ، فصَلَّى رَكعَتَينِ ثمَّ عَرَجَ إلى السَّماءِ.

    ورَجَعَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى أهلِهِ، فكانَ لا يَمُرُّ بِحَجَرٍ إلا وهوَ يقولُ: السَّلامُ عليكَ يا رسولَ الله، فسارَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حتَّى أتى خديجَةَ رَضِيَ اللهُ عنها وأرضاها فأخبَرَها، فَغَشِيَ عليهَا من الفَرَحِ.

    ثمَّ أخَذَ بِيَدِها وأتى بها إلى زمزم فَتَوَضَّأ لِيُرِيَها الوُضوءَ، ثمَّ أمَرَها فَتَوَضَّأت، وصَلَّى بها كما صَلَّى به جِبريلُ عليهِ السَّلامُ، وهيَ بهذا أوَّلُ من آمَنَ، وأوَّلُ من ثَبَتَ، وأوَّلُ من تَوَضَّأ وأوَّلُ من صَلَّى. اهـ.

    نعم أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: لقد صَدَقَ اللهُ تعالى القائِلُ: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه﴾. لقد قَدَّمَتِ السَّيِّدَةُ خديجَةُ رَضِيَ اللهُ عنها وأرضاها الكثيرَ، فَكافَأها اللهُ تعالى في الدُّنيا قبلَ الآخِرَةِ ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيد﴾. اللَّهُمَّ وَفِّقنا لما تُحِبُّهُ وتَرضاهُ. آمين.

    وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.


      الوقت/التاريخ الآن هو 22/11/2024, 06:38